حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 193223
تحميل: 3502


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193223 / تحميل: 3502
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

* واحد فتدبر. ويمكن الذب عن الاشكال بانه إنما إذا لم يكن القضية طبيعية والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر بل بلحاظ أفراده وإلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط

______________________________

وجوب التصديق لخبر الواسطة والثاني انشاؤه للخبر الحاكي عنها صح ولم يتوجه الاشكال لأن أحدهما غير الآخر فيصح أن يكون أحدهما مصححا للآخر وموضوعا له ولا يكون اتحاد الحكم والموضوع (قوله: والحكم فيها بلحاظ طبيعة) حاصل الجواب: أن الأثر الثابت للمؤدى الذي يكون مصححا لجعل الحجية ووجوب تصديق الخبر (تارة) يلحظ بما هو طبيعة الأثر (وأخرى) يلحظ بما أنه حاك عن الأفراد، والاشكال إنما يلزم لو كان ملحوظا على النحو الثاني لأن الفرد الملحوظ الذي أخذ موضوعا لوجوب التصديق لابد أن يكون غير الحكم بوجوب التصديق أما إذا كان ملحوظا على النحو الاول فلا يلزم الاشكال لأن طبيعة الاثر غير الحكم بوجوب التصديق فيجوز أن تكون موضوعا له، ومن المعلوم أنه لا مانع من أن يكون الموضوع نفس الطبيعة فإذا ثبت الحكم لتلك الطبيعة وكانت تلك الطبيعة تسرى إلى نفس وجوب التصديق سرى إليه حكمها ايضا سراية حكم الطبيعة إلى افرادها التي تسري هي إليها، ويمكن الخدشة فيه (أولا) بأن المصحح لجعل الحجية ليس طبيعة الأثر بما هي طبيعة الأثر وإنما المصحح له مصداق الاثر فلا يمكن أخذ الاثر المصحح بنحو الطبيعة فتأمل (وثانيا) بأن طبيعة الأثر الملحوظة إما أن تلحظ مطلقة أو مهملة، والاول ممتنع للزوم المحذور بعينه لان الموضوع إذا كان يجب عقلا أن يكن مغايرا لحكمه كيف يمكن أن يكون له اطلاق يشمل حكمه ؟ وهو ظاهر جدا، والثاني يوجب قصورا الآية عن شمول الخبر إذا كان أثر مؤداه وجوب التصديق وهو عين الاشكال فيبقى الاشكال بحاله (قوله: مضافا إلى القطع بتحقق) يعني لو سلمنا عدم شمول الدليل للخبر الحاكي عن الواسطة يمكن أن نقول بان الآية إنما دلت على جوب تصديق كل خبر حتى خبر الواسطة لكن بلحاظ ما عداه من الآثار المترتبة على المؤدى لا بلحاظ وجوب التصديق، إلا أنه

١٢١

في سائر الآثار في هذا الأثر أي وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وإن كان لا يمكن أن يكون ملحوظا لأجل المحذور وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار في وجوب الترتيب لدى الاخبار بموضوع صار أثره الشرعي وجوب التصديق وهو خبر العدل ولو بنفس الحكم في الآية فافهم. ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك

______________________________

لما علم بوجود المناط فيه ايضا وأنه لا فرق بينه وبين غيره من الآثار في وجوب الترتيب أو لم يكن قول بالفصل بينه وبين غيره من الآثار نقول بوجوب ترتيبه ايضا كغيره من الآثار. هذا ولكن لا يخفى أن هذا فرار عن الاشكال لا جواب عنه، ولعله إلى هذا أشار بقوله: فافهم، أو أن العلم بالمناط وعدم القول بالفصل يستكشف بهما جعل الحكم ثانيا بانشاء مستقل وهو خلاف الفرض (قوله: في سائر) متعلق بمحذوف حال أو صفة للمناط (قوله: في هذا الاثر) متعلق بتحقق (قوله: أي وجوب) تفسير لهذا الاثر (قوله: أو إلى عدم القول) معطوف على قوله: إلى القطع (قوله: في وجوب) متعلق بالفصل (قوله: وهو خبر) الضمير راجع إلى الموضوع. هذا (والأولى) أن يقال: ان الكلام في أمثال المقام (تارة) يكون بلحاظ مقام الثبوت والواقع (وأخرى) بلحاظ مقام الاثبات، اما الكلام في المقام الاول فنقول فيه: انه لا ريب في أن وجوب التصديق الثابت للخبر ليس وجوبا واحدا شخصيا بل هو منحل إلى وجوبات متعددة بتعدد أفراد الخبر فكل خبر يكون له شخص من وجوب التصديق لا يكون للخبر الآخر فإذا أخبرا لكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا (ع) فلكل من الخبر الحاكي والمحكي وجوب تصديق غير ما يكون للآخر فيجوز أن يكون أحدها مصححا للآخر وموضوعا له فوجوب التصديق الثابت لخبر البزنطي موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر ابراهيم والثاني موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر ابنه وهو موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر الكليني ولا اشكال في ذلك بعد تغايرها، وأما الكلام في

١٢٢

للاشكال في خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا بانه لا يكاد يكون خبر تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد فيكف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا وذلك لانه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية

______________________________

المقام الثاني فهو أنه لا مانع من انشاء أحكام متعددة مترتبة بعضها موضوع للآخر بانشاء واحد وجعلها بجعل واحد كذلك لان ترتيبها في مقام الثبوت وفى أنفسها لا يقتضي ترتيبها في مقام الانشاء فيجوز حينئذ للجاعل أن ينشئ هذه الوجوبات المترتبة بانشاء واحد والوجه في ذلك أن الوجوب الذي يكون موضوعا للآخر ليس موضوعا له بوجوده الانشائي الخارجي حتى يتوقف انشاء وجوب التصديق للخبر الحاكي عن الواسطة على انشاء أثر لخبر الواسطة ويمتنع انشاؤها بانشاء واحد بل يكون موضوعا بوجوده الفرضي فيرجع لسان دليل الجعل إلى أنه مهما كان لمؤدى الخبر أثر وجب تصديق الخبر وترتيب ذلك الأثر وإن كان من سنخ وجوب التصديق فيثبت لكل خبر هذا الحكم منوطا بان يكون لمؤداه أثر وان كان ذلك الأثر من سنخ هذا الحكم. هذا ملخص ما أفاده بعض مشايخنا المعاصرين زيد تأييده (قوله: للاشكال في خصوص) هذا هو الاشكال الثاني في المقام الذي ذكره شيخنا الأعظم (قده) في رسائله الذي عرفت أنه يختص بخبر الواسطة لا غير وحاصله أن خبر الواسطة إنما صار خبرا تعبدا بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها فيمتنع أن يكون موضوعا لوجوب التصديق لأن ما يكون معلولا للحكم ومتأخرا عنه يمتنع أن يثبت له ذلك الحكم للزوم الدور فانه موقوف على الحكم حسب الفرض والحكم موقوف عليه حسب الدعوى (قوله: وذلك لأنه إذا كان) هذا بيان لوجه الاندفاع وحاصله ما أشار إليه سابقا من أن الاشكال انما يتوجه لو كان وجوب التصديق ثابتا للخبر بلحاظ الأفراد أما إذا كان حكما على

١٢٣

أو لشمول الحكم فيها له مناطا وان لم يشمله لفظا أو لعدم القول بالفصل فتأمل جيدا (ومنها) آية النفر قال الله تبارك وتعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة.. الآية) وربما يستدل بها من وجوه (أحدها) أن كلمة (لعل) وإن كانت مستعملة على التحقيق

______________________________

طبيعة الخبر فنفس الطبيعة مما لم تكن ناشئة عن الحكم المذكور فإذا ثبت الحكم للطبيعة وثبت خبر الواسطة بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها كان خبر الواسطة من أفراد تلك الطبيعة وسرى إليه حكمها سراية حكم الطبيعة إلى افرادها (وفيه) ما عرفت من أن الخبر الموضوع لوجوب التصديق إن أخذ مطلقا لزم المحال وان أخذ مهملا جاء الاشكال لأن المهملة في قوة الجزئية فلا تصلح لاثبات الحكم بوجوب التصديق لخبر الواسطة (وبالجملة): ثبوت الحكم لما ينشأ عنه مستحيل ولا يدفع استحالته بما ذكر (قوله: أو لشمول الحكم) معطوف على قوله: لأنه، وكذا قوله: أو لعدم القول بالفصل، يعني انا نستكشف الحكم لخبر الواسطة بتوسط العلم بالمناط أو عدم القول بالفصل وان كان الدليل المذكور لا يشمله، وقد عرفت أن هذا فرار عن الاشكال فالأولى الرجوع إلى ما ذكره بعض مشايخنا المتقدم إليه الاشارة من كون الحكم بوجوب التصديق للخبر ليس حكما واحدا غير قابل للتحليل بل هو منحل إلى أحكام متعددة بتعدد الخبر والحكم الثابت لخبر الواسطة لم ينشأ منه الخبر وانما نشأ من مثله الثابت للخبر الحاكي عن الواسطة، ولا مانع من انشاء هذه الاحكام المترتبة بانشاء واحد، فلاحظ وتأمل والله سبحانه أعلم.

آية النفر

(قوله: الآية) تمام الآية: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ومحل الاستدلال منها قوله تعالى: لعلهم يحذرون، وتقريب الاستدلال بها أحد الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن،

١٢٤

في معناها الحقيقي وهو الترجي الإيقاعي الانشائي إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان هو محبوبية التحذر عند الانذار وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه وعدم حسنه بل عدم امكانه بدونه (ثانيها) انه لما وجب الانذار لكونه غايه للنفر الواجب كما هو قضية كلمة (لو لا) التحضيضية وجب التحذر وإلا لغى وجوبه (ثالثها) أنه جعل غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجب. ويشكل الوجه الاول بأن التحذر لرجاء ادراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته من فوت المصلحة أو

______________________________

 (قوله: في معناها الحقيقي) حسبما تقدم منه بيانه في صيغة الأمر (قوله: يستحيل في حقه) وجه استحالة الترجي الحقيقي في حقه تعالى أنه يعتبر فيه الجهل بوقوع الأمر المرجو (قوله: شرعا) قيد لوجوبه (قوله: لعدم الفصل) دليل على الوجوب الشرعي لان كل من رجح الحذر فقد أوجبه (قوله: وعقلا) معطوف على قوله: شرعا، يعني إذا ثبت محبوبية الحذر وجب عقلا لانه إذا كان له مقتض وجب والا لم يحسن كذا قرر في المعالم (قوله: بل عدم امكانه) يعني إذا لم يكن مقتض للحذر لم يمكن الحذر لان الحذر هو الاحتياط في دفع المكروه فإذا لم يكن مقتض للحذر بان كان المكروه مأمونا لا معنى للحذر حينئذ كما لا معنى للاحتياط (قوله: لكونه غاية) لدخول لام الغاية عليه (قوله: كما هو) بيان لوجه وجوب النفر (قوله: لو لا التحضيضية) هي احدى حروف التحضيض الأربع وهي (لو لا) و (لو ما) و (الا) و (هلا) والمعروف عند النحاة أنها إذا دخلت على المضارع أفادت طلب الفعل والحث عليه وعلى الماضي أفادت التوبيخ على تركه والحض على الشئ الحث عليه، ومنه قوله تعالى: ولا تحاضون على طعام المسكين (قوله: جعل غاية للانذار) فان (لعل) في هذا المقام واقعة موقعها في قوله تعالى: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (قوله: بأن التحذر لرجاء) حاصله أن الحذر وإن كان عبارة عن

١٢٥

الوقوع في المفسدة حسن وليس بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف ولم يثبت ها هنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل. والوجه الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار بايجاب

______________________________

الاحتياط في دفع المكروه إلا أن المكروه (تارة) يراد به العقاب ونحوه مما يترتب على المعصية (وأخرى) يراد به الوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة مما يترتب على مخالفة التكليف، فان كان المراد به في المقام هو الاول امتنع التفكيك بين حسنه ووجوبه شرعا لعدم القول بالفصل وعقلا لوجوبه مع وجود مقتضيه... الخ ما ذكر في تقريب الاستدلال، أما إذا كان المراد به الثاني فلا مانع من التفكيك بين حسنه ووجوبه وعدم الفصل بينهما لم يثبت غاية الأمر عدم القول بالفصل وهو لا يدل على عدم الفصل، كما أن قول المستدل: لوجوبه مع وجود مقتضيه، ممنوع بل لا ريب في حسنه مع وجود مقتضيه مع عدم وجوبه كما في جميع موارد الاحتياط في الشبهات البدوية التي يرجع فيها إلى أصالة البراءة. نعم يشكل ذلك بان الحذر بالمعني المذكور إنما يترتب على مجرد احتمال الواقع بلا توسط الخبر فترتيبه على الخبر يقتضي أن يكون المراد به المعنى الاول (قوله: ها هنا) يعني إذا لم تقم حجة على التكليف (قوله: غايته عدم القول) بل لا ريب في ثبوت القول بالفصل لما عرفت من حسن الاحتياط عندهم في الشبهات البدوية مع كون المرجع فيها البراءة (قوله: والوجه الثاني والثالث) معطوف على الاول يعني يشكل الوجهان بعدم انحصار... الخ وحاصل إشكالهما: أنه وإن سلم اقتضاء ما ذكر من التقريبين لوجوب الحذر المترتب على الانذار لكن لم يظهر من الآية وجوبه مطلقا وإن لم يحصل العلم بل المستفاد منها وجوبه في الجملة ولو كان مختصا بصورة إفادة الانذار للعلم إذ يكفي ذلك في كونه فائدة لوجوب الانذار وعدم كونه لغوا كما يكفي في كونه غاية للواجب (فان قلت): اختصاص وجوب الحذر بصورة افادة الانذار للعلم خلاف إطلاق الآية (قلت): الآية ليست مسوقة لبيان وجوب الحذر لكونه فائدة لوجوب الانذار أو غاية للانذار بل هي مسوقة لبيان وجوب النفر

١٢٦

التحذر تعبدا لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غايتيه التحذر ولعل وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بكونه مشروطا به فان النفر انما يكون لاجل التفقه وتعلم معالم الدين ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية لكي يحذروا إذا أنذروا بها وقضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الانذار بها كما لا يخفى

______________________________

وإذا لم تكن مسوقة لذلك لم يكن لها اطلاق لعدم كون المتكلم في مقام البيان الذي هو شرط ثبوت اطلاق الكلام (فان قلت): إذا كانت الآية مسوقة لبيان وجوب النفر فقد دلت على وجوب النفر على كل أحد من الطائفة كما دلت على وجوب الانذار بكل ما علم فحينئذ نقول: لو اختص وجوب الحذر بصورة حصول العلم لزم كون وجوب الانذار غير الموجب للعلم بلا فائدة أو ليس له غاية واجبة وهو باطل (قلت): لم يظهر من الآية كون الحذر فائدة لوجوب كل إنذار مستقلا أو غاية له كذلك، بل المحتمل قريبا أن يكون فائدة لعموم الحكم وهو الوجوب على الطائفة لا الوجوب لكل واحد وكذا كونه غاية بل لعل تخصيص الوجوب بطائفة من كل فرقة مشعر بذلك والأصل في الحكم الثابت للجماعة ان يكون ثابتا لهم في حال الاجتماع لا مطلقا (قوله: التحذر تعبدا) يعني وان لم يحصل العلم (قوله: لو لم نقل بكونه مشروطا) هذا إشكال آخر ذكره الشيخ (ره) في رسائله مضافا إلى الاشكال الاول وحاصل هذا الاشكال: أن ظاهر الآية كون الحذر الواجب هو ما يكون بعد الانذار بما تفقهوا فيه من الأمور الدينية فلابد في الحكم بوجوب الحذر من إحراز كون الانذار بالأمور الدينية المتفقه فيها ومع الشك في ذلك يشك في وجوب الحذر فإذا لم يعلم بصدق المخبر لم يعلم أنه منذر بالأمور الواقعية فلا يجب عقلا الحذر للشك في موضوعه (قوله: على الوجهين في تفسير) ففي أحدهما

١٢٧

(تم) إنه أشكل أيضا بان الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر حيث انه ليس شأن الراوي إلا الاخبار بما تحمله لا التخويف والانذار وانما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد (قلت): لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الأول في نقل ما تحملوا من النبي - صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام - والامام عليه السلام، من الأحكام إلى الانام

______________________________

أن المراد تفقه النافرين لينذروا المتخلفين وفى الآخر تفقه المتخلفين لينذورا النافرين عند رجوعهم إلى المتخلفين فعلى الاول ضمير (يتفقهوا) و (ينذروا) و (رجعوا) راجع إلى الطائفة النافرين وضمير (إليهم) و (لعلهم) راجع إلى المتخلفين، وعلى الثاني ضمير (يتفقهوا) و (ينذروا) و (إليهم) راجع إلى المتخلفين وضمير (رجعوا) و (لعلهم) راجع إلى النافرين (قوله: ثم انه أشكل أيضا) هذا الاشكال ثالث الاشكالات التى ذكرها الشيخ (ره) في الاستدلال بالآية الشريفة، وحاصله: أن الآية دلت على وجوب الحذر عقيب الانذار المترتب عليه والانذار هو الابلاغ بقصد التخويف والتخويف إنما يكون باعمال النظر فهو من وظيفة المجتهد فوجوب الحذر بعده راجع إلى جعل حجية اجتهاده وحيث أن اجتهاد المجتهد لا يكون حجة على مجتهد مثله فلابد من تخصيص الآية بمن يجب عليه الرجوع إلى المجتهد لحجية رأيه عليه ولا تكون مما نحن فيه من حجية الخبر، وبهذا التقرير لم يتضح ايراد المصنف (ره) عليه بأنه لو فرض دلالتها على... الخ الراجع إلى أن ظاهر الآية حجية الخبر مع التخويف من حيث أنه خبر وبضميمة عدم القول بالفصل تدل على حجية غيره، ووجه الاشكال: انه لم يظهر من الآية حجية الخبر من حيث أنه خبر - بناء على البيان الذي ذكرناه - وإنما دلت على حجية الانذار المتقوم بالخبر والتخويف، وحيث أن الثاني اجتهادي فقد دلت على حجية الاجتهاد فالتخويف مقوم للحجية لا أنه ظرف للحجية ليتم

١٢٨

* إلا كحال نقلة الفتاوي إلى العوام ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الابلاغ والانذار والتحذير بالبلاغ فكذا من الرواة فالأية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة بدونه أيضا لعدم الفصل بينهما جزما فافهم (ومنها) آية الكتمان: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا) الآية وتقريب الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم القبول عقلا للزوم لغويته بدونه ولا يخفى انه لو سلمت هذه اللازمة لا مجال للايراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر من دعوى الاهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم فانها تنافيهما كما لا يخفى، لكنها ممنوعة فان اللغوية غير لازمة لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبدا وإمكان أن تكون حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه لئلا يكون للناس على الله حجة بل كان عليهم الحجة البالغة (ومنها) آية السؤال عن أهل الذكر (فأسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وتقريب الاستدلال

______________________________

عدم القول بالفصل ولعل قوله: فافهم، إشارة إلى ذلك. هذا والإنصاف أن الآية الشريفة لا تدل على حجية الخبر ولا على حجية الاجتهاد بل هي أجنبية عنهما بالمرة، وإنما تدل على وجوب التفقه في الدين وتعلم معالمه في الاصول والفروع لغاية تعليم الجاهلين وتفقيههم باقامة الحجة عليهم وإقناعهم بالطريق الذي تعلموا به وتفقهوا بلا دلالة لها على حجية الاجتهاد أو الخبر أصلا لا مطابقة ولا التزاما، وظني أن ذلك ظاهر بأدنى تأمل (قوله: إلا كحال نقلة) يعني أنهم نقلة لا أنهم مفتون وإذا كانوا من قبيل النقلة لا المفتين فإذا صح التخويف منهم ولا يخرجون به عن كونهم ناقلين فالآية تدل على حجية نقلهم في حال التخويف لا على حجية اجتهادهم وإذا دلت على حجية نقلهم في حال التخويف دلت على حجيته في غيره لعدم القول بالفصل، لكن عرفت تقريب الاشكال بنحو لا يتوجه عليه ما ذكر إلا أن يكون مقصود المصنف (ره) منع كون التخويف اجتهاديا ولكنه كما ترى فلاحظ (قوله: لو سلمت هذه الملازمة لا مجال) كانه قصد بذلك

١٢٩

بها ما في آية الكتمان وفيه أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب وقد أورد عليها بانه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذكر فلا دلالة لها على التعبد بما يروي الراوي فانه بما هور اولا يكون من أهل الذكر والعلم فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية (وفيه) أن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر والاطلاع على رأى الامام - عليه السلام - كزارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ويصدق على السؤال عنهم أنه السؤال عن أهل الذكر والعلم ولو كان السائل من أضرابهم فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مطلقا لعدم الفصل جزما في وجوب القبول

______________________________

الايراد على ما في الرسائل حيث ذكر فيها الايراد ان الأولان المذكوران سابقا في الجواب عن الاستدلال بآية النفر ولم يتعرض فيها لنفي الملازمة بنحو يظهر منه تسليمها، لكن الظاهر من عبارة الرسائل نفي الملازمة بذكر الايرادين كما يظهر من قوله (ره) فيها: نعم لو وجب الاظهار... الخ فليلحظ (قوله: لا للتعبد بالجواب) هذا غير ظاهر بل خلاف الظاهر، ويشهد له أن المضمون المذكور موجود في جملة من الاخبار التى استدل بها على حجية الخبر ولم يتوهم هذا الاشكال فيها. نعم من أجل أن مورد الآية الشريقة أصول الدين التي يجب فيها تحصيل العلم لابد من حملها على ذلك مع امكان دعوى كون المقصود الاحتجاج على اليهود باقوال علمائهم التي هي حجة باعتقادهم وليست في مقام جعلها حجة كما لا يخفى فليتأمل (قوله: وقد اورد عليها بانه) هذا الايراد ذكره شيخنا الاعظم في رسائله (قوله: وفيه أن كثيرا من الرواة) وفيه أنه إذا سلم كون المراد من أهل الذكر أهل العلم والفتوى فظاهر الآية سؤالهم عما هم فيه من اهل العلم لا في غيره فزرارة ومحمد بن مسلم ونحوهما إذا كانوا من اهل الفتوى فوجوب سؤالهم يختص بما هم فيه من أهل الفتوى ولا يشمل غيره كالاقوال المسموعة من المعصوم (ع) نعم لو أريد من أهل العلم مطلق من كان كثير العلم ولو بالمسموعات والمبصرات

١٣٠

* بين المبتدأ والمسبوق بالسؤال ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من اهل الذكر وإنما يروي ما سمعه أو رأه فافهم (ومنها) آية الاذن: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) فانه تبارك وتعالى مدح نبيه بانه يصدق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى. وفيه اولا أنه إنما مدحه بانه أذن وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبدا. وثانيا أنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التى تنفعهم ولا تضر غيرهم لا التصديق بترتيب جميع الآثار كما هو المطلوب في باب حجية الخبر ويظهر ذلك من تصديقه للتمام بانه ما نمه وتصديقه لله تعالى بانه نمه كما هو المراد من التصديق في قوله - عليه السلام -: فصدقه وكذبهم حيث قال - على ما في الخبر -: (يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون

______________________________

توجه الاشكال لكنه ليس مبنى الايراد فلتلحظ عبارة الرسائل، إلا أن يكون مقصود المصنف (ره) الايراد من هذه الجهة، وأن المراد من أهل الذكر كثيروا العلم والاطلاع ولو بنحو المسموعات والمبصرات فيشمل مثل زرارة من حيث الرواية ويتعدى إلى غيره بضميمة عدم القول بالفصل فيكون إشكالا في محله إلا ان مناسبة الحكم والموضوع تقضي بكون الظاهر إرادة السؤال ممن هو عالم في موضوع السؤال بلا دخل للاجتهاد وكثرة الاطلاع، فلاحظ (قوله: بين المبتدأ والمسبوق) إشارة إلى دفع اشكال آخر على الاستدلال بالآية بانها أخص من المدعى لأنها إنما تدل على الخبر المسبوق بالسؤال فلا تعم الخبر الابتدائي وحاصل الدفع: أنه لا يمكن الفصل بين النوعين في الحجية فإذا دلت على حجية أحدهما دلت على حجية الآخر (قوله: خصوص الآثار التى) كما يشهد به قوله تعالى: أذن خير لكم، الظاهر في أنه أذن خير لجميع الناس إذ لو كان المراد ترتيب جميع الآثار كان أذن خير للمخبر - بالكسر - لا غير كما أوضحه في الرسائل فراجع (قوله: من تصديقه للتمام) كما عن تفسير القمي أنه نم منافق

١٣١

قسامة أنه قال قولا وقال: لم أقله فصدقه وكذبهم) فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرهم وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم والا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين ؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة اسماعيل فتأمل جيدا

فصل

(في الأخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد)

وهي وإن كانت طوائف كثيرة كما يظهر من مراجعة الوسائل وغيرها إلا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد غير متفقة على لفظ ولا على معنى فتكون متواترة لفظا أو معنى ولكنه مندفع بانها وان كانت كذلك إلا أنها متواترة إجمالا ضرورة أنه يعلم بصدور بعضها منهم - عليهم السلام - وقضيته وان كان حجية خبر أخصها مضمونا الا انه يتعدى عنه فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية وقد دل على حجية ما كان أعم فافهم.

______________________________

على النبي صلى الله عليه وآله فاخبره الله تعالى بذلك فاحضره النبي صلى الله عليه وآله وسأله فحلف له أنه لم ينم عليه فقبل منه النبي صلى الله عليه وآله فاخذ الرجل يطعن على النبي صلى الله عليه وآله ويقول: إنه يقبل كل ما يسمع، حكاه في الرسائل فراجع (قوله: قسامة) بالفتح الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم (قوله: في قصة اسماعيل) المحكية في الرسائل حيث قال له أبوه - عليه السلام -: إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم (قوله: من مراجعة الوسائل) والرسائل أيضا حيث قسمها فيها إلى طوائف (قوله: أخصها مضمونا) أخص الاخبار مضمونا ما دل على حجية خبر العادل ويوجد فيها خبر العادل الدال على حجية خبر الثقة فتستنتج حجية خبر الثقة. بل يمكن دعوى التواتر الاجمالي في غير ما دل على حجية خبر العادل فيكون ما دل على حجية خبر الثقة أخص مضمونا من غيره فتستفاد حجية خبر الثقة بلا واسطة. نعم فيها ما يدل على عدم حجية خبر غير الامامي مثل

١٣٢

فصل

(في الاجماع على حجية الخبر)

وتقريره من وجوه (أحدها) دعوى الاجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ فيكشف رضاه - عليه السلام - بذلك ويقطع به أو من تتبع الاجماعات المنقولة على الحجية ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما اخذ في اعتباره من الخصوصيات ومعه لا مجال لتحصيل القطع برضائه - عليه السلام - من تتبعها. وهكذا حال تتبع الاجماعات المنقولة. اللهم إلا أن يدعى تواطؤها على الحجية في الجملة وإنما الاختلاف في الخصوصيات

______________________________

مكاتبة علي بن سويد: لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك إن تعديتهم أخذت دينك من الخائنين... الحديث، ولكنه - مع معارضته بغيره مما دل على جواز العمل بكتب بني فضال والشلمغاني وما ورد في تفسير قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) فظاهر التعليل فيه أن المانع من العمل باخبارهم عدم الائتمان فتأمل، ثم إني لم أجد فيما رأيت من أخبار الثقات ما يدل على حجية ما هو أعم من ذلك فلابد من التتبع والتأمل، كما أن الظاهر مما دل على حجية خبر الثقة من تلك النصوص اعتبار كونه ثقة في خصوص ذلك الخبر ولا يعتبر كونه ثقة في نفسه، وكأن الوجه في ذلك مناسبة الحكم لموضوعه وإلا فاطلاق الثقة يقتضي كونه ثقة مطلقا، فقرينة المناسبة المذكورة ولا سيما بملاحظة الارتكاز العقلائي أوجبت كون الظاهر ما ذكرنا، ولأجل ذلك استقر بناء الأصحاب على العمل باخبار الضعفة مع اقترانها بما يوجب الوثوق بصدورها ولو كان ذلك مثل عمل المشهور أو الاساطين بها كما لا يبعد أن يكون المراد من الوثوق الوثوق النوعي جريا على مقتضي الارتكاز العقلائي (قوله: من تتبع فتاوى) فيكون الاجماع حينئذ محصلا (قوله: أو من تتبع الاجماعات) فيكون الإجماع محكيا متواترا لا بنقل الآحاد حتى يلزم الدور (قوله: إلا أن يدعى تواطؤها)

١٣٣

المعتبرة فيها ولكن دون اثباته خرط القتاد (ثانيها) دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية كما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها. وفيه - مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الاول، أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين أو بما هم عقلاء ولو لم يلزموا بدين كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الامور الدينية من الامور العادية فيرجع إلى ثالث الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت إلى زماننا ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان

______________________________

يعني أن الاختلاف في خصوصيات الفتاوى أو معاقد الاجماعات المنقولة مانع من حصول الاتفاق على الحجية إلا إذا كان الاختلاف راجعا إلى الاختلاف فيما هو الحجة بحيث لو انكشف لبعض بطلان مذهبه لابد أن يلتزم باحد المذاهب الباقية فلو ادعي ذلك كان اجماعا وحجة، إلا أن اثبات هذه الدعوى صعب جدا، لكن الانصاف ان ذلك ليس بذلك البعيد (قوله: دعوى اتفاق العلماء عملا) الفرق بين هذا الوجه والوجه الاول هو الفرق بين الطريق والواقع فان الاجماع العملي انما يكون حجة من جهة كشفه عن الاجماع القولي (قوله: مضافا إلى ما عرفت) من جهة اختلاف العلماء عملا فلا يكشف عن اتفاقهم قولا على الحجية الا إذا كان عن تواطء منهم على الحجية (قوله: لم يحرز أنهم اتفقوا... الخ) يعني أن الاتفاق العملي وان كان كاشفا عن الاتفاق القولي لكنه مجمل من حيث أن قولهم بذلك بما أنهم مسلمون ومتدينون فيكون الاتفاق القولي المستكشف بالعمل من قبيل الاتفاق على الحكم الشرعي فيعلم أنه مأخوذ من الشارع يدا بيد إلى زماننا هذا، أو بما أنهم عقلاء فلا يرتبط بجهة الشارع أصلا بل يكون ذلك بناء منهم كسائر أبنية العقلاء ويكون حينئذ راجعا إلى الوجه الثالث وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء... الخ. وقد يقرر هذا الوجه على وجوه (الاول) أن الشارع

١٣٤

الاقدس كما كان في مقام جعل الاحكام كان في مقام جعل الطرق الواصلة إلى المكلفين ايضا وحيث أن العقلاء بناؤهم على طريقية خبر الثقة ولم يكن قد نصب الشارع طريقا غيره يعلم أنه الطريق المجعول عنده ويكون قد اعتمد في ايصاله إلى المكلفين ببناء العقلاء عليه إذا لولا ذلك لزم الإخلال بغرضه وهو مستحيل، وهذا الوجه يتوقف على مقدمات ثلاث (الاولى) كون الشارع في مقام نصب الطرق (الثانية) كونه طريقا عند العقلاء (الثالثة) عدم ثبوت طريق سواه، (والاولى) ممنوعة كما اعترف بذلك شيخنا الأعظم (ره) في التنبيه الاول من تنبيهات الانسداد فليلحظ (والثانية) مسلمة (والثالثة) مبنية على عدم تمامية الادلة المتقدمة على الحجية (الثاني) أن الشارع بعد ما جعل أحكاما واقعية وكان خبر الثقة عند العقلاء طريق ارتكازيا يجرون معه حيث ما جرى وينتهون معه حيث ما انتهى لاعتقاد كونه طريقا إلى تلك الأحكام لكون طريقيته مما تقتضيها فطرتهم وجبلت عليها نفوسهم فلو سلكوه فأخطأ كان عقابهم عقابا بلا بيان لفرض الغفلة منهم وعدم تنبيه الشارع لهم، وهذا الوجه لا يتوقف الا على اثبات كونه طريقا عند العقلاء على النحو المذكور، إلا أنه لا يجدي الا في حق العامل بالخبر غفلة منه وجريا على مقتضى ارتكاز طريقيته، أما المتنبه الملتفت الشاك في طريقيته فلا يجدي في حقه لعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في حقه إذ مع الشك يرجع إلى ما يحكم به عقله من البراءة أو الاشتغال حسب اختلاف الموارد، (الثالث) بناء العقلاء على كون خبر الثقة مقتضيا للحجية فهو بنفسه منجز للواقع وعذر في مخالفته وبذاته معيار للاطاعة والمعصية ومناط للثواب والعقاب إذا لم يردع عنه المولى ومع احتمال الردع يبنى على عدمه تعبدا منهم أو إذا قام على عدمه طريق من ظاهر قول أو فعل أو حال معتبر، وهذا الوجه من أحسن الوجوه إلا أنه غير ثابت (الرابع) بناؤهم على كونه حجة بينهم يعامل معاملة الحجج الذاتية إلا أن ارتكاز حجيته عندهم أوجب اعتقاد كونه حجة عند الشارع فانه مولاهم وسيدهم، وحيث أن ذلك البناء منهم لو كان على خلاف الواقع كان الواجب

١٣٥

ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به في الشرعيات ايضا (ان قلت): يكفي في الردع الايات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم وناهيك قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (قلت): لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك فانه مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين. ولو سلم فانما المتيقن - لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها - هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة، لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر وذلك لان الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة هو يتوقف على الردع عنها بها وإلا لكانت مخصصه أو مقيدة لها كما لا يخفى

______________________________

عليه لقاعدة اللطف ردعهم وتنبيههم على خطئهم فحيث لم يرد عهم على أن اعتقادهم كان موافقا للواقع واحتمال وجود مفسدة في الردع أو مصلحة في عدم الردع خلاف الظاهر نعم لابد من احراز مقدمات الامضاء من الاطلاع وامكان الردع مما يوجب الظهور في الامضاء وهذا الوجه هو الذي ينبغي أن يعول عليه هنا وفي سائر موارد بناء العقلاء (قوله: ومن الواضح انه يكشف) لم يظهر الوجه في هذا الاستكشاف ولم يتضح أن المصنف (ره) بان على أي التقريرات المذكورة، وعبارته هنا مجملة، نعم سيأتي في آخر الفصل قوله: ضرورة ان ما جرت... الخ ونبين هناك أنه تقرير آخر غير ما ذكر (قوله: في اصول الدين) قد عرفت وجه التأمل فيه في أول مبحث الخبر فراجع (قوله: اطلاقها) فاعل لقوله: المنصرف (قوله: هو خصوص) خبر لقوله: المتيقن، ثم إن في دعوى الانصراف المذكورة تأملا أو منعا، بل الظاهر أنه لو دل على حجية بعض الظنون دليل كان مخصصا أو حاكما على الآيات الشريفة كما تقدم بيان ذلك إجمالا، ولو تمت دعوى الانصراف المذكورة كان الدليل واردا عليها، فلاحظ (قوله: لا يكاد يكون الردع) خبر قوله سابقا (فانه) (قوله: لان الردع بها يتوقف... الخ) من الواضح أن

١٣٦

* مقتضى الاخذ بظاهر الآيات الشريفة ينافي مقتضي الاخذ بالسيرة، وحينئذ يقع الكلام في أن مقتضى القاعدة تقديم الاول بجعل الآيات رادعة عن السيرة، أو الثاني يجعل السيرة مخصصة لعموم الآيات فنقول: تارة تكون السيرة مانعة عن انعقاد ظهور الآيات في الردع عنها وأخرى لا تكون كذلك بل تكون مانعة من حجية ظهور الآيات في الردع، فعلى الاول لا ينبغي التأمل في وجوب الاخذ بمقتضى السيرة لان اقتضاء الآيات للردع يتوقف على ظهورها فيه وظهورها فيه يتوقف على عدم وجود السيرة - حسب الفرض - فإذا فرض وجود السيرة كان مانعا عن انعقاد ظهور الآيات في الردع فيمتنع الردع بها عن السيرة، وعلى الثاني لابد من الأخذ بمقتضى الآيات ورفع اليد عن السيرة، وذلك لان الردع بالآيات يتوقف على ظهورها فيه وكون ذلك الظهور حجة، أما ظهورها فمسلم حسب الفرض، واما كون ذلك الظهور حجة فلعدم المزاحم له في الحجية الا السيرة والسيرة أيضا لا تصلح للمزاحمة لأن حجيتها مشروطة بعدم وجود الرادع وظهور الآيات يكفي في الردع (فان قلت): يمكن دعوى العكس بأن نقول: حجية الظهور في الردع موقوفة على عدم حجية السيرة وإلا كانت مخصصة للظهور مانعة عن حجيته (قلت): وجود مقتضي الحجية في ظهور الآيات في الردع غير موقوف على شئ وإنما الموقوف على عدم مانعية السيرة فعلية الحجية للظهور بخلاف مقتضي الحجية في السيرة فانه موقوف على عدم الرادع عنها فيكون مقتضي الحجية في الظهور تنجزيا وفي السيرة تعليقيا، ولا ريب أن المقتضي التنجيزي لا يصلح لمعارضته المقتضي التعليقي لأن الثاني ينتفي بثبوت الاول لأنه مقتضي كونه تعليقيا على عدم الآخر كما هو ظاهر بالتأمل، ومن ذلك يظهر لك الاشكال في قول المصنف (ره): لان الردع بها يتوقف على عدم التخصيص أو التقييد بالسيرة، لان فعلية التخصيص متأخرة رتبة عن اقتضاء السيرة للتخصيص وفي رتبة الاقتضاء المذكور لا مانع من فعلية الردع فإذا كان الردع فعليا ارتفع اقتضاء السيرة للتخصيص فتمتنع فعليته فعدم التخصيص معلول الردع لا موقوف عليه الردع، فتأمل في المقام فانه به

١٣٧

(لا يقال): على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلا على وجه دائر فان اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها وهو يتوقف على تخصيصها بها وهو يتوقف على عدم الردع بها عنها (فانه يقال): إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما يكفي في تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى ضرورة أن ما جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الاطاعة والمعصية وفى استحقاق العقوبة بالمخالفة وعدم استحقاقها مع الموافقة ولو في صورة المخالفة عن الواقع يكون عقلا في الشرع متبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات

______________________________

حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (قوله: على هذا لا يكون اعتبار) يعني أن لازم ما ذكر من أن الردع يتوقف على عدم التخصيص ان عدم الردع موقوف على التخصيص لأن ما يتوقف على عدمه وجود الشئ يكون مانعا عن وجود الشئ، وإذا كان مانعا عنه كان علة لعدمه وكذا قوله: عدم التخصيص موقوف على الردع، ملازم لقولنا: التخصيص موقوف على عدم الردع (قوله: وهو يتوقف) يعني عدم الردع موقوف على تخصيصها بها وهذه المقدمة من لوازم كون الردع موقوفا على عدم التخصيص (قوله: وهو يتوقف) يعني تخصيصها يتوقف على عدم الردع بها هذه المقدمة من لوزام كون عدم التخصيص موقوفا على الردع (قوله: يكفي في حجيته بها عدم) حاصل الاشكال المنع عما ذكر في السؤال من أن اعتبار الخبر بالسيرة يتوقف على عدم الردع بل انما يتوقف على عدم ثبوع الردع فلا دور (قوله: ضرورة ان ما جرت عليه) تعليل لجواز الاعتماد على السيرة إذا لم يثبت الردع، وحاصل التعليل: ان الاطاعة الواجبة بحكم العقل والمعصية المحرمة كذلك ما كان طاعة أو معصية عند العقلاء ومن المعلوم ان خبر الثقة إذا كان حجة عند العقلاء كان سلوكه طاعة عندهم ومخالفته معصية فيجب سلوكه عقلا لانه طاعة عند العقلاء وتحرم مخالفته لانها معصية كذلك، نعم لو قام دليل شرعي على خلاف ما عند العقلاء كان واجب الاتباع

١٣٨

فافهم وتأمل (١)

______________________________

عقلا (وفيه) انه لا ريب فيما ذكر من كون الاطاعة والمعصية الواجبة والمحرمة ما كان طاعة ومعصية عند العقلاء لكن المراد به انه يجب الرجوع إلى العقلاء في تشخيص مفهوم الاطاعة والمعصية مثل قصد الامر والوجه والتمييز أو غير ذلك مما يعتبر في مفهوم الاطاعة والعمد ونحوه مما يعتبر في مفهوم المعصية لا غير ذلك مما يرجع إلى المصداق وحينئذ فإذا كان سلوك ما هو طريق عند المولى طاعة ومخالفته معصية ولم يثبت كون خبر الثقة طريقا عند الشارع لا يكون سلوكه طاعة للشارع عندهم، ولا مخالفته معصية له عندهم أصلا، ومجرد كونه طريقا عندهم بنحو تكون موافقته طاعة ومخالفته معصية عندهم بالاضافة إلى مواليهم لا يلازم كونه كذلك بالاضافة إلى الشارع، نعم لو كان العقلاء مرجعا في تشخيص مصداقهما كان ما ذكر في محله الا انه في غاية المنع، وهذا الوجه الذي ذكره المصنف (ره) خامس تقريرات حجية السيرة التي اشرنا إليها سابقا، وقد عرفت أن الوجه المتعين منها هو الرابع المتوقف على احراز رضا الشارع وامضائه ولو بظاهر الحال الله سبحانه اعلم (قوله: فافهم وتأمل) قد أشار

______________

(١) قولنا: فافهم وتأمل، اشارة إلى كون خبر الثقة متبعا ولو قيل بسقوط كل من السيرة والاطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الامر بين ردعها به وتقييده بها وذلك لاجل استصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين (فان قلت): لا مجال لاحتمال التقييد بها فان دليل اعتبارها مغي بعدم الردع عنها ومعه لا تكون صالحة لتقييد الاطلاق مع صلاحيته للردع عنها كما لا يخفى (قلت): الدليل ليس إلا إمضاء الشارع لها ورضاه بها المستكشف بعدم ردعه عنها في زمان مع إمكانه وهو غير مغي. نعم يمكن ان يكون له واقعا وفي علمه تعالى أمد خاص كحكمه الابتدائي حيث انه ربما يكون له أمد فينسخ فالردع في الحكم الامضائي ليس إلا كالنسخ في الابتدائي وذلك غير كونه بحسب الدليل مغي كما لا يخفى (وبالجملة) ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلا كحال الخاص المقدم والعام والمؤخر في -

١٣٩

في الحاشية في وجه ذلك إلى تقرير آخر في حجية السيرة على حجية خبر الثقة وحاصله: ان سيرة العقلاء على العمل بالخبر قبل نزول الآيات المذكورة كانت بلا رادع فتكون حجة على الحجية وبعد نزول الآيات يدور الامر بين تخصيص الايات بها وكونها رادعة عنها كما هو الحال في الخاص المقدم على العام إذ يدور الامر بين كونه مخصصا للعام ومنسوخا به، وقد تقدم ان الاولى القول بالتخصيص ولو فرض التوقف فالمرجع اصالة الحجية (ثم) اورد على نفسه بان ذلك يتم لو لم يكن دليل اعتبار السيرة معني بعدم الردع عنها اما إذا كان مغيي بذلك ففي زمان نزول الآيات يمتنع ان تكون السيرة مقيدة أو مخصصة لاطلاقها أو عمومها لعدم الدليل على اعتبارها حينئذ من جهة تحقق غاية الاعتبار (ثم) اجاب بان الدليل على اعتبارها إمضاء الشارع لها ورضاه المستكشف بعدم الردع عنها في زمان وهو غير مغيي بعدم الرادع نظير دليل الحكم الابتدائي هذا ملخص كلامه (ولكن) الانصاف يقتضي الفرق بين الاحكام الابتدائية والاحكام الامضائية فان ظهور أدلة الثانية في الدوام والاستمرار في غاية الاشكال وان كان مسلما في ادلة الاول لان الوجه في ذلك الظهور ظهور الاحكام الابتدائية في كونها احكاما قانونية ليست مخصصة بزمان دون زمان وليس الامر كذلك في الاحكام الامضائية، كيف والغالب كون تبليغ الاحكام على التدريج ؟ ولذا لا يصح أن يدعى أن جميع الاحكام الابتدائية في الشريعة المقدسة كانت ناسخة لما كان قبلها من الاحكام الامضائية بل النسخ يختص بالاحكام الابتدائية التي تعقبها حكم على خلافها، نعم لو فرض عدم الردع إلى زمان انقطاع

______________

- دوران الأمر بين التخصيص بالخاص أو النسخ بالعام ففيهما يدور الأمر ايضا بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم. منه قدس سره

١٤٠