حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 193147
تحميل: 3500


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193147 / تحميل: 3500
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

* هو نفيهما عنهما بلسان نفيهما فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر إذا كان بحكم العقل لعدم العسر في متعلق التكليف وإنما هو في الجمع بين محتملاته احتياطا (نعم) لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط لأن العسر حنيئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة فتكون منفية بنفيه. ولا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الاطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها بل لابد من دعوى وجوبه شرعا كما أشرنا إليه في بيان المقدمة الثالثة فافهم وتأمل جيدا، واما الرجوع إلى الاصول فبالنسبة إلى الاصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف

______________________________

التكليف والوضع وفى (عنهما) إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) الثاني إلى الضرر والحرج (قوله: هو نفيهما) خبر لأن من قوله: من أن التوفيق، يعني أن التوفيق حمل دليل الوضع والتكليف المتعلقين بالضرر والحرج على نفي التكليف والوضع عن الضرر والحرج بلسان نفي الضرر والحرج ويكون من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه (قوله: كما قيل) القائل هو الشيخ كما عرفت (قوله: منفية بنفيه) لما عرفت انها من قبيل نفي السبب بنفي المسبب (قوله: لا وجه لدعوى) يعني أنه إذا بني على رفع الاحتياط التام بادلة الحرج من جهة انها موجبة لرفع التكليف المؤدي إلى الحرج فحينئذ لا يكون علم بالتكليف فلا مقتضي للاحتياط في الباقي لكون العقاب على التكليف عقابا على تكليف محتمل وهو عقاب بلا بيان كما عرفت منه الاشارة إليه فيما سبق. ولا بأس بالتعرض لبعض ما أورد عليه { فنقول }: الحكم الثابت لموضوع مردد بين فردين مثلا له اطلاقان (أحدهما) من حيث انطباقه على كل واحد من الطرفين، فان قوله: اجتنب عن النجس مطلق من حيث كونه هذا الطرف أو ذلك الطرف (ثانيهما) اطلاقه من حيث ارتكاب ما عداه وعدمه فيرجع قوله: اجتنب عن النجس في البين، إلى قوله: اجتنب عن النجس ان كان هذا الطرف سواء ارتكبت الطرف الآخر أم اجتنبته، أو كان ذلك الطرف سواء ارتكبت هذا أم اجتنبته، ولا ينبغي التأمل في

١٦١

ثبوت هذين الاطلاقين له مع قطع النظر عن دليل نفي الحرج أو الاضطرار أما بلحاظه فحيث عرفت أنه في مقام الجمع لابد من رفع اليد عن دليل الحكم الواقعي فرفع اليد (تارة) يكون بتخصيصه واخراج الواقع المردد عنه بالمرة مع كون الاضطرار إلى احد محتملاته، وعليه فيقطع بعدم وجوب الاجتناب عن النجس، ولا مجال لامكان الاحتياط فضلا عن وجوبه أو رجحانه (واخرى) يقيد به الاطلاق الأول لدليله فيرجع بعد التقييد إلى قوله: اجتنب عن النجس إن كان غير ما ارتكبته لدفع الحرج مثلا، وعليه فيكون التكليف محتملا لاحتمال المعلق عليه لأن كونه الباقي بعد الارتكاب امرا محتمل، وحينئذ فلا موجب للاحتياط لعدم البيان المصحح للعقاب لكنه لا مانع من امكانه (وثالثة) يقيد به الاطلاق الثاني لدليله فيرجع دليل التكليف إلى قوله: اجتنب عن النجس سواء أكان هذا أم كان ذلك لكن ان كان هذا فوجوب الاجتناب عنه مقيد بارتكاب الآخر وان كان ذلك الآخر فوجوب الاجتناب عنه ايضا مقيد بارتكاب هذا. وعليه فلو ارتكبهما معا فقد علم بمخالفة التكليف الواقعي لانه إن كان منطبقا على الاناء الابيض فالتكليف بالاجتناب عنه لما كان مشروطا بارتكاب الآخر فبارتكاب الآخر يكون فعليا لحصول شرطه فيستحق على مخالفته العقاب، وكذا الحال لو كان منطبقا على الاناء الأصفر فانه بارتكاب الابيض صار التكليف بالاجتناب عنه فعليا فيعاقب على مخالفته. وحينئذ نقول: لا ريب في أنه يجب الاقتصار في رفع اليد عن الدليل الواقعي على المقدار المتيقن، كما انه لا ريب في أن رفع اليد عن الاطلاق الثاني فقط كاف في رفع الحرج في نظر العقل فيتعين في مقام الجمع، ولا يجوز التخصيص ولا رفع اليد عن الاطلاق الاول، وبذلك يظهر الوجه في عدم جواز ارتكاب الطرف الباقي بعد ارتكاب ما به يندفع الاضطرار. هكذا قرره بعض مشايخنا المعاصرين (ويمكن) الخدش فيه بان ارتكاب احد الاطراف الذي اخذ شرطا في وجوب الاجتناب عن الآخر ليس الا الارتكاب الرافع للاضطرار لا مطلق الارتكاب والا لزم فيما لو اختار احدهما وانكشف انه النجس حرمة ما اختار لو كان قد

١٦٢

فلا مانع عن إجرائها عقلا مع حكم العقل وعموم النقل. هذا ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي لاسلتزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى: (لا تنقض) لوجوبه في البعض كما هو قضية: (ولكن تنقضه بيقين آخر)

______________________________

ارتكب بعد ذلك ما هو حلال واقعا لتحقق الارتكاب بعد ذلك الذي هو شرط التحريم، وهو مما لا يمكن الالتزام به فإذا اختص الارتكاب المأخوذ شرط لثبوت التكليف في الآخر بالارتكاب الرافع للاضطرار امتنع ان ينطبق على ارتكاب الطرف الآخر بعد ارتكاب الاول لانه ليس رافعا للاضطرار لارتفاعه بارتكاب الاول وإذا لم ينطبق عليه لا يعلم حصول المخالفة القطعية بارتكاب الثاني لأنه على تقدير كونه هو النجس تكن المخالفة احتمالية، وعلى تقدير كونه الظاهر لا تكون مخالفة اصلا، لا به لكونه طاهرا، ولا بالاول لارتفاع الاضطرار به الموجب لحليته وسيجيى انشاء الله تحقيق الحال في مباحث العلم الاجمالي فانتظر (قوله: فلا مانع عن اجرائها عقلا) إذ المنجز للواقعيات إما ان بكون العلم الاجمالي أو لزوم الخروج عن الدين، أو الاجماع، أو العلم بالاهتمام، والجميع لا يصلح للمنع عن الاصول المثبتة كما هو ظاهر (قوله: مع حكم العقل) يعني إذا لم يكن مانع من إجرائها وجب ان تجري لوجود المقتضي من حكم العقل لو كان الاصل المثبت عقليا كالاحتياط، أو عموم النقل لو كان نقليا كالاستصحاب (قوله: ولو قيل) لو وصلية (قوله: لاستلزام) تعليل لعدم جريان الاستصحاب (قوله: بداهة تناقض) تقدم تقريب هذا التناقض في الموافقة الالتزامية وسيأتي انشاء الله في أواخر الاستصحاب (قوله: لوجوبه في) متعلق بقوله: (تناقض) يعني بداهة مناقضة حرمة النقض في كل واحد من الاطراف لوجوب النقض في واحد منها وهو المعلوم بالاجمال (قوله: كما هو) الضمير راجع إلى وجوب النقض، يعني أن وجوب النقض في المعلوم بالاجمال مستفاد من قوله (ع): ولكن تنقضه... الخ

١٦٣

* وذلك لانه إنما يلزم فيما إذا كان الشك في اطرافه فعليا وأما إذا لم يكن كذلك بل لم يكن الشك فعلا إلا في بعض أطرافه وكان بعض أطرافه الأخر غير ملتفت إليه فعلا اصلا كما هو حال المجتهد في مقام استنباط الأحكام كما لا يخفى فلا يكاد يلزم ذلك فان قضية: (لا تنقض) ليس حنيئذ إلا حرمة النقض في خصوص الطرف المشكوك وليس فيه علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله من شموله له فافهم

______________________________

 (قوله: وذلك لأنه) تعليل لعدم المانع من جريان الاستصحاب المثبت حتى بناء على المنع عنه في اطراف العلم من جهة التناقض، وحاصل الوجه: أن التناقض يتوقف على شمول دليل الاستصحاب لكل واحد من الاطراف فانه هو الذي يناقض الحكم بوجوب النقض بالنسبة إلى نفس المعلوم بالاجمال لكن شموله كذلك ممتنع لانه يتوقف على تحقق موضوعه وهو الشك في البقاء في كل واحد منها، وهذا الشك غير حاصل لأنه يتوقف على الالتفات إلى كل واحد من الاطراف وهو غير حاصل للمجتهد لأن التفاته إلى الفروع تدريجي، ولازم ذلك عدم العلم الاجمالي بالانتقاض، فليس الا حرمة النقض بالنسبة إلى خصوص المورد الملتفت إليه لا غير فلا مانع من اعماله حينئذ فيه، لكن لا يخفى أن هذا لو تم كان خارجا عن محل الكلام في ترتيب مقدمات الانسداد فان لازمه عدم العلم الاجمالي بالتكاليف الذي تكفلته المقدمة الاولى إذ يمتنع فرض العلم الاجمالي مع الغفلة والذهول عن بقية الاطراف مضافا إلى انه لا مانع حينئذ من جريان الاصول النافية إذا المانع من جريانها إما ان يكون العلم الاجمالي، أو لزوم الخروج عن الدين، أو الاجماع والاول غير حاصل، والاخيران إنما يمنعان من إجرائها في الجميع لا من خصوص واقعة مع الغفلة عن غيرها. وبالجملة: ما ذكره المصنف (ره) ليس محل الكلام في المقام اصلا. ولعله ؟ هذا اشار بقوله: فافهم. نعم يمكن دعوى عدم المانع من جريان الاستصحاب المثبت من جهة عدم العلم الاجمالي بانتقاض الحالة في بعض اطرافه لقلة موارده، ودعوى العلم المذكور ليس عليها بينة

١٦٤

ومنه قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى الاصول الناقية ايضا وانه لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلا أو شرعا من إجرائها ولا مانع كذلك لو كانت موارد الاصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه علمي

______________________________

 (قوله: ومنه قد انقدح) يعني مما ذكره من عدم العلم بالانتقاض من جهة الغفلة والذهول الا عن بعض الوقائع (قوله: ولا مانع كذلك) يعني لا مانع عقلي أو شرعي، وحاصل المراد: أن المانع من جريان الاصول النافية إما العلم الاجمالي بالتكاليف الكثيرة، أو الاجماع على وجوب الاحتياط في الجملة، أو العلم بالاهتمام المستكشف به وجوب الاحتياط شرعا وجميع هذه الموانع لا تصلح للمنع عنها مطلقا: أما الأول فانما يمنع لو لم ينحل بثبوت مقدار من التكاليف بتوسط العلم أو العلمي أو الأصول المثبتة التي قد عرفت جريانها، أما إذا ثبت مقدار من التكاليف بواسطة الامور المذكورة يساوي المعلوم بالاجمال فانه ينحل العلم ولا يمنع عقلا من جريان الأصول النافية في اطرافه، وأما الاخيران فالقدر المتيقن من منعهما صورة عدم ثبوت مقدار ما من التكليف وان لم يكن مساويا للمعلوم بالاجمال أما إذا ثبت مقدار بحيث لا اجماع على وجوب الاحتياط فيما عداه ولا علم بالاحتياط يستكشف به ذلك فلا يمنعان من جريان الأصول النافية ايضا هذا ويمكن المناقشة فيه من جهة أنه إذا بنى المصنف (ره) على الذهول والغفلة الا عن بعض الوقائع فلا علم اجمالي بالتكليف ليتوقف منعه على عدم انحلاله ويهتم باثبات انحلاله بما ذكر، ولم يثبت اجماع أو علم بالاهتمام بالنسبة إلى كل واقعة واقعة، بل ان ثبتا ففي مجموع الوقائع وليس هو موضوع الاصل حسب الفرض فتأمل (قوله: أو نهض عليه علمي) (فان قلت): من جملة مقدمات هذا الدليل ان لا يكون علم أو علمي ففرض العلم أو العلمي خلف (قلت): المراد من العلم والعلمي المذكورين في المقدمة ما كانا وافيين بمعظم التكاليف بحيث ينحل بهما العلم الاجمالي والمراد منهما في المقام ما يفي

١٦٥

* بمقدار المعلوم اجمالا بل بمقدار لم يكن معه مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط وإن لم يكن بذاك المقدار، ومن الواضح أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. وقد ظهر بذلك أن العلم الاجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الأصول المثبتة وتلك الضميمة فلا موجب حينئذ للاحتياط عقلا ولا شرعا أصلا كما لا يخفى، كما ظهر أنه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد الأصول النافية مطلقا ولو من مظنونات عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا ويرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضا بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر على ما عرفت

______________________________

ببعض التكاليف بحيث لا يوجب انحلال العلم الاجمالي وانما يوجبه بضميمة ما ثبت بالاصول المثبتة (قوله: بمقدار المعلوم اجمالا) يعني فينحل العلم الاجمالي لو كان هو المانع من جريان الاصول النافية (قوله: لاستكشاف ايجاب) يعني بالاجماع أو العلم بالاهتمام (قوله: وان لم يكن بذاك) يعني فيما إذا كان المانع عنها الاجماع على الاحتياط أو العلم بالاهتمام إذ لو ثبت مقدار من التكاليف بحيث لا اجماع ولا علم بالاهتمام فيما زاد عليه. والمفروض أن المانع منحصر بهما من جهة سقوط العلم عن التأثير بتوسط ادلة الحرج كما هو مختار المصنف (ره) فلا مانع من جريان الاصول النافية (قوله: لو لم ينحل بذلك كان خصوص) هذا إشارة إلى اشكال اورده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله على المشهور، وحاصله: ان مقدمات الانسداد على تقدير تماميتها لا تقتضي العمل بالظن بالتكليف وترك الاحتياط في المشكوكات والموهومات مطلقا لانه إذا كان مقتضى العلم الاجمالي هو الاحتياط التام في جميع الاطراف بعد إعمال ادلة نفي الحرج يقتصر في رفع اليد عن الاحتياط في البعض بمقدار يرتفع الحرج فإذا كان ترك الاحتياط في بعض الموهومات يوجب ارتفاع الحرج اقتصر في رفع اليد عن الاحتياط في خصوص ذلك المقدار ووجب الاحتياط في الباقي من الموهومات فضلا عن المشكوكات والمظنونات، فلا وجه لما التزم به المشهور من ان نتيجة المقدمات وجوب العمل

١٦٦

لا محتملات التكليف مطلقا، وأما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز، ضرورة أنه لا يجوز إلا للجاهل، لا للفاضل الذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي فهل يكون رجوعه إليه بنظره إلا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل ؟ (واما المقدمة الخامسة) فلاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الاطاعة العلمية أو عدم وجوبها إلا إلى الطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية لبداهة مرجوحيتهما بالاضافة إليها وقبح ترجيح المرجوح على الراجح لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الاطاعة الاحتمالية مع دوران الأمر بين الظنية والشكية والوهمية

______________________________

بالظن وترك الاحتياط في المشكوكات والموهومات مطلقا، ومن اجل هذا قال المصنف (ره): انه لو لم ينحل العلم الاجمالي فاللازم وجوب الاحتياط في موارد الاصول النافية ولو كانت موهومات التكليف (قوله: لا محتملات التكليف) يعني انه لا يسقط الاحتياط في محتملات التكليف أعني مشكوكاته كما يقول المشهور (وربما) استشكل على شيخنا الأعظم (ره) بان تقسيم الوقائع إلى مظنونات ومشكوكات وموهومات إنما هو بملاحظة نفس الواقع لا بملاحظة المعلوم بالاجمال إذ لا بملاحظته لا يعقل وجود المشكوكات مع المظنونات لأن الظن بثبوته في بعض الاطراف يلازمه الظن بعدمه في الباقي فكيف يمكن فرض الشك الذي هو تساوي الاحتمالين (ويندفع) بأن ذلك مسلم إذا كان للمعلوم بالاجمال ميز في الواقع أما إذا لم يكن له ميز واقعي عن غيره فلا يعقل الظن بثبوته بنحو مفاد كان الناقصة مثلا إذا علمنا بأن احد الاناءين نجس واحتملنا نجاسة كل منهما فلا يمكن ان نظن بأن النجس هذا، نعم يمكن ان يظن بان احدهما المعين نجس ويشك بان الآخر نجس والمقدار المعلوم بالاجمال في المقام مما لا ميز له عما يحتمل من غيره من التكاليف كما هو ظاهر (قوله: لبداهة مرجوحيتهما) وجهه كونهما أبعد عن ادراك الواقع من الاطاعة الظنية واقربيتها إلى ادراك الواقع منهما (قوله: وقبح ترجيح المرجوح) قد يقال: لازم ترجيح الاطاعة الظنية في المقام على الشكية والوهمية

١٦٧

من جهة ما أوردناه على المقدمة الأولى من انحلال العلم الاجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة وقضيته الاحتياط بالالزام عملا بما فيها من التكاليف ولا بأس به حيث لا يلزم منه عسر

______________________________

هو الترتب الذي لا يقول به المصنف (ره) ولا شيخه (قدس سره) و (توضيح) ذلك على سبيل الاختصار: ان مبني الرجوع إلى هذه المقدمة أنه لابد من الاحتياط في الجملة في المظنونات أو في غيرها غاية الأمر أن المقدمة المذكورة توجب ترجيح الاحتياط في المظنونات دون غيرها، فلو فرض ارتكاب المظنونات وترك الاحتياط فيها لابد من الاحتياط في غيرها، وذلك هو الترتب في حكم العقل إذ العقل يحكم بالاحتياط في المظنونات مطلقا وفى المشكوكات على تقدير تركه في المظنونات، وعدم معقولية الترتب لا يفرق فيها بين الحكم الشرعي والعقلي. وأما ما تكلفه بعض من تقرير الترتب في الحكم الشرعي الواقعي في المقام، فلا يمكن ان يتم حيث أنه لا تكليف في الواقع إلا بواحد من المظنونات أو غيرها لا تكليفان ليمكن تصوير الترتب بينهما. مع أنه لو فرض كونهما تكليفين لا يمكن في المقام تقييد أحدهما بعينه دون الآخر من جهة كون احدهما مظنونا دون الآخر، لأن حيثية الظن إنما تكون دخيلة في مجرد الحكم العقلي لا في الحكم الشرعي كيف وهي كحيثيتي العلم والشك مما يمتنع دخلهما في الحكم الشرعي للزوم الدور أو غير ذلك من جهات الامتناع مضافا إلى عدم الدليل على ذلك فالعقل إنما يجعل الظن دخيلا في وجوب الاطاعة الظنية بلا ربط له بالحكم الشرعي كما هو ظاهر فتأمل جيدا (قوله: من جهة ما اوردناه) متعلق بقوله: عرفت (قوله: وقضيته الاحتياط) هذا بيان لما يترتب على الايراد على المقدمة الأولى. يعني أن مقتضى الانحلال المذكور هو الاحتياط في خصوص موارد الأخبار ولو كانت موهومات التكليف والرجوع إلى الأصل في غيرها ولو كانت مظنونات التكليف، ولا مجال للأخذ بقاعدة قبح ترجيح المرجوح لعدم التزاحم (قوله: ولا بأس به) يعني بالاحتياط التام في موارد الاخبار (قوله: حيث لا يلزم) كما تقدم منه في بيان المقدمة

١٦٨

فضلا عما يوجب اختلال النظام وما أوردنا على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الأصول مطلقا ولو كانت نافية لوجود المقتضي وفقد المانع عنه لو كان التكليف في موارد الأصول المثبتة وما علم منه تفصيلا أو نهض عليه دليل معتبر بمقدار معلوم بالاجمال وإلا فالى الاصول المثبتة وحدها وحينئذ كان خصوص موارد الاصول النافية محلا لحكومة العقل وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها ولو بعد استكشاف وجوب الاحتياط في الجملة شرعا بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعا أو عقلا على ما عرفت تفصيله. هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق فافهم تدبر جيدا

______________________________

الأولى (قوله: والا فالى) يعني وان لا يكون بمقدار المعلوم بالاجمال فيجوز الرجوع إلى الأصول المثبتة وحدها دون النافية إذ في موردها يرجع إلى الاحتياط وحيث أنه لا يجوز الاحتياط التام للزوم اختلال النظام أو لا يجب للزوم الحرج منه فلابد من التبعيض، وحينئذ فلا يحتاج إلى المقدمة الرابعة لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات (قوله: ولو بعد استكشاف) يعني أن الاحتياج إلى هذه المقدمة لا يتوقف على كون الموجب للاحتياط هو العلم الاجمالي بل لو قلنا بسقوط العلم الاجمالي عن التأثير من جهة أدلة نفي الحرج وكان الموجب للاحتياط هو الاجماع أو العلم بالاهتمام احتجنا في تعيين الاحتياط إلى المقدمة المذكورة ويتعين الاحتياط في خصوص المظنونات بها أيضا، هذا ولكن عرفت في وجه الحاجة إلى المقدمات أنه لو كان المستند في وجوب الاحتياط هو الاجماع أمكن عدم الحاجة إليها لو كان معقده الاحتياط في خصوص المظنونات، كما عرفت منه (قده) في المقدمة الرابعة أن لو كان الاجماع هو المستند أو العلم بالاهتمام كما هو المختار له وثبت بالاصول المثبتة وبغيرها من الادلة المتعبرة مقدار من التكاليف لا إجماع على وجوب الاحتياط فيما زاد عليه ولا علم بالاهتمام كذلك جاز الرجوع إلى الاصول النافية في مواردها وان لم يكن مساويا للمعلوم بالاجمال وكأنه تركه هنا اعتمادا على ما تقدم (قوله: شرعا أو عقلا) يعني بالأول أدلة نفي الحرج وبالثاني لزوم اختلال

١٦٩

النظام. والله سبحانه العالم بحقيقة الحال وهو المرجع والمعول في المبدأ والمال.

ايقاظ

يتلخص مما تقدم ان في تقرير الدليل المذكور طرقا ثلاثة (الاول) أن المنجز للتكاليف الواقعية هو العلم باهتمام الشارع الاقدس في مراعاتها (الثاني) أن المنجز لها هو الاجماع على عدم جواز الرجوع إلى البراءة (الثالث) أن المنجز هو العلم الاجمالي كما هو المشهور المسطور. والاولان يشتركان في كون الاصل عدم الاحتياط فيقتصر في لزوم الاحتياط على القدر المتيقن، ويمتاز الثالث عنهما بأن الاصل الاحتياط الا ما تنفيه أدلة الحرج كما نقدم. ثم إن العلم بالاهتمام بالتكليف على تقديره، إن كان بنفسه منجزا بلا توسط استكشاف جعل الحجة شرعا كانت الطرق الثلاثة مختلفة في اللوازم التي تأتي إليها الاشارة في التنبيهات، وان كان بتوسط استكشاف جعل الحجة شرعا - كما هو ظاهر المصنف (ره) - رجع الاول إلى الثاني، وهذه الطرق مترتبة فانه إذا كان العلم بالاهتمام منجزا عقلا امتنع استناد التفجز إلى العلم لانحلاله به والى الاجماع لأن منجزية الاجماع بكشفه عن جعل الحجية، ومع صلاحية العلم بالاهتمام للمنجزية يلغو جعل الحجية وإذا لم يصلح للمنجزية عقلا استند التنجز إلى الاجماع دون العلم لانحلاله به أيضا ومع عدم الاجماع تصل النوبة إلى منجزية العلم الاجمالي، وسيأتي انشاء الله في التنبهات ما له نفع في المقام فانتظر.

١٧٠

فصل

(هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما ؟)

أقوال والتحقيق أن يقال: إنه لا شبهة في أن هم العقل في كل حال إنما هو تحصيل الأمن من تبعة التكاليف المعلومة

______________________________

الظن بالطريق والظن بالواقع

(قوله: هل قضية المقدمات) يعني أن مقدمات الانسداد على تقدير تماميتها هل تقتضي وجوب العمل بالظن بالواقع فقط دون الظن بالطريق ؟ فلو ظن بطريقية شئ كخبر الثقة وأدى إلى وجوب شئ مثلا من دون ان يحصل منه الظن بالوجوب لا يجب العمل بذلك الخبر ؟ أو تقتضي وجوب العمل بالظن بالطريق دون الظن بالواقع الذي لم يقم مظنون الطريقية على ثبوته ؟ أو تقتضي العمل بهما معا ؟ أقوال ثلاثة، الذي اختاره شيخنا الأعظم (ره) في رسائله هو الثالث ووافقه عليه المصنف (ره). وحاصل ما ذكره وجها له: ان المقدمات المذكورة اقتضت كون الظن مؤمنا في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح، فكما أن العلم المؤمن في حال الانفتاح لا يفرق فيه بين العلم بالواقع والعلم بالطريق فكذلك الظن في حال الانسداد لا يفرق فيه بين الظن بالواقع والظن بالطريق. (هذا) ولكن لا يخفى ان ما هو مظنون الطريقية (تارة) يلزم من العمل به مخالفة الظن بالتكليف كما لو قام على نفي التكليف مع الظن بثبوته أو على ثبوت التكليف مع الظن بثبوت ضده كما لو قام على الوجوب مع الظن بالحرمة (وأخرى) لا يلزم من العمل به مخالفة كما لو قام على ثبوت التكليف مع الظن بعدمه. فان بنينا على كون المنجز هو العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية وكان مظنون الطريقية على النحو الاول أمكن القول بجواز العمل على طبقه فانه وان كان

١٧١

من العقوبة على مخالفتها كما لا شبهة في استقلاله في تعيين ما هو المؤمن منها وفى أن كل ما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا حال الانسداد جزما

______________________________

مخالفة للظن بالواقع إلا أنه مع الظن بالطريقية يظن بالترخيص في مخالفة الواقع ومع الظن بالترخيص لا ملزم عقلا بالظن على وفق الواقع للظن بتدارك مصلحة الواقع. أما إذا كان على النحو الثاني فوجوب العمل على طبقه عقلا بلا وجه مع كون التكليف موهما لأن الظن بالطريقية لا يوجب الظن بزيادة المصلحة أو اهتمام الشارع بالمؤدى أو غير ذلك من موجبات العمل عليه ليمتاز على سائر التكاليف الموهومة لتجب موافقته كما هو ظاهر بالتأمل. نعم بناء على هذا المبنى لما كان الاصل هو الاحتياط ويلزم الاقتصار في رفع اليد عنه على المقدار الذي يرتفع به الحرج يتعين رفع اليد عن الاحتياط في خصوص بعض الموهومات فان لم يكف ذلك المقدار جاز رفع اليد عن الاحتياط في أكثر من ذلك. وهكذا حسب ما عرفت في المقدمة الرابعة، فقد يتوهم أنه إذا دار الأمر في رفع الاحتياط بين رفعه في الموهومات التي لم يقم على ثبوتها ما هو مظنون الطريقية أو في الموهومات التي قام على ثبوتها مظنون الطريقية يتعين رفعه في خصوص الاول، ولكنه توهم بلا وجه لما عرفت من أن قيام مظنون الطريقية على تكليف لا يوجب مزية فيه على غيره أصلا. (وبالجملة): الظن بالطريقية في الصورة المذكورة لا يوجب أقربية ولا اهتماما أصلا فوجوده كعدمه. وأما لو كان المنجز هو العلم بالاهتمام أو الاجماع فالتخصيص باحد الظنين والتعميم لهما يتوقف على تشخيص موضوع الاهتمام ومعقد الاجماع من حيث كونه عاما أو خاصا باحدهما ويكون هو المدار في التعميم والتخصيص، (قوله: من العقوبة) بيان لتبعة التكاليف (قوله: وفي أن) معطوف على قوله: (في تعيين... الخ) وبيان له (قوله: كان الظن به مؤمنا) هذا مضمون ما في رسائل الشيخ (ره) لكنه يختص بالظن بالطريق على النحو الأول فانه المؤمن لا الثاني ولعل المقصود من التعميم في كلام المصنف (ره)

١٧٢

وأن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع باتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق العلم وهو طريق شرعا وعقلا أو باتيانه الجعلي وذلك لان العقل قد استقل بان الاتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو لا بما مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعا كيف وقد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل احداثا وامضاء إثباتا ونفيا. ولا يخفى أن قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلا توهم أن قضيته اختصاص المقدمات بالفروع لعدم انسداد باب العلم في الاصول وعدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها

______________________________

وشيخه (قده) التعميم إلى هذا القسم لا غير كما ذكرنا فتأمل (قوله: وان المؤمن) معطوف على قوله: (تعيين ما هو.. الخ) (قوله: بما هو كذلك) أي بما هو مكلف به واقعي (قوله: ومتعلق) بالفتح معطوف على قوله: (معلوم ومؤدى) (قوله: وهو طريق) الضمير راجع إلى العلم (قوله: شرعا وعقلا) يعني طريق بنفسه من دون حكم الشارع على خلافه كما سيصرح بذلك (قوله: أو بأتيانه) معطوف على (قوله: باتيان المكلف به) (قوله: وذلك لأن العقل) بيان لما ذكره من أن المؤمن حال الانفتاح هو القطع باتيان الواقعي الحقيقي أو الواقعي الجعلي (قوله: بما هو هو لا) دفع لما سيجيئ من توهم القائل باختصاص الحجية بالظن بالطريق: ان الاحكام الواقعية بعد جعل الطريق إليها تكون مقيدة بقيام الطريق عليها فلا يجدى الظن بها بلا واسطة الطريق في وجوب موافقتها. وحاصل ما ذكر في دفعه: أن المكلف في حال الانفتاح إذا علم بالواقع كان علمه منجزا له موجبا لكون موافقته طاعة يستحق عليها الثواب ومخالفته معصية يستحق عليها العقاب وذلك مما يشهد بأن العلم طريق إليها فان موضوع الاطاعة والمعصية هو العلم الطريقي، ولو كان الواقع مقيدا بالطريق لكان العلم موضوعا لفعلية الحكم لا طريقا إليها كما هو ظاهر. هذا ولكن عرفت أن

١٧٣

والغفلة عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام يحصل الأمن من عقوبة التكاليف وان كان باب العلم في غالب الاصول مفتوحا وذلك لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك بين الظنين كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان أحدهما ما أفاده بعض الفحول وتبعه في الفصول قال فيها: إنا كما نقطع بانا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا باحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معين يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذره كذلك نقطع بان الشارع قد جعل لنا إلى تلك الاحكام طريقا مخصوصا وكلفنا تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة وحيث انه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا بطريق يقطع من السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد تعذره فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على عدم حجيته لانه أقرب إلى العلم والى إصابة الواقع مما عداه

______________________________

ما التزمه المصنف - رحمه الله - في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية قريب مما ذكره القائل المذكور فراجع وتأمل (قوله: والغفلة عن أن) معطوف على (توهم) (قوله: موجب لكفاية) لاطراد المناط في المقامير كما أشار إليه بقوله: وذلك لعدم... الخ (قوله: بعض الفحول) الظاهر أنه المحقق الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: يقطع من السمع) يعني ليس لنا طريق معين يقطع من الأدلة السمعية بانه حجة أو يقطع منها بحجية طريق قام على كونه حجة وكونه بمنزلة القطع بالاحكام الفرعية فضمير تعذره راجع إلى القطع بالاحكام الفرعية (قوله: فلا ريب أن الوظيفة) يمكن أن يكون المراد انه بعد ما علم اجمالا بنصب الطريق ينحل العلم الاجمالي بالأحكام الفرعية بهذا العلم الاجمالي ويجب العمل على مقتضي هذا العلم الاجمالي الثاني، فإذا لم يمكن الاحتياط ينتقل

١٧٤

(وفيه) أولا بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بايدينا من الطرق غير العلمية وعدم وجود المتيقن بينها أصلا - أن قضية ذلك هو الاحتياط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالاجمال لا تعيينها بالظن (لا يقال): الفرض هو عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه لان الفرض إنما هو عدم جوب الاحتياط التام في أطراف الاحكام مما يوجب العسر المخل بالنظام لا الاحتياط في خصوص ما بايدينا من الطرق فان قضية هذا الاحتياط

______________________________

إلى الظن فيه، ولا وجه للرجوع إلى الظن بالواقع لأن الواقع من حيث هو ليس موردا للاحتياط حتى يعمل فيه بالظن عند تعذره كما سيأتي بيانه وبيان ما فيه في كلام المصنف (ره) (قوله: وفيه أولا بعد تسليم) يشير أولا إلى منع العلم الاجمالي بنصف الطريق وأنه مما لا يقتضيه شرع أو عقل. أما الأول فيكفي فيه عدم الوجدان والنظر إلى الأدلة المتقدمة على حجية الخبر خلاف مبني الانسداد الذي هو مبنى المقام، وأما الثاني فلأنه لا يمتنع أن لا يجعل الشارع الاقدس طريقا إلى الأحكام الواقعية ويكون قد اوكلنا إلى ما تقتضيه عقولنا من تحصيل العلم ومع تعذره فالاحتياط أو التبعيض فيه أو غير ذلك على اختلاف المشارب. مع أنه لو سلم حصول العلم بنصب الطرق فبقاء تلك الطرق إلى زماننا هذا غير معلوم، وحينئذ فلا موجب لانحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية في زماننا هذا (قوله: لا تعيينها بالظن) فلا وجه للاخذ بالطريق (قوله: لا يقال الفرض هو عدم) يعني أن ما ذكرت من أن لازم العلم الاجمالي بنصب الطريق هو الاحتياط في مواردها لا الرجوع إلى الظن بالطريق إنما يتم لو كان الاحتياط ممكنا وهو خلاف مفروض كلامه من تعذر الاحتياط فيها كتعذره في اطراف العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية (قوله: لأن الفرض) جواب عن السؤال المذكور وحاصله: المنع من تعذر الاحتياط في موارد الطرق والفرق بين الاحتياط فيها والاحتياط في اطراف العلم بالتكليف لاتساع دائرة الثاني وضيق دائرة الأول لخروج كثير من

١٧٥

هو جواز رفع اليد عنه في غير مواردها والرجوع إلى الاصل فيه ولو كان نافيا للتكليف. وكذا فيما إذا نهض الكل على نفيه. وكذا فيما إذا تعارض فردان من بعض الأطراف فيه نفيا واثباتا مع ثبوت المرجح للنافى بل مع عدم رجحان المثبت في خصوص الخبر منها

______________________________

موارد احتمال التكليف عن اطرافه بحيث يجوز الرجوع إلى الاصل النافي فيها (منها) محتمل التكليف الذي يقطع بعدم كونه مما قام على ثبوته طريق (ومنها) محتمل التكليف الذي قام جميع ما هو محتمل الطريقية على نفيه إذ حينئذ يعلم بقيام الحجة على نفي التكليف، بل يكفي مجرد عدم قيام محتمل الطريقية على ثبوته فيخرج عن مورد الاحتياط لاختصاصه بما لو قام محتمل الطريقية على ثبوته (ومنها) ما لو تعارض فردان من نوع واحد فيه كما لو قام فرد من الخبر على وجوب شئ وفرد آخر منه على نفيه وكان النافي ارجح بحيث يجب الأخذ به لو ثبت كون الخبر حجة فانه لا موجب للاحتياط حينئذ لسقوط المثبت عن الحجية على تقدير حجية الخبر ويكون كما لو قام مظنون الحجية على نفي التكليف، بل يكفي في عدم وجوب الاحتياط عدم رجحان المثبت وان لم يكن النافي ارجح إذ مع التساوي يكون الحكم في باب تعارض الخبرين هو التخيير ويجوز الأخذ بالنافي هذا كله فيما لو كان المتعارضان خبرين واما لو كانا غير خبرين وكانا متعارضين في اثبات التكليف ونفيه فلا يجب الاحتياط مطلقا ولو كان احدهما أرجح بناء على عدم ثبوت الترجيح إلا في الخبرين المتعارضين سواء قلنا بالتخيير أم بالتساقط إذ على الاول يؤخذ بالنافي وعلى الثاني يسقطان معا عن الحجية ويكون كما لو لم يقم مظنون الحجية على ثبوت التكليف اصلا (ومنها) ما لو قام أحدهما على الوجوب والآخر على التحريم إذ لا يمكن الاحتياط حينئذ لاحتمال الموافقة والمخالفة في كل واحد من الفعل والترك (قوله: هو جواز رفع اليد) هذا مقتضى الانحلال لا مقتضى الاحتياط فالعبارة لا تخلو من مسامحة (قوله: في خصوص الخبر) هذا قيد لقوله: مع ثبوت... الخ، ولقوله: مع عدم... الخ

١٧٦

ومطلقا في غيره بناء على عدم ثبوت الترجيح على تقدير الاعتبار في غير الاخبار وكذا لو تعارض اثنان منها في الوجوب والتحريم فان المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها ولو كان نافيا لعدم نهوض طريق معتبر ولا ما هو من أطراف العلم به على خلافه فافهم. وكذا كل مورد لم يجز فيه الأصل المثبت للعلم بانتقاض الحالة السابقة فيه إجمالا بسبب العلم به أو بقيام امارة معتبرة عليه في بعض أطرافه بناء على عدم جريانه بذلك (وثانيا) لو سلم أن قضيته لزوم التنزل إلى الظن فتوهم ان الوظيفة حينئذ هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعا وذلك لعدم كونه أقرب إلى العلم وإصابة الواقع

______________________________

 (قوله: ومطلقا) يعني وان لم يثبت المرجح للنافي أو عدم رجحان المثبت (قوله: وكذا لو تعارض) عدم لزوم الاحتياط في هذا المورد لا يختص بالاحتياط بمظنون الطريقية إذ لا يجب الاحتياط فيه ولو مع لزوم الاحتياط في جميع أطراف محتمل التكليف لعدم إمكان الاحتياط فيه مطلقا، ولعله اشار إلى ذلك بقوله: فافهم. ويمكن ان يكون اشار إلى أن خروج هذه الموارد عن الاحتياط لا يكفي في امكان الاحتياط في الباقي بنحو لا يلزم حرج، والانصاف إنه غير بعيد (قوله: وكذا كل مورد) هذا من الموارد التي لا يجب فيها الاحتياط على تقدير اختصاصه بمؤدى مظنون الطريقية فانه إذا فرض كون المثبت للتكليف استصحاب يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض اطرافه لا يكون حجة لو كان في نفسه حجة بناء على قدح ذلك في حجيته كما تقدمت الاشارة إليه مرارا (فان قلت): مؤديات الاصول ليست مما نحن فيه إذ الكلام في الطرق، فخروجها عن موارد الاحتياط لا يتوقف على العلم بانتقاض الحالة السابقة (قلت): الاصول بنفسها مؤديات طرق فإذا وجب الاحتياط في كل محتمل الطريقية وجب الاحتياط في مؤدياتها (قوله: لو سلم أن قضيته لزوم) يعني لو سلمنا عدم إمكان الاحتياط في اطراف محتمل الطريقية بحيث ينتقل إلى العمل بالظن. لكن ليس اللازم هو العمل بالظن بالطريق فقط إذ لم يثبت

١٧٧

من الظن بكونه مؤدى طريق معتبر من دون الظن بحجية طريق أصلا ومن الظن بالواقع كما لا يخفى (لا يقال): إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع إذا لم يصرف التكليف الفعلي عنه إلى مؤديات الطرق ولو بنحو التقييد فان الالتزام به بعيد إذا الصرف لو لم يكن تصويبا محالا فلا أقل من كونه مجمعا على بطلانه ضرورة أن القطع بالواقع يجدي في الاجزاء بما هو واقع لا بما هو مؤدى طريق القطع

______________________________

كونه اقرب إلى اصابة الواقع من الظن بالواقع أو الظن بحكم يظن بكونه مؤدى طريق معتبر وان لم يقم عليه ما هو مظنون الطريقية وإذا لم يثبت كونه اقرب منهما فيجوز العمل بكل منها. ولا يخفى أن هذا يتوقف على سقوط العلم بنصف الطرق عن اقتضاء الاحتياط في مؤدياتها كما سيأتي بيانه في كلام المصنف (ره) قريبا، وإلا فالعمل بالظن بالواقع لا مجال للعمل به بعد سقوط الواقع عن مقام التنجز (قوله من الظن بكونه) كما لو ظن بكون حرمة العصير مؤدى طريق معتبر من دون أن يقوم عليها ما هو مظنون الطريقية فالمقابل للظن احتمال عدم كونه مؤدى للطريق المعتبر لاحتمال عدم كونه طريقا الذي يقابل الظن بالطريقية، فالظن تارة يتعلق بالطريقية مع احراز المؤدى، واخرى يتعلق بالمؤدى مع احراز الطريقية، والظن الذي يخص العمل به هذا القائل هو الأول، ولعل مقصود القائل ما يعم النوعين في قبال الظن بالواقع فلاحظ (قوله: ومن الظن) معطوف على قوله: من الظن بكونه... الخ (قوله: لا يقال إنما لا يكون اقرب) هذا وجه آخر لعدم الاعتناء بالظن بالواقع غير ما تقدم من الانحلال، وحاصله كما فهمه شيخنا الاعظم (ره) من الفصول: انه إنما يجدي الظن بالواقع لو كان الواقع فعليا مطلقا بعد نصب الطريق إليها أما إذا لم يكن فعليا إلا إذا ادى إليه الطريق فالظن به مع عدم قيام الطريق عليه ليس ظنا بالحكم الفعلي ليجب العمل عليه (قوله: فان الالتزام به) هذا جواب لقوله: لا يقال (قوله: لو لم يكن تصويبا محالا) أما وجه كونه تصويبا فلاختصاص الحكم العقلي بمن قام عنده الطريق وليس مشتركا بينه وبين غيره، وهذا نوع من

١٧٨

كما عرفت. ومن هنا انقدح أن التقييد أيضا غير سديد مع أن الالتزام بذلك غير مفيد فان الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بانه مؤدى طريق معتبر والظن بالطريق ما لم يظن باصابة الواقع غير مجد بناء على التقييد لعدم استلزامه الظن بالواقع المقيد به بدونه. هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد غايته أن العلم الاجمالي بنصف طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية إلى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية، والانحلال وان كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية

______________________________

التصويب، واما عدم كونه محالا فلانه لا مانع عقلا من ذلك وإنما المانع مختص بتقييد جميع مراتب الحكم بمن قام عنده الطريق بل التحقيق عدم المانع عقلا عنه والدور المعروف مزيف، ولعله يجيئ بيان ذلك في اواخر الكتاب (قوله: كما عرفت) يعني في أوائل هذا الفصل وعرفت أيضا أن ما ذكره القائل قريب مما ذكره المصنف (ره) في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (قوله: ان التقييد) الظاهر من التقييد في كلام الفصول هو تقييد الفعلية لا غير والا امتنع حصول الظن بالواقع من حيث هو وهو خلاف صريح كلامه، وحينئذ فيشكل المراد بالتقييد مقابلا للصرف في كلام المصنف الا ان يكون مراده بالصرف ثبوت الفعلية في حال قيام الطريق بنحو القضية الحينية لا بنحو التقييد، ولكنه بعيد فتأمل (قوله: لا يكاد ينفك) هذا أول الكلام بل ممنوع جدا (قوله: غير مجد بناء على التقييد) ظاهر محكي الفصول الالتزام بذلك حيث قال فيه: واما لو كان احد التكليفين منوط بالآخر مقيدا له فمجرد حصول الظن باحدهما دون حصول الظن بالآخر المقيد له لا يقتضي الحكم بالبراءة... الخ فلاحظ (قوله: والانحلال وان كان يوجب) يعني أن انحلال العلم الاجمالي بالتكاليف بالعلم الاجمالي بنصب الطرق إنما يوجب الرجوع إلى الظن في تعيين الطريق لو لم يمكن الاحتياط في كل محتمل الطريقية بناء على أن العلم الاجمالي يوجب التبعيض في الاحتياط لو لم يمكن الاحتياط التام فيه كان حرجيا كما هو مذهب شيخنا

١٧٩

إلا انه إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما والفرض عدم اللزوم بل عدم الجواز وعليه يكون التكاليف الواقعية كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية الظن بها حال انسداد باب العلم كما لا يخفى ولابد (حينئذ) من عناية (١) أخرى في لزوم رعاية الواقعيات

______________________________

الاعظم (ره) في رسائله أما بناء على سقوطه عن اقتضاء الاحتياط اصلا فلا ينفع العلم بنصب الطرق في وجوب العمل بالظن في الطريق، ولابد حينئذ من النظر في منجز التكاليف الواقعية حينئذ ومقدار اقتضائه وحيث تقدم في المقدمة الرابعة أن المنجز هو العلم بالاهتمام بها الكاشف عن ايجاب الاحتياط في محتملاتها في الجملة وحينئذ فالظن بالواقع إذا لم يكن اقرب إلى إدراك الواقع من الظن بالطريق فلا اقل من مساواته له فلا يمنع العقل من سلوك كل منهما بعد ما كان سلوك كل منهما موجبا للظن بالفراغ والأمن من العقوبة، وعلى هذا فالاشكال في الحقيقة راجع إلى الاشكال في المبني لا في الابتناء. ثم إنه حيث كان المنجز هو العلم بالاهتمام فكون المرجح هو الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما أو بكل منهما تابع لتشخيص موضوع الاهتمام - كما اشار المصنف (ره) إليه في حاشية له في المقام - فيختلف ذلك باختلاف الانظار في المقدار المهتم به (قوله: إلا أنه إذا كان) ضمير (انه) راجع إلى ايجابه عدم تنجيز ما لم... الخ، وخبر (ان) قوله: إذا كان... الخ (قوله: عدم اللزوم) يعني لأدلة نفي الحرج (قوله: عدم الجواز) يعني للزوم اختلال النظام (قوله: كما إذا لم يكن) وذلك لسقوط العلم بالنصب عن التأثير في

______________

(١) وهي ايجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللم من عدم الاهمال في حال الانسداد قطعا إجماعا بل ضرورة وهو يقتضي التنزل إلى الظن بالواقع حقيقة أو تعبدا إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالا لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بكل ما يجب تحصيل القطع به في حال الانفتاح إلى الظن به في هذا الحال والى الظن بخصوص الواقعيات التى تكون مؤديات الطرق المعتبرة أو بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك وان كان يكفي لكونه مستلزما للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر كما يكفي الظن بكونه كذلك ولو لم يكن

١٨٠