حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219081 / تحميل: 5247
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

بنحو من الاطاعة وعدم إهمالها رأسا كما أشرنا إليها ولا شبهة في ان الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام من الظن بالطريق فلا أقل من كونه مساويا فيما يهم العقل من تحصيل الأمن من العقوبة في كل حال. هذا - مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بانه مؤدى طريق وهو بلا شبهة يكفي ولو لم يكن هناك ظن بالطريق فافهم فانه دقيق (ثانيهما) ما اختص به بعض المحققين قال: لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية وأن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بان يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به وسقوط تكليفنا عنا سواء حصل العلم معه باداء الواقع

______________________________

المنجزية من جهة عدم امكان الاحتياط في اطرافه أو كونه حرجيا كما يدعيه القائل المذكور كسقوط العلم بالتكاليف الواقعية عن التأثير في المنجزية لذلك أيضا (قوله: بنحو من) متعلق برعاية (قوله: وعدم اهمالها) معطوف على نحو من الاطاعة مفسر له (قوله: كما اشرنا إليها) يعني في المقدمة الثالثة (قوله: مع ما عرفت من انه عادة) قد عرفت انه مجال تأمل أو منع (قوله: ما اختص به) يعني لم يتبعه في الفصول (قوله: وان الواجب علينا) يعني الواجب عقلا (قوله: يقطع معه) الضمير في الظرف راجع إلى قوله: لا ريب... الخ، وليس لهذا الظرف موقع حسن. ثم إن مراده بالقطع بحكم الشارع القطع بالعمل على طبق الطريق المنصوب من قبل الشارع فان نصبه ملزوم لحكمه بفراغ المكلف بالعمل عليه عن الواقع المنصوب عليه (قوله: وسقوط) معطوف على (تفريغ) (قوله: سواء حصل العلم) كما لو كان الطريق موجبا للعلم بالواقع

______________

ظن باعتبار طريق اصلا كما لا يخفى وانت خبير بانه لا وجه لاحتمال ذلك وإنما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال بعد لزوم رعاية الطرق المعلومة بالاجمال بين اطراف كثيرة فافهم. منه قدس سره

١٨١

أو لا حسبما مر تفصيل القول فيه فحينئذ نقول: إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به وان انسد علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف دون ما يحصل معه الظن باداء الواقع كما يدعيه القائل باصالة حجية الظن. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه، (وفيه) اولا ان الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالاطاعة والامتثال انما هو العقل وليس للشارع في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل. ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشادا إليه وقد عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو مفرغ وان القطع به حقيقة أو تعبدا مؤمن جزما وأن المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا حال الانفتاح فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمنا حال الانسداد (وثانيا) سلمنا ذلك لكن حكمه بتفريغ الذمة فيما إذا اتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوف ليس الا بدعوى أن النصب يستلزمه مع ان دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى كما لا يخفى فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا

______________________________

 (قوله: اولا) كما لو كان غير موجب للعلم بالواقع (قوله: والقطع ببقاء) معطوف على (انسداد) (قوله: بالاطاعة والامتثال) متعلق ب‍ (الحاكم) (قوله: وليس للشارع في هذا) سيأتي في الفصل الآتي توضيح ذلك فانتظر (قوله: ولو حكم) الضمير المستتر في حكم راجع إلى الشارع وفي (حكمه) إلى العقل وفى إليه إلى حكمه (قوله: أو تعبدا) يعني كما في موارد الطرق (قوله: لكن حكمه) الضمير راجع إلى (الشارع) وضمير يستلزمه راجع إلى (حكمه) يعني أن حكم الشارع بفراغ الذمة انما جاء من جهة ان نصب الطريق يستلزم الحكم بفراغ الذمة بموافقته (قوله: اولى كما لا يخفى) وجه الاولوية اصالة الواقع في مقام

١٨٢

(ان قلت): كيف يستلزم الظن (١) بالواقع مع انه ربما يقطع بعدم حكمه به معه كما إذا كان من القياس وهذا بخلاف الظن بالطريق فانه يستلزمه ولو كان من القياس (قلت): الظن بالواقع أيضا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ ولا ينافي القطع بعدم حجيته لدى الشارع وعدم كون المكلف معذورا إذا عمل به فيما أخطأ بل كان مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب لو بني على حجيته والاقتصار عليه لتجريه فافهم (وثالثا) سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به لكن قضيته ليس الا التنزل

______________________________

التنزيل فإذا كان نصب الطريق إلى الواقع موجبا للحكم بفراغ اذمة عن الواقع بتوسط كون مؤداه بمنزلة الواقع مثلا فترتب الحكم بالفراغ على جعل الواقع أولى (قوله: ان قلت كيف) يعنى كيف يستلزم الظن بالواقع الظن بحكم الشارع بالفراغ بموافقته مع انه قد يقطع بعدم كونه طريقا عنده كالظن القياسي وحينئذ يقطع بعدم حكم الشارع بالفراغ مع هذا الظن (قوله: قلت الظن بالواقع) يعني أن الحكم بالفراغ ليس مختصا بنصب الطريق بل يترتب على اتيان الواقع ايضا فان جعل الطريق إنما يوجب الحكم بالفراغ عن الواقع من جهة كون مفاد الجعل جعل المؤدى بمنزلة الواقع أو جعل الطريق بمنزلة العلم بالواقع فالواقع لما كان ملحوظا لدليل الجعل كان الجعل موجبا للحكم بالفراغ، وحينئذ فايجاب جعل الواقع للحكم بالفراغ عنه بالعمل على طبقه اولى كما تقدم (قوله: لتجريه) تعليل لكونه مستحقا للعقاب، وكان الاولى عطف التشريع على التجري فان البناء على أنه حجة تشريع موجب للعقاب (قوله: فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى أن العقاب المستحق في هذه الصورة من جهة التجري لا ينافي الحكم بالفراغ عن الواقع

______________

(١) وذلك لضرورة الملازمة بين الاتيان بما كلف به واقعا وحكمه بالفراغ ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه لو سئل عن ان الاتيان بالمأمور به على وجهه هل هو مفرغ ولزوم حكمه بانه مفرغ والا لزم عدم إجزاء الامر الواقعي وهو واضح البطلان. منه قدس سره

١٨٣

إلى الظن بانه مؤدى طريق معتبر لا خصوص الظن بالطريق وقد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بانه مؤدى الطريق غالبا

فصل

لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا شرعا ضرورة انه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقا لجواز اجتزائه بما استقل به العقل في هذا الحال

______________________________

المانع من استحقاق العقاب عليه لاختلاف الجهات (قوله: لا خصوص) قد عرفت قرب دعوى كون المراد من الظن بالطريق الظن بكونه مؤدى طريق (قوله: لا يكاد ينفك) قد عرفت انه محل تأمل

الكشف والحكومة

(قوله: ضرورة انه معها) اعلم أن استكشاف كون الظن حجة شرعية يتوقف على اثبات مقدمتين (احداهما) عدم المنجز العقلي للتكاليف الواقعية (ثانيتهما) عدم جواز الرجوع إلى الاصول النافية من جهة وجود الطريق الواصل، فانه إذا ثبت هاتان المقدمتان لابد من استكشاف حجية الظن إذ لا مجال لاحتمال وصول حجة شرعية غير الظن، والمقدمة الاولى وان سلمناها من جهة عدم حجية العلم الاجمالي بالتكاليف لأجل ارتفاع الاحتياط التام بادلة نفي الحرج وعدم صلاحية احتمال التكليف المهتم به بالمنجزية عقلا، إلا ان المقدمة الثانية لا يمكن اثباتها لامكان كون الاجماع على عدم جواز اهمال التكاليف كاشفا عن وجوب الاحتياط شرعا أو عن جعل حجة اخرى غير الظن عليها فلا مجال لاستكشاف حجية الظن عند الشارع، واما المقدمات المذكورة لهذا الدليل - اعني دليل الانسداد - فلم تتكفل لاثبات هاتين المقدمتين ليمكن أن يستكشف بها حجية الظن شرعا، بل مقتضى المقدمة الخامسة منها أن الاعتماد على الظن إنما كان بتوسط حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح

١٨٤

ولا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل لقاعدة الملازمة ضرورة أنها إنما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي والمورد ها هنا غير قابل له فان الاطاعة الظنية التي يستقل العقل بكفايتها في حال الانسداد إنما هي بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع بازيد منها وعدم جواز اقتصار المكلف بدونها ومؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه وهو واضح واقتصار المكلف بما دونها لما كان بنفسه موجبا للعقاب

______________________________

وأين ذلك من مقام اثبات حجيته شرعا كما هو ظاهر (قوله: ولا مجال لاستكشاف) هذا وجه لاثبات حجية الظن شرعا بالمقدمات، وحاصله: انه إذا ثبت بالمقدمات وجوب العمل على طبق الظن عقلا لابد أن يستكشف كونه كذلك شرعا لقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع انه كلما حكم العقل حكم الشرع (قوله: ضرورة انها انما) هذا جواب عن الوجه المذكور، وحاصله: ان الملازمة على تقدير القول بها انما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي والمقام ليس منه فان حكم العقل بكفاية الاطاعة الظنية ينحل إلى أحكام ثلاثة (الاول) حكمه بعدم وجوب الاطاعة العلمية (ثانيها) حكمه بعدم جواز الاقتصار على الاطاعة الشكية أو الوهمية (ثالثها) حكمه بحسن الاطاعة الظنية. ومرجع الاول إلى حكمه بقبح مؤاخذة الشارع على ترك الاطاعة العلمية، ومن المعلوم أن مؤاخذة الشارع من أفعاله التي يمتنع أن تكون موضوعا للاحكام الشرعية لان موضوع الاحكام الشرعية انما يكون خصوص فعل العبد وأما موضوع الحكمين الآخرين فهو وان كان فعل العبد القابل للحكم الشرعي إلا أن تعلق الحكم الشرعي به بلا غرض لان الغرض في الاحكام الشرعية هو احداث الداعي العقلي إلى متعلقه بحيث يحدث بسبب الامر والنهي داع في نفس العبد إلى الفعل أو الترك، ومن المعلوم أن هذا الداعي حاصل بذات الفعلين ولو لم يتعلق بهما حكم شرعي فان الاقتصار على الاطاعة الشكية والوهمية بنفسه منشأ لحسن العقاب في نظر العقل وكذا الاطاعة الظنية بنفسها منشأ للثواب في نظر العقل فالنهي عن الاولى تشريعا والامر بالثانية كذلك إن كان بقصد احداث الداعي إلى الفعل والترك كان من قبيل تحصيل الحاصل وان كان بلا غرض فهو ممتنع

١٨٥

وان كان بغرض آخر لم يكن الوجوب والتحريم المستفادان منهما شرعيين لانحصار غرض الحكم الشرعي بما عرفت، نعم يجوز أن يكونا ارشاديين بملاك الارشاد إلى حكم العقل ولكنه ليس هو محل الكلام (ويمكن) أن يقال عليه: ان الامر بالاطاعة كالامر بنفس الصلاة ليس الغرض منه الا احداث الداعي إلى متعلقه بحيث يكون ذلك الداعي منشأ لارادته ويترتب على تلك الارادة وجوده في الخارج، وهذا المعنى حاصل فيما نحن فيه لان الامر بالاطاعة يكون منشأ لحدوث الداعي في نفس العبد لارادة نفس الاطاعة، كما أن الأمر بالصلاة يكون منشأ لحدوث الداعي في نفس العبد لارادة نفس الصلاة (وبالجملة): أمر الصلاة انما اقتضى حدوث الداعي إلى نفس الصلاة لا إلى الاطاعة وأمر الاطاعة يقتضي حدوث الداعي إلى نفس الاطاعة وكيف يكون الامر بالاطاعة بداعي احداث الداعي من قبيل تحصيل الحاصل ؟ (وربما يقال) في وجه المنع: انه لو صح تعلق الامر بالاطاعة لزم التسلسل إذا الامر الثاني له اطاعة فيتعلق بها أمر ثالث ويكون له اطاعة فيتعلق بها أمر رابع... وهكذا (وفيه) أن التسلسل ممتنع في الأمور الحقيقة لا الاعتبارية لانقطاع الاعتبار بانقطاع ما به الاعتبار (وربما يقال) في وجه المنع: ان الاطاعة إما واجبة أو ممتنعة وكلاهما ليسا موضوعا للتكليف، وذلك لأن الأمر الاول ان كان محركا فلابد من تحقق الاطاعة وان لم يكن كذلك امتنعت (وفيه) أن عدم كونه محركا لا يوجب الامتناع لأن صلاحيته للمحركية كافية في كونها ممكنة ويصح أن يتعلق بها الأمر، (وربما يقال) في وجه المنع: ان مفهوم الاطاعة منتزع من الفعل في ظرف وجود الأمر الباعث عليها، ومن المعلوم امتناع تعلق التكليف بالمعلول في ظرف وجود علته إذ المعلول في ظرف وجود علته واجب لا ممكن فلا تكون موضوعا للتكليف (وفيه) أن انتزاع مفهومها من ذات الفعل في ظرف ونجود الامر مسلم لأن وجود الامر قيد لمفهوم الاطاعة الا أن ذات الأمر ليس علة تامة للفعل حتى يكون الامر به امرا بالفعل في ظرف وجود علته التامة بل الامر انما يكون علة لاحداث الداعي العقلي لا لاحداث الداعي الخارجي ليكون علة للفعل بل هو

١٨٦

* بالاضافة إلى الفعل من قبيل المقتضي، فلا مجال حينئذ للاشكال (والتحقيق) في وجه المنع: انك قد عرفت في مبحث التجري أن منشأ انتزاع عنوان الاطاعة مما يمتنع أن يكون منشأ انتزاع عنوان موضوع الأمر المطاع لاختلافهما في الرتبة، (فإذا قلت): أمر زيد بالصلاة فصلى، فالصلاة التي هي موخول الباء التي هي عنوان المأمور به غير الصلاة الواقعة بعد الفاء مرتبة وإن اتحدت معها ذاتا، وعنوان الاطاعة انما ينتزع من الفعل في رتبة لاحقة للامر وعنوان المأمور به انما ينتزع من الفعل في رتبة سابقة على الامر، وحينئذ إذا أمر زيد بالصلاة ثم أمر باطاعة الأمر المذكور فالاطاعة التي تنشأ من الأمر الثاني غير إطاعة الأمر الأول التي صارت موضوعا للامر الثاني، فإذا انقاد زيد للأمر الثاني كان ذلك منه طاعة للأمر الثاني لا غير وليس طاعة للأمر الاول، وحينئذ فيستحق ثوابا واحدا على إطاعة الامر الثاني ولا يستحق ثوابا على إطاعة الأمر الاول. كما أنه لو انقاد للامر الاول غافلا عن الامر الثاني استحق ثوابا على إطاعة الامر الاول لا غير، فإذا امتنع انطباق عنواني اطاعتي الأمرين على فعل خارجي واحد جاء الاشكال في الامر بالاطاعة (أولا) من جهة انه نقض المغرض من الامر الاول إذ الغرض منه أن يترتب عليه الفعل الخارجي وهذا ينافيه الغرض من الامر الثاني لامتناع ترتب الفعل على الامرين معا (وثانيا) من جهة أنه إيقاع المكلف بما لا يقدر عليه إذ يمتنع على المكلف اطاعة كل من الامرين إذ الامر الثاني لما كان متعلقا باطاعة الامر الاول فهو منوط بوجوده، ومن المعلوم أن الامر الاول في ظرف وجوده يبعث نحو إطاعته والامر الثاني في ذلك الظرف يبعث نحو اطاعة نفسه، فإذا امتنع تحقق الاطاعة لكل منهما كان الامران موجبين لوقوع المكلف بغير المقدور، وليس هذا من الترتب الذي نقول بامكانه. فتأمل (وثالثا) من جهة ان انبعاث المكلف بالامر الثاني نحو اطاعة الاول إذا كان محالا لما عرفت من أن انبعاثه عن الامر الثاني ينافي اطاعته للامر الاول كيف يمكن أن يكون غرضا للامر الثاني فيكون الامر الثاني بلا غرض وهو ممتنع (فان قلت): قد ثبت في الشريعة

١٨٧

مطلقا إلا فيما أصاب الظن كما أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلى أمر بها أو نهي عن مخالتها كان حكم الشارع فيه مولويا بلا ملاك يوجبه كما لا يخفى ولا بأس به ارشاديا كما هو شأنه في حكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية

______________________________

الامر بالاطاعة في كثير من الموارد مثل اطاعة الولد لوالده والعبد لسيده والزوجة لزوجها وعامة المكلفين للنبي صلى الله عليه وآله والائمة - عليهم السلام - وغير ذلك من الموارد (قلت): هذه الأوامر ليست في الحقيقة أمرا بالاطاعة حقيقة، بل هو أمر بنفس المأمور به، فمعنى وجوب اطاعة الوالد أنه يجب على الولد إذا أمره أبوه بالقيام أن يقوم أو بالقعود أن يعقد. ويشهد لما ذكرنا حكم العقلاء بعدم استحقاق المأمور للجزاء من المطاع بل انما يستحق الجزاء من الآمر بالاطاعة، كما أنه لو انقاد المأمور لأمر المطاع لا من جهة الامر بالاطاعة استحق الجزاء على المطاع لا على الآمر بالاطاعة ولذلك نقول: لو أمر زيد عمرا باطاعة بكر كان زيد ضامنا لعمل عمرو ولا ضمان على بكر. ومن ذلك كله يظهر أن الامر المولوي بنفس الاطاعة التي هي موضوع حكم العقل بالحسن أو باستحقاق الثواب لا معنى له أصلا. فافهم وتأمل فان المقام بذلك حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (قوله: مطلقا) يعني سواء أخطأ الظن أم أصاب، واستحقاقه للعقاب في صورة اصابة الظن من جهة التفويت وفي صورة الخطأ من جهة التجري، ولو قال بدله: مطلقا أو فيما أخطأ الظن والشك، لكان أولى إذ لو قلنا بعدم استحقاق المتجري للعقاب ففي صورة اصابة الاطاعة الشكية والوهمية للواقع اللتين اقتصر عليهما المكلف لا مجال لاستحقاق العقاب ولو أصاب الظن (قوله: كما انها بنفسها) الضمير فيهما راجع إلى الاطاعة الظنية (قوله: اخطأ أو أصاب) الثواب في الاول لمجرد الانقياد وفى الثاني للاطاعة الحقيقة (قوله: حكم الشارع) هذا جواب (لما) في قوله: لما كان بنفسه.. الخ (قوله: بلا ملاك) خبر كان وضمير به في (ولا بأس به) راجع إلى حكم الشارع وضمير (شأنه) راجع إلى الشارع،

١٨٨

* وصحة نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية إليه لا تنافي استقلال العقل بلزوم الاطاعة بنحو حال الانسداد كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها مولويا لما عرفت فانقدح بذلك عدم صحة تقرير المقدمات إلا على نحو الحكومة دون الكشف وعليها فلا إهمال في النتيجة أصلا سببا وموردا ومرتبة لعدم تطرق الاهمال والاجمال في حكم العقل كما لا يخفى. أما بحسب الاسباب فلا تفاوت بنظره فيها وأما بحسب الموارد فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الاطاعة الظنية الا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام واستقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر وأما بحسب المرتبة فكذلك لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف الا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر وأما على تقرير الكشف

______________________________

 (قوله: وصحة نصبه) هذا مبتدأ خبره: لا تنافي استقلال العقل... الخ، ومراده بهذا الكلام دفع توهم يقع في المقام، وحاصل التوهم: انه لو كان للعقل حكم في باب الاطاعة والمعصية بحيث يصح تعويل الشارع عليه امتنع حينئذ على الشارع نصب الطريق لانه لغو، وحاصل الدفع: انه لا تنافي بين صحة نصب الطريق وامكان التعويل على العقل في كيفية الاطاعة لجواز أن تكون هنا جهة داعية إلى نصف الشارع للطريق مثل التسهيل على المكلف وغير ذلك فان نصب طريقا كان هو المعول عليه عند العقل والا فلابد للعقل من الحكم بلزوم نحو خاص من الاطاعة كالاطاعة الظنية حال الانسداد والاطاعة العلمية حال الانفتاح (قوله: لما عرفت) يعني هنا (قوله: وعليها) يعني على الحكومة (قوله: فلا اهمال في النتيجة) قد ذكر المصنف - رحمه الله - هنا أمرين (أحدهما) انه على الحكومة ليست نتيجة المقدمات مهملة مرددة، وعلله بانه لا مجال للاهمال في حكم العقل، وما ذكره في محله لأن العقل إذا كان هو المرجع في كيفية الاطاعة فلا مجال للتردد

١٨٩

في حكمه لأنه إذا أحرز مناط حكمه حكم وإذا شك فيه لم يحكم جزما ولا تنتهي النوبة إلى الشك في حكم العقل، ولا ينافي هذا ما ذكره في الاستصحاب من امكان تطرق الاهمال إلى ما هو موضوع حكم العقل لكونه اجنبيا عنه إذ هو في الحقيقة اهمال في موضوع حكمه شأنا كما سيأتي انشاء الله لا في نفس حكمه كما هو محل الكلام (الثاني) انه على تقدير عدم الاهمال فلا تفاوت في نظره بحسب الأسباب لأن المناط في حكمه بلزوم العمل بالظن هو كونه اقرب من الشك والوهم، وهذا المناط لا يختلف باختلاف اسباب الظن، نعم تتفاوت بنظره الموارد لاختلافها من حيث مزيد الاهتمام وعدمه فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط وعدمه وكذا تتفاوت مراتب الظن من حيث القوة والضعف فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط وعدمه أيضا. وحينئذ نقول: على طريقة التبعيض بجعل المنجز هو العلم الاجمالي كما هو مذهب الشيخ (ره) فاللازم الاحتياط في كل ما لا يلزم من الاحتياط فيه الحرج ورفع اليد عنه فيما يلزم منه الحرج، فإذا كان ترك الاحتياط في تمام موهومات التكليف هو الكافي في رفع الحرج وجب الاحتياط في مظنوناته ومشكوكاته، وإذا كان ترك الاحتياط في بعض الموهومات كافيا في رفع الحرج وجب الاقتصار في ترك الاحتياط على بعضها، وحينئذ لا ترجيح من حيث السبب ويكون الترجيح من حيث المورد أو من حيث المرتبة، فإذا اختلفت الموارد من حيث مزيد الاهتمام وعدمه تعين ترك الاحتياط في خصوص ما لا مزيد للاهتمام فيه، كما انه لو اختلفت من حيث المرتبة فكان الظن بعدم التكليف في بعضها أقوى من بعض تعين ترك الاحتياط في الأول ومع التساوي يتخير، وعلى تقدير كون المنجز هو العلم بالاهتمام أو الاجماع فالتعميم والتخصيص من حيث السبب والمورد والمرتبة تابع للعلم بالاهتمام والاجماع، فكل مورد ثبت وجوب الاحتياط فيه شرعا للاجماع أو العلم بالاهتمام وجب فيه الاحتياط عقلا وكل مورد لم يثبت فيه وجوب الاحتياط لعدم ثبوت الاجماع أو العلم بالاهتمام لم يجب فيه الاحتياط عقلا، ولا مجال للترجيح بالمرتبة أو بمزيد الاهتمام على هذا

١٩٠

فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه فلا اهمال فيها أيضا بحسب الاسباب بل يستكشف حينئذ أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيقن والا فلا مجال لاستكشاف حجية غيره ولا بحسب الموارد بل يحكم بحجيته في جميعها والا لزم عدم وصول الحجة ولو لاجل التردد في مواردها كما لا يخفى

______________________________

المبنى. نعم لو قام الاجماع أو علم بالاهتمام في مقدار لم يمكن الاحتياط فيه أو كان الاحتياط بتمامه حرجا يرجع حينئذ إلى الترجيح بالمرتبة أو بمزيد الاهتمام. فلاحظ وتأمل (قوله: فلو قيل بكون النتيجة) محتملات الكشف ثلاثة (الاول) أن يكون المستكشف نصب الطريق الواصل بنفسه بمعنى كون المقدمات موجبة للعلم بطريقية شئ بعينه (الثاني) أن يكون المستكشف منها نصب الطريق الواصل ولو بطريقه بمعنى كونها موجبة للعلم بطريقية شئ بعينه ولو بواسطة العلم بطريقيته من طريق يؤدي إليه فتعلم طريقيته بتوسط قيام طريق عليه (الثالث) أن يكون المستكشف نصب طريق وان لم يعلم هو بنفسه ولا بقيام طريق يؤدي إليه، والكلام في لازم الاحتمال الاول من حيث السبب، أو من حيث الموارد، أو من حيث المرتبة هو أنه إن كان بين الاسباب أو الموارد أو المراتب قدر متيقن واف بحيث لا يمكن اجراء مقدمات الانسداد فيما عداه وجب الاقتصار عليه والحكم بحجيته وعدم حجية ما سواه، أما الحكم بحجيته فلفرض كونها متيقنة، وأما عدم حجية ما سواه فلعدم الموجب لاستكشاف ذلك بعد صدق الطريق الواصل المستكشف نصبه على الاول، ولا فرق بين أن يكون لبعض الظنون مزية اولا فان المزية لما لا توجب كون ذيها متيقن الاعتبار لا تصلح لان تكون منشأ لانطباق الطريق الواصل على ذيها كما لا يخفى، ومن ذلك يظهر لك التأمل في كلمات المصنف (ره) كما سننبه عليه (قوله: ولا بحسب الموارد) يعني ولا اهمال بحسب الموارد (قوله: والا لزم عدم) هذا إذا لم يكن قدر متيقن واف بين الموارد والا انطبق على الظن فيه عنوان الطريق الواصل ولم يكن مجال لاستكشاف الحجة

١٩١

ودعوى الاجماع على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدا وأما بحسب المرتبة ففيها إهمال لاجل احتمال حجية خصوص الاطميناني منه إذا كان وافيا فلابد من الاقتصار عليه ولو قيل بان النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه فلا إهمال فيها بحسب الاسباب

______________________________

في غيره كما عرفت ومنافاة التردد للوصول إذا لم يكن قدر متيقن كما هو ظاهر بالتأمل (قوله: ودعوى الاجماع) هذه الدعوى صدرت من شيخنا الاعظم (ره) في رسائله (قوله: مجازفة جدا) يمكن أن لا تكون مجازفة وان كانت المسألة مستحدثة إذا عرف الحكم من مذاق العلماء وهو كثير في نظائره فلاحظ (قوله: ففيها اهمال لاجل) لا يخفى أن خصوصية الظن الاطمئناني إن كانت موجبة لكونه متيقن الاعتبار بالاضافة إلى غيره تعين كونه هو الطريق المنصوب بعين ما ذكره في السبب ولا اهمال، وان لم تكن كذلك بحيث يحتمل ان يكون المنصوب غيره فحيث ان التردد في المنصوب ينافي الوصول المفروض لابد من الحكم بحجية الجميع ولا اهمال، فلا يظهر للحكم بالاهمال وجه واضح (قوله: ولو قيل بأن النتيجة هو) هذا تعرض للازم الاحتمال الثاني من محتملات الكشف، وحاصل ما ذكره ان الكلام فيه (تارة) من حيث السبب (واخرى) من حيث المورد (وثالثة) من حيث المرتبة (أما) من حيث السبب فهو ان الظن بالاحكام تارة يكون سببه واحدا كالخبر مثلا، وأخرى يكون متعددا، والمتعدد تارة يكون متفاوتا من حيث اليقين بالاعتبار أو الظن به، وتارة لا يكون متفاوتا، فان كان واحدا أو غير متفاوت فلا اهمال حينئذ بل يحكم بحجية الواحد في الاول الجميع في الثاني اما الاول فلأن الوحدة موجبة للتعين بالذات فلا مجال للاهمال والتردد، واما الثاني فلان التساوي وعدم التفاوت مانع من تعين البعض ولو بواسطة ظن آخر لكون المفروض تساويها من جميع الجهات، فلو كان البعض حجة دون غيره كان بلا معين فلا يكون واصلا وهو خلف، فلابد أن يكون الجميع حجة، وان كانت

١٩٢

لو لم يكن فيها تفاوت اصلا أو لم يكن بينها إلا واحد، وإلا فلابد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه باجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب حتى ينتهي إلى الظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت

______________________________

متفاوتة في اليقين بالاعتبار بأن كان بعضها متيقن الاعتبار دون بعض كان المتيقن هو الحجة لكونه واصلا إلى المكلف، وان كانت متفاوتة بالظن بالاعتبار بأن كان بعضها مظنون الاعتبار دون ما سواه جرى دليل الانسداد في تعين الحجة على الاعتبار، فيقال: الظن بالواقع منه مظنون الاعتبار، ومنه مشكوك الاعتبار ومنه موهوم الاعتبار. ثم يقال: الظن باعتبار بعض الظنون المتعلقة بالواقع إما ان يكون واحدا فهو الحجة على الاعتبار أو متعددا وكلها متساوية في تيقن الاعتبار أو بالظن به كما تقدم فكلها حجة أيضا أو بعضها متيقن الاعتبار دون غيره فهو الحجة دون غيره، وان كان متعددا متفاوتا في الظن بالاعتبار فلابد من اجراء الدليل ثالثا لتعيين الحجة على اعتبار الظن بالاعتبار فيقال كما ذكر، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى ظن واحد أو ظنون متساوية أو بعضها متيقن الاعتبار فيكون ذلك هو الحجة. ثم منه ينتقل إلى اثبات غيره حتى يتعين الظن الذي هو حجة على الواقع ويكون واصلا إلى المكلف بطريقه لا بنفسه (واما) من حيث المورد والمرتبة فسيأتي (قوله: لو لم يكن فيها تفاوت) بأن كانت كلها متيقنة الاعتبار أو مظنونة الاعتبار بظن واحد أو بظنون متعددة متيقنة الاعتبار أو مظنونة الاعتبار بظن واحد وهكذا بحيث ينتهي الحال إلى تساوي الظنون من جميع الحيثيات (قوله: وإلا فلابد) يعني إذا كانت متعددة متفاوتة من حيث اليقين بالاعتبار أو الظن به (قوله: على متيقن) يعني ان كانت متفاوتة في اليقين بالاعتبار (قوله: أو مظنونه) يعني ان كانت متفاوتة بالظن بالاعتبار (قوله: باجراء مقدمات دليل الانسداد) قد عرفت صورة الدليل في الحاشية السابقة ولا يتوقف استكشاف الطريق على عدم وجوب الاحتياط في محتملات

١٩٣

بينها فيحكم بحجية كلها، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار فيقتصر عليه وأما بحسب الموارد والمرتبة فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه فتدبر جيدا، ولو قيل بان النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلا فالاهمال فيها يكون من الجهات ولا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق بمراعات أطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار لو لم يلزم منه محذور وإلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال فتأمل فان المقام من مزال الأقدام (وهم ودفع)

______________________________

الطريق التي هي احدى المقدمات لديل الانسداد، فان مقدمات الانسداد في نفس الاحكام لما كانت موجبة للعلم بنصب الطريق الواصل ولو بطريقه لم يتوقف استكشاف الطريقية على ذلك بل يكفي التفاوت في الظن بالاعتبار وعدمه حتى ينتهي الأمر إلى ظن واحد أو متعدد متيقن الاعتبار، كما انك عرفت الاشارة إلى كفاية التفاوت بين الظن بالاعتبار في الظن باعتباره وعدمه بل يكفي التفاوت في ذلك ولو في بعض المراتب البعيدة فتأمل جيدا (قوله: فكما إذا كانت النتيجة) يعني من التعميم في الأول والاهمال في الثاني، وقد عرفت أن اللازم التفصيل بين ما لو كان قدر متيقن واف فهو الحجة وغيره فاللازم التعميم (قوله: ولو قيل بان النتيجة) هذا اشارة إلى لازم الاحتمال الثالث (قوله: ولا محيص حينئذ الا من) لعدم الطريق إلى التعيين (قوله: لو لم يكن بينها متيقن) وإلا فالمتيقن الاعتبار هو الحجة (قوله: لو لم يلزم) قيد لقوله: فلا محيص... الخ، والمراد بالمحذور اختلال النظام أو الحراج (قوله: والا لزم التنزل) يعني وان لزم المحذور لزم التنزل من الكشف إلى الحكومة، وكأن الوجه في تعين الحكومة حينئذ لزوم التسلسل لتساوي المراتب والا فلو أمكن الاحتياط في اطراف محتمل الطريق على الطريق فلا كشف ولا حكومة، أو كان هناك متيقن الطريقية على الطريق امكن القول بالكشف بعين الوجه في الكشف في

١٩٤

لعلك تقول: ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي ايضا، لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا كان اليقين بالأعتبار من قبله لأجل اليقين بانه لو كان شئ حجة شرعا كان هذا الشئ حجة قطعا بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر لا الدليل على الملازمة. ثم لا يخفى أن الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فانه حينئذ

______________________________

دليل الانسداد في الاحكام فتأمل جيدا (قوله: لعلك تقول) هذا هو الوهم وحاصله: أنه لا مجال للتفصيل بين صورة وجود المتيقن الوافي وعدمها في محتملات الكشف لأن وجود القدر المتيقن مانع من تتميم مقدمات الانسداد، إذ من المقدمات انسداد باب العلمي (قوله: لكنك غفلت عن) هذا دفع للوهم وحاصله: أن وجود القدر المتيقن انما يكون منافيا لتتميم مقدمات الانسداد لو كان اليقين بوجود القدر المتيقن حاصلا بلا توسط دليل الانسداد، أما إذا كان حاصلا بواسطته فلا يعقل أن يكون منافيا له لأن المعلول يمتنع أن يكون منافيا لعلته واليقين بالقدر المتيقن حاصل من دليل الانسداد، وذلك لأن اليقين بأن خبر الثقة مثلا حجة ناشئ من يقينين: أحدهما اليقين بنصب الطريق، ثانيهما اليقين بالملازمة بين نصب الطريق وكون القدر المتيقن طريقا، واليقين الأول كان حاصلا بدليل الانسداد، واليقين الثاني وان لم يكن حاصلا به إلا أن حصول الاول به كاف في استناد اليقين باعتبار القدر المتيقن إلى دليل الانسداد كما هو ظاهر، ومن هنا يظهر أن قوله: لأجل اليقين... الخ بمعنى بضميمة اليقين بانه... الخ، وهو اليقين بالملازمة، وأن قوله: انما هو الدليل على الآخر، بمعنى أن للدليل على الآخر دخلا في وجوده لا أنه مستقل في التأثير كما أن المراد من قوله (ره): لا الدليل على الملازمة. بمعنى أنه لا يستند إلى الدليل على الملازمة فقط بل يستند إليه والى الدليل

١٩٥

* يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أولا واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ولكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار وبالجملة: الأمر يدور بين حجية الكل وحجيته فيكون مقطوع الاعتبار ومن هنا ظهر حال القوة ولعل نظر من رجح بها إلى هذا الفرض وكان منع شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - عن الترجيح بها بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا وبذلك ربما يوفق بين كلمات الاعلام في المقام وعليك بالتأمل التام. ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بها إنما هو

______________________________

على الملزوم معا، وليس المراد أنه لا دخل للدليل على الملازمة في اليقين باللازم كما هو واضح (قوله: يقطع بكونه) محل تأمل كما سيأتي (قوله: على الفرض) يعني فرض اكشف عن الطريق الواصل بنفسه (قوله: لما فيه من خصوصية) انما يتم لو كانت مما يصح الاتكال عليها في تعيين الحجة وهو غير ظاهر (قوله: ومن هنا ظهر حال القوة) يعني إذا كان بعض الظنون أقوى من بعض يمكن الترجيح بالقوة بحيث يكون الأقوى هو الحجة لأن القوة مما يصح الاتكال عليها في تعيين الطريق (قوله: ولعل نظر من رجح) إشارة إلى ما وقع بين شيخنا المرتضى (ره) وبين المحقق التقي (ره) والفاضل النراقي - رحمه الله - من الخلاف في جواز الترجيح بالظن بالاعتبار بناء على الكشف فمنعه شيخنا (ره) لأنه بعد ما لم يكن الظن حجة لا دليل على جواز الترجيح به، ورجح به المحققان المذكوران، وأراد المصنف (ره) جعل النزاع المذكور لفظيا، وان نظر المرجح إلى الكشف عن نصب الطريق الواصل بنفسه والمانع إلى الكشف عن نصب الطريق الواصل ولو بطريقه أو غير الواصل. وهذا وان كان وجها حسنا في الجمع الا انه لا يساعده كلام شيخنا (ره)، فان نظره إلى إثبات التعميم بابطال الترجيح بالظن وهو لا يتم الا على الكشف عن الطريق الواصل بنفسه

١٩٦

* على تقدير كفاية الراجح وإلا فلابد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية فيختلف الحال باختلاف الأنظار بل الاحوال، وأما تعميم النتيجة بان قضية العلم الاجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب الطريق ولو لم يصل أصلا، مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل الا على وفق المثبتات من الأطراف دون النافيات الا فيما إذا كان هناك ناف من جميع الأصناف، ضرورة ان

______________________________

ولا كلام النراقي فانه ظاهر في كون المراد من الترجيح بالظن اجراء مقدمات الانسداد في تعيين الطريق هو لا يتم على الكشف عن الطريق الواصل بنفسه، مع أنه أجنبي عن الترجيح بالظن. فلاحظ صدر عبارته المحكية في الرسائل. نعم تساعده كلمات المحقق التقي (ره). هذا مضافا إلى ما أشرنا إليه من أن مجرد الظن بالاعتبار لا يصح الاتكال عليه في تعيين الحجة ما لم يكن في نفسه حجة فتأمل جيدا (قوله: على تقدير كفاية) بحيث يجوز الرجوع في غير مورده إلى الاصول، ولا يلزم محذور (قوله: بمقدار الكفاية) يعنى لا الاكثر إذا لم يكن مرجح لذلك المقدار فيلزم التعميم كما لو لم يكن مرجح أصلا (قوله: باختلاف الانظار) يعني من حيث حصول الظن بالاعتبار الموجب للترجيح وعدمه وكونه بمقدار كاف بالمعنى المتقدم وعدمه (قوله: وأما تعميم النتيجة) هذا هو الطريق الثالث من طرق التعميم التي ذكرها شيخنا الاعظم - رحمه الله -، (قوله: الا على تقدير كون) إذ على تقدير الكشف عن الطريق الواصل بنفسه يكون الجميع حجة وعلى تقدير الكشف عن الواصل ولو بطريقه يمكن تعيينه بالظن كما تقدم فلا موجب للاحتياط في الجميع (قوله: دون النافيات) إذ هي لا اقتضاء لها في الترك ولا تصلح للمؤمنية مع الشك في حجيتها (قوله: الا فيما إذا) فانه يعلم حينئذ بقيام الحجة على النفي فيحصل الأمن من تبعة التكليف لو

١٩٧

الاحتياط فيها لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم حيث لا ينافيه، كيف ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية كما لا يخفى فما ظنك بما لا يجب الأخذ بموجبه الا من باب الاحتياط فافهم.

فصل

قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس على عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة وتقريره - على ما في الرسائل - أنه كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للاطاعة والمعصية ويقبح على الآمر والمأمور التعدي عنه ومع

______________________________

كان (قوله: الاحتياط فيها) ضمير فيها راجع إلى النافيات (قوله: لا يقتضي رفع) لما عرفت من عدم الاقتضاء للنافي فلا معنى للاحتياط فيه حتى يزاحم الاحتياط في المسألة الفرعية الناشئ عن العلم الاجمالي بالتكليف (قوله: فيها مع) الضمير راجع إلى المسألة الفرعية.

اشكال خروج القياس

(قوله: قد اشتهر الاشكال بالقطع) إعلم أنه لا ينبغي الاشكال في عدم حجية الظن القياسي شرعا بمعنى عدم كونه طريقا منصوبا من قبل الشارع مثبتا كان أو نافيا، وفي جواز الاعتماد عليه في الجملة ولو عند انسداد باب العلم والعلمي اشكال، وعلى تقدير عدم الجواز اخذا باطلاق نصوص المنع عنه واطلاق معاقد الاجماعات على عدم العمل به فيشكل ذلك بناء على حجية الظن عقلا بدليل الانسداد لأن حكم العقل بحجية الظن كسائر أحكامه لا يقبل التخصيص فالنهي الشرعي عن القياس ان كان ممضي عند العقل كان ذلك تخصيصا لحكمه بحجية الظن وهو ممتنع، وان كان مردودا عنده كان المنع الشرعي لغوا قبيحا، مع انك قد عرفت أنه ثابت فضلا عن كونه صحيحا (قوله: بتقرير الحكومة) أما على الكشف

١٩٨

ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس ولا يجوز الشارع العمل به ؟ فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا إذ لعله نهي عن امارة مثل ما نهى عن القياس واختفى علينا ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع الا بقبحه وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص انتهى موضع الحاجة من كلامه - زيد في علو

______________________________

بانحائه الثلاثة فلا مجال للاشكال لعدم حكم العقل حينئذ حتى يستشكل في الجمع بينه وبين النهي الشرعي، بل يكون النهي حينئذ كاشفا عن كون الطريق المستكشف غيره ولا تجب موافقته، بل لا مجال للاشكال على بعض انحاء الحكومة ايضا إذ لو كان المنجز هو العلم بالاهتمام أو الاجماع فالنهي موجب لخروج مورد القياس عن مواردهما فلا موجب للعمل به، كما أنه بناء على العلم الاجمالي بنصب الطرق الموجب للاحتياط في كل محتمل الطريقية كما هو مذهب القائل بالظن بالطريق فلا اشكال إذ النهي موجب لخروج القياس عن كونه محتمل الطريقية ليجب العمل عليه. نعم يتسجل الاشكال على هذا المذهب لو كان الظن بالطريق حاصلا من القياس، كما لا مجال للاشكال على طريقة التبعيض فان العمل بالاحتياط في المظنونات ليس عملا بالظن وانما هو احتياط من جهة العلم الاجمالي غاية الأمر يترجح اسقاط الاحتياط في مظنون عدم التكليف من جهة انه أبعد عن الواقع من غيره فإذا كان الظن بعدم التكليف ناشئا من القياس فاسقاط الاحتياط في مورده ليس عملا بالقياس، اللهم إلا أن يدعى عموم أدلة النهي عن القياس لذلك ايضا فيتسجل الاشكال عليه ايضا. نعم يتضح ورود الاشكال على ما هو ظاهر المشهور من أن المقدمات موجبة لحكم العقل بحجية الظن في حال الانسداد كغيره من الحجج بنحو يكون عليه المعول في اثبات التكليف ونفيه فلاحظ (قوله: الا بقبحه) الموجب لكونه ممتنعا بالعرض (قوله: وهذا من أفراد) يعني

١٩٩

مقامه - وأنت خبير بانه لا وقع لهذا الاشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقا على عدم نصب الشارع طريقا واصلا وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلا، بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي فلا موضع لحكمه مع أحدهما، والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس الا كنصب شئ بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي فلا يكون

______________________________

حكم العقل في المقام (قوله: بعد وضوح كون) لا ريب فيما ذكر فانه إذا كان من مقدمات حكم العقل انسداد باب العلم والعلمي كان مورده خصوص الوقائع التي لم يكن فيها طريق علمي على ثبوت التكليف أو نفيه والوقائع التي قام فيها الطريق على ثبوت التكليف فيها أو انتفائه خارج عن موضوع الدليل وعن حكم العقل بحجية الظن (قوله: بذلك) أي بحجية الظن (قوله: وعدم حكمه) معطوف على (كون حكم العقل) وضمير (به) راجع إلى المراد باسم الاشارة (قوله: ولو كان أصلا) لا يخلو من تسامح فان الاصل ليس من الطرق ولذا تكفلت المقدمة الرابعة لنفيه والمقدمة الثانية لنفي الطريق والأمر سهل (قوله: ليس الا كنصب شئ) هذا غير ظاهر ولا يقتضيه كون انسداد باب العلم والعلمي من مقدمات الدليل، إذ النهي ليس نصبا للطريق ولا كالنصب - كما هو ظاهر - ولعل المقصود أنه كما أن حكم العقل معلق على عدم النصب معلق على عدم النهي ايضا وإن كان الوجه الذي ذكره في الأول لا يرتبط باثبات الثاني، بل الوجه في الثاني صحة النهي في نظر العقلاء الكاشف عن كون حكمه بوجوب العمل بالظن تعليقيا لا تنجيزيا منافيا للنهي، ولكن العبارة لا تساعد عليه فلاحظ (قوله: بل هو يستلزمه) هذا الاسلتزام لا يخلو من تأمل ايضا غاية الأمر أن يكون مورد الظن القياسي كسائر الموارد التي لا علم فيها ولا علمي حاكم على الأصل يكون الأصل فيها مرجعا لو لم يكن عنه مانع من علم اجمالي أو معارضة أو لزوم الخروج عن الدين أو غير ذلك بلا فرق بينه وبين سائر الموارد التي ليس فيها علم

٢٠٠

نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه بل به يرتفع موضوعه وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا كالأمر بما لا يفيده وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه وكما لا يصح بلحاظ حكمه الاشكال فيه لا يصح الاشكال فيه بلحاظه (نعم) لا باس بالاشكال فيه في نفسه كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق غاية الامر تلك المحاذير التي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب كانت في الطريق المنهي عنه في مورد الاصابة ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الاشكال على دليل الانسداد بخروج القياس

______________________________

ولا علمي وتكون من موارد دليل الانسداد، فلو لم يكن حكم العقل تعليقيا على عدم النهي وكان تعليقيا على عدم النصب فقط لم يكن نفس النهي موجبا للنصب، فالعمدة اثبات كونه تعليقيا على عدم النهي. فلاحظ (قوله: نهيه عنه) أي نهي الشارع عن الظن الحاصل من سبب، وضمير (لحكمه) راجع إلى العقل، (وعن موضوعه) راجع إلى حكم العقل، وضمير (به) إلى النهي، وضمير (موضوعه) إلى حكم العقل، وضمير (لا يفيده) راجع إلى الظن، وضمير (معه) الاولى راجع إلى الامر، (ومعه) الثانية راجع الي النهي، وضمير (حكمه) راجع إلى العقل وضمير (فيه) الاولى راجع إلى الامر والثانية راجع إلى النهي، وضمير (بلحاظه) راجع إلى حكم العقل (قوله: نعم لا بأس بالاشكال فيه) ضمير (فيه) الأولى وضمير (نفسه) راجع إلى النهي و (فيه) الثانية و (براسه) راجع إلى الأمر، يعني أن هاهنا إشكالا آخر في صحة النهي عن الظن مع قطع النظر عن حكم العقل بوجوب اتباع الظن بل بالنظر إلى النهي نفسه فيقال: كيف يصح النهي عن الظن مع أنه ربما يصيب الواقع فيكون النهي عنه موجبا لتفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة ؟ وهذا نظير الاشكال في الامر بالظن الذي توهمه ابن قبة، غابة الأمر أن الاشكال في النهي يختص بصورة الاصابة وفى الأمر بصورة الخطأ (قوله: لا دخل لذلك في الاشكال على) فانه إشكال في صحة النهي من حيث حكم العقل ومنافاته له لا من حيث صحته

٢٠١

ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل وقد عرفت أنه بمكان من الفساد واستلزام إمكان المنع عنه لاحتمال المنع عن امارة أخرى وقد اختفى علينا وإن كان موجبا لعدم استقلال العقل إلا أنه إنما يكون بالاضافة إلى تلك الامارة لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع

______________________________

في نفسه (قوله: ضرورة انه) ضمير (انه) راجع إلى الشأن (قوله: بملاحظة حكم) متعلق بأشكل (قوله: واستلزام) شروع في دفع ما ذكر في عبارة الرسائل بقوله: فان المنع.. الخ، وحاصل الدفع: أن إمكان المنع وان كان موجبا لاحتمال المنع بالنسبة إلى كل ظن ولو كان غير الظن القياسي إلا أنه إذا لم يمنع من الاحتمال مانع آخر من لزوم الخروج عن الدين وغيره مما دل على عدم جواز اهمال التكاليف فان ذلك مانع عن احتمال الترخيص في مخالفة الظن. نعم لو فرض حصول مقدار من الظنون لا يحتمل فيها المنع الشرعي بحيث يجب العمل عقلا عليها بلا مانع امكن تأتي احتمال المنع الشرعي في غيرها إذ لا مانع حينئذ من احتمال المنع الشرعي (ويمكن) أن يقال: ان عدم وجود ما به الكفاية من الظنون لا يمنع من المنع الشرعي لأن مرجع المنع الشرعي إلى عدم جواز التعويل على الظن بحيث تكون المظنونات كالمشكوكات، وحينئذ فلو كان مانع عن المخالفة من لزوم الخروج عن الدين ونحوه وجب ترتيب اثره. نعم لو كان مفاد النهي الشرعي الترخيص في مخالفة الظن من جميع الجهات كان من ذكره في محله، إلا انه لا يمكن التزامه في الظن القياسي فضلا عن غيره إذ لا ريب أنه لو فرض كون جميع الظنون من الظن القياسي لم يكن المنع عن القياس ممتنعا. فلاحظ وتأمل. فالعمدة إذا في دفع الاشكال المذكور كون حكم العقل تعليقيا على عدم وصول المنع لا على عدم المنع واقعا فاحتمال المنع الشرعي لا يوجب توقف العقل عن الحكم بوجوب العمل بالظن (قوله: لاحتمال) متعلق باستلزام (قوله: وان كان) اسم كان ضمير راجع إلى الاستلزام (قوله: تلك الامارة) يعني المحتمل فيها المنع

٢٠٢

بمقدار الكفاية وإلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعه على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع وقياس حكم العقل بكون الظن مناطا للاطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطا لها في حال الانفتاح لا يكاد يخفى على أحد فساده لوضوح أنه مع الفارق ضرورة أن حكمه في العلم على نحو التنجز وفيه على نحو التعليق. ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد للظن بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعا مع أنه لا يظن باحد أن يستشكل بذلك وليس الا لأجل ان حكمه به معلق على عدم النصب ومعه لا حكم له كما هو كذلك مع النهي عن بعض أفراد الظن فتدبر جيدا وقد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن الاشكال (تارة) بأن المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة (وأخرى) بأن العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الاصابة وذلك لبداهة أنه إنما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه بملاحظة حكم العقل بحجية الظن ولا يكاد يجدي صحته كذلك في الذب عن الاشكال في صحته بهذا اللحاظ فافهم فانه لا يخلو عن دقة، وأما ما قيل في جوابه من منع عموم المنع عنه بحال

______________________________

 (قوله: مع فرض استقلال العقل) يعني لما تقدم من لزوم الخروج عن الدين لكن عرفت ما فيه (قوله: وقياس حكم العقل) كما ذكر في الرسائل في تقرير الاشكال (قوله: لم خصصوا الاشكال) الوجه في هذا التخصيص ما عرفت من الفرق بين نصب الطريق والنهي عن ظن (قوله: وذلك لبداهة) يعني أنك عرفت أن الاشكال في صحة النهي عن الظن من جهتين من حيث نفسه ومن حيث منافاته لحكم العقل بحجية الظن بعد الانسداد، وهذان الجوابان إنما يدفعان الاشكال من الجهة الاولى لا الثانية فلا وقع لهما في المقام (قوله: بملاحظة حكم) متعلق بقوله: (يشكل) (قوله: صحته كذلك) يعنى في نفسه (قوله: بهذا اللحاظ يعني لحاظ حكم العقل (قوله: من منع عموم المنع) هذان

٢٠٣

الانسداد أو منع حصول الظن منه بعد انكشاف حاله وأن ما يفسده أكثر مما يصلحه ففي غاية الفساد فانه مضافا إلى كون كل واحد من المنعين غير سديد لدعوى الاجماع على عموم المنع مع اطلاق أدلته وعموم علته وشهادة الوجدان بحصول الظن منه في بعض الأحيان لا يكاد يكون في دفع الاشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه بمفيد غاية الأمر انه لا اشكال مع فرض أحد المنعين لكنه غير فرض الاشكال فتدبر جيدا.

______________________________

جوابان آخران ذكرهما الشيخ (ره) في الرسائل (الاول) أنه ليس عن الظن القياسي منع شرعي حال الانسداد ليتوجه اشكال المنافاة بينه وبين حكم العقل (والثاني) أن القياس لا يفيد الظن بعدما ورد في نصوص المنع عن القياس ما دل على غلبة مخالفته للواقع وان ما يفسده اكثر مما يصلحه وإذا لم يفد الظن لم يختلف حكم الشارع والعقل فيه إذ موضوع حكم العقل هو الظن لا نفس القياس وان لم يفد الظن (قوله: لدعوى الاجماع) شروع في الجواب عن الاول (قوله: عموم المنع) يعني لحال الانسداد (قوله: وعموم علته) مثل: إن السنة إذا قيست محق الدين، وان ما يفسده اكثر مما يصلحه (قوله: وشهادة الوجدان) شروع في الجواب عن الثاني (قوله: لا يكاد يكون في) خبر (ان) في (فانه) وحاصله ايراد على الجوابين معا يعني لو سلمنا المنع في كل واحد من الجوابين، لكن ذلك المنع لا يصلح لرفع الاشكال بل يكون فرارا عنه إذ ظاهر الجوابين تسليم المنافاة بين الحكم الشرعي والعقلي وهو عين الاشكال (قوله: بالقطع) متعلق بالاشكال (قوله: بمفيد) خبر يكون

٢٠٤

فصل

(إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص)

فالتحقيق ان يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد إنه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عما إذا ظن كما أشرنا إليه في الفصل السابق فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى والا فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وان احتمل مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد وان انسد باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى وذلك ضرورة انه لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض ومنه انقدح انه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو فيهما فافهم

______________________________

الظن المانع والممنوع

(قوله: بعد تصور المنع) حسبما تقدم، ولو بنينا على امتناع المنع كان فرض الظن بالمنع ممتنعا (قوله: لا استقلال للعقل) قد عرفت أنه يمكن دعوى كون حكم العقل بحجية الظن معلقا على عدم ثبوت الردع لا على عدم الردع فاحتماله لا يمنع من حكم العقل بوجوب العمل (قوله: انه لا تتفاوت الحال) على ما ذكرنا تتفاوت الحال بينهما إذ بناء على حجية الظن بالاصول فالظن الممنوع مما يظن بعدم حجيته فلا يجوز العمل عليه، وبناء على حجية الظن في الفروع يكون العمل على الممنوع لانه منه دون المانع، وبناء على حجية كل منهما يجوز العمل بكل واحد منهما في نفسه لكن لتمانعهما يتعين بالمانع لأن المقضتي فيه تنجيزي وفي الممنوع تعليقي وذو المقتضي التنجيزي مقدم على ذي المقتضي للتعليقي، كما لو قام فرد من الخبر حجة على عدم حجية فرد آخر بحيث لولا قيامه على عدم حجيته لكان حجة فان الاول لما كان صالحا لتخصيص دليل الحجية والثاني

٢٠٥

فصل

لا فرق في نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من امارة عليه وبين الظن به من امارة متعلقة بالفاظ الآية أو الرواية كقول اللغوي فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه وهو واضح. ولا يخفى أن اعتبار ما يورثه يختص بما إذا كان مما يفسد فيه باب العلم فقول أهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد

______________________________

لا يصلح لتخصيصه فان شمول دليل الحجية له مانع من شموله للاول لا بنحو التخصيص، كان المتعين تقديم الأول على الثاني لئلا يلزم التخصيص بلا مخصص، وكذا نقول في المقام بالنسبة إلى مناط حكم العقل بالحجية، وسيأتي له نظائر كثيرة انشاء الله ومنه يظهر الحال على طريقة التبعيض وعلى تقرير الاهتمام، فالظن المانع لا يجامع الاهتمام في مورد الممنوع، وعلى الكشف عن الطريق الواصل بنفسه فالعمل على المانع بناء على الترجيح بالظن لان الظن بالمنع يوجب الظن بكون الطريق المنصوب غيره، ومثله القول بالكشف عن الطريق الواصل بطريقه، وأما القول بالكشف عن الطريق في الجملة فعلى تقدير إمكان الاحتياط ووجوبه يجب العمل بالممنوع لانه من اطراف الشبهة والظن بالمنع لا يخرجه عنها، وعلى تقدير العدم فالحكم هو الحكم في النحوين الاولين سواء قلنا بالكشف حينئذ كما احتملناه ام بالحكومة كما جزم به المصنف (ره) لما عرفت من ملازمة الظن المذكور لظن آخر يكون العمل عليه. فلاحظ وتأمل فان المقام به حقيق (قوله: لا فرق في نتيجة دليل) من الواضح أنه إذا أنتجت المقدمات حجية الظن بالحكم بمناط كونه أقرب وقبح ترجيح المرجوح فلا فرق بين الظن به من امارة قائمة عليه بلا واسطة وبين الظن به الحاصل من أمارة قائمة على غيره من جهة التلازم بينه وبين مؤدى الامارة الموجب لحصول الظن بأحدهما من الظن بالآخر لاطراد المناط المذكور

٢٠٦

ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد (نعم) لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات الخارجية الا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بالخصوص أو ذاك المخصوص ومثله الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي كالظن بأن راوي الخبر هو (زرارة بن أعين) مثلا لا آخر. فانقدح أن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي لا من باب الشهادة ولا من باب الرواية (تنبيه) لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند

______________________________

في الجميع، كما لا فرق بين كون الامارة مما توجب الظن غالبا ولا توجبه، وما كان من الاسباب العادية وغيره لاتحاد الجميع في حصول المناط المذكور (قوله: ولو انفتح باب العلم) كما أنه لو انفتح باب العلم بالاحكام فالظن به من قول اللغوي ليس بحجة وإن انسد باب العلم في اللغات كما تقدم في حجية قول اللغويين (قوله: نعم لا يكاد يترتب) إذ لا ملازمة بين حجية الظن بالاحكام وحجيته في سائر الموضوعات ذوات الآثار مثل الوصية والاقرار وغيرهما فاثبات حجيته فيها يتوقف على قيام دليل على حجية الظن مطلقا فيها أو خصوص الظن المعين، فالظن بمراد الشارع الحاصل من قول اللغوي حجة دون الظن بمراد الموصي أو المقر الحاصل من قوله، إلا أن يقوم عليه دليل بالخصوص، يعني غير دليل الانسداد (قوله: أو ذاك المخصوص) لا مطلق الظن (قوله: ومثله الظن) اي مثل الظن الحاصل من قول اللغوي (قوله: على اعتبار قول الرجالي) أما دعوى كونه من باب الشهادة فليست الا من جهة كون موضوع الشهادة هو الاخبار عن الموضوع وإخبار الرجاليين عن مثل عدالة الراوي ووثاقته وكون أبي بصير الذي يروي عنه ابن مسكان ليث المرادي، والذي يروي عنه شعيب بن يعقوب يحيى ابن القاسم، ونحو ذلك من قبيل الاخبار عن الموضوع، وقد عرفت هناك سقوط هذه الدعوى من جهة أنه وإن سلم كون موضوع الخبر هو الموضوع لا الحكم إلا أن المدلول الالتزامي له لما كان هو الحكم الكلي كان من قبيل الرواية من هذه الجهة. فلاحظ ذلك المقام وتأمل (قوله: لا يبعد استقلال)

٢٠٧

أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلاسد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي أو ما بحكمه عقلا فتأمل جيدا

فصل

إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته

______________________________

يعني إذا حصل الظن بالحكم من امارة قامت عليه وكان احتمال الخلاف ناشئا من احتمال امور كثيرة وامكن المكلف سد بعض ابواب تلك الاحتمالات بالفحص عن وجود حجة رافعة لها علما كانت أو علميا وجب تحصيل تلك الحجة ورفع الاحتمال مهما أمكن وان لم ينته إلى العلم بالحكم لان ارتفاع الاحتمال ولو من بعض الجهات موجب لقوة الظن، وكما يجب الاخذ بالظن ولا يجوز التنزل عنه بمناط الاقربية إلى الواقع يجب الاقتصار على القوي منه، ولا يجوز التنزل إلى الضعيف لعين المناط المذكور (قوله: أو جهة الصدور) وهي الجهة الباعثة على البيان مثل كونه بداعي بيان الواقع أو بداعي بيان غيره تقية أو غير ذلك (قوله: بابه) أي باب الاحتمال (قوله: وذلك لعدم) تعليل لوجوب تقليل الاحتمالات. ثم ان هذا التعليل إنما يوجب ما ذكر من الفحص إذا كان موجبا لتقليل الاحتمالات حقيقة فان ذلك موجب لقوة الظن أما إذا كان موجبا لتقليلها حكما كما لو كانت الحجة علميا لا علما فاقتضاؤه للفحص محل اشكال إذ بعد ما كان الظن بحاله ومرتبته ولا يقوى حقيقة بالفحص لا يحكم العقل بوجوبه، ومجرد تقليله حكما لا يصلح مناطا في نظر العقل. فلاحظ وتأمل (قوله: من القوي) حقيقة كما لو كانت الحجة علما (قوله: اوما بحكمه) لو كانت علميا

الظن بالفراغ

(قوله: انما الثابت بمقدمات دليل الانسداد) من الواضح ان للعمل بالظن

٢٠٨

في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في إتيانها بل لابد من علم أو علمي باتيانها كما لا يخفى. نعم ربما يجري نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية من انسداد باب العلم به غالبا واهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفته الواقع باجراء الأصول فيه مهما أمكن وعدم وجوب الاحتياط شرعا أو عدم امكانه عقلا

______________________________

أو غيره من الحجج مقامين (احدهما) مقام الاثبات والاشتغال (وثانيهما) مقام الفراغ والامتثال، ولا تلازم بين المقامين في الحجج فكم من حجة في الاول لا تكون حجة في الثاني وبالعكس، ومقدمات الانسداد إذا اقتضت حجية الظن في الاول فلا يلزم ان يكون حجة في الثاني، وحينئذ فالمرجع في مقام الفراغ قواعد اخر مثل قاعدة الفراغ والصحة والتجاوز وغيرها ولا يكفي مجرد الظن في الفراغ (قوله: في الخارج معها) الضمير راجع إلى الاحكام ومعها متعلق بتطبيق (قوله: نعم ربما يجري نظير مقدمات) بعد ما كانت مقدمات الانسداد في الاحكام لا توجب حجية الظن في الفراغ، فنقول: ليس لنا دليل آخر على حجيته فيه بل لا يظن القول به من احد. نعم قد يحكى عن الشيخ (ره) في جواهره القول بحجية الاطمئنان فيه وفى الأحكام، بل ربما يحكى عن شيخنا المرتضى وكأن الوجه فيه بناء العقلاء لكن لوتم فاشكال الردع عنه بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم قد تقدم ماله وما عليه. فراجع، ولو فرض عدم تمامية البناء المذكور ولو من جهة الآيات الرادعة فقد يقرر في بعض الموضوعات نظير دليل الانسداد في الأحكام ليثبت بذلك حجية الظن به مثل الضرر الذي صار موضوعا شرعا لأحكام كثيرة مثل جواز التيمم والافطار والصلاة بالنجس أو من جلوس أو غير ذلك من انحاء صلاة المضطر فانه وان لم يمكن اجراء مقدمات الانسداد فيه إذ لا يلزم من الرجوع إلى الاصول فيه مخالفة لعلم اجمالي فضلا عن المخالفة الكثيرة لقلة ابتلاء المكلف بمحتملاته، وحصول الطريق الشرعي إلى اثباته أو نفيه في كثير

٢٠٩

كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلا فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ ايضا فافهم.

خاتمة يذكر فيها أمرامه استطرادا

(الأول) هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح

______________________________

منها إلا أنه يمكن اجراء شبه الدليل المذكور فيقال - بعد انسداد باب العلم فيه - انا نعلم باهتمام الشارع في مراعاة الواقع بنحو لا يرضى باجراء الأصول في كل مورد مورد ونعلم بعدم وجوب الاحتياط فيه شرعا أو انه لا يمكن لكون الدوران في موارد احتماله من قبيل الدوران بين محذورين، إذ على تقدير ثبوت الضرر واقعا بالوضوء مثلا يحرم وعلى تقدير عدمه يجب، فبضميمة قبح ترجيح المرجوح يحكم بوجوب الأخذ بالظن لأنه اقرب إلى ادراك مصلحة الواقع فيكون الظن فيه حجة كما يكون حجة في الأحكام على تقدير الانسداد. هذا ولكن يتوقف ما ذكر على احراز اهتمام المذكور كما يتوقف أيضا على عدم اخذ الخوف موضوعا لأدلة التشريع كما ورد في الافطار وغيره، إذ لو اخذ نفس الخوف كان بنفسه موضوعا للحكم الواقعي والظاهري ويحصل بالاحتمال العقلائي فضلا عن الشك والظن بل يمكن دعوى كون الخوف نفسه موضوعا للحكم الواقعي بادلة نفي الحرج لأن التكليف بالوقوع في المخوف حرج مرفوع بها، وحينئذ لا يحتاج إلى الظن بالضرر بل يكفي خوفه في ترتيب آثار الضرر. فلاحظ وتأمل (قوله: كما في موارد الضرر) مثال لعدم امكان الاحتياط ومثله موارد خوف فوت الوقت الموجب لسقوط اعتبار بعض ما يعتبر في الصلاة جزءا أو شرطا (قوله: ايضا فافهم) لعله إشارة إلى بعض ما ذكرناه في الحاشية السابقة

٢١٠

من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له أولا ؟ الظاهر (لا) فان الأمر الاعتقادي وان انسد باب القطع به إلا أن باب الاعتقاد إجمالا بما هو واقعه والانقياد له وتحمله غير منسد بخلاف العمل بالجوارح فانه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالاحتياط والمفروض عدم وجوبه شرعا أو عدم جوازه عقلا ولا أقرب من العمل على وفق الظن، وبالجملة لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الاعمال الجوانحية على الظن فيها مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها فلا يتحمل إلا لما هو الواقع ولا ينقاد إلا له لا لما هو مظنونه، وهذا بخلاف العمليات فانه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد. نعم يجب تحصيل العلم في بعض

______________________________

الظن في اصول الدين

(قوله من الاعتقاد به) بيان لعمل الجوانح (قوله: وعقد) بيان للاعتقاد ومنه يظهر ان الاعتقاد ليس هو العلم ولا ملازما له لامكان حصول العلم بالواقع مع عدم الاعتقاد به بل مع الاعتقاد بخلافه كما يشهد له قوله تعالى: (جحدوا بها واستيقنتها انفسهم) فكل منهما ينفك عن الآخر (قوله: فان الأمر الاعتقادي) يعني أن العمل على الظن في الاصول الاعتقادية يتوقف على تتميم مقدمات الانسداد فيها وهو غير ممكن إذ منها عدم امكان الاحتياط الموجب للدوران بين الأخذ بالطرف المظنون والموهوم وبقاعدة قبح ترجيح المرجوح يتعين الاول، وفي المقام لا مجال للدوران المذكور لامكان الاعتقاد بها اجمالا على ما هي عليه واقعا، إلا أن يدعى وجوب الاعتقاد بها تفصيلا حتى في حال الجهل فانه حيث لا يمكن العلم بها لابد من سلوك الظن لانه أقرب إلى الواقع، لكن لابد من الالتزام بالكشف إذ لو لم تكشف المقدمات عن كون الظن حجة شرعا كان الاعتقاد المطابق له تشريعا محرما عقلا. فتأمل جيدا. إلا أن دعوى وجوب الاعتقاد تفصيلا مطلقا لا دليل عليها من عقل أو شرع فلاحظ (قوله: لترتيب) متعلق

٢١١

* الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالى وصفاته أداء لشكر بعض نعمائه ومعرفة أنبيائه فانهم وسائط نعمه وآلائه بل

______________________________

بموجب (قوله: كمعرفة الواجب تعالى) لا ريب ظاهرا في وجوب هذه المعارف وانما الخلاف في وجوبها عقلا أو شرعا، فالمحكي عن العدلية الاول، وعن الاشاعرة الثاني، والخلاف في ذلك منهم مبني على الخلاف في ثبوت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، فعلى القول بها - كما هو مذهب الاولين - تكون واجبة عقلا لان شكر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما يتوقفان على المعرفة وما يتوقف عليه الواجب واجب، وظاهر تقرير هذا الدليل كون وجوب المعرفة غيري، والمصنف (ره) جعل وجوبها نفسيا بناء منه على كون المعرفة بنفسها شكرا، فإذا كان الشكر واجبا عقلا لكونه حسنا بنفسه كانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب، ولذا قال في تعليل وجوبها: أداء لشكر بعض... الخ. نعم لو كان الشكر واجبا من باب وجوب دفع الضرر كان وجوبه غيريا فيكون وجوب المعرفة حينئذ غيريا، بل لو قلنا حينئذ بان وجوب دفع الضرر ليس عقليا بل فطريا كان وجوبها فطريا غيريا لا عقليا لا نفسيا ولا غيريا. والانصاف يقتضي التأمل في وجوب الشكر لنفسه وان كان حسنا لان حسنه لا يلازم وجوبه، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل فيكون وجوب المعرفة غيريا لا نفسيا. وأما كونه عقليا أو فطريا فقد عرفت فيما سبق تحقيقه. فلاحظ. ثم إنه قد يتوهم كون وجوب المعرفة غيريا من جهة توقف الاعتقاد عليها، لكنه انما يتم لو كان الاعتقاد واجبا تفصيلا مطلقا غير مشروط بالمعرفة مع توقفه على المعرفة وقد عرفت الاشكال في الاول كما يمكن منع الثاني لامكان تحقق الاعتقاد بلا معرفة غاية الامر أنه تشريع محرم عقلا لكن تحريمه كذلك لا يقتضي وجوب المعرفة. نعم لو كان الواجب عقلا هو الاعتقاد عن معرفة كانت واجبة لغيرها لكنه أول الكلام (قوله: فانهم وسائط) يعني فتكون معرفتهم أداء للشكر الواجب

٢١٢

وكذا معرفة الامام - عليه السلام - على وجه صحيح (١) فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك ولاحتمال الضرر في تركه ولا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر الا ما وجب شرعا معرفته كمعرفة الامام - عليه السلام - على وجه آخر غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته ومالا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى: (وما خلقت الجن والانس) الآية ولا لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: وما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته بالعموم ضرورة أن المراد من: (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة

______________________________

فتجب (قوله: وكذا معرفة الامام - عليه السلام -) يعني واجبة لنفسها لان الامامة كالنبوة من المناصب الالهية فيكون الامام - عليه السلام - من وسائط النعم فتجب معرفته كمعرفة النبي صلى الله عليه وآله، وهذا هو الوجه الصحيح (قوله: لذلك) يعني أداء للشكر (قوله: ولاحتمال الضرر) قد عرفت أن وجوبها لذلك يكون غيريا (قوله: على وجه آخر غير صحيح) وهو كون الإمامة من المناصب غير الالهية (قوله: ولا دلالة لمثل قوله تعالى) الاستدلال بالآية الشريفة مبني على تفسير قوله تعالى: (ليعبدون) ب‍ (يعرفون) كما في النص وكان الاولى التعرض لذلك (قوله: على وجوب معرفته) متعلق بقوله: دلالة (قوله: ضرورة أن المراد) بيان لوجه عدم الدلالة (قوله: خصوص عبادة) كأن مراده أن المعرفة المفسر بها العبادة خصوص معرفة الله

______________

(١) وهو كون الامامة كالنبوة منصبا الهيا يحتاج إلى تعيينه تعالى ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بافعال المكلفين وهو الوجه الآخر منه قدس سره

٢١٣

فلا إطلاق فيه أصلا ومثل آية النفر إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته كما لا يخفى، وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه لا بصدد بيان ما يجب العلم به. ثم إنه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا حيث انه ليس بمعرفة قطعا فلابد من تحصيل العم لو أمكن ومع العجز عنه كان معذورا ان كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الاستعداد كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد ولو لأجل حب طريقة الآباء والاجداد واتباع سيرة السلف فانه كالجبلي للخلف وقلما عنه تخلف والمراد من المجاهدة في قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) هو المجاهدة مع النفس بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل وهي التي كانت أكبر من الجهاد لا النظر والاجتهاد

______________________________

لا غير (قوله: فلا اطلاق) يعني يعرف به موضوع المعرفة (قوله: لا بيان ما يجب) فلا اطلاق لها ايضا ونحوه ما يأتي (قوله: كما هو المشاهد) اشارة إلى الخلاف في وجود القاصر الذي ربما نسب إلى المشهور القول بنفيه لما دل على حصر المكلف بالمؤمن والكافر وان الكافر مخلد في النار بضميمة ما دل على قبح تعذيب القاصر، ولقوله تعالى: (لئلا يكون لناس على الله حجة بعد الرسل) ولقوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقد استدل المصنف - رحمه الله - على وجوده بالوجدان والمشاهدة. والانصاف يقتضي الاذعان بما ذكر إذ لا يمكن التشكيك في وجود كثير من الرجال والنساء بمرتبة من الغفلة وقلة الاستعداد (قوله: هو المجاهدة مع) هذا جواب عن الاستدلال بالآية على عدم وجوب القاصر، ويمكن الجواب عنها ايضا بانه لو سلم عمومها للاجتهاد والنظر إلا أنها لا تنافي عدم الاهتداء لعدم الاجتهاد من جهة الغفلة وقلة الاستعداد، كما يمكن الجواب عن الآية الاولى بأن المراد من الحجة

٢١٤

وإلا لأدى إلى الهداية مع انه يؤدي إلى الجهالة والضلالة الا إذا كانت هناك منه تعالى عناية فانه غالبا بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق فيكون مقصرا مع اجتهاده ومؤاخذا إذا أخطأ على قطعه واعتقاده. ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه لما أشرنا إليه من ان الأمور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها فلا إلجاء فيها اصلا إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم بخلاف الفروع العملية كما لا يخفى. وكذلك لا دلالة من النقل على وجوبه فيما يجب معرفته مع الامكان شرعا بل الادلة الدالة على النهي عن اتباع الظن دليل على عدم جوازه ايضا. وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا

______________________________

على الله المنفية، الاحتجاج بعدم الارسال كما يشهد به قوله تعالى: (هلا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك) لا مطلق الحجة، ولو كانت هي القصور والغفلة. والجواب عن الاول مذكور في الرسائل، وأشار المصنف - رحمه الله - في حاشيته على المتن إلى شئ منه فليلحظ وليتأمل (قوله: والا لأدى إلى) هذا إنما يتوجه لو أريد مطلق النظر والاجتهاد، وهو خلاف ظاهر الظرف فان المجاهدة في الله انما تكون بقصد الوصول إليه والفوز بمعرفته (قوله: لا استقلال للعقل) لا يخلو من تأمل إذ الظن أولى من الشك، ولا يبعد أن يكون من مراتب العلم فوجوبه مع العجز عن تحصيل العلم بعين مناط وجوب تحصيل العلم من كونه شكرا أو غيره (قوله: لو أمكن) قيد ليجب والضمير فيه وفى تحصليه راجع إلى العلم (قوله: بل بعدم جوازه) هذا في غاية الغرابة وما ذكره دليلا عليه لا يقتضيه وانما يقتضي عدم وجوب تحصيل الظن، لكن عرفت أن الظن من مراتب المعرفة فلا يبعد وجوبه عقلا كالعلم. نعم لا يجوز الاعتقاد على طبق الظن لو حصل لانه تشريع (قوله: دليل على عدم جوازه) هذا غير ظاهر

٢١٥

أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها لعدم وضوح الامر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها الا عن تقصير كما لا يخفى فيكون معذورا (١) عقلا ولا يصغى إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها لكنه إنما يكون معذورا غير معاقب على عدم معرفة الحق إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له على اجماله لو احتمله. هذا بعض الكلام مما يناسب المقام، وأما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر والاسلام فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة (الثاني) الظن الذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة أو يرجح به أحد المتعارضين بحيث

______________________________

لان مفاد تلك الادلة النهي عن اتباعه بالاعتقاد بمؤداه ونحوه لا النهي عن تحصيله كما لا يخفي (قوله: القاصر يكون) يكون هنا تامة وفاعلها ضمير القاصر (قوله: بل كان ينقاد) لما عرفت من وجوب الاعتقاد بالأمور الواقعية اجمالا (قوله: عدم مناسبته) من أجل عدم كونه بيانا لمسألة اصولية بل هي كلامية أو فرعية حسب اختلاف الآثار المقصودة (قوله: لم يقم على حجيته دليل) يعني حتى دليل الانسداد، اما لو كان حجة بدليل الانسداد كان متبعا بنفسه كما هو مقتضي حجيته ولو بدليل الانسداد كما سيأتي التنبيه عليه من المصنف (ره) (قوله: ما لولاه لما) كلمة (ما) اسم (صار) والضمير راجع إلى الظن، يعني الأمر الذي لولا الظن لما كان حجة هل يصلح الخبر لجبره (قوله: ما لولاه) كلمة

______________

(١) ولا ينافي ذلك عدم استحقاقه درجة بل استحقاقه دركة لنقصانه بسبب فقدانه للايمان به تعالى أو برسوله أو لعدم معرفة اوليائه ضرورة أن نقصان الانسان لذلك يوجب بعده عن ساحة جلاله تعالى وهو يستتبع لا محالة دركة من الدركات وعليه فلا اشكال فيما هو ظاهر بعض الروايات والآيات من خلود الكافر مطلقا ولو كان قاصرا فقصوره إنما ينفعه في دفع المؤاخذة عنه بما يتبعها من الدركات لا فيما يستتبعه نقصان ذاته ودنو نفسه وخساسته فإذا انتهى إلى اقتضاء الذات لذلك فلا مجال للسؤال عنه بلم ذلك فافهم منه قدس سره

٢١٦

* لولاه على وفقه لما كان ترجيح لاحدهما أو كان للآخر منها أم لا ؟ ومجمل القول في ذلك ان العبرة في حصول الجبران أو الرجحان بموافقته هو الدخول بذلك تحت دليل الحجية أو المرجحية الراجعة إلى دليل الحجية كما ان العبرة في الوهن انما هو الخروج بالمخالفة عن تحت دليل الحجية فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره أو بصحة مضمونه ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به فراجع أدلة اعتبارها

______________________________

 (ما) نائب الفاعل ليوهن والضمير راجع إلى الظن، و (على خلافه) ظرف مستقر حال من الضمير (قوله: لما كان ترجيح) لتساويهما لولا الظن (قوله: أو كان للآخر) لاشتمال الآخر على المرجح الذي هو اضعف من الظن (قوله: هو الدخول) مثلا إذا كان خبر الفاسق ليس بحجة في نفسه ولكن الحجة الخبر المظنون صدوره فإذا ظن بصور خبر الفاسق صار خبر الفاسق بواسطة الظن المذكور من افراد الحجة، أما لو كان الحجة خصوص خبر العادل فالظن بصدور خبر الفاسق لا يوجب كونه من خبر العادل فلا يكون حجة ولا يكون الظن جابرا له والحكم في التوهين على العكس من ذلك، مثلا إذا كان خبر العادل حجة مطلقا فالظن على خلافه لا يوجب وهنه إذ لا يخرج بالظن عن موضوع الحجة، وإذا كان خبر العادل حجة بشرط ان لا يكون ظن على خلافه فقيام الظن على خلافه يوجب وعنه لانه يخرج عن موضوع الحجة (قوله: الراجعة إلى دليل الحجية) يعني دليل المرجحية راجع إلى دليل الحجية لأن دليل الترجيح يجعل المشتمل على المرجح حجة ولولاه لما كان حجة (قوله: بصدوره أو بصحة) المحتمل بدوا في ادلة الحجية احد امور ثلاثة (الاول) حجية الخبر المظنون بصدوره بالنظر إلى نفس السند مثل كون الراوي ممن يظن بصدقه (الثاني) حجية مظنون الصدور ولو بالنظر إلى ما هو خارج عن السند مثل عمل الاصحاب به

٢١٧

وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد لاختصاص دليل الحجية بحجية الظهور في تعيين المراد والظن من امارة خارجية به لا يوجب ظهور اللفظ فيه كما هو ظاهر إلا فيما اوجب القطع ولو إجمالا باحتفافه بما كان موجبا لظهوره فيه لو لا عروض انتفائه وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره إلا فيما كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره فيما فيه ظاهر لولا تلك القرينة لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة ولا دليل اعتبار الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره أو ظن بعدم ارادة ظهوره، وأما الترجيح

______________________________

واعتمادهم عليه (الثالث) حجية ما هو اعم من ذلك وما هو مظنون الصحة ومطابقة مؤداه للواقع ولو بالنظر إلى الخارج كما لو كان الخبر موافقا لفتوى المشهور، وان لم يعتمدوا عليه كخبر الدعائم والرضوي ونحوهما، وظاهر المصنف (ره) استظهار الثالث من أدلة الحجية ولا يخلو من تأمل بل المتيقن هو الاول وان كان الثاني اظهر (قوله: وعدم جبر) معطوف على جبر ضعف السند (قوله: الا فيما اوجب) الاستثناء منقطع لان ذلك من القطع بالظهور الذي هو الحجة وهو غير محل الكلام (قوله: لولا عروض) قيد لقوله موجبا (قوله: وعدم وهن) معطوف على جبر ضعف يعني لا يبعد عدم وهن السند بالظن بعدم الصدور. هذا ولكن لا يخفى أنه إذا كان الظن بالصدور أو بصحة المظنون كافيا في الجبر كان عدمه كافيا في الوهن فضلا عن الظن بعدم الصدور فيمتنع الجمع بين الدعوى الاولى مع هذه الدعوى، إلا ان يريد الظن الشخصي في الثانية، والنوعي في الاولى، لكنه تفكيك خلاف الظاهر فتأمل جيدا (قوله: وكذا عدم) هذا يناسب ما سبق منه (قوله: الا فيما كشف) هذا الاستثناء منقطع لان الكلام في التوهين بالظن غير المعتبر لا بالطريق المعتبر عداه (قوله: لولا تلك قيد) لانعقاد ظهوره (قوله: لعدم اختصاص) تعليل لعدم وهن

٢١٨

بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به بعد سقوط الامارتين بالتعارض من البين وعدم حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه وإن بقى أحدهما بلا عنوان على حجيته ولم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به وان ادعى شيخنا العلامة - اعلى الله مقامه - استفادته من الأخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة على ما يأتي تفصيله في التعادل والتراجيح، ومقدمات الانسداد في الأحكام انما توجب حجية الظن بالحكم أو بالحجة لا الترجيح به ما لم يوجب الظن باحدهما، ومقدماته في خصوص الترجيح لو جرت انما توجب حجية الظن في تعيين المرجح لا انه مرجح إلا إذا ظن أنه أيضا مرجح فتأمل جيدا. هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل، وأما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح فبما لا يكون لغيره ايضا وكذا فيما يكون به أحدها لوضوح أن الظن القياسي إذا كان على خلاف ما لولاه لكان حجة بعد المنع عنه لا يوجب خروجه عن تحت دليل الحجية وإذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية وهكذا لا يوجب ترجيح احد المتعارضين

______________________________

السند والدلالة بالظن، وقد عرفت انه ينافي ما سبق إلا أن يكون المستفاد من ادلة الحجية ان موضوعها احد الأمرين خبر العادل مثلا والخبر المظنون بصدوره فالظن بالخلاف لا يوجب خروج الاول عن موضوع الحجية وان كان يوجب خروج الثاني (قوله: وان بقي احدهما) سيجيئ إنشاء الله الاشكال فيما ذكر (قوله: ما لم يوجب الظن) بل ولو اوجبه إذ الظن بالحكم حينئذ هو الحجة لا انه مرجح لأحد المتعارضين (قوله: ومقدماته في) يعني لو جرت مقدمات الانسداد في باب الترجيح كانت نتيجتها حجية الظن في تعيين المرجح ولا يثبت انه مرجح إلا إذا ظن بانه مرجح فيكون الظن المذكور حجة بالمقدمات (قوله: فيما لا يكون لغيره) يعني المورد

٢١٩

وذلك لدلالة دليل المنع على الغائه الشارع رأسا وعدم جواز استعماله في الشرعيات قطعا ودخله في واحد منها نحو استعمال له فيها كما لا يخفى فتأمل جيدا

______________________________

الذي لا يكون الظن غير القياسي فيه جابرا أو موهنا أو مرجحا، فالظن القياسي ايضا لا يكون جابرا ولا موهنا ولا مرجحا لاتحاد المناط لو لم يكن اولى وكذا لا يكون جابرا ولا موهنا ولا مرجحا في المورد الذي يكون غيره فيه جابرا أو موهنا أو مرجحا (قوله: وذلك لدلالة... الخ) تعليل لما افاده بقوله: لوضوح... الخ (قوله: على إلغائه الشارع رأسا) (فان قلت): ما الفرق بين دليل المنع عن الظن القياسي ودليل المنع عن مطلق الظن من الآيات ؟ وهل فرق بين قوله تعالى: (ان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقوله (ع): إن دين الله لا يصاب بالعقول ؟ (قلت): وإن لم يكن بينهما فرق من حيث الدلالة إلا ان بينهما فرقا من حيث العموم والخصوص فان نسبة ما دل على أن الخبر المظنون الصدور مثلا حجة إلى ما دل على المنع عن الظن بقول مطلق نسبة الخاص إلى لعام فيقدم عليه ونسبته إلى ما دل على المنع عن القياس نسبة العامين من وجه الوجب للرجوع إلى الأصل في مورد التعارض وهو اصالة عدم الحجية فلاحظ (قوله: في واحد منها) أي من الجبر والوهن والترجيح. والله سبحانه اعلم بحقائق الأحكام ومنه نستمد الاعتصام في البدء والختام. تم على يد مؤلفه الحقير (محسن الطباطبائي الحكيم) في الثالث والعشرين من شهر شعبان من السنة الخامسة والاربعين بعد الألف والثلثمائة حامدا لله سبحانه مصليا على رسوله وآله الطاهرين.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617