حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول9%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219075 / تحميل: 5246
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

المقصد السابع في الاصول العملية

وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل مما دل عليه حكم العقل أو عموم النقل والمهم منها أربعة فان مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية وان كان مما ينتهي إليها فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته إلا أن البحث عنها ليس بمهم حيث انها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام

______________________________

في الاصول العملية

(قوله: في الاصول) الأصل في الاصطلاح حكم مجعول في ظرف الشك ويقابله الدليل الذي هو حكم يوجب الغاء الشك، ولهذه الجهة كان الدليل مقدما على الأصل موافقا كان أو مخالفا، والأصل العملي في الاصطلاح هو الجاري في الشبهة في الحكم الكلي الناشئة من عدم الدليل أو اجماله أو تعارضه بناء على كونه مرجعا عند تعارض الأدلة، وتوصيف المصنف (ره) له بما ينتهي إليه المجتهد... الخ، ليس بما يقومه اصطلاحا بل بما هو لازم له من باب الاتفاق لما سيأتي في بيان اعتبار الفحص في الرجوع إلى الاصول فلو فرض عدم الدليل على وجوب الفحص في الرجوع إلى الاصول وجواز الرجوع إليها قبله لم تخرج عن كونها اصولا عملية (قوله: مما دل عليه حكم) هذا بيان للموصول وتقسيم للاصول على قسمين عقلي وهو الحاكم به العقل وشرعي وهو الحاكم به الشرع (قوله: منها اربعة) وهي البراءة والاشتغال والتخيير والاستصحاب، واما اصالة العدم، واصالة عدم الدليل دليل العدم، واصالة الحلية، واصالة الحضر، فاعتذر عن عدم التعرض لها برجوع الأول إلى الاستصحاب والثالث إلى البراءة، والآخران من الامارات لا الأصول (قوله: الا ان البحث عنها ليس) حكي عن شيخنا الأعظم (ره) الاعتذار عن عدم التعرض لاصالة الطهارة بانها راجعة إلى اصالة البراءة، ولا يخلو من

٢٢١

بخلاف الاربعة وهي البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب فانها محل الخلاف (١) بين الاصحاب ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث وبيان ومؤونة حجة وبرهان. هذا مع جريانها في كل الأبواب واختصاص تلك القاعدة ببعضها فافهم

______________________________

اشكال فانها تجري لاحراز الشرط وموضوع التكليف مثل طهارة ماء الوضوء وطهارة لباس المصلى، وليس شأن اصل البراءة ذلك. وهذا الاشكال على تقدير تماميته يختص بأصل الطهارة الجاري في الشبهة في الحكم الكلي واما الجارى في الشبهة الموضوعية فلا مجال فيها للاشكال كسائر الاصول الجارية فيها مثل اصل الصحة واصالة الفراش واصالة الحرية ونحوها من الأصول الموضوعية، لانها ليست من الاصول العملية، ولا من شأن الاصولي البحث عنها بل هي من المسائل الفرعية التي يكون البحث عنها من شأن الفقيه (قوله: ببعضها) وهو خصوص باب النجاسات من الفقه (قوله: فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى التأمل في صحة الاعتذار الاخير إذا الاختصاص بباب لا يصح الاهمال

______________

(١) لا يقال: ان قاعدة الطهارة مطلقا تكون قاعدة في الشبهة الموضوعية فان الطهارة والنجاسة من الموضوعات الخارجية التى يكشف عنها الشرع، فانه يقال أولا نمنع ذلك بل انهما من الاحكام الوضعية الشرعية ولذا اختلفتا في الشرع بحسب المصالح الموجبة لشرعهما كما لا يخفى وثانيا انهما لو كانا كذلك فالشبهة فيهما فيما كان الاشتباه لعدم الدليل على احدهما كانت حكمية فانه لا مرجع لرفعها الا الشارع وما كانت كذلك ليست الا حكمية. منه قدس سره

٢٢٢

فصل

لو شك في وجوب شئ (١) أو حرمته ولم تنهض عليه حجة جاز شرعا وعقلا ترك الاول وفعل الثاني وكان مأمونا من عقوبة مخالفته كان عدم نهوض الحجة لاجل فقدان النص أو إجماله واحتماله الكراهة أو الاستحباب أو تعارضه

______________________________

اصل البراءة

(قوله: في وجوب شئ أو حرمته) يعني لو شك في وجوب شئ وعدم وجوبه مع العلم بعدم حرمته أو شك في حرمته وعدمها مع العلم بعدم وجوبه، وقد جمع المصنف (ره) في هذا الفصل مباحث عقد لها الشيخ (قدس سره) في رسائله ست مسائل فان الشك في الوجوب وعدمه عقد له ثلاث مسائل: الاولى فيما لو كان الشك لعدم النص، والثانية فيما لو كان لاجماله، والثالثة فيما لو كان لتعارض النصين ومثلها المسائل التي عقدها للشك في الحرمة وعدمها، وما ذكره المصنف (ره) أولى لان اختلاف منشأ الشك أو موضوعه مع الاتحاد في مناط البحث لا يصحح عقد مسائل (قوله: ترك الاول) يعني ما شك في وجوبه (قوله: وفعل الثاني) يعني ما شك في حرمته (قوله: واحتماله الكراهة) بيان لاجمال النص واحتمال

______________

(١) لا يخفى أن جمع الوجوب والحرمة في فصل وعدم عقد فصل لكل منهما على حدة وكذا جمع فقد النص واجماله في عنوان عدم الحجة إنما هو لأجل عدم الحاجة إلى ذلك بعد الاتحاد فيما هو الملاك وما هو العمدة من الدليل على المهم واختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول لا يوجب تخصيصه بعنوان على حدة واما ما تعارض فيه النصان فهو خارج عن موارد الاصول العملية المقررة للشاك على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير كما انه داخل فيما لا حجة فيه بناء على سقوط النصين عن الحجية واما الشبهة الموضوعية فلا مساس لها بالمسائل الاصولية بل فقهية فلا وجه لبيان حكمها في الاصول الا استطرادا فلا تغفل. منه قدس سره

٢٢٣

فيما لم يثبت بينهما ترجيح بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم يكن ترجيح في البين وأما بناء على التخيير كما هو المشهور فلا مجال لأصالة البراءة وغيرها لمكان وجود الحجة المعتبرة وهو أحد النصين فيها كمالا يخفى وقد استدل على ذلك بالادلة الاربعة (أما الكتاب) فبآيات أظهرها قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وفيه أن نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منة منه تعالى على عباده مع استحقاقهم لذلك ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية لما صح الاستدلال بها

______________________________

الكراهة راجع إلى صورة الشك في الحرمة واحتمال الاستحباب راجع إلى صورة الشك في الوجوب (قوله: فيما لم يثبت بينهما) أما لو ثبت بينهما ترجيح فالعمل على الراجح اجماعا (قوله: بناء على التوقف) إذ على هذا المبنى يمكن الرجوع إلى الاصل لعدم الحجة ويختار حينئذ كون الاصل اصل البراءة الاحتياط (قوله: وهو احد النصين) يعني احدهما تخييرا ويحتمل ان يكون ما يختاره تعيينا، وسيأتي انشاء الله في محله تحقيق ذلك (قوله: اظهرها قوله تعالى) الظاهر ان الآية مسوقة للاخبار عن فعل الله سبحانه بالامم السابقة، وان ما كان يعذبهم حتى يبعث إليهم رسولا، فالمراد من العذاب العذاب الدنيوي ومن الرسول الرسول الظاهري وأين هي مما نحن فيه. ثم إن الاظهر في تقريب الاستدلال بها على المقام جعل الرسول كناية عن البيان وقيام الحجة على التكليف، ويكون المراد من قوله تعالى: (ما كنا معذبين) ما كان يحسن منا العذاب وقول المصنف (ره): وفيه ان نفي التعذيب... الخ راجع إلى منع كون المراد ذلك بل ليس الظاهر منها الانفي العذاب الفعلي وهو اعم من ان يكون لعدم حسنه فتكون دالة على نفي الاستحقاق أو يكون منة على العباد فلا تدل على نفي الاستحقاق فلا تصلح لاثبات نفي الاستحقاق الذي هو المدعى (قوله: ولو سلم اعتراف الخصم) هذا إشارة إلى دفع ما ذكره شيخنا العلامة (ره) في رسائله من ان الآية الشريفة وان كانت

٢٢٤

* إلا جدلا مع وضوح منعه ضرورة أن ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم مما علم بحكمه وليس حال الوعيد بالعذاب فيه إلا كالوعيد به فيه فافهم (وأما السنة) فروايات منها حديث الرفع حيث عد ما لا يعلمون من التسعة المرفوعة فيه فالالزام المجهول مما لا يعلمون فهو مرفوع فعلا وان كان ثابتا واقعا فلا مؤاخذة عليه قطعا

______________________________

ظاهرة في نفي فعلية العذاب لا نفي الاستحقاق يصح الاستدلال بها لنفي الاستحقاق لأن الخصم يعترف بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية في المقام فنفي احدهما يستلزم نفي الاخر. والوجه في اعترافه بالملازمة: أن الادلة التي اقامها على الاستحقاق تدل على فعلية العقاب مثل اخبار التثليث الدالة على أن الأخذ بالشبهة موجب للوقوع في الهلكة، والظاهر من الهلكة الهلكة الفعلية لا مجرد الاستحقاق، ووجه الدفع (اولا) ان الاستدلال حينئذ يكون جدليا لا ينفع في اثبات المدعي الا باعتقاد الخصم (وثانيا) منع هذا الاعتراف من الخصم إذ لا تزيد الشبهة عنده على المعصية الحقيقة ولا ملازمة عنده بين الاستحقاق والفعلية فيها فكيف يعترف بالملازمة بينهما في الشبهة ؟ ومجرد استدلاله باخبار التثليث لا يقتضي ذلك فان الوعيد بالهلكة في اخبار التثليث ليس الا كالوعيد بالعذاب على المعصية لابد ان يكون محمولا على الاستحقاق (قوله: إلا جدلا) القياس الجدلي ما يتالف من المشهورات أو المسلمات (قوله: بالعذاب فيه) ضمير (فيه) راجع إلى ما شك في حكمه وضمير (به) راجع إلى ما علم بحكمه (قوله: منها حديث الرفع) وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: رفع عن امتي تسعة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفته (قوله: فالالزام المجهول مما لا يعلمون) هذا بناء منه على جعل (ما) بمعني الحكم لا الموضوع كما سيصرح به، وسيأتي توضيح المراد (قوله: مرفوع فعلا) يعني ظاهرا في رتبة الجهل به كما سيصرح به لا واقعا وإلا لزم كون الجهل بالحكم علة للعلم بعدمه (قوله: فلا مؤاخذة)

٢٢٥

(لا يقال): ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية كي ترتفع بارتفاع التكليف المجهول ظاهرا فلا دلالة على ارتفاعها (١) فانه يقال: إنها وإن لم تكن بنفسها أثرا شرعيا إلا أنها مما يترتب عليه بتوسيط ما هو أثره وباقتضائه من ايجاب الاحتياط شرعا فالدليل على رفعه دليل على

______________________________

يعني لا استحقاق للمؤاخذة كما هو ظاهر (قوله: لا يقال ليست) يعني الآثار التي تترتب وتنتفي على جريان الأصل هي الآثار الشرعية لمجراه والمؤاخدة ليست منها بل من الآثار العقلية فكيف تنتفي بنفي الحكم ظاهرا (قوله: فانه يقال إنها) يعني ان المؤاخذة وان كانت اثرا عقليا لكنها لما كانت مترتبة حقيقة وواقعا على ايجاب الاحتياط وكان نفي التكليف ظاهرا دليلا على عدم ايجاب الاحتياط الذي هو موضوعها حقيقة، فالدليل الدال على نفي التكليف لابد ان يكون موجبا لنفيها حقيقة، وما اشتهر من أن الآثار غير الشرعية لا تترتب وجودا وعدما على جريان الأصل مختص بما إذا لم يكن جريان الأصل موجبا لأنتفاء موضوع الأثر حقيقة. وان شئت قلت: الآثار العقلية التى لا تترتب على جريان الأصل هي خصوص الآثار الثابتة لمجرى الأصل واقعا، اما ما كانت ثابتة لما هو اعم من مجراه واقعا وظاهرا فلا ريب في ترتبها على جريان الاصل إذا بجريان الاصل يثبت وجود ظاهري لمجرى الاصل وهو موضوع حقيقة لها قتترتب عليه وقبح العقاب من هذا القبيل إذ كما يترتب على عدم الحكم واقعا يترتب على عدمه ظاهرا، وكذلك حسن العقاب فانه يترتب على ثبوت التكليف ظاهرا كما يترتب على ثبوته واقعا، وهذا هو الذي اشار إليه في حاشيته على المقام، لكنه جعله

______________

(١) مع أن ارتفاعها وعدم استحقاقها بمخالفة التكليف المجهول هو المهم في المقام والتحقيق في الجواب ان يقال - مضافا إلى ما قلنا -: إن الاستحقاق وان كان أثرا عقليا الا ان عدم الاستحقاق عقلا مترتب على عدم التكليف شرعا ولو ظاهرا تأمل تعرف منه قدس سره

٢٢٦

عدم ايجابه المستتبع لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته (لا يقال) لا يكاد يكون ايجابه مستتبعا لاستحقاقها على مخالفة التكليف المجهول بل على مخالفته نفسه كما هو قضية ايجاب غيره (فانه يقال): هذا إذا لم يكن إيجابه طريقيا وإلا فهو موجب لاستحقاق العقوبة على المجهول كما هو الحال في غيره من الايجاب والتحريم الطريقيين ضرورة أنه كما يصح أن يحتج بهما صح ان يحتج به ويقال: لم أقدمت مع ايجابه ؟ ويخرج به عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما، وقد انقدح بذلك أن رفع التكليف المجهول كان منة على الأمة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته من ايجاب الاحتياط فرفعه فافهم. ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية

______________________________

وجها ثانيا مضافا إلى ما في المتن. ولا يخفى أنه ليس على ما ينبغي من جهة أن نفي التكليف ظاهرا عين عدم وجوب الاحتياط، كما أن ثبوت التكليف ظاهرا عين وجوب الاحتياط. نعم ثبوت التكليف ظاهرا ووجوب الاحتياط من تبعات ثبوته واقعا كما ذكره قدس سره هنا وفي آخر المبحث (قوله: عدم ايجابه) يعني ايجاب الاحتياط حقيقة (قوله: لا يكاد يكون) يعني ان ايجاب الاحتياط لا يوجب المؤاخذة على مخالفة التكليف حتى يكون عدمه موجبا لعدمها، بل إنما يوجب المؤاخذة على مخالفة نفسه كسائر التكاليف المولوية فعدمه إنما ينفي المؤاخذة على مخالفته فتبقى المؤاخذة على مخالفة التكليف لا دليل على نفيها (قوله: هذا إذا لم يكن ايجابه) يعني أن ما ذكر إنما يتم لو كان إيجاب الاحتياط حقيقيا واقعيا، أما لو كان طريقيا ظاهريا فلا يترتب على مخالفته مؤاخذة بل فائدته المؤاخذة على مخالفة الواقع كما هو شأن جميع الاوامر الطريقية (قوله: بما هو قضيته) قد عرفت أن وضع التكليف في ظرف الجهل به عين ايجاب الاحتياط فتأمل (قوله: ثم لا يخفى عدم الحاجة) اعلم أن الموصول في (ما لا يعلمون) يحتمل بدوا

٢٢٧

* امورا: (الاول) أن يكون المراد به نفس الحكم الشرعي، ولا ريب في صحة الاستدلال به على البراءة في الشبهة الحكمية والموضوعية معا بأن يراد من الحكم الاعم من الكلي والجزئي (الثاني) أن يراد به نفس الموضوع للحكم الشرعي، وحينئذ فان أريد من عدم العلم به عدم العلم بأنه حرام أو حلال صح الاستدلال بالحديث في المقامين ايضا على البراءة، وان اريد عدم العلم بعنوانه غير المنتزع من الحكم مثل عدم العلم بكون المائع خلا أو خمرا اختص الاستدلال به على البراءة في الشبهة الموضوعية إذ الموضوع في الشبهة الحكمية مما لا يجهل عنوانه (الثالث) ان يراد به الجامع بين الموضوع والحكم، وحينئذ يصح الاستدلال به على البراءة في الموضعين ايضا، وظاهر المصنف (ره) اختيار الوجه الاول، وكأن الوجه فيه أن حمله على الموضوع يلزم منه المجاز في النسبة أو في الحذف لان الموضوع مما يمتنع رفعه حقيقة فرفعه لابد أن يحمل إما على التجوز في النسبة وادعاء انه مما يصلح للرفع، أو في الحذف بتقدير الأثر الظاهر أو جميع الاثار أو خصوص المؤاخذة، وحيث انه لا داعي إلى هذا التجوز يتعين حمله على الحكم ويكون رفعه حينئذ على الحقيقة (ولكن لا يخفى) أن الرفع منسوب إلى التسعة نسبة واحدة شخصية، ومن المعلوم امتناع التفكيك عرفا بين اجزاء هذه النسبة فإذا كان المرفوع فيما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما اكرهوا عليه والطيرة والحسد وغيرها هو الموضوع ادعاء لابد ان يحمل في الجميع عليه إذ لا جامع بين الرفع الحقيقي والادعائي بحسب متفاهم العرف. مضافا إلى وحدة سياق الجميع المانع من التفكيك بينها عرفا، ومنه يظهر امتناع حمله على الجامع بين الموضوع والحكم إذ عليه يلزم التفكيك بين أفراد الموضوع الواحد في كيفية النسبة مضافا إلى لزوم التفكيك في كيفية نسبة العلم إلى الموصول فانه بلحاظ الموضوع يكون متعلق العلم عنوان الموضوع وبالنسبة إلى الموضوع نفسه، والفرق بينهما هو الفرق بين مفاد كان الناقصة والتامة إذ العلم المتعلق بالحكم بمعني التصديق بوجوده وبالموضوع بمعنى التصديق بانه حرام أو حلال، والفرق بينهما ظاهر. وايضا يلزم على هذا تطبيق

٢٢٨

فيما لا يعلمون فان ما لا يعلم من التكليف مطلقا كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع والوضع شرعا وان كان في غيره لابد من تقدير الآثار أو المجاز في اسناد الرفع إليه فانه ليس ما اضطروا وما استكرهوا... إلى آخر التسعة بمرفوع حقيقة (نعم) لو كان المراد من الموصول في (ما لا يعلمون) ما اشتبه حاله ولم يعلم عنوانه لكان احد الأمرين مما لابد منه أيضا. ثم لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح أن المقدر

______________________________

الحديث في كل شبهة مرتين احداهما بلحاظ الجهل بنفس الحكم والأخرى بلحاظ الجهل بنفس الموضوع { وبالجملة }: هذا المعنى ساقط جدا، وقد عرفت سقوط المعنى الأول، فالمتعين هو الثاني، ولابد أن يحمل متعلق العلم فيه على العنوان المنتزع من الحكم كما تقتضيه المناسبات العرفية مضافا إلى أن حمله على العنوان غير المنتزع من الحكم موجب لحمله على ما لا يمكن أن يلتزم به لأن الجهل بعنوان الموضوع مما لا يوجب ارتفاع حكمه ضرورة كيف وكل موضوع معلوم الحكم. لابد أن يكون مجهول العنوان في الجملة فان الاناء المعين من الخمر مما لا يعلم كونه عتيقا أو حديثا معمولا، في صفر أو حديد من عنب العراق أو غيره الأسود منه أو الأخضر... وهكذا، إذ مقتضى الحمل على المعنى المذكور ارتفاع حكم الاناء المزبور، فيتعين حمله على العنوان المنتزع من الحكم مثل كونه حلالا أو حراما، كما هو ظاهر بأدنى تأمل. فتأمل (قوله: فيما لا يعلمون) متعلق بتقدير (قوله: في غيره) يعني غير ما لا يعلمون (قوله: بمرفوع) هو خبر ليس (قوله: ما اشتبه حاله) يعني الموضوع الذي اشتبه حكمه لاشتباه عنوانه فتختص بالشبهة الموضوعية (قوله: أحد الأمرين) يعني تقدير الآثار والمجاز في اسناد الرفع (قوله: مما لابد منه) لما عرفت من امتناع رفع الموضوع حقيقة، والمراد بهذا الكلام التعريض بشيخنا الأعظم (ره) في رسائله حيث قرب الاستدلال بالحديث بحمل الموصول على الحكم ثم قال: ومعنى

٢٢٩

في غير واحد غيرها فلا محيص عن أن يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها أو تمام آثارها التي تقتضي المنة رفعها كما أن ما يكون بلحاظه الاسناد إليها مجازا هو هذا كما لا يخفى فالخبر دل على رفع كل أثر تكليفي أو وضعي كان في رفعه منة على الأمة كما استشهد الامام - عليه السلام - بمثل هذا الخبر في رفع ما استكره عليه من الطلاق والصدقة والعتاق. ثم لا يذهب عليك أن المرفوع فيما اضطر إليه وغيره مما أخذ بعنوانه الثانوي إنما هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي ضرورة أن الظاهر أن هذه العناوين صارت موجبة للرفع والموضع للأثر مستدع لوضعه فكيف يكون موجبا لرفعه ؟ (لا يقال): كيف وايجاب الاحتياط فيما لا يعلم وايجاب التحفظ في الخطأ والنسيان

______________________________

الرفع رفع الآثار أو خصوص المؤاخذة (قوله: في غير واحد) يعني من العناوين المذكورة في الحديث (قوله: غيرها) يعني غير المؤاخذة فان المقدر فيما أكرهوا وما لا يطيقون والخطأ غير المؤاخذة كما يظهر من الرواية التي يشير إليها المصنف (ره) (قوله: ان المرفوع فيما اضطروا) يعني أن العناوين المذكورة في الحديث مختلفة بعضها اولية كالطيرة والحسد والتفكر وبعضها ثانوية كما عداه والمرفوع في القسم الأول أثر العنوان الأولي المذكور في الحديث، وأما المرفوع في الثاني فليس أثر العنوان الثانوي المذكور بل المرفوع أثر العنوان الأولي لأن الظاهر من الحديث أن العلة في الرفع هو العنوان الثانوي، ومن المعلوم أن آثار العنوان الثانوي يكون العنوان الثانوي علة لثبوتها لا لرفعها فيلزم أن يكون العنوان الثانوي علة لثبوتها ورفعها وهو ممتنع (فان قلت): فكيف جاز ذلك في الحسد واخواته ؟ (قلت): المنفي فيها فعلية الأثر الاقتضائي يعنى الاثر الذي يكون الحسد مثلا مقتضيا لثبوته منفي فعلا فاختلف مرتبة النفي والمنفي، (فان قلت): فليلتزم في العناوين الثانوية بذلك ايضا (قلت): الظاهر من الحديث كون العناوين الثانوية هي المقتضية للرفع فلا تكون مقتضية للثبوت كما

٢٣٠

* يكون أثرا لهذه العناوين بعينها وباقتضاء نفسها (فانه يقال): بل إنما تكون باقتضاء الواقع في موردها ضرورة أن الاهتمام به يوجب ايجابهما لئلا يفوت على المكلف كما لا يخفى (ومنها) حديث الحجب وقد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا في حديث الرفع الا انه ربما يشكل بمنع ظهوره في وضع ما لم يعلم من التكليف بدعوى ظهوره في خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع إطلاع العباد عليه لعدم أمر رسله بتبليغه حيث انه بدونه لما صح إسناد الحجب إليه تعالى (ومنها) قوله - عليه السلام -: (كل شئ لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه... الحديث) حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقا

______________________________

عرفت وليس كذلك الحال في الحسد واخواته فانه لا يظهر من الحديث كونها مقتضية للنفي وبذلك افترقت العناوين في هذه الجهة (قوله: يكون أثرا لهذه العناوين) فان مفهوم الاحتياط انما ينتزع متأخرا عن مقام الجهل كما أن عنوان التحفظ يكون منتزعا متأخرا عن مقام الخطأ والنسيان (قوله: فانه يقال بل انما) حاصل الجواب أن وجوب الاحتياط والتحفظ انما ينشأ عن المصالح الواقعية الموجبة للاحكام الواقعية فهي في الحقيقة من آثار العناوين الاولية، غاية الأمر أن مفهوم الاحتياط والتحفظ متأخر رتبة عن الجهل والخطأ وهو مما لا أثر له في كون نفس الوجوب من مقتضيات العناوين الأولية كما لا يخفى (قوله: ومنها حديث الحجب) وهو قوله - عليه السلام -: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (قوله: انقدح تقريب) يعني نقول: الالزام المجهول مما حجب علمه فهو موضوع (قوله: بدعوى ظهوره في خصوص) قال في الرسائل: فالرواية مساوقة لما ورد عن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام -: ان الله تعالى حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله تعالى بكم (قوله: حيث انه بدونه) يعني أن الوجه في دعوى ظهورها في ذلك هي نسبة الحجب إليه تعالى فان الحكم المجهول

٢٣١

* ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته وبعدم الفصل قطعا بين إباحته وعدم وجوب الاحتياط فيه وبين عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية يتم المطلوب مع إمكان أن يقال: ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته فهو حلال، تأمل (ومنها) قوله - عليه السلام -: (الناس في سعة ما لا يعلمون) فهم في سعة ما لم يعلم أو مادام لم يعلم وجوبه أو حرمته ومن الواضح أنه لو كان الاحتياط واجبا لما كانوا في سعة أصلا فيعارض به ما دل على وجوبه كما لا يخفى (يقال): قد علم به وجوب الاحتياط (فانه يقال): لم يعلم الوجوب أو الحرمة بعد فكيف يقع في ضيق الاحتياط من أجله ؟ نعم لو كان الاحتياط واجبا نفسيا كان وقوعهم في ضيقة بعد العلم بوجوبه لكنه عرفت أن وجوبه كان طريقيا لأجل أن لا يقعوا في مخالفة الواجب أو الحرام أحيانا فافهم (ومنها) قوله - عليه السلام -: كل شئ

______________________________

الذي بينه الرسول انما حجب بمعصية من عصى الله تعالى إذ اخفاه ولا يصدق عليه انه مما حجبه الله بخلاف الحكم الذي لم يأمر الله رسوله في تبليغه فانه يصدق عليه انه مما حجبه الله ضرورة (قوله: ولو كان من جهة) بيان لوجه الاطلاق يعني سواء كان الجهل بحرمته ناشئا من الجهل بعنوانه كما في الشبهة الموضوعية كالمايع المردد بين الخمر والخل أم عدم الدليل على حكمه كما في الشبهة الحكمية مثل حرمة شرب التتن (قوله: وبعدم الفصل) متعلق بقوله: يتم المطلوب، يعني أن الرواية موردها التردد بين الحرمة وغير الوجوب ولا تعم صورة التردد بين الوجوب وغير الحرمة فاثبات البراءة في هذه الصورة يكون بواسطة عدم الفصل بين الصورتين في الحكم، مع امكان تطبيق الرواية على الصورة المذكورة بلحاظ الترك فان الفعل المردد بين الوجوب وغير الحرمة يكون تركه مردد بين الحرمة وغير الوجوب فيثبت حل تركه بالرواية ويتم المطلوب. لكن ذلك خلاف الظاهر إذ الظاهر من الرواية النظر إلى خصوص الفعل لا الجامع بينه وبين الترك. ولعله إلى هذا أشار بقوله: تأمل (قوله: فهم في سعة ما لم) يعني أن (ما) إما

٢٣٢

مطلق حتى يرد فيه نهي، ودلالته تتوقف على عدم صدق الورود إلا بعد العلم أو ما بحكمه بالنهي عنه وإن صدر عن الشارع ووصل إلى غير واحد - مع أنه ممنوع لوضوح صدقه على صدوره عنه لا سيما بعد بلوغه إلى غير واحد وقد خفي على من لم يعلم بصدوره (لا يقال): نعم ولكن

______________________________

موصولة قد اضيفت إليها السعة أو مصدرية ظرفية متعلق بالسعة وعلى كل تقدير يتم المطلوب لظهورها في كون متعلق العلم هو الحكم الواقعي، فالحرمة والوجوب الواقعيان المشكوكان حيث لم يعلم بهما يكون المكلف منهما في سعة فلو دل على الاحتياط دليل كان معارضا لهذه الرواية فان وجوب الاحتياط يقتضي كون المكلف في ضيق منها، ومن هنا يظهر الاشكال فيما ذكره شيخنا الأعظم (قده) في رسائله حيث أورد على الاستدلال بالرواية بانها لا تصلح لمعارضة أدلة الاخباريين الدالة على وجوب الاحتياط لأن تلك الادلة توجب العلم بوجوب الاحتياط فلا يكون المكلف في سعة منه لكونه مما يعلم لا مما لم يعلم. وحاصل الاشكال: أن أدلة وجوب الاحتياط - لو تمت - لا توجب العلم بالحكم الواقعي فلا يخرج بها عن كونه مما لم يعلم، وحينئذ فلا تمنع عن تطبيق الرواية بالاضافة إلى الحكم الواقعي وانما تنمع من تطبيقها بالنسبة إلى جوب الاحتياط حيث أنه صار مما يعلم، لكن الرواية قاصرة عن شمول الجهل بمثل وجوب الاحتياط لأنه ليس حكما من قبيل الواقعي حتى يكون المكلف بالاضافة إليه في سعة أو في ضيق وانما يوجب كون المكلف بالاضافة إلى الحكم الواقعي في ضيق كما هو شأن جميع الأحكام الظاهرية الطريقية، بل لو فرض كونه من قبيل الحكم الواقعي يكون المكلف من قبله في ضيق تارة وفى سعة أخرى، إلا أن العلم به من أدلة الاحتياط إنما يوجب عدم صحة تطبيق رواية: الناس... الخ بالاضافة إليه ولا يمنع من تطبيقها بالاضافة إلى الحكم الواقعي بعد كونه مما لا يعلمون فإذا صح تطبيقها بالاضافة إليه كانت معارضة لأدلة الاحتياط لا محكومة لها كما لا يخفى (قوله: ودلالته تتوقف على عدم) الورود المجعول غاية لاطلاق الشئ مما لا ريب في كونه مما يقابل الصدور نحو قوله تعالى: (ولما

٢٣٣

بضميمة أصالة العدم صح الاستدلال به وتم (فانه يقال): وإن تم الاستدلال به بضميمتها ويحكم باباحة مجهول الحرمة وإطلاقه إلا أنه لا بعنوان انه مجهول الحرمة

______________________________

ورد ماء مدين) فاحتمال كونه بمعنى الصدور - كما قد يتوهم من العبارة - في غاية السقوط. نعم الاطلاق والورود لما كانا إضافيين، بمعنى أن الاطلاق قد يكون في حق جميع المكلفين، وقد يكون في حق بعضهم، وكذلك الورود قد يكون لجميع المكلفين وقد يكون لبعضهم، فالاحتمالات العقلية في معنى الكلام وان كانت كثيرة إلا أن التردد بين اثنين منها (الأول) أن يكون المراد من الاطلاق ما كان في حق كل واحد من المكلفين، ومن الورود ما كان ولو إلى واحد منهم، فكل شئ مطلق بالاضافة إلى كل واحد من العباد إلى أن يرد فيه نهي ولو إلى واحد، فإذا ورد نهي عنه إلى واحد ارتفع اطلاقه بالنسبة إلى كل واحد (الثاني) أن يكون ورود النهي بالاضافة إلى شخص غاية للاطلاق بالاضافة إليه ولا يكون غاية للاطلاق بالنسبة إلى غير من ورد إليه النهي. فعلى الأول لو شك في ورود النهي إلى أحد فقد شك في تحقق الغاية. ولا يجوز التمسك بالحكم المغيى مع الشك في تحقق غايته إلا أن يحرز عدم الغاية بالأصل، وعلى الثاني يجوز التمسك به للعلم بعدم تحقق الغاية بالاضافة إلى الشاك، والمصنف (ره) استظهر المعنى الأول فاورد على التمسك بها على البراءة بانه تمسك بما هو خلاف الظاهر، وكأن الباعث له على هذا الاستظهار كونه مقتضى الاطلاق في الاطلاق والورود، ولكن الانصاف يقتضي خلاف ما ذكر، وكيف يصح أن يدعى أن ظاهر هذا الكلام انه يجب الاحتياط على عامة المكلفين إذا علم بالنهي واحد منهم ؟ فان ذلك خلاف الارتكاز العقلائي كما هو ظاهر لمن تأمل (قوله: بضميمة اصالة العدم) يعني يمكن التمسك بالحديث إذا أحرز عدم الورود باصالة العدم فان أصالة عدم ورود النهي إذا جرت يحرز بها أن الشئ مما لم برد فيه نهي فيكون مطلقا (قوله: الا انه لا بعنوان) يعني أن أصالة العدم وان كانت نافعة في اثبات كونه مطلقا إلا

٢٣٤

* شرعا بل بعنوان انه مما لم يرد عنه النهي واقعا (لا يقال): نعم ولكنه لا يتفاوت فيما هو المهم من الحكم بالاباحة في مجهول الحرمة كان بهذا العنوان أو بذاك العنوان (فانه يقال): حيث أنه بذاك العنوان لاختص بما لم يعلم ورود النهي عنه أصلا ولا يكاد يعم ما إذا ورد النهي عنه في زمان واباحه في آخر واشتبها من حيث التقدم والتأخر، (لا يقال): هذا لولا عدم الفصل بين أفراد ما اشتبهت حرمته (فانه يقال): وإن لم يكن بينها الفصل إلا أنه إنما يجدي فيما كان المثبت للحكم بالاباحة في بعضها الدليل لا الأصل فافهم (وأما الاجماع) فقد نقل على البراءة إلا أنه موهون ولو قيل باعتبار الاجماع المنقول في الجملة فان تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل ومن واضح النقل عليه دليل

______________________________

أن الاطلاق المحرز بها ليس مما هو محل الكلام هنا إذ الكلام في أن الجهل بالحكم الالزامي هل هو موضوع لجواز الارتكاب أولا ؟ والثابت من الرواية أن ما لم يرد فيه نهي إلى أحد يجوز ارتكابه وهو غير محل الكلام (قوله: بهذا العنوان) يعني عنوان مجهول الحرمة (قوله: أو بذاك العنوان) يعني عنوان ما لم يرد فيه نهي (قوله: واشتبها من حيث) ففي هذا الفرض يصدق انه مجهول الحرمة ولا يمكن احراز انه مما لم يرد فيه نهي بالأصل لامتناع جريان أصالة العدم في المقام للعلم بارتفاع العدم وانتقاضه بالوجود (قوله: هذا لولا عدم) يعني ما ذكر من عدم امكان إثبات الاباحة في الفرض المذكور انما يتم لولا عدم الفصل أما بالنظر إلى عدم الفصل بين أفراد مشتبه الحكم فيثبت الحكم بالاباحة في الفرض كما ثبت في غيره من أمثاله (قوله: انما يجدي فيما كان) يعني أن التلازم بين الافراد في الحكم بالاباحة انما ينفع في اثبات الاباحة لبعض الافراد عند ثبوتها في غيره لو كان ثبوتها للغير مما قام عليه دليل لأن الدليل الدال على احد المتلازمين حجة في اثبات الملازم الآخر، أما إذا كان المثبت للاباحة هو الاصل فليس الحكم كذلك لأن الاصل المثبت لاحد المتلازمين لا يكون حجة على الملازم الآخر،

٢٣٥

* بعيد جدا (وأما العقل) فانه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس عن الظفر بما كان حجة عليه فانهما بدونها عقاب بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان وهما قبيحان بشهادة الوجدان. ولا يخفى انه مع استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته فلا يكون مجال ها هنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كي يتوهم أنها تكون بيانا كما انه مع احتماله

______________________________

ولذا اشتهر أن الاصل المثبت ليس بحجة، فاصالة العدم وان كانت تثبت الاباحة في اكثر الموارد لكنها لا تصلح لاثباتها في الفرض المذكور بتوسط الملازمة بين الموارد بالاباحة. هذا ولكن لا يخفى أن أصالة العدم في المقام لا تثبت الاباحة وانما تثبت موضوع الاباحة والاباحة إنما تستفاد من الدليل وهو الحديث المذكور فالاولى أن يقال: إن عدم الفصل انما ينفع في اثبات الاباحة لو كان بين ما لم يرد فيه نهي وما لم يعلم ورود النهي فيه لا ما لو كان بين أفراد مجهول الحكم فان عدم الفصل في الثاني انما يجدي لو قام دليل على الاباحة في بعض أفراد مجهول الحكم والمفروض عدمه، وانما الدليل قام على الاباحة فيما لم يرد فيه نهي فلابد من اثبات عدم الفصل بينه وبين مجهول الحكم. فلاحظ وتأمل، ولعله إلى هذا أشار بقوله: فافهم (قوله: بعيد جدا) يعني ومع بعد صدق الناقل لا يجوز الاعتماد على النقل (قوله: بما كان) متعلق بالظفر (قوله: فانهما بدونها) ضمير التثنية راجع إلى العقوبة والمؤاخذة وضمير المؤنث راجع إلى الحجة، (قوله: ولا يخفى انه مع استقلاله) يعني أنه حيث استقل العقل بقبح المؤاخذة كانت المؤاخذة معلومة العدم لامتناع صدور القبيح منه تعالى، ومع العلم بعدم المؤاخذة لا مجال لتطبيق قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لان تطبيقها يتوقف على احتمال لضرر والمفروض حصول العلم بعدمه فقاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل رافعة لموضوعها تكوينا حقيقة. ومن هذا يظهر لك اندفاع ما يتوهم من كون قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل واردة

٢٣٦

لا حاجة إلى القاعدة بل في صورة المصادفة استحق العقوبة على المخالفة ولو قيل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل، وأما ضرر غير العقوبة فهو وإن كان محتملا إلا أن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعا ولا عقلا، ضرورة عدم القبح في تحمل بعض المضار ببعض الدواعي عقلا وجوازه شرعا - مع أن احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرة وان كان ملازما لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة لوضوح ان المصالح والمفاسد التي تكون مناطات الاحكام وقد استقل العقل بحسن الافعال التى تكون ذات المصالح وقبح ما كان ذات المفاسد

______________________________

على قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن الاولى تصلح أن تكون بيانا فيرتفع موضوع الثانية حقيقة (توضيح الاندفاع): أن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل مما يمتنع أن تكون بيانا على التكليف لان تطبيقها يتوقف على احتمال الضرر والاحتمال المذكور انما يكون مع وجود البيان على الواقع فالبيان لابد أن يكون مفروضا في رتبة سابقة عليها، ويمتنع حينئذ ان يكون البيان بها، وان شئت قلت: يلزم من كونها بيانا الدور، لأن ورودها يتوقف على ثبوت موضوعها وهو احتمال الضرر، واحتمال الضرر يتوقف على البيان فلو كان البيان موقوفا على ورودها لزم توقف الشئ على ما يتوقف عليه وهو الدور الممتنع (قوله: لا حاجة إلى القاعدة) إنما لا يكون حاجة إليها لو كان النزاع في ثبوت العقاب على تقدير المصادفة حيث أن ثبوت العقاب على ذلك التقدير تابع لوجود مقتضيه وهو المعصية أما لو كان النزاع في ثبوت وجوب الاحتياط كما يدعيه الاخباريون فالحاجة إليها أكيدة إذ لولاها لم يكن ما يوجب الاحتياط (قوله: واما ضرر غير العقوبة) معطوف على قوله: لاحتمال الضرر... الخ (قوله: ضرورة عدم القبح) يشهد به الوجدان الضرورى، كما يظهر بادنى تأمل (قوله: وجوازه شرعا) لأن الثابت في الشرع حرمة الوقوع في التهلكة دون عنوان مطلق الضرر فلاحظ مع ان احتمال الضرر الدنيوي من قبيل الشبهة الموضوعية التي لا إشكال عند

٢٣٧

* ليست براجعة إلى المنافع والمضار وكثيرا ما يكون محتملا التكليف مأمون الضرر. نعم ربما يكون المنفعة أو المضرة مناطا للحكم شرعا وعقلا (ان قلت): نعم ولكن العقل يستقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن من مفسدته وأنه كالافدام على ما علم مفسدته كما استدل به شيخ الطائفة - قدس سره - على أن الاشياء على الحضر أو الوقف (قلت): استقلاله بذلك ممنوع والسند شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والاديان حيث أنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته ولا يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته كيف وقد أذن الشارع بالاقدام عليه ؟ ولا يكاد يأذن بارتكاب القبيح فتأمل (واحتج للقول) بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة بالأدلة الثلاثة (أما الكتاب) فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم وعن الالقاء في التهلكة والآمرة بالتقوى، والجواب أن القول بالاباحة شرعا وبالأمن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم لما دل على الاباحة من النقل وعلى البراءة من حكم العقل ومعهما لا مهلكة في اقتحام الشبهة أصلا ولا فيه مخالفة التقوى كما لا يخفى (واما الأخبار) فبما دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة) من الأخبار الكثيرة

______________________________

الاخباريين في جواز الارتكاب فيها، إلا ان يفرق بين مثل هذه الشبهة الموضوعية وسائر الشبه الموضوعية لاختلافها في أن بيانها وظيفة الشارع دونها كما هو ظاهر (قوله: ليست براجعة) هو خبر أن المصالح... الخ، وقد تقدم ذلك في مبحث حجية الظن (قوله: وكثيرا ما يكون محتمل) وحينئذ فلو بني على وجوب دفع الضرر المحتمل اختص بغير هذه الموارد (قوله: كيف وقد أذن) من الواضح أن المصالح والمفاسد الواقعية بعد ما كانت عللا للاحكام الشرعية امتنع إذن الشارع في الاقدام على ما لا تؤمن مفسدته الا مع وجود المزاحم الاهم أو المساوي كما تقدم في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية، وحينئذ فاذن الشارع

٢٣٨

الدالة عليه مطابقة أو التزاما وبما دل على وجوب الاحتياط من الاخبار الواردة بألسنة مختلفة (والجواب) أنه لا مهلكة في الشبهة البدوية مع دلالة النقل على الاباحة وحكم العقل بالبراءة كما عرفت وما دل على وجوب الاحتياط لو سلم وان كان واردا على حكم العقل فانه

______________________________

في الاقدام عليه لا تصلح شاهدا على جواز الاقدام مطلقا، إلا أن يكون مقصوده دعوى جواز الاقدام عند العقلاء لبعض الدواعي كما جاز عند الشارع لذلك، لكن العبارة لا تساعد عليه، مع أنه قياس مع الفارق لان الدواعي العقلائية المصححة للاقدام ليست مما تصلح لمزاحمة المفاسد الواقعية، كما هو ظاهر، ولعله إليه أشار بقوله: فتأمل (قوله: الدالة عليه مطابقة) اي الدالة على وجوب التوقف مطابقة مثل ما تضمن الأمر بالوقوف والكف أو التزاما مثل ما دل على وجوب التثبت والرد إلى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وآله والائمة (ع) وغير ذلك (قوله: والجواب انه لا مهلكة) توضيحه: أن وجوب التوقف المستفاد من أخباره قد اخذ في موضوعه الهلكة فيمتنع ان يكون علة لها لأن الموضوع من علل وجود حكمه فلو كان معلولا له لزم الدور، فلابد حينئذ من أن يكون منشأ الهلكة شيئا آخر غير هذا الوجوب فتختص الاخبار المذكورة بما لو كان بيان على الواقع غير نفس الاخبار فيبطل جعلها بيانا على التكليف كما هو غرض المستدل، ويكون حال هذه الاخبار بالاضافة إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان حال قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بالاضافة إليها، فكل مورد لابيان فيه على الواقع تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان وتكون واردة على هذه الاخبار، وكل مورد يكون فيه بيان على الواقع تجري فيه هذه الاخبار ولا تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فالأخبار المذكورة لا تصلح بيانا اصلا كما لا تصلح قاعدة وجوب دفع الضرر بيانا حسبما عرفت، وهكذا حال الأخبار بالاضافة إلى الأدلة النقلية الدالة على البراءة فان تلك الادلة رافعة لموضوعها أيضا بعين التقريب المذكور (قوله: لو سلم) يعني لو سلم وجوده ولم يناقش

٢٣٩

كفى بيانا على العقوبة على مخالفة التكليف المجهول، ولا يصغي إلى ما قيل من ان إيجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح وان كان نفسيا فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع، وذلك لما عرفت من أن ايجابه يكون طريقيا وهو عقلا ما يصح أن يحتج به على المؤاخذة في مخالفة الشبهة كما هو الحال في أوامر الطرق والامارات والاصول العملية إلا أنها تعارض بما هو أخص أو اظهر، ضرورة أن ما دل على حلية المشتبه أخص بل هو في الدلالة على الحلية نص وما دل على الاحتياط

______________________________

فيه بدعوى القرائن الدالة على أنه للاستحباب أو للارشاد كما يظهر من ملاحظة الرسائل (قوله: كفى بيانا) فلا مجال معه لتطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان (قوله: ما قيل من ان ايجاب) القائل شيخنا الأعظم (قدس سره) في رسائله ذكره في جواب ايراد أورده على نفسه في مقام الجواب عن اخبار التوقف وقد تضمن الايراد دعوى وجوب الاحتياط شرعا، وستأتي الاشاره إليه في كلام المصنف (ره) (قوله: فهو قبيح) يعني ترتب العقاب على التكليف المجهول (قوله: وذلك لما عرفت من) تعليل لأنه لا يصغى إليه، وحاصله: أنه لا ينحصر وجه وجوب الاحتياط في احد الأمرين الباطلين ليكون باطلا بل يمكن أن يكون بنحو آخر بأن يكون طريقيا كسائر الوجوبات التى تضمنتها أدلة الطرق والامارات والاصول ناشئا عن الاهتمام بمصلحة الواقع، وحينئذ يكون بيانا على الواقع مصححا للعقاب على مخالفته واردا على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ورود جميع الطرق والامارات والأصول عليها (قوله: الا انها تعارض) استدراك على قوله: وإن كان، وهو الجواب عن اخبار الاحتياط (قوله: ضرورة ان ما دل على حلية المشتبه اخص) إن كان المراد به مثل حديث الرفع والسعة، فيشكل بأنه وان كان مخصصا بالشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي اجماعا إلا أن تخصيص أدلة الاحتياط بالشبهة الموضوعية يوجب كون النسبة بينه وبين أدلة الاحتياط عموما من وجه وكما يجوز حمل الثانية على الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي يجوز حمله على

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617