حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول12%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219113 / تحميل: 5247
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا لاجل ان دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ضرورة أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام فكيف يقدم على احتماله احتماله في صورة الدوران بين مثليهما فافهم

______________________________

الجانبين (قوله: ووجب) معطوف على (لا يجوز) وضمير بها في المقامين راجع إلى الشك والزيادة (قوله: وكذا وجب) على معطوف (لا يجوز) ايضا يعنى بحيث تكون شدة الطلب تبلغ حدا موجبا للتعيين في محتملها عند الدوران بين التعيين والتخيير (قوله: الحرمة مطلقا) يعني وان لم تكن مشتملة على الشدة والزيادة (قوله: يكون مقدما على) كما لو توقف اتقاذ الغريق على استطراق ارض مغصوبة أو ركوب سفينة كذلك (قوله: على احتماله) ضمير الاول للواجب والثاني للحرام (قوله: مثليهما) اي الواجوب والتحريم. تنبيه. لو بني على التخيير في المقام فهل هو ابتدائي بحيث لا يجوز له في الزمان الثاني اختيار غير ما اختاره اولا، أو استمراري ؟ قولان اقواهما الثاني لعدم الفرق بين الوقائع في نظر العقل فكما يخير في الزمان الاول يخير في الزمان الثاني. ودعوى لزوم المخالفة القطعية لو اختار غير ما اختاره اولا مندفعة بلزوم الموافقة القطعية أيضا ولا ترجيح للموافقة الاحتمالية على الموافقة القطعية الملازمة للمخالفة القطعية. هذا بناء على التخيير العملي أما بناء على التخيير في الأخذ باحد المحتملين فحيث كان المستند فيه اخبار التخيير بين المتعارضين فالمرجع اطلاق تلك الاخبار، ومع عدمه الاستصحاب والظاهر ثبوت الاطلاق لأخبار التخيير من حيث الزمان لأن اختلاف الزمان موجب لتعدد الوقائع التي لا فرق فيها في مرجعية تلك الاخبار كما هو ظاهر بالتأمل، فالتخيير إذا استمراري ايضا وسيأتي انشاء الله في أحكام التعارض ماله نفع في المقام فانتظر والله سبحانه الموفق المعين

٢٨١

فصل

لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الايجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين وأخرى بين الاقل والاكثر الارتباطيين فيقع الكلام في مقامين (المقام الاول) في دوران الامر بين المتباينين. لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما مطلقا - ولو كانا فعل أمر وترك آخر - ان كان فعليا من جميع الجهات بان

______________________________

الدورانه بينه المتباينين

(قوله: بين المتباينين) تباين المكلف به (تارة) يكون بالذات كما لو علم اجمالا بوجوب عتق رقبة أو صيام شهرين (وأخرى) بالعرض كما لو علم اجمالا بوجوب القصر أو التمام، فان القصر إنما يباين التمام بلحاظ اخذ بشرط لا في القصر وشرط شئ في التمام فلا ينطبق احدهما على الآخر، وهذا بخلاف الأقل والأكثر فان الأقل لا يباين الاكثر، بل الاقل بعض الاكثر الموجب لكون وجوده عين وجود الاكثر. وان شئت قلت: لابد في كل علم اجمالي قائم بالمتباينين من امكان فرض قضيتين شرطيتين مقدم احداهما احد الامرين وتاليها نقيض الآخر ومقدم ثانيتهما عين الآخر وتاليها نقيض مقدم الاولى كقولنا: إن كان العتق واجبا فليس الصيام واجبا، وان كان الصيام واجبا فليس العتق واجبا، وان كان القصر واجبا فليس التمام واجبا، وان كان التمام واجبا فليس القصر واجبا، ولا يصح فرضهما في الأقل والاكثر، فلا يقال: إن كانت العشرة واجبة فليست التسعة واجبة لان التسعة بعض العشرة فوجوب العشرة وجوب التسعة وزيادة. ثم إن المراد من القضية السلبية في التالي سلب المعلوم بالاجمال فلا ينافي احتمال فرد آخر غيره. فلاحظ (قوله: الارتباطيين) أما الأقل والاكثر الاستقلاليان فلا اجمال في المكلف به فيهما لأن الأقل معلوم التكليف به والزائد مشكوك التكليف بدوا (قوله: ولو كان فعل امر وترك) لا يخفى أنه إذا علم اجمالا بوجوب شئ وحرمة آخر فلا علم اجمالا

٢٨٢

يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الاجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الاباحة مما يعم أطراف العلم مخصصا عقلا لاجل مناقضتها معه، وإن لم يكن فعليا كذلك - ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية للاطراف. ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي إلا أنه

______________________________

بوجوب أو تحريم وإنما علم اجمالا بالالزام المردد بين الوجوب والتحريم فلا يدخل في العنوان المذكور في صدر المبحث إلا إذا اريد من المكلف به ما هو اعم من الفعل والترك فانه حينئذ يصح أن يقال: علم بوجوب فعل احدهما أو ترك الآخر أو بحرمة احدهما أو ترك الآخر. لكن عليه كان اللازم الاكتفاء باحد الامرين من الوجوب والتحريم ولا داعي إلى ذكرهما معا، والامر سهل (قوله: فلا محيص عن تنجزه) قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن التكليف الفعلي من جميع الجهات حيث كان مضادا للترخيص الشرعي فلا فرق بين العلم به والظن به واحتماله ولو موهوما في امتناع شمول ادلة الترخيص لأن شمولها يوجوب إما العلم بالمتضادين أو الظن بهما أو احتمالهما، والجميع ممتنع ولا ميز للعلم الاجمالي على الظن والاحتمال في امتناع شمول ادلة الترخيص لمورده دون موردهما، بل الجميع مما لا مجال لشمول ادلة الترخيص لمورده. نعم بينهما ميز في ثبوت الترخيص العقلي وعدمه فان العلم لما كان واجدا لمقتضي الحجية سواء أكان بنحو العلية التامة أم مجرد الاقتضاء امتنع الترخيص العقلي في مخالفته، وليس كذلك الظن والاحتمال. هذا لو لم يكن معنى فعليته من جميع الجهات مساوقا لتنجزه وإلا فلا مجال لاحتمال فعليته من جميع الجهات مع عدم المنجز له في ظرف الشك فيه (قوله: لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا) (اما) عدم المانع عقلا فلان العلم الاجمالي ليس علة تامة للتنجز

٢٨٣

* كالعلم التفصيلي حتي يمتنع الترخيص الشرعي في مخالفته لكونه ترخيصا في المعصية قبيحا في نظر العقل كما أشار إليه في مبحث القطع. هذا وقد عرفت هناك ما فيه وأن العلم الاجمالي ليس سنخا غير سنخ العلم التفصيلي، بل كشفه واراءته لمتعلقه كشف العلم التفصيلي عنه، بل هو هو غاية الامر يشك في انطباقه على كل واحد من اطرافه على البدل، وهو امر خارج عن متعلق العلم، وقد يكون المعلوم بالتفصيل كذلك فيشك فيما علم وجوب اكرامه تفصيلا أنه عالم أو جاهل أو غني أو فقير... إلى غير ذلك من العناوين المنطبقة عليه، فكما لا يقدح ذلك في كشف العلم التفصيلي عن متعلقه لا يقدح الشك في انطباق المعلوم بالاجمال في كشف العلم الاجمالي عن متعلقه كما هو ظاهر. نعم الشك المذكور يوجب كون كل واحد من الاطراف موضوعا لادلة الاصول، وهذا المقدار لا أثر له في عدم منجزية العلم لأن إعمال أدلة الاصول في كل واحد من الاطراف يتوقف على عدم المانع عقلا عنه فإذا كان العلم الاجمالي منجزا لمتعلقه في نظر العقلاء منع ذلك من إعمال ادلة الاصول لأن إعمالها يكون ترخيصا في محتمل المعصية وهو قبيح عقلا. فالعمدة حينئذ هو اثبات هذه الجهة، اعني كونه منجزا في نظر العقلاء محدثا بمجرد حدوثه للداعي العقلي نحو موافقته كما في العلم التفصيلي فيكون ذلك مانعا عن اجراء الاصول في الاطراف، وإلا فمجرد كون كل واحد من الاطراف مشمولا لأدلة الاصول لا أثر له في رفع منجزيته، وقد عرفت فيما سبق أن احداثه للداعي العقلي إلى موافقته مما لا مجال للريب فيه عند العقلاء، إذ لافرق عندهم في حدوث الداعي المذكور بين أن يسمع العبد مولاه يقول: اكرم هذا، مشيرا إلى معين، وبين أن يسمعه يقول: اكرم زيدا، مع تردد زيد في نظر العبد بين شخصين معينين، وكما ينبعث نحو موافقة العلم في الاول بمجرد حصوله ينبعث نحو موافقته في الثاني ايضا كذلك ولا يتوقف حدوث الداعي له على عدم ورود الترخيص في مخالفته بحيث يكون منتظرا لذلك، بل لو سمع المولى يقول: لا تكرم هذا ولا ذلك لانك لا تعرف كلا منهما أنه زيد، عد ذلك منه مخالفا لقوله الأول مضادا له، وأقل

٢٨٤

* سبر لحال العقلاء في هذا المقام كاف في اثبات ما ذكرنا. مع ان ما ذكره المصنف (ره) لا يكاد يلتزم به هو (ره) ولا غيره في جميع الموارد الفقهية، وان صدر من بعضهم ما يوهم ذلك كان في مقام التشكيك وابداء الاحتمال مما لا يعد خلافا في المسألة فراجع كلماتهم في المباحث الفقهية وتامل (واما) عدم المانع شرعا فلان المحتمل في المنع احد امرين (الاول) ان موضوع ادلة الاصول ما لم يعلم انه حرام، وهذا العنوان مما لا يحرز في كل واحد من الاطراف لأن المعلوم بالاجمال لما كان معلوما أنه حرام فمع احتمال انطباقه على كل واحد من الطرفين يكون كل واحد منهما مما يحتمل أنه معلوم الحرمة واحتمال انه معلوم الحرمة ينافي احراز انه لم يعلم انه حرام، ومع عدم احراز عنوان العام لا يجوز التمسك بالعام (وهذه) الشبهة ذكرها المصنف (ره) في مجهول التاريخ في مبحث الاستصحاب ولم يذكرها هنا مع عدم ظهور الفرق بين المقامين (وحاصل) الوجه في دفعها: أن العلم ليس من الصفات التي تسري إلى ما ينطبق عليه موضوعها كالصفات الخارجية حتى يصح قياسها عليها بحيث يكون حال العلم حال نفس النجاسة، فكما أن احتمال انطباق النجس المعلوم بالاجمال على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كون كل واحد منها محتملا أنه نجس يكون احتمال انطباق المعلوم الحرمة على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كونه معلوم الحرمة بل ليس العلم إلا قائما بنفس الصورة لا يتعداها إلى ما تتحد معه تلك الصورة خارجا. والوجه في ذلك: انه لا ريب في مضادة الشك للعلم كما لا ريب في كون كل واحد من الاطراف مشكوك الحرمة فيمتنع ان يحتمل انه معلوم الحرمة، وهذا واضح بانى تأمل (الثاني) لزوم التناقض في مدلول أدلة الاصول لو بني على تطبيقها على كل واحد من الطرفين. فان قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام، لو بني على تطبيق صدره على كل واحد من الطرفين كان اللازم تطبيق ذيله على المعلوم بالاجمال فيلزم التناقض لأن عدم حل المعلوم بالاجمال وحل كل واحد من طرفيه مما لا يجتمعان (وفيه) أن هذا الاشكال على تقدير تماميته - كما سيجيئ توضيح الحال فيه في الاستصحاب انشاء الله - مختص بمثل

٢٨٥

* روايتي مسعدة وابن سنان المشتملتين على قوله (ع): فتدعه، فيكون نظير قوله (ع) في بعض أخبار الاستحصاب: ولكن تنقضه بيقين آخر، ولا مجال له في مثل احاديث الوضع والرفع والسعة، بل وفي مثل كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام لأن عدم الحكم على المعلوم بالاجمال من حيث كونه معلوما لا ينافي الحكم بالحل على كل واحد من طرفيه لكونه مشكوكا لجواز اجتماع عناوين متعددة بعضها موضوع للحكم وبعضها غير موضوع له، فان زيدا العالم يجب اكرامه لكونه عالما ولا يجب اكرامه لكونه غنيا أو فقيرا أو طويلا أو قصيرا... إلى غير ذلك. اللهم إلا أن يستفاد منه أن الحكم بالحل على المشكوك لعدم المقتضي للمنع وعدم الحكم به على المعلوم الحرمة لوجود المقتضي للمنع، وحينئذ ففعلية الحل لا تكون الا في ظرف عدم المانع عنه المقتضي للمنع، فلا يمكن تطبيق الرواية الا في مورد لا يكون فيه مانع عن الحكم بالحل كالشبهات البدوية، بل يشكل التمسك حينئذ بمثل حديث الرفع أيضا لوقوع التعارض بينه وبين الغاية في هذه الرواية الموجب لتقديم الغاية لعدم التنافى بين المقتضي واللا مقتضي، ويكون مفاد مجموع الأدلة أن المشكوك لا مقتضي فيه للمنع، والمعلوم فيه مقتضى المنع ففي الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي لا مجال لفعلية الحل في كل واحد من الاطراف للاقتران بالمانع. فلاحظ وتأمل (ثم انه) لو بني على شمول ادلة الاصول لكل واحد من الاطراف فلابد من رفع اليد عنها لما عرفت من كون العلم علة تامة للتنجز فيكون الترخيص في اطرافه ترخيصا في المعصية وهو قبيح بل ممتنع لانه نقض للغرض ومضاد للحرمة المعلومة كما عرفت الاشارة إليه في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (فان قلت): رفع اليد عن عموم أدلة الاصول إنما يتم لو كان العلم الاجمالي علما حقيقيا أما لو كان دليلا علميا كالعموم أو الاطلاق أو نحوهما من الظهورات فلا وجه لتعين رفع اليد عن عموم أدلة الاصول بل يدور الامر بين رفع اليد عنها وبين رفع اليد عن الدليل المثبت للحرمة اجمالا، فلابد حينئذ من الرجوع إلى الاقوى فقد يكون عموم

٢٨٦

* الأصل وقد يكون دليل الحكم المعلوم بالاجمال (قلت): هذا الاشكال وان أجيب عنه بوجوه كثيرة، إلا أن التحقيق في الجواب أن اصالة الظهور في دليل التحريم حاكمة على اصالة العموم في دليل الأصل لأن أصالة الظهور في كل مقام انما تجري في مورد يحتمل مطابقة مؤداها للواقع اما لو علم بعدم مطابقة مؤداها للواقع فلا موضوع لها واعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب العلم بعدم مطابقة أصالة الظهور في دليل الأصل للواقع دون العكس لأن إعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب تنجز التحريم عند العقل، وحينئذ يمتنع الترخيص في مخالفته فيعلم بعدم مطابقة الظهور لدليل الترخيص للواقع فلا موضوع لأصالة الظهور فيه، وإعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص لا يوجب العلم بعدم مطابقة ظهور دليل التحريم للواقع لامكان مطابقته للواقع حينئذ وانما توجب سقوط الظهور عن الحجية فيه إذ المصحح للترخيص عدم الحجة على التحريم الواقعي لا عدم التحريم في نفسه (والوجه) في أصل الاشكال توهم التنافي بين التحريم الواقعي والترخيص فتتعارض اصالة الظهور المثبتة لهما فلابد من الأخذ بالأقوى، وليس الامر كذلك لما عرفت من عدم التضاد بين الحكم الواقعي والظاهري وانما التنافي بين الحجة على الحكم الواقعي والترخيص في مخالفته فيكون العلم بالحجة على الحكم الواقعي وهي اصالة الظهور في دليل التحريم موجبا للعلم بعدم الترخيص فلا، مجال لاعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص للعلم بمخالفتها للواقع، وليس العلم بالحجة على الترخيص موجبا للعلم بعدم التحريم واقعا، بل هو مستحيل إذ لا ترخيص الا في مورد الشك فيه فلا تكون اصالة الظهور في دليل الترخيص رافعة لموضوع اصالة الظهور في دليل الواقع، بل هذه مزيلة وتلك مزالة فلا يتعارضان (فان قلت): إذا كان العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بنحو يمتنع الترخيص في مخالفته كان اللازم عدم العمل على الامارة القائمة على نفي التكليف في بعض الاطراف كما لو قامت البينة على طهارة احد الاناءين في الشبهة المحصورة، مع أنه لا ريب في جواز العمل عليها، فيكشف ذلك عن جواز الترخيص في مخالفته فلا يكون علة لوجوب الموافقة القطعية،

٢٨٧

* (قلت): قد عرفت الاشارة في مبحث القطع إلى أنه لا مجال للتفكيك في اقتضاء العلم الاجمالي بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، وما ذكر في السؤال لا يدل على خلاف ذلك لأن المقصود من كونه علة لوجوب الموافقة القطعية أنه يقتضي تنجز المعلوم بقول مطلق وليس للشارع الاقدس التصرف في مقام منجزيته له والردع عنها لا أنه بحيث يمنع عن تصرف الشارع الاقدس في مقام الفراغ، فان العلم التفصيلي - مع انه لا اشكال في منجزيته لمتعلقه - قد ثبت تصرفه في مقام الفراغ عنه بجعل الامارات والاصول المفرغة، مثل قاعدتي التجاوز والفراغ واصالة الطهارة من الخبث واستصحاب الطهارة من الحديث ونحوها والبينة القائمة على طهارة أحد الاناءين في الشبهة المحصورة من هذا القبيل، فان مدلولها المطابقي وان كان هو طهارة ما قامت على طهارته من الاناءين، الا ان مدلولها الالتزامي كون الآخر هو النجس، فمقتضي حجيتها في مدلولها الالتزامي أن ترك الآخر ترك المعلوم بالاجمال وفراغ عنه، فحجيتها في هذا المقام تصرف في مقام الفراغ عما تنجز بالعلم لا تصرف في أصل التنجز الممنوع عنه عقلا بناء على انه علة لوجوب الموافقة القطعية، وهذا هو ما اشتهر من جواز الترخيص بعد جعل البدل، واصل الطهارة ونحوه من الاصول النافية للتكليف انما امتنع جريانها في أحد الاطراف لانها لا تصلح لتعيين المعلوم بالاجمال الابناء على الأصل المثبت الذي لا نقول به (فان قلت): إذا جاء الترخيص بعد جعل البدل فلم لا يكون عموما أدلة الأصول بعد ما كان شاملا لكل واحد من الأطراف كاشفا عن جعل البدل ؟ فان عمومه لكل واحد منها وان كان شموليا لا بدليا إلا أنه لما امتنع ذلك لأنه ترخيص في المعصية فليحمل على أنه بدلي ويكون كاشفا عن جعل مقدار الحرام بدلا على البدل إذ هو أولى من رفع اليد عنه بالنسبة إلى جميع الأطراف بالمرة (قلت): قد عرفت سابقا أن المصحح للترخيص في نظر العقل ليس مجرد جعل البدل واقعا بل المصحح هو العلم بجعل البدل، واحتمال جعل البدل واقعا غير كاف بل هو نظير احتمال مخالفة الحجة القائمة على ثبوت المعلوم بالاجمال للواقع لا يصلح

٢٨٨

* عذرا في نظر العقل، فما لم يعلم العقل بجعل البدل يرد الترخيص، فإذا كانت صحة الترخيص في نظر العقل موقوفة على العلم بجعل البدل امتنع استكشاف جعل البدل من دليل الترخيص لأنه دور، فانه على هذا يكون العلم بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص، وقد عرفت أن العلم بالترخيص موقوف على العلم بجعل البدل، (وبالجملة): احتمال جعل البدل لما لم يكن حجة على جعله ولا يصلح عذرا في نظر العقل كان اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية بحاله فيكون الترخيص في بعض الأطراف ترخيصا في محتمل المعصية الممتنع، فلا يخرج الترخيص عن كونه ترخيصا في محتمل المعصية حتى يكون جعل البدل معلوما محرزا فيمتنع استفادة العلم بجعل البدل من قبل دليل الترخيص. نعم لو فرض النص من الشارع الأقدس على جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة لابد حينئذ من استفادة جعل البدل صونا لكلام الحكيم عن اللغوية، لكن هذا ليس مما نحن فيه لأن الكلام في استفادة جعل البدل من نفس دليل الترخيص بحيث يكون مدلولا التزاميا له فانه موقوف على احتمال ارادة الترخيص، وقد عرفت القطع بعدم ارادته لأنه ترخيص في المعصية والاستفادة في الفرض المذكور ليست من نفس الكلام الملقي إلى المكلف بل من قاعدة امتناع صدور اللغو من الحكيم. فتأمل في المقام فانه به حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (فان قلت): لو نذر المكلف ان يتصدق بدرهم لو لم يكن مشغول الذمة لزيد بدرهم، فانه يعلم اجمالا اما بوجوب دفع درهم لزيد وفاء لما في ذمته واما بوجوب الصدقة بدرهم، ولا ريب في جريان استصحاب عدم اشتغال ذمته بدين لزيد، وهذا الاستصحاب اصل ناف جار في بعض اطراف العلم وليس متعرضا لمقام الفراغ وجعل البدل فيكشف ذلك عن عدم وجوب الموافقة القطعية (قلت): ما ذكرت من جريان الاصل المذكور مسلم وكذا عدم كونه من قبيل جعل البدل لانه لابدان يكون بلسان تعيين المعلوم بالاجمال والاصل لا يفي بذلك الا بناء على الاصل المثبت، والوجه في جريانه - مع انه اصل ناف للتكليف - ان من آثار موارده ثبوت التكليف في الطرف الآخر

٢٨٩

* لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات وله مجال مع الاجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا معه لامكان جعل الظاهري في اطرافه وإن كان فعليا من غير هذه الجهة فافهم. ثم إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا ولو كانت أطرافه غير محصورة وإنما التفاوت بين المحصورة وغيرها

______________________________

فيكون من قبيل الاصل المثبت للتكليف في احد الاطراف فيوجب انحلال العلم الاجمالي كما تقدم تفصيله فراجعه. ومن هنا يظهر لك الفرق بين جعل البدل وبين الانحلال مع اشتراكهما في عدم لزوم الاحتياط فان الاول يلزم فيه ان يكون متعرضا لتعيين المعلوم بالاجمال ولا كذلك الثاني، ويلزم في الثاني ان يكون متقدما أو مقارنا للعلم ولا يلزم ذلك في جعل البدل، فان الامارة القائمة بعد العلم على تعيين المعلوم بالاجمال تسوغ ارتكاب بقية الاطراف، ولا كذلك الاصل المثبت للتكليف في بعض الاطراف إذا كان متاخرا عن العلم كما عرفت ذلك كله في مبحث الانحلال والله سبحانه اعلم (قوله: لا مجال للحكم الظاهري) لأن العلم التفصيلي لا يكون مقرونا بالشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري فلا يمكن جعل الحكم الظاهري معه (قوله: وله مجال مع الاجمالي) أي وللحكم الظاهري مجال مع العلم الاجمالي (قوله: لامكان جعل) لاقترانه بالشك (قوله: فعليا من غير) اي فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم تفصيلا لتنجز وان لم يكن فعليا من الجهة التي تضاد الترخيص وجعل الحكم الظاهري (قوله: ولو كانت أطرافه غير محصورة) إشكال على ما اشتهر من وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي إذا كانت محصورة وعدم وجوبه إذا كانت اطرافه غير محصورة، وحاصل الاشكال: ان الحكم المعلوم بالاجمال ان كان فعليا من جميع الجهات بحيث يمتنع الترخيص في مخالفته ولو في حال الشك فيه يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت غير محصورة لامتناع الترخيص في بعض الاطراف حتى لا يجب الاحتياط فيه، وان لم يكن

٢٩٠

هو ان عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم مع كونه فعليا لولاه من سائر الجهات (وبالجملة) لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة وغيرها في التنجز وعدمه فيما كان المعلوم اجمالا فعليا يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه من كثرة أطرافه والحاصل أن اختلاف الاطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم ولو أوجب تفاوتا فانما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر وعدمها مع عدمه فلا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الاطراف قلة وكثرة في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية وعدمها بذلك وقد عرفت آنفا أنه لا تفاوت بين التفصيلي والاجمالي في ذلك ما لم يكن تفاوت

______________________________

فعليا كذلك بحيث يصح الترخيص في بعض اطرافه لا يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت اطرافه محصورة كما عرفت سابقا فكون الاطراف محصورة أو غير محصورة مما لا أثر له في الفرق من حيث وجوب الاحتياط وعدمه، بل الفرق في ذلك انما ينشأ من اختلاف المعلوم من حيث كونه فعليا من جميع الجهات بحيث يضاده الترخيص الشرعي أو غير فعلي بحيث لا يضاده الترخيص الشرعي (قوله: هو ان عدم الحصر) يعني عدم حصر الأطراف قد يلازم وجود المانع من فعلية الحكم من سائر الجهات بحيث لولا المانع الملازم لكان فعليا من سائر الجهات غير الجهة التي تضاد الترخيص ولأجل المانع لا يكون فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم به تفصيلا لما تنجز، وذلك مثل الخروج عن محل الابتلاء أو الاضطرار إلى الارتكاب أو غيرهما مما سيذكره المصنف (ره) (قوله: لولاه من سائر) ضمير (لولاه) راجع إلى (ما يمنع) و (من سائر) متعلق بقوله: (فعليا) (قوله: في فعلية) بيان ل‍ (ناحية المعلوم) و (مع الحصر) متعلق ب‍ (فعلية) (قوله: والاجمالي في ذلك)

٢٩١

في طرف المعلوم أيضا فتأمل تعرف وقد انقدح أنه

______________________________

المشار إليه التنجيز وعدمه (قوله: في طرف المعلوم) يعني من حيث كونه فعليا من جميع الجهات وليس فعليا كذلك فان العلم التفصيلي لما لم يكن معه الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري صار الحكم معه فعليا من جميع الجهات والعلم الاجمالي لما كان معه الشك لم يكن الحكم معه كذلك. ثم إن اوجه ما يذكر في الفرق بين العلم بالمردد بين الأطراف المحصورة والعلم بالمردد بين الأطراف غير المحصورة أن احتمال انطباق المعلوم بالاجمال في الثاني على كل واحد من الاطراف لما كان ضعيفا لم يكن محركا على الموافقة بخلاف الأول، للفرق الواضح بين العلم بنجاسة اناء مردد بين اناءين وبين العلم بنجاسة اناء مردد بين عشرة الآف فان احتمال الانطباق في الاول لما كان قويا كان محركا على الموافقة وفي الثاني لما كان ضعيفا لم يصلح ان يكون محركا ونظيره في العرفيات سب أحد ثلاثة على الاجمال وسب واحد من اهل البلد كذلك إذ في الاول يتأثر كل واحد من الثلاثة، وفي الثاني لا يتأثر واحد من أهل البلد، وكذا لو علم أن في احد الاناءين سما فانه يمنع من استعمالهما معا ولا كذلك العلم بان في احد عشرة الآف سما فانه لا يصلح رادعا عن الارتكاب. وفيه أنه إن كان الغرض أن نفس العلم المتعلق بالامر المردد بين الامور غير المحصورة لا يصلح ان يكون بيانا على متعلقه ومنجزا له، ففيه ما عرفت من انه إذ لا قصور في ناحية العلم لكشفه عن متعلقه كشفا تاما، ولا في ناحية المعلوم لكونه فعليا بحيث لو علم به تفصيلا لوجبت موافقته فلم لا يكون بيانا عليه ؟ وان كان الغرض انه ينجز متعلقه لكن احتمال انطباقه على كل واحد لما كان ضعيفا لم يحدث داعيا إليه، ففيه أنه بعد تنجز المعلوم واستحقاق العقاب على مخالفته كيف لا يكون احتمال انطباقه على كل واحد من الاطراف موجبا لحدوث الداعي العقلي إلى اجتناب كل واحد منها ؟ مع أن احتمال الانطباق ملازم لاحتمال العقاب على تقدير الارتكاب المانع من جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان. واما ما ذكر من ضعف احتمال

٢٩٢

* لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة

______________________________

الانطباق، ففيه أنه مسامحة لأن ضعف احتمال الانطباق يلازمه قوة احتمال عدم الانطباق الذى هو الظن بعدم الانطباق ويلازمه الظن بالانطباق على غير الأطراف وهو خلف (وبالجملة): العلم المذكور بعد ما كان بيانا على متعلقه كان منجزا له، وحينئذ فيكون احتمال انطباقه على كل واحد من الأطراف ملازما لاحتمال العقاب على تقدير المخالفة، وهذا الاحتمال لابد أن يكون داعيا في نظر العقل موجبا لرجحان الاحتياط في كل واحد من الأطراف على عدمه وان كان ذلك الاحتمال ضعيفا جدا، ولذا لو فرض كون احتمال الانطباق على بعض الأطراف في الشبهة المحصورة كان ضعيفا لا مجال لتوهم عدم وجوب الاحتياط عقلا فيه. وأما ما ذكر من الأمثلة العرفية فلا مجال للاستشهاد به للفرق بينها وبين ما نحن فيه، فان قاعدة وجوب دفع الضرر المقطوع به أو المظنون أو المحتمل وان كانت من القواعد الفطرية الموجبة للداعي النفسي إلا أن باب تزاحم الدواعي واسع جدا، فقد يترجح عندهم الاقدام على الضرر المحتمل لداع آخر أهم إذ لو فرض الاجتناب عما يحتمل عندهم كونه سما لتردده بين الاطراف غير المحصورة لزم الهرج والمرج لوجود هذا الاحتمال في اكثر موارد الابتلاء، وكذا الحال في السباب فان سب واحد من أهل البلد لا يكون نقصا في كل واحد لكثرة وجود من يستحق السب في اكثر البلاد، وسب واحد من اثنين يكون نقصا في كل واحد لندرة الاستحقاق، ولذا ترى الانسان لا يتأثر إذا قيل له: أنت تغضب في السنة مرة، بل لعله يعده مدحا لكثرة وقوع الغضب من اكثر أفراد الانسان، ويغضب إذا قيل له: أنت تغضب في كل ساعة مرة (وبالجملة): لا مجال لقياس ما نحن فيه على الامور العرفية، والتأمل يشهد بذلك. فتأمل. ويمكن أن يقال: ان الشبهة بعد ما لم تكن الا محصورة أو غير محصورة كان الفرق بينهما دائما بزيادة واحد والعقل لا يجد لزيادة الواحد دخلا في عدم وجوب الاحتياط. فلاحظ، (قوله: لا وجه لاحتمال عدم) مما ذكرنا هنا وفي مبحث القطع الاجمالي

٢٩٣

مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم يحرم مخالفته كذلك ايضا. ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كايام حيض المستحاضة مثلا لما وجب موافقته بل جاز مخالفته وأنه لو علم فعليته ولو كان بين أطراف تدريجية لكان منجزا ووجب موافقته فان التدرج لا يمنع عن الفعلية ضرورة أنه كما يصح التكليف بامر حالي كذلك يصح بامر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع فافهم.

______________________________

يتضح لك سقوط هذا الاحتمال. فراجع وتأمل (قوله: مخالفتها) هذه الاضافة لا تخلو من سماجة وتقدم مثلها (قوله: أو من جهة تعلقه بموضوع) هذا لا ينبغي عده قسما مقابلا لما قبله فانه من القسم الاول أعني عدم الابتلاء، (قوله: كأيام حيض المستحاضة) يعني لو ابتلي الرجل بزوجته في أثناء الشهر فوجدها مستمرة الدم فانه يعلم بان لها أيام حيض يحرم فيها نكاحها لكن لا يدري انها فيما مضى أو في الحال أو فيما يأتي (قوله: بين أطراف تدريجية) كما لو نذر أن يصوم يوم الجمعة وتردد بين غده وما بعده فانه يعلم اجمالا بوجوب صوم الغد أو ما بعده وهما مترتبان زمانا ولا يقدح ترتبهما في وجوب الاحتياط. ودعوى أن ما بعد الغد مستقبل فلا يصح التكليف به لعدم القدرة عليه قبل وجوده فلا علم اجمالي بالتكليف. مندفعة بانه يصح التكليف بالاستقبالي كما يصح بالحالي كما هو موضح في الواجب المعلق، ونظيره التكليف بالحج في الموسم وهو أيام الحج من شهر ذي الحجة فانه يتحقق عند خروج الرفقة عليه بمدة طويلة،

٢٩٤

تنبيهات

(الأول): أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ضرورة

______________________________

 (قوله: ان الاضطرار كما يكون) اعلم ان الاضطرار إلى مخالفة العلم في بعض الاطراف (تارة) يكون إلى واحد معين (وأخرى) يكون إلى واحد غير معين، وكل منهما إنما أن يكون حال العلم، واما أن يكون طاريا بعده، وكل منهما إما أن يرتفع الاضطرار بحيث يحسن التكليف به حال العلم معلقا على ارتفاع الاضطرار، اولا اما لاستمرار الاضطرار إلى آخر العمر أو لارتفاعه في زمان بعيد عن العلم بحيث لا يحسن التكليف به. ولا بأس بالتعرض لاحكام كل واحدة من الصور تفصيلا (فنقول): إذا كان الاضطرار إلى معين حال العلم مستمرا أو مرتفعا بحيث لا يحسن التكليف به حال العلم معلقا فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الاحتياط في بقية الاطراف لعدم العلم بالتكليف وان علم بموضوعه فان الفرد المضطر إليه مما يعلم بعدم التكليف به والفرد الآخر مما يشك في كونه موضوعا له فيكون التكليف به مشكوكا بدوا (فان قلت): لا ريب في كون الشك في الاضطرار إلى الحرام موضوعا لوجوب الاحتياط فالموضوع المحرم محرز الثبوت وانما الشك في الاضطرار إليه، فلا وجه لرفع اليد عن التكليف مع الشك في الاضطرار إليه (قلت): ما نحن فيه مما لم يحرز فيه موضوع التكليف لما عرفت من أن المضطر إليه خارج عن حيطة التكليف قطعا والطرف الآخر مما أحرز عدم الاضطرار إليه ويشك في كونه موضوعا للتكليف. نعم لو احرز موضوع التكليف كهذا الاناء المعين وشك في الاضطرار إليه كان ذلك مجرى لاصالة الاحتياط (وان كان) الاضطرار إلى المعين حال العلم يعلم بارتفاعه بحيث يحسن التكليف به بعده وجب الاحتياط في الطرف الآخر للعلم الاجمالي بالتكليف بالامر المردد بينه وبين المضطر إليه بعد ارتفاع الاضطرار. مثلا إذا

٢٩٥

حدث العلم بغصبية احد الاناءين يوم الخميس مع الاضطرار إلى استعمال الأبيض منهما إلى صباح الجمعة فانه يعلم بوجوب الاجتناب اما عن الابيض يوم الجمعة لو كان هو النجس أو الاسود من الآن فيجب الاجتناب عن الاسود لانه أحد الفردين المعلوم وجوب الاجتناب عن أحدهما (وان طرأ) الاضطرار إلى معين بعد حدوث العلم مستمرا أو بحيث لا يحسن التكليف به معلقا حال العلم وجب الاحتياط في الطرف الآخر، وذلك لأن التكليف بالمضطر إليه على تقديره وان كان ينتهي بالاضطرار إلا أن العلم الاجمالي حين حدوثه لما نجز المعلوم بالاجمال المحتمل الانطباق على الطرف الآخر كما يحتمل انطباقه على المضطر إليه قبل زمان الاضطرار وجب الاحتياط في الطرف غير المضطر إليه لاصالة الاشتغال، وان ارتفع العلم بالتكليف فعلا لانه يكفي في بقاء تنجز الصوم المردد بقاء العلم به ولو بعد موافقته في بعض أطرافه، ولا يعتبر في بقاء التنجز بقاء العلم بالتكليف الفعلي الباقي ببقاء العلم كما لو علم بوجوب صوم أحد اليومين من الخميس والجمعة فصام الخميس فانه في عشاء الجمعة لا يعلم بالتكليف فعلا لكنه يعلم بوجوب صوم اليوم المردد بين اليومين وهو كاف في بقاء تنجزه، فلم يكن بد من الاحتياط بصوم يوم الجمعة لقاعدة الاشتغال وان كان صوم يوم الجمعة مشكوك الوجوب لأن الشك في التكليف انما يكون موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان إذا لم يحتمل كونه المنجز، والا كان المرجع فيه قاعدة الاشتغال، ولذا لو شك في التكليف الذي علم ثبوته تفصيلا للشك في امتثاله كانت هي المرجع دون اصالة البراءة كما هو واضح فكذا في المقام (وان كان) الاضطرار إلى المعين طارئا بعد حدوث العلم ويعلم بارتفاعه في زمان يحسن التكليف به حال العلم معلقا وجب الاحتياط في الطرف الآخر لما عرفت وللعلم الاجمالي بالمردد بينه وبين المضطر إليه بعد العلم كما عرفته في الصورة الثانية فهذه صور أربع للاضطرار إلى معين لا يجب الاحتياط في الاولى منها ويجب في الثلاث الأخيرة (ولو كان) الاضطرار إلى غير المعين فصوره ايضا أربع وهي الجارية في الاضطرار إلى معين بعينها، ففي الصورة الاولى لا يجب الاحتياط

٢٩٦

* في غير ما اختاره عند المصنف (ره) خلافا لشيخه - رحمه الله - في رسائله فاوجب الاحتياط فيه، والوجه فيما اختاره المصنف (ره): ما ذكره في المتن من أن الاضطرار لما كان مانعا من فعلية التكليف كان الاضطرار إلى غير المعين موجبا لتضييق دائرة التكليف وتقييده بغير ما اختار فيكون ما اختاره اولا حلالا وما يبقى مشكوك الحرمة بدوا للشك في كونه هو النجس والاصل فيه البراءة، وقد عرفت في المقدمة الرابعة من مقدمات الانسداد الاشكال عليه من بعض مشايخنا المعاصرين دام تأييده، كما عرفت دفع ذلك الاشكال فيما هو محل الكلام من ارتكابهما تدريجا أما لو ارتكبهما دفعة فلا ينبغي التأمل في تحقق المعصية لاندفاع الاضطرار بغير الحرام جزما فلا وجه لارتفاع حرمته. وتوضيحه يظهر من ملاحظة تقريب الاشكال هناك فراجع وتأمل. وربما يوجه ما ذكره شيخنا في رسائله بان الاضطرار إلى واحد غير معين ليس اضطرارا إلى الحرام، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الاجمال كان المتعين أنه الحلال كافيا في رفع الاضطرار، وإذا لم يكن الاضطرار إلى الحرام لا وجه لرفع اليد عن فعلية التكليف به غاية الامر أن العقل يعذر في ارتكاب واحد منهما فيبقي الباقي على منعه لأن الترخيص الآتي من قبل الاضطرار انما يمنع عن تحصيل العلم بالموافقة فيسقط وجوبه لا عن نفس الموافقة فيبقي وجوبها (وفيه) أنه لا ريب في أن الاضطرار إلى واحد غير معين من الامرين اضطرار إلى كل منهما تخييرا ولا فرق بين الاضطرار التعييني والتخييري في رفع فعلية التكليف (فان قلت): لازم ذلك جواز الارتكاب للنجس حتى لو ارتفع الاجمال (قلت): لا يجوز حينئذ لامكان الجمع بين غرضي الشارع وهما رفع الاضطرار والاجتناب عن النجس، ولولا ما ذكرنا من كون الاضطرار التخييري كالتعييني لم يكن وجه للترخيص في ارتكاب واحد من الأطراف لأن التكليف بالحرام إذا كان غير مزاحم بشئ كان مطلقا من حيث الانطباق على كل واحد من الطرفين، ومع هذا الاطلاق لا مجال للترخيص في بعض الاطراف فانه مناف للواقع المعلوم اجمالا كما هو ظاهر، فلا يكون الترخيص الا من جهة تقييد

٢٩٧

أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لا حقا وذلك لأن التكليف (١)

______________________________

الواقع بحالة عدم انطباقه على ما يختار، ولذا لا ريب في ان ما يختاره لرفع الاضطرار حلال واقعا وان كان هو النجس، وذلك كله شاهد بكون الاضطرار إلى غير المعين اضطرارا إلى الحرام في الجملة ولو تخييرا وانه كاف في تقييد الواقع. فلاحظ (وأما) بقية صور الاضطرار إلى غير معين فيعلم الحكم فيها مما تقدم في الثلاث الأخيرة من صور الاضطرار إلى معين لعدم الفرق بينها في مقتضيات الاحتياط. ويعلم ذلك بمقايسة كل صورة إلى نظيرتها، فلاحظ والله سبحانه ولي التوفيق (قوله: انه مطلقا) يعني سواء أكان اضطرارا إلى معين ام إلى غير معين (قوله: ارتكاب) يعني في الشبهة التحريمية (قوله: أو تركه) يعني في الشبهة الوجوبية (قوله: تعيينا) يعني إذا كان الاضطرار إلى معين (قوله: أو تخييرا) يعني إذا كان الاضطرار إلى غير معين (قوله: وهو ينافي العلم) لأن جواز ارتكاب واحد ينافي حرمته على تقدير الارتكاب فلابد من تضييق دائرة الحرمة وتقييد اطلاقها فتختص بالنجس ان كان هو الباقي ولا تكون له ان كان ما ارتكب فيكون ثبوت الحرمة مشكوكا للشك في كون الباقي هو النجس كما عرفت بيانه ايضا في الحاشية السابقة (قوله: وكذلك لا فرق) يعني فلا يجب الاحتياط في الباقي ولو كان الاضطرار مطلقا لاحقا للعلم الاجمالي (قوله: وذلك لان التكليف) اشارة إلى وجه القول بوجوب

______________

(١) لا يخفى ان ذلك انما يتم فيما كان الاضطرار إلى احدهما لا بعينه واما لو كان إلى احدهما المعين فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم اجمالا المردد بين ان يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم اصلا وعروض -

٢٩٨

الاحتياط إذا كان الاضطرار لاحقا للعلم ودفعه، وحاصل الوجه: أنه قبل طروء الاضطرار يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن النجس المردد مثلا وهذا العلم يوجب تنجيز المعلوم بالاجمال، وبعد طروء الاضطرار إلى معين أو غير معين وان ارتفع العلم المذكور الا ان قاعدة الاشتغال بالتكليف المنجز تقتضي وجوب الاحتياط في الباقي. وحاصل الدفع: أن وجوب الاجتناب المعلوم قبل طروء الاضطرار ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم طروء الاضطرار ففي زمان الاضطرار لا علم بالتكليف من أول الأمر حتى يكون الباقي طرفا لمعلوم منجز فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال ليجب فيه الاحتياط. هذا وقد استشكل المصنف (ره) في هذا الدفع في حاشيته على المقام بان الباقي طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما الباقي مطلقا والمضطر إليه قبل طروء الاضطرار، كما اشرنا إليه هنا واوضحناه في مبحث الانحلال، فوجوب الاحتياط فيه لأجل هذا العلم القائم بين التدريجيين وان لم يكن طرفا لعلم اجمالي آخر قائم بين الدفعيين من جهة منافاة الاضطرار لفعلية التكليف مطلقا، لكنه خص هذا الاشكال بالاضطرار إلى معين دون الاضطرار إلى غير معين، مع ان الفرق بينهما غير واضح لانه إذا اختار المكلف احد الطرفين فارتكبه كان الآخر عنده طرفا لعلم اجمالي قائم بينه وبين ما ارتكبه قبل طروء الاضطرار بعين العلم الحاصل له في صورة الاضطرار إلى معين، ومن هنا ذكرنا سابقا ان الحكم في الصور الثلاث الاخيرة الجارية في الاضطرار إلى غير معين هو الحكم فيها في الاضطرار إلى المعين (فان قلت): إذا كان الاضطرار إلى غير معين منهما فكل منهما موضوع للاضطرار كما تقدم فلا يكون احدهما قبل الارتكاب طرفا لعلم اجمالي تدريجي (قلت): الاضطرار وان

______________

- الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى احدهما لا بعينه فانه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا فافهم وتأمل (منه قدس سره)

٢٩٩

* المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين (لا يقال): الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس الا كفقد بعضها فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه (فانه يقال): حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فانه من حدود التكليف به وقيوده

______________________________

كان إلى كل منهما إلا أنه على البدل فيكون هناك علم اجمالي على البدل قائم بالطرف الذي لا ينطبق عليه الاضطرار فتأمل جيدا (قوله: محدودا بعدم) يعني مشروطا بعدم طروء الاضطرار بحيث ينتهي التكليف بطروئه، (قوله: حيث ان فقد المكلف به) المراد من المكلف به في المقام الموضوع الذي يتعلق به فعل المكلف مثل الاناء النجس كما تقتضيه قرينة السؤال ووجه الفرق بين فقد بعض الاطراف والعجز عنه والاضطرار إليه مع اشتراكها في كون عدمها دخيلا في التكليف في الجملة - بحيث ربما يقال يعتبر في التكليف عدم الاضطرار والقدرة وكون موضوعه في مقام الابتلاء بحيث يكون موجودا لا مفقودا - أن مقام شرطية هذه الامور الثلاثة للتكليف مختلفة فان شرطية عدم الاضطرار راجعة إلى شرطية عدم المزاحم للمصلحة المقتضية للحكم، فان المفسدة في النجس مثلا إنما تصلح للتأثير في حرمة شربه إذا لم تزاحم بمصلحة أهم كما لو توقف حفظ النفس من الهلاك على شرب النجس الذي هو معنى الاضطرار إليه أما إذا زوحمت كان شرب النجس ارجح من عدمه، وشرطية القدرة راجعة إلى شرطية عدم المانع من تعلق الارادة

٣٠٠

ولا يكون الاشتغال به من الاول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب

______________________________

من جهة قصور المكلف لا المكلف به كما في الاول، وشرطية وجود الموضوع راجعة إلى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف فان الاناء المفقود مما لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الكراهة بشربه إلا ان العلم بكراهته لا يصلح ان يكون موجبا لاشتغال الذمة به فيمتنع ان يكون وجوده شرطا للتكليف الذي هو في الحقيقة شرط نفس الارادة والكراهة ذاتا كما في القدرة أو عرضا كما في عدم الاضطرار، فوجود الموضوع والابتلاء به نظير وجود الحجة على التكليف ليس شرطا للتكليف وان كان شرطا للاشتغال في نظر العقل، وهذا واضح لدى التأمل، إنما الاشكال فيما ذكره من كون تنجز الباقي بعد الفقد بقاعدة الاشتغال إذا من المعلوم ان القاعدة المذكورة إنما تجري في كل ما يحتمل انه المنجز والباقي بعد الفقدان مما لا يحتمل فيه ذلك إذ المنجز إن كان هو العلم حال الفقدان فبطلانه ظاهر لعدم صلاحيته لذلك من جهة الفقدان، وان كان هو العلم قبل الفقدان فذلك العلم طرفاه المفقود والباقي معا قبل زمان الفقدان لا مطلقا فليس الوجه في تنجز الباقي إلا انه طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما المفقود قبل فقده والباقي بعد الفقدان كما اشار إليه في الحاشية، وحينئذ فلا فرق بين الاضطرار والفقدان من هذه الجهة فبالنظر إلى العلم الاجمالي بين الدفعيين لا تنجز للباقي في المقامين، والى العلم الاجمالي بين التدرجيين يتنجز الباقي في المقامين، وصحة التقييد في الاضطرار وعدمها في الفقدان إنما يوجبان الفرق في حصول العلم الاجمالي بالتكليف بعد الفقدان وحصوله بعد الاضطرار، وذلك لا يوجب فرقا في منجزية الباقي بعد الفقدان لأن العلم الحاصل حين الفقدان لا أثر له في المنجزية بعد خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء. وعليك بالتأمل وهو سبحانه المستعان (قوله: ولا يكون الاشتغال به) هذا الأثر مشترك بين الاضطرار والفقدان لما عرفت ان

٣٠١

* الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فانه دقيق جدا (الثاني) انه لما كان (١) النهي عن الشئ إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء ومنه قد انقدح

______________________________

الفقدان من موانع الاشتغال فلا يكون الاشتغال الا قبله فهو من حدود الاشتغال وان لم يكن من حدود نفس التكليف كالاضطرار (قوله: داعيا للمكلف) يعني داعيا عقليا بحيث يكون عدمه ارجح من وجوده في نظره لما يترتب على الوجود من استحقاق العقاب (قوله: يكون ذلك) يعني صيرورته داعيا (قوله: بحسبها) اي بحسب العادة (قوله: طلب الحاصل) لحصول الغرض وهو عدم المفسدة (قوله: كان الابتلاء بجميع الأطراف) هذا جواب (لما) في قوله: لما كان النهي. وحاصل المراد: انه يعتبر في صحة النهي عن شئ كونه في معرض ابتلاء المكلف إذ لو لم يكن كذلك كان تركه مستندا إلى عدم حصول الداعي إلى فعله فلا مجال للنهي عنه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل، وحينئذ إذا كان بعض اطراف المعلوم بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء لا يكون ذلك العلم الاجمالي منجزا وموجبا للاحتياط فيما هو محل الابتلاء من الأطراف لاحتمال كون المعلوم منطبقا على ما هو خارج عن محل الابتلاء فلا يكون التكليف به فعليا. وتوضيح الحال: ان موضوع التكليف (تارة) يكون في معرض الابتلاء للمكلف فيحسن ان يخاطب بالاجتناب عنه مطلقا كما في بعض اواني المكلف التي

______________

(١) كما انه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن الامر به والبعث إليه موقع اصلا كما لا يخفى. منه قدس سره

٣٠٢

تكون تحت يده (واخرى) لا يكون كذلك فلا يحسن الخطاب به الا مشروطا بالابتلاء كما في الاواني التى قد تقتضي العادة نادرا ابتلاءه بها كأواني الملك بالنسبة إلى سواد الرعية فانه لا يصح ان تقول له: اجتنب عن اناء الملك مطلقا، وان صح ان تقول له: إن دخلت بيت الملك فاجتنب الاناء الفلاني (وثالثة) لا يصح الخطاب به لا مطلقا ولا مشروطا كالثوب يلبسه انسان معين من سواد الرعية وسكان البراري والقفار بالنسبة إلى الملك فلا يحسن خطاب الملك بالاجتناب عنه مطلقا لا مطلقا ولا مشروطا، وقد عرفت في الحاشية السابقة انه لا قصور في مفسدة الموضوع المذكور من حيث اقتضائها الكراهة حيث انها مفسدة بلا مزاحم ولا في تحقق الكراهة لقدرة المكلف على الارتكاب والاجتناب غاية الأمر أنه لا يحسن الخطاب به لحصول الصوارف العادية عنه بحيث يعد النهي عنه من قبيل تحصيل الحاصل لغوا ومن هنا وقع الاشكال في اعتبار هذا الشرط في منجزية العلم الاجمالي، فمنعه بعض زعما منه أن امتناع الخطاب لا يقدح في منجزية العلم بعد تعلقه بالارادة الكامنة في نفس المولى إذ الخطاب لا موضوعية له في المنجزية به هو ملحوظ طريقا إلى تلك الارادة وحاكيا عنها، ولذا لو علمت الارادة المذكورة مع العلم بعدم الخطاب لمانع وجب موافقتها، كما أنه لو علم بالخطاب وعلم بعدم الارادة لم تجب الموافقة في نظر العقل فإذا كان المنجز هو العلم بالارادة فهو حاصل، ولو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ويترتب حينئذ وجوب الاحتياط فيما هو محل الابتلاء (والجواب): أن المانع من الخطاب في المقام ليس الا كونه بحيث لا يوجب تحميلا على المكلف والقاء له في كلفة التكليف، وهذا مما لا يمنع أن يكون العلم مما يترتب عليه الأثر أعني المنجزية واشتغال الذمة إذ لو ترتب عليه ذلك كان مترتبا بعينه على الخطاب ويكون به حسنا والمفروض خلافه. وبالجملة: العلم من قبيل الخطاب فالالتزام بقبح الخطاب ولغويته وعدم ترتب اثر عليه ملازم لالتزام ذلك في العلم بعينه وهو ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد كما هو

٣٠٣

* أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه

______________________________

ظاهر بادنى تأمل (قوله: ان الملاك في الابتلاء المصحح) يعني أن الميزان الذي يعرف به كون الموضوع مبتلي به وغير مبتلى به هو كون العلم به موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد إلى الترك أو غير موجب لذلك فان كان موجبا له فالموضوع مبتلي به إذ لا معنى لتحميل العبد وايقاعه في الكلفة الا التسبب إلى ايجاد ذلك الداعي العقلي إلى الفعل أو الترك فلو لم يكن موجبا لذلك الداعي فالموضوع غير مبتلي به (قوله: ولو شك في ذلك كان المرجع) يعني لو شك في الابتلاء للشك في صحة انقداح الداعي إلى ترك المعلوم بالاجمال فالمرجع فيما هو محل الابتلاء من الاطراف اصل البراءة لعدم القطع باشتغال الذمة بالمعلوم بالاجمال ليجب فيه الاحتياط من جهة الشك في الشرط، لكن لا يخفى أن الابتلاء ليس شرطا للاشتغال والتنجز العقلي بوجوده الواقعي حتى يكون الشك فيه شكا فيه بل هو شرط بوجوده العلمي فما لم يعلم الابتلاء يعلم بعدم حكم العقل بالاشتغال، فلا يخلو التعبير من مسامحة (قوله: لا اطلاق الخطاب) يعني ليس المرجع اطلاق الخطاب كما قد يظهر من كلام شيخنا الاعظم (ره) في رسائله لأن الاطلاق إنما يكون مرجعا فيما إذا احرزت صحته وشك في مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشك في التقييد وعدمه لا ما إذا علم بمطابقته للواقع وشك في صحته وعدمها، والمقام من الثاني لما عرفت أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء لا قصور في ثبوت التكليف به لثبوت مقتضيه وعدم المزاحم له غاية الامر انه لا يحسن الخطاب به للغويته وعدم ترتب فائدة عليه وذلك إنما يوجب عدم صحته لانه في ظرف ثبوته لا يكون

٣٠٤

* لا فيما شك في اعتباره في حصته (١) تأمل لعلك تعرف انشاء الله تعالى (الثالث) انه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلابد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال أنه يكون اولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع آية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في

______________________________

مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل اكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة اطلاق العالم الشامل للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به) راجع إلى الاطلاق و (بشئ) متعلق بالتقييد، و (بعد) ظرف لشك، وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (قوله: لا فيما شك) يعني لا يتشبث بالاطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الذي هو شرط صحة اطلاق الخطاب (قوله: أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (قوله: أو غيرهما) أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء (قوله: وليس بموجبة) معطوف على موجبة (قوله: ان نفسها) اي الموافقة القطعية (قوله: ولو كانت) يعني الاطراف (قوله: مع أية مرتبة) إذ قد تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (قوله: فالمتبع هو اطلاق دليل) من الواضح أن ادلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

______________

(١) نعم لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس سره

٣٠٥

* التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف (الرابع) أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الاطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكم واقعا. ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال وانه (تارة) يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فانه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشئ آخر شك في نجاسته بسب آخر.

______________________________

الاحكام الأولية وان كانت بلسان الحاكم فهي رافعة لنفس التكليف في ظرف ثبوته واقعا فمع الشك فيها يكون الشك في مطابقة الاطلاق للواقع فاصالة الاطلاق فيه حجة لولا أن الشبهة مصداقية، فالتمسك بها يتوقف على حجية اصالة العموم والاطلاق في الشبهات المصداقية. نعم تختص الشبهة في المقام بكون الأصل العقلائي فيها هو الاحتياط نظير الشك في القدرة لكون الشك في المزاحم مع احراز مقتضي التكليف وفي مثله يبني على عدم المزاحم، ومنه يظهر أنه لا يتضح الوجه في حكمه بالرجوع إلى اصالة الاطلاق ومع عدمه فالرجوع إلى البراءة إذ المرجع اصالة عدم المزاحم سواء كان هناك اطلاق أم لم يكن، وان هذا هو حق القول في المقام. فلاحظ (قوله: دون غيرها) إذ هو بعد ما لم يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه لا مقتضي للاحتياط فيه (قوله: فيما كانت الملاقاة بعد العلم) اعلم انه إذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين مثلا ثم علم بملاقاة اناء ثالث لأحدهما فلا ريب في انه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو صاحب الملاقى - بالفتح - فيكون حينئذ علمان يشتركان في طرف واحد وهو صاحب الملاقى - بالفتح - ويختلفان بالمتلاقيين، ومقتضى حجية العلم الاجمالي وجوب الاحتياط في

٣٠٦

الملاقي - بالكسر - كما يجب في الملاقى - بالفتح - وصاحبه (وقد) يدفع وجوب الاحتياط فيه بان التكليف بالاجتناب عنه تكليف زائد على التكليف المعلوم بالاجمال والأصل فيه البراءة (وفيه) أنه يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى الملاقى - بالفتح - فانه يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب إما عن الملاقي - بالكسر - أو عن صاحب الملاقى - بالفتح - والتكليف بالملاقى تكليف زائد يرجع فيه إلى أصل البراءة، ولا مرجح لملاحظة العلم بين الاصليين على ملاحظة هذا العلم الحادث بل التحقيق انه هنا علم واحد قائم بين المتلاقيين والطرف الآخر كما لو علم اجمالا اما بوجوب اكرام زيد وعمرو وإما بوجوب اكرام خالد الذي لا اشكال في وجوب الاحتياط التام فيه باكرام الجميع (وقد يدفع) كما قد يظهر من شيخنا الاعظم قدس سره في رسائله بان طهارة الملاقي - بالكسر - ونجاسته لما كانت من آثار طهارة الملاقى - بالفتح - ونجاسته، وكان ذلك موجبا لامتناع جريان الاصل في الأول في عرض جريانه في الثاني للسببية والمسببية الموجبة للترتب بينهما كما سيأتي انشاء الله بيانه في محله، كانت المعارضة بين اصالتي الطهارة أو استصحابهما في الاصليين لا غير، وبعد تساقطهما يرجع إلى اصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - بلا معارض (وفيه) أنه مبني على القول بأن المانع من جريان الأصل في طرف العلم الاجمالي هو المعارضة دون العلم الاجمالي المبتني على كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية الحاصلة من جريان الأصل في تمام الأطراف دون وجوب الموافقة القطعية، وقد عرفت ان التحقيق هو الثاني وحينئذ لا مجال لجريان الأصل في بعض الاطراف وان لم يكن له معارض لأن اجراءه مخالفة احتمالية مضافا إلى أن أصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - معارضة باصالة الحل في الاصليين لانها فيهما اصل مسببي يرجع إليها بعد تعارض اصالة الطهارة فيهما وبعد التعارض يرجع إلى اصالة الحل في الملاقي - بالكسر - ولازم ذلك جواز شربه وعدم ترتيب آثار الطهارة عليه. نعم لو كان مسبوقا بالطهارة أمكن في بعض الصور معارضة أصالة الحل فيهما باستصحاب الطهارة فيه وبعد التعارض يرجع إلى اصل الطهارة فيه. لكن قد يكون الأصليان مسبوقين بالحل فيتعارض استصحاب الحل فيهما باستصحاب

٣٠٧

الطهارة فيه ثم يتعارض اصل الحل فيهما بقاعدة الطهارة فيه ويرجع فيه إلى اصل الحل لا غير. فتأمل جيدا (وقد يدفع) بما يظهر من المصنف (ره) من أن العلم القائم بين الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى لما كان حادثا بعد العلم الاول لم يكن منجزا لأن احد طرفيه منجز بالعلم الأول وقد عرفت أنه إذا كان لبعض الأطراف منجز تعييني امتنع تنجيز العلم الاجمالي لمتعلقه ومن هنا لو انعكس الفرض بان تأخر العلم الاجمالي القائم بين الاصليين وجب الاحتياط في الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى - بالفتح - ولم يجب الاحتياط فيه كما بينه في الصورة الثانية، ولو اقترن العلمان زمانا وجب الاحتياط في الجميع لحدوث العلمين في اطراف غير منجزة (وفيه) انك قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن وجوب الاجتناب عن النجس إذا تعلق به العلم في زمان وبقي ممتدا بامتداد الزمان فتنجزه في كل آن يستند إلى العلم في ذلك الآن لا إلى العلم فيما قبله وحينئذ فوجوب الاجتناب عن أحد الأصليين في حال حدوث العلم الثاني يكون تنجزه مقارنا لتنجز وجوب الاجتناب إما عن الملاقي بالكسر أو عن الطرف الثالث ويكون الحال كما لو علم دفعة اما بنجاسة المتلاقيين أو بنجاسة الطرف الثالث في وجوب الاحتياط في الجميع (فان قلت): ما ذكرت من اناطة التنجز بالعلم حدوثا وبقاء هل يختص بالتكليف الممتد المنحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الزمان كوجوب الاجتناب عن النجس أو يعم ما لم يكن كذلك كوجوب صوم أول يوم من الشهر ؟ وما الموجب لهذه الدعوى ؟ (قلت): لا فرق بين القسمين فإذا علم المكلف قبل الهلال بايام أنه يجب عليه صوم أول الشهر فمجرد حدوث العلم موجب لتنجز وجوب الصوم فإذا بقي العلم بقي التنجز. إذا انتفى العلم لحدوث شك سار ارتفع التنجز، والموجب لدعوى ذلك: أنه لو كان مجرد حدوث العلم موجبا لحدوث التنجز وبقائه كان اللازم حكم العقل بوجوب الامتثال ولو بعد ارتفاع العلم بوجوب الصوم وهو ظاهر البطلان (فان قلت): كيف يكون ظاهر البطلان مع انه لو تردد اليوم الواجب الصوم بين يومين وصام أحدهما فانه يرتفع العلم وجوب الصوم مع بقاء تنجز وجوب صوم اليوم المردد، ولذا نقول بوجوب صوم اليوم الثاني (قلت):

٣٠٨

لا نسلم أنه بعد صوم اليوم الاول من اليومين يرتفع العلم بوجوب صوم اليوم المردد بل هو بعد باق حتى لو صام الثاني منهما ايضا، غاية الامر يعلم بسقوط الوجوب للعلم بالامتثال وهو لا ينافى العلم بالثبوت فبعد صوم اليوم الاول يستند تنجز صوم اليوم المردد حينئذ إلى العلم في ذلك الزمان (فان قلت): كيف يكون العلم بوجوب صوم اليوم المردد منجزا بعد صوم أحدهما أو افطاره مع أن بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء فوجوب صوم اليوم الثاني إنما يكون لقاعدة الاشتغال التي هي عين وجوب دفع الضرر المحتمل لا لأجل العلم (قلت): لا يعتبر في بقاء التنجز لبقاء العلم بقاء تمام الأطراف تحت الابتلاء وانما يعتبر ذلك في حدوث التنجز وأما وجوب صوم اليوم الثاني لقاعدة الاشتغال فهو فرع منجزية العلم في تلك الحال واشغاله لذمة المكلف ولولاه لا معنى لقاعدة الاشتغال، فوجوب الاحتياط عقلا في كل واحد من الأطراف في كل آن لأجل احتمال كون الطرف هو الواجب المنجز في ذلك الآن وهو فرع تنجز المعلوم الاجمالي بالعلم في ذلك الآن، ولا فرق في ذلك بين ما قبل الشروع في واحد من الأطراف وما بعده وان حصل احتمال الموافقة في الثاني فقاعدة الاشتغال بما هي هي ليست منجزة بل هي فرع وجود منجز وشاغل لذمة المكلف يحتمل انطباقه على مجراها، فلابد من وجود ذلك المنجز وهو العلم وإن كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء إذ لا يقدح ذلك عقلا إلا في حدوث التنجز. فتأمل (وقد يدفع) ايضا بان العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو طرف الملاقى ناشئ من العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأصليين فيكون متأخرا عنه رتبة، وحينئذ فلا يصلح لأن ينجز متعلقه لأن أحد طرفيه متنجز بالعلم السابق رتبة، ولأجل ذلك تختلف الصور في وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر - دون الملاقى - بالفتح - أو العكس أو وجوب الاجتناب عنهما باختلاف كون العلم الذي أحد طرفيه الملاقي - بالكسر - ناشئا مما كان أحد طرفيه الملاقى (بالفتح) أو العكس أو كونهما ناشئين عن سبب ثالث (وفيه) أن العلم المذكور وإن كان ناشئا عن العلم بنجاسة أحد الأصليين إلا أن العلم بالنجاسة ليس منجزا حتى يمنع تنجيزه لطرفيه من تنجيز العلم

٣٠٩

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل

______________________________

الثاني لأنه علم بالموضوع وهو لا يصلح للمنجزية بل المنجز هو العلم بوجوب الاجتناب عن أحدهما الناشئ من العلم بالنجاسة وهو مما لا يكون علة للعلم بوجوب الاجتناب الذى طرفه الملاقي (بالكسر) أصلا بل هما معلولان لعلة واحدة فلا يصلح أن يكون احدهما مانعا عن منجزية الآخر، وعلى هذا فلم يتضح الوجه فيما هو المشهور من طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، وان كان هو الذي يقتضيه المذاق الفقهي. وكأن الوجه فيه: أن السبق الزماني لأحد العلمين موجب لاستناد التنجز إليه دون اللاحق وإن قلنا بأن التنجز يستند إلى العلم حدوثا وبقاء - كما ذكرناه آنفا - إذ غاية ما يقتضي اقتران العلمين حدوث احدهما مع بقاء الآخر، لكن ذلك لا ينافي استناد التنجز عند العقلاء إلى السابق، فان الانحلال الموجب لسقوط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا - كما عرفت - ولا عقليا ايضا - كما يقتضيه النظر الدقيق - بل هو عقلائي، والعقلاء مع اختلاف العلمين بالسبق واللحوق لا يرون للاحق أثرا في المنجزية، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الانضمام، وحينئذ يتعين التفصيل بين الصور - كما ذكره المصنف (ره) - ثم انه لا مجئ لشبهة معارضة أصل الطهارة في الملاقي (بالكسر) لاصل الحل في الاصليين على مسلك المصنف - رحمه الله - وما بعده لأن العلم الاجمالي بين الاصليين لما كان منجزا استند سقوط الاصول إليه فلا يرجع إلى الاصل في الملاقي بالكسر الا بعد تنجيز العلم القائم بين الاصليين المانع من جريان الاصول فيهما ففي رتبة جريان الاصل في الملاقي (بالكسر) لا مجال لجريان الاصول في الاصليين حتى تتوهم المعارضة بينهما بل تختص المعارضة على مسلك الشيخ - رحمه الله - لا غير كما ذكرنا (قوله: ومنه ظهر انه لا مجال لتوهم) يعني ما ذكره من قوله:

٣١٠

(واخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشئ ايضا فان حال (١) الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا

______________________________

كان فردا آخر. وغرضه بهذا الكلام الاشارة إلى ما عن ظاهر ابن زهرة من أن المتنجس من شؤون نفس النجس فوجوب الاجتناب عن النجس يقتضي الاجتناب عنه وعما لاقاه نظير وجوب اكرام زيد المقتضي لاكرامه واكرام ولده وخادمه وسائر توابعه، فالخروج عن عهدة وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال يتوقف على الاجتناب عن الملاقي لاحتمال انطباقه على الملاقى (بالفتح) المقتضي وجوب اجتنابه حينئذ لاجتناب ملاقية حينئذ، ويكون الحال كما لو قسم أحد الاناءين قسمين فانه يجب الاحتياط فيهما ولا يرجع في أحدهما إلى أصل الطهارة أو غيره من الاصول النافية. وحاصل دفع المصنف - رحمه الله - له: المنع عن ذلك وان الملاقاة للنجس تقتضي تنجس الملاقي له فيحدث فرد آخر للنجس يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقى غاية الأمر ان للنجس فردين ذاتيا وعرضيا، ولذلك لا تجري أحكام النجس على المتنجس به فان نجاسة البول تذهب بالغسل مرتين وليس كذلك المتنجس به بل إما أن تذهب بالغسل مرة لو كان اطلاق أو يحتاج إلى الغسل ثلاثا لو لم يكن اطلاق. فتأمل (قوله: واخرى يجب الاجتناب) معطوف على قوله: تارة يجب الاجتناب... الخ (قوله: عما لاقاه دونه) يعني عن الملاقى (بالكسر) دون الملاقى (بالفتح) (قوله: فان حال الملاقي) يعني الملاقى (بالفتح) ووجه كون حاله في هذه الصورة حال الملاقى (بالكسر) في الصورة السابقة أنه طرف لعلم اجمالي قائم بينه وبين شئ قد تنجز بعلم سابق على هذا العلم قائم به والملاقي بالكسر فصار كأنه مشكوك بدوا لانحلال العلم الذي هو طرفه بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق، وحيث أن المصنف - رحمه الله - يدعى الانحلال الحقيقي

______________

(١) وان لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس سره

٣١١

(وكذا) لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالي ولكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلي به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني): في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

______________________________

بتنجز أحد أطراف العلم قال غير معلوم النجاسة... الخ، ولو كان يرى الانحلال الحكمي لقال: ليس طرفا لعلم اجمالي منجز (قوله: وكذا لو علم) يعني يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر ايضا دون الملاقى لو علم بملاقاة اناء مثلا لآخر ثم خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء ثم علم اجمالا بنجاسته قبل الملاقاة أو اناء ثالث فانه حينئذ يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي بالكسر أو صاحب الملاقى بالفتح فيحدث بسببه علم بوجوب الاجتناب عن أحدهما فيجب الاحتياط فيهما والعلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح أو صاحبه لا أثر له لخروجه عن محل الابتلاء فإذا اتفق ان صار في محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه لما تقدم في الملاقي بالكسر في الصورة السابقة من أنه فرد آخر مشكوك بدوا وليس طرفا لعلم اجمالي منجز. هذا وقد عرفت في الصورة السابقة الاشكال الجاري في هذين الفرضين بعينه الموجب للاحتياط فلاحظ (قوله: عنهما) يعني المتلاقيين.

الأقل والأكثر الارتباطيان

(قوله: الارتباطيين) المراد من الأكثر الارتباطي هو المركب من أمرين أو أمور يترتب عليها غرض واحد أو أغراض متعددة متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بحيث لا يترتب الأثر المقصود على بعضها الا في ظرف وجود الباقي ومن هنا لا يسقط الأمر ببعضها الا في ظرف سقوط الأمر بالباقي ويقابله الأكثر

٣١٢

(والحق) أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما ايضا يوجب الاحتياط عقلا باتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا ضرورة لزوم الاتيان بالاقل لنفسه شرعا

______________________________

الاستقلالي فان كل واحد من أجزائه يترتب عليه الغرض مطلقا ولو في ظرف عدم الباقي كصوم شهر رمضان فان صوم كل يوم يترتب عليه الغرض ولو مع عدم صوم بقية أيامه، وعلى هذا فلا يعتبر في محلا الكلام أن يكون الأقل ارتباطيا بل لو كان الأقل بسيطا والأكثر المركب من ذلك الأقل وغيره ارتباطيا كان محلا للكلام من حيث البراءة والاشتغال (قوله: والحق أن العلم الاجمالي بثبوت) من الواضح أن الأقل لما كان داخلا في الاكثر وبعضا منه كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته للأكثر ثابتا للأقل أيضا غايته أنه لم يثبت له وحده بل ثبت له مع غيره، وحينئذ فلا اجمال في المعلوم حتى يسري الاجمال إلى العلم ويحكم بأن التكليف الثابت للأقل أو الأكثر معلوم بالاجمال، بل التكليف للأقل معلوم تفصيلا وللزائد على الأقل مشكوك بدوا، وحينئذ كان اللازم على المصنف - رحمه الله - التصدي لوجه منجزية العلم بالتكليف على النحو المذكور لوجوب الأكثر، مع أن الزائد على الأقل مما لم يعلم لا تفصيلا ولا إجمالا فهو لا معلوم ولا مما يحتمل انطباق المعلوم عليه، ولا يحسن قياس العلم المذكور بالعلم الاجمالي المردد بين المتباينين لوضوح الفرق بينهما فان المعلوم بالاجمال هناك محتمل الانطباق على كل واحد من الاطراف، والمعلوم هنا معلوم الانطباق على الاقل تفصيلا وعدم الانطباق على الاكثر كذلك، ولذا لا ريب في حصول مثل هذا العلم في الاقل والاكثر الاستقلالي، مع أنه لا مجال لتوهم وجوب الاحتياط فيه باتيان الأكثر وحيثية الارتباط والاستقلال لا دخل لها في وجود العلم الاجمالي وعدمه كما هو ظاهر بأدنى تأمل. نعم لو كان بناؤه على امكان ثبوت الوجوب الغيري للأجزاء المبتني على أخذ الحدود

٣١٣

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر (فاسد) قطعا لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الاقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه

______________________________

الذهنية في موضوع الوجوب الغيري كان اجمال المعلوم وتردده بين الاقل بشرط لا والاكثر محققا، إلا أن الذي صرح به في مقدمة الواجب خلافه وان كان قد يظهر منه هنا ارتضاؤه، كما سيأتي الاشارة إليه في وجه الانحلال. هذا ومما يمكن أن يوجه به اجمال العلم بنحو يقتضي الاحتياط أن الاقل وان كان معلوما وجوبه إلا أنه لا اطلاق له من حيث انفراده عن الزائد واجتماعه معه، بل هو مهمل من حيث الحالين، والاجمال الاحوالي كالاجمال الافرادي يقتضي عدم جواز الاقتصار على الاقل في حال الانفراد للشك في وجوبه في تلك الحال، وكأن المصنف - رحمه الله - اكتفى في وجه منجزية الاكثر بما سيأتي في نقض دعوى الانحلال. فتأمل وانتظر (قوله: أو لغيره كذلك) يعني شرعا بناء على وجوب المقدمة شرعا أو عقلا بناء على وجوبها عقلا لا غير، وهذا مبني على أخذ الحدود الذهنية في موضوع التكليف الغيري كما أشرنا إليه (قوله: فاسد قطعا) لان العلم تفصيلا بالوجوب المردد بنى النفسي والغيري للأقل ناشئ من العلم اجمالي بالوجوب النفسي اجمالا، وقد تقدم في مبحث الانحلال أن مثله لا يوجب الانحلال فراجع. نعم لو قرر الانحلال بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل بناء على ثبوت الوجوب النفسي للأجزاء - كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة - لم يكن مجال لهذا الاشكال إذ ليس لنا الا علم واحد وهو هذا العلم كما عرفت لا علمان ينشأ أحدهما من الآخر (قوله: لاستلزام الانحلال المحال) يعني الخلف (قوله: لزوم الاقل فعلا) يعني تنجز الاقل والا فلزومه واقعا لا يتوقف على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر بل يكفي فيه ثبوت التكليف واقعا إما للاقل أو للاكثر وهو معلوم فيكون لزوم الاقل إما لنفسه أو لغيره معلوما. نعم

٣١٤

الا إذا كان متعلقا بالاقل كان خلفا، مع انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الاقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الاقل ذا مصلحة ملزمة فان وجوبه حينئذ يكون معلوما له وإنما كان الترديد لاحتمال ان يكون الاكثر

______________________________

تنجز التكليف بالأقل المردد بين النفسي والغيري يتوقف على تنجز التكليف النفسي مطلقا ولو كان قائما بالأكثر إذ لو لم يكن منجزا على تقدير قيامه بالاكثر امتنع تنجز التكليف بالاقل لو كان غيريا، لأن تنجز التكليف الغيري للأقل تابع لتنجز التكليف النفسي للاكثر، فلا يمكن الحكم بتنجز الاول على تقدير ثبوته إلا في فرض تنجز الثاني فلو كان تنجز الاول يستنتج منه عدم تنجز الثاني كان خلفا للفرض (قوله: مع انه يلزم من وجوده عدمه) الضمائر البارزة راجعة إلى الانحلال (قوله: لاستلزامه عدم) يعني ان الانحلال يقتضي عدم تنجز التكليف النفسي على تقدير كونه متعلقا بالاكثر، وهو يقتضي عدم تنجز الاقل مطلقا ولو كان واجبا غيريا لما عرفت من تبعية تنجز الوجوب الغيري لتنجز الوجوب النفسي، وإذا لم يتنجز وجوب الاقل لو كان غيريا امتنع الانحلال لانه يتوقف على تنجز وجوب الأقل مطلقا. فتأمل. ثم إنك عرفت الاشارة في تقرير الاشكالين إلى أنهما يتوقفان على التلازم بين الوجوب النفسي والغيري في مرتبة التنجز كما هما متلازمان في جميع مراتب الحكم السابقة على هذه المرتبة، ولو منع ذلك لم يتم كل من الاشكالين (أما) الاول فلمنع ما ذكر في تقريره من توقف لزوم الأقل مطلقا على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر إذ لا موجب لهذا التوقف الا التلازم المذكور، فلو منع منع التوقف المذكور وجاز الالتزام بتنجيز الأقل مطلقا وعدم تنجز التكليف النفسي لو كان متعلقا بالأكثر (وأما) الثاني فلمنع قوله: المستلزم - يعني عدم تنجز التكليف على كل حال - لعدم لزوم الاقل، إذ لا موجب ايضا لهذا الاستلزام إلا ما ذكرنا من التلازم فلو منع منع الاستلزام. ثم ان نظير هذين الاشكالين يجري

٣١٥

على الانحلال الحقيقي بالعلم بالوجوب النفسي للأقل كما عرفت بيانه في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ، فيقال: يتوقف تنجز وجوب الأقل لنفسه على تنجز الاكثر لو كان هو الواجب فلا يمكن ان يترتب عدم الثاني على نفس الاول لأنه خلف كما يقال: الانحلال بالعلم التفصيلي يستلزم عدم تنجز الاكثر وهو يستلزم عدم تنجز الاقل مطلقا وهو يستلزم عدم الانحلال، وسند توقف في الاول والاستلزام في الثاني هو التلازم بين الوجوبات النفسية الضمنية في مرتبة التنجز بمعني أنه لو ثبت وجوب واحد لجملة اشياء بنحو الارتباط بينها فانه وان انحل إلى وجوبات ضمنية متعددة بتعدد تلك الاشياء إلا أنها لما كانت متلازمة في مقام الأثر والثبوت والسقوط امتنع التفكيك بينها في التنجز بحيث يتنجز بعضها ولا يتنجز البعض الآخر، فلو بني على جواز التكفيك بينها فيه جاز منع التوقف والاستلزام كما تقدم حرفا فحرفا فلاحظ. وحيث عرفت أن التحقيق والمختار للمصنف (ره) أن الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي، فدعوى الانحلال ينبغي ان تكون بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه، وحينئذ يتوقف منع الانحلال على اثبات التلازم بين الوجوبات الضمنية النفسية. فنقول: لا تلازم بين تلازمها في مقام الثبوت والسقوط وتلازمها في مقام التنجز لاختلاف المناط في المقامين، فان المناط في تلازمها في مقام الثبوت والسقوط تلازمها في الغرض والمصلحة وجودا وعدما الذي هو الوجه في الثبوت والسقوط، والمناط في مقام التنجز هو البيان وهي غير متلازمة فيه فان العلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه إنما يصلح بيانا على وجوب الأقل لنفسه ولا يصلح بيانا على وجوب الزائد، وكيف وقد عرفت انه مشكوك محضا بحيث لا يحتمل انطباق المعلوم عليه اصلا فكيف يمكن أن يتنجز ؟ وهل يمكن دعوى كون التنجز بلا بيان ؟ وبالجملة: لابد في المقام من الالتزام باحد امور: (الاول) تنجز وجوب الزائد على الاقل بمجرد العلم بوجوب الاقل (الثاني) عدم تنجز الاقل وعدم تنجز الزائد (الثالث) التفكيك بين الاقل والزائد في التنجز، وحيث أن الاول غير ممكن لانه تنجيز بلا بيان، وكذا

٣١٦

* الثاني للعلم بجوب الاقل الصالح لمنجزيته، فيتعين الثالث، والرجوع إلى طريقة العقلاء في الاحتجاج والاعتذار يلحق ما ذكرنا بالبديهيات إذ لا ريب في صحة الاحتجاج عند ترك الاقل بالعلم بوجوبه، وفى صحة الاعتذار عند ترك الجزء المشكوك بالجهل بوجوبه. فلاحظ، ولو، بنى على كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري فان بنينا على أن العلم التفصيلي القائم على ثبوت التكليف في بعض الاطراف يقتضي انحلاله حقيقة كما هو ظاهر المصنف (ره) في مبحث الانحلال فالعلم الاجمالي بالوجوب النفسي لابد من انحلاله حقيقة حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره وبعد انحلاله حقيقة لا منجز لوجوب الزائد على الاقل فيدور الأمر حينئذ بين الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، ولابد من تعين الثالث منها لعين الوجه المتقدم، وان بنينا على انحلاله حكما فلابد من الالتزام به هنا لعين الوجه السابق في مبحث الانحلال وليس معنى انحلاله حكما الا عدم صلاحيته لمنجزية المعلوم بالاجمال الصالح للانطباق على الأكثر، وحينئذ فلا منجز لوجوب الاكثر اجمالا ولا تفصيلا فتنتهي النوبة أيضا إلى التردد بين المحتملات الثلاثة ويتعين الاخير منها، وبذلك يتضح لك عدم تمامية نقض الانحلال بالنحو الذي ذكره المصنف (ره) على جميع المباني (نعم هنا) شبهة اخرى تقتضي الاحتياط وهي أن العلم التفصيلي بوجوب الاقل إذا نجزه واشتغلت به ذمة المكلف لابد من الاحتياط بالاكثر لان الاقتصار على اتيان الأقل بوجوب الشك في سقوط وجوب الأقل، ومن الواضح أن الشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال فما لم يأت بالاكثر يشك في سقوط وجوب الاقل، ولابد له من إحراز سقوطه (ويمكن) الجواب عنها بأن الشك في السقوط إنما يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو كان منشؤه الشك في اتيان المكلف به وليس في المقام كذلك للعلم باتيان الاقل وانما منشؤه الشك في كون وجوبه استقلاليا أو في ضمن الاكثر إذ على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط الا في ظرف سقوط وجوب الزائد المتوقف على اتيانه لتلازم الوجوبات الضمنية في الثبوت والسقوط، وعلى تقدير كونه استقلاليا يسقط بمجرد إتيان الاقل، وحيث كان منشأ الشك في سقوط وجوب الاقل ذلك لا الشك في اتيان الاقل فالمرجح فيه

٣١٧

ذا مصلحتين

______________________________

اصل البراءة (ومن) هذا يظهر لك الجواب عن الشبهة التي ذكرناها في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ الراجعة إلى اجمال الاقل المعلوم من حيث الاحوال، وحاصل الجواب: ان الانفراد مما يعلم بعدم اخذه قيدا في الاقل والا فهو خارج حينئذ عما نحن فيه ويكون الواجب حينئذ مرددا بين اخذه بشرط لا واخذه بشرط شئ بل الشك إنما هو في أخذ الاقل موضوعا للوجوب لا بشرط واخذه بشرط شئ والاتيان به وحده وإن كان يوجب الشك في وجوبه في هذا الحال فيشك في سقوط وجوبه، إلا أن منشأ الشك في سقوطه الشك في ثبوت الوجوب الملازم له لغيره وفى مثله يرجع إلى البراءة (فان قلت): هذا بعينه جاء في التردد بين وجوبه بشرط لا ووجوبه بشرط شئ لو اقتصر على الاتيان به وحده إذ الشك في السقوط ناشئ من الشك في وجوب غيره معه فليرجع فيه إلى البراءة، مع أنه لا ريب في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (قلت) الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ليس للشك في سقوط التكليف بذات الاقل بل للشك في سقوط التكليف بالامر المردد بين شرط لا وشرط شئ فانه يعلم اجمالا بوجوب احد الأمرين من شرط لا وشرط شئ فيتنجز المعلوم بالاجمال، فالاقتصار على ذات الاقل يوجب الشك في سقوط التكليف بذلك الأمر المردد في حصوله خارجا، فالشك في السقوط للشك في اتيان الموضوع الواجب لا لشئ آخر. فلاحظ (ثم إنه) يمكن أن يقرب الانحلال بالعلم التفصيلي بحرمة ترك الأقل بنحو لا يوقف على امكان التفكيك بين الوجوبات النفسية الضمنية أو بين الوجوب الغيري والنفسي كما كان يتوقف عليه انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل تركنا ذكره خوف الاطالة واعتمادا على ذكرنا له في الحاشية القديمة على الكتاب فليراجع وليتأمل فان المقام به حقيق واليه سبحانه نبتهل في فيض العناية والتوفيق (قوله: ذا مصلحتين) يعني غير متلازمتين بحيث يمكن انفكاك احدهما عن الاخرى فتترتب احداهما على الأقل لو اقتصر عليه وتترتبان معا على الاكثر، وهذا هو المسمى بالاكثر الاستقلالي، ولهذا كان خارجا عن محل الكلام في المقام إذ

٣١٨

أو مصلحة أقوي من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز الا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعيه الأوامر والنواهي للمصالح والمفساد في المأمور بها المنهي عنها وكون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلابد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى

______________________________

هو في الارتباطي (قوله: أو مصلحة أقوى) يعني غير متلازمة المراتب كما تقدم.

شبهة الغرض

(قوله: هذا مع أن الغرض الداعي) هذا وجه آخر لوجوب الاحتياط (وتوضيحه): أن المشهور بين العدلية أن الأمر بالشئ ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشئ فيكون الامر دائما معلو لذلك الغرض، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض لأن العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلة، وحينئذ فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض ومع الاقتصار على فعل الاقل يشك في حصوله فلابد من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله، فالشك في المقام راجع إلى الشك في محصل الغرض بعد الجزم بثوبته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصله على تقدير ثبوته كما في الشبهة البدوية والشك في المحصل موضوع لقاعدة الاشتغال لا لاصالة البراءة (قوله: بناء على ما ذهب) أما بناء على ما ذهب إليه جماعة من كون الغرض يحصل بنفس الامر لا بفعل المأمور به فلا موجب للاحتياط حينئذ للعلم بحصول الغرض بمجرد الأمر (قوله: وكون الواجبات) الظاهر أن المراد أن الواجبات الشرعية مقربات للواجبات العقلية كما يشهد به قوله تعالى: (إن الصلاة

٣١٩

* ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الامر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته

______________________________

تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي... الآية) لا أن الواجبات الشرعية واجبات عقلية لو اطلع العقل على جهاتها، والامر سهل (قوله: ولا وجه للتفصي عنه تارة) المتفصي بذلك شيخنا المرتضى (قده) في رسائله، وحاصل ما ذكره أولا: ان النزاع في البراءة والاشتغال في هذه المسألة من حيث التردد في الوجوب بين الاقل والاكثر مع التغافل عن حيثية الشك في الغرض ومقتضاها، بشهادة أن النزاع في هذه المسالة لا يختص بمذهب دون غيره بل تجري على جميع المذاهب، (قوله: وأخرى بأن حصول) هذا هو الوجه الثاني، وحاصله: ان الشك في محصل الغرض وان كان موضوعا لقاعدة الاشتغال إلا أنه حيث يمكن القطع بحصوله وهو متعذر في العبادات لاحتمال توقف حصول الغرض فيها على الجزم بالنية وهو ممتنع مع الشك والتردد في الواجب بين الاقل والاكثر فيسقط حكم العقل بوجوب الجزم بحصول الغرض ويبقى حكمه من حيث تردد الوجوب بين الاقل والاكثر الذي هو وجوب فعل الاقل للعلم بوجوبه وجواز ترك الاكثر للجهل بوجوبه (قوله: على وجه الامتثال) يعني على وجه الاطاعة (قوله: كان لاحتمال) (كان) تامة فاعلها قوله: (مجال) و (لاحتمال) متعلق بها، (قوله: اعتبار معرفة) يعني اعتبار المعرفة في تحقق الامتثال المعتبر في صحة العبادة وحصول الغرض منها (قوله: ومعه) الضمير راجع إلى احتمال الاعتبار

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617