حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 193135
تحميل: 3500


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193135 / تحميل: 3500
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

* إما لانحلال العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات ولو لعدم الالتفات إليها (فالاولى) الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه والتعلم والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى - كما في الخبر -: هلا تعلمت

______________________________

خروجا عن محل الكلام كما تقدم في نظيره (قوله: إنما لانحلال) قد تقدم الاشكال في انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي اللاحق (قوله: ولو لعدم) لو وصلية متعلقة بعدم الابتلاء (قوله: فالاولى الاستدلال للوجوب بما) قد يقرب الاستدلال (تارة) بأن الامر بالعلم غيري لكونه مقدمة للعمل والامر الغيري لما كان معلوما للامر النفسي كشف بالإن عن الامر النفسي بالعمل قبل الفحص وهو ينافي عموم ادلة البراءة (وفيه) ان العلم ليس مقدمة للعمل بوجه لامكان الاحتياط مع الشك كما يلتزم به القائل بوجوبه قبل الفحص فيمتنع كون الامر به غيريا (واخرى) بأن الامر به طريقي نظير الامر بالعمل بالطريق فتخصص به ادلة البراءة كما لو قام دليل بالخصوص على وجوب الاحتياط قبل الفحص (وفيه) أن الامر الطريقي عين الامر الواقعي على تقدير المصادفة كما أن موضوعه عين موضوعه، وليس المقام كذلك لمبانية الامر بالعلم وللأمر الواقعي لاختلاف موضوعيهما إلا أن يجعل نظير الامر بالتبين في آية النبأ للدلالة على الردع عن خبر الفاسق وعدم حجيته فيحمل على ارادة عدم عذرية الجهل قبل الفحص في نظر الشارع فيكون دالا على وجوب الاحتياط حينئذ، ولزوم فعل الواقع المحتمل فيكون مقيدا لاطلاق ادلة البراءة (قوله: والمؤاخذة) معطوف على وجوب التفقه، وقوله: على ترك وفى مقام متعلقان به وقوله: بعدم العلم، متعلق بالاعتذار وقوله: بقوله، متعلق بالمؤاخذة، فان اللوم نوع من المؤاخذة فتأمل (قوله: كما في الخبر) اشارة إلى ما ورد في تفسير قوله تعالى: فلله الحجة البالغة، من أنه يقال للعبد

٣٦١

فيقيد بها أخبار البراءة لقوة ظهورها في ان المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو اجمالا فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الاخبار على ما إذا علم اجمالا (فافهم) ولا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر في البراءة فلا تغفل، ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام، أما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها فانها وان كانت مغفولة حينها وبلا اختيار الا انها منتهية إلى الاختيار وهو كاف في صحة العقوبة بل مجرد تركهما كاف في صحتها وان لم يكن مؤديا إلى المخالفة

______________________________

يوم القيامة: هل علمت فان قال: نعم قيل له: فهلا علمت ؟ وان قال: لا، قيل له: هلا تعلمت حتى تعمل (قوله: فيقيد بها اخبار) يعني ان نسبة هذه النصوص إلى اخبار البراءة نسبة المقيد إلى المطلق من حيث شمول أخبار البراءة لما قبل الفحص وبعده واختصاص هذه النصوص بالاول فتقدم عليها كما يقدم المقيد على المطلق، (ودعوى) أن النسبة بينها هي المباينة لان مورد هذه النصوص ترك العمل فيما علم وجوبه مثلا ولو اجمالا ومورد اخبار البراءة عدم العلم اصلا فلا موجب لتقييد الثانية بالأولى، (ممنوعة) بأن الظاهر من الاخبار خصوص صورة عدم العلم، إلا أن يكون المراد من عدم العلم عدم العلم التفصيلي فلا ينافي وجود العلم الاجمالي فيمكن حملها على خصوص صورة العلم الاجمالي، وحينئذ فلا تصلح لتقييد أدلة البراءة، لكنه خلاف الظاهر منها. فتأمل، ولعله اشار إليه بقوله: فافهم (قوله: اعتبار الفحص في التخيير) ولا مجال هنا للتشكيك المتقدم في اعتبار الفحص في البراءة العقلية من جهة علم المكلف هنا بجنس الالزام فيجب فيه الفحص لذلك وان لم نقل به فيها (قوله: اما التبعة فلا شبهة) يقع الكلام في امور (الاول) انه لا ينبغي التأمل في عدم حسن العقاب بترك التعلم إذا كان عمل المكلف موافقا للاحتياط إذ لا وجه له بعد تحقق الانقياد وعدم المخالفة الا دعوى وجوب التعلم

٣٦٢

نفسيا وهو خلاف ظاهر الأدلة (الثاني) لا ينبغي التأمل في استحقاق العقاب بترك التعلم إذا كان العمل مخالفا للواقع مع التفات المكلف إليه حال العمل وشكه فيه فانه مقتضى النصوص المتقدمة (الثالث) هل يدور العقاب مدار مخالفة الواقع مطلقا أو يختص بما إذا لم يكن على خلافه طريق معتبر يعثر عليه بالفحص ؟ قولان، اقواهما الثاني، فانه لا يحسن في نظر العقل العقاب على مخالفة الواقع مع ترخيص الشارع في مخالفته واقعا الذي هو لازم قيام الطريق الواقعي على خلافه. ومجرد عدم علم العبد به لا أثر له في مانعيته من حسن العقاب. وهناك وجهان آخران وهما: دوران العقاب مدار مخالفة الطريق: ودورانه مدار مخالفة احدهما، يبتنيان معا على السببية التي هي خلاف ظاهر أدلة الحجية. ومن هنا يظهر أنه لو ترك الملكلف التعلم والاحتياط مع كونه شاكا في الالزام واقعا ولم يكن في الواقع إلزام في الواقعة لم يكن موجب للعقاب وان كان بالفحص يعثر على طريق يؤدي إلى الالزام لعدم مخالفة الواقع حينئذ. نعم يستحقه بالتجري بناء على استحقاق المتجري للعقاب (الرابع) لو ترك التعلم فغفل عن الواقع وعمل حال غفلته فخالف الواقع فصريح المصنف (ره) انه لا شبهة في استحقاق العقاب، والغفلة حال المخالفة لا تمنع من حسن العقاب عليها وان كانت حينئذ بلا اختيار لاستنادها إلى تقصيره في ترك التعلم، وقد تقرر غير مرة حسن العقاب على ما ليس بالاختيار إذا كان منتهيا إلى ما هو بالاختيار (فان قلت): قد تقدم أن العلم ليس من مقدمات العمل فكيف يكون تركه موجبا للمخالفة (قلت): العلم وان لم يكن مقدمة وجودية لذات العمل مل لكنه قد يكون تركه سببا لذهاب صورة الحكم أو الموضوع عن الذهن ولو بنحو الشك فيؤدي ذلك إلى مخالفة الواقع، ولذا ترى كثيرا من أهل البوادي والسواد الذين لم يتعلموا شرائع الدين الشريف غافلين عن كثير من الواجبات واحكامها فلا تحضر في ذهنه صورة الصلاة فضلا عن احتمال وجوبها من اول وقت الصلاة إلى آخره، وليس كذلك غيرهم ممن يعرف تلك الشرائع المقدسة كما هو ظاهر، فترك مثل هؤلاء للصلاة وغيرها من الواجبات وان لم يكن

٣٦٣

مع احتماله لاجل التجري وعدم المبالات بها. نعم يشكل في الواجب المشروط والموقت ولو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم يؤد إليها

______________________________

عن التفات إليها حال الترك لكنه لما كان مستندا إلى التساهل في معرفة الاحكام كان مستندا إلى ما بالاختيار فيحسن عليه العقاب (فان قلت): لازم ذلك عدم الاكتفاء بالتعلم بل لابد من التحفظ على بقاء العلم لئلا تعرض الغفلة المؤدية إلى المخالفة (قلت): لا ضمير في التزام ذلك إذا كان المكلف يعلم بترتب الغفلة لو لم يتحفظ، وحديث رفع الخطأ مختص بصورة احتمال عدم الترتب. فتأمل، ولو فرض عمومه لصورة العلم بترتب الغفلة - كما هو مقضتى اطلاقه - كان هو الفارق بين ترك العلم رأسا المؤدي إلى الغفلة وترك التحفظ بعد العلم. اللهم إلا أن يدعى عمومه للمقامين كما هو ايضا مقتضى اطلاقه فيدل على عدم العقاب مطلقا (والتحقيق): ان الغفلة المؤدية إلى المخالفة انما تستند في الشاك والعالم معا إلى ترك التحفظ أو عدم الاهتمام بالحكم إذ مع احدهما لا تحصل الغفلة ولو مع الشك في الحكم ومع عدمها تحصل الغفلة ولو مع العلم بالحكم فيكون حال المتعلم للحم حال الشاك فيه في استناد الغفلة فيهما إلى ترك التحفظ أو عدم الاهتمام من دون فرق بينهما فلا يكون ترك التعلم في الجاهل مستندا إلى الغفلة، وحينئذ فيشتركان في استحقاق العقاب وعدمه شرعا عقلا لاتفاقهما في المناط فإذا بنى على معذورية العالم شرعا لحديث رفع الخطأ وان لم يكن معذورا عقلا فليبن على معذورية الجاهل ايضا كذلك لذلك الحديث، إلا أن يدعى تخصيص الحديث بالاول دون الثاني ولو لأخبار الامر بالتعلم، ويمكن أن يكون الوجه في التعلم حصول الاهتمام المانع من حصول الغفلة فتأمل جيدا (قوله: مع احتماله) يعني إذا كان المكلف يحتمل اداء ترك التعلم والفحص إلى المخالفة فان الاحتمال المذكور يوجب عليه الاحتياط بالتحفظ بالتعلم والفحص فتركهما حينئذ يكون تجريا وان لم يؤد إلى المخالفة لانه اقدام على احتمال مخالفة الواجب المنجز (قوله: فضلا عما إذا لم يؤد) يعني مع احتمال الاداء فهو

٣٦٤

* حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلا لا قبلهما وهو واضح ولا بعدهما وهو كذلك لعدم (١) التمكن منه بسبب الغفلة ولذا التجأ المحقق الاردبيلي وصاحب المدارك - قدس سرهما - إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسيا تهيئيا فيكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما أدى إليه من المخالفة فلا إشكال حينئذ في المشروط والموقت ويسهل بذلك الأمر في غيرهما

______________________________

اشارة إلى صورة التجري المتقدمة (قوله: حيث لا يكون حينئذ) تقرير للاشكال (قوله: وهو واضح) لأن الوجوب المشروط والموقت انما يكونان بعد الوقت والشرط على المشهور فلا يمكن أن يترشح منهما وجوب غيري يتعلق بالتعلم قبل الشرط والوقت، وهذا الاشكال قد تقدم منه (قدس سره) في مقدمة الواجب وتقدم عدم اختصاصه بالتعلم بل يطرد في بعض المقدمات الوجودية التي تجب قبل الوقت مثل السفر للحج والغسل للصوم ونحوهما بل حكي الاجماع على عدم جواز إراقة الماء قبل الوقت إذا علم عدم تيسره له بعده، والجواب عن الجميع لابد ان يكون بوجه واحد (قوله: نفسيا تهيئيا) قد تقدم الاشكال عليه بان الواجب التهيئي ما يجب مقدمة للخطاب بواجب آخر كما سيأتي في قبال الواجب الغيري وهو ما يجب لكونه مقدمة لواجب آخر وحينئذ فالالتزام به لا يرفع الايراد لان المقصود من الواجب التهيئي وهو الخطاب ليس مرادا بنفسه بل مقدمة لحصول الغرض منه، فيكون الواجب التهيئي مقدمة لذلك الغرض فإذا كانت غرضية الغرض منوطة بوجود الشرط أو الوقت كيف يجب ما هو مقدمة له قبلهما كما هو ظاهر ؟

______________

(١) إلا ان يقال بصحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت عند العقلاء إذا تمكن منهما. في الجملة ولو بان تعلم وتفحص إذا التفت وعدم لزوم التمكن منهما بعد حصول الشرط ودخول الوقت مطلقا كما يظهر ذلك من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم العبيد على ترك الواجبات المشروطة أو الموقتة بترك تعلمها قبل الشرط أو الوقت المؤدي إلى تركها بعد حصوله أو دخوله فتأمل. منه قدس سره

٣٦٥

لو صعب على أحد ولم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه وليس بالاختيار، ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الاشكال إلا بذلك أو الالتزام يكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم فيكون الايجاب حاليا وان كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته، وأما لو قيل بعدم الايجاب إلا بعد الشرط والوقت كما هو ظاهر الأدلة وفتاوي المشهور

______________________________

مضافا إلى أنه لا معنى لايجاب التعلم مقدمة للخطاب بالواجب لان ما يتعلم ان كان ذلك الخطاب امتنع ان يكون التعلم من مقدماته لوجوب كونه مفروض الثبوت مع قطع النظر عن العلم والا كان خلفا أو لزم الدور على المشهور، وان كان غيره بان يلتزم مثلا بوجوب تعلم وجوب الصلاة ليخاطب بوجوب الصوم فذلك مما لا يمكن الالتزام به، مع انه يؤدي إلى دعوى عدم وجوب تعلم وجوب الصوم مثلا فيلزم التفكيك بين الاحكام في وجوب التعلم (قوله: لو صعب على احد) يعني لو استشكل احد في حسن العقاب على ما لا بالاختيار لانتهائه إلى ما بالاختيار ولم يسعه نفي العقاب أمكن له ان يلتزم بان العقاب على ترك التعلم لا على ترك الواقع فقوله: (كفاية) فاعل (صعب) و (تصدق) على التنازع (قوله: على نحو لا تتصف) فلا يجب فعل سائر المقدمات قبل الوقت بأن يكون الواجب منها هو الجامع بين فعلها في الوقت مطلقا وفعلها قبله من باب الاتفاق فيمتنع تعلق الوجوب الغيري بها قبل الوقت لأنه يكون حينئذ وجودها بدعوة الوجوب لا من باب الاتفاق (قوله: بالوجوب شرطه) بان يكون الشرط وجوده من باب الاتفاق فيمتنع ان يتشرح إليه وجوب غيري كما عرفت، ولولاه كان مقتضي كونه قيدا في الواجب وجوب تحصيله كسائر القيود. ثم ان هذا الوجه قد فر به عن الاشكال

٣٦٦

فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا لتكون العقوبة - لو قيل بها - على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة

______________________________

شيخنا الاعظم (ره) كما تقدم في مبحث مقدمة الواجب وتقدم ما عليه (قوله: فلا محيص عن الالتزام) قد عرفت الاشارة في ذلك المبحث إلى امكان اندفاعه بأن تبعية الوجوب الغيري للنفسي لا تقتضي تبعيته له في جميع الخصوصيات إذ لا ريب في أن الوجوب المطلق إذا كان لمتعلقه مقدمات لا يصلح للمحركية إلى متعلقه الا بعد فعل المقدمات والوجوب الغيري له فعلية المحركية إلى تلك المقدمات فإذا جاز اختلافهما في هذا المقدار جاز اختلافهما في غيره. فنقول: الوجوب النفسي إذا كان منوطا بشئ غير حاصل وان كان يتبعه وجوب غيري ايضا يكون منوطا بذلك الشئ لكن يجوز اختلافهما في كيفية الاناطة فيكون الوجوب النفسي منوطا به بنحو الاناطة بالشرط المتقدم والوجوب الغيري منوطا به بنحو الاناطة بالشرط المتأخر، مثلا حسن شرط الدواء منوط بوجود المرض بنحو الشرط المتقدم إذ لا يحسن الشرب الا بعد وجود المرض وحسن احضار الدواء وتهيئته منوط بوجود المرض مطلقا ولو بنحو الشرط المتأخر، فانه يحسن احضار الدواء إذا كان يوجد المرض في المستقبل، وهكذا حسن اكل الطعام منوط بالجوع قبله لكن حسن احضار الطعام منوط بالجوع ولو بعده فوجوب التعلم منوط بالشرط ولو بنحو الشرط المتأخر لكن نفس الوجوب منوط به بنحو الشرط المتقدم (وان شئت قلت): العلم بوجود الشرط في المستقبل مثل وجود المرض أو الجوع أو نزول الضيف يوجب ترجح احضار الطعام أو الدواء فعلا فتتعلق به الارادة التكوينية أو التشريعية الغيريتان. هذا مع أن إشكال لزوم التعلم عقلا قبل الشرط والوقت لا يتوقف على اثبات وجوبه شرعا حتى يلتزم بأنه واجب نفسي أو غيري بل لو لم نقل بوجوبه شرعا نفسيا أو غيريا يمكن اندفاعه بقبح تعجيز العبد نفسه عقلا عن القيام بالواجب بلا فرق بين الواجب المطلق والمشروط ولا بين ما قبل الشرط وما بعده، فكما لا يجوز في نظر العقل

٣٦٧

ولا بأس به كما لا يخفى، ولا ينافيه ما يظهر من الاخبار من كون وجوب التعلم انما هو لغيره لا لنفسه حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميا بل للتهيئ لايجابه (فافهم) وأما الأحكام فلا اشكال في وجوب الاعادة في صورة المخالفة بل في صورة الموافقة ايضا في العبادة فيما لا يتأتي منه قصد القربة وذلك لعدم الاتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء

______________________________

تعجيز العبد نفسه عن القيام بالواجب المطلق أو المشروط بعد حصول الشرط لا يجوز في نظره تعجيز نفسه عنه قبل حصوله فان ذلك كله اخلال بالغرض وتفريت له يستحق عليه العقاب، وإذا ثبت ذلك ثبت لزوم التعلم عقلا قبل حصول الشرط أو الوقت فلو تركه عامدا استحق العقاب، وهذا غاية ما يقصده القائل بوجوب التعلم وليس مقصوده مجرد اثبات وجوبه شرعا حتى يتكلف له بما ذكر من الوجوه (فان قلت): اثبات وجوبه شرعا كاف في استحقاق العقاب على تركه وان لم نقل بقبح تعجيز العبد نفسه قبل الوقت أو الشرط مع العلم بهما (قلت): الوجوب الغيري لا أثر له في حسن العقاب بل يكون تبع الوجوب النفسي فإذا فرضنا ان قبح التعجيز غير ثابت كان ذلك التزاما باعتبار القدرة حال الوجوب النفسي فالعجز حاله ولو باختيار المكلف عذر في نظر العقل فلا يتنجز الوجوب النفسي فلا يوجب العقاب على مخالفته فلا اثر للوجوب الغيري قبل الوقت ولو كان شرعيا. نعم لابد من الالتزام بأحد الوجوه في تصحيح المقدمات العبادية التي يؤتى بها قبل الوقت والشرط بقصد الوجوب (قوله: ولا بأس به) قد عرفت ما فيه، مضافا إلى أن لازم ذلك عدم المقيد لاطلاق أدلة البراءة لانحصار المقيد باوامر التعلم بناء على كونها طريقية ولو كانت نفسية لم تصلح لتقييد تلك الاطلاقات، والى أن حمل اوامر التعلم على النفسية انما يدفع الاشكال عن وجوب التعلم قبل الوقت ولا يقتضي دفع الاشكال عن وجوب فعل بعض المقدمات الاخر، فلو بني على حمل اوامرها على النفسية كالامر بالتعلم فربما لا يكون امر ببعضها مع العلم بكونها مقدمة (قوله: فافهم)

٣٦٨

إلا في الاتمام في موضع القصر أو الاجهار أو الاخفات في موضع الآخر فورد في الصحيح وقد أفتى به المشهور صحة الصلاة وتماميتها في الوضعين مع الجهل مطلقا ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها لان ما أتى بها وان صحت وتمت الا انها ليست بمأمور بها (إن قلت): كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها ؟ وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي أمر بها حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها كما هو ظاهر إطلاقاتهم بان علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الاتمام والاخفات وقد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصرا أو جهرا، ضرورة أنه لا تقصير ههنا يوجب استحقاق العقوبة. وبالجملة كيف يحكم بالصحة بدون الامر ؟ وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة لولا الحكم

______________________________

لعله اشارة إلى بعض ما ذكرنا (قوله: صحة الصلاة) هو فاعل (فورد في الصحيح) اما الصحيح الدال على الاول فهو صحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لابي جعفر (ع): رجل صلى في السفر اربعا ايعيد ام لا ؟ قال (ع): إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى اربعا اعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه، واما الصحيح الدال على الثاني فهو صحيح زرارة عن ابي جعفر (ع) عن رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه واخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال (ع): أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الاعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته (قوله: انها ليست بمأمور بها) اقول: يمكن دعوى كونها مأمورا بها بأن يكون الجامع بين القصر والتمام مشتملا على مصلحة ملزمة ويكون في خصوص القصر مصلحة كذلك فيكون القصر من قبيل الصلاة في المسجد وصلاة التمام من قبيل الصلاة في البيت فالقصر افضل الفردين لاشتماله على مصلحتين يكونان منشأ لتأكد ارادته كالصلاة في المسجد بلا فرق، غير ان مصلحة الصلاة في المسجد الزائدة على مصحلة كلي الصلاة غير ملزمة والمصحلة الزائدة في القصر ملزمة يحرم تفويتها (قوله: لولا الحكم) منه يظهر اشكال آخر وهو انه

٣٦٩

شرعا بسقوطها وصحه ما اتى بها ؟ (قلت): إنما حكم بالصحة لاجل اشتمالها على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها وان كانت دون مصلحة الجهر والقصر وإنما لم يؤمر بها لاجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الاكمل والاتم وأما الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة فانها بلا فائدة إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقي مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها ولذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلا مع تمكنه من التعلم فقد قصر ولو علم بعده وقد وسع الوقت فانقدح أنه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الاتمام ولا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة الاخفات وإن كان الوقت باقيا (ان قلت): على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا وما هو السبب لتوفيت الواجب كذلك حرام وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام (قلت): ليس سببا لذلك غايته أنه يكون مضادا له وقد حققنا في محله أن الضد وعدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف اصلا (لا يقال): على هذا فلو صلى تماما أو صلى إخفاتا في موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما لكانت صلاته صحيحة وان عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر (فانه يقال): لا بأس بالقول به لو دل دليل على انها تكون مشتملة على المصلحة ولو مع العلم لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل

______________________________

كيف يسقط الامر بالقصر قبل خروج الوقت بدون فعله ؟ (قوله: وانما لم يؤمر بها) قد عرفت امكان الامر بها بنحو تعدد المطلوب ولعل مقصوده انه لم يؤمر بها تعيينا (قوله: فانها بلا فائدة) كان المناسب ان يقول: فلأنها - اي الاعادة قصرا - بلا فائدة، لعدم امكان تدارك مصلحتها الفائتة بفعل التمام ولذا صار مقصرا بفعل القصر مستحقا عليه العقاب (قوله: لا يبقى مجال)

٣٧٠

ولا بعد أصلا في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شئ والجهل به كما لا يخفى. وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتب وقد حققنا في مبحث الضد امتناع الامر بالضدين مطلقا ولو بنحو الترتب بما لا مزيد عليه فلا نعيد، ثم إنه ذكر لاصل البراءة شرطان آخران (أحدهما) أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى (ثانيهما) أن لا يكون موجبا للضرر على آخر، ولا يخفى أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية والاباحة ورفع التكليف الثابت بالبراءة النقلية لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه

______________________________

به يندفع الاشكال الثالث الذي ذكرناه (قوله: بنحو الترتب) يعني بان يؤمر بالتمام على تقدير عصيان الأمر بالقصر الحاصل بامتناع حصول مصلحته لكن بنحو الشرط المتأخر فإذا فرض تحقق العصيان ولو بعد فعل التمام كان مأمورا بالتمام من أول الامر (فان قلت): الموجب لامتناع حصول مصلحة القصر فعل التمام فاناطة الامر بالتمام بامتناع المصلحة موجبة لاناطته بفعل التمام لأن المنوط بالمعلول منوط بعلته واناطة الامر بالتمام بفعل التمام محال لأنه طلب الحاصل (قلت): هذا مبني على أن عدم علة أحد الضدين مقدمة لوجود الضد الآخر لان بديله وهو وجود علة احد الضدين علة لعدم الآخر وهو غير مبني عدم اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده. فتأمل (قوله: امتناع الامر بالضدين) قد عرفت انه لم يتضح الوجه في الامتناع (قوله: ذكر لاصل البراءة) الذاكر هو الفاضل النراقي (ره) (قوله: آخران) يعني غير شرط الفحص (قوله: لا محالة تكون جارية) أما الثانية فلاطلاق أدلتها التي لم يخرج عنها الا فيما قبل الفحص كما عرفت. وأما الاولى فلانه ان احتمل اعتبار شئ فيها فهو الفحص فمع حصوله تجري بلا توقف على شئ آخر (قوله: وعدم استحقاق العقوبة) يعني فإذا جرت البراءة

٣٧١

فان لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا فهي وإن كانت جارية إلا أن ذاك الحكم لا يترتب لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها وهذا ليس بالاشتراط، وأما اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لاصالة البراءة كما

______________________________

العقلية والنقلية وثبت مضمونها اعني عدم استحقاق العقوبة ورفع التكليف وكان مضمونهما ملزوما لحكم شرعي أو ملازما له لابد من العلم بذلك الحكم شرعي لأن العلم بالملزوم يوجب العلم باللازم وكذا العلم بالملازم يوجب العلم بملازمه فان كان مقصود المشترط انها لا تجري اصلا بعد الفحص في مثل هذا المقام فذاك خلاف أدلتها وان كان مقصوده أنها تجري لكن لا يترتب الحكم اللازم أو الملازم فذاك خلاف الدليل الدال على اللزوم أو الملازمة (فان قلت): سلمنا ترتب اللازم لكن نمنع ترتب الملازم لأنه موقوف على القول بالاصل المثبت (قلت): هذا لا يرتبط بالاصل المثبت لأن المفروض ان الحكم الملازم ملازم للبراءة النقلية أعني رفع الحرمة مثلا ظاهر فإذا علم بوجود الملازم بمقتضي حديث الرفع مثلا لابد أن يعلم بملازمه. نعم إذا كان الأثر ملازما للواقع، وكان الاصل مثبتا للواقع ظاهرا كان اثبات الملازم به موقوفا على القول بالاصل المثبت ولكن الفرض ليس كذلك بل الاثر لازم أو ملازم لنفس مضمون البراءة العقلية أو النقلية (قوله: فان لم يكن مترتبا) يعني وان كان الاثر لازما لنفي التكليف واقعا جرت أصالة البراءة بعد الفحص ولكن لا يترتب لاجلها ذلك الاثر لعدم احراز موضوعه إذ ليس مفاد حديث الرفع الا رفعه ظاهرا (فان قلت): ما الفرق بينه وبين استصحاب عدم التكليف الذي لا ريب في انه يترتب عليه اثر نفي التكليف واقعا (قلت): الفرق أن مفاد الاستصحاب اثبات النفي الواقعي ظاهرا فيترتب عليه آثار نفس النفي الواقعي ومفاد حديث الرفع النفي ظاهرا للتكليف الواقعي ولا تعرض له للنفي الواقعي، وقد تقدم نظير هذا في الفرق بين اصالة الحل واستصحاب الحل على

٣٧٢

هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالادلة الاجتهادية إلا أنه حقيقة لا يبقى لها مورد، بداهة أن الديل الاجتهادي يكون بيانا وموجبا للعلم بالتكليف ولو ظاهرا فان كان المراد من الاشتراط ذلك فلابد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي لا خصوص قاعدة الضرر فتدبر والحمد لله على كل حال (ثم) انه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار وتوضيح مدركها وشرح مفادها وايضاح نسبتها مع الادلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الاولية أو الثانوية وإن كانت أجنبية عن مقاصد الرسالة إجابة لالتماس بعض الاحبة فاقول وبه استعين: إنه قد استدل عليها باخبار كثيرة منها موثقة زرارة عن ابي جعفر: ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار وكان منزل الانصاري بباب البستان وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصاري أن يستأذن إذا جاء فابى سمرة فجاء الانصاري إلى النبي صلى الله عليه وآله فشكى إليه فاخبر بالخبر فارسل رسول الله وأخبره بقول الانصاري وما شكاه فقال: إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فابى أن

______________________________

مذاق المصنف (ره) (قوله: هو حالها) الضمير راجع إلى البراءة وكذا ضمير لها في قوله: (لا يبقى لها) (قوله: لا يبقى لها مورد) يعني لا يبقى للبراءة مورد مع جريان قاعدة الضرر لا أن عدم القاعدة شرط في جريانها لان الشرط انما يطلق مع احراز المقتضي لا مع عدم المقتضي كما في المقام (قوله: يكون بيانا) يعني فيمنع من جريان البراءة لانها انما تجري مع عدم البيان (قوله: لا خصوص) لعدم الفرق بين القواعد الاجتهادية في رفع مورد البراءة

قاعدة نفى الضرر

(قوله: موثقة زرارة) قد رواها في الوسائل عن الكافي عن عدة من

٣٧٣

يبيعه فقال: لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله - للانصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار، وفي رواية الحذاء عن أبي جعفر (ع) مثل ذلك إلا انه فيها بعد الاباء: ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه، إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة

______________________________

اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (ع) وتسميتها موثقة لأن في سندها ابن بكير وهو فطحي وان كان من اصحاب الاجماع، والسند معتبر إذ العدة فيهم مثل على بن ابراهيم القمي الشهير صاحب التفسير، واحمد بن محمد البرقي، وثقه الشيخ والنجاشي وغيرهما، والطعن فيه بانه يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء ليس طعنا فيه - كما عن ابن الغضائري - بل في من يروي عنه وابوه وثقه الشيخ والعلامة، وعن النجاشي انه كان ضعيفا في الحديث، وعن جدي (ره) في تكملته: المشهور بين الفقهاء العمل بروايته كما اعتمده العلامة (ره)، وحيث كان الجارح له هو النجاشي وهو اسطوانة اهل هذا الفن ولا مجال لرد كلامه اخذوا في تأويل كلامه، واطال الكلام في نقل كلماتهم، وحاصل ما ارتضاه ان المراد انه يروي عن الضعفاء وهو كلام متين - كما قيل - واما زرارة فحاله في الجلالة أظهر من ان يذكر وأشهر من ان يسطر، ثم إن المتن المذكور في نسختي من الوسائل يخالف يسيرا ما هو مذكور في المتن وان كان لا يقدح في الدلالة فراجع (قوله: وفى رواية الحذاء) هو ابو عبيدة زياد بن عيسى وثقه النجاشي والعلامة وسعد بن عبد الله الاشعري، رواها عنه الحسن بن زياد الصيقل ولم ينص على توثيقه احد، لكن روى عنه جماعة من الاعيان منهم اربعة من اصحاب الاجماع ومنهم يونس بن عبد الرحمن كما في هذا السند ولا يبعد دلالة ذلك على توثيقه، واما طريق الصدوق إليه فمعتبر فليراجع (قوله: مثل ذلك) بل مع اختلاف يسير ايضا (قوله: فاقلعها وارم بها) الموجود في نسختي فاقطعها واضرب بها (قوله: الواردة في قصة سمرة)

٣٧٤

* وغيرها وهي كثيرة وقد ادعي تواترها مع اختلافها لفظا وموردا فليكن المراد به تواترها اجمالا بمعنى القطع بصدور بعضها، والانصاف أنه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف وهذا مع استناد المشهور إليها موجب لكمال الوثوق بها وانجبار ضعفها مع أن بعضها موثقة فلا مجال للاشكال فيها من جهة سندها كما لا يخفى وأما دلالتها

______________________________

لم اعثر في قصة سمرة الا على الروايتين أعني روايتي زرارة والحذاء عن أبي جعفر (ع): نعم رواية زرارة مروية بطريقين أحدهما الموثق بواسطة ابن بكير والثاني مرسل عن ابن مسكان عنه (قوله: وغيرها) يعني غير ما ورد في قصة سمرة كرواية عقبة بن خالد الحاكية لقضاء النبي صلى الله عليه وآله في موارد كثيرة، وفيها وقال صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار، وكذا في روايته الاخرى، لكن الظاهر انها رواية واحدة وان عدت في كتب الحديث وغيرها روايتين فليلحظ، وفيما عندي من مجمع البحرين زيادة قوله: في الاسلام، وكذا أرسله الصدوق في الفقيه على ما في الوسائل في أول المواريث، وعن التذكرة ونهاية ابن الأثير، وكمكاتبة محمد بن الحسين إلى ابي محمد (ع): رجل كانت له رحمي على نهر قرية والقرية لرجل فاراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحي أله ذلك ام لا ؟ فوقع (ع): يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر اخاه المؤمن. فتأمل، وكرواية هرون بن حمزة الغنوى عن ابي عبد الله (ع) في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دارهم فجاء واشرك فيه رجلا بدرهمين بالراس والجلد فقضي: أن البعير برئ فبلغ ثمنه ثمانية دنانير قال لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فان قال: اريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد اعطي حقه إذا اعطي الخمس، ولعل منها ما ورد في العيون الضارة بعضها ببعض. فتأمل (قوله: والانصاف ان) لا يخلو من تأمل وكيف والعمدة روايات زرارة والحذاء وعقبة والغنوي اما المراسيل فلم يثبت انها غير المسانيد وبقية النصوص أجنبية عن القاعدة فتأمل (قوله: وهذا مع) يعني كثرتها بحد

٣٧٥

فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال تقابل العدم الملكة، كما ان الاظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيئ به تأكيدا كما يشهد به إطلاق المضار على سمرة وحكي عن النهاية لا فعل الاثنين وان كان هو الاصل في باب المفاعلة ولا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة

______________________________

تقرب دعوى التواتر فيها (قوله: تقابل العدم والملكة) يعني أن النفع عبارة عن وجود شئ لشئ وعدمه عما ينبغي ان يكون له ضرر فالبصر للانسان مثلا نفع والعمي ضرر ووجود المال لزيد مثلا نفع وعدمه عنه ضرر فالضرر عدم النفع عما من شأنه ان يكون ذا نفع. هذا ولا يخفى أن ذلك خلاف المتفاهم عرفا فان المتفاهم منهما ان الضرر عبارة عن النقص عن المرتبة التي ينبغي ان يكون عليها الموضوع والنفع عبارة عن الزيادة على تلك المرتبة وعليه فيكون لهما ضد ثالث وهو التمام حيث يكون الشئ بلا نقص ولا زيادة، فوجود البصر للانسان ليس نفعا بل كمال له وعدمه عنه نقص، وكونه بحيث يبصر من خلفه مثلا نفع فتقابل العدم والملكة انما هو بين الضرر والتمام لا بين النفع والضرر (قوله: ان يكون الضرار بمعنى الضرر) قد عرفت أن الضرر بمعني النقص فيكون من قبيل حاصل المصدر نظير الوجع والألم ونحوهما وليس معنى الضرار ذلك قطعا، بل معناه - كما يشهد به تتبع موارد استعماله مثل قوله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرار، وقوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وقوله: (لا تضار والدة بولدها) وقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا) وقوله صلى الله عليه وآله لسمرة: انك رجل مضار، وقول الصادق (ع) في خبر الغنوي: هذا الضرار - هو السعي في ايصال الضرر كما هو الظاهر من مثل قاتله وضاربه وخادعه، وان كان الظاهر من القاموس كون ضره وضربه واضره وضاره بمعنى، وكيف كان فهو غير الضرر فمعنى (لا ضرر) نفي نفس الضرر، ومعنى (لا ضرار) نفي الاضرار وليس احدهما عين الآخر حتى يكون تأكيدا له (قوله: وان كان هو الاصل في باب المفاعلة) كما هو المشهور بين أهل العربية لكن رب مشهور لا أصل له

٣٧٦

* وبالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر كما أن الظاهر أن يكون (لا) لنفي الحقيقة كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء كناية عن نفي الآثار كما هو الظاهر من مثل:

______________________________

وكيف يصح دعوى أن قاتل زيد عمرا بمعنى تقاتل زيد وعمر ومع ان زيدا في المثال الاول فاعل وعمرا مفعول، وكل منهما فاعل في المثال الثاني، وكأن الوجه في توهم ذلك صدق نسبة المفاعلة إلى المفعول في بعض الموارد غالبا كباب المقاتلة والمضاربة والمطاردة والمراهنة والمعاطاة ونحوها بحيث إذا صح قاتل زيد عمرا صح غالبا قاتل عمرو زيدا وكذا في بقية الامثلة فاوجب ذلك توهم دخوله في معنى المفاعلة مع ان هذا المقدار لا يقتضي ذلك ولا سيما وكون أكثر موارد استعمال الصيغة المذكورة مما لا يصح فيه النسبة من الطرفين، بل قد لا تصدق في الموارد المذكورة إذا أمكن قيام الفعل بواحد والامر سهل (قوله: الظاهر ان تكون لا لنفي الحقيقة) لا ريب في أن الاصل في كلمة (لا) أن تكون لنفي حقيقة مدخولها، وحيث تعذر حملها على ذلك في المقام فلابد من التصرف فيها بحملها على ما هو اقرب إليه من المعاني المجازية، فيدور الامر بدوا بين معان (الاول) نفي الحقيقة ادعاء بلحاظ نفي الخواص والآثار، كما هي كذلك في مثل قوله (ع): لا صلاة الا بطهور (الثاني) نفي نوع من الحقيقة حقيقة وهو خصوص الضرر الآتي من قبل الحكم الشرعي فانه مما يمكن نفيه حقيقة بنفي سببه وهو الحكم (الثالث) نفي نوع منها حقيقة وهو الضرر غير المتدارك فيستكشف منه أن كل ضرر متدارك بجعل الشارع للضمان أو للخيار أو غيرهما (الرابع) جعل مدخولها هو الحكم على نحو المجاز في الحذف أو في الكلمة باستعمال لفظ الضرر في الحكم المؤدي إليه بعلاقة السببية (الخامس) جعلها ناهية بأن يكون المقصود من نفي الضرر في الخارج الزجر عنه واحداث الداعي إلى عدمه كما هو ظاهر في قوله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ولا فرق في احتمال هذه المعاني بين كون الكلام خبرا

٣٧٧

وانشاء، غاية الامر أنه على الاول يختص بالآثار الشرعية لأن غيرها مما لا يصح أن يكون تحت الرفع والوضع التشريعيين، وعلى الثالث يكون المقصود من رفع الضرر غير المتدارك جعل التدارك لكل ضرر، وعلى الخامس يكون المقصود من انشاء عدم الضرر الزجر عنه، كما هو الحال في مثل: لا تقم، حيث عرفت الاشارة إلى انها مستعملة في انشاء عدم القيام بداعي الزجر عنه (ثم) ان الذي استظهره المصنف (ره) هو المعنى الاول قياسا على نظائره، ويشكل (أولا): بانه يتوقف على ان يكون للضرر آثار وخواص ولو غير شرعية لو حمل الكلام على الخبر ويكون النفي بلحاظها، وان تكون كلمه (لا) بمعني ليس الناقصة كما في (لا صلاة الا بطهور) بمعنى ليس الصلاة مع الحدث صلاة، وكلا الامرين غير ظاهر (اما) الاول فلأن الضرر وان كان ذا آثار وخواص فليس النفي بلحاظها قطعا إذ من الواضح ان ليس المقصود بالكلام نفي آثار الضرر بل نفي آثار موضوعه أعني الوضوء الضرري مثلا كما سيأتي (وأما) الثاني فلأن المعنى المطابقى للقضية نفي وجود الضرر الذي هو مفاد ليس التامة لا نفي كون النوع الفلاني من الضرر ضررا ليكون من قبيل المثالين المذكورين في المتن (لا يقال) ما ذكرت انما يتم لو كان الضرر ملحوظا لحاظا استقلاليا اما لو كان ملحوظا لحاظا آليا لنفس الموضوع الضرري كالوضوء فلا ريب أن الوضوء الضرري نوع خاص من حقيقة الوضوء التي لها آثار خاصة شرعية كالوجوب أو خارجية كالطهارة فيصح حينئذ نفي تلك الحقيقة عن الوضوء الضرري بلحاظ الآثار المذكورة ويكون مفاد (لا) مفاد ليس الناقصة فيتم المعنى المذكور ويكون الضرر نظير نفى الخطأ والنسيان في حديث الرفع (لانا نقول): (اولا) ذلك خلاف ظاهر الجملة والالتزام به في رفع الخطأ لانحصار المراد فيه لا يقتضي الالتزام به في المقام مع امكان ارادة غيره (وثانيا) انه خلاف ظاهر رواية سمرة كما يظهر بادنى تأمل فيها فتأمل جيدا (واما الثاني) فهو الذي استظهره شيخنا الاعظم (ره) في رسائله، والوجه فيه: أن الكلام لو حمل على الانشاء اختص طبعا بالضرر الآتي من قبل الشارع

٣٧٨

(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) و: يا أشباه الرجال ولا رجال، فان قضية

______________________________

لان غيره مما لا يقبل الرفع، ومن المعلوم أن الضرر المذكور مما يصح رفعه حقيقة برفع سببه وهو الحكم المؤدي إليه نظير رفع المؤاخذة وان عمل على الخبر اختص أيضا بذلك إما بقرينة قوله صلى الله عليه وآله: (في الاسلام) كما عرفته في رواية الصدوق وعن التذكرة ونهاية ابن الاثير وفى مجمع البحرين الذي هو عين ما في النهاية ظاهرا إذ لا معنى لنفي الضرر في الاسلام إلا نفيه في القوانين الدينية فلا تعرض له للضرر الموضوعي، وإما بقرينة موردها من رواية سمرة، وإما بقرينة كونه صادرا من الشارع، وإما بقرينة خارجية إذ لا ريب في ثبوت الضرر الخارجي المتسبب عن اسبابه التكوينية فيختص النفي بغيره (وأما المعني الثالث) فهو الذي قد يظهر من المحكي عن الفاضل التوني، وفيه أن التدارك الذي أخذ عدمه قيدا في الضرر المنفي إن كان المراد به ما يكون برفع الحكم المؤدي إلى الضرر فهو راجع إلى المعنى الثاني، وان كان المراد به شيئا آخر لا ينافي ثبوت الضرر فهو خلاف إطلاق نفي الضرر، وكيف كان فلا يخلو عن تكلف (وأما المعنى الرابع) فهو راجع إلى الثاني غاية الامر انه يخالفه في كيفية الاستعمال والامر فيه سهل (وأما الخامس) فهو المحكي عن البدخشي واحتمله شيخنا الاعظم (ره) في رسائله بل ارتضاه بعض الاعيان من مشايخنا (قدس سره) على ما حكي عنه (فان قلت) لا ريب في أن (لا) الناهية مختصة بالفعل المضارع فكيف يصح الحكم بان (لا) في المقام ناهية مع انها داخلة على الاسم (قلت): ليس المقصود انها ناهية باصطلاح النحاة بل المقصود انها مفيدة للنهي والزجر حيث أن الجملة المشتملة عليها مستعملة في نفي الضرر اخبارا أو انشاء بداعي الزجر عنه (وفيه) ان حمل الكلام على ذلك انما يصح بعد تعذر حمله على نفي الحقيقة حقيقة الذي عرفته فحمله عليه مع امكانه حمل للكلام على خلاف ظاهره ولا سيما بقرينة قوله صلى الله عليه وآله: (في الاسلام) الذي عرفت تذييله في المرسلات فتأمل جيدا والله سبحانه اعلم (قوله لا صلاة لجار المسجد) كان المناسب التمثيل بمثل: لا صلاة الا بطهور، إذ المقصود بالمثالين

٣٧٩

البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء لا نفي الحكم أو الصفة كما لا يخفي، ونفي الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي احدهما ابتداء مجازا في التقدير أو في الكلمة مما لا يخفى على من له معرفة بالبلاغة. وقد انقدح بذلك بعد إرادة نفي الحكم الضروري أو الضرر غير المتدارك أو إرادة النهي من النفي جدا ضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه أو خصوص غير المتدارك منه، ومثله لو أريد ذاك بنحو التقييد فانه وإن لم يكن ببعيد إلا أنه بلا دلالة عليه غير سديد وارادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب وعدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد منها بعد امكان حمله على نفيها ادعاء بل كان هو الغالب في موارد استعماله

______________________________

المذكورين نفي الكمال لا نفي الآثار فتأمل (قوله: هو ارادة نفي الحقيقة) لكن عرفت أن ذلك حيث يدور الامر بينها لاما إذا كان غيرها أظهر (قوله: بعد ارادة) هو فاعل (انقدح)، يشير بهذا إلى مختار الشيخ الاعظم قدس سره وغيره من بقية الاقوال (قوله: ضرورة بشاعة) تعليل للبعد، يعني ان الضرر (تارة) ينشأ من الحكم (واخرى) ينشأ من اسبابه التكوينية وارادة خصوص الاول ليس عليها قرينة، لكن قد عرفت القرينة عليه وهي عدم ارتفاع الثاني خارجا وعدم كونه مما يصلح للرفع الشرعي (قوله: ومثله لو أريد ذاك) الفرق بينه وبين ما قبله انه على الاول يكون المرفوع نفس الذوات الخاصة بلا ملاحظة تقييدها بالوصف، وعلى الثاني تكون قد لوحظ تقييدها بالوصف (قوله: لم يعهد من مثل) قد عرفت ارادة النهي من النفي في قوله تعالى: (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (قوله: وعدم امكان ارادة) قد عرفت امكان ارادة نفي الحقيقة حقيقة لو أريد خصوص الضرر الناسئ من الحكم الشرعي فليحمل عليه فانه أولى من حمله على النفي الادعائي مع احتياجه إلى تمحل (قوله: كان هو الغالب) مسلم لكن في غير امثال هذا التركيب كامثلة المتن ونحوها، ولم يعهد في امثاله الا في

٣٨٠