حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 193149
تحميل: 3500


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193149 / تحميل: 3500
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

يوجب الاشكال فيه والعجز عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب فانه لازم على كل حال كان مفاد قاعدته أو قاعدة اليقين - مع بداهة عدم خروجه منهما فتأمل جيدا (ومنها) صحيحة ثالثة لزرارة: (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فاضاف إليها أخرى ولا شئ عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) والاستدلال بها

______________________________

منهما في الفرض مع المخالفة في الحكم وعدم سؤال الراوي عن وجه الفرق مع اطراد التعليل المذكور فيه فيهما معا هذا مضافا إلى لزوم الاشكال المتقدم من كونه نقضا لليقين باليقين لا بالشك. فتأمل والله سبحانه اعلم (قوله: يوجب الاشكال) (الاشكال) فاعل (يوجب)، وضمير (فيه) راجع إلى التوجيه و (العجز) معطوف على الاشكال (واشكالا) مفعول (يوجب) (قوله: فانه لازم) يعني الاشكال لازم على كل حال سواء حملت على الاستصحاب أم حملت على قاعدة اليقين فلو كان حملها على قاعدة اليقين يندفع به الاشكال يتعين لذلك، لكنه حيث لا يجدي في رفع الاشكال فيتعين حملها على الاستصحاب الذى هو الظاهر (قوله: ومنها صحيحة ثالثة لزرارة) هذه الصحيحة رواها الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه وعن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة، وقد ظهر حال الطريق الاول، واما الثاني فمحمد بن اسماعيل المذكور فيه فيه كلام معروف مشهور من حيث تعيينه وأنه ابن بزيع أو البرمكي أو النيسابوري أو غيرهم إلا أن المحقق في محله انه النيسابوري تلميذ الفضل، وراوية كتبه ومن حيث توثيقه فعن العلامة وكثير ممن تأخر عنه عده خبرا صحيحا، وعن بعض عده حسنا، وكيف كان فحديثه معتبر، واما الفضل فحاله في الجلالة اظهر من أن يذكر واشهر من ان يسطر (قوله: وإذا لم يدر في ثلاث) صدر الحديث عن احدهما (ع) قال: قلت له: من لم يدر في اربع

٤٢١

على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة سابقا والشك في اتيانها. وقد اشكل بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة ضرورة أن قضيته إضافة ركعة أخرى موصولة والمذهب قد استقر على اضافة ركعة بعد التسليم مفصولة

______________________________

هو اوفي ثنتين وقد احرز الثنتين قال (ع): يركع ركعتين واربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه، وإذا لم يدر... الحديث (قوله: على ارادة اليقين) قد يشكل جريان اصالة عدم الاتيان بالركعة سواء كان المقصود بها اثبات وجوب ركعة متصلة ام منفصلة (اما الاول) فلأن محل التشهد والتسليم الجلوس في الرابعة ومن المعلوم ان اصالة عدم الاتيان بالركعة لا تصلح لاثبات كون الركعة الماتي بها رابعة ليحرز بها محلهما الا بناء على القول بالاصل المثبت (فان قلت): لازم ذلك عدم احراز المحل لو شك في زيادة جزء بعد الرابعة فتبطل الصلاة بمجرد الشك (قلت): زيادة الاجزاء لا تنافي المحل لان المراد من الرابعة ما يقابل الثالثة والخامسة (واما الثاني) فلأن ترتبه عليها لو فرض كون الركعة المفصولة مصداقا للواجب ليس ترتبا شرعيا بل عقليا، ومثله سقوط الوجوب بفعل المأمور به كما عرفت الاشارة إليه سابقا، ونبه عليه شيخنا الاعظم (ره) في هذا المقام لكن عرفت فيما سبق أن مرجع جميع الاصول المفرغة مثل قاعدتي التجاوز والفراغ واصالة بقاء الطهارة من الحدث التي هي مورد الصحيحة الاولى ومن الخبث التي هي مورد الصحيحة الثانية إلى توسعة في موضوع الأثر فيترتب عليها سقوط التكليف فليكن مرجع اصالة عدم الاتيان وقاعدة الشك في المحل ونحوهما إلى تضييق موضوع الأثر فيترتب عليها بقاء التكليف (قوله: على مذهب الخاصة) من البناء على الأكثر بالتسليم عن المتيقن فان مرجعه إلى البناء على فعل الركعة المشكوكة وعدم الاعتناء باحتمال عدم فعلها عملا وهو ينافي البناء على عدم فعلها الذي هو مقتضى الاستصحاب (قوله: ان قضيته) الضمير راجع إلى حمل اليقين على اليقين بعدم الركعة والشك على الشك في اتيانها. يعني أن مقتضى ذلك لزوم فعل ركعة قبل التسليم موصولة بالمتيقن لكن عرفت

٤٢٢

وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ بما علمه الامام - عليه السلام - من الاحتياط بالبناء على الأكثر والاتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة، ويمكن الذب عنه بان الاحتياط كذلك لا يأبي عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة بل كان أصل الاتيان بها باقتضائه، غاية الأمر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض وقد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة وغيره وأن المشكوكة لابد أن يؤتي بها مفصولة (فافهم) وربما أشكل أيضا بانه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد لا العامة لغير مورد، ضرورة ظهور الفقرات في كونها

______________________________

الاشكال في اقتضائه ذلك في نفسه. نعم قد يقتضيه بملاحظة نفس الرواية بحيث يكون ظهورها في تطبيق الاستصحاب في المقام دليلا على الغاء اعتبار المحل أو على صلاحيته لاثبات كون الركعة رابعة (قوله: وعلى هذا يكون المراد) يعني فإذا كان حمل الرواية على الاستصحاب يوجب مخالفه المذهب لابد حينئذ من حملها على معنى لا يخالف المذهب بان يكون المراد من اليقين اليقين بالفراغ الحاصل من عمل الاحتياط الذي علمه الامام (ع) بفعل الركعة بعد التسليم ويكون المراد من الشك الشك في الفراغ بفعل المشكوك قبل التسليم، وهذا اجنبي عن الاستصحاب اللهم إلا ان يقال: بانه إذا سلم كون ظاهر الرواية الاستصحاب فمخالفة المذهب انما تمتنع من تطبيق الاستصحاب في المقام لا من ظهورها في ثبوته فليحمل تطبيقه على المورد على التقية ويؤخذ بظهورها في ثبوته فيصح الاستدلال بها عليه للعلم بمخالفة ظهورها في التطبيق للواقع والشك في مخالفة القاعدة له، إلا أن يدعى أن حملها على المعنى المذكور في التوجيه اقرب عرفا من التفكيك بين ظهورها في اصل القاعدة وظهورها في التطبيق على المورد ولا سيما بملاحظة صدرها المخالف للتقية بناء على ظهوره في الركعتين المنفصلتين إذ يبعد حينئذ التطبيق على التقية (قوله: ينافي اطلاق النقض) أقول: إذا كانت الركعة الواجبة التي يجري الاصل لاثبات عدمها هي الموصولة فاصالة عدمها انما تقتضي وجوب فعلها موصولة فوجوب

٤٢٣

مبنية للفاعل ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك وإلغاء خصوصية المورد ليس بذلك الوضوح وإن كان يؤيده تطبيق قضية (لا تنقض اليقين) وما يقاربها على غير مورد، (بل دعوى) أن الظاهر من نفس القضية هو ان مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك لا لما في المورد من الخصوصية وأن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك (غير بعيدة) (ومنها) قوله: من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين أو بان اليقين لا يدفع بالشك، وهو وان كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين وإنما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمكان اتحاد زمانهما إلا أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة

______________________________

الركعة المفصولة ليس هو الوجوب الثابت للركعة المشكوكة حتى يترتب على اطلاق حرمة النقض اللهم الا ان يقال: ان وجوب الركعة المفصولة انما هو بحسب الادلة الاولية اما بعد ورود ما دل على وجوب البناء على الاكثر وفعل المشكوك بعد التسليم فلابد من التقييد وانه في حال الشك تجب المفصولة لا الموصولة، وحينئذ فمقتضي أصالة عدم الاتيان هو فعل الركعة مفصولة وليس فيه حنيئذ تقييد لإطلاق حرمة النقض اصلا بل التقييد كما عرفت لوجوب المشكوك موصولا كما يظهر بادنى تأمل، ولعل هذا هو مراد المصنف (ره) أو اشار إليه بقوله: فافهم. هذا والانصاف ان الرواية لا تخلو من اجمال في المراد بملاحظة الفقرات الست أو السبع وظهورها في اتحاد المراد من اليقين فلاحظ (قوله: مبنية للفاعل) بقرينة العطف على: قام فاضاف... الخ (قوله: غير بعيدة) هو خبر (دعوى) (قوله: لظهوره في اختلاف) بقرينة الفاء الدالة على الترتيب (قوله: ضرورة امكان) بل لابد من اتحاد زمانهما واختلاف زمان متعلقهما في الاستصحاب على العكس من قاعدة اليقين، فالاول كأن يتيقن يوم الجمعة بوجود زيد يوم الخميس ويشك يوم الجمعة بوجوده يوم الجمعة، والثانية كأن يتيقن يوم الجمعة بوجود زيد

٤٢٤

ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد (فافهم) هذا مع وضوح أن قوله: فان الشك لا ينقض... الخ هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من اخبا الباب (ومنها) خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية، حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ويتفرع عدم وجوب الصوم إلا بدخول شهر رمضان، وربما يقال: إن مراجعة الاخبار الواردة في يوم الشك، يشرف على القطع بان المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان وانه لابد في وجوب الصوم ووجوب الافطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه وأين هذا من الاستصحاب فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب تجده شاهدا عليه (ومنها) قوله عليه السلام: كل شئ طاهر حتي تعلم أنه قذر، وقوله: الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس،

______________________________

يوم الخميس ويشك في يوم السبت بوجوده يوم الخميس، ومنشأ الشك حينئذ ارتفاع اسباب اليقين من اصلها (قوله: ولعله بملاحظة اختلاف) بل الظاهر أن الوجه إلغاء جهة الزمان فيه بحيث لا ينظر الا إلى نفس المتيقن مع غلبة حدوث اليقين قبل حدوث الشك، ولعل من راجع موارد استعمال نفسه حيث يقول: كنت متيقنا بالطهارة ثم شككت فيها، يجد صدق ما قلناه. وأما ما ذكره بعض من كون الوجه في هذه الاستعمالات غلبة اختلاف زمان الوصفين في الاستصحاب ففيه ما عرفت من امتناع ذلك ولعل مراده غلبة اختلاف زمانهما حدوثا لا وجودا فانه غير بعيد (قوله: ومنها خبر الصفار عن) رواه الشيخ بسنده إلى الصفار وطريقه إليه صحيح والصفار محمد بن الحسن الصفار وهو من الجلالة والوثاقة بمكان، والقاساني فيه كلام (قوله: هو اليقين بدخول شهر رمضان) ففي رواية الخزاز: ان

٤٢٥

وقوله: كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام،

______________________________

شهر رمضان فريضة من فرائض الله تعالى فلا تؤده بالتظني، وفى رواية اسحاق بن عمار: صم للرؤية وأفطر للرؤية واياك والشك والظن فان خفي عليكم فاتموا الشهر الاول ثلاثين، وفى رواية ابن مسلم: إذا رأيتم الهلال فصموا وإذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية... الحديث (فتأمل) وقد يؤيد بقوله عليه السلام: لا يدخل فيه. دون مثل: لا ينقض، هذا مضافا إلى ان جريان الاستصحاب في المقام موقوف على كون وجوب الصوم من آثار بقاء شهر رمضان وكون عدمه من آثار عدم دخوله فانه حينئذ يترتب وجوبه على استصحاب بقاء الشهر وعدم وجوبه على اصالة عدم دخوله، أما لو كان وجوب الصوم من آثار كون الزمان المعين من رمضان بنحو مفاد كان الناقصة فاستصحاب بقائه أو عدم دخوله لا يترتب عليه تعيين حال زمان الشك من حيث كونه من رمضان أو من غيره إذ لا يترتب مفاد كان الناقصة على استصحاب مفاد كان التامة إلا على القول بالاصل المثبت، هذا والمستفاد من مثل قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ونحوه هو الثاني قوله: (ومنها قوله: كل شئ) الرواية الاولي رواها (١) الشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (ع) - في حديث -: كل شئ نظيف حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك، والظاهر أن ما في المتن من غلط النساخ، والثانية رواها (٢) الكليني والشيخ عن حماد بن عثمان وحماد بن عيسي عن ابي عبد الله (ع)

______________

(١) رواها الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار. وطريق الشيخ إلى محمد صحيح وهو من الاجلاء والباقون كلهم ثقات لكنهم فطحيون على المشهور عدا عمرو بن سعيد فعن نصر بن الصباح انه فطحي. لكن العلامة (ره) قال لا أعتمد عليه. منه مد ظله.

(٢) رواها الشيخ عن سعد عن محمد بن الحسين عن ابي داود المنشد عن جعفر بن محمد عن يونس عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (ع) وعن محمد بن احمد بن يحيى عن الحسن -

٤٢٦

وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار على الاستصحاب أن يقال: إن الغاية فيها إنما هو لبيان استمرار

______________________________

الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر، والظاهر أن ما في المتن كما قبله، والسند معتبر، والثالثة رواها الكليني عن علي بن ابراهيم عن هرون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه... الحديث والسند معتبر وان كان مسعدة لا يخلو من خدش (قوله: وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار) اعلم ان شيخنا الاعظم (قده) في رسالة الاستصحاب منع من صلاحية هذه النصوص للدلالة على الاستصحاب وقاعدة الطهارة معا. بل هي، اما دالة على الاستصحاب أو القاعدة والمصنف (ره) في حاشيته على ذلك الموضع من الرسالة لم يستبعد دعوى دلالتها عليها معا وعلى ثبوت الطهارة الواقعية للاشياء وفى المتن عدل عن ذلك واستقرب دلالتها على ثبوت الطهارة الواقعية وعلى الاستصحاب دون قاعدة الطهارة الظاهرية. وتقريب ما ذكره في الحاشية: ان قوله (ع): كل ماء طاهر، مثلا دال على ثبوت الطهارة لكل ماء بمقتضي العموم الافرادي المستفاد من (كل) وعلى ثبوتها في كل حال بمقتضي الاطلاق الاحوالي لمفهوم الماء، ومن المعلوم أن من تلك الاحوال حال الشك في الطهارة لأن الشك في طهارة الماء مما يصح انتزاع عنوان عرضي منه للماء يكون من أحواله مثل عنوان مشكوك الطهارة فيدل الكلام المذكور على ثبوت الطهارة لكل ماء في كل حال حتى حال كونه مشكوك الطهارة والنجاسة. ثم إن الطهارة الثابتة لكل ماء في كل حال عدا الحال المذكورة هي الطهارة الواقعية والطهارة الثابتة لكل ماء في الحال المذكورة أعني حال كونه مشكوك الطهارة هي الطهارة الظاهرية. هذا كله مدلول المغيا - أعني نفس كل

______________

- ابن الحسين اللؤلئي عن ابي داود عن جعفر عن يونس عن حماد بن عيسى. ورواه الكليني عن محمد بن يحيى وغيره عن محمد بن أحمد عن الحسن بن الحسين اللؤلئي باسناده قال قال أبو عبد الله (ع) مثله. وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابي داود. فالسند معتبر جدا والظاهر أن الاول موثق بجعفر لأن الظاهر كونا ابن سماعة فتأمل منه مد ظله.

٤٢٧

شئ طاهر - وأما الغاية فتدل على استمرار الطهارة المذكورة إلى زمان العلم بالنجاسة، (وحيث) أن هذا الاستمرار ليس استمرارا واقعيا إذا الطارة الواقعية مستمرة إلى زمان النجاسة واقعا لا إلى زمان العلم بها فجعل الغاية العلم بالنجاسة دليل على كون الاستمرار للطهارة الظاهرية (كان) الاستمرار المذكور عين استصحاب الطهارة، فتدل الرواية بالمغيى والغاية على قاعدة الطهارة الواقعية وقاعدة الطهارة الظاهرية والاستصحاب، وكأن وجه عدو له عن ذلك إلى ما في المتن من دلالتها على الطهارة الواقعية والاستصحاب وعدم دلالتها على الطهارة الظاهرية هو أن مجرد الاطلاق الاحوالي لمفهوم الماء الشامل لحال كونه مشكوك الطهارة والنجاسة لا يقتضي جعل الطهارة الظاهرية إذ جميع الاحكام الواقعية ثابتة في حال الشك فيها ولا تخرج بذلك عن كونها احكاما واقعية (والسر) في ذلك أن الحكم الظاهري هو ما يثبت لعنوان مشكوك الحكم لاما يثبت في حال الشك به فالطهارة الثابتة للماء في جيمع الحالات التي منها حال الشك فيه هي عين الطهارة الواقعية المشكوكة لا طهارة ظاهرية متيقنة. نعم لو أريد اثبات الطهارة لكل عنوان للماء ذاتي أو عرضي ومنها كونه مشكوك الحكم تم ما ذكر إلا أنه خلاف ظاهر قوله (ع): كل ماء، إذ مفهوم الماء كغيره لا يحكي إلا عن ذاتياته فليس عمومه إلا افراديا لا غير، وعليه فلا يدل المغيا إلا على ثبوت الطهارة الواقعية وبضميمة الغاية يدل المجموع على الطهارة الواقعية والاستصحاب معا، وهذا هو ما ذكره في المتن (وفيه) أن الغاية لا تدل الا على تحديد المغيا ورفع الابهام عنه من حيث طول الامد وقصره فالمحدد إن كان واقعيا فهو على واقعيته مستمر إلى وجود الغاية وان كان ظاهريا فهو على ظاهريته مستمر إلى وجود الغاية فالكلام المشتمل على الغاية يدل على وجود حكم واقعي مستمر إلى وجود الغاية أو ظاهري كذلك ويمتنع أن يكون المغيا مفيدا لحكم واقعي والغاية مفيدة لحكم ظاهري فاستفادة الامرين معا موقوف على جعل الغاية غاية لأمر مقدر بحيث يكون معنى: كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر، كل ماء طاهر وكل ماء طاهر طاهر حتى انه قذر، فتكون (حتى) غاية لقوله: طاهر، المقدر لكن هذا المقدر

٤٢٨

حيث لا قرينة عليه لا تمكن دعواه (والتحقيق) في معنى الجملة المذكورة: أن يقال: الغاية إما ان تجعل قيدا للموضوع أو للمحمول أو للنسبة (فعلى الاول) يكون معناه: كل ماء موجود إلى زمان العلم بنجاسته طاهر، ولازمه عدم الحكم بالطهارة على الماء المستعمل قبل العلم بالنجاسة لأن الموضوع عليه يكون هو الماء المستمر الوجود إلى زمان العلم والمستعمل منعدم قبل العم، بل عليه لا يمكن تطبيقها أبدا إذ قبل العلم يشك في انطباق عنوان العام وبعده لا مجال له لمنع العلم (وعلى الثاني) يكون المعني: الماء تثبت له الطهارة المستمرة إلى زمان العلم بالنجاسة، فغاية الثبوت غير مذكورة لكنها تفهم تبعا لاتحاد ظرف الثبوت وظرف الثابت، وهذا المعنى لا مانع عنه (ومثله) المعنى اللازم على الثالث فان المعنى عليه: الماء تثبت له إلى زمان العلم بالقذارة الطهارة، وغاية الثابت غير مذكورة، وان كانت تفهم تبعا لاتحاد الظرفين كما ذكرنا، وحينئذ فيدور الامر بينهما وإن كان الاخير أظهر، وكيف كان، فالطهارة المثبتة ليست هي الطهارة الواقعية بقرينة الغاية كما عرفت، بل الطهارة الظاهرية قد أخذ عدم العلم ظرفا لثبوتها بنفسها أو لموضوعها، وحينئذ فاما ان يقصد المتكلم ثبوتها في الظرف المذكور بملاحظة ثبوتها واقعا بحيث يكون المقصود ابقاءها تعبدا ويرجع معنى الكلام المذكور إلى معنى: كل ماء طاهر تستمر طهارته حتى تعلم... الخ فذلك الاستصحاب بعينه وان لم يكن بملاحظة ذلك فهي قاعدة الطهارة بعينها. ولأجل ذلك تجري وان كان الحال السابقة المعلومة هي القذارة وانما تسقط بدليل الاستصحاب لا لقصور دليلها كما يأتي انشاء الله تعالى، وحيث أنه لا جامع بين الوجود والعدم لا جامع بين مفادي القاعدة والاستصحاب لتحمل عليه الرواية فيدور الامر بينهما، ولأجل أن الاستصحاب محتاج إلى عنايه زائدة لم يكن عليها قرينة في الكلام تعين الحمل على القاعدة. وهذا هو الذي ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) في رسالته فلاحظ. نعم قد يظهر منه ان جعل الغاية قيدا للمحمول موجب لظهور الروايات في الاستصحاب، كما أن جعلها قيدا للنسبة يوجب ظهورها في القاعدة، وما ذكره غير ظاهر الوجه. فلاحظ وتأمل والله سبحانه أعلم

٤٢٩

ما حكم على الموضوع واقعا من الطهارة والحلية ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه لا لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته وذلك لظهور المغيا فيها في بيان الحكم للاشياء بعناوينها لا بما هي مشكوكة الحكم كما لا يخفى فهو وإن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة ولا الاستصحاب إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب حيث أنها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه كما أنه لو صار مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة لدل على استمرار ذاك الحكم واقعا ولم يكن حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب، ولا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين اصلا وانما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده

______________________________

قوله: (ما حكم) يعني ما حكم به والمراد انها قيد للمحمول (قوله: واقعا) قيد الحكم (قوله: ظاهرا) قيد لاستمرار (قوله: لا لتحديد الموضوع) قد عرفت امتناع جعل الغاية قيدا للموضوع فضلا عن ان تختص عليه بالقاعدة (قوله: وذلك لظهور) تعليل لما يقال (قوله: الحكم للاشياء) يعني الحكم الواقعي (قوله: فهو وان لم) الضمير راجع إلى الحكم للاشياء يعني أن الحكم المذكور لا يتعلق بقاعدة الطهارة ولا بالاستصحاب بل هو أجنبي عنهما كما هو ظاهر (قوله: لدل على استمرار) هذا مما لا اشكال فيه إلا انه لا مجال لقياس ما نحن فيه عليه لما عرفت الاشارة إليه في الحاشية السابقة (قوله: ولم يكن) لأن الاستمرار حينئذ يكون واقعيا لا ظاهريا كالاستصحاب (قوله: لا يلزم على ذلك استعمال) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) حيث قال: نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معا يوجب استعمال اللفظ في معنيين لما عرفت من أن المقصود في القاعدة مجرد اثبات الطهارة في المشكوك وفى الاستصحاب خصوص أبقائها في معلوم الطهارة السابقة والجامع بينهما غير موجود فيلزم ما ذكرناه... الخ، ومراده من المعنيين

٤٣٠

غاية لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للاشياء أصلا مع وضوح ظهور مثل كل شئ حلال أو طاهر في انه لبيان حكم الاشياء بعناوينها الاولية وهكذا: الماء كله طاهر، وظهور الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه كما لا يخفى (فتأمل جيدا) ولا يذهب عليك أنه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام لعم الدليل وتم (ثم) لا يخفى أن ذيل موثقة عمار: فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك، يؤيد ما استظهرنا منها من كون الحكم المغيا واقعيا ثابتا للشئ بعنوانه لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه لظهور في انه متفرع على الغاية وحدها وانه بيان لها وحدها منطوقها ومفهومها لا لها

______________________________

مفاد القاعدة ومفاد الاستصحاب (قوله: ليدل على القاعدة) هذا غاية لجعلها من قيود الموضوع وقوله: والاستصحاب، غاية جعلها من قيود الحكم لكن عرفت الاشكال في امكان جعلها قيدا للموضوع فضلا عن اقتضائه القاعدة إلا أن يراد من الموضوع الحكم الذي هو مفاد القاعدة حيث انه موضوع للاستمرار الذي هو مفاد الاستمرار فلاحظ كلام شيخنا الأعظم (ره) لكن يأباه كلام المصنف (ره) فلاحظ وتأمل (قوله: في انه لبيان حكم) هذا مسلم لو لم تلحق به الغاية (قوله: لا لموضوعه) قد عرفت اشكاله (قوله: ولا يذهب عليك انه) يعني أنه على تقدير تمامية دلالة الروايات على الاستصحاب في الطهارة والحلية يمكن بضميمة عدم القول بالفصل استفادة القاعدة الكلية، لكن تقدم منه (ره) مرارا ان عدم القول بالفصل لا يكفي في التعميم ما لم يثبت القول بعدم الفصل (قوله: يؤيد ما استظهرنا) بل يؤيد ما استظهره شيخنا (قدس سره) من أن موضوع ليس عليك شئ مجرد عدم العلم بلا دخل لليقين بثبوته الواقعي (قوله: لظهوره في انه) يعني أن ذيل الرواية يتضمن حكمين أحدهما مثبت والآخر منفي، وظاهره أنه متفرع على الغاية وحدها فيدل على ان الغاية تضمنت حكمين أيضا، أحدهما استمرار الحكم المثبت في الصدر ليتفرع عليه الحكم المنفي، وثانيهما انتهاء الاستمرار ليتفرع عليه الحكم المثبت فيدل ذلك على ان الصدر

٤٣١

مع المغيا كما لا يخفى على المتأمل. ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الاقوال والنقض والابرام فيما ذكر لها من الاستدلال ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع وانه حكم مستقل بالجعل كالتكليف أو منتزع عه وتابع له في الجعل أو فيه تفصيل حتى يظهر حال ما ذكر ههنا بين التكليف والوضع من التفصيل فنقول وبالله الاستعانة: لا خلاف كما لا اشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما واختلافهما في الجملة موردا لبداهة ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي بداهة أن الحكم وان لم يصح تقسيمه اليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع إلا أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر اليهما وصحة اطلاقه عليه بهذا المعني مما لا يكاد

______________________________

لا يرتبط بالغاية في مدلوله، ويتعين حمله على الطهارة الواقعية. هذا ولا يخفى أن ظاهر الذيل كونه متفرعا على تمام القضية المغياة فانه تصريح بالمنطوق والمفهوم والغاية لا منطوق لها أصلا، فما ذكره المصنف (ره) سبك اشكال في اشكال والله سبحانه العالم بحقيقة الحال (قوله: حتى يظهر حال) غاية لقوله لا بأس (قوله: بين التكليف) ظرف مقدم لقوله من التفصيل، وهذا التفصيل نسبه الفاضل التوني إلى نفسه في محكي عبارته حيث قال: إن الاستصحاب المختلف فيه لا يكن إلا في الاحكام الوضعية... إلى آخر كلامه (قوله: في اختلاف التكليف) إذ المراد بالتكليف أحد الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة والمراد بالوضع ما عداها (قوله: واختلافهما في الجملة موردا) فانه يقال: الزوال سبب لوجوب الصلاة، فمورد السببية الزوال ومورد الوجوب الصلاة وقد يتفقان موردا مثل ما يقال: الافطار في رمضان حرام وسبب لوجوب الكفارة (قوله: لبداهة) تعليل لقوله. لا خلاف... الخ (قوله ببعض معانيه) مثل خطاب الله المتعلق بافعال المكلفين (قوله بالبعض الآخر) مثل المحمولات

٤٣٢

* ينكر كما لا يخفى، ويشهد به كثرة اطلاق الحكم عليه في كلماتهم، والالتزام بالتجوز فيه كما ترى، وكذا لا وقع للنزاع في انه محصور في امور مخصوصة كالشرطية والسببية والمانعية - كما هو المحكي عن العلامة - أو مع زيادة العلية والعلامية، أو مع زيادة الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة أو زيادة غيرذلك - كما هو المحكي عن غيره - أو ليس بمحصور بل كل ما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه وموضوعه أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم، ضرورة أنه لا وجه للتخصيص بها بعد كثرة اطلاق الحكم في الكلمات على غيرها، مع انه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك وانما المهم في النزاع هو أن الوضع كالتكليف في انه مجعول تشريعا بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه أو غير مجعول كذلك بل انما هو منتزع عن التكليف ومجعول بتبعه وبجعله (والتحقيق) أن ما عد من الوضع على انحاء (منها) ما لا يكاد

______________________________

الشرعية. فتأمل (قوله: عن العلامة) وعن السيوري وغيرهما (قوله: والعلامة) يعني كون الشئ علامة، حكيت هذه الزيادة عن الشهيد الثاني واحتمل ردهما إلى السبب أو العلامية إلى الشرط (قوله: أو مع زيادة الصحة) و (قوله: والعزيمة) كما عن الآمدي (قوله: أو زيادة غير ذلك) كما عن صلاح الدين زيادة التقديرات والحجاج والمراد من الأول تنزيل الموجود أو المعدوم منزلة الآخر مثل تنزيل المقتول منزلة الحي في ملك الدية والماء المحتاج إليه منزلة عدمه في شرعية التيمم، ومن الثاني مطلق الحجج التي يستند إليها القضاة من بينه واقرار ويمين (قوله: له دخل فيه) أي في التكليف كما في القسم الاول من الأقسام الآتية (قوله: أو في متعلقه) كما في القسم الثاني (قوله: أولم يكن) كما في القسم الثالث (قوله: للنزاع في ذلك) يعني النزاع في الحصر وعدمه (قوله: هو أن الوضع كالتكليف) يعني أنه لااشكال في كون الأحكام التكليفية مجعولة استقلالا تشريعا بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها بقوله: هذا واجب أو حرام أو غيرهما فيكون واجبا أو حراما بمجرد ذلك فهل الاحكام الوضعية كذلك فيصح انتزاع السببية من قوله: هذا

٤٣٣

يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا لا استقلالا ولا تبعا وان كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه كذلك (ومنها) ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف (ومنها) ما يمكن فيه الجعل استقلالا بانشائه وتبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه وان كان الصحيح انتزاعه من انشائه وجعله وكون التكليف من آثاره وأحكامه على ما يأتي الاشارة إليه (أما النحو الاول) فهو كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه حيث أنه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها

______________________________

سبب لكذا، وكذا بقية الأحكام الوضعية، أو هي منتزعة من التكليف، أولا هذا ولا ذاك أو فيه تفصيل ؟ (قوله: ولا تبعا) يعني ولا منتزعا من التكليف (قوله: عرضا) أي مجعول بالعرض بجعل موضوعه تكوينا بالحقيقة (قوله: كذلك) أي تكوينا (قوله: من انشائه) أي انشاء نفسه (قوله: لما هو) حال من السببية وما بعدها (قوله: سبب التكليف) على سبيل اللف والنشر المرتب (قوله: حيث أنه لا يكاد) أقول: قد عرفت الاشارة إلى أن العناوين المذكورة اعتبارية محضة ليس لها حقيقة وراء الاعتبار ولابد أن يكون اعتبارها من منشأ معين لامتناع الجزاف، فهل المنشأ في انتزاع السببية للتكليف واخواتها هو التكليف المترتب على موضوعاتها، أو جعلها استقلالا، أو لا هذا ولا ذاك بل خصوصية ذاتية قائمة بتلك الموضوعات ؟ الذي اختاره شيخنا الأعظم قدس سره هو الأول، ونسب الثاني إلى المشهور وفي النسبة تأمل، واختار المصنف (ره) الأخير مستدلا على بطلان الاول بانه عليا يلزم تأخر السبب عن المسبب لأنه إذا كان وصف السببية منتزعا عن المسبب كان متأخرا عنه فيلزم تأخر ذات السبب بوصف كونه سببا عنه وهو محال لتقدمه عليه، وعلى بطلان الثاني بالخلف لانه إذا كان مجعولا كان اعتباره منوطا بالجعل وجودا وعدما اناطة كل معلول بعلته، واللازم باطل ضرورة صحة اعتبار وصف السببية للدلوك إذا كان بنحو يترتب عليه وجوب

٤٣٤

من التكليف المتأخر عنها ذاتا حدوثا وارتفاعا، كما أن اتصافها بها ليس إلا لأجل

______________________________

الصلاة وان لم تنشأ له السببية، وعدم صحة اعتباره له إذا كان بحيث لا يترتب عليه وجوب الصلاة وان انشئت له السببية (ويمكن) دفع الاول بانه لا استحالة في تأخر وصف السببية عن ذات المسبب وانما المستحيل تأخر ذات السبب عنه. مضافا إلى أن اطلاق السبب على مثل الدلوك مسامحة لأن السبب الحقيقي لوجوب الصلاة بعد ما كان الوجوب فعلا اختياريا للموجب هو ارادة الفاعل غاية الامر أن الدلوك من قبيل الداعي والداعي انما يكون مرجحا لا سببا فاطلاق السبب عليه ادعائي والمصحح للادعاء يمكن أن يكون هو الخصوصية القائمة فيه ويمكن أن يكون هو ترتب الوجوب عليه ترتبه على السبب الحقيقي. إلا أن يقال: إن المصحح للادعاء خصوصية فيه كما في السبب الحقيقي (والتحقيق): ان اعتبار السببية والشرطية والمانعية والرافعية ملازم لاعتبار ما يقابلها من المسببية والمشروطية والممنوعية والمرفوعية، ومنشأ اعتبار الجميع هو ترتب وجود المسبب والمشروط على وجود ذات السبب والشرط وعدمهما على وجود ذات المانع والرافع كاعتبار الفاعلية والمفعولية والموجبية والقابلية، فكما أن اعتبار الفاعلية انما يكون بلحاظ الفعل كذلك اعتبار العناوين المذكورة، والخصوصية المعتبرة في مثل السبب ومسببه انما تكون دخيلة في ترتب المسبب على سببه أما نفس اعتبار السببية والمسببية فهي منتزعة في الرتبة اللاحقة لملاحظة المسبب والسبب. ثم لم يوضح المصنف (ره) وجه الفرق بين السببية للامر والجزئية للمأمور به إذ كما أن الثانية منتزعة في رتبة متأخرة عن الأمر لأجل اضافتها إلى المأمور به - كما سيأتي - كذلك الأولي، وكما أنه لابد في موضوع الاولى من خصوصية، وإلا لأثر كل شئ في كل شئ، لابد أن يكون في موضوع الثانية أيضا خصوصية، وإلا لكان كل شئ جزءا من كل شئ، وإذا التزم بان الثانية منتزعة عن الامر فليلتزم بان الأولي كذلك. فتأمل جيدا (قوله: من التكليف) اشارة إلى مذهب شيخنا الأعظم (ره) (قوله: حدوثا وارتفاعا) الأول اشارة إلى السببية والشرطية والثاني اشارة

٤٣٥

ما عليها من الخوصية المستدعية لذلك تكوينا للزوم أن يكون في العلة باجزائها ربط خاص به كانت مؤثرا في معلولها لا في غيره ولا غيرها فيه والا لزم أن يكون كل شئ مؤثرا في كل شئ، وتلك الخصوصية لا يكاد يوجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين وبمثل قول: دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة وإنشاء لا إخبارا، ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل انشاء السببية له من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقدا لها وان الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها ومعه تكون واجبة لا محالة ان لم ينسأ السببية للدلوك اصلا. ومنه انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من ايجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة. نعم لا بأس باتصافه بها عناية واطلاق السبب عليه مجازا، كما لا بأس بأن يعبر عن انشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بانه سبب لوجوبها فكني به عن الوجوب

______________________________

إلى المانعية والرافعية (قوله: لذلك) أي للتكليف حدوثا وارتفاعا (قوله: بمجرد انشاء) اشارة إلى ما ربما ينسب إلى المشهور من انها مجعولة استقلالا (قوله: وبمثل قول) معطوف على انشاء (قوله: لا اخبارا) إذ لو كان اخبارا لم يقتض تحقق هذه العناوين (قوله: ضرورة) تعليل لقوله: لا يكاد يوجد... الخ (قوله: ما يدعو) يعني الخصوصية القائمة في الدلوك واليه يرجع ضمير قوله: معه (قوله: عدم صحة) يعني حيث لا خصوصية (قوله: بها عناية) قد عرفت أن اطلاق السببية على مثل الدلوك لابد ان يكون بالعناية ولو كانت فيه الخصوصية التي بها يكون داعيا (قوله: كما لا بأس بأن يعبر) اشارة إلى ما ربما يقع في بعض الاخبار من التعبير بان الشئ الفلاني سبب للوجوب أو نحو ذلك فلا يتوهم من هذا التعبير ان

٤٣٦

عنده فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية وسائر ما لاجزاء العلة للتكليف إلا ما هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كل فيه على نحو غير دخل الآخر فتدبر جيدا (واما النحو الثاني) فهو كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية لما هو جزء المكلف به وشرطه ومانعه وقاطعه حيث ان اتصاف شئ بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالامر

______________________________

السببية قابلة للجعل والانشاء لان ذلك حقيقة انشاء للوجوب بطريق كنائي (قوله: فظهر بذلك) فيه تأمل عرفته (قوله: لما هو جزء المكلف به) قيد لقوله: كالجزئية وما بعدها، على سبيل اللف والنشر المرتب (قوله: اتصاف شئ بجزئية) اعلم أنه إذا ورد امر بجملة امور تدريجية متصلة مقيدة بوجود شئ وعدم آخر كان كل واحد من تلك الامور جزءا للمأمور به ومجموعها كلاله وما اخذ وجوده قيدا شرطا له وما اخذ عدمه قيدا مانعا وما كان منافيا للاتصال المعتبر قاطعا، ومحصل مراد المصنف (ره): أن هذه العناوين لا يصح جعلها استقلالا وانما تنتزع بملاحظة الامر المتعلق بتلك الجملة فان تعلق الامر بتلك الجملة صح اعتبار العناوين المذكورة وإن لم يتعلق بها الامر لم يصح اعتبارها. والوجه في ذلك: ان عنوان الجزئية للمأمور به مثلا قد اخذ مضافا إلى عنوان المأمور به فما لم يكن امر ليس هناك شئ مامور به حتى تضاف إليه الجزئية. وهذا في غاية الوضوح إلا أنه ليس له كثير مساس فيما هو محل الكلام، لأن الكلام في المقام بالنظر إلى نفس العناوين المذكورة من حيث هي لا من حيث كونها مضافا إلى المأمور به والا فكل ما يضاف إلى عنوان المأمور به لابد أن يكون متاخرا عنه ولو لم يكن من قبيل العناوين المذكورة مثل مكان المأمور به وزمان المأمور به ونحوهما (فالتحقيق) أن يقال: (اما) مفهوم الجزئية فهو كمفهوم الكلية ينتزع من كل وحدة طارئة على المتكثرات كما سيشير إلى ذلك المصنف (ره) فقبل ملاحظة تلك الوحدة لا كلية ولا جزئية، بل ليس الا امور متكثرة فإذا طرأت الوحدة عليها صار كل واحد من تلك الامور

٤٣٧

بجملة أمور مقيدة بامر وجودي أو عدمي، ولا يكاد يتصف شئ بذلك - أي كونه جزءا أو شرطا للمأمور به - إلا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه مقيدا بامر آخر وما لم يتعلق بها الامر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية وان انشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية وجعل الماهية

______________________________

جزءا ومجموعها كلا والوحدة قد تكون وحدة اللحاظ، وقد تكون وحدة الغرض، وقد تكون وحدة الأمر، وقد تكون وحدة الزمان، وقد تكون وحدة المكان، وقد تكون غير ذلك وباختلافها يختلف ما تضاف إليه الجزئية فيقال: جزء الملحوظ، وجزء موضوع الغرض، وجزء المأمور به، وجزء الموجود في الزمان، وجزء الموجود في المكان... وهكذا، فنفس مفهوم الجزئية غير موقوف اعتباره على ملاحظة الامر، بل موقوف على ملاحظة جهة وحدة ما، وجزئية المأمور به موقوفة على ملاحظة الامر بعينه (واما) الشرطية فاتصاف شرط الواجب بها ان كان بلحاظ كونه دخيلا في ترتيب الأثر على الواجب لكونه من قبيل المقتضي له وشرطه كسائر شروط تأثير المقتضيات في آثارها فهو في الحقيقة شرط للأثر وتكون شرطيته حينئذ كسببية التكليف وشرطيته منتزعة من ترتب اثره عليه على نحو خاص من الترتب، كما أن السببية منتزعة من ترتبه عليه بنحو آخر ولا دخل للامر في اعتبارها اصلا، وان كان بلحاظ تقييد ذات الواجب به فهي منتزعة من ذلك التقييد ولا دخل للامر ايضا في اعتبارها. ومنه يظهر الكلام في المانعية فان المانع إن كان بمعنى ما يكون عدمه دخيلا في ترتب الأثر فهو كالسبب، وان كان بمعنى ما يؤخذ عدمه قيدا في ذات الواجب فهو كالقيد، وعلى كل حال ليست المانعية منتزعة من الامر، (واما) القاطعية فاعتبارها للقاطع بملاحظة ترتب القطع والانفصال عليه، ولا دخل للامر فيها بالمرة، ولعل في هذا المقدار كفاية فتأمل جيدا والله سبحانه اعلم (قوله: بجملة امور) يعني فينتزع من الامر مفهوم الجزئية لكل واحدة من الامور والشرطية للامر الوجودي والمانعية والقاطعية للشئ الذي قيدت الجملة بعدمه (قوله: بما يشتمل) متعلق بالامر (قوله: وجعل الماهية)

٤٣٨

وأجزائها ليس إلا تصور ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للامر بها فتصورها باجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شئ منها بجزئية المأمور به أو شرطيته قبل الامر بها فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له انما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الامر به بلا حاجة إلى جعلها له وبدون الامر به لا اتصاف بها اصلا وان اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور أو لذي المصلحة كما لا يخفى (وأما النحو الثالث) فهو كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك، حيث أنها وإن كان من الممكن انتزاعها من الاحكام التكليفية التي تكون في مواردها - كما قيل - ومن جعلها بانشاء انفسها، الا انه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى أو من بيده الامر من قبله - جل وعلا - لها بانشائها بحيث يترتب عليها آثارها كما تشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة

______________________________

دفع لتوهم أن يقال: إنه لا اشكال في ان الماهيات المخترعة مجعولة للشارع وذلك كاف في اعتبار الجزئية لكل واحد من اجزائها ولو لم يكن امر، وحاصل الدفع: ان معنى جعل الماهيات تصورها ولحاظها وهذا المقدار لا يصحح اعتبار الجزئية للمأمور به وان صحح اعتبار الجزئية لذى المصلحة أو المتصور كما عرفت (قوله: من الممكن) يعني الامكان الاحتمالي بدوا والا فسيأتي امتناع ذلك (قوله: أو من بيده الامر من قبله) المراد به مطلق من له السلطنة على انشائها في نظر الشارع سواء كان مالكا ام وليا ام وكيلا ام مأذونا ام غير ذلك. ثم ان اعتبار السلطنة المذكورة انما هو بلحاظ الآثار الشرعية المترتبة على هذه الامور والا فيكفي في صحة الانشاء مجرد ترتب الأثر في نظر الجاعل. وتوضيح ذلك ما اشرنا إليه في مبحث الامر من أن العناوين المذكورة وكذا كثير من عناوين العقود والايقاعات، مثل البيع والصلح والرهن والهبة والعطية والاجارة والنكاح والطلاق والرجوع وغير ذلك، بل وعناوين الاحكام التكليفية من الوجوب والالزام والحرمة

٤٣٩

التكاليف والآثار ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها الا بملاحظتها وللزم ان لا يقع ما قصد ووقع ما لم يقصد

______________________________

والمنع والكراهة والاباحة... إلى غير ذلك لها حقائق حقيقية (تارة) تنشأ تكوينا حقيقة بفعلها في الخارج مثل: ايجاد العطاء الخارجي في الهبة والعطية، والاجر في الاجارة، والعين المرهونة في الرهن، والصلح الحقيقي في الصلح، وايجاد نفس الفعل في الايجاب، وإلصادق الفعل بفاعله في الالزام... وهكذا (واخرى) تنشأ تكوينا ادعاء كما هو محكي هذه العناوين في باب العقود والايقاعات الانشائية، فمعنى صالحت واعطيت ووهبت واوجبت الفعل ومنعت عنه وألزمت به اوجدت الصلح والعطاء والهبة والوجوب والمنع والالزام بمفاهيمها الحقيقة ادعاء لا حقيقة، وهكذا الحال في بقية العناوين المذكورة وغيرها، والمصحح لهذا الادعاء غالبا تعلق ارادة الجاعل المؤدية في الجملة إلى حصولها في الخارج أو دفع المانع عنه مع مظنة وجود المقتضي، فترى من يريد الاعطاء الخارجي لزيد يقول له: اعطيتك، انشاء، ومن يريد اعطاء الاجر: آجرتك، وهكذا، فانشاء هذه الامور ليس انشاء لامر اعتباري بل انشاء لامر حقيقي ادعاء لا حقيقة، ولأجل ذلك ربما يكون هذا الادعاء بعينه من غير الجاعل لوجود المصحح له فترى صحة دعوى كون الفعل واجبا إذا علم تعلق ارادة المولى به وان لم يكن انشاء منه للوجوب اصلا كصحة قولنا: فلان قاض أو وال إذا علم بتعلق ارادة السلطان بتنفيذ قضائه وتصرفه وان لم يكن منه انشاء للقضاء والولاية، غاية الامر أن الشارع اعتبر في اعتبارها أو في ترتب الآثار عليها في بعض المقامات الانشاء مطلقا أو من منشئ خاص أو بلفظ كذلك أو غير ذلك. وهذا مما لا دخل له في صحة الانشاء ولا في توقف اعتبارها عليه فلاحظ وتأمل والله سبحانه اعلم (قوله: التكاليف والآثار) يعني المترتبة عليه هذه العناوين الاربعة (قوله: وللزم ان لا يقع ما قصد) يعني لو كانت هذه العناوين منتزعة من آثارها لا من نفس انشائها لزم عدم ترتبها على انشائها،

٤٤٠