حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول12%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218965 / تحميل: 5245
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ومن هنا قد انقدح انه لا يكون من - قبل لزوم الالتزام مانع عن اجراء الاصول الحكمية أو الموضوعية في أطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النظر عنه كما لا يدفع بها محذور عدم الالتزام به، إلا ان يقال: إن استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الاقدام والاقتحام في الاطراف ومعه لا محذور فيه بل ولا في الالتزام بحكم آخر، إلا أن الشأن حينئذ في جواز جريان الاصول (١) في أطراف العلم الاجمالي

______________________________

ان يقال: ان التكليف وان لم يقتض الالتزام بضده أصلا إلا أنه لما وجب عند العقل الالتزام بالتكليف ولم يمكن الالتزام به علما وجب الالتزام به احتمالا كما هو القاعدة في كل مورد تعذرت فيه الموافقة القطعية فان العقل يحكم بلزوم الموافقة الاحتمالية حينئذ (قوله: ومن هنا قد انقدح) يعني ان مما ذكرنا من ان وجوب الالتزام لو قيل به لا يقتضي الالتزام بواحد بخصوصه فيما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة، يظهر انه لا مانع من جريان الأصول الحكمية والموضوعية في اطراف العلم لو كانت في نفسها جارية فانه يقال ايضا العلم الاجمالي مانع عن وجوب الالتزام في واحد من الأطراف بخصوصه واذ لا يجب الالتزام بمحتمل الواقع بخصوصه يجري الأصل لو لم يكن له مانع غير وجوب الالتزام (قوله: كما لا يدفع بها محذور) الضمير في (يدفع) راجع إلى اجراء الأصول، يعني لو فرض ان العقل حاكم بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف كان ذلك مانعا عن اجراء الأصول في الأطراف، ولا يتوهم ان اجراء الأصول في الأطراف رافع لحكم العقل بوجوب الالتزام لأنه يلزم منه الدور، لأن جريان الأصول يتوقف على عدم حكم العقل بوجوب

______________

(١) والتحقيق جريانها لعدم اعتبار شئ في ذلك عدا قابلية المورد للحكم اثباتا ونفيا فالاصل الحكمى يثبت له الحكم تارة كاصالة الصحة وينفيه اخرى كاستصحاب الحرمة والوجوب فيما دار بينهما فتأمل جيدا (منه قدس سره)

٤١

مع عدم ترتب أثر عملي عليها مع أنها أحكام عملية كسائر الاحكام الفرعية

______________________________

الالتزام إذ لو كان حكم العقل المذكور ثابتا يقطع حينئذ بمخالفة ظاهر ادلة الأصول للواقع فلا يكون حجة فلو توقف عدم حكم العقل المذكور على جريان الأصول لزم الدور، وهكذا الحال في كل دليل على حكم شرعي يخالف حكم العقل فان حكم العقل مسقط لذلك الدليل ومانع عن حجيته فلا يمكن أن يكون ذلك رافعا له كما هو ظاهر هذا كله لو كان حكم العقل بوجوب الالتزام على تقدير ثبوته تنجيز يا أما لو كان تعليقيا بمعنى أن حكمه بوجوب الالتزام بمحتمل الواقع بخصوصه معلق على عدم جعل الشارع للكحم الظاهري مثلا فلا ريب ان ادلة الاصول لما كانت مثبتة للحكم الظاهري أو نحوه كانت رافعة لحكم العقل المذكور إذ لو لم يرتفع لم يكن تعليقيا وهو خلف وهذا هو المراد بقوله: الا أن يقال ان استقلال... الخ (هذا) ولكن يمكن أن يقال: ان وجوب الالتزام بمحتمل التكليف بخصوصه لو كان تنجيزيا لم يصلح للمنع عن جريان الاصول ايضا لأن الحكم الذي يقتضيه الاصل حكم شرعي نظير الحكم الواقعي في كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الالتزام ولا يختص حكمه المذكور بالاحكام الواقعية فانه بلا مخصص، وحينئذ فإذا كان عموم الاصل جاريا في مورد اجمال الحكم يكون ايضا مما يجب الالتزام به، وإذا كان وجوب الالتزام بالواقع مانعا عن عموم الاصل كان وجوب الالتزام بحكم الاصل مانعا عن عموم دليل الواقع للمورد وحينئذ يقع التمانع من الطرفين ولا مرجح لاحدهما على الآخر (وفيه) أن وجوب الالتزام بحكم الاصل لا يصلح للمنع عن عموم دليل الواقع لان وجوب الالتزام فرع حكم الاصل وحكم الاصل فرع الشك في الواقع فلو كان الوجوب المذكور رافعا للواقع ارتفع الشك به فيرتفع الوجوب وكل ما يلزم من وجوده عدمه محال، لكن هذا التمانع مع الغض عما ذكرنا من امكان الالتزام بالحكمين ولو بنينا عليه جرت ادلة الاصول ووجب الالتزام بمحتمل الواقع على انه حكم واقعي وبمضمون الاصل على انه حكم ظاهري ولا تمانع بينهما بوجه (قوله: مع عدم ترتب أثر عملي) لا ينبغي التأمل

٤٢

* - مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه للزوم التناقض في مدلولها على تقدير شمولها كما ادعاه شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - وإن كان محل تأمل ونظر فتدبر جيدا (الأمر السادس)

______________________________

في اعتبار ترتب الاثر العملي في جريان الاصول لانها وظائف عملية لكن لا يعتبر في الاثر العملي أن يكون بلا واسطة فقد يكون بلا واسطة كما قد يكون بالواسطة فإذا ترتب اثر عملي على ما ليس بواجب أمكن جريان أصالة عدم الوجوب في مورد الدوران بين الوجوب والحرمة، وكذا يجرى اصالة عدم الحرمة لو كان الاثر العملي مترتبا على ما ليس بحرام، وكذا يجري اصالة الحل لو فرض عموم دليلها للمورد المذكور ولو رفع احتمال وجوب الترك يقينا أو وجوب الفعل يقينا لكنه مبني على أن حكم العقل في المورد المذكور بالتخيير تعليقيا على عدم الوظيفة الشرعية والا كان الحكم العقلي المذكور كافيا في رفع احتمال تعين احد الامرين ويكون اجراء اصالة الحل بلحاظ الاثر المذكور لغوا. نعم لو فرض ثبوت الاثر لما هو الحلال مثل لبس جلده في الصلاة كان الاثر المذكور كافيا في اجراء اصالة الحل لانه اثر عملي ولو بالواسطة، ولعل هذا هو المراد للمصنف - رحمه الله - من حاشية له في المقام وان كان خلاف الظاهر فتأمل (قوله: مضافا إلى عدم شمول) هذا مانع آخر عن جريان الاصول في اطراف العلم ذكره شيخنا الأعظم (ره) في آخر الاستصحاب من رسائله وحاصله: أن أدلة الاستصحاب لا تشمل اطراف العلم الاجمالي لانه يلزم من شمولها التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله فان قوله (ع): لا تنقض اليقين بالشك، وان كان يشمل الشك المسبوق باليقين في كل واحد من الاطراف، ولازمه جريان الاستصحاب في كل واحد من الاطراف، الا أنه قوله (ع) في ذيل تلك الرواية: ولكن تنقضه بيقين آخر، شامل للمتيقن بالاجمال ولازمه وجوب العمل على اليقين الاجمالي، ومن المعلوم أن العمل على اليقين الاجمالي يضاد العمل على الشك في كل

٤٣

* لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغي حصوله منه أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه

______________________________

واحد من الاطراف، فلا يمكن الاخذ بالصدر والذيل معا، وحيث لا مرجح يحكم بسقوطهما معا فلا يجري الاصل في اطراف العلم، وهذا الاشكال وان كان يطرد في جميع صور العلم الاجمالي لكن ذكره الشيخ (ره) في خصوص ما لو كان العلم الاجمالي منجزا عقلا لمتعلقه، وحكى بعض تلامذته من المحققين أن الوجه في هذا التخصيص ما صرح به في مجلس درسه الشريف من ظهور اليقين في الذيل في خصوص اليقين المنجز دون غيره وعليه فلا مجال للاشكال في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة كما هو محل الكلام فتأمل، وسيجئ التعرض من المصنف - رحمه الله - لهذا الاشكال في محل آخر ونتعرض هناك انشاء الله تعالى لما ينبغي له وعليه فانتظر (قوله: لا تفاوت في نظر العقل) لا رب في ان اطلاق موضوع كل حكم وتقييده من حيث الافراد أو الاحوال أو الازمان أو غيرها تابع لنظر جاعل الحكم، فاطلاق موضوع الحكم العقلي وتقييده تابع لنظر العقل، كما أن اطلاق موضوع حكم الشارع الأقدس تابع لنظر الشارع، واطلاق موضوع الحكم العرفي تابع لنظر العرف... إلى غير ذلك، وحيث أن القطع الطريقي موضوع لحكم العقل بالمنجزية ووجوب الموافقة فاطلاقه وتقييده تابعان لنظر العقل، وحيث انه لا فرق في نظر العقل في ترتب الآثار المذكورة بين أفراد القطع ولا بين أحواله كان الواجب الحكم بحجية القطع مطلقا من غير فرق بين قطع القطاع وغيره ولا بين القطع الحاصل من المقدمات العقلية وغيره، إلى غير ذلك من شؤون الاطلاق، وحيث أن القطع الموضوعي موضوع للحكم الشرعي جاز اطلاقه وتقييده كل ذلك بنظر الشارع، ولابد في معرفة ذلك من الرجوع إلى دليل ذلك الحكم فان اقتضى ثبوته لمطلق القطع حكم بموضوعيته مطلقا وان اقتضى ثبوته لبعض أفراده اقتصر عليه كما هو الحال في سائر الموضوعات الشرعية مثل

٤٤

- كما هو الحال غالبا في القطاع - ضرورة أن العقل يرى تنجز التكليف بالقطع الحاصل مما لا ينبغي حصوله وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته وعدم صحة الاعتذار عنها بانه حصل كذلك وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه وعدم حسن الاحتجاج عليه بذلك ولو مع التفاته إلى كيفية حصوله. نعم ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كل مورد فربما يدل على اختصاصه بقسم في مورد وعدم اختصاصه به في آخر على اختلاف الأدلة واختلاف المقامات بحسب مناسبات الاحكام والموضوعات وغيرها من الامارات، (وبالجملة): القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ولا من حيث المورد ولا من حيث السبب لا عقلا وهو واضح ولا شرعا لما عرفت من انه لا تناله يد الجعل نفيا ولا اثباتا وان نسب إلى بعض الاخباريين انه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية الا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة بل يشهد بكذبها وأنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شئ وحكم الشرع بوجوبه كما ينادي به باعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب

______________________________

الخمر والتمر والصدق والكذب فلاحظ (قوله: كما هو الحال) مثال لما يحصل من سبب غير متعارف (قوله: ضرورة أن العقل) تعليل لعدم التفاوت الذي ذكره (قوله: وصحة مؤاخذة) معطوف على: تنجز التكليف (قوله: عنها) الضمير راجع إلى المخالفة (قوله: كذلك) يعني حصل من سبب غير متعارف والمعنى انه لا يصح ان يعتذر العبد عن مخالفة القطع بان قطعه حصل من سبب غير متعارف (قوله: وعدم صحة) هذا بيان لترتب الأثر الآخر للقطع الطريقي وهو كونه عذرا في مخالفة الواقع (قوله: بخلافه) يعني خلاف التكليف (قوله: وعدم حسن) معطوف على صحة المؤاخذة والمراد انه لا يحسن ان يحتج على القاطع العامل على طبق قطعه بان قطعك حاصل من الأسباب غير المتعارفة فلم عملت على طبقه ؟ (قوله: مع التفاته) الضمير راجع

٤٥

الملازمة فراجع، وإما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لانها لا تفيد الا الظن كما هو صريح الشيخ المحدث الأمين الاسترابادي - رحمه الله - حيث قال في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين (ع): (الرابع) أن كل مسلك غير ذلك المسلك - يعني التمسك بكلامهم عليهم الصلاة والسلام - إنما يعتبر من حيث افادته الظن بحكم الله تعالى وقد أثبتنا سابقا انه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها وقال في جملتها أيضا - بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة ما هذا لفظه: وإذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: إن تمسكنا بكلامهم - عليهم السلام فقد عصمنا من الخطأ وإن تمسكنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أن العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا ألا ترى أن الامامية استدلوا على وجوب العصمة بانه لولا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ وذلك الامر محال لأنه قبيح، وانت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى. انتهى موضع الحاجة من كلامه، وما مهده من الدقيقة هو الذي نقله شيخنا العلامة - اعلى الله مقامه - في الرسالة وقال في فهرست فصولها أيضا: الاول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه وجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم - عليهم السلام - انتهى. وأنت ترى أن محل كلامه ومورد نقضه وإبرامه هو العقلي غير المفيد للقطع وإنما همه إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع. وكيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقا وصحة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته وكذا ترتب ساير آثاره عليه عقلا مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل فلابد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة

______________________________

إلى القاطع (قوله: وقال في فهرست) يعنى الاسترابادي في فهرست فصول

٤٦

* من المنع عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي (العقلي خ ل) لاجل منع بعض مقدماته الموحبة له ولو اجمالا فتدبر جيدا (الامر السابع) أنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجره لا يكاد تناله يد الجعل اثباتا أو نفيا فهل القطع الاجمالي كذلك ؟ فيه اشكال ربما يقال: ان التكليف

______________________________

فوائده (قوله: من المنع عن حصول) خبر لقوله: (لابد) يعني ما ورد في الشريعة مما يوهم المنع عن القطع الطريقي لابد أن يحمل على المنع من حصول العلم لمنع بعض المقدمات الموجبة له (قوله: ولو اجمالا) متعلق بمنع (قوله: فهل القطع الاجمالي) اعلم ان الكلام في القطع الاجمالي في مقامات ثلاثة (الأول) في أن له اقتضاء الحجية أو ليس له ذلك فيكون كالظن في حال الانفتاح لا يكون حجة الا بجعل جاعل (الثاني) انه بناء على الاقتضاء فهل هو بنحو العلية التامة بحيث يكون موجبا لحكم العقل باستحقاق العقاب على تقدير المخالفة وعدم استحقاقه على تقدير الموافقة حكما تنجزيا غير موقوف على شئ من وجود شرط أو فقد مانع ؟ أو انه بنحو صرف الاقتضاء فيكون موقوفا على عدم المانع عنه عقلا أو شرعا (الثالث) انه بناء على العلية التامة فهل هو علة لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية أو يكفي الموافقة الاحتمالية ؟ وهذه المقامات كلها صارت مجال تأمل واشكال (أما المقام الاول) فحكي الخلاف فيه عن المحقق القمي (ره) والمحقق الخوانساري والوجه في حكاية ذلك عبارتهما المحكية في رسائل شيخنا الأعظم (قده) في الشبهة الوجوبية لكن في استظهار ذلك منها تأمل، ولعل المراد انه لا فعلية للحكم الكلي ما لم يعلم به تفصيلا لا انه ليس في العلم مقتضي الحجية إذ لا يظن التزامهما بذلك في أبواب الفقه بل صرح أولهما بلزوم الاحتياط في الشك في الشرطية، وكيف كان فهذا القول على تقدير ثبوته في غاية الوهن (وأما المقام الثاني) فهو ما تعرض له المصنف (ره) هنا واختار فيه عدم العلية التامة، وحاصل الوجه فيما اختار: أن العلم الاجمالي لما كان مقرونا بالشك دائما وكان الشك موضوعا

٤٧

للاحكام الظاهرية كانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة فجاز حينئذ جعل الحكم الظاهري في كل واحد من اطرافه الموجب ذلك لجواز مخالفته، مثلا إذا علم اجمالا بحرمة اناء مردد بين انائين فكل واحد من الاناءين مشكوك الحرمة فيمكن أن يكون موضوعا لقاعدة الحل أعني قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام. (فان قلت): ان الحل المجعول لكل واحد يناقض الحرمة المعلومة اجمالا (قلت): هذه هي المناقضة بين كل حكم ظاهري مجعول في حق الشاك بالواقع وبين الواقع المشكوك ولا تختص بما نحن فيه فما تدفع به هذه المناقضة في الشبهات البدوية التي لا علم فيها أصلا وفى الشبهة غير المحصورة التي لا يجب الاحتياط فيها اجماعا تدفع به المناقضة في المقام. ثم انه (ره) ذكر في الحاشية ما محصله: إن دفع المناقضة بين الأحكام الظاهرية في مورد الأصول والامارات وبين الاحكام الواقعية منحصر بعدم فعلية الاحكام الواقعية ضرورة تضاد الاحكام الواقعية الفعلية والاحكام الظاهرية على خلافها، وحينئذ فمع القطع الاجمالي بالحكم الفعلي يمتنع الترخيص الشرعي على خلافه، وحينئذ فيكون علة تامة لوجوب الموافقة الا إذا ارتفعت فعلية الحكم لعروض عسر أو نحوه مما يوجب ارتفاع فعلية التكليف فيجوز حينئذ الترخيص في مخالفته شرعا وعقلا لكن ذلك لخلل في المعلوم لا لقصور في العلم والا فلو تعلق بالحكم التكليفي لا يكون مانع عن تأثيره شرعا. هذا محصل كلامه زيد في علو مقامه. ولكن لا يخفى ان البحث في حجية العلم الاجمالي وانه علة للتنجز أو مقتض كالبحث في علية العلم التفصيلي لذلك يختص بصورة تعلقه بالحكم الفعلي كما اشار إلى ذلك في مبحث حجية العلم التفصيلي غاية الأمر ان يكون المراد من الفعلية ما لا ينافيه الترخيص حال الجهل كما سيجيئ الاشارة إليه منه (ره)، وحينئذ فكون العلم علة تامة للتنجز لو كان متعلقا بالحكم الفعلي بالمعنى الذي ينافيه الترخيص ليس مما هو محل الكلام وليس ذلك لخصوصية في العلم اقتضت ذلك والا فاحتمال الفعلية ايضا مانع من الترخيص على خلافها لأنه جمع بين المتضادين احتمالا وهو ممتنع، نعم

٤٨

يفترق العلم عن الجهل المتعلقين بالفعلي بالمعنى الأخير في ان الأول ليس عذرا في نظر العقل والثاني عذر في نظره والا فهما من حيث المنع عن الترخيص الشرعي سواء، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المتن من كونه مقتضيا للتنجز هو المختار له في محل الكلام في المقام لكنه ليس مطابقا لما هو الحق الحقيق بالقبول، وما ذكره في وجهه من ان مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة لا يصلح سندا له ولا ينبغي ان يعول عليه فان كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال وان كان مشكوك الحكم وبذلك يصير موضوعا للحكم الظاهري لكن لابد من توجيه النظر إلى العلم الاجمالي وانه علة تامة لتنجيز متعلقه على اجماله اولا ؟ فعلى الأول يمتنع الترخيص في اطرافه لأنه نظير الترخيص في مخالفة العلم التفصيلي، وعلى الثاني لا مانع منه (فنقول): لا ينبغي التأمل في ان العلم الاجمالي ليس الا من سنخ العلم التفصيلي موجبا لاراءة متعلقه وانكشافه انكشافا تاما لا قصور في ناحية انكشافه اصلا فان من علم انه يجب عليه اكرام زيد بن بكر الذي لا يعرفه بعينه لا قصور في علمه بالاضافة إلى متعلقة اعني اكرام زيد بكر ومجرد تردده بين شخصين لا يوجب نقصا في علمه بالاضافة إلى متعلقه غاية الأمران علمه لم يحط بتمام الخصوصيات المانعة من التردد بين شخصين، ومن المعلوم بشهادة الوجدان عدم دخل ذلك في المنع من منجزية العلم إذ لا ريب في انه بمجرد حصول ذلك العلم الاجمالي يتحرك العبد نحو موافقته بطبعه وعقله ويعد قول المولى: لا تكرم كل واحد من الشخصين: مناقضا لما علم بحيث يحكم اجمالا بان احد الكلامين ليس مطابقا للواقع نظير ما تقدم في العلم التفصيلي حرفا بحرف، فلا فرق بين العلمين من هذه الجهة اصلا، ومن هذا يظهر انه لا مجال للترخيص الظاهري في كل واحد من اطراف الشبهة لأنه راجع إلى الترخيص في المعصية الممتنع عقلا، ومجرد كون كل واحد مشكوك الحكم لا يصححه بعد انطباق عنوان الترخيص في المعصية عليه الذي لا ريب في قبحه، والتأمل في طريقة العقلاء يوجب وضوح ما ذكرنا بما لا مزيد عليه فالمعول عليه حينئذ انه علة تامة للتنجز بحيث لا يتوقف على وجود شرط أو فقد

٤٩

حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا وليس محذور مناقضة مع المقطوع اجمالا إلا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة بل الشبهة البدوية ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والاذن في الاقتحام في مخالفته بين الشبهات فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الاطراف المحصورة أيضا كما لا يخفى وقد اشرنا إليه سابقا ويأتي انشاء الله مفصلا

______________________________

مانع اصلا وعدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة كان من جهة عدم فعلية التكليف لعدم الابتلاء أو للعجز أو نحوهما كما سيأتي بيانه انشاء الله في محله، فلاحظ وتأمل (قوله: حيث لم ينكشف به تمام) لتردد المعلوم بين شيئين من جهة عدم تعلق العلم بتمام خصوصياته التي يكون العلم بها مانعا من التردد به، لكن قد عرفت ان هذا المقدار لا يقدح في المنجزية وليس ذلك عند العقلاء الا كما لو لم تعلم الخصوصيات الزائدة على تعينه كما لو علم بوجوب اكرام الشخص الحاضر عنده مع عدم علمه بانه فقير أو غني عالم أو جاهل هاشمي أو غير هاشمى... إلى غير ذلك من العناوين التي يتردد بينها الشخص، وكما ان مثل هذا التردد بين هذه العناوين لا يقدح في منجزية العلم بالتكليف فليكن في المقام كذلك، واما الفرق بين المقامين بما ذكر من محفوظية مرتبة الحكم الظاهري من جهة ان التردد بين شيئين موجب لكون كل واحد منهما مشكوك الحكم دون مورد النقض فقد عرفت الجواب عنه سابقا بان مجرد ذلك لا يصحح الترخيص بعد ما كان العلم مانعا من الترخيص في مخالفة نفس المعلوم بالاجمال لان الترخيص في كل واحد منهما ترخيص في مخالفة المعلوم بالاجمال المؤدي إلى التناقض كما في العلم التفصيلي وهذا غير المناقضة الحاصلة في الشبهة البدوية أو غير المحصورة لأن الترخيص فيهما ترخيص في المجهول لا المعلوم وهنا ترخيص في المعلوم، فالفرق بينهما ظاهر ومنه يظهر لك ما في قوله: وكانت

٥٠

نعم كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلية (١) التامة فيوجب تنجز التكليف ايضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان في اطراف كثيرة غير محصورة أو شرعا كما في ما اذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر: (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) وبالجملة قضية صحة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الاذن في الاقتحام فيها هو كون القطع الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة

______________________________

مرتبة الحكم، كما يظهر ما في قوله: وليس محذور مناقضة... الخ (قوله: نعم كان العلم الاجمالي) هذا تعرض للمقام الأول من المقامات الثلاثة (قوله: كما كان في اطراف كثيرة) سيجئ إنشاء الله بيان الوجه في عدم منجزية العلم إذا كان في اطراف غير محصورة مما يرجع كله إلى قصور في المعلوم اعني التكليف به بحيث لا يصلح للمحركية اما لعدم القدرة أو لعدم الابتلاء أو غيرهما فانتظر (قوله: كما هو ظاهر: كل) وعليه فلازم ما ذكره جواز الارتكاب في اطراف الشبهة المحصورة ولا يظن من المصنف (ره) الالتزام به كيف وهو مخالف للاجماعات

______________

(١) لكنه لا يخفى ان التفصي عن المناقضة على ما يأتي لما كان بعدم المنافاة والمناقضة بين الحكم الواقعي ما لم يصر فعليا والحكم الظاهرى الفعلي كان الحكم الواقعي في موارد الاصول والامارات المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي وحينئذ فلا يجوز العقل مع القطع بالحكم الفعلي الاذن في مخالفته بل يستقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو اجمالا بلزوم موافقته واطاعته. نعم لو عرض بذلك عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا أو عقلا كما إذا كان مخلا بالنظام فلا تنجز حينئذ لكنه لاجل عروض الخلل بالمعلوم لا لقصور العلم عن ذلك كما كان الأمر كذلك فيما إذا اذن الشارع في الاقتحام فانه ايضا موجب للخلل في المعلوم لا المنع عن تأثير العم شرعا. وقد انقدح بذلك انه لا مانع عن تأثيره شرعا ايضا فتأمل جيدا. (منه قدس سره)

٥١

وأما احتمال انه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف جدا

______________________________

المستفيضة في الموارد المتفرقة في الفقه ؟ وكون هذه الاجماعات هي الوجه في لزوم الاحتياط تعبدا خلاف ما يقتضيه التأمل في كلماتهم في الفقه فراجع وتأمل (قوله: واما احتمال انه بنحو الاقتضاء) هذا تعرض للمقام الثالث من المقامات الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا وان العلم الاجمالي على تقدير كونه علة تامة للتنجز فهل يقتضي وجوب الموافقة القطعية عقلا بحيث يمتنع الترخيص في بعض المحتملات أو لا يقضتي الا حرمة المخالفة القطعية فيجوز الترخيص في بعض المحتملات دون جميعها ؟ وحاصل ايراد المصنف (ره) عليه: ان المنع عن الترخيص في الجميع ليس الا كونه موجبا للتناقض كما تقدم هنا وفي العلم التفصيلي وهذا بعينه موجود في الترخيص في احد المحتملات لأنه على تقدير كون مورد الترخيص هو المعلوم بالاجمال يكون ذلك المورد موردا للتخريص والالزام بالمعلوم بالاجمال، ومن المعلوم ان الجمع بينهما احتمالا ممتنع كالجمع بينهما علما لو كان الترخيص في جميع المحتملات، وتحقيق المقام: انك قد عرفت سابقا ان العلم يترتب عليه آثار طولية (احدها) كونه موجبا لاشتغال ذمة المكلف بموضوع التكليف المعلوم وهذا الأثر ينتزع عن مقامه المنجزية (وثانيها) كونه موجبا لتحصيل الفراغ عما اشتغلت به الذمة وهذا منتزع عن مقام وجوب العمل على وفق العلم وهو عين وجوب الاحتياط في موارد العلم الاجمالي (فان كان) غرض القائل بجواز الترخيص الشرعي في بعض الأطراف انه يجوز للشارع الاكتفاء في مقام الفراغ باحد المحتملات بنحو يكون ذلك فراغا تنزيليا بجعله الواقع المعلوم تنزيلا فذلك مما لا ريب في امكانه في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي فان وجوب الصلاة معلوم بالضرورة من الدين وقد تصرف الشارع في مقام الفراغ عنه بجعل الأصول المثبتة لموضوعه تعبدا مثل استصحاب الطهارة وقاعدتي التجاوز والفراغ والبينة لاثبات الوقت والقبلة وغيرها من الشرائط والأجزاء وغيرها من

٥٢

الحجج والأصول المجعولة في مقام احراز الواقع باجزائه وشرائطه، وجواز ذلك في العلم الاجمالي اولى، لكن من المعلوم ان هذا المقدار ليس تصرفا في مقام حجية العلم واقتضائه اشتغال الذمة بموضوعه ووجوب تحصيل الفراغ عنه بل إنما ذلك تصرف في مقام احراز الفراغ بجعل المفرغ التعبدي، ولا ينافي كون العلم موجبا للموافقة القطعية اصلا، إذ ليس لسان تلك الأدلة انه لا يجب الفراغ بل كان لسانها ان هذا واقع وبفعله يحصل الفراغ عن الواقع (وان كان) غرضه جواز ترك تحصيل المفرغ المحتمل لعدم وجوب الفراغ القطعي من دون نظر إلى جعل الواقع تعبدا فهذا شئ يخالف ما عرفت من حكم العقل بوجوب الفراغ عما اشتغلت به الذمة بالعلم، ويشهد بما ذكرنا ظهور كلماتهم في الاتفاق على وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة من دون فرق بين ما لو كان العمل بالأصول في الأطراف موجبا للمخالفة القطعية وعدمه كما لو كان أحد الأطراف مجرى لاستصحاب الطهارة والآخر مجرى لقاعدة الطهارة لعدم العلم بالحالة السابقة الذي هو شرط إجراء الاستصحاب فيه فان الاستصحاب في الأول والقاعدة في الثاني يتعارضان وبعد تساقطهما للمعارضة يرجع في مورد استصحاب الطهارة اعني الأول إلى قاعدة الطهارة فيه لأنها لما كانت محكومة للاستصحاب كما سيأتي بيانه في محله لم تجر إلا بعد سقوط الاستصحاب للمعارضة، وإذا جرت فيه لم يبق لها معارض في الآخر لكونه ليس موردا للاستصحاب من جهة الجهل بحاله السابقة ولا للقاعدة من جهة سقوطها للمعارضة ولازم القول بالتفصيل المذكور جواز ارتكاب مجرى قاعدة الطهارة، بل لعل لازم القول المذكور حلية احد الأطراف في جميع الصور بمقتضى بعض اخبار البراءة مثل: رفع ما لا يعلمون، ونحوه مما لا مجال للاشكال في شموله للاطراف لعدم اشتماله على ما يوجب العمل على العلم كما في بعض اخبار الاستصحاب الذي تقدمت الاشارة إليه، أو ما اشتمل على كون غاية الحكم فيه العلم ليتمسك بمفهومه فانه إذا كان شاملا لطرفي الشبهة فالعقل إنما يمنع عن شموله لهما معا جمعا ولا يمنع عن شموله لأحدهما فيرفع اليد بتوسط حكم العقل عن احدهما تخييرا ويستفاد منه الترخيص في

٥٣

ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معهما موجبا لجواز الاذن في الاقتحام بل لو صح معهما الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية ايضا فافهم ولا يخفى ان المناسب للمقام

______________________________

بعض اطراف الشبهة في جميع الشبهات المحصورة (فان قلت): هذا لا يختص بهذا القول بل يطرد على القول بالعلية بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، وتوضيح ذلك: انه إذا جاز للشارع التصرف في المفرغ بجعل المفرغ التنزيلي تعبدا فليستكشف ذلك من عموم ادلة الأصول للاطراف فانه إذا فرض عموم الأدلة لأطراف الشبهة وفرض انه لا يجوز الترخيص في واحد إلا مع جعل البدل فليستكشف جعل البدل من ادلة الترخيص (قلت): لا يصح ذلك بناء على العلية للزوم الدور فان العلم بالترخيص يتوقف على العلم بجعل البدل فلا يمكن استفادة العلم بجعل البدل من العلم بالترخيص، وان شئت قلت: احتمال جعل البدل غير كاف في الاذعان بالترخيص إذ العقل لا يقبل الترخيص حتى يعلم بجعل البدل فإذا كان الاذعان بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص كيف يتسفاد العلم بالترخيص من العلم بجعل البدل. نعم لو كان احتمال جعل البدل كافيا في قبول العقل للترخيص امكن استكشاف جعل البدل من ادلة الترخيص لكنه ليس كذلك كما هو ظاهر بالتأمل وسيجيئ إنشاء الله تعالى توضيح ذلك في مبحث الاشتغال (قوله: ضرورة ان) تعليل للضعف وقد بيناه سابقا (قوله: بذلك) اشارة إلى ثبوت المتناقضين (قوله: معهما) أي مع الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية، وكذا قوله (معهما) الثاني (قوله: بل لو صح معهما) يعني لو صح الترخيص في المخالفة الاحتمالية كانت صحته من جهة عدم التضاد بين الالزام المعلوم بالاجمال والترخيص بخلافه وإذا لم يكن تضاد بينهما جاز الترخيص في جميع الأطراف (قوله: فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى بعض ما ذكرنا من جواز الترخيص مع جعل البدل أو انحلال العلم الاجمالي على ما يأتي انشاء الله بيانه مفصلا في مبحث

٥٤

هو البحث عن ذلك كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا عدم ثبوته كما لا مجال بعد البناء على انه بنحو العلية للبحث عنه هناك اصلا كما لا يخفى هذا بالنسبة إلى اثبات التكليف وتنجزه به وأما سقوطه به بان يوافقه اجمالا فلا اشكال فيه في التوصليات وأما في العباديات

______________________________

البراءة فانتظر (قوله: هو البحث عن ذلك) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) في رسائله حيث جعل البحث عن علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية من مباحث البراءة والاشتغال التي يبحث فيها عن الشك وخص البحث عن عليته لحرمة المخالفة القطعية بكونه من مباحث العلم، وحاصل ايراد المصنف (ره) عليه: ان مباحث العلم هي التى يكون الموضوع فيها العلم، ومن المعلوم ان المقامات الثلاثة كلها إنما يبحث فيها عن العلم ولا وجه للفرق بين البحث عن علية العلم بوجوب الموافقة القطعية والبحث عن عليته لحرمة المخالفة القطعية فان الاول من مباحث الشك والثاني من مباحث العلم (قوله: كما ان المناسب) هذا تعريض بالشيخ (ره) أيضا حيث بحث في قاعدة الاشتغال عن علية العلم لكل من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية وهما معا من مباحث العلم كما عرفت وما هو من مباحث الشك هو خصوص البحث عن ثبوت الترخيص الشرعي أو العقلي في احد الاطراف أو كليهما بعد البناء على كون العلم مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية أو لحرمة المخالفة القطعية لا علة (قوله: هذا بالنسبة إلى اثبات يعني أن البحث عن عوارض العلم يكون (تارة) من حيث انه ينجز ما تعلق به من التكليف أولا (وأخرى) من حيث انه يكتفى به في مقام الفراغ عن عهدة التكليف الثابت في الذمة أولا يكتفى به بل لابد من العلم التفصيلي بالامتثال ان امكن والا فالظن التفصيلي (وملخص) الكلام: ان التكليف الثابت الذي يوافقه المكلف اجمالا إما ان يكون توصليا أو تعبديا، والثاني إما ان يتردد

٥٥

فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر لعدم الاخلال بشئ مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها مما لا يمكن

______________________________

موضوع التكليف فيه بين المتباينين بحيث يحتاج في مقام العلم بالفراغ إلى التكرار، أو يتردد بين الأقل والأكثر فيحصل العلم بالامتثال بفعل الأكثر، فان كان التكليف توصليا فلا اشكال في الاكتفاء بالعلم الاجمالي بالامتثال لان العلم الاجمالي بحصول الواجب يوجب العلم بحصول الغرض لان مقتضى كونه توصليا ان يكون وجود الواجب مطلقا علة تامة لحصول الغرض فإذا علم بوجوده علم بحصول الغرض فيعلم بسقوط الامر، وان كان عباديا يتردد موضوعه بين الاقل والاكثر فينبغي الجزم ايضا بالاكتفاء بفعل الاكثر في حصول الغرض وسقوط الامر، لان عدم حصول الغرض في العبادة اما أن يكون لعدم وجود الواجب أو لعدم شرط الاطاعة مما يمتنع اخذه في الواجب مثل نية القربة ونية الوجه والتمييز، والجميع حاصل: أما وجود الواجب فلكونه المفروض، واما نية القربة والوجه والتمييز فالتردد بين الاقل والاكثر لا يمنع من تمكن المكلف منها فيمكنه ان يأتي بالاكثر بداعي وجوبه بوصف وجوبه عالما بوجوبه، فإذا جاء به المكلف على هذا الحال كان المأتي به واجدا لكل ما يعتبر في الاطاعة فلا بد ان يسقط الامر لحصول الغرض نعم الجزء المشكوك وجوبه لم يؤت به بوصف وجوبه ولا مع الالتفات إلى وجوبه وهذا المقدار لا يوجب فساد الفعل لعدم اعتباره عند العقلاء في حصول الاطاعة ولا عند الشارع في حصول الغرض، اما الاول فواضح، واما الثاني فلان اعتباره مناف للاطلاق المقامي وهو عدم البيان مع الحاجة إليه الذي هو طريق إلى العدم والا لاخل بالغرض كما تقدم بيانه في مباحث الالفاظ (قوله: فكذلك) يعني لا إشكال فيه (قوله: لعدم الاخلال) تعليل لعدم الاشكال في سقوط الامر والتكليف (قوله: منها) الضمير راجع إلى العبادة (قوله: مما لا يمكن) بيان لما يعتبر أو يحتمل اعتباره في العبادة يعني من القيود التي لا تؤخذ

٥٦

* أن يؤخذ فيها فانه نشأ من قبل الأمر بها كقصد الاطاعة والوجه والتمييز فيما إذا أتى بالأكثر ولا يكون اخلال حينئذ الا بعدم اتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها بقصدها واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية وأما فيما احتاج إلى التكرار فربما يشكل من جهة الاخلال بالوجه (تارة) وبالتميز (أخرى) وكونه لعبا وعبثا (ثالثة) وانت خبير بعدم الأخلال بالوجه بوجه في الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الأمر أنه لا تعيين له ولا تميز فالاخلال إنما يكون به واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف

______________________________

في نفس العبادة لامتناع اخذها كذلك لانها متأخرة عن الامر فلا تؤخذ في موضوعه فقوله: فانه نشأ... الخ تعليل لعدم الامكان (قوله: فيما إذا أتى بالاكثر) متعلق بعدم الاخلال (قوله: بعدم اتيان) لكن يلازم ذلك فقد نية الوجه والتمييز من الجزء فتأمل (١) (قوله: بقصدها) الضمير راجع إلى الجزئية وكذا ضمير قصدها الآتى (قوله: ضعيف) خبر الاحتمال، ووجه ضعفه ما سيشير إليه من منافاته للاطلاق المقامي (قوله: وأنت خبير بعدم) ينبغي ان يعلم أن المكلف في مقام فعل كل واحد من اطراف الشبهة الوجوبية إنما يفعله عن ارادة متعلقة بفعل الواجب فكل واحد منهما إنما يصدر عن تلك الارادة المتعلقة بفعل الواجب المعلوم غاية الامر ان تلك الارادة إنما تؤثر في كل واحد منهما بتوسط احتمال انطباق المراد عليه، فمن يعلم بأنه يجب عليه ان يكرم زيدا المردد عنده بين شخصين تحدث بسبب علمه بذلك ارادة متعلقة باكرام زيد وهذه الارادة تؤثر في اكرام كل واحد من الشخصين بتوسط احتمال انطباق المعلوم عليه، فلا مجال لتوهم ان فعل كل واحد ليس بداعي الامر بل بداعي احتمال الامر، فلا قصور في قصد الاطاعة حينئذ، ثم هذه الارادة المؤثرة في كل واحد منهما لما كانت متعلقة بالواجب المعلوم فيمكن اخذا الوجو ب فيه، صفا أو غاية

______________

(١) اشارة إلى امكان نية الوجه فيه بالنحو الآتى في التكرار منه مد ظله

٥٧

لعدم عين منه ولا اثر في الأخبار مع أنه مما يغفل عنه غالبا وفي مثله لابد من التنبيه على اعتباره ودخله في الغرض والا لاخل بالغرض كما نبهنا عليه سابقا وأما كون التكرار لعبا وعبثا فمع انه ربما يكون لداع عقلائي إنما يضر إذا كان لعبا بامر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها كما لا يخفى. هذا كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال وأما إذا لم يتمكن إلا من الظن به كذلك فلا اشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره الا فيما إذا لم يتمكن منه واما لو قام على اعتباره

______________________________

بالمعنى المراد من نية الوجه فلا قصور حينئذ في نية الوجه، ويبقى اشكال فقد التمييز لكنه غير قادح في حصول الغرض وسقوط الامر من جهة نفي احتمال اعتباره بالاطلاق المقامي (قوله: لعدم عين منه ولا أثر) ومثله نية الوجه كما تقدم في مباحث الامر (قوله: فمع انه ربما) يعني ففيه مع انه ممنوع إذ قد يكون هناك داع يدعو إلى الامتثال بالتكرار ويمنع عن تحصيل العلم التفصيلي بالواجب ليمكن موافقته التفصيلية كما لو توقف العلم على السؤال والفحص الموجبين لبعض المشقة بنحو يكون التكرار اهون منها فلا يكون التكرار حينئذ لعبا وعبثا انه لو سلم كونه لعبا وعبثا فلا يقدح في الاطاعة المعتبرة في العبادة وإنما يقدح لو كان لعبا بامر المولى فانه نحو من التجري فلا يكون إطاعة وانقيادا ولكنه لعب في كيفية الاطاعة في فرض تحققها لفرض كون كل واحد من الاطراف إنما يؤتى به عن داعي الامر، وحينئذ يحصل الفرض ويسقط الامر (قوله: هذا كله في قبال) يعني في فرض التمكن من الامتثال التفصيلي (قوله: به كذلك) يعني بالامتثال تفصيلا (قوله: في تقديمه) يعني تقديم الامتثال العلمي الاجمالي على الامتثال الظني التفصيلي (قوله: لو لم يقم دليل) يعني إنما ينتفي الاشكال عن تقديم الامتثال العلمي الاجمالي على الظني التفصيلي إذا لم يكن الظن حجة مع امكان الامتثال العلمي الاجمالي فانه إذا لم يكن الظن حجة حينئذ لا

٥٨

مطلقا فلا اشكال في الاجتزاء بالظني كما لا اشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في قبال الظني بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على أن يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط وأما لو كان من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام أو لانه ليس من وجوه الطاعة والعبادة بل هو نحو لعب وعبث بامر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما توهم فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك وعليه فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد وان احتاط فيها كما لا يخفى (هذا) بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام ويأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة والاشتغال. فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان:

ما قيل باعتباره من الامارات اوصى أنه يقال

وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور (أحدها) أنه لا ريب في أن الامارة غير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية

______________________________

يجوز الاعتماد عليه في الامتثال بل يكون من الاعتماد على غير الحجة الممتنع عقلا، فضمير (اعتباره) راجع إلى الظن وضمير (منه) راجع إلى الامتثال العلمي الاجمالي (قوله: مطلقا) يعني حتى مع امكان الامتثال العلمي الاجمالي (قوله: فلا اشكال في الاجتزاء) لأنه مقضتى حجيته، كما انه لا ينبغي الاشكال في كفاية الامتثال العلمي الاجمالي ايضا إذ ليس الظن التفصيلي باعظم من العلمي التفصيلي الذي قد عرفت مساواته للامتثال الاجمالي (قوله: بناء على أن يكون) إذ على هذا البناء لا يكون الاحتياط ممنوعا عنه فيكتفى به (قوله: المخل بالنظام) يعني فلا يجوز لوجوب حفظ النظام (قوله: الظن كذلك) يعني تفصيلا ولا يجوز الامتثال الاجمالي (قوله: ليست كالقطع) لا ينبغي أن يتوهم مما ذكرنا في القطع من كون وجوب موافقته فطريا بمناط لزوم دفع الضرر المقطوع انه يكون الظن ايضا مما تجب موافقته كذلك بمناط لزوم دفع الضرر المظنون (ووجه) اندفاع هذا التوهم:

٥٩

* بل مطلقا وان ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا - بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة - وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف ولا سقوطا وان كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل فتأمل (ثانيها) في بيان إمكان التعبد بالامارة غير العليمة شرعا وعدم لزوم محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته للزومه

______________________________

ما أشرنا إليه من أن الضرر المقطوع المترتب على مخالفة القطع إنما كان ناشئا عن طريقيته الذاتية الموجبة لحكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفته وهو المقصود من الضرر المقطوع، وهنا لا حكم للعقل باستحقاق العقاب على تقدير مخالفة الظن ليكون الضرر مظنونا فيجب دفعه بمناط لزوم دفع الضرر المظنون، وانما لم يحكم بذلك لعدم كونه طريقا إلى الواقع وحجة عليه بذاته، وهذا الأثر من آثار الحجية، ولذا لو فرض كونه حجة شرعا بالجعل أو عقلا بمقدمات الانسداد يحكم العقل بحسن العقاب على مخالفته فيجب العمل على طبقه بمناط لزوم دفع الضرر المظنون بناء على كون العقاب على مخالفة الواقع حينئذ، ولو بنينا على كونه على مخالفة الحجة كان الضرر مقطوعا لا مظنونا كما لا يخفى (قوله: بل مطلقا) يعني ولا بنحو الاقتضاء بان يكون حجة بذاته لكنه مشروط بعدم المنع عن العمل به، (والوجه في ذلك): انه لا طريق إلى دعوى ثبوت هذا الاقتضاء بل هو خلاف الوجدان كما هو ظاهر (قوله: إلى جعل) يعني جعل شرعي (قوله: بناء على تقرير) اما بناء على الكشف فيكون من الجعل الشرعي (قوله: ثبوتا) يعني في مقام اثبات التكليف به (قوله: ولا سقوطا) يعني في مقام اسقاط التكليف كما لو يقوم على الفراغ واداء المكلف به (قوله: ولعله لأجل) يعني يمكن أن يكون الوجه في دعوى المحقق المذكور حجية الظن بالفراغ بذاته هو انه إذا ظن بالفراغ كان احتمال عدم الفراغ ضعيفا فيكون الضرر

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

٨ - فصل:

في بيان ظهور آياته في الاخبار بالغائبات

وفيه: ستة أحاديث

٢٢٦ / ١ - عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه ، قال: قلت لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلم، وهو متوجه إلى البصرة: يا أمير المؤمنين، إنّك في نفر يسير، فلو تنحّيت حتّى يلحق بك الناس. فقال: « يجيئكم من غد في فجكم هذا، من ناحية الكوفة ثلاثة كراديس، في كلّ كردوس خمسة آلاف وستمائة وخمس وستون رجلاً ».

قال: قلت: ما أصابني والله أعظم من [ تلك ] الضيقة.

قال: فلمّا أن صلّيت الفجر قلت لغلامي: اسرج لي. قال: فتوجّهت نحو الكوفة، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فسرت نحوها، فلمّا أن دنوت منهم صيح بي: من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس؛ فكفوا، فقلت لهم: لمن هذه الراية؟ قالوا: لفلان. قلت: كم أنتم؟ فقالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلا.

قال: فمضوا، ومضيت على وجهي، فإذا أنا بغبرة قد ارتفعت، قال: فدنوت منهم، فصيح بي: من أنت؟ فقلت: أنا ابن عبّاس.

__________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ١٨٧ نحوه. وعنه مدينة المعاجز: ١٤١ و ٣٩٨.

٢٦١

فأمسكوا، فقلت: لمن هذه الراية؟ قالوا: لربيعة. فقلت: من رئيسها؟ قالوا: زيد بن صوحان العبديّ. فقلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً.

قال: فمضوا، ومضيت على وجهي، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فأخذت نحوها، فصيح بي من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس. فسكتوا عنّي، فقلت: لمن هذه الراية؟ فقالوا: لفلان، رئيسها الأشتر، قال: قلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً.

فرجعت إلى العسكر، فقال لي أمير المؤمنين: « من أين أقبلت؟ » فأخبرته، وقلت له: إنّي لمّا سمعت مقالتك اغتممت، مخافة أن يجيء الأمر على خلاف ما قلت.

قال: فقال: « نظفر بهؤلاء القوم غداً إن شاء الله تعالى، ثمّ نقسّم مالهم فيصيب كلّ رجل منا خمسمائة ».

قال: فلمّا أن كان من الغد أمرهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن لا يحدثوا شيئاً حتّى يكون المبتدأ منهم، فأقبلوا يرمون رجال أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأتوه، فقال لهم: « ما رأيت أعجب منكم! تأمروني بالحرب والملائكة لم تنزل بعد؟! ».

فلمّا كان الزوال دعا بدرع رسول الله (ص) فلبسها وصبها عليه، ثمّ أقبل على(١) القوم، فهزمهم الله تعالى، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه للخزان: « اقسموا المال على الناس خمسمائة خمسمائة » فقسّموها، ففضل من المال ألفا درهم، فقال للخازن: « أي شيء بقي عندك؟ » فقال: ألفا درهم.

فقال: « أعطيت الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية خمسمائة

__________________

(١) في ر، ع: ثمّ قاتل.

٢٦٢

خمسمائة، وعزلت لي خمسمائة؟ » قال: لا.

قال: « فهذه لنا » فلم تزدد(١) درهم، ولم تنقصن درهم.

٢٢٧ / ٢ - عن عليّ بن النعمان، ومحمّد بن سنان، رفعاه إلى أبي عبد الله صلوات الله عليه، قال: « إنّ عائشة قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل، حتّى ابعثه إليه. فأتيت برجل، فمثل بين يديها، فرفعت رأسها وقالت: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قال لها: كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي فَضُرِبتُ ضربة بالسيف، فيسبق السيف الدم.

ثمّ قالت: فأنت له، فاذهب بكتابي هذا، فادفعه إليه، ظاعناً رأيته أو مقيماً، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً على بغلة رسول الله (ص) متنكباً قوسه، معلقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنّهم طيور صواف.

ثمّ قالت له: إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تتناول(٢) منه شيئاً فإنّ فيه السحر فمضيت واستقبلته راكباً، فناولته الكتاب ففض خاتمه، ثمّ قرأه وقال: « هذا والله ما لا يكون » فثنى رجله ونزل، فأحدق به أصحابه، ثمّ قال: أسألك، قال: نعم. قال: « وتجيبني » قال: نعم.

قال: « أنشدك بالله، هل قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل؟ » قال: نعم. « فأتيت بك، فقالت لك: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قلت: كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي وأضرب بالسيف ضربة فيسبق السيف الدم؟ »

__________________

(١) في ص: يبق.

٢ - بصائر الدرجات: ٢٦٣ / ٤، الخرائج والجرائح ٢: ٧٢٤ / ٢٨، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٦٠، مدينة المعاجز: ١١٦ / ٣١٢، اثبات الهداة ٢: ٤٣٤ / ١٠٠.

(٢) في ر، ك، م: تبغي.

٢٦٣

ثمّ قال: « أنشدك بالله، أقالت لك اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعناً كان أو مقيماً، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً بغلة رسول الله (ص)، متنكباً قوسه، معلقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنهم طير صواف؟ » قال: اللهم نعم.

قال: « أنشدك بالله، هل قالت لك: إن عرض عليك طعامه وشرابه، فلا تتناول(١) منه شيئاً، فإنّ فيه السحر؟ » قال: اللّهم نعم.

قال: « أفمبلغ أنت عني؟ » قال: اللّهمّ نعم، فإنّي قد أتيتك وما على وجه الأرض خلق أبغض إليَّ منك، وأنا الساعة ما على وجه الأرض خلق أحبّ إليّ منك، فمرني بما شئت.

قال: « ادفع إليها كتابي، وقل لها: ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك بلزوم بيتك، فخرجت تترددين في العساكر. وقل لطلحة والزبير: ما أنصفتما الله ولا رسوله حيث خلّفتما حلائلكما في بيوتكما وأخرجتما حليلة رسول الله (ص) ».

فجاء بكتابه حتّى طرحه إليها(٢) ، وبلّغها رسالته، ثمّ رجع إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأصيب بصفين، فقالت: ما نبعث إليه أحد إلاّ أفسده علينا.

٢٢٨ / ٣ - عن صعصعة بن صوحان العبديّ، قال: لمّا قاتل أبو بكر مسيلمة. وأسرت الحنفية، وجيء بها إلى المدينة، ووقفت بين يدي أبي بكر.

٢٢٩ / ٤ - وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله

__________________

(١) في ر، ك، م: تبغي.

(٢) في ر، ك، م: عندها.

٣ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٨٩، عن دعبل الخزاعي مفصلاً، مدينة المعاجز: ٣٥٠ / ٨٩.

٤ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٨٩، عن دعبل الخزاعي مفصلاً، مدينة المعاجز: ٣٥٠ / ٨٩.

٢٦٤

عنه ذلك أيضاً، في حديث طويل، وأنا أذكر منه نقاوته: فقال: لمّا وقفت دنا إليها طلحة والزبير فطرحا عليها ثوبهما، فلمّا رأت ذلك قامت وقالت: لست بعريانة فتكسواني فقيل لها: إنّهما يتزايدان عليك، فأيّهما زاد عليك أخذك من السبي. قالت: لا يكون ذلك أبداً، ولا يملكني، ولا يكون لي بعل إلاّ من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خروجي من بطن أمّي.

فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، وورد عليهم ما بهر عقولهم، وبقوا في دهشة، فقال أبو بكر: مالكم ينظر بعضكم إلى بعض؟ فقال الزبير: لقولها الذي سمعت، جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت، وقد داخلها الفزع فلا تلوموها إذ قالت ما لا تحصله.

قالت: والله ما داخلني الفزع ولا الجزع، وما قلت إلاّ حقاً ولا نطقت إلاّ فصلاً وما كذبت ولا كذّبت. فأخذ أبو بكر وعمر يتحاوران الكلام وأخذ ثوبه من طرحه عليها، وجلست ناحية من القوم، فجاء أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وآله فوقف ونظر إليها، ثمّ ناداها: « يا خولة » فوثبت فقالت: لبيك.

قال: « لمّا كانت أمّك حاملاً بك، وضربها الطلق، واشتدّ بها الأمر دعت الله وقالت: اللّهمّ سلّمني من هذا الولد(١) سالماً كان أو هالكاً؛ وسبقت الدعوة لك بالنجاة، فناديت من تحتها: لا إله إلاّ الله، يا أمّاه لم تدعين عليَّ وعمّا قليل سيملكني سيّد، يكون لي منه ولد؟! فكتبت أمّك ذلك الكلام في لوح نحاس، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلمّا كانت تلك الليلة التي قبضت فيها أمّك أوصت إليك بذلك، فلمّا كان في وقت سبيك أخذت اللوح وشددتيه على عضدك

__________________

(١) في ع: المولود.

٢٦٥

الأيمن؛ هاتي اللوح فأنا صاحبه، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمه ( محمّد ) ».

قال: فأخرجته، فأخذه أبو بكر ودفعه إلى عمر(١) حتّى قرأه عليهم، فلمّا قرأ بكت طائفة، وحركت أخرى، واهتدت(٢) إليه، فما خالف ما في اللوح كلام عليّ صلوات الله عليه حرفاً وقالوا بأجمعهم: صدق الله، وصدق رسوله إذ قال: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ».

فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، بارك الله لك فيها.

وفي الحديث طول، وأنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد تزوّجها وأمهرها، ولم يطأها بملك اليمين.

٢٣٠ / ٥ - عن عبد الله بن عبّاس، قال: جلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأخذ البيعة بذي قار، وقال: « يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون » فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، ويفسد الأمر علينا، حتّى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعاً وتسعين رجلاً، ثمّ انقطع مجيء القوم. فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا متفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّى دنا، وإذا هو رجل عليه قباء صوف، ومعه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: امدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وعلى ما تبايعني؟ »

__________________

(١) في هامش ر، ك: عثمان.

(٢) في ر، م: واهتزت.

٥ - ارشاد المفيد: ١٦٦، الخرائج والجرائح ١: ٣٠٠، ارشاد القلوب: ٢٢٤، باختصار، إعلام الورى: ١٧٠، رجال الكشي ١: ٣١٥ / ١٥٦، اثبات الهداة ٢: ٤٥٢ / ١٦٧، مدينة المعاجز: ١٤١ ح ملحق ح ٣٩٧.

٢٦٦

قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله على يديك.

فقال: « ما اسمك؟ » فقال: أويس القرني قال: « أنت أويس القرني؟ » قال: نعم.

قال: « الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول الله (ص) أنّي أدرك رجلاً من أمّته يقال له ( أويس القرني ) يكون من حزب الله وحزب رسوله، يموت على الشهادة، ويدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر » قال ابن عباس: فسرى ذلك عنّي.

٢٣١ / ٦ - عن سويد بن غفلة، قال: إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة قد مات بها، فاستغفر له. فقال أمير المؤمنين: « إنّه لم يمت، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز » فقام رجل من تحت المنبر فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنّي لك شيعة، وإنّي لك محب!. فقال: « ومن أنت؟ » قال: أنا حبيب بن جماز: قال: « إياك أن تحملها، ولتحملنها، فتدخل بها من هذا الباب » وأومى بيده إلى باب الفيل، فلمّا مضى أمير المؤمنين، ومضى الحسن بن عليّ من بعده صلوات الله عليهم، وكان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان من ظهوره، بعث ابن زياد لعنه الله عمر بن سعد إلى الحسين صلوات الله عليه، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته(١) وحبيب بن جماز صاحب رايته، فسار بها حتّى دخل

__________________

٦ - بصائر الدرجات: ٣٩٨ / ١١، الاختصاص: ٢٨٠، الخرائج والجرائح ٢: ٧٤٥ / ٦٣، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٧٠، ارشاد القلوب: ٢٢٥، اعلام الورى: ١٧٥، الهداية الكبرى: ١٦١، شرح نهج البلاغة ٢: ٢٨٦، ارشاد المفيد: ١٩٠، مدينة المعاجز: ١١٩ ح ٣١٩.

(١) في هامش ر، ص، ع: ميمنته.

٢٦٧

المسجد من باب الفيل.

وحديث رشيد الهجري وميثم التمار مشهور عند عامّة الأصحاب، فلا نذكره.

وكذلك حديث حبيب بن عبد الله الأزديّ في أخبار أصحاب النهروان.

وحديث الإخبار عن كربلاء، والإشارة إلى موضع القتال ومصارع الرجال، وغير ذلك.

وقد اقتصرنا على طرف من آياته صلوات الله عليه، وقليلٍ من معجزاته.

٢٦٨

٩ - فصل:

في بيان ظهور آياته في أشياء شتى

وفيه: اثنا عشر حديثاً

٢٣٢ / ١ - عن رزين الأنماطيّ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه، عن أبيه، عن آبائه،عليهم‌السلام : « أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه دخل الكوفة فأقام بها أياماً، فبينما هو يدور في طرقها، فإذا هو بيهوديّ قد وضع يده على رأسه، وهو يقول: معاشر الناس، أفبحكم الجاهلية تحكمون، وبه تأخذون، وطريقاً لا تحفظون. فدعا به أمير المؤمنين صلوات الله عليه فوقف بين يديه، وقال له: « ما حالك يا أخا اليهود؟ » فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي رجل تاجر خرجت من ساباط المدائن ومعي ستون حماراً، فلمّا حضرت موضع كذا أخذ ما كان معي اختطافاً، ولا أدري أين ذهب بها.

فقال أمير المؤمنين: « لن يذهب منك شيء؛ يا قنبر اسرج لي فرسي »(١) فأسرج له فرسه، فلمّا ركبه قال: « يا قنبر، ويا أصبغ بن نباتة، خذا بيدي اليهوديّ وانطلقا به أمامي » فانطلقا به حتّى صارا إلى الموضع الذي ذكره فخطَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بسوطه خطة،

__________________

١ - عنه في مدينة المعاجز: ٤٩ / ٩٥.

(١) في في ر، ش، ص، ع، ك: دابتي.

٢٦٩

فقال لهم: « قوموا في وسط هذه الخطة، ولا تجاوزوها فتخطفكم الجنّ ».

ثمّ قنع فرسه واقتحم في الصحراء وقال: « والله معاشر ولد الجنّ من ولد الحارث بن السيّد - وهو إبليس - إن لم تردّوا عليه أحمره لنخلعن ما بيننا وبينكم من العهد والميثاق، ولأضربنكم بأسيافنا حتّى تفيئوا إلى أمر الله ». فإذا أنا بقعقعة اللجم، وصهيل الخيل، وقائل يقول: الطاعة لله ولرسوله ولوصيه. ثمّ انحدر في الصحراء ستون حمارا بأحمالها، لم يذهب منها شيء، فأدّاها إلى اليهوديّ.

فلمّا دخل الكوفة قال له اليهودي: ما اسم محمّد ابن عمك في التوراة؟ وما اسمك فيها؟ وما اسم ولديك؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: « سل استرشاداً ولا تسأل تعنتاً، عليك بكتاب التوراة، اسم محمّد فيها طاب طاب، واسمي ايليا، واسم ولديَّ شبر وشبير ».

فقال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك وصيه من بعده، وأنّ ما جاء به وجئت به حق.

٢٣٣ / ٢ - عن عمّار بن الحضرميّ، عن زاذان(١) أبي عمرو أنّ رجلاً حدّث عليّاً صلوات الله عليه وآله بحديث، فقال: « ما أراك إلاّ كذبتني » فقال: « لم أفعل. فقال: « أدعو الله عليك إن كنت كذبتني » قال: ادع. فدعا عليه، فما برح حتّى أعمى الله عينيه.

٢٣٤ / ٣ - عن عباد بن عبد الله الأسديّ، قال: سمعت عليّاً

__________________

٢ - عنه في مدينة المعاجز: ١٣٩ / ٣٩٢.

(١) زاذان، اختلف في كنيته على أقوال: أبو عمرة، أبو عمروة، وفي ك: أبو عمير، راجع « معجم رجال الحديث ٧: ٢١٢ ».

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٣٢ نحوه، مدينة المعاجز: ١٣٨ / ٣٨٦، شرح النهج لابن أبي الحديد ٢: ٢٨٧، صدر الرواية.

٢٧٠

صلوات الله عليه يقول - وهو في الرحبة -: « أنا عبد الله وأخو رسول الله، ولا يقولها بعدي إلاّ كاذب »(١) .

قال: فقام رجل من غطفان وقال: أنا أقول كما قال هذا الكاذب، أنا عبد الله وأخو رسول الله فخنق(٢) مكانه.

٢٣٥ / ٤ - قال أبو جعفر محمّد بن عمر الجرجانيّ: حدّثني ابن البواب، عن الحسن بن زيد، وحدّثنيه ابن أبي السلميّ، قال: قال: إن ابن أبي غاضية طلبنا نشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله فهربت، فبعث إليّ محمّد بن صفوان - من ولد أبي خلف الجمحيّ - أن أعرني بغلتك. فقلت: لئن أعرتك بغلتي إنّي لكم شبه.

قال: فمشى - والله - على رجليه أربعة أميال، فوافى خالداً عامل هشام بن عبد الملك على المدينة فشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله على المنبر، فقال لابن صفوان: قم يا ابن صفوان. فقام وصعد مرقاة من المنبر، ثمّ استقبل القبلة بوجهه وقال: اللّهمّ من كان يسب عليّاً لترة(٣) يطلبها عنده، أو لذحل(٤) فإنّي لا أسبه إلاّ فيك ولقد كان صاحب القبر يأتمنه وهو يعلم أنّه خائن.

وكان في المسجد رجل فغلبته عينه، فرأى أنّ القبر انفرج(٥) ، وخرجت منه كف قائل يقول: إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله(٦) ، وإن

__________________

(١) في هامش ر، ع، ك: كافر.

(٢) في ش، ص، ع، م: فمسخ.

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٢٣، مختصراً، مدينة المعاجز: ١٣٨ / ٨٧.

(٣) الترة: التبعة أو الثأر « النهاية - وتر - ٥: ١٤٩، لسان العرب - وتر - ٥: ٢٧٤ ».

(٤) الذحل: الثأر، وقيل: العداوة والحقد « لسان العرب - ذحل - ١١: ٢٥٦ ».

(٥) في م: انفتح.

(٦) في ع: فلعنك الله.

٢٧١

كنت كاذبا فأعماك الله.

فنزل الجمحيّ من المنبر فقال لابنه، وهو جالس إلى ركن البيت: قم. فقام إليه فقال: أعطني يدك أتكئ عليها. فمضى به إلى المنزل.

فلمّا خرجا من المسجد نحو المنزل قال لابنه: هل نزل بالناس شرّ وغشيهم ظلمة؟ قال: كيف ذلك؟ قال: لأنّي لا أبصار شيئاً.

قال: ذلك والله بجرأتك على الله، وقولك الكذب على منبر رسول الله (ص). فما زال أعمى حتّى مات، لعنة الله عليه.

٢٣٦ / ٥ - عن أنس، قال: كنت عند رسول الله (ص) أنا وأبو بكر وعمر في ليلة ظلماء مكفهرة، فقال (ص): « ائتوا باب عليّ » فأتيناه(١) فنقر أبو بكر الباب نقراً خفياً، فخرج عليّ صلوات الله عليه وآله متأزرا بإزار من صوف، مرتديا بمثله، في كفّه سيف رسول الله (ص)، فقال لنا: « أحدث حدث؟ » فقلنا: خير، أمرنا رسول الله (ص) أن نأتي بابك، وهو بالأثر.

فإذا قد أقبل رسول الله (ص) فقال: « يا عليّ » قال: « لبيك ».

قال: « أخبر أصحابي بما أصابك البارحة ». قال عليّ: « يا رسول الله إنّي لاستحيي » فقال رسول الله (ص): « إنّ الله لا يستحيي من الحقّ ».

فقال عليّ صلوات الله عليه وآله: « يا رسول الله، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة، وطلبت في البيت ماءً فلم أجده، فبعثت الحسن

__________________

٥ - مناقب المغازلي: ٩٤، مناقب الخوارزمي: ٢١٦، مثله، الطرائف: ٨٥ / ١٢٠، مصباح الأنوار: ١٦٥ / ٣٥، غاية المرام: ٦٣٧، وعنه معالم الزلفى: ٤١٠ ح ٩١.

(١) في ص، ك: اطلبوا عليّاً فخرجنا إليه.

٢٧٢

كذا والحسين كذا، فأبطا عليّ، فاستلقيت على قفاي، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت: قم يا عليّ وخذ السطل؛ واغتسل، وإذا أنا بسطل مملوء من الماء، وعليه منديل من سندس، فأخذت السطل، واغتسلت، ومسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء، فأصابت قطرة منه هامتي، فوجدت بردها على فؤادي ».

فقال النبيّ (ص): « بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت وخادمك جبرئيل، أمّا الماء فمن نهر الكوثر، وأمّا السطل والمنديل فمن الجنّة، كذا أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ».

٢٣٧ / ٦ - عن أحمد بن عمّارة، عن عبد الله بن عبد الجبّار، قال: أخبرني مولاي وسيّدي الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، قال: « كنت مع أبي على شاطئ الفرات، فنزع قميصه وغاص في الماء، فجاء موج فأخذ القميص، فخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام وإذا بهاتف يهتف: يا أمير المؤمنين، خذ ما عن يمينك. فإذا منديل فيه قميص ملفوف، فأخذ القميص ولبسه، فسقطت من جيبه رقعة، مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، هدية من الله العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب، هذا قميص هارون بن عمران( كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ) (١) ».

٢٣٨ / ٧ - عن الحسين بن عبد الرحمن التمّار، قال: انصرفت

__________________

٦ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٢٩، مائة منقبة: ٩٦، مدينة المعاجز: ١٦ / ١٤، إثبات الهداة ٢: ٤٦٠ / ٢٠١.

(١) سورة الدخان / الآية: ٢٨.

٧ - تأويل الآيات ٢: ٨٣٧ / ٥، عنه مدينة المعاجز ١١٠ ح ٢٩٣.

٢٧٣

عن مجلس بعض الفقهاء، فمررت بسليمان الشاذكونيّ، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من مجلس فلان العالم. قال: فما قوله؟ قلت: شيئاً من مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقال: والله لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشي.

قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطّاب فضجّ أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر ومعه أهل المدينة إلى المصلى يدعون الله تعالى ليسكن عنهم الرجفة، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وعزم أهلها بالنقلة عنها، قال عمر انطلقوا بنا إلى أبي الحسن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله. فمضى إليه ودخل عليه ومعه أهل المدينة، فلمّا بصر به قال: يا أبا الحسن، أما ترى إلى قبور البقيع ورجفتها، حتّى قد تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وقد عزم أهلها بالنقلة عنها، والخروج منها؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: « عليّ بمائة من أصحاب رسول الله (ص) » فجاؤوا بهم، فاختار من المائة عشرة، فجعلهم خلفه، وجعل التسعين خلفهم، ودعا سلمان، وأبا ذر، والمقداد بن الأسود الكنديّ، وعمّاراً فجعلهم أمامه، فلم يبق بالمدينة بنت عاتق إلاّ خرجت إلى البقيع، حتّى إذا توسطه ضرب الأرض برجله، وقال: « مالك مالك مالك » ثلاثاً فسكنت الرجفة، وقال أمير المؤمنين: « صدق حبيبي رسول الله (ص)، فلقد أنبأني بهذا الخبر، وبهذا اليوم، وباجتماع الناس له ».

٢٣٩ / ٨ - في كلام آخر عن التمّار، رفعه بإسناده، قال: كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مع بعض أصحابه في مسجد الكوفة، فقال له رجل: بأبي أنت وأمّي، إنّي لأتعجب من هذه الدنيا

__________________

٨ - بصائر الدرجات: ٣٩٥ / ٣، الاختصاص: ٢٧٠.

٢٧٤

التي في أيدي هؤلاء القوم(١) ، وليست عندكم؟! فقال: « أترى أنّا نريد الدنيا ولا نعطاها؟ ».

ثمّ قبض قبضة من الحصى، فإذا هي جواهر، فقال: « ما هذا؟ » قال: هذا من أجود الجواهر. فقال: « لو أردنا هذا لكان، ولكنا لم نرد » ثمّ رمى بالحصى فعاد كما كان.

٢٤٠ / ٩ - عن الحسن البصريّ، قال: أتانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله - وكنت يومئذ غلاماً قد أيفعت - فدخل منزله - في حديث طويل - ثمّ خرج وتبعه الناس، فلمّا صار إلى الجبانة نزل واكتنفه الناس، فخطَّ بسوطه خطة، فأخرج منها ديناراً، ثمّ خطَّ خطة أخرى فأخرج منها ديناراً آخر، حتّى أخرج منها ثلاثة دنانير، فقلّبها في يده حتّى أبصارها الناس، ثمّ ردّها وغرسها بابهامه، ثمّ قال: « ليليك بعدي محسن أو مسيء ».

ثمّ ركب بغلة رسول الله (ص) وانصرف إلى منزله، وأخذنا العلامة(٢) وصرنا إلى الموضع حتّى إذا بلغنا الرشح(٣) فلم نصب شيئا، فقلنا للحسن: ما ترى ذلك من أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال: « أمّا أنا فلا أرى أن كنوز الأرض تسير إلاّ لمثله ».

٢٤١ / ١٠ - عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ، عمّن رواه، قال: إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلّم أراد أن يبعث بمال إلى البصرة، فعلم بذلك رجل من أصحابه، فقال في نفسه: لو أتيته فسألته

__________________

(١) في ص: الناس، وفي ر: الفلاح.

٩ - بصائر الدرجات: ٣٩٥ / ٤، الاختصاص: ٢٧١.

(٢) في المخطوطات: الفلاح، وما أثبتناه من المصادر.

(٣) الرشح: أي وصلوا في الحفر إلى الماء في قعر الأرض.

١٠ - بصائر الدرجات: ٢٦٠ / ٢٠ نحوه.

٢٧٥

أن يبعث معي بهذا المال، فإذا دفعه إليّ أخذت طريق الكرخة(١) فذهبت به.

فأتاه وقال: بلغني أنّك تريد أن تبعث بمال إلى البصرة؟ قال: « نعم » قال: فادفعه إليّ فأبلغه، واجعل لي ما تجعل لمن تبعثه. فقد عرفت صحبتي.

قال: فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه: « خذ طريق الكرخة »(٢) .

٢٤٢ / ١١ - حدّث أبو مهاجر زيد بن رواحة العبديّ، قال: دخلت الكوفة بعد موت الحجّاج فدخلت المسجد الجامع وأنا أقول: الحمد لله الذي أخلى منه الديار والآثار، وجعل مصيره إلى النار؛ فسمعني رجل كان هناك جالساً إلى بعض سواري المسجد، فقال لي: يا رجل، خف الله تعالى على نفسك، واحبس على لسانك، فإنّك في أرض مسبعة، وأوطان موحشة، فإن يك خائناً فقد هلك، وإن يك حامداً فقد ملك.

قال: فأنست به وجلست إليه فتحدّثنا ساعة، ورأيت جماعة منكبة على رجل وهو يحدّثهم، وهم يسمعون منه، ويكتبون عنه، فقلت لصاحبي: من هذا الرجل؟ فقال: رجل شهد مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه البصرة وصفّين والنهروان، والناس يسمعون منه، ويأخذون عنه، وهو رجل له أصل وشرف ولب وعقل.

فقلت له: هل لك أن تدنو منه، فلعلنا نسمع منه شيئاً ننتفع به. قال: نعم. فدنونا منه، فإذا هو يحدِّث عن أمير المؤمنين صلوات الله

__________________

(١، ٢) في المخطوطات: المكرخة، وما أثبتناه من المصادر.

والكرخة: مدينة بخوزستان عامرة صغيرة، انظر « أحسن التقاسيم: ٣٦، ٣١٢ ».

١١ - مدينة المعاجز: ٩٨ / ٢٥١، ذيله الرواية.

٢٧٦

عليه، ويقول: سمعت، ورأيت؛ فاغتنمت(١) ، وأقبلت عليه، وأمهلته حتّى انفضَّ عنه أكثر من كان عنده، وقلت له: أنا رجل من أهل البصرة، خرجت لطلب العلم، وأحببت أن أسمع منك شيئاً أحدِّث به عنك.

فقال: يا أهل البصرة، ما أجرأ الناس على الله تعالى وعلى رسوله (ص)، وعلى هتك الدين وفتنة المسلمين! ألا بشر عليكم أهل الغدر والنكث، بتوثبكم على أهل الحقّ والصدق، وإنّ أوّل الفتنة في هذا الدين من بين أفنيتكم وأنديتكم ولمّا ضربت بجرانها وكنانها، تراغى إليها الأكابر، واصطلى بها الأصاغر، فأذكوا شواظَّها، وألكوا في دلاظها(٢) ، حتّى إذا عمّهم عارها وشنارها رماها الله تعالى بأمير المؤمنينعليه‌السلام وسيّد الوصيّين وأخي رسول ربّ العالمين، فأقشع به عنكم الإفك، وجلى به عنكم الشرك، وقتل به أهل النكث والإفك، وقامت به حجّة الحق، وما كنتم بررة راشدين، ولا جهلة مسترشدين، ولقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير، واستحببتم العمى على الهدى، فبعداً للقوم الظالمين.

قال: فأمسكت عنه حتّى فرغ من كلامه، ثمّ قلت: أيّها الشيخ، لقد عممت أهل البصرة، وقد كان فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والسعيد والشقي، ولقد نصر الله تعالى وليّه ودينه منهم بقوم كما قال الله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٣) قد كشف الله لهم عن قلوبهم وأبصارهم حتّى

__________________

(١) في ر، ك: فاغتمدت، وفي م، وهامش ك: فاغتممت.

(٢) وألكوا في دلاظها: المراد أنهم لاكوا هذه الفتنة وعلكوها، انظر لسان العرب ٧ / ٤٤٤ مادة ( دلظ )، وج ١٠ / ٣٩١ ( الك )، وفي بعض النسخ: أفكوا. والمراد: تقلبوا أو احترقوا في نار هذه الفتنة. انظر لسان العرب: ١٠: ٣٩١ ( أفك ).

(٣) سورة ق الآية: ٣٧.

٢٧٧

عرفوا الحقّ من الباطل، والمحق من المبطل، فجاهدوا في الله مع وليّه حقّ الجهاد.

قال: صدقت ولقد كان معنا منهم يومئذ قوم صبروا ونصروا، فمن أنت؟ قلت: أنا رجل من عبد القيس. فقال: أهلاً بك ومرحباً، بأبي قومك ويومك. ثمّ أدناني وقرّبني، وأقبل عليّ، ثمّ قال لي: والله، لأحدّثنك بما تقرّ به عينك، وتقوى به بصيرتك، ويزداد به إيمانك.

ثمّ قال: قم بنا، وأخذ بيدي إلى منزله، وأكرمني، وأحسن ضيافتي، وقال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: « قيّدوا العلم بالكتابة » وقام، وأخرج صحيفة من جلد أبيض، فيه كتابة فقرأ عليَّ: « حدّثني ربيعة بن سالم الهمدانيّ، قال: لمّا كان اليوم الذي قتل فيه عمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه وكان ابتدأنا من صفين حرباً وطعناً، فاستندت إلى قفة(١) كانت هناك، وأشرفت على الناس، وقد تزحزحوا عن مقاماتهم، وهم يتكفؤون تكفؤ السفينة بأهلها، فمن بين متقدّم لقتال، ومتأخر عن كلال، ما يسمع إلاّ صهيل الخيل، وغمغمة الرجال، وقعقعة اللجم، واصطكاك القنا باختلافها، وخفق الرايات، وقد أخذ العدو الماء، وحفظ الموارد، والناس معطشون، وقد مدّت الخيل أعناقها ولجمها، وعضت على الشكائم، وقلقلت في مواقفها، وقهقرت على أكفالها، وصهلت لأوجالها، وتداعى الناس بآبائهم ( واعتزوا بأنسابهم )(٢) والناس ملتفون، والنساء على المطايا خلال الصفوف يُحرضنّ الرجال على القتال، وقراء القرآن يتلون ما ذكره الله تعالى في كتابه من فضل الجهاد والمجاهدين والصبر عند مواقف الصدق، وقد سمحوا بالأنفس والأموال كأن قد عاينوا الثواب، واستيقنوا

__________________

(١) القفة: الشجرة اليابسة البالية. « النهاية - ٤: ٦١ ».

(٢) في هامش ر: واعتزلوا نسائهم.

٢٧٨

المآب، وأقبلت قبيلة همدان برايتها مع سعيد بن قيس كأنّها سحابة مودقة.

قال ربيعة: فاتكيت على رمحي، ورفعت(١) طرفي إلى السّماء، وقلت في نفسي: يا ربّ، هذا أخو نبيّك ووصيّه، وأحبّ الخلق(٢) إليه، وأزلفهم لديه، وأقربهم منه، وأنصرهم له، وأعلمهم بالدّين، وأنصحهم للمسلمين، وأهداهم للحقّ، وأعلمهم بالكتاب، وأعملهم به، وبما يأتي ويذر، فثبّت كلمته، وقصهم على دعوته، إنّ هذا الأمر ما يرد بهذا الخلق، ولله الخلق والأمر، يصيب برحمته من يشاء، اللهمّ وقد ضعفت عن حمل ذلك، فافتح اللهم لي ما تثبّت به قلبي، وتشرح به صدري، وتطلق به لساني، وتذهب به نزغ الشيطان الرجيم، وهمزه وكيده ووسوسته وخيله ورجله.

قال ربيعة: فلمّا استتم الدعاء إذا أنا بمقرعة بين كتفي، فالتفت فإذا أنا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وهو على بغلة رسول الله (ص) وبيده عنزة(٣) رسول الله (ص)، وكأنّ وجهه كدائرة القمر إذا أبدر، فقال لي: « يا ربيعة، لشد ما جزعت، إنّما الناس رائح ومقيم، فالرائح من يحببه هذا اللقاء إلى جنّة المأوى، وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنّة عرضها كعرض السّماء والأرض، أعدّت للمتقين؛ والمقيم بين اثنين: إمّا نعم مقلّة، أو فتنة مضلّة، يا ربيعة، حيّ على معرفة ما سألت ربا »

ومَرَّ يفري الأرض فرياً واتبعته حتّى خرج عن العسكر، وجازه بميل أو نحوه، وثنى رجله عن البغلة، ونزل وخر على الأرض للدُّعاء، يقلّب كفّيه بطناً وظهراً، فما ردّ يده حتّى نشأت قطعة سحابة كأنّها

__________________

(١) في ر: رجعت.

(٢) في ص، ع: الناس.

(٣) العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر. « النهاية ٣: ٣٠٨ ».

٢٧٩

هقل(١) نعام تدب بين(٢) السماء والأرض، حتّى أظلّتنا، فما عدا ظلّها مركبنا، حتّى(٣) هطلت بشيء كأفواه القرب، وشرب فرسي. من تحت حافره، وملأت مزادي، وارتويت، ورويت، فرسي، ثمّ عاد فركب بغلته، وعادت السحابة من حيث جاءت، وعدت إلى العسكر، فتركني وانغمس في الناس.

٢٤٣ / ١٢ - عن عاصم بن شريك، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام منزل عائشة، فنادى: « يا فضة، ائتينا بشيء من ماء نتوضأ به، » فلم يجبه أحد، ونادى ثلاثاً، فلم يجبه أحد، فولّى عن الباب يريد منزل الموفقة السعيدة الحوراء الإنسية فاطمةعليها‌السلام ، فإذا هو بهاتف يهتف ويقول: يا أبا الحسن دونك الماء فتوضأ به. فإذا هو بإبريق من ذهب مملوء ماء عن يمينه، فتوضأ، ثمّ عاد الإبريق إلى مكانه، فلمّا نظر إليه رسول الله (ص) قال: « يا عليّ ما هذا الماء الذي أراه يقطر كأنّه الجمان(٤) ؟ ».

قال: « بأبي أنت وأمّي، أتيت منزل عائشة فدعوت فضة تأتينا بماء للوضوء ثلاثاً فلم يجبني أحد، فوليت، فإذا أنا بهاتف يهتف وهو يقول: يا عليّ دونك الماء. فالتفت فإذا أنا بإبريق من ذهب مملوء ماء ».

فقال: « يا عليّ تدري من الهاتف؟ ومن أين كان الإبريق؟ »

__________________

(١) الهقل: الغني من النعام. « القاموس المحيط - هقل - ٤: ٧١ ».

(٢) في م: بدت من.

(٣) في ر: ثم.

١٢ - أمالي الصدوق: ١٨٧ نحوه؛ مائة منقبة لابن شاذان: ٩٩ منقبة ٤٢ نحوه، عنه معالم الزلفى: ٤١١، ومدينة المعاجز: ٩٦ ح ٢٤٦.

(٤) الجمانة: حبّة تعمل من الفضة كالدرّة، وجمعها جمان. « الصحاح ٥: ٢٠٩٢ ».

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617