حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول12%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218987 / تحميل: 5245
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

* هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده بلحاظ خصوص ماله من الاثر بلا واسطة، أو تنزيلة بلوازمه العقلية أو العادية كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات، أو بلحاظ مطلق ماله من الاثر ولو بالواسطة بناء على صحة التنزيل (١) بلحاظ أثر الواسطة ايضا لاجل أن اثر الاثر أثر وذلك لأن مفادها لو كان هو تنزيل الشئ وحده بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها لعدم احرازها حقيقة ولا تعبدا ولا يكون تنزيله بلحاظه بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثارها فانه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها (والتحقيق) ان الاخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه

______________________________

أثرا للمستصحب فلا يكون التعبد بلحاظه، ولو حمل على الثاني يترتب الاثر المذكور لأنه أثر بالواسطة، وكذا على الثالث لثبوت نفس الواسطة باستصحاب موضوعها فلابد أن يترتب أثرها (قوله: هو تنزيل) إشارة إلى الاحتمال الأول (قوله: أو تنزيله) إشارة إلى الاحتمال الثاني (قوله: أو بلحاظ) إشارة إلى الاحتمال الثالث (قوله: لاجل ان اثر) هذه الكلية جارية على المسامحة كما سيأتي (قوله: وذلك لأن) بيان وتعليل لقوله: ومنشؤه ان... الخ (قوله: عليه) يعني على المستصحب (قوله: عليها) يعني على الواسطة وقوله: لعدم. تعليل لقوله: لم يترتب (قوله: ولا يكون) معطوف على عدم (قوله: تنزيله بلوازمه) كما هو الاحتمال الثالث (قوله: أو بلحاظ) كما هو الاحتمال الثاني (قوله: والتحقيق ان الاخبار) شروع

______________

(١) ولكن الوجه عدم صحة التنزيل بهذا اللحاظ ضرورة انه ما يكون شرعا لشئ من الاثر لا دخل له بما يسلتزمه عقلا أو عادة وحديث أثر الاثر أثر وان كان صادقا إلا انه إذا لم يكن الترتب بين الشئ وأثره وبينه وبين مؤثره مختلفا وذلك ضرورة انه لا يكاد يكون الاثر الشرعي لشئ أثرا شرعيا لما يستلزمه عقلا أو عادة أصلا لا بالنظر الدقيق العقلي ولا النظر المسامحي العرفي إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا لذيها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما عدا شيئا واحدا ذا وجهين واثر أحدهما أثر الاثنين كما يأتي الاشارة إليه فافهم منه قدس سره

٤٨١

في تعيين الاحتمال الاول (وتوضيح) ذلك: انه لا مجال للمصير إلى الاحتمال الثاني لما عرفت من أن اليقين في قوله (ع): لا تنقض اليقين، لما كان ملحوظا عبرة إلى نفس المتيقن لم يقتض إلا التعبد به ظاهرا عند الشك في بقائه واما الواسطة العقلية والشرعية وكذا ملازمات المستصحب وملزومه فهي أجنبية عن هذا التعبد فكيف يصح استفادة التعبد بها من الدليل المذكور (فان قلت): لا فرق بين الواسطة غير الشرعية والواسطة الشرعية فكما أن مقتضى التعبد بشئ التعبد باثره الشرعي فليكن مقتضى التعبد به التعبد باثره غير الشرعي (قلت): الفرق هو أن دليل الاستصحاب كسائر أدلة الأحكام الظاهرية والواقعية لما (كان واردا) في مقام احداث الداعي مثلا إلى العمل وكان العمل لا يترتب على نفس الموضوع وانما يترتب على حكمه كان التعبد بالموضوع بقرينة ذلك ظاهرا في التعبد بحكمه، اما اللازم العقلي أو العادي فلما لم يكن دخيلا في العمل بنفسه لم يكن لا تعبد بموضوعه ظاهرا في التعبد به بل كان اللازم المذكور كسائر الامور الخارجية المشكوكة التي تكون أجنبية عن المستصحب بالمرة ليس موضوعا للتعبد أصلا (هذا) وربما يقال بانه لا يعتبر في صحة الاستصحاب كون الاثر المتعبد به عمليا إلا بلحاظ أثره كما في الآثار الشرعية الوضعية حسبما يأتي في التنبيه الثامن، وعليه فلا فرق بين هذه الآثار والآثار العقلية والعادية (وربما) يدفع الاشكال من أصله بان ظاهر الدليل كون التعبد بالموضوع بلحاظ جعل الاثر حقيقة، وبذلك يظهر الفرق بين الآثار الشرعية مطلقا ولو كانت وضعية غير عملية وبين الآثار العقلية والعادية لامتناع جعل الثانية حقيقة لأنها غير شرعية (وفيه) انه قد لا يمكن جعل الاثر حقيقة لخروج موضوعه عن محل الابتلاء كما لو نذر ان يصوم يوم الخميس على تقدير حياة ولده ونذر ان يتصدق بدرهم على تقدير وجوب الصوم عليه يوم الخميس ثم غفل عن ذلك إلى يوم الجمعة فانه لا ريب في انه يصح استصحاب الحياة ليترتب عليه وجوب صوم الخميس ليترتب عليه وجوب الصدقة بدرهم مع انه لا معنى لجعل صوم يوم الخميس بعد انقضائه لخروجه عن محل الابتلاء، فاما أن يلتزم بالمنع عن الاستصحاب في أمثال ذلك وهو كما ترى، أو بكفاية التعبد بالاثر في صحة الاستصحاب فيرجع اشكال الفرق بين

٤٨٢

الآثار الشرعية وغيرها لصحة التعبد بالجميع بلحاظ العمل ولو بالواسطة، فلابد في دفع الاشكال من دعوى انصراف دليل الاستصحاب إلى خصوص الموضوعات المذكورة في الكبريات الشرعية بلحاظ مالها من الآثار الشرعية المضافة إليها إضافة خاصة سواء كانت عملية بلا واسطة أم بواسطة كما سيأتي بيان ذلك اجمالا في التنبيه الثامن فانتظر (ولا مجال) ايضا للمصير إلى الاحتمال الثالث فان أثر الواسطة ليس اثرا لنفس المستصحب وإلا كان خلفا بعد ما كانت الواسطة غير المستصحب، وقضية أن اثر الاثر اثر مبنية على العناية والتجوز فثبوت الاثر المذكور يتوقف التعبد به إما على كونه موردا للاستصحاب أو كون موضوعه موردا له ليكون التعبد به من لوازم التعبد بموضوعه ولا يكون التعبد به من لوازم التعبد بغير موضوعه فالتعبد بوجود النار انما يقتضي التعبد بآثارها الشرعية ولا يقتضي التعبد بآثار الاحراق وانما المقتضي لذلك هو التعبد بالاحراق المتوقف على جريان الاستصحاب فيه نفسه (هذا كله) بناء على مذاق المصنف (ره) من كون مفاد دليل الاستصحاب التعبد بنفس المتيقن، أما (بناء) على ما استظهرناه من أن مفاده وجوب ان يعمل الشاك عمله مع اليقين فقد يشكل نفي الاصل المثبت، لأن المراد من عمل اليقين، إن (كان) خصوص العمل المترتب على المتيقن بلا واسطة اختص الدليل بالاحكام إذ اليقين بالموضوع مما لا يترتب عليه عمل الا بلحاظ اليقين بحكمه وهو خلاف مورد النص أعني الطهارة التي هي من الموضوع، وان كان المراد به الاعم مما كان بواسطة عم العمل المترتب على اثر الواسطة مطلقا شرعية كانت ام لابل اعم مما كانت لازما أو ملزوما أو ملازما، ولابد ان يدفع ايضا بما اشرنا إليه من أن منصرف الدليل خصوص الشك في بقاء ما هو ماخوذ في القضايا الشرعية موضوعا أو محمولا أو قيدا لاحدهما دون ما لم يكن كذلك، والمشكوك الذي يكون لازمه موضوعا للاثر الشرعي ليس مأخوذا في القضية الشرعية بل المأخوذ خصوص لازمه فلا وجه لاجراء الاستصحاب فيه وبالجملة: لنا في جميع موارد الاصول المثبتة قضيتان احداهما غير شرعية وهي الحاكية عن نسبة الواسطة إلى موضوعها، واخرى شرعية وهي الحاكية عن نسبة الاثر الشرعي إلى الواسطة، وظاهر ادلة الاصول هو التعرض لهذه القضية الشرعية دون الاولى. مثلا إذا كان احراق مال الغير

٤٨٣

من آثاره وأحكامه ولا دلالة لها بوجه على تنزيله بلوازمه التي لا يكون كذلك كما هي محل ثمرة الخلاف ولا على تنزيله بلحاظ ماله مطلقا ولو بالواسطة فان المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه وأما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها اصلا وما لم يثبت لحاظها بوجه ايضا لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه به كما لا يخفى (نعم) لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة (فافهم)

______________________________

موجبا لضمانه شرعا يتصور قضيتان: احداهما: النار محرقة، وهي غير شرعية، وثانيتهما: الاحراق موجب للضمان، وهي شرعية ودليل الاستصحاب كسائر ادلة الاصول بل جميع ادلة الاحكام الظاهرية حتى ادلة الامارات انما تتعرض لخصوص القضية الشرعية موضوعها أو محمولها لا القضية غير الشرعية، ولا ينافي ذلك كون الامارات المثبتة حجة لأن الامارة انما تدخل تحت دليل الحجية بلحاظ مدلولها الالتزامي لا المطابقي فهي بلحاظ المدلول المطابقي غير مشمولة لدليل الحجية كالاستصحاب الجاري في موضوع الواسطة ذات الاثر الشرعي. فلاحظ وتأمل والله سبحانه اعلم (قوله: من آثاره واحكامه) سواء ترتب العمل عليها بلا واسطة كما في استصحاب الطهارة من الحدث المترتب عليه جواز مس كتابة القرآن ام بواسطة كما في مثال النذر المتقدم (قوله: كذلك) يعني من آثاره واحكامه قوله: ثمرة الخلاف) لان ثمرة الخلاف انما تظهر في الآثار الشرعية الثابتة لاثر غير شرعي للمستصحب واما الآثار الشرعية الثابتة للاثر الشرعي للمستصحب فقد عرفت انها تترتب على كل حال (قوله: ولا على تنزيله) اشارة إلى منع الاحتمال الثاني (قوله: آثار نفسه) اما آثار الواسطة فيتوقف ترتيبها على التعبد بالواسطة الذي هو مفاد الاحتمال الثاني الذي تقدم بطلانه (قوله: نعم لا يبعد ترتيب خصوص) اشارة إلى ما ذكره شيخنا الاعظم (قدس سره) من انه إذا كان الاثر مترتبا على واسطة خفية بنحو يكون خفاؤها موجبا لان يكون الاثر في نظر العرف اثرا للمستحصب فلا يبعد دلالة دليل الاستصحاب على وجوب ترتيب الاثر المذكور حينئذ (وربما) اشكل عليه بانه لا عبرة بخطأ العرف في تطبيق مفاد الدليل

٤٨٤

كما لا يبعد ترتيب ما كان بواسطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا كما لا تفكيك بينهما واقعا أو بواسطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته

______________________________

بل العبرة بنظرهم في تشخيص نفس مفاده (واجاب) عنه المصنف (ره) في الحاشية بانه انما يتم لو فرض كون المستفاد من الدليل كون التنزيل بلحاظ الاثر بلا واسطة حقيقة، اما لو كان المستفاد منه كون التنزيل بلحاظ الاثر بلا واسطة عرفا فلا يكون خطأ في التطبيق اصلا بل هو تشخيص للمفهوم من الدليل (ويمكن) أن يخدش بان ما ذكر فرض مجرد فان مفاد الدليل ليس الا تنزيل المشكوك منزلة المتيقن ومن المعلوم أن المصحح للتنزيل المذكور هو جعل احكام المتيقن بلا واسطة فيستكشف من دليل التنزيل ذلك اعني جعل الاحكام ظاهرا اجمالا. اما تشخيص ان هذا من احكام المتيقن أو من احكام غيره فليس مما يرجع فيه إلى العرف لأنه من التطبيق الذي لا يكون من وظائفه، بل قد عرفت أن جعل اثر الواسطة متوقف على جعل الواسطة ولو كانت خفية، ولاجل ما ذكرنا لو اطلع العرف على الخطأ في نسبة الاثر إلى المستصحب لا مجال له في استفادة ترتيبه من دليل الاستصحاب ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله (فافهم) (قوله: كما لا يبعد ترتيب) هذا اشارة إلى وجوب ترتيب آثار الواسطة غير الشرعية في صورتين اخريين (احداهما) ان تكون الواسطة بنحو لا يمكن التفكيك عرفا بين التعبد بها والتعبد بالمستصحب فماذا دل الدليل على التعبد بالمستصحب دل على التعبد بها بالالتزام فيترتب حينئذ اثرها، ومثل له في الحاشية بالمتضايفات كالابوة والبنوة فان التعبد بابوة زيد لعمرو ملازم عرفا للتعبد ببنوة عمرو لزيد (وثانيتهما) ان تكون الواسطة لوضوح لزومها أو ملازمتها للمستصحب تعد آثارها عرفا اثار اللمستصحب فترتب على ثبوته بالاستصحاب (ويمكن) ان يخدش في الاولى بان ذلك يتم لو كان الدليل دالا على التعبد به بالخصوص كما لو قال: زيد أب لعمرو. اما لو كان التنزيل بلسان العموم كما في المقام فلا دلالة له (وفي الثانية) بما عرفت في صورة خفاء الواسطة، بل لعل وروده هنا اولى إذ وضوح اللزوم مع وضوح الواسطة ليس الا مصححا لادعاء نسبة الآثار إلى المستصحب

٤٨٥

معه بمثابة عد أثره اثرا لهما فان عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك ايضا بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا (فافهم) ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والامارات فان الطريق أو الامارة حيث انه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها كان مقضتى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها

______________________________

بلا تطبيق حقيقي ولو كان خطئيا فتأمل جيدا (قوله: معه) يعني المستصحب (قوله: فافهم) لعله اشارة إلى بعض ما ذكرنا أو جميعه (قوله: ثم لا يخفى وضوح الفرق) (توضيح) الفرق: أن الحجج الشرعية سواء كانت طرقا إلى الاحكام مثل الخبر ام امارة على الموضوعات مثل البينة لها واقعية في انفسها مع قطع النظر عن دليل الحجية، كما أن لها حكاية عن مدلولها المطابقي والالتزامي ودلالتهما على احدهما كدلالتهما على الآخر، فاطلاق دليل الحجية يقتضي حجيتها في جميع مداليلها المطابقية والالتزامية، فإذا كان المستفاد من دليل الحجية تنزيل مؤداها منزلة الواقع فذلك التنزيل لا يختص بالمدلول المطابقي بل كما يكون له يكون للمدلول الالتزامي ومقتضى ذلك ترتيب آثار كل من المدلول المطابقي والالتزامي بلا فرق بينهما بخلاف الاصول سواء كانت حكمية ام موضوعية فانها ليست الا عبارة عن نفس التنزيل الشرعي مثلا المؤدى بدليله فيختص بموضوعه، ولا وجه للتعدي إلى غيره، مثلا قوله (ع): كل شئ طاهر حتى تعلم انه قذر، ليس مفاده الا تنزيل مشكوك الطهارة منزلة الطاهر فإذا كان لازم كون الشئ الفلاني طاهرا أن يكون الشئ الفلاني نجسا فليس مفاد الدليل كون الشئ الآخر نجسا لما عرفت من انه لا بدل عليه الكلام المذكور بوجه، بخلاف البينة فانها إذا قامت على طهارة شئ وكان لازم طهارته نجاسة شئ آخر فانها تدل على نجاسة الآخر بالالتزام فاطلاق دليل حجيتها يقتضي حجيتها في جميع مداليلها فيترتب جميع الآثار المترتبة على

٤٨٦

وقضيته حجية المثبت منها كما لا يخفى، بخلاف مثل دليل الاستصحاب فانه لابد من الاقتصار بما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته ولا دلالة له إلاعلى التعبد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الاصول التعبدية إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو شدة وضوحها وجلائها حسبما حققناه

______________________________

طهارة الشئ التي هي مدلول مطابقي لها وعلى نجاسة الآخر التي هي مدلول التزامي (فان قلت): حكاية البينه على المدلول الالتزامي ليست حكاية بالفعل بل بالقوة بل ربما لا تكون بالقوة كما لو كان الشاهدان لا يعتقدان اللزوم فكيف تكون البينة حجة في اللازم (قلت): المراد من البينة الحاكية بالالتزام هو نفس خبر الشاهدين، ومن الواضح أن دلالة الخبر على معناه المطابقي بالمطابقة كدلالته على معناه الالتزامي بالالتزام دلالة فعلية غير متوقفة على اعتقاد المخبر اللزوم فتدخل تحت إطلاق دليل الحجية كل من الدلالتين بلا فرق (نعم) ربما لا يكون للدليل اطلاق يشمل الدلالة الالتزامية مطلقا أو خصوص دلالته على بعض اللوازم معينا فلا تكون دلالته على اللازم حينئذ حجة. (ومنه) يظهر أنه لا ملازمة بين كون الشئ إمارة وكونه حجة على ترتيب آثار لازم مؤداه إذ قد لا يكون لدليل الحجية اطلاق يقتضي ذلك كما في مثل اليد التي هي امارة شرعا على الملكية، وظهور حال الفاعل الناشئ من الغلبة أو غيرها الذي هو امارة شرعا على الصحة فانه لا يثبت بهما جميع اللوازم مع كونهما امارتين (قوله: وقضيته حجية) لا يخلو من تأمل لما عرفت من أن ترتيب اثر اللازم لاجل ثبوت الحجية للدلالة الالتزامية في عرض حجية الدلالة المطابقية لا في طولها حتى يكون من جهة ان المثبت من الامارات حجة وانما يصح على الحقيقة دعوى الاثبات للامارات لو كان ترتيب آثار اللازم لأجل دخول الدلالة المطابقية تحت دليل الحجية فتأمل (قوله: الا فيما) قد عرفت الاشكال فيه

٤٨٧

(الثامن) أنه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شئ أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشايع ويتحد معه وجودا كان منتزعا

______________________________

التنبيه الثامن

(قوله: الثامن انه لا تفاوت في الاثر) تضمن هذا التنبيه الاشارة إلى موارد ربما توهم كون الاصل الجاري فيها مثبتا مع انه ليس كذلك (احدها) الموضوعات الخارجية فقد يتوهم كون الاصل الجاري لاثباتها مثبتا لعدم كون الأثر الشرعي مترتبا عليها وانما يترتب على الطبيعي المنطبق عليها فاثبات اثر الطبيعي باستصحابها عمل بالأصل المثبت (وتوضيح) اندفاع التوهم: ان الطبيعي المجعول موضوعا للاثر اما ان يكون ملحوظا عبرة للافراد واما ان يكون ملحوظا لنفسه، فعلى الأول لا مجال للتوهم المزبور لأن الفرد في الحقيقة هو موضوع الاثر لا الطبيعي، وعلى الثاني فالطبيعي وان كان هو الموضوع للاثر الا ان الطبيعي لما كان منتزعا عن ذات الفرد كان الأثر ثابتا للفرد ايضا بذاته حقيقة فاجراء الاصل فيه اجراء له في موضوع الأثر الشرعي (ثانيها) الاستصحاب الجاري في بعض الموضوعات لترتيب اثر شرعي مترتب على بعض المفاهيم الاعتبارية مثل الغصب والملك وغيرهما مثل استصحاب عدم رضا المالك ببقاء ماله في يد الاجنبي ليترتب عليه ضمانه، مع ان الضمان من آثار الغصب (ويندفع) بأن اثر الغصب انما يثبت حقيقة لنفس المستصحب لأن الغصب ليس له ما بحذاء حتى يكون موضوعا لاثره بل هو منتزع عن نفس وضع اليد على مال الغير بدون رضاه، فعدم الرضا موضوع لحرمة الوضع وسبيته للضمان، فلا مانع من استصحابه لترتيب اثره، ولو نذر الصدقة بدرهم على تقدير حياة ولده فان كان مفاد النذر تمليك الله سبحانه نفس الصدقة بالدرهم كما هو الظاهر من اللام في قول الناذر: لله علي ان اتصدق كان، تملك

٤٨٨

عن مرتبة ذاته أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة فان الاثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه لا لغيره مما كان مبائنا معه أو من اعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة

______________________________

الله سبحانه للصدقة من آثار الحياة فاستصحابها استصحاب لذي أثر فيترتب عليه التملك: ولازمه وجوب الصدقة. ان كان مفاد النذر مجرد الالتزام له سبحانه على تقدير الحياة فالوفاء بهذا النذر منتزع عن الصدقة بالدرهم في ظرف الحياة، فوجوب الوفاء حقيقة وجوب للصدقة على تقدير الحياة فالاستصحاب الجاري لاثبات الحياة جار في موضوع الاثر الشرعي كالاستصحاب الجاري في العدالة لاثبات جواز الائتمام أو قبول الشهادة أو غير ذلك. نعم لو كان الوفاء بالنذر أمرا حقيقيا لا يتحد مع الصدقة على تقدير الحياة لم ينفع في ترتيب آثاره استصحاب الحياة (قوله: عن مرتبة ذاته) كما في الطبيعي وافراده (قوله: أو بملاحظة) كما في الامور الاعتبارية (قوله: بعض عوارضه) الضمير راجع إلى المستصحب والمراد ببعض العوارض الخصوصيات الخارجية المصححة للانتزاع مثل عدم رضا المالك المصحح لاعتبار الغصب فان عنوان الغصب منطبق على وضع اليد على مال الغير والمصحح لاعتباره عدم رضا المالك، ومثل عنوان الوفاء المنطبق على نفس الصدقة بالدرهم فان المصحح لاعتباره حياة الولد إذ في حال موت الولد لا تكون الصدقة بالدرهم وفاء بالنذر المعلق. لأن الوفاء بالنذر العمل بمقتضاه ومع موت الولد المعلق على عدمه النذر لا يكون له اقتضاء شئ اصلا (قوله: مما هو خارج) بيان للفمهوم المنتزع بملاحظة بعض العوارض (قوله: لا بالضميمة) هو معطوف على خارج المحمول أي لا المحمول بالضميمة وهو الذي له ما بازاء في الخارج كما في المفاهيم الحقيقة (قوله: فان الاثر) بيان لأنه لا تفاوت (قوله: يكون له) أي للمستحب (قوله: لا لغيره مما كان) فان الاثر الثابت للمباين المستصحب في الخارج أو للمتحد

٤٨٩

كسواده مثلا أو بياضه، وذلك لأن الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده كما ان العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الاثر لا شئ آخر فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم، وكذا لا تفاوت في الاثر المستصحب أو المترتب عليه بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف

______________________________

معه فيه مع أن له ما بحذاء غير المستصحب لا يكون للمستصحب فلا يجوز الاستصحاب لترتيب الاثر المذكور إلا باجرائه في نفس موضوعه وهو الامر المباين أو ما يكون ما بحذاء المفهوم (قوله: وذلك لأن) بيان لكون الاثر في الصورتين للمستصحب (قوله: وكذا لا تفاوت في الاثر) هذا إشارة إلى المورد الثالث مما توهم كون الاستصحاب فيه مثبتا وهو الأجزاء والشرائط والموانع فانها ليست بذات اثر شرعي بل هو للكل والمشروط والممنوع فاجراء الاصل في وجود الكل أو الشرط أو عدم المانع لاثبات الكل أو المشروط أو الممنوع فيترتب عليها آثارها اعمال للاصل المثبت. ودفعه المصنف (ره) بان المراد من الاثر الشرعي المصحح للتعبد بالمستصحب ليس خصوص الاثر التكليفي بل يعمه والوضعي المنتزع من التكليفي وقد تقدم ان الجزئية والشرطية والمانعية من الاعتبارات المنتزعة من التكليف فيكفي ترتبها في صحة استصحاب الجزء والشرط والمانع (وتحقيق الحال): ان المراد من كون الشئ موضوعا للاثر الشرعي كونه طرفا لاضافة خاصة قائمة بينه وبين الأثر الشرعي سواء كانت من قبيل اضافة الموضوع والحكم أم من قبيل اضافة السبب والمسبب أم من قبيل اضافة الظرف والمظروف أم من قبيل آخر، فإذا قيل: يجب عليك اكرام العادل باعطاء صاع من تمر وأنت ظاهر لابس ثوبا أبيض، فكل واحد من مفردات القضية المذكورة بينه وبين الحكم نحو خاص من الاضافة فتحكيه بعبارة خاصة فتقول: العادل يجب اكرامه، والاعطاء للعادل واجب، وصاع التمر يجب اعطاؤه للعادل، والتمر

٤٩٠

وبعض انحاء الوضع، أو بمنشأ انتزاعه كبعض انحائه

______________________________

يجب اعطاء صاع منه للعادل، والطاهر يجب أن يعطي للعادل، واللابس ثوبا يجب ان يعطي للعادل، والثوب الأبيض يجب على لابسه أن يعطى للعادل، والابيض من الثياب يجب على لابسه ان يعطي للعادل... وهكذا، ولأجل ذلك كان الاثر المذكور وهو الوجوب اثرا لكل واحد من مفردات القضية الشرعية له نحو اضافة إليه غير ما للآخر. ويكفي ذلك في جواز استصحابه، فيجوز استصحاب كل من العدالة والاعطاء والصاع والتمر والطهارة واللبس والثوب والبياض عند الشك فيه، ولا فرق بين نفس الاعطاء الذي هو موضوع الحكم التكليفي وبين غيره من العناوين المذكورة في القضية، فان كان مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كان مفاد استصحاب كل واحد من مفردات القضيه المذكورة جعله حال كونه مشكوكا منزلة المتيقن في كونه طرفا للاضافة الخاصة، وان كان مفاده وجوب جعل عمل الشاك عمل المتيقن فقد عرفت ان منصرفه خصوص العمل من حيث كون المتيقن طرفا للاضافة الخاصة القائمة بينه وبين الاثر الشرعي الذي تضمنته الكبرى الشرعية. ومن هذا يظهر لك ضابطة كون الأصل مثبتا أو غير مثبت فان كل أصل يجري فيما هو مذكور في القضية الشرعية الموجب لكونه طرفا لاضافة خاصة لترتيب العمل بلحاظ تلك الاضافة فليس بمثبت، وما لا يكون كذلك فهو مثبت، ويشهد بذلك الصحيحتان الاوليان الواردتان في الطهارة من الحدث والخبث التي هي من قيود الموضوع لا نفسه فان المورد المذكور قرينة قطعية على عموم الدليل فضلا عن ظهوره في نفسه بالعموم والله سبحانه أعلم (قوله: وبعض انحاء الوضع) يعني القسم الثالث من أقسام الوضع المتقدمة، والوجه في شموله لذلك ما عرفت من أن ظاهر الدليل كونه ناظرا إلى الكبريات الشرعية سواء كانت أحكامها تكليفية أم وضعية فيجوز استصحاب طهارة الماء لاثبات مطهريته كما يجوز استصحاب نجاسته لاثبات نجاسة ملاقه

٤٩١

كالجزئية والشرطية والمانعية، فانه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه، ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت كما ربما توهم بتخيل: أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل من الامور الانتزاعية (فاهم) وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه وعدمه، ضرورة أن امر نفيه بيد الشارع كثبوته وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح، فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة

______________________________

وكذا استصحاب ملك الميت لاثبات ملك الوارث إلى غير ذلك (قوله: كالجزئية) إذ بنينا على ان الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي الضمني لم يكن مجال للاشكال (قوله: ولو بوضع منشأ انتزاعه) قد تقدم الكلام في الشرطية والمانعية وانها متنزعة من التكليف أولا فراجع (قوله: وكذا لا تفاوت في) هذا من الموارد التي يشكل جريان الأصل فيها أيضا من جهة عدم الاثر المجعول وهو عدم الموضوع أو عدم الحكم فان الثاني ليس بمجعول فلا يجري الاصل فيه ولا في الاول لأنه موضوعه (ويندفع) بان الاثر الشرعي المصحح لجريان الاصل فيه أو في موضوعه يراد منه ما يكون أمره بيد الشارع الاقدس، وهذا كما ينطبق على كل واحد من الأحكام المجعولة ينطبق على عدمها لأن نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة فلا يكون الوجود مقدورا الا والعدم مثله، غاية الأمر أن العدم ليس بمجعول ولا يسمى حكما كما كان الوجود مجعولا ويسمى حكما (قوله: أمر نفيه) يعني نفي الاثر (قوله: على عدمه) يعني عدم الاثر إذ الحكم يراد منه نفس الاثر لا عدم الاثر (قوله: على اعتباره) يعني اعتبار اطلاق الحكم (قوله: من طرف ثبوته) يعني حيث يكون ثبوته

٤٩٢

من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية فان عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول إلا انه لا حاجة إلى ترتيب اثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر فتأمل (التاسع) أنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الاثر غير الشرعي ولا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان

______________________________

مجرى للاستصحاب (قوله: بما في الرسالة) يعني رسالة البراءة لشيخنا الأعظم (قدس سره) (قوله: من ان عدم استحقاق) عبارة الرسالة ظاهرة في عدم جواز استصحاب عدم استحقاق العقاب لأنه ليس من اللوازم المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع في الظاهر لا عدم جواز استصحاب عدم المنع لأن الاثر المذكور ليس مصصحا لجريان الاستصحاب فيه. فلتلحظ، بل المستفاد منها أن المانع من جريان اصالة عدم المنع ان حكم العقل بقبح العقاب من لوازم الشك في المنع فلا حاجة إلى اثباته بالاصل فراجع (قوله: لازم مطلق عدم) يعني حكم العقل بعدم استحقاق العقاب ليس من لوازم عدم المنع الواقعي حتى لا يترتب بالاستصحاب لأنه غير مجعول بل من لوازم الاعم من عدم المنع الواقعي والظاهري فإذا ثبت بالاستصحاب عدم المنع الظاهري ترتب عليه عدم استحقاق العقاب، هذا ولكن عرفت ان شيخنا الأعظم (قدس سره) يرى انه من لوازم عدم ثبوت المنع الواقعي فيترتب بمجرد الشك ولا يحتاج في ترتبه إلى الاستصحاب

التنبيه التاسع

(قوله: ان عدم ترتب) كما تقدم في التنبيه السابع. وحاصل المراد: ان ما تقدم من انه لا يترتب بالاستصحاب الاثر غير الشرعي ولا اثره وان كان شرعيا

٤٩٣

له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر حسبما عرفت فيما مر لا بالنسبة إلى ما كان للاثر الشرعي مطلقا كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب فان آثاره شرعية كان أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت ولو بان يستصحب أو كان من آثار المستصحب وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب فلا تغفل (العاشر) أنه قد ظهر مما مر لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو ذا حكم كذلك، لكنه لا يخفى أنه لا بد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك - أي حكما - أو ذا حكم يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف فانه وان لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم

______________________________

انما هو بالنسبة إلى الاثر الثابت لنفس الواقع المستصحب، أما لو كان الاثر غير الشرعي مترتبا على الاثر الواقعي والظاهري معا فانه يترتب بالاستصحاب ولو لم يكن شرعيا لثبوت موضوعه وهو الاثر الظاهري بالاستصحاب فيتبعه اثره (قوله: الشرعي مطلقا) يعني واقعيا كان ام ظاهريا وهذا هو المراد بقوله (ره) كان بخطاب... الخ، يعني سواء كان... الخ (قوله: آثاره) يعني آثار الأثر الشرعي (قوله: إذا ثبت) يعني ثبت ولو ظاهرا بان يستصحب... الخ (قوله: وذلك لتحقق) تعليل لترتب الآثار الشرعية وغيرها على الاثر الثابت بالاستصحاب (قوله: من وجوب الموافقة) بيان لما للوجوب عقلا من الآثار (قوله: بغير الاستصحاب) كالعلم والدليل

التنبيه العاشر

(قوله: لابد ان يكون) يعني يعتبر ذلك في زمان بقائه وهو زمان التعمد

٤٩٤

إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا أو كان ولم يكن حكمه فعليا وله حكم كذلك بقاء وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل كما إذا قطع بارتفاعه يقينا، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه وفى تنزيلها بقاء (فتوهم) اعتبار الأثر سابقا كما ربما يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم

______________________________

ولا يعتبر ذلك في حدوثه (قوله: الا انه حكم مجعول) قد تقدم انه ليس بحكم ولا مجعول إلا أن يراد من كونه مجعولا أنه أمر شرعي بقرينة قوله: لما عرفت... الخ إذ لم يتقدم منه انه مجعول بل المتقدم أن امره بيد الشارع. فتأمل (قوله: فيما لا يزال) يعني في المستقبل وهو زمان استصحابه الذي هو زمان الشك في بقائه وارتفاعه فانه لابد ان يكون حينئذ شرعيا والا امتنع الشك في بقائه كما هو ظاهر (قوله: موضوع لم يكن) كما في جميع الاعدام الازلية المستصحبة إلى زمان ثبوت الأثر الشرعي كعدم التذكية المستصحب إلى زمان الموت فانه حال الحياة لا اثر له وانما يكون اثره بعد الموت، وكما لو تطهر في وقت ثم غفل واراد الصلاة فان الطهارة قبل الصلاة ليس لها اثر فعلي وانما يكون اثرها حال الصلاة فلا مانع من استصحابها حال الصلاة (قوله: والعمل كما إذا) بيان لرفع اليد وقوله: (كما) متعلق بالعمل (قوله: ووضوح) معطوف على (صدق) يعني أن ترتب الأثر قبل زمان الشك لا يتوقف عليه التعبد به في زمان الشك وانما يتوقف التعبد على وجود الأثر في زمان التعبد فهو المعتبر لا غير (قوله: ثبوتا فيه) ثبوتا تمييز للاثر وفيه متعلق بدخل وضميره راجع إلى النقض (قوله: وفي تنزيلها) معطوف على (فيه) وضمير المؤنث راجع إلى الحالة السابقة يعني لا يتوقف التعبد ببقاء الحالة السابقة على ثبوت اثر لحدوثها بل يكفي ثبوت اثر لبقائها في زمان التعبد (قوله: من اعتبار) متعلق ب‍ (يتوهمه)

٤٩٥

(فاسد) قطعا فتدبر جيدا (الحادي عشر) لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع وأما إذا كان الشك في تقدمه وتاخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان لوحظ بالاضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا اشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الاول وترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلا بدعوى خفاء الواسطة أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان وتاخره عنه عرفا كما لا تفكيك بينهما واقعا ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني فانه نحو وجود خاص (نعم) لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء

______________________________

التنبيه الحادى عشر

(قوله: الشك في أصل) فيستصحب العدم الازلي (قوله: بعد القطع بتحققه) كما لو علم بوجود زيد وشك في زمان حدوثه (قوله: بالاضافة إلى اجزاء) كما لو علم بوجود زيد يوم الجمعة وشك في ان حدوثه كان في يوم الجمعة أو في يوم الخميس (قوله: في الزمان الاول) يعني يوم الخميس في المثال المذكور (قوله: آثاره) يعني آثار عدم تحققه (قوله: لا آثار تأخره) معطوف على (آثاره) يعني لا يجوز ترتيب آثار تأخره لو كان لتأخره عن يوم الخميس آثار شرعية (قوله: مثبتا) لان صفة التأخر التي هي موضوع للاثر الشرعي صفة وجودية من لوازم عدم وجوده يوم الخميس فاثباتها باستصحاب العدم اعمال للاصل المثبت (قوله: بدعوى خفاء) قد عرفت الاشكال فيه (قوله: أو عدم التفكيك) قد عرفت ايضا الاشكال فيه (قوله: ولا آثار حدوثه) معطوف على قوله: لا اثار تأخره: يعني لا يجوز ايضا باستصحاب عدمه يوم الخميس ترتيب آثار حدوثه يوم الجمعة لان الحدوث عبارة عن أول الوجود فهو ملازم لعدم الوجود يوم الخميس فلا يثبت بالاصل لترتب آثاره (قوله: بترتيبها) يعني آثار الحدوث (قوله: بذلك الاستصحاب) يعني استصحاب عدم وجوده

٤٩٦

على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق، وإن لوحظ بالاضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشك في تقدم ذاك عليه وتاخره عنه كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين وشك في المتقدم والمتأخر منهما فان كانا مجهولي التاريخ (فتارة) كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن

______________________________

يوم الخميس (قوله: على انه) يعني الحدوث (قوله: عن امر مركب) وحينئذ يكون الاثر ثابتا لمجموع الجزءين الثابت أحدهما بالاصل وهو عدم الوجود يوم الخميس والآخر بالوجدان وهو الوجود يوم الجمعة، فليس الاصل مثبتا لما تقدم في التنبيه الثامن. لكن المبنى المذكور ضعيف. ثم إن المصنف (ره) لم يذكر صورا في الحادث المضاف إلى الزمان كما ذكر في المضاف إلى حادث آخر مع اطراد الصور فيهما معا، فانه يمكن ان يكون الاثر ثابتا لتأخره عن الزمان أو لتقارنه أو لتقدمه أو للجميع، كما يكون لتقدم الزمان عليه أو لتأخره أو لتقارنه أو للجميع... إلى آخرها. والحكم في هذه الصور هو الحكم في صور اضافة الحادث إلى حادث آخر. وكأن الوجه في إهمال ذكرها أن حكمها يفهم مما يأتي في المضاف إلى حادث آخر. والمقصود هنا بيان حكم الشك في وجوده في الزمان وعدمه من حيث صلاحية الاستصحاب لاثبات الحدوث بعده أو التأخره عنه وعدمها، وهذا أيضا جار في الحادث بملاحظة إضافته إلى حادث آخر واهمله هناك اكتفاء بذكره هنا. ومن هنا تعرف أنه كان الأولى للمصنف (ره) جمعهما معا في لتقسيم وبيان الاحكام فلاحظ والامر سهل (قوله: مجهولي التاريخ) ويقابله الجهل بتاريخ أحدهما والعلم بتاريخ الآخر كما سيأتي بيانه. أما لو علم تاريخهما معا فلا يعقل الشك حينئذ في التقدم والتأخر (قوله: فتارة كان الأثر الشرعي) لا بأس بالتعرض لبيان الأقسام والاحكام على سبيل الاجمال (فنقول): كل حادث أضيف إلى حادث آخر إما أن يكون متقدما عليه أو متأخرا عنه أو مقارنا له، وحينئذ إما أن

٤٩٧

يكون كل واحد من العناوين المذكورة موضوعا لاثر شرعي يصح بلحاظه التعبد بالاستصحاب أو يكون بعضها له اثر دون بعض، وكذا الحال في الحادث الآخر بالاضافة إلى هذا الحادث فانه يكون له هذه الأقسام بيعنها. ثم العنوان الذي يكون موضوعا للاثر (تارة) يكون ملحوظا بنحو مفاد كان التامة كأن يقال: المرثه المتقدم للاب على موت الابن كذا، (وأخرى) يكون ملحوظا بنحو مفادكان الناقصة كان يقال: إذا كان موت الاب متقدما على موت الابن فكذا، وحكم هذه الاقسام: انه إذا كان الأثر الشرعي ثابتا لبعض العناوين المذكورة لاحد الحادثين بعينه دون تمامها ودون عناوين الحادث الآخر، وكان العنوان ملحوظا بنحو مفاد كان التامة وقد شك في تحقق ذلك العنوان جرى اصالة عدم ذلك العنوان مثلا إذا قيل: موت الاب المتقدم على موت ولده مورث للولد، فشك في تقدم موت الأب وعدم تقدمه فانه يرجع إلى اصالة عدم الموت المتقدم فينتفي اثره تعبدا (فان قلت): موت الأب معلوم الوجود فكيف يجري اصالة عدمه (قلت): المعلوم الوجود انما هو الموت في الجملة واما الموت المتقدم فغير معلوم وحيث انه حادث مسبوق بالعدم لم يكن مانع من اجراء اصالة عدمه. نعم قد يشكل ذلك فيما لو كان الأثر ثابتا لعنوان المتأخر من جهة العلم بوجود موت الاب بعد موت الابن إذا الاب ليس حيا بعد موت الابن قطعا، فالشك انما هو في حدوث موته بعد موت الابن أو قبله، فذات الحدوث في احد الزمانين معلومة لا يمكن استصحاب عدمها فيهما معا فينحصر الاصل في اصالة عدم الوصف وهو مما لا يمكن بناء على انه منتزع من خصوصية في الذات ازلية ليست مسبوقة بالعدم كما سيأتي (فان قلت): الذات المعروضة لوصف التأخر الملازمة له مشكوكة قطعا فلا مانع من جريان اصالة عدمها (قلت): ذلك مسلم إلا أن مجرد الشك في وجود الشئ غير كاف في اصالة عدمه والا فكل مشكوك البقاء مشكوك الوجود البقائي ولا يجري فيه الا اصالة وجوده لا اصالة عدمه، ففي المقام بعد دوران الامر بين التأخر والتقدم يدور امر الحدوث بين ان يكون بعد موت الابن وهو غير التأخر أو قبله فيكون الوجود بعد بقاء لا حدوثا ولا مجال لاصالة العدم في البقاء، ومن هذا يظهر

٤٩٨

لك الفرق بين المتأخر وبين المتقدم والمقارن فانه في الشك في الأخيرين لا مانع من اجراء الأصل في عدم الذات المتقدمة والمقارنة لأن احتمال عدم التقدم ملازم لاحتمال كون الحدوث بعد لا قبل بخلاف الشك في التأخر وحينئذ لا يمكن الحكم بانتفاء اثر التأخر الا بنفي وصف التأخر بنفسه بالاصل المتوقف على كونه من الاضافات الخارجية المسبوقة بالعدم، اما إذ كان من الاعتبارات المنتزعة من نفس الذات نظير وصف الحدوث لم يمكن نفيه بالأصل إذ لا حالة له سابقة (ولو كان) كل واحد من عناوين احد الحادثين بعينه موضوعا للاثر الشرعي فقد علم اجمالا بثبوت احد الآثار لعدم امكان انفكاك الحادث عن احد العناوين، وحينئذ يمتنع جريان اصالة العدم في كل منها لمنافاته للعلم الاجمالي المذكور إلا ان يكون في نفسه غير مانع بان لا يكون المعلوم بالاجمال الزاميا فلا تكون مخالفته معصية عقلا. (اللهم) إلا أن نقول: العلم الاجمالي ولو لم يكن منجزا مانع عن جريان الاستصحاب في اطرافه لأن شموله للاطراف يوجب التناقض بين الصدر والذيل في دليل الاستصحاب كما سيأتي، لكن قد عرفت انه إذا امتنع جريان اصالة عدم التأخر في نفسها لم يكن مانع من جريان اصالة العدم في التقدم والتقارن حيث لا علم اجمالي بالمخالفة كما لعله ظاهر (ولو كان) احد العناوين في كل من الحادثين موضوعا للاثر (فان) كان العنوان عنوان التقارن جرى الأصل في نفيه بالنسبة إلى كل واحد منهما ولا تعارض بين الاصلين لا بملاحظة نفس المفهوم ولا بملاحظة الخارج، وان كان عنوان التقدم جري الاصل في نفيه ايضا بالنسبة إلى كل منهما الا ان يكون علم اجمالي بالمخالفة فيأتي فيه ما تقدم، وان كان عنوان التأخر فقد عرفت الاشكال في جريان الاصل في نفيه وعلى تقدير القول به يجري إلا أن يكون علم اجمالي بالمخالفة حسبما تقدم ايضا (ولو كان) احد العناوين في احد الحادثين بعينه موضوعا للاثر وغيره في الحادث الآخر كذلك فالحكم فيه يظهر مما سبق إذا المانع حسبما تقدم منحصر في امرين كون مجراه نفي التأخر ووجود علم اجمالي منجز أو مطلقا فلاحظ وتأمل (ولو كان) الأثر ثابتا لأحد العناوين في احد الحادثين بنحو مفاد

٤٩٩

لا للآخر ولا له بنحو آخر فاستصحاب عدمه صار بلا معارض، بخلاف ما إذا كان الاثر لوجود كل منهما كذلك أو لكل من انحاء وجوده فانه حينئذ يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقق أركانه في كل منهما، هذا إذا كان الاثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة، وأما ان كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو باحد ضديه الذي كان مفاد كان الناقصة فلا مورد ههنا للاستصحاب

______________________________

كان الناقصة كما لو قيل: إن كان موت الأب متقدما على موت الابن ورثه الابن، فقد يشكل جريان الاستصحاب فيه إما لأنه من الاستصحاب الجاري في العدم الازلي الذي هو محل الخلاف بين المحققين، واما لأن العناوين المذكورة منتزعة من نفس الذات ليس لها حالة سابقة وليست من الامور الخارجية المسبوقة بالعدم، لكن الاشكال من الجهة الاولى مندفع بما تقدم في مبحث العام والخاص فينحصر بالجهة الثانية، وعليه بنى المصنف (ره) في المقام، وحيث أن الظاهر أن الاضافات المذكورة ومثلها الفوقية والتحتية والحذائية وغيرها من الاعتباريات التي لها نحر خارجية غير متوفقة على الاعتبار كان الظاهر جريان الاستصحاب في نفيها والله سبحانه أعلم (قوله: لا للآخر) يعني لا يكون الاثر الشرعي للوجود الخاص للحادث الآخر (قوله: ولا له بنحو آخر) يعني ولا للحادث المذكور أولا بنحو آخر من أنحاء وجوده الثلاثة (قوله بلا معارض) قد عرفت انه مسلم إلا أن الأصل لا يجري في نفى المتأخر (قوله: كل منهما كذلك) أي كل من الحادثين بنحو خاص بان يكون تقدم كل منهما له اثر أو تأخره أو تقارنه (قوله: للمعارضة باستصحاب) قد عرفت انه لا معارضة في بعض الصور (قوله: في كل منهما) أي كل من فردي العنوان الواحد في كل من الحادثين أو كل من العنواين في أحد الحادثين بعينه (قوله: أو باحد ضديه) يعني التقارن والتأخر (قوله: للاستصحاب) يعني استصحاب عدم كون الوجود متقدما الذي هو مفاد ليس

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617