حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول9%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219058 / تحميل: 5246
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

* تكون بلا عناية الاستمرار والامتداد بان لوحظ كل جزء من الموضوع الممتد المستمر وحكم عليه في عرض ملاحظته للجزء الآخر منه والحكم عليه (وأخرى) تكون بعناية الاستمرار والاتصال بحيث يكون الحكم على الجزء اللاحق بعناية انه كان على ما قبله من الأجزاء أو استمر إليه وامتد عليه، فان كانت الدلالة على النحو الأول تعين ما ذكرت من مرجعية العام لكنه غير ما نحن فيه بل هو القسم الآخر الذي سيأتي وجوب الرجوع إلى العام فيه، اما ما نحن فيه فهو النحو الثاني مما ذكرنا (فان قلت): ما ذكرت يقتضي عدم حجية العام في الباقي بعد التخصيص لأن العام انما دل على حكم عام لجميع الافراد، فإذا خصص لم يبق الحكم عاما فاثبات الحكم الباقي بالعام اثبات لغير مدلوله به (قلت): العموم بعنوانه ليس مدلولا للعام بل مدلوله كل واحد واحد من احكام افراده غاية الامر يعتبر عنوان العموم لمدلوله في رتبة لاحقة للدلالة فإذا فرض ان العام ليس بحجة في مورد التخصيص وجب رفع اليد عن بعض مدلوله فيكون نتيجة ذلك التوزيع في المدلول. (فتأمل) مع أنه لو فرض كون العموم بعنوانه مدلولا للعام امكن دعوى وجوب رفع اليد عن دلالته على العموم بالخاص وانه الجمع العرفي بينهما وان لم يكن من باب التخصيص (وأما) في المقام فنقول: إن كان عنوان الاستمرار مدلولا عليه بالكلام بحيث كان ثبوت الحكم في الزمان الثاني بعناية الاستمرار والتبعية له كان الجمع العرفي بينه وبين ما دل على انتفاء الحكم في زمان معين في الأثناء هو الحكم بانقطاع الاستمرار فلا موجب لثبوت الحكم فيما بعد ذلك الزمان لان المفروض أن ثبوته فيه كان بعناية الاستمرار والتبعية له وقد انقطع، وان كان عنوان الاستمرار معتبرا لمدلول العام - اعني الاحكام الضمنية المندرجة الملحوظ كل منها في قبال غيره في الرتبة اللاحقة عن دلالة العام عليها - فالجمع العرفي بين العام والخاص هو رفع اليد عن الاستمرار لا غير وتبقى دلالته على الاحكام الضمنية اللاحقة بحالها ومن هنا يظهر أن المتحصل من جميع ما ذكر: أنه مهما كانت دلالة العام على الاحكام الضمنية اللاحقة تبع دلالته على الحكم المستمر وجب رفع اليد عن

٥٢١

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصا له من الاول

______________________________

العام فيما بعد زمان التخصيص، ومهما كانت الدلالة على الاستمرار تبع الدلالة على الاحكام الضمنية وجب الرجوع إلى العام فيما بعد زمان التخصيص وبني على انقطاع الاستمرار لا غير، والظاهر أنه لا فرق بين اخذ الزمان قيدا للموضوع والحكم أو النسبة فقد يكون حكم العام ملحوظا فيه الاستمرار بحسب ظاهر أالدليل مع أخذ الزمان ظرفا للموضوع، وقد لا يكون الاستمرار ملحوظا فيه مع اخذ الزمان ظرفا للحكم أو النسبة. نعم الغالب في العمومات المغياة بغاية ملاحظة الاستمرار ولو مع اخذ الزمان ظرفا للموضوع كما لو قيل: الجلوس في المسجد يوم الجمعة إلى الليل واجب، والغالب فيما لم تذكر له غاية عدمه كما لو قيل: يجب يوم الجمعة الجلوس في المسجد، فإذا دل دليل على عدم وجوب الجلوس لزيد ساعة الزوال، فان كان العام من قبيل الاول كان الدليل دالا على كون غاية الجلوس لزيد هو الزوال وان كان من قبيل الثاني كان دالا على خروج الزوال عن الظرفية ويبقى ما بعده على ظرفيته للحكم، والأمر سهل في الامثلة بعد معرفة المعيار والله سبحانه الهادي (قوله: نعم لو كان الخاص) اعلم ان شيخنا الاعظم (ره) في رسائله فصل في المقام بين ما إذا كان الزمان مفردا للعام واما اخذ بيانا لاستمرار حكم العام، فحكم في الاول بوجوب الرجوع إلى العام، وفي الثاني بوجوب الرجوع إلى الاستصحاب، واستاذنا المصنف (ره) وافقه في حكم الاول مطلقا وفي حكم الثاني إذا لم يكن الخاص مخصصا في اول الازمنة ولم يكن الزمان في الخاص مفردا، وكلامه هذا تنبيه على الصورة الاولى وان حكمها الرجوع إلى العام لا الاستصحاب (والوجه) فيه: أن العام بالاضافة إلى كل فرد يدل على امرين، احدهما ثبوت حكم واحد مستمر، والآخر كون مبدأ ثبوته اول وجود الموضوع والخاص إذا كان مخصصا في اول الازمنة انما ينافي دلالة العام على الثاني دون دلالته على الاول فيجب الأخذ بدلالته العام على الاول. (نعم) يبقى الاشكال في أن الأخذ

٥٢٢

لما ضربه في غير مورد دلالته فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته فيصح التمسك ب‍ (أوفوا بالعقود) ولو خصص بخيار المجلس ونحوه ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله فافهم. وإن كان مفادهما على النحو الثاني فلابد من التمسك بالعام بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده فله الدلالة على حكمه والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه، وان كان مفاد العام على النحو الاول والخاص على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب فانه وان لم يكن هناك دلالة اصلا الا أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته

______________________________

بدلالة العام على الأول لا يقتضي كون مبدأ ثبوته الزمان المتصل بزمان الخاص إذا العام لا يدل على ذلك. (وقد) دفعه في الحاشية بأن المخصص إن كان راجعا إلى تقييد الموضوع فلا اشكال إذ بعد التقييد يكون الموضوع المقيد ثابتا له الحكم من اول وجوده، مثلا قوله تعالى: (اوفوا بالعقود) بعد تقييد بمثل: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، يكون المراد: العقد في حال الافتراق يجب الوفاء به، وان كان راجعا إلى التخصيص بحسب الزمان فمفاد اطلاق العام ثبوت الحكم من الأول فالاول فإذا لم يكن الاول مبدأ كان الثاني مبدأه. (هذا) وكأن وجه دلالة الاطلاق على ذلك ظهور الدليل في كون نفس الموضوع علة تامة للحكم فإذا دل دليل على عدم كونه كذلك في الزمان الأول بقيت دلالته على عليته فيما بعد ذلك من الزمان بحالها فتأمل جيدا (قوله: لما ضربه في غير) يعني لما ضر الخاص المذكور بالعام في غير مورد دلالته يعني ما بعده من الزمان (قوله: لا في أوله) كما في خيار الغبن بناء على ثبوته عند العلم بالغبن (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى الاشكال المتقدم (قوله: على النحو الثاني) يعني ما يكون فيه الزمان مفردا أو معددا للموضوع (قوله: لم يكن هناك دلالة) يعني لا للخاص كما هو

٥٢٣

من إسراء حكم موضوع إلى آخر لا استصحاب حكم الموضوع ولا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا فلابد من الرجوع إلى سائر الاصول، وان كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص ولكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه فتأمل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا - أعلى الله مقامه - في المقام نفيا واثباتا في غير محله (الرابع عشر) الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الاصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب ويدل عليه - مضافا إلى أنه كذلك لغة - كما في الصحاح وتعارف استعماله فيه في الاخبار في غير باب - قوله عليه السلام في اخبار الباب: ولكن تنقضه بيقين آخر، حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس الا اليقين

______________________________

المفروض ولا للعام كما تقدم (قوله: من اسراء حكم موضوع) لان الموضوع المقيد بالزمان الأول غيره مقيدا بالزمان الثاني ومع تعدد الموضوع لا مجال للاستصحاب المقيد بالزمان، كما تقدم الاشكال فيه وان منع الاستصحاب فيه مبني على كون المرجع في وحدة الموضوع الدليل لا العرف لوحدة الموضوع عرفا، ولا فرق بينه وبين المقيد بغير الزمان مثل: الماء المتغير نجس، هذا مضافا إلى امكان استصحاب نقيض حكم العام فانه غير ملحوظ فيه الزمان كنفسه (قوله: اطلاق كلام) قد عرفت كيفية اطلاق كلامه (ره) إلا ان كونه في مقام البيان من هذه الجهات كلها غير ظاهر بل ليس نظره إلا صلاحية العام للمرجعية وعدمها فتأمل كلامه

التنبيه الرابع عشر

(قوله: كما في الصحاح) وكذا في القاموس ومجمع البحرين وظاهر الأخير نسبته إلى أئمة اللغة (قوله: في غير باب) فلاحظ باب الشك في عدد

٥٢٤

وقوله ايضا: لا حتى يستيقن انه قد نام، بعد السؤال منه (ع) - عما إذا حرك في جنبه شئ وهو لا يعلم، حيث دل باطلاقه - مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الامارة الظن وما إذا لم تفد، بداهة انها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له احيانا على عموم النفى لصورة الافادة وقوله عليه السلام بعده ولا تنقض اليقين بالشك، أن الحكم في المغيا مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى، وقد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين (الأول) الاجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار (وفيه) أنه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الاصحاب على الاعتبار لاحتمال ان يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه (الثاني) أن الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع وان كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده وإن كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيدا (وفيه) أن قضية عدم اعتباره لالغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا يكاد يكون إلا عدم اثبات مظنونه

______________________________

الركعات (قوله: بعد السؤال) ظرف ل‍ (قوله) (قوله: دل باطلاقه) فاعل دل راجع إلى (قوله) (قوله: على عموم) متعلق بقوله: (دل) (قوله: وقوله (ع) بعده) معطوف على فاعل (دل) يعني دل قوله (ع): لا تنقض... الخ على (ان الحكم المغيا) بقوله (ع) حتى... الخ (مطلقا) يعني وان كان الظن على خلافه (هو عدم نقض اليقين بالشك) والعبارة لا تخلو من قصور (قوله: وقد استدل) المستدل شيخنا (ره) في رسائله (قوله: وفيه ان قضية) يعني ان عدم اعتبار الظن شرعا أو عقلا معناه عدم ثبوت مؤداه لا لزوم ترتيب آثار الشك المتساوي الطرفين عليه فإذا فرض ان الاستصحاب من آثار الشك المتساوي الطرفين لا يترتب على الظن مع قيام الدليل

٥٢٥

به تعبدا ليترتب عليه آثاره شرعا لا ترتيب آثار الشك مع عدمه، بل لابد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب فلابد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة ولا ارتياب ولعله أشير إليه بالامر بالتأمل فتأمل جيدا (تتمة) لا يذهب عليك انه لابد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم إمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه فها هنا مقامان (المقام الأول) انه لا اشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما، ضرورة انه بدونه لا يكون الشك في البقاء بل في الحدوث ولا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان واقامة برهان (والاستدلال) عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر لتقومه بالموضوع وتشخصه به (غريب)

______________________________

على عدم اعتباره أو عدم قيام دليل على اعتباره (قوله: آثاره شرعا) الضمير راجع إلى مظنونه وضمير (عدمه) راجع إلى الشك (قوله: من الدليل) خبر (لا) في لابد (قوله: ولعله) بل هو الظاهر كما يظهر من ملاحظة كلامه في غير المقام

بقاء اشتراط الموضوع

(قوله: ضرورة انه بدونه) يعني أن ظاهر ادلة الاستصحاب كون موضوعه الشك في البقاء الموقوف على كون متعلق اليقين والشك واحدا وجودا والاختلاف بينهما في الحدوث والبقاء فقط فيكون متعلق اليقين الحدوث ومتعلق الشك البقاء، أما مع اختلاف الموضوع بأن يكون المتيقن حكم موضوع والمشكوك حكم موضوع آخر لا يكون الشك في الحكم الثاني شكا في البقاء بل في ثبوت حكم آخر غير المتيقن فلا مجال للاستصحاب (قوله: والاستدلال عليه) المستدل شيخنا الاعظم (ره) حيث قال: والدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب

٥٢٦

بداهة ان استحالته حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبدا والالتزام بآثاره شرعا، واما بمعنى احراز وجود الموضوع خارجا فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق اركانه بدونه نعم ربما يكون مما لابد منه في ترتيب بعض الآثار ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى احراز حياته لجواز تقليده وان كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب اكرامه أو الانفاق عليه وانما الاشكال كله في هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم

______________________________

واضح لأنه لو لم يعلم تحققه لاحقا فإذا اريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به فاما أن يبقى في غير محل وموضوع وهو محال، واما ان يبقي في موضوع غير الموضوع السابق، ومن المعلوم أن هذا ليس ابقاء لنفس ذلك العارض وانما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم فهو المستصحب دون وجوده وبعبارة أخرى... الخ، واعترضه جماعة من تلامذته بما أشار إليه المصنف (ره) من أن المراد بالابقاء إن كان هو البقاء الحقيقي ثم ما ذكر أما لو كان المراد منه الابقاء التعبدي الذي هو عبارة عن مجرد لزوم ترتيب الآثار في مقام الظاهر فلا استحالة فيه مع الشك في الموضوع. هذا ولا يخفى أن هذا الاستدلال من شيخنا (قدس سره) على اعتبار البقاء بالمعنى الآتي - أعني احراز وجود الموضوع لاحقا لا بمعنى اتحاد موضوع القضيتين - فلا يناسب ذكر هذا الكلام هنا بل المناسب ذكره بعد قوله: واما بمعنى احراز... الخ. فلاحظ (قوله: ففي استصحاب عدالة) قد عرفت أنه لابد ان يكون المستصحب أثرا شرعيا أو موضوعا للاثر الشرعي، وحينئذ فقد يكون موضوع الأثر مجرد وجود الشئ فلا حاجة حينئذ في جريان الاستصحاب إلى أكثر من كون ذلك الشئ معلوم الثبوت مشكوك البقاء وذلك مثل جواز التقليد فان موضوعه مجرد عدالة المجتهد فإذا علم رأي مجتهد وشك في

٥٢٧

أو بنظر العقل ؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الاحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض

______________________________

عدالته جرى استصحاب عدالته، ولو اعتبر في جواز التقايد الحياة جرى استصحاب حياته وعدالته، وليس احراز الحياة شرطا في جريان استصحاب العدالة لما عرفت من أن موضوع الأثر الشرعي نفس الحياة والعدالة فإذا اجتمعت أركان الاستصحاب فيهما من اليقين بالثبوت والشك في البقاء جرى الاستصحاب فيهما. وقد يكون موضوع الأثر الشرعي وجود الشئ لأمر خارجي معين فيتوقف جريان الاستصحاب على احراز ذلك الأمر الخارجي المعين مثل جواز الائتمام فانه انما يترتب على عدالة الامام المعين فلا يجري الاستصحاب إلا مع احراز امام معين ليشك في عدالته فإذا احرز امام معين وشك في عدالته جرى استصحاب عدالته، اما لو لم يحرز وكان الشك في عدالة زيد مثلا امتنع جريان الاستصحاب ليترتب عليه صحة الائتمام، لأن عدالة زيد ليست موضوعا لجواز الائتمام مطلقا حتى يترتب باستصحابها، بل موضوعه عدالة زيد الذي هو الامام المعين. وهكذا الحال في جميع الآثار المتعلقة بالأمر الخارجي المعين مثل وجوب اكرامه وقبول شهادته ونفوذ تصرفه والانفاق عليه ونحوها إذ ما لم يحرز الأمر الخارجي امتنع أن يقال: هذا كان عدلا أو زوجة أو وليا أو نحوها وقد شك في بقائه على ما كان حتى يجري الاستصحاب في حاله ووصفه. ومجرد الشك في ثبوت الحال والوصف لموضوع لا ينفع في ترتيب الآثار المذكورة على استصحابه بعدما كانت موضوعا للاثر بما انها حال ووصف لنفس الأمر الخارجي المعين، فاحراز الموضوع في هذه المقامات ليس دخيلا في جريان الاستصحاب إلا من حيث دخله في كون المشكوك موضوعا للاثر. وقدم تقدم أن لو وجب صوم زمان هو رمضان لابد من احراز أن الزمان رمضان ولا ينفع استصحاب بقاء رمضان في ترتيبه (قوله: فلو كان مناط) شروع في بيان ثمرة الخلاف في مرجع الاتحاد (قوله: لقيام احتمال)

٥٢٨

خصوصيات موضوعه لاحتمال دخله فيه ويختص بالموضوعات، بداهة انه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل، ضرورة أن انتقاء بعض الخصوصيات وإن كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته، كما انه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا (مثلا) إذا ورد: العنب إذا غلى يحرم، كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ويرون العنبية والزبيبية

______________________________

كما تقدم في أوائل مبحث الاستصحاب (قوله: بنظر العرف ولا في) كما لو قيل: الماء إذا تغير نجس، فان موضوع النجاسة في لسان الدليل نفس الماء، وكذا عند العرف فلو زال تغيره امكن استصحاب النجاسة لو كان المرجع في اتحاد القضيتين أحدهما (قوله: هو خصوص العنب) يعني المفهوم الذي لا يصدق على الزبيب وإلا لما شك في ثبوت الحكم الزبيب لأن الدليل يكون رافعا للشك. فالشك انما كان لأجل أنه لا يفهم من العنب المأخوذ موضوعا للحكم المذكور إلا الذات التي لا تصدق على الزبيب (قوله: بحسب ما يرتكز في اذهانهم) هذا - كما سيأتي - شروع في دفع توهم أنه كيف يكون الموضوع في نظر العرف غير الموضوع في لسان الدليل، مع أن المرجع في فهم الدليل هو العرف (وتوضيح) الدفع: انه لا تنافي بين فهمهم من الدليل كون الحكم الشرعي كالتحريم بالغليان مثلا الذي تضمن اثباته الدليل موضوعه العنب على أن يكون وصف العنبية مقوما له بحيث ينتفي الموضوع بانتفائه. وكون المرتكز في أذهانهم كون التحريم بالغليان موضوعه ذات العنب ووصف العنبية من الحالات فكونهم مرجعا في فهم الدليل معناه أنهم مرجع في معني الكلام،

٥٢٩

من حالاته المتبادلة بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه ولو كان محكوما به كان من بقائه، ولا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة يصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه. ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع فيكون نقضا بلحاظ موضوع ولا يكون بلحاظ موضوع آخر فلابد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ ؟

______________________________

وكونهم مرجعا في الاتحاد معناه أن ارتكازهم في تمييز قوام الموضوع عن حاله هو الميزان في الاتحاد المصحح للاستصحاب (أقول): يمكن أن يقال: انه لو فرض كون ارتكازهم مطابقا لفهمم من الدليل لكنه إذا صدق على الزبيب انه كان عنبا يصدق بالضرورة انه كان إذا غلى بنجس فيجري الاستصحاب إذا شك في بقائه على ما كان، وحينئذ لا يحتاج إلى تصحيح كون ارتكازهم في الحكم على خلاف الدليل ولا تنقيح ما عليه ارتكازهم (قوله: من حالاته المتبادلة) يعني من حالات الموضوع المتبادلة عليه لا من مقوماته كما هو ظاهر الدليل (قوله: من ارتفاع الحكم) ولا يصدق الارتفاع إلا مع وحدة الموضوع والمحل، وهكذا البقاء (قوله: إذا لم تكن بمثابة) وإلا كان الدليل موافقا للعرف في الموضوع (قوله: يختلف بحسب الملحوظ) قد عرفت أن النقض في النصوص معناه رفع اليد عما كان لشئ مع الشك في بقائه فمهما صدق كون الشئ كان كذا فإذا شك في بقائه على ما كان وجب العمل على بقائه، ولأجل ذلك يختلف صدق النقض وعدمه باختلاف ما يكون الشئ حاكيا عنه، فقد يجعل حاكيا عن الموضوع العقلي أو الدليلي فلا يصدق أنه كان كذا الانتفائه فيجعل حاكيا عن الموضوع العرفي فيصدق انه كان كذا لبقائه، وقد يكون الأمر بالعكس

٥٣٠

فالتحقيق أن يقال: إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون

______________________________

 (ويمكن) أن يقال: لا ملزم في حمل الشئ على الموضوع حتى يتردد في أن أي موضوع هو المكحي به، بل اطلاقه يقتضي أن كل شئ يصدق انه كان كذا وقد شك في بقائه على ما كان وجب العمل على بقائه سواء كان ذلك الشئ موضوعا في نظر العقل أم العرف أم الدليل أم لا، فان صدق إنه كان حراما ولو بواسطة أو صدق إنه كان خمرا أو عنبا جرى الاستصحاب، وان لم يصدق إنه كان كذا امتنع الاستصحاب. نعم يبقي الاشكال في أن صدق كان هذا الشئ كذا هل هو منوط بنظر العرف أو بنظر العقل مثلا الملح الذي استحال إليه الكلب لا يصدق بنظر العرف أنه كان كلبا حتى يصدق أنه كان نجسا أو حراما، لكن يصدق بنظر العقل انه كان كلبا (ويفترق) هذا التقرير عن سابقه (أولا) بانه لا وجه لاحتمال الرجوع إلى الدليل إذ ليس في الدليل تعرض لصدق قولنا: هذا كان كذا، وكذبه بل يدور الامر بين الرجوع فيه إلى العقل والرجوع إلى العرف (وثانيا) ان الرجوع إلى العقل يوجب التوسعة في موضوع الاستصحاب على هذا التقرير فيصح استصحاب نجاسة الكلب إذا صار ملحا بخلاف التقرير السابق لما عرفت من عدم الصدق عرفا (وثالثا) بانه لا مانع أيضا من استصحاب الأحكام الكلية لو كان المرجع العقل على هذا التقرير ويمتنع استصحابها على التقرير السابق (ورابعا) بان الحمل على الموضوع العرفي على التقرير الأول أسهل اثباتا لأن الدليل عليه يكون مرددا مجملا في نفسه، وبالاطلاق المقامي ينزل على العرفي بخلاف التقرير الثاني لأن الحمل عليه لا يخلو من مسامحة كما يظهر بالتأمل فتأمل جيدا (قوله: فالتحقيق أن يقال) من المعلوم أن لفظ (النقض) كسائر الالفاظ المذكورة في الكتاب والسنة يجب حمله على المعني الحقيقي عند العرف، وليس دعوى الرجوع إلى العرف في المقام راجعة إلى خلاف ذلك بل راجعة إلى أن النقض الحقيقي بلحاظ الموضوع العرفي - كما على التقرير الأول - دون العقلي أو الدليلي أو هو بلحاظ نظر العرف المبني على المسامحة في صدق إن هذا كان كذا

٥٣١

بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم لا محيص عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف وان لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وان كان هناك اتحاد عقلا كما مرت الاشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي فراجع (المقام الثاني) أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده وإنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه، والتحقيق، أنه للورود فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب إمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين

______________________________

- كما على التقرير الثاني - دون النظر الحقيقي. ولا يبعد صدق الدعوى المذكورة ويكون المقام نظير الأوزان القائمة بالموضوعات العرفية فإذا وجب صاع حنطة امتنع اعطاء ما دون صاع ولو بمثقال لأنه ليس صاعا حقيقة، ويجوز اعطاء صاع حنطة مخلوطة بما ليس من الحنطة من تراب أو تبن أو غيرهما مما يتعارف خلطها به ولا تخرج بذلك عن كونها حنطة وان كانت لو ميز عنها الخليط نقصت عن الصاع بعشرة مثا قيل. والانصاف أن اطلاق نصوص المقام يقتضي كون الاعتبار بنظر العرف ولابد من التأمل. فتأمل (قوله: بلحاظ الموضوع العرفي) هذا جري على التقرير الأول الذي قد عرفت أنه لا ملزم به (قوله: في القسم الثالث) وهو الشك في الاستحباب عند القطع بارتفاع الايجاب

الاستصحاب والامارات

(قوله: والتحقيق انه للورود) من المعلوم أن الورود عبارة عن كون الدليل الوارد رافعا لموضوع المورود، فكون الامارات واردة على الاستصحاب

٥٣٢

* بالشك بل باليقين، وعدم رفع اليد

______________________________

يتوقف على كونها رافعة لموضوعه وهو يكون بأمرين (الأول) أن يكون المراد من الشك الذي هو من أركانه عدم الحجة نظير الشك المأخوذ في موضوع الأصول العقلية كقاعدتي البراءة والاشتغال، وحيث ان الامارة حجة فإذا قامت على البقاء أو الارتفاع لم يتحقق موضوع الاستصحاب - أعني عدم الحجة - لتحقق نقيضه فلا مجال لجريانه (وفيه) أنه خلاف ظاهر لفظ الشك الذي تقدم أن معناه خلاف اليقين (الثاني) أن يكون المراد من المشكوك الأعم من الحقيقي والتعبدي فإذا قامت الامارة في مورده فقد علم بمؤداه التعبدي فلا شك فيه فلا مجال للاستصحاب لارتفاع موضوعه (وفيه) أنه خلاف ما تقدم من كون متعلق الشك هو متعلق اليقين فإذا كان اليقين متعلقا بالأمر الحقيقي كفى في جريان الاستصحاب الشك في بقاء ذلك الأمر الحقيقي ولو علم بالوجود التعبدي بتوسط قيام الامارة (واما) ما ذكره المصنف (ره) من أن رفع اليد عن اليقين السابق بالامارة ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين (ففيه) انه إن اريد من اليقين اليقين الحقيقي فلا ريب في عدم حصوله من الامارة، وإن اريد اليقين التنزيلي - لأن أدلة حجية الامارات تدل على كونها علما تنزيليا وهو الوجه المصحح للتعير عنها بانها طرق إلى مؤدياتها - فهو وإن كان الأمر كما ذكر لكنه لا يقتضي ورود الامارة بل حكومتها عليه كما سيأتي، وان اريد به ما يعم الدليل فهو راجع إلى الوجه الأول الذى عرفت ما فيه وانه خلاف ظاهر لفظ اليقين والشك، وان أريد به اليقين بالحكم - ولو بعنوان كونه مما قامت الامارة على حكمه مثلا إذا قامت الامارة على نجاسة شئ بالملاقاة فقد علم بكونه نجسا بما انه قامت الامارة على نجاسته - فهو راجع في الحقيقة إلى الوجه الثاني الذي عرفت ما فيه من مخالفته لما تقدم من اعتبار اتحاد متعلق اليقين والشك. ومن هذا يظهر لك أن دعوى الورود غير ظاهرة جدا. (قوله: وعدم رفع اليد) هذا دفع توهم انه لو كان الدليل يقينا كان اللازم رفع اليد عن اليقين السابق به مطلقا مع انه

٥٣٣

عنه مع الامارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجة (لا يقال): نعم هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم الأخذ بدليلها ؟ (فانه يقال): ذلك إنما هو لأجل أنه لا محذور في الأخذ بدليلها بخلاف الاخذ بدليله فانه يسلتزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها واعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به إذ لولاه لا مورد له معها كما عرفت آنفا

______________________________

لا يجب رفع اليد عنه إذا كان الدليل على وفقه بل يجب العمل عليه. ووجه الدفع ان عدم رفع اليد عن اليقين السابق في صورة الموافقة ليس عملا باليقين السابق بل عمل بالحجة الموافقة له (هذا) وربما قيل: ان الامارة الموافقة لا توجب كون العمل على طبق اليقين السابق عدم نقض له باليقين ليكون ممنوعا عنه بل يبقى جائزا ومقتضاه حجية الاستصحاب في عرض الامارة الموافقة ولا تكون واردة عليه (قوله: عنه) الضمير راجع إلى اليقين السابق وكذا ضمير (وفقه) (قوله: ليس لأجل) بل عرفت أنه لذلك إذ لا مجال للزوم النقض مع الموافقة لامتناع تحققه ولا ينافيه وجوب العمل بالامارة ايضا (قوله: لا يلزم) يعني لا يجب نققض اليقين السابق باليقين بمعنى الامارة والدليل (قوله: نعم هذا لو أخذ) هذا استدراك على قوله: بل باليقين، يعني انما يكون نقضا باليقين لو بني على الأخذ بدليل الامارة أما لو بني على الأخذ بدليل الاستصحاب امتنع الأخذ بدليل الامارة لتنافيهما في صورة المخالفة، وحينئذ يحتاج الأخذ بدليل الامارة واسقاط دليل الاستصحاب إلى مرجح (قوله: ويلزم) معطوف على قوله: لا يؤخذ (قوله: فانه يقال ذلك) حاصل الجواب: ان الاستصحاب والامارة وان كانا متنافيين يمتنع الاخذ بهما معا ويلزم من الأخذ باحدهما رفع اليد عن الآخر إلا أن المتعين الأخذ بدليل الامارة ورفع اليد عن دليل الاستصحاب إذ في ذلك لا يلزم تخصيص دليل الاستصحاب ولا غيره، ولو اخذ بالاستصحاب

٥٣٤

وأما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا، فانه لا نظر لدليلها إلى مدول دليله إثباتا

______________________________

ورفعت اليد عن الامارة يلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلى على وجه دائر. أما أن الأخذ بالامارة لا يلزم منه تخصيص دليل الاستصحاب ولا غيره فهو لما عرفت من أن الامارة إذا كانت حجة كانت يقينا فرفع اليد عن اليقين السابق بها نقض لليقين باليقين لا بالشك فيكن عملا بدليل الاستصحاب ودليل الامارة معا. وأما لو بني على الأخذ بالاستصحاب ورفع اليد عن الامارة كان ذلك تخصيصا لدليل الامارة بلا مخصص (فان قلت): المخصص دليل الاستصحاب (قلت): تخصيص دليل الامارة بدليل الاستصحاب يتوقف على حجيته بنحو يشمل مورد الامارة وحجيته كذلك موقوفة على تخصيص دليل الامارة وهو دور. أما سند المقدمة الأولى فواضح. وأما سند الثانية فلأنه لولا تخصيص دليل الامارة تكون الامارة يقينا فترفع الاستصحاب، ولا مجال لحجية دليله، ولأجل ذلك لا يصح تقريره الدور على العكس فلا يقال: تخصيص دليل الاستصحاب يتوقف على حجية الامارة وحجيتها موقوفة على تخصيص دليل الاستصحاب، إذ المقدمة الأولى وان كانت مسلمة إلا أن المقدمة الثانية ممنوعة فان حجية الامارة لا تلازم تخصيص دليل الاستصحاب فضلا عن توقفها عليه (قوله: واما حديث الحكومة) يعني دعوى كون الامارات حاكمة على الاستصحاب كما استظهره شيخنا الأعظم (ره) (قوله: لا نظر لدليلها) قد عرفت ان دليلها إذا كان دالا على كونها علما كما هو مقتضي كونها طريقا عندهم كان ناظرا إلى مدلول دليل الاستصحاب ومفيدا لكون الشك في موردها علما فرفع اليد عن اليقين السابق به نقض لليقين باليقين لا بالشك (ودعوى) عدم دلالة دليلها على كونها علما وعلى إلغاء احتمال الخلاف كما سيأتي منه (قدس سره) في مبحث التعارض (خلاف) المنساق من أدلتها. وقد عرفت أن اعتبار الدليلية لها وكونها طرقا إنما هو لأجل دلالة دليلها على ذلك بخلاف الاستصحاب وعامة الاصول فانه لا دلالة لدليله إلا على حكم في ظرف الشك ولأجل ذلك لا تسمي طرقا ولا أدلة تسمي أصولا وقواعد.

٥٣٥

وبما هو مدلول الدليل وإن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا وواقعا لمنافات لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها، كما أن قضية دليله الغاؤها كذلك فان كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوضيفة للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة هذا مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة ولا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة (فافهم) فان المقام لا يخلو من دقة

______________________________

وبالجملة: فنظر ادلة الامارات إلى مدلول دليل الاستصحاب وغيره من الأصول بما أنه مدلول دليله مما لا ينبغي الاشكال فيه، والرجوع إلى طريقة العقلاء في باب الامارات كاف في اثباته، وليس حال دليل الامارة عندهم الا حال سائر الأدلة المتعرضة لنفي حكم الموضوع المستفاد من دليل آخر بلسان نفى موضوعه فتأمل جيدا (قوله: وبما هو مدلول) بيان لقوله: اثباتا (قوله: وان كان دالا) معطوف على قوله: لا نظر لدليلها... الخ، يعني ان دليل الامارة لابد أن يكون دالا على نفي الاستصحاب إذا كان مقتضيا لخلاف الامارة إلا أن هذه الدلالة لا توجب حكومتها عليه لأن هذه الدلالة ناشئة من تنافي المدلولين فانه يقتضي أن يكون دليل احدهما دالا على نفي الآخر - كما سيأتي انشاء الله تعالى في مبحث التعارض - ومثلها لا تكون حكومة والا فهي حاصلة بدليل الاستصحاب فانه يدل على نفي الامارة التي على خلافه بالالتزام، ومع ذلك لا يكون حاكما على الامارة (قوله: هذا مع لزوم اعتباره) ظاهر العبارة يقتضي ان يكون ايرادا على القول بالحكومة في قبال الايراد الاول. يعني لو قلنا بالحكومة من جهة أن دليل الامارة ناظر إلى مدلول دليل الاستصحاب لابد من القول بها في صورة المخالفة بينهما لا في صورة الموافقة. (لكن) فيه أنه إذا سلم نظر الدليل على النحو المذكور فلا وجه للاختصاص بصورة المخالفة لاطلاق الدليل في جميع الحالات كما هو لازم القول بحجية الامارة في صورة الموافقة. (ويمكن) أن يكون ايرادا على القول بكون نظر الدليل ثبوتا كافيا في الحكومة

٥٣٦

* وأما التوفيق فان كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق وان كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له لما عرفت من أنه لا يكون مع الأخذ به نقض يقين بشك لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك (خاتمة) لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين (اما الاول) فالنسبة بينه وبينها

______________________________

وهو في محله إلا أنه لم يتعرض لتوهم ذلك في العبارة صريحا ولا لدفعه فلاحظ (قوله: وأما التوفيق) يريد من التوفيق الجمع العرفي بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب لا بنحو الورود ولا بنحو الحكومة ومنه لا يحسن قوله: فان كان بما ذكرنا، إذ الذي ذكره هو الورود كما صرح به (قوله: وان كان بتخصيص) قد جزى على لسان جماعة إذ بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب عموما من وجه إلا أن ظهور دليل الامارة في مورد الاجتماع اقوى فيتعين تقديمه وتخصيص دليل الاستصحاب به (وأورد) عليه المصنف (ره) بان التخصيص رفع اليد عن الحكم بلا تصرف في الموضوع وليس الأمر هنا كذلك إذ في مورد الامارة يكون نقض اليقين بالدليل لا بالشك (وفيه) ما عرفت من أن الامارة إذا لم توجب ارتفاع الشك حقيقة ولا تنزيلا لم يخرج المورد عن كونه نقضا لليقين بالشك واما ما ينبغي ان يورد على هذا الوجه فامران احدهما انه لا وجه لاقوائية ظهور دليل الامارة من ظهور دليل الأصل (وثانيهما) ان لازمه حجية الاستصحاب في رتبة الامارة إذا كانا متوافقين ولا يظن الالتزام به من احد فإذا التحقيق هو ما استظهره شيخنا الأعظم (ره) من كون التقديم بمناط الحكومة (وهو) الوجه في تقديم الامارات والطرق كافة على عامة الأصول حكمية أو موضوعية والله سبحانه اعلم

٥٣٧

هي بعينها النسبة بين الامارة وبينه فيقدم عليها ولا مورد معه لها للزوم

______________________________

الاستصحاب والاصول

(قوله: هي بعينها النسبة) يعني نسبة الاستصحاب إلى سائر الاصول نسبة الوارد إلى المورود، وعلله في الحاشية بقوله: فان المشكوك معه يكون من وجه وبعنوان مما علم حكمه وان شك فيه بعنوان آخر وموضوع الأصول هو المشكوك من جميع الجهات. انتهي (وتوضيحه): ان مشكوك الحكم إذا جرى فيه الاستصحاب يكون معلوم الحكم بعنوان كونه قد شك في بقاء حكمه، ومع هذا العلم لا مجال لجريان سائر الأصول فان موضوعها مشكوك الحكم من جميع الجهات، مثلا إذا شك في حلية شئ قد علم حرمته سابقا فباستصحاب الحرمة يكون معلوم الحرمة بعنوان كونه قد شك في بقاء حرمته وإذا صار معلوم الحرمة كذلك لا مجال لجريان اصالة الحل لأن موضوعها مشكوك الحل والحرمة من جميع الجهات (وفيه أولا) امتناع جعل الشك في الحكم من جميع الجهات الشامل لعنوان كونه مشكوك الحكم موضوعا لحكم الأصل لأن الحكم المجعول للشئ بعنوان كونه مشكوك الحكم متأخر رتبة عن الشك فيمتنع أخذه في موضوعه فتأمل جيدا (وثانيا) ان هذا تفكيك بين أدلة الاصول من غير وجه ظاهر، ولم لا يجوز الالتزام بالعكس ؟ بجعل الشك المأخوذ موضوعا لدليل الاستصحاب الشك من جميع الجهات والشك المأخوذ موضوعا لأدلة سائر الأصول خصوص الشك من وجه واحد (فالتحقيق): أنه لو بني على كون مفاد دليل الاستصحاب كمفاد سائر الاصول تنزيل المشكوك منزلة الواقع لم يكن وجه لتقديم بعضها على بعض لا الاستصحاب وغيره، وان كان مفاد دليله وجوب العمل حال الشك العمل حال اليقين - كما اشرنا إليه سابقا - كان الوجه تقديمه على سائر الاصول لا بمناط الحكومة المتقدم في الامارات ولا بمناط الورود لعدم تعرض دليله لنفي الشك المأخوذ في أدلتها لا حقيقة ولا تنزيلا: ولكن بمناط آخر من الحكومة

٥٣٨

وليسم مناط النظر، لما عرفت من ان المراد من عمل اليقين العمل المترتب على آثار نفسه وآثار متعقله، ومن آثار نفسه كونه غاية لاصل الطهارة أو الحلية أو غيرهما من الاصول المغياة بالعلم عقلا وشرعا، فالشك في بقاء الحرمة في الفرض المتقدم وان كان موضوعا لكل واحد من الاستصحاب وقاعدة الحل بلا فرق بينهما فيه الا أن الحكم في أحدهما لما كان ناظرا إلى الحكم في الآخر كان ذلك موجبا لتقدمه عليه عرفا فلاحظ (ثم) إن شيخنا الاعظم (قدس سره) بنى على الحكومة في المقام مع بنائه على كون دليل الاستصحاب دالا على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن (يتقريب): ان الناية المجعولة لحكم الاصول العلم بالحكم الواقعي الحقيقي ودليل الاستصحاب يجعل الحكم الواقعي الحقيقي تنزيلا فتتحقق به الغاية فيرجع مفاد الأصل والاستصحاب إلى مثل قوله: كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي، وكل نهي ورد في زمان ثابت إلى زمان اليقين بارتفاعه، فدليل الاستصحاب يثبت النهي الذي هو غاية لاطلاق الشئ الذي هو كناية عن حليته (وفيه) أن اثبات الحكم الواقعي تنزيلا بالاستصحاب انما يقتضي ترتيب آثار نفس الحكم لا آثار العلم به، ومن المعلوم أن الغائية انما تكون للعلم بالحكم الواقعي لا لنفسه. نعم بالاستصحاب يحصل علم حقيقي بالحكم الواقعي الحقيقي التنزيلى، إلا ان هذا العلم لم يجعل غاية لحكم الأصل بل الغاية العلم بالحكم الواقعي الحقيقي فلا يقوم مقامه الا ما هو بمنزلة العلم بالحكم الواقعي لا العلم الحقيقي بالحكم التنزيلي، مع انه لو فرض كون العلم بالحكم الواقعي التنزيلي غاية كان الاستصحاب واردا على الاصول لا حاكما عليها لأنه يثبت غايتها حقيقة لا تنزيلا. ولأجل ذلك يمكن دعوى كون جميع الأصول المحرزة للواقع - اعني ما يكون دليله دالا على ثبوت الواقع تعبدا في ظرف الشك كالاستصحاب وقاعدة الحرية وقاعدة الطهارة وقاعدة التجاوز واصالة الصحة ونحوها - واردة على ما ليس كذلك كاصالة الاباحة بناء على انها كذلك بدعوى كون موضوع الاصول غير المحرزة الشك بالواقعي الحقيقي أو التنزيلي. وجميع الاصول المحرزة لما كانت مثبتة الواقع الحقيقي تنزيلا كانت رافعة لموضوعها. ولا يمكن

٥٣٩

* محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلا. هذا في النقلية منها وأما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة عدم الموضوع معه لها ضرورة أنه اتمام حجة وبيان ومؤمن من العقوبة وبه الامان، ولا شبهة في ان الترجيح به عقلا صحيح (واما الثاني) فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما كاستصحاب وجوب أمرين حدث

______________________________

دعوى العكس لأن الاصول غير المحرزة لا تثبت الواقع الحقيقي ولا التنزيلي فلا تكون رافعة لموضوع الاصول المحرزة، (لكن) ذلك - مع انه لا يجدي الا في تقديم الاستصحاب على الاصول غير المحرزة لا على الاصول كافة كما هو، ظاهرهم، ويقتضي تقديم بعض الاصول غير الاستصحاب على بعض وهو ايضا خلاف ظاهرهم - لا دليل عليه اصلا، بل ظاهر أدلة جميع الاصول كون موضوعها الشك في الحكم الواقعي وغايتها العلم به. مضافا إلى ما عرفته سابقا من دعوى امتناع تعلق الشك بحكم نفسه، ولو فرض تصويره باعتبار شكين مترتبين رجع الاشكال إذا الشك الأول موضوع حكم الاصل غير المحرز فيتنافى حكما الاصلين فتأمل جيدا (قوله: محذور التخصيص) وتقريره كما تقدم بعينه (قوله: في العكس) متعلق ب‍ (لزوم) والمراد به تقديمها على الاستصحاب (قوله: محذور فيه) يعني عدم لزوم محذور التخصيص بلا مخصص الا بوجه دائر في تقديم الاستصحاب عليها (قوله: واما العقلية) يعني بها اصالة البراءة والتخيير والاشتغال (قوله: اتمام حجة وبيان) يعني لو قام على ثبوت التكليف وحينئذ فلا مورد للبراءة (قوله: ومؤمن من العقوبة) يعني لو قام على نفي التكليف وحينئذ لا مجال لاصالة الاشتغال (قوله: في ان الترجيح به) يعني لو قام على ثبوت الوجوب أو الحرمة فيما لو دار الامر بينهما وحينئذ فلا مجال للتخيير (قوله: كاستصحاب وجوب) كما لو علم بوجوب الانفاق على والده وبوجوب الصدقة على الفقير بدرهم ثم شك في بقاء الوجوبين في زمان لا يتمكن إلا

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617