حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 193137
تحميل: 3500


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193137 / تحميل: 3500
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

ومن هنا قد انقدح انه لا يكون من - قبل لزوم الالتزام مانع عن اجراء الاصول الحكمية أو الموضوعية في أطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النظر عنه كما لا يدفع بها محذور عدم الالتزام به، إلا ان يقال: إن استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الاقدام والاقتحام في الاطراف ومعه لا محذور فيه بل ولا في الالتزام بحكم آخر، إلا أن الشأن حينئذ في جواز جريان الاصول (١) في أطراف العلم الاجمالي

______________________________

ان يقال: ان التكليف وان لم يقتض الالتزام بضده أصلا إلا أنه لما وجب عند العقل الالتزام بالتكليف ولم يمكن الالتزام به علما وجب الالتزام به احتمالا كما هو القاعدة في كل مورد تعذرت فيه الموافقة القطعية فان العقل يحكم بلزوم الموافقة الاحتمالية حينئذ (قوله: ومن هنا قد انقدح) يعني ان مما ذكرنا من ان وجوب الالتزام لو قيل به لا يقتضي الالتزام بواحد بخصوصه فيما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة، يظهر انه لا مانع من جريان الأصول الحكمية والموضوعية في اطراف العلم لو كانت في نفسها جارية فانه يقال ايضا العلم الاجمالي مانع عن وجوب الالتزام في واحد من الأطراف بخصوصه واذ لا يجب الالتزام بمحتمل الواقع بخصوصه يجري الأصل لو لم يكن له مانع غير وجوب الالتزام (قوله: كما لا يدفع بها محذور) الضمير في (يدفع) راجع إلى اجراء الأصول، يعني لو فرض ان العقل حاكم بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف كان ذلك مانعا عن اجراء الأصول في الأطراف، ولا يتوهم ان اجراء الأصول في الأطراف رافع لحكم العقل بوجوب الالتزام لأنه يلزم منه الدور، لأن جريان الأصول يتوقف على عدم حكم العقل بوجوب

______________

(١) والتحقيق جريانها لعدم اعتبار شئ في ذلك عدا قابلية المورد للحكم اثباتا ونفيا فالاصل الحكمى يثبت له الحكم تارة كاصالة الصحة وينفيه اخرى كاستصحاب الحرمة والوجوب فيما دار بينهما فتأمل جيدا (منه قدس سره)

٤١

مع عدم ترتب أثر عملي عليها مع أنها أحكام عملية كسائر الاحكام الفرعية

______________________________

الالتزام إذ لو كان حكم العقل المذكور ثابتا يقطع حينئذ بمخالفة ظاهر ادلة الأصول للواقع فلا يكون حجة فلو توقف عدم حكم العقل المذكور على جريان الأصول لزم الدور، وهكذا الحال في كل دليل على حكم شرعي يخالف حكم العقل فان حكم العقل مسقط لذلك الدليل ومانع عن حجيته فلا يمكن أن يكون ذلك رافعا له كما هو ظاهر هذا كله لو كان حكم العقل بوجوب الالتزام على تقدير ثبوته تنجيز يا أما لو كان تعليقيا بمعنى أن حكمه بوجوب الالتزام بمحتمل الواقع بخصوصه معلق على عدم جعل الشارع للكحم الظاهري مثلا فلا ريب ان ادلة الاصول لما كانت مثبتة للحكم الظاهري أو نحوه كانت رافعة لحكم العقل المذكور إذ لو لم يرتفع لم يكن تعليقيا وهو خلف وهذا هو المراد بقوله: الا أن يقال ان استقلال... الخ (هذا) ولكن يمكن أن يقال: ان وجوب الالتزام بمحتمل التكليف بخصوصه لو كان تنجيزيا لم يصلح للمنع عن جريان الاصول ايضا لأن الحكم الذي يقتضيه الاصل حكم شرعي نظير الحكم الواقعي في كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الالتزام ولا يختص حكمه المذكور بالاحكام الواقعية فانه بلا مخصص، وحينئذ فإذا كان عموم الاصل جاريا في مورد اجمال الحكم يكون ايضا مما يجب الالتزام به، وإذا كان وجوب الالتزام بالواقع مانعا عن عموم الاصل كان وجوب الالتزام بحكم الاصل مانعا عن عموم دليل الواقع للمورد وحينئذ يقع التمانع من الطرفين ولا مرجح لاحدهما على الآخر (وفيه) أن وجوب الالتزام بحكم الاصل لا يصلح للمنع عن عموم دليل الواقع لان وجوب الالتزام فرع حكم الاصل وحكم الاصل فرع الشك في الواقع فلو كان الوجوب المذكور رافعا للواقع ارتفع الشك به فيرتفع الوجوب وكل ما يلزم من وجوده عدمه محال، لكن هذا التمانع مع الغض عما ذكرنا من امكان الالتزام بالحكمين ولو بنينا عليه جرت ادلة الاصول ووجب الالتزام بمحتمل الواقع على انه حكم واقعي وبمضمون الاصل على انه حكم ظاهري ولا تمانع بينهما بوجه (قوله: مع عدم ترتب أثر عملي) لا ينبغي التأمل

٤٢

* - مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه للزوم التناقض في مدلولها على تقدير شمولها كما ادعاه شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - وإن كان محل تأمل ونظر فتدبر جيدا (الأمر السادس)

______________________________

في اعتبار ترتب الاثر العملي في جريان الاصول لانها وظائف عملية لكن لا يعتبر في الاثر العملي أن يكون بلا واسطة فقد يكون بلا واسطة كما قد يكون بالواسطة فإذا ترتب اثر عملي على ما ليس بواجب أمكن جريان أصالة عدم الوجوب في مورد الدوران بين الوجوب والحرمة، وكذا يجرى اصالة عدم الحرمة لو كان الاثر العملي مترتبا على ما ليس بحرام، وكذا يجري اصالة الحل لو فرض عموم دليلها للمورد المذكور ولو رفع احتمال وجوب الترك يقينا أو وجوب الفعل يقينا لكنه مبني على أن حكم العقل في المورد المذكور بالتخيير تعليقيا على عدم الوظيفة الشرعية والا كان الحكم العقلي المذكور كافيا في رفع احتمال تعين احد الامرين ويكون اجراء اصالة الحل بلحاظ الاثر المذكور لغوا. نعم لو فرض ثبوت الاثر لما هو الحلال مثل لبس جلده في الصلاة كان الاثر المذكور كافيا في اجراء اصالة الحل لانه اثر عملي ولو بالواسطة، ولعل هذا هو المراد للمصنف - رحمه الله - من حاشية له في المقام وان كان خلاف الظاهر فتأمل (قوله: مضافا إلى عدم شمول) هذا مانع آخر عن جريان الاصول في اطراف العلم ذكره شيخنا الأعظم (ره) في آخر الاستصحاب من رسائله وحاصله: أن أدلة الاستصحاب لا تشمل اطراف العلم الاجمالي لانه يلزم من شمولها التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله فان قوله (ع): لا تنقض اليقين بالشك، وان كان يشمل الشك المسبوق باليقين في كل واحد من الاطراف، ولازمه جريان الاستصحاب في كل واحد من الاطراف، الا أنه قوله (ع) في ذيل تلك الرواية: ولكن تنقضه بيقين آخر، شامل للمتيقن بالاجمال ولازمه وجوب العمل على اليقين الاجمالي، ومن المعلوم أن العمل على اليقين الاجمالي يضاد العمل على الشك في كل

٤٣

* لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغي حصوله منه أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه

______________________________

واحد من الاطراف، فلا يمكن الاخذ بالصدر والذيل معا، وحيث لا مرجح يحكم بسقوطهما معا فلا يجري الاصل في اطراف العلم، وهذا الاشكال وان كان يطرد في جميع صور العلم الاجمالي لكن ذكره الشيخ (ره) في خصوص ما لو كان العلم الاجمالي منجزا عقلا لمتعلقه، وحكى بعض تلامذته من المحققين أن الوجه في هذا التخصيص ما صرح به في مجلس درسه الشريف من ظهور اليقين في الذيل في خصوص اليقين المنجز دون غيره وعليه فلا مجال للاشكال في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة كما هو محل الكلام فتأمل، وسيجئ التعرض من المصنف - رحمه الله - لهذا الاشكال في محل آخر ونتعرض هناك انشاء الله تعالى لما ينبغي له وعليه فانتظر (قوله: لا تفاوت في نظر العقل) لا رب في ان اطلاق موضوع كل حكم وتقييده من حيث الافراد أو الاحوال أو الازمان أو غيرها تابع لنظر جاعل الحكم، فاطلاق موضوع الحكم العقلي وتقييده تابع لنظر العقل، كما أن اطلاق موضوع حكم الشارع الأقدس تابع لنظر الشارع، واطلاق موضوع الحكم العرفي تابع لنظر العرف... إلى غير ذلك، وحيث أن القطع الطريقي موضوع لحكم العقل بالمنجزية ووجوب الموافقة فاطلاقه وتقييده تابعان لنظر العقل، وحيث انه لا فرق في نظر العقل في ترتب الآثار المذكورة بين أفراد القطع ولا بين أحواله كان الواجب الحكم بحجية القطع مطلقا من غير فرق بين قطع القطاع وغيره ولا بين القطع الحاصل من المقدمات العقلية وغيره، إلى غير ذلك من شؤون الاطلاق، وحيث أن القطع الموضوعي موضوع للحكم الشرعي جاز اطلاقه وتقييده كل ذلك بنظر الشارع، ولابد في معرفة ذلك من الرجوع إلى دليل ذلك الحكم فان اقتضى ثبوته لمطلق القطع حكم بموضوعيته مطلقا وان اقتضى ثبوته لبعض أفراده اقتصر عليه كما هو الحال في سائر الموضوعات الشرعية مثل

٤٤

- كما هو الحال غالبا في القطاع - ضرورة أن العقل يرى تنجز التكليف بالقطع الحاصل مما لا ينبغي حصوله وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته وعدم صحة الاعتذار عنها بانه حصل كذلك وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه وعدم حسن الاحتجاج عليه بذلك ولو مع التفاته إلى كيفية حصوله. نعم ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كل مورد فربما يدل على اختصاصه بقسم في مورد وعدم اختصاصه به في آخر على اختلاف الأدلة واختلاف المقامات بحسب مناسبات الاحكام والموضوعات وغيرها من الامارات، (وبالجملة): القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ولا من حيث المورد ولا من حيث السبب لا عقلا وهو واضح ولا شرعا لما عرفت من انه لا تناله يد الجعل نفيا ولا اثباتا وان نسب إلى بعض الاخباريين انه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية الا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة بل يشهد بكذبها وأنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شئ وحكم الشرع بوجوبه كما ينادي به باعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب

______________________________

الخمر والتمر والصدق والكذب فلاحظ (قوله: كما هو الحال) مثال لما يحصل من سبب غير متعارف (قوله: ضرورة أن العقل) تعليل لعدم التفاوت الذي ذكره (قوله: وصحة مؤاخذة) معطوف على: تنجز التكليف (قوله: عنها) الضمير راجع إلى المخالفة (قوله: كذلك) يعني حصل من سبب غير متعارف والمعنى انه لا يصح ان يعتذر العبد عن مخالفة القطع بان قطعه حصل من سبب غير متعارف (قوله: وعدم صحة) هذا بيان لترتب الأثر الآخر للقطع الطريقي وهو كونه عذرا في مخالفة الواقع (قوله: بخلافه) يعني خلاف التكليف (قوله: وعدم حسن) معطوف على صحة المؤاخذة والمراد انه لا يحسن ان يحتج على القاطع العامل على طبق قطعه بان قطعك حاصل من الأسباب غير المتعارفة فلم عملت على طبقه ؟ (قوله: مع التفاته) الضمير راجع

٤٥

الملازمة فراجع، وإما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لانها لا تفيد الا الظن كما هو صريح الشيخ المحدث الأمين الاسترابادي - رحمه الله - حيث قال في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين (ع): (الرابع) أن كل مسلك غير ذلك المسلك - يعني التمسك بكلامهم عليهم الصلاة والسلام - إنما يعتبر من حيث افادته الظن بحكم الله تعالى وقد أثبتنا سابقا انه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها وقال في جملتها أيضا - بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة ما هذا لفظه: وإذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: إن تمسكنا بكلامهم - عليهم السلام فقد عصمنا من الخطأ وإن تمسكنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أن العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا ألا ترى أن الامامية استدلوا على وجوب العصمة بانه لولا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ وذلك الامر محال لأنه قبيح، وانت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى. انتهى موضع الحاجة من كلامه، وما مهده من الدقيقة هو الذي نقله شيخنا العلامة - اعلى الله مقامه - في الرسالة وقال في فهرست فصولها أيضا: الاول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه وجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم - عليهم السلام - انتهى. وأنت ترى أن محل كلامه ومورد نقضه وإبرامه هو العقلي غير المفيد للقطع وإنما همه إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع. وكيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقا وصحة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته وكذا ترتب ساير آثاره عليه عقلا مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل فلابد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة

______________________________

إلى القاطع (قوله: وقال في فهرست) يعنى الاسترابادي في فهرست فصول

٤٦

* من المنع عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي (العقلي خ ل) لاجل منع بعض مقدماته الموحبة له ولو اجمالا فتدبر جيدا (الامر السابع) أنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجره لا يكاد تناله يد الجعل اثباتا أو نفيا فهل القطع الاجمالي كذلك ؟ فيه اشكال ربما يقال: ان التكليف

______________________________

فوائده (قوله: من المنع عن حصول) خبر لقوله: (لابد) يعني ما ورد في الشريعة مما يوهم المنع عن القطع الطريقي لابد أن يحمل على المنع من حصول العلم لمنع بعض المقدمات الموجبة له (قوله: ولو اجمالا) متعلق بمنع (قوله: فهل القطع الاجمالي) اعلم ان الكلام في القطع الاجمالي في مقامات ثلاثة (الأول) في أن له اقتضاء الحجية أو ليس له ذلك فيكون كالظن في حال الانفتاح لا يكون حجة الا بجعل جاعل (الثاني) انه بناء على الاقتضاء فهل هو بنحو العلية التامة بحيث يكون موجبا لحكم العقل باستحقاق العقاب على تقدير المخالفة وعدم استحقاقه على تقدير الموافقة حكما تنجزيا غير موقوف على شئ من وجود شرط أو فقد مانع ؟ أو انه بنحو صرف الاقتضاء فيكون موقوفا على عدم المانع عنه عقلا أو شرعا (الثالث) انه بناء على العلية التامة فهل هو علة لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية أو يكفي الموافقة الاحتمالية ؟ وهذه المقامات كلها صارت مجال تأمل واشكال (أما المقام الاول) فحكي الخلاف فيه عن المحقق القمي (ره) والمحقق الخوانساري والوجه في حكاية ذلك عبارتهما المحكية في رسائل شيخنا الأعظم (قده) في الشبهة الوجوبية لكن في استظهار ذلك منها تأمل، ولعل المراد انه لا فعلية للحكم الكلي ما لم يعلم به تفصيلا لا انه ليس في العلم مقتضي الحجية إذ لا يظن التزامهما بذلك في أبواب الفقه بل صرح أولهما بلزوم الاحتياط في الشك في الشرطية، وكيف كان فهذا القول على تقدير ثبوته في غاية الوهن (وأما المقام الثاني) فهو ما تعرض له المصنف (ره) هنا واختار فيه عدم العلية التامة، وحاصل الوجه فيما اختار: أن العلم الاجمالي لما كان مقرونا بالشك دائما وكان الشك موضوعا

٤٧

للاحكام الظاهرية كانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة فجاز حينئذ جعل الحكم الظاهري في كل واحد من اطرافه الموجب ذلك لجواز مخالفته، مثلا إذا علم اجمالا بحرمة اناء مردد بين انائين فكل واحد من الاناءين مشكوك الحرمة فيمكن أن يكون موضوعا لقاعدة الحل أعني قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام. (فان قلت): ان الحل المجعول لكل واحد يناقض الحرمة المعلومة اجمالا (قلت): هذه هي المناقضة بين كل حكم ظاهري مجعول في حق الشاك بالواقع وبين الواقع المشكوك ولا تختص بما نحن فيه فما تدفع به هذه المناقضة في الشبهات البدوية التي لا علم فيها أصلا وفى الشبهة غير المحصورة التي لا يجب الاحتياط فيها اجماعا تدفع به المناقضة في المقام. ثم انه (ره) ذكر في الحاشية ما محصله: إن دفع المناقضة بين الأحكام الظاهرية في مورد الأصول والامارات وبين الاحكام الواقعية منحصر بعدم فعلية الاحكام الواقعية ضرورة تضاد الاحكام الواقعية الفعلية والاحكام الظاهرية على خلافها، وحينئذ فمع القطع الاجمالي بالحكم الفعلي يمتنع الترخيص الشرعي على خلافه، وحينئذ فيكون علة تامة لوجوب الموافقة الا إذا ارتفعت فعلية الحكم لعروض عسر أو نحوه مما يوجب ارتفاع فعلية التكليف فيجوز حينئذ الترخيص في مخالفته شرعا وعقلا لكن ذلك لخلل في المعلوم لا لقصور في العلم والا فلو تعلق بالحكم التكليفي لا يكون مانع عن تأثيره شرعا. هذا محصل كلامه زيد في علو مقامه. ولكن لا يخفى ان البحث في حجية العلم الاجمالي وانه علة للتنجز أو مقتض كالبحث في علية العلم التفصيلي لذلك يختص بصورة تعلقه بالحكم الفعلي كما اشار إلى ذلك في مبحث حجية العلم التفصيلي غاية الأمر ان يكون المراد من الفعلية ما لا ينافيه الترخيص حال الجهل كما سيجيئ الاشارة إليه منه (ره)، وحينئذ فكون العلم علة تامة للتنجز لو كان متعلقا بالحكم الفعلي بالمعنى الذي ينافيه الترخيص ليس مما هو محل الكلام وليس ذلك لخصوصية في العلم اقتضت ذلك والا فاحتمال الفعلية ايضا مانع من الترخيص على خلافها لأنه جمع بين المتضادين احتمالا وهو ممتنع، نعم

٤٨

يفترق العلم عن الجهل المتعلقين بالفعلي بالمعنى الأخير في ان الأول ليس عذرا في نظر العقل والثاني عذر في نظره والا فهما من حيث المنع عن الترخيص الشرعي سواء، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المتن من كونه مقتضيا للتنجز هو المختار له في محل الكلام في المقام لكنه ليس مطابقا لما هو الحق الحقيق بالقبول، وما ذكره في وجهه من ان مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة لا يصلح سندا له ولا ينبغي ان يعول عليه فان كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال وان كان مشكوك الحكم وبذلك يصير موضوعا للحكم الظاهري لكن لابد من توجيه النظر إلى العلم الاجمالي وانه علة تامة لتنجيز متعلقه على اجماله اولا ؟ فعلى الأول يمتنع الترخيص في اطرافه لأنه نظير الترخيص في مخالفة العلم التفصيلي، وعلى الثاني لا مانع منه (فنقول): لا ينبغي التأمل في ان العلم الاجمالي ليس الا من سنخ العلم التفصيلي موجبا لاراءة متعلقه وانكشافه انكشافا تاما لا قصور في ناحية انكشافه اصلا فان من علم انه يجب عليه اكرام زيد بن بكر الذي لا يعرفه بعينه لا قصور في علمه بالاضافة إلى متعلقة اعني اكرام زيد بكر ومجرد تردده بين شخصين لا يوجب نقصا في علمه بالاضافة إلى متعلقه غاية الأمران علمه لم يحط بتمام الخصوصيات المانعة من التردد بين شخصين، ومن المعلوم بشهادة الوجدان عدم دخل ذلك في المنع من منجزية العلم إذ لا ريب في انه بمجرد حصول ذلك العلم الاجمالي يتحرك العبد نحو موافقته بطبعه وعقله ويعد قول المولى: لا تكرم كل واحد من الشخصين: مناقضا لما علم بحيث يحكم اجمالا بان احد الكلامين ليس مطابقا للواقع نظير ما تقدم في العلم التفصيلي حرفا بحرف، فلا فرق بين العلمين من هذه الجهة اصلا، ومن هذا يظهر انه لا مجال للترخيص الظاهري في كل واحد من اطراف الشبهة لأنه راجع إلى الترخيص في المعصية الممتنع عقلا، ومجرد كون كل واحد مشكوك الحكم لا يصححه بعد انطباق عنوان الترخيص في المعصية عليه الذي لا ريب في قبحه، والتأمل في طريقة العقلاء يوجب وضوح ما ذكرنا بما لا مزيد عليه فالمعول عليه حينئذ انه علة تامة للتنجز بحيث لا يتوقف على وجود شرط أو فقد

٤٩

حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا وليس محذور مناقضة مع المقطوع اجمالا إلا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة بل الشبهة البدوية ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والاذن في الاقتحام في مخالفته بين الشبهات فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الاطراف المحصورة أيضا كما لا يخفى وقد اشرنا إليه سابقا ويأتي انشاء الله مفصلا

______________________________

مانع اصلا وعدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة كان من جهة عدم فعلية التكليف لعدم الابتلاء أو للعجز أو نحوهما كما سيأتي بيانه انشاء الله في محله، فلاحظ وتأمل (قوله: حيث لم ينكشف به تمام) لتردد المعلوم بين شيئين من جهة عدم تعلق العلم بتمام خصوصياته التي يكون العلم بها مانعا من التردد به، لكن قد عرفت ان هذا المقدار لا يقدح في المنجزية وليس ذلك عند العقلاء الا كما لو لم تعلم الخصوصيات الزائدة على تعينه كما لو علم بوجوب اكرام الشخص الحاضر عنده مع عدم علمه بانه فقير أو غني عالم أو جاهل هاشمي أو غير هاشمى... إلى غير ذلك من العناوين التي يتردد بينها الشخص، وكما ان مثل هذا التردد بين هذه العناوين لا يقدح في منجزية العلم بالتكليف فليكن في المقام كذلك، واما الفرق بين المقامين بما ذكر من محفوظية مرتبة الحكم الظاهري من جهة ان التردد بين شيئين موجب لكون كل واحد منهما مشكوك الحكم دون مورد النقض فقد عرفت الجواب عنه سابقا بان مجرد ذلك لا يصحح الترخيص بعد ما كان العلم مانعا من الترخيص في مخالفة نفس المعلوم بالاجمال لان الترخيص في كل واحد منهما ترخيص في مخالفة المعلوم بالاجمال المؤدي إلى التناقض كما في العلم التفصيلي وهذا غير المناقضة الحاصلة في الشبهة البدوية أو غير المحصورة لأن الترخيص فيهما ترخيص في المجهول لا المعلوم وهنا ترخيص في المعلوم، فالفرق بينهما ظاهر ومنه يظهر لك ما في قوله: وكانت

٥٠

نعم كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلية (١) التامة فيوجب تنجز التكليف ايضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان في اطراف كثيرة غير محصورة أو شرعا كما في ما اذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر: (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) وبالجملة قضية صحة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الاذن في الاقتحام فيها هو كون القطع الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة

______________________________

مرتبة الحكم، كما يظهر ما في قوله: وليس محذور مناقضة... الخ (قوله: نعم كان العلم الاجمالي) هذا تعرض للمقام الأول من المقامات الثلاثة (قوله: كما كان في اطراف كثيرة) سيجئ إنشاء الله بيان الوجه في عدم منجزية العلم إذا كان في اطراف غير محصورة مما يرجع كله إلى قصور في المعلوم اعني التكليف به بحيث لا يصلح للمحركية اما لعدم القدرة أو لعدم الابتلاء أو غيرهما فانتظر (قوله: كما هو ظاهر: كل) وعليه فلازم ما ذكره جواز الارتكاب في اطراف الشبهة المحصورة ولا يظن من المصنف (ره) الالتزام به كيف وهو مخالف للاجماعات

______________

(١) لكنه لا يخفى ان التفصي عن المناقضة على ما يأتي لما كان بعدم المنافاة والمناقضة بين الحكم الواقعي ما لم يصر فعليا والحكم الظاهرى الفعلي كان الحكم الواقعي في موارد الاصول والامارات المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي وحينئذ فلا يجوز العقل مع القطع بالحكم الفعلي الاذن في مخالفته بل يستقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو اجمالا بلزوم موافقته واطاعته. نعم لو عرض بذلك عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا أو عقلا كما إذا كان مخلا بالنظام فلا تنجز حينئذ لكنه لاجل عروض الخلل بالمعلوم لا لقصور العلم عن ذلك كما كان الأمر كذلك فيما إذا اذن الشارع في الاقتحام فانه ايضا موجب للخلل في المعلوم لا المنع عن تأثير العم شرعا. وقد انقدح بذلك انه لا مانع عن تأثيره شرعا ايضا فتأمل جيدا. (منه قدس سره)

٥١

وأما احتمال انه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف جدا

______________________________

المستفيضة في الموارد المتفرقة في الفقه ؟ وكون هذه الاجماعات هي الوجه في لزوم الاحتياط تعبدا خلاف ما يقتضيه التأمل في كلماتهم في الفقه فراجع وتأمل (قوله: واما احتمال انه بنحو الاقتضاء) هذا تعرض للمقام الثالث من المقامات الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا وان العلم الاجمالي على تقدير كونه علة تامة للتنجز فهل يقتضي وجوب الموافقة القطعية عقلا بحيث يمتنع الترخيص في بعض المحتملات أو لا يقضتي الا حرمة المخالفة القطعية فيجوز الترخيص في بعض المحتملات دون جميعها ؟ وحاصل ايراد المصنف (ره) عليه: ان المنع عن الترخيص في الجميع ليس الا كونه موجبا للتناقض كما تقدم هنا وفي العلم التفصيلي وهذا بعينه موجود في الترخيص في احد المحتملات لأنه على تقدير كون مورد الترخيص هو المعلوم بالاجمال يكون ذلك المورد موردا للتخريص والالزام بالمعلوم بالاجمال، ومن المعلوم ان الجمع بينهما احتمالا ممتنع كالجمع بينهما علما لو كان الترخيص في جميع المحتملات، وتحقيق المقام: انك قد عرفت سابقا ان العلم يترتب عليه آثار طولية (احدها) كونه موجبا لاشتغال ذمة المكلف بموضوع التكليف المعلوم وهذا الأثر ينتزع عن مقامه المنجزية (وثانيها) كونه موجبا لتحصيل الفراغ عما اشتغلت به الذمة وهذا منتزع عن مقام وجوب العمل على وفق العلم وهو عين وجوب الاحتياط في موارد العلم الاجمالي (فان كان) غرض القائل بجواز الترخيص الشرعي في بعض الأطراف انه يجوز للشارع الاكتفاء في مقام الفراغ باحد المحتملات بنحو يكون ذلك فراغا تنزيليا بجعله الواقع المعلوم تنزيلا فذلك مما لا ريب في امكانه في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي فان وجوب الصلاة معلوم بالضرورة من الدين وقد تصرف الشارع في مقام الفراغ عنه بجعل الأصول المثبتة لموضوعه تعبدا مثل استصحاب الطهارة وقاعدتي التجاوز والفراغ والبينة لاثبات الوقت والقبلة وغيرها من الشرائط والأجزاء وغيرها من

٥٢

الحجج والأصول المجعولة في مقام احراز الواقع باجزائه وشرائطه، وجواز ذلك في العلم الاجمالي اولى، لكن من المعلوم ان هذا المقدار ليس تصرفا في مقام حجية العلم واقتضائه اشتغال الذمة بموضوعه ووجوب تحصيل الفراغ عنه بل إنما ذلك تصرف في مقام احراز الفراغ بجعل المفرغ التعبدي، ولا ينافي كون العلم موجبا للموافقة القطعية اصلا، إذ ليس لسان تلك الأدلة انه لا يجب الفراغ بل كان لسانها ان هذا واقع وبفعله يحصل الفراغ عن الواقع (وان كان) غرضه جواز ترك تحصيل المفرغ المحتمل لعدم وجوب الفراغ القطعي من دون نظر إلى جعل الواقع تعبدا فهذا شئ يخالف ما عرفت من حكم العقل بوجوب الفراغ عما اشتغلت به الذمة بالعلم، ويشهد بما ذكرنا ظهور كلماتهم في الاتفاق على وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة من دون فرق بين ما لو كان العمل بالأصول في الأطراف موجبا للمخالفة القطعية وعدمه كما لو كان أحد الأطراف مجرى لاستصحاب الطهارة والآخر مجرى لقاعدة الطهارة لعدم العلم بالحالة السابقة الذي هو شرط إجراء الاستصحاب فيه فان الاستصحاب في الأول والقاعدة في الثاني يتعارضان وبعد تساقطهما للمعارضة يرجع في مورد استصحاب الطهارة اعني الأول إلى قاعدة الطهارة فيه لأنها لما كانت محكومة للاستصحاب كما سيأتي بيانه في محله لم تجر إلا بعد سقوط الاستصحاب للمعارضة، وإذا جرت فيه لم يبق لها معارض في الآخر لكونه ليس موردا للاستصحاب من جهة الجهل بحاله السابقة ولا للقاعدة من جهة سقوطها للمعارضة ولازم القول بالتفصيل المذكور جواز ارتكاب مجرى قاعدة الطهارة، بل لعل لازم القول المذكور حلية احد الأطراف في جميع الصور بمقتضى بعض اخبار البراءة مثل: رفع ما لا يعلمون، ونحوه مما لا مجال للاشكال في شموله للاطراف لعدم اشتماله على ما يوجب العمل على العلم كما في بعض اخبار الاستصحاب الذي تقدمت الاشارة إليه، أو ما اشتمل على كون غاية الحكم فيه العلم ليتمسك بمفهومه فانه إذا كان شاملا لطرفي الشبهة فالعقل إنما يمنع عن شموله لهما معا جمعا ولا يمنع عن شموله لأحدهما فيرفع اليد بتوسط حكم العقل عن احدهما تخييرا ويستفاد منه الترخيص في

٥٣

ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معهما موجبا لجواز الاذن في الاقتحام بل لو صح معهما الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية ايضا فافهم ولا يخفى ان المناسب للمقام

______________________________

بعض اطراف الشبهة في جميع الشبهات المحصورة (فان قلت): هذا لا يختص بهذا القول بل يطرد على القول بالعلية بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، وتوضيح ذلك: انه إذا جاز للشارع التصرف في المفرغ بجعل المفرغ التنزيلي تعبدا فليستكشف ذلك من عموم ادلة الأصول للاطراف فانه إذا فرض عموم الأدلة لأطراف الشبهة وفرض انه لا يجوز الترخيص في واحد إلا مع جعل البدل فليستكشف جعل البدل من ادلة الترخيص (قلت): لا يصح ذلك بناء على العلية للزوم الدور فان العلم بالترخيص يتوقف على العلم بجعل البدل فلا يمكن استفادة العلم بجعل البدل من العلم بالترخيص، وان شئت قلت: احتمال جعل البدل غير كاف في الاذعان بالترخيص إذ العقل لا يقبل الترخيص حتى يعلم بجعل البدل فإذا كان الاذعان بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص كيف يتسفاد العلم بالترخيص من العلم بجعل البدل. نعم لو كان احتمال جعل البدل كافيا في قبول العقل للترخيص امكن استكشاف جعل البدل من ادلة الترخيص لكنه ليس كذلك كما هو ظاهر بالتأمل وسيجيئ إنشاء الله تعالى توضيح ذلك في مبحث الاشتغال (قوله: ضرورة ان) تعليل للضعف وقد بيناه سابقا (قوله: بذلك) اشارة إلى ثبوت المتناقضين (قوله: معهما) أي مع الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية، وكذا قوله (معهما) الثاني (قوله: بل لو صح معهما) يعني لو صح الترخيص في المخالفة الاحتمالية كانت صحته من جهة عدم التضاد بين الالزام المعلوم بالاجمال والترخيص بخلافه وإذا لم يكن تضاد بينهما جاز الترخيص في جميع الأطراف (قوله: فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى بعض ما ذكرنا من جواز الترخيص مع جعل البدل أو انحلال العلم الاجمالي على ما يأتي انشاء الله بيانه مفصلا في مبحث

٥٤

هو البحث عن ذلك كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا عدم ثبوته كما لا مجال بعد البناء على انه بنحو العلية للبحث عنه هناك اصلا كما لا يخفى هذا بالنسبة إلى اثبات التكليف وتنجزه به وأما سقوطه به بان يوافقه اجمالا فلا اشكال فيه في التوصليات وأما في العباديات

______________________________

البراءة فانتظر (قوله: هو البحث عن ذلك) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) في رسائله حيث جعل البحث عن علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية من مباحث البراءة والاشتغال التي يبحث فيها عن الشك وخص البحث عن عليته لحرمة المخالفة القطعية بكونه من مباحث العلم، وحاصل ايراد المصنف (ره) عليه: ان مباحث العلم هي التى يكون الموضوع فيها العلم، ومن المعلوم ان المقامات الثلاثة كلها إنما يبحث فيها عن العلم ولا وجه للفرق بين البحث عن علية العلم بوجوب الموافقة القطعية والبحث عن عليته لحرمة المخالفة القطعية فان الاول من مباحث الشك والثاني من مباحث العلم (قوله: كما ان المناسب) هذا تعريض بالشيخ (ره) أيضا حيث بحث في قاعدة الاشتغال عن علية العلم لكل من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية وهما معا من مباحث العلم كما عرفت وما هو من مباحث الشك هو خصوص البحث عن ثبوت الترخيص الشرعي أو العقلي في احد الاطراف أو كليهما بعد البناء على كون العلم مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية أو لحرمة المخالفة القطعية لا علة (قوله: هذا بالنسبة إلى اثبات يعني أن البحث عن عوارض العلم يكون (تارة) من حيث انه ينجز ما تعلق به من التكليف أولا (وأخرى) من حيث انه يكتفى به في مقام الفراغ عن عهدة التكليف الثابت في الذمة أولا يكتفى به بل لابد من العلم التفصيلي بالامتثال ان امكن والا فالظن التفصيلي (وملخص) الكلام: ان التكليف الثابت الذي يوافقه المكلف اجمالا إما ان يكون توصليا أو تعبديا، والثاني إما ان يتردد

٥٥

فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر لعدم الاخلال بشئ مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها مما لا يمكن

______________________________

موضوع التكليف فيه بين المتباينين بحيث يحتاج في مقام العلم بالفراغ إلى التكرار، أو يتردد بين الأقل والأكثر فيحصل العلم بالامتثال بفعل الأكثر، فان كان التكليف توصليا فلا اشكال في الاكتفاء بالعلم الاجمالي بالامتثال لان العلم الاجمالي بحصول الواجب يوجب العلم بحصول الغرض لان مقتضى كونه توصليا ان يكون وجود الواجب مطلقا علة تامة لحصول الغرض فإذا علم بوجوده علم بحصول الغرض فيعلم بسقوط الامر، وان كان عباديا يتردد موضوعه بين الاقل والاكثر فينبغي الجزم ايضا بالاكتفاء بفعل الاكثر في حصول الغرض وسقوط الامر، لان عدم حصول الغرض في العبادة اما أن يكون لعدم وجود الواجب أو لعدم شرط الاطاعة مما يمتنع اخذه في الواجب مثل نية القربة ونية الوجه والتمييز، والجميع حاصل: أما وجود الواجب فلكونه المفروض، واما نية القربة والوجه والتمييز فالتردد بين الاقل والاكثر لا يمنع من تمكن المكلف منها فيمكنه ان يأتي بالاكثر بداعي وجوبه بوصف وجوبه عالما بوجوبه، فإذا جاء به المكلف على هذا الحال كان المأتي به واجدا لكل ما يعتبر في الاطاعة فلا بد ان يسقط الامر لحصول الغرض نعم الجزء المشكوك وجوبه لم يؤت به بوصف وجوبه ولا مع الالتفات إلى وجوبه وهذا المقدار لا يوجب فساد الفعل لعدم اعتباره عند العقلاء في حصول الاطاعة ولا عند الشارع في حصول الغرض، اما الاول فواضح، واما الثاني فلان اعتباره مناف للاطلاق المقامي وهو عدم البيان مع الحاجة إليه الذي هو طريق إلى العدم والا لاخل بالغرض كما تقدم بيانه في مباحث الالفاظ (قوله: فكذلك) يعني لا إشكال فيه (قوله: لعدم الاخلال) تعليل لعدم الاشكال في سقوط الامر والتكليف (قوله: منها) الضمير راجع إلى العبادة (قوله: مما لا يمكن) بيان لما يعتبر أو يحتمل اعتباره في العبادة يعني من القيود التي لا تؤخذ

٥٦

* أن يؤخذ فيها فانه نشأ من قبل الأمر بها كقصد الاطاعة والوجه والتمييز فيما إذا أتى بالأكثر ولا يكون اخلال حينئذ الا بعدم اتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها بقصدها واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية وأما فيما احتاج إلى التكرار فربما يشكل من جهة الاخلال بالوجه (تارة) وبالتميز (أخرى) وكونه لعبا وعبثا (ثالثة) وانت خبير بعدم الأخلال بالوجه بوجه في الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الأمر أنه لا تعيين له ولا تميز فالاخلال إنما يكون به واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف

______________________________

في نفس العبادة لامتناع اخذها كذلك لانها متأخرة عن الامر فلا تؤخذ في موضوعه فقوله: فانه نشأ... الخ تعليل لعدم الامكان (قوله: فيما إذا أتى بالاكثر) متعلق بعدم الاخلال (قوله: بعدم اتيان) لكن يلازم ذلك فقد نية الوجه والتمييز من الجزء فتأمل (١) (قوله: بقصدها) الضمير راجع إلى الجزئية وكذا ضمير قصدها الآتى (قوله: ضعيف) خبر الاحتمال، ووجه ضعفه ما سيشير إليه من منافاته للاطلاق المقامي (قوله: وأنت خبير بعدم) ينبغي ان يعلم أن المكلف في مقام فعل كل واحد من اطراف الشبهة الوجوبية إنما يفعله عن ارادة متعلقة بفعل الواجب فكل واحد منهما إنما يصدر عن تلك الارادة المتعلقة بفعل الواجب المعلوم غاية الامر ان تلك الارادة إنما تؤثر في كل واحد منهما بتوسط احتمال انطباق المراد عليه، فمن يعلم بأنه يجب عليه ان يكرم زيدا المردد عنده بين شخصين تحدث بسبب علمه بذلك ارادة متعلقة باكرام زيد وهذه الارادة تؤثر في اكرام كل واحد من الشخصين بتوسط احتمال انطباق المعلوم عليه، فلا مجال لتوهم ان فعل كل واحد ليس بداعي الامر بل بداعي احتمال الامر، فلا قصور في قصد الاطاعة حينئذ، ثم هذه الارادة المؤثرة في كل واحد منهما لما كانت متعلقة بالواجب المعلوم فيمكن اخذا الوجو ب فيه، صفا أو غاية

______________

(١) اشارة إلى امكان نية الوجه فيه بالنحو الآتى في التكرار منه مد ظله

٥٧

لعدم عين منه ولا اثر في الأخبار مع أنه مما يغفل عنه غالبا وفي مثله لابد من التنبيه على اعتباره ودخله في الغرض والا لاخل بالغرض كما نبهنا عليه سابقا وأما كون التكرار لعبا وعبثا فمع انه ربما يكون لداع عقلائي إنما يضر إذا كان لعبا بامر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها كما لا يخفى. هذا كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال وأما إذا لم يتمكن إلا من الظن به كذلك فلا اشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره الا فيما إذا لم يتمكن منه واما لو قام على اعتباره

______________________________

بالمعنى المراد من نية الوجه فلا قصور حينئذ في نية الوجه، ويبقى اشكال فقد التمييز لكنه غير قادح في حصول الغرض وسقوط الامر من جهة نفي احتمال اعتباره بالاطلاق المقامي (قوله: لعدم عين منه ولا أثر) ومثله نية الوجه كما تقدم في مباحث الامر (قوله: فمع انه ربما) يعني ففيه مع انه ممنوع إذ قد يكون هناك داع يدعو إلى الامتثال بالتكرار ويمنع عن تحصيل العلم التفصيلي بالواجب ليمكن موافقته التفصيلية كما لو توقف العلم على السؤال والفحص الموجبين لبعض المشقة بنحو يكون التكرار اهون منها فلا يكون التكرار حينئذ لعبا وعبثا انه لو سلم كونه لعبا وعبثا فلا يقدح في الاطاعة المعتبرة في العبادة وإنما يقدح لو كان لعبا بامر المولى فانه نحو من التجري فلا يكون إطاعة وانقيادا ولكنه لعب في كيفية الاطاعة في فرض تحققها لفرض كون كل واحد من الاطراف إنما يؤتى به عن داعي الامر، وحينئذ يحصل الفرض ويسقط الامر (قوله: هذا كله في قبال) يعني في فرض التمكن من الامتثال التفصيلي (قوله: به كذلك) يعني بالامتثال تفصيلا (قوله: في تقديمه) يعني تقديم الامتثال العلمي الاجمالي على الامتثال الظني التفصيلي (قوله: لو لم يقم دليل) يعني إنما ينتفي الاشكال عن تقديم الامتثال العلمي الاجمالي على الظني التفصيلي إذا لم يكن الظن حجة مع امكان الامتثال العلمي الاجمالي فانه إذا لم يكن الظن حجة حينئذ لا

٥٨

مطلقا فلا اشكال في الاجتزاء بالظني كما لا اشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في قبال الظني بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على أن يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط وأما لو كان من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام أو لانه ليس من وجوه الطاعة والعبادة بل هو نحو لعب وعبث بامر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما توهم فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك وعليه فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد وان احتاط فيها كما لا يخفى (هذا) بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام ويأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة والاشتغال. فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان:

ما قيل باعتباره من الامارات اوصى أنه يقال

وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور (أحدها) أنه لا ريب في أن الامارة غير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية

______________________________

يجوز الاعتماد عليه في الامتثال بل يكون من الاعتماد على غير الحجة الممتنع عقلا، فضمير (اعتباره) راجع إلى الظن وضمير (منه) راجع إلى الامتثال العلمي الاجمالي (قوله: مطلقا) يعني حتى مع امكان الامتثال العلمي الاجمالي (قوله: فلا اشكال في الاجتزاء) لأنه مقضتى حجيته، كما انه لا ينبغي الاشكال في كفاية الامتثال العلمي الاجمالي ايضا إذ ليس الظن التفصيلي باعظم من العلمي التفصيلي الذي قد عرفت مساواته للامتثال الاجمالي (قوله: بناء على أن يكون) إذ على هذا البناء لا يكون الاحتياط ممنوعا عنه فيكتفى به (قوله: المخل بالنظام) يعني فلا يجوز لوجوب حفظ النظام (قوله: الظن كذلك) يعني تفصيلا ولا يجوز الامتثال الاجمالي (قوله: ليست كالقطع) لا ينبغي أن يتوهم مما ذكرنا في القطع من كون وجوب موافقته فطريا بمناط لزوم دفع الضرر المقطوع انه يكون الظن ايضا مما تجب موافقته كذلك بمناط لزوم دفع الضرر المظنون (ووجه) اندفاع هذا التوهم:

٥٩

* بل مطلقا وان ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا - بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة - وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف ولا سقوطا وان كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل فتأمل (ثانيها) في بيان إمكان التعبد بالامارة غير العليمة شرعا وعدم لزوم محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته للزومه

______________________________

ما أشرنا إليه من أن الضرر المقطوع المترتب على مخالفة القطع إنما كان ناشئا عن طريقيته الذاتية الموجبة لحكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفته وهو المقصود من الضرر المقطوع، وهنا لا حكم للعقل باستحقاق العقاب على تقدير مخالفة الظن ليكون الضرر مظنونا فيجب دفعه بمناط لزوم دفع الضرر المظنون، وانما لم يحكم بذلك لعدم كونه طريقا إلى الواقع وحجة عليه بذاته، وهذا الأثر من آثار الحجية، ولذا لو فرض كونه حجة شرعا بالجعل أو عقلا بمقدمات الانسداد يحكم العقل بحسن العقاب على مخالفته فيجب العمل على طبقه بمناط لزوم دفع الضرر المظنون بناء على كون العقاب على مخالفة الواقع حينئذ، ولو بنينا على كونه على مخالفة الحجة كان الضرر مقطوعا لا مظنونا كما لا يخفى (قوله: بل مطلقا) يعني ولا بنحو الاقتضاء بان يكون حجة بذاته لكنه مشروط بعدم المنع عن العمل به، (والوجه في ذلك): انه لا طريق إلى دعوى ثبوت هذا الاقتضاء بل هو خلاف الوجدان كما هو ظاهر (قوله: إلى جعل) يعني جعل شرعي (قوله: بناء على تقرير) اما بناء على الكشف فيكون من الجعل الشرعي (قوله: ثبوتا) يعني في مقام اثبات التكليف به (قوله: ولا سقوطا) يعني في مقام اسقاط التكليف كما لو يقوم على الفراغ واداء المكلف به (قوله: ولعله لأجل) يعني يمكن أن يكون الوجه في دعوى المحقق المذكور حجية الظن بالفراغ بذاته هو انه إذا ظن بالفراغ كان احتمال عدم الفراغ ضعيفا فيكون الضرر

٦٠