الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 425
المشاهدات: 116492
تحميل: 4908


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116492 / تحميل: 4908
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 16

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كما سمعت يعارض أوّلاً الحديث و يتّخذه سخريّاً.

فالمراد بسبيل الله القرآن بما فيه من القصص و المعارف و كأنّ مراد من كان يشتري لهو الحديث أن يضلّ الناس بصرفهم عن القرآن و أن يتّخذ القرآن هزواً بأنّه حديث مثله و أساطير كأساطيره.

و قوله:( بِغَيْرِ عِلْمٍ ) متعلّق بيضلّ و هو في الحقيقة وصف ضلال الضالّين دون إضلال المضلّين و إن كانوا أيضاً لا علم لهم ثمّ هدّدهم بقوله:( أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) أي مذلّ يوهنهم و يذلّهم حذاء استكبارهم في الدنيا.

قوله تعالى: ( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ) إلخ، وصف لذاك الّذي يشتري لهو الحديث ليضلّ الناس عن القرآن و يهزأ به و الوقر الحمل الثقيل و المراد بكون الوقر على اُذنيه أن يشد عليهما ما يمنع من السمع و قيل: هو كناية عن الصمم.

و المعنى: و إذا تتلى على هذا المشتري لهو الحديث آياتنا أي القرآن ولّى و أعرض عنها و هو مستكبر كأن لم يسمعها قطّ كأنّه أصمّ فبشّره بعذاب أليم.

و قد اُعيد إلى من يشتري ضمير الإفراد أوّلاً كما في( يَشْتَرِي ) و( لِيُضِلَّ ) و( يَتَّخِذَها ) باعتبار اللّفظ و الضمير الجمع، ثانياً باعتبار المعنى ثمّ ضمير الإفراد باعتبار اللّفظ كما في( عَلَيْهِ ) و غيره كذا قيل، و من الممكن أن يكون ضمير( لَهُمْ ) في الآية السابقة راجعاً إلى مجموع المضلّ و الضالّين المدلول عليهم بالسياق فتكون الضمائر الراجعة إلى( مِنَ ) مفردة جميعاً.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ - إلى قوله -الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) رجوع بعد إنذار ذاك المشتري و تهديده بالعذاب المهين ثمّ العذاب الأليم إلى تبشير المحسنين و تطييب أنفسهم بجنّة النعيم الخالدة الموعودة من قبله تعالى و وعده الحقّ.

و لمّا كان غرض من اشترى لهو الحديث أن يلتبس الأمر على من يضلّه بغير علم فيحسب القرآن من الأساطير الباطلة كأساطيره و يهين به و كان لا يعتني بما تتلى عليه

٢٢١

من الآيات مستكبراً و ذلك استهانة بالله سبحانه أكّد أوّلاً ما وعده للمحسنين بقوله:( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) ثمّ وصف ثانياً نفسه بالعزّة المطلقة، فلا يطرأ عليه ذلّة و أهانه و الحكمة المطلقة فلا يداخل كلامه باطل و لا هزل و خرافة.

ثمّ وصفه ثالثاً بأنّه الّذي يدبّر أمر السماء و الأرض و النبات و الحيوان و الإنسان لأنّه خالقها فله أن يعد هؤلاء بالجنّة و اُولئك بالعذاب و هو قوله:( خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) إلخ.

قوله تعالى: ( خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) إلخ، تقدّم في تفسير قوله تعالى:( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) الرعد: 2 أنّ قوله:( تَرَوْنَها ) يحتمل أن يكون قيداً توضيحيّاً، و المعنى أنّكم ترونها و لا أعمدة لها، و أن يكون قيداً احترازيّاً و المعنى خلقها بغير أعمدة مرئيّة إشعاراً بأنّ هناك أعمدة غير مرئيّة.

و قوله:( وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) ، أي ألقى فيها جبالاً شامخة لئلّا تضطرب بكم و فيه إشعار بأنّ بين الجبال و الزلازل رابطة مستقيمة.

و قوله:( وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ ) أي نشر في الأرض من كلّ حيوان يدبّ عليها.

و قوله:( وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) أي و أنزلنا من جهة العلو ماء و هو المطر و أنبتنا فيها شيئاً من كلّ زوج نباتيّ شريف فيه منافع و له فوائد، و فيه إشارة إلى تزوّج النبات و قد تقدّم الكلام فيه في نظيره.

و الالتفات فيها من الغيبة إلى التكلّم مع الغير للإشارة إلى كمال العناية بأمره كما قيل.

قوله تعالى: ( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ، لمّا أراهم خلقه و تدبيره تعالى للسماوات و الأرض و ما عليها فأثبت به ربوبيّته و اُلوهيّته تعالى كلّفهم أن يروه شيئاً من خلق آلهتهم إن كانوا آلهة و أرباباً فإن لم يقدروا على إراءة شي‏ء ثبت بذلك وحدانيّته تعالى في اُلوهيّته و ربوبيّته.

و إنّما كلّفهم بإراءة شي‏ء من خلق آلهتهم - و هم يعترفون أنّ الخلق لله وحده

٢٢٢

و لا يسندون إلى آلهتهم خلقاً و إنّما ينسبون إليهم التدبير فقط - لأنّه نسب إلى الله خلقاً هو بعينه تدبير من غير انفكاك، فلو كان لآلهتهم تدبير في العالم كان لهم خلق ما يدبّرون أمره و إذ ليس لهم خلق فليس لهم تدبير فلا إله إلّا الله و لا ربّ غيره.

و قد سيقت الآية خطاباً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ نوع هذا الخطاب( فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) لا يستقيم من غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

( بحث روائي)

في المجمع: نزل قوله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصيّ بن كلاب كان يتّجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم و يحدّث بها قريشاً و يقول لهم: إنّ محمّداً يحدّثكم بحديث عاد و ثمود و أنا اُحدّثكم بحديث رستم و إسفنديار و أخبار الأكاسرة فيستمعون حديثه و يتركون استماع القرآن. عن الكلبيّ.

أقول: و روى هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن البيهقيّ عن ابن عبّاس، و لا يبعد أن يكون ذلك سبب نزول تمام السورة كما تقدّمت الإشارة إليه.

و في المعاني، بإسناده عن يحيى بن عبادة عن أبي عبداللهعليه‌السلام : قلت: قوله عزّوجلّ:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) قال: منه الغناء.

أقول: و روى هذا المعنى في الكافي، بإسناده عن مهران عنهعليه‌السلام ، و بإسناده عن الوشّاء عن الرضا عنهعليه‌السلام ، و بإسناده عن الحسن بن هارون عنهعليه‌السلام .

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: الغناء ممّا أوعد الله عليه النار و تلا هذه الآية:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) .

و فيه، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن كسب المغنّيات فقال: الّتي يدخل عليها الرجال حرام و الّتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول الله عزّوجلّ:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) .

٢٢٣

و في المجمع، و روى أبو أمامة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يحلّ تعليم المغنّيات و لا بيعهنّ و أثمانهنّ حرام و قد نزل تصديق ذلك في كتاب الله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) الآية.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن جمّ غفير من أصحاب الجوامع عن أبي أمامة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه، و روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: هو الطعن في الحقّ و الاستهزاء به و ما كان أبوجهل و أصحابه يجيؤن به إذ قال: يا معاشر قريش أ لا اُطعمكم من الزقّوم الّذي يخوّفكم به صاحبكم؟ ثمّ أرسل إلى زبد و تمر فقال: هذا هو الزقّوم الّذي يخوّفكم به. قال: و منه الغناء.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا عن عليّ بن الحسين قال: ما قدّست اُمّة فيها البربط.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصيّ، و كان النضر ذا رواية لأحاديث الناس و أشعارهم، يقول الله عزّوجلّ:( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً ) الآية.

و فيه، عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله تعالى:( وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) قال: هي محبوكة إلى الأرض و شبّك بين أصابعه. فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض و الله يقول:( رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقال: سبحان الله أ ليس يقول:( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقلت: بلى. فقال: فثمّ عمد و لكن لا ترونها.

٢٢٤

( سورة لقمان الآيات 12 - 19)

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ  وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ  وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( 12 ) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( 13 ) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ( 14 ) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا  وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا  وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ  ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 15 ) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ  إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ( 16 ) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ  إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( 17 ) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا  إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( 18 ) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ  إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ( 19 )

( بيان)

في الآيات إشارة إلى إيتاء لقمان الحكمة و نبذة من حكمه و مواعظه لابنه و لم يذكر في القرآن إلّا في هذه السورة و يناسب المورد من حيث مقابلة قصّته الممتلئة حكمة

٢٢٥

و موعظة لما قصّ من حديث من كان يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم و يتّخذها هزؤا.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) إلخ، الحكمة على ما يستفاد من موارد استعمالها هي المعرفة العلميّة النافعة و هي وسط الاعتدال بين الجهل و الجربزة. و قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي ) قيل: هو بتقدير القول أي و قلنا:( أَنِ اشْكُرْ لِي ) .

و الظاهر أنّه تفسير إيتائه الحكمة من غير تقدير القول، و ذلك أنّ حقيقة الشكر هي وضع النعم في موضعها الّذي ينبغي له بحيث يشير إلى إنعام المنعم، و إيقاعه كما هو حقّه يتوقّف على معرفة المنعم و معرفة نعمه بما هي نعمة و كيفيّة وضعها موضعه بحيث يحكي عن إنعامه فإيتاؤه الحكمة بعث له إلى الشكر فإيتاء الحكمة أمر بالشكر بالملازمة.

و في قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) التفات من التكلّم مع الغير إلى الغيبة و ذلك أنّ التكلّم مع الغير من المتكلّم إظهار للعظمة بالتكلّم عن قبل نفسه و خدمه و قول أن اشكر لنا على هذا لا يناسب التوحيد في الشكر و هو ظاهر.

و قوله:( وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) استغناء منه تعالى أنّ نفع الشكر إنّما يرجع إلى نفس الشاكر و الكفر لا يتضرّر به إلّا نفسه دونه سبحانه و من يشكر فإنّما يوقع الشكر لنفع نفسه و لا ينتفع به الله سبحانه لغناه المطلق و من كفر فإنّما يتضرّر به نفسه إنّ الله غنيّ لا يؤثّر فيه الشكر نفعاً و لا ضرّاً حميد محمود على ما أنعم سواء شكر أو كفر.

و في التعبير عن الشكر بالمضارع الدالّ على الاستمرار و في الكفر بالماضي الدالّ على المرّة إشعار بأنّ الشكر إنّما ينفع مع الاستمرار لكن الكفر يتضرّر بالمرّة منه.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) عظمة كلّ عمل بعظمة أثره و عظمة المعصية بعظمة المعصيّ فإنّ مؤاخذة العظيم عظيمة فأعظم المعاصي معصية الله لعظمته و كبريائه فوق كلّ عظمة و كبرياء بأنّه الله لا شريك له و أعظم معاصيه معصيته في أنّه الله لا شريك له.

٢٢٦

و قوله:( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) حيث اُطلق عظمته من غير تقييد بقياسه إلى سائر المعاصي يدلّ على أنّ له من العظمة ما لا يقدّر بقدر.

قوله تعالى: ( وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ) إلى آخر الآية، اعتراض واقع بين الكلام المنقول عن لقمان و ليس من كلام لقمان و إنّما اطّرد ههنا للدلالة على وجوب شكر الوالدين كوجوب الشكر لله بل هو من شكره تعالى لانتهائه إلى وصيّته و أمره تعالى، فشكرهما عبادة له تعالى و عبادته شكر.

و قوله:( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) ذكر بعض ما تحمّلته اُمّه من المحنة و الأذى في حمله و تربيته ليكون داعياً له إلى شكرهما و خاصّة الاُمّ.

و الوهن الضعف و هو حال بمعنى ذات وهن أو مفعول مطلق و التقدير تهن وهناً على وهن، و الفصال الفطم و ترك الإرضاع، و معنى كون الفصال في عامين تحقّقه بتحقّق العامين فيؤل إلى كون الإرضاع عامين، و إذا ضمّ إلى قوله تعالى:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) الأحقاف: 15 بقي لأقلّ الحمل ستّة أشهر، و ستكرّر الإشارة إليه فيما سيأتي(1) .

و قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) تفسير لقوله:( وَصَّيْنَا ) إلخ، في أوّل الآية أي كانت وصيّتنا هو أمرنا بشكرهما كما أمرناه بشكر الله، و قوله:( إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) إنذار و تأكيد للأمر بالشكر.

و القول في الالتفات الواقع في الآية في قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) إلخ، من سياق التكلّم مع الغير إلى سياق التكلّم وحده كالقول في الالتفات في قوله السابق:( أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) .

قوله تعالى: ( وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) إلى آخر الآية. أي إن ألحّا عليك بالمجاهدة أن تجعل ما ليس لك علم به أو بحقيقته شريكاً لي فلا تطعهما و لا تشرك بي، و المراد بكون الشريك المفروض لا علم به كونه معدوماً مجهولاً مطلقاً لا يتعلّق به علم فيؤل المعنى: لا تشرك بي ما ليس بشي‏ء، هذا محصّل ما ذكره

____________________

(1) في بحث روائي في ذيل آية الأحقاف.

٢٢٧

في الكشّاف، و ربّما أيّده قوله تعالى:( أَ تُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ) يونس: 18.

و قيل:( تُشْرِكَ ) بمعنى تكفر و( ما ) بمعنى الّذي، و المعنى: و إن جاهداك أن تكفر بي كفراً لا حجّة لك به فلا تطعهما و يؤيّده تكرار نفي السلطان على الشريك‏ في كلامه تعالى كقوله:( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) يوسف: 40 إلى غير ذلك من الآيات.

و قوله:( وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ) الجملتان كالتلخيص و التوضيح لما تقدّم في الآيتين من الوصيّة بهما و النهي عن إطاعتهما إن جاهداً على الشرك بالله.

يقول سبحانه: يجب على الإنسان أن يصاحبهما في الاُمور الدنيويّة غير الدين الّذي هو سبيل الله صحاباً معروفاً و معاشرة متعارفة غير منكرة من رعاية حالهما بالرفق و اللين من غير جفاء و خشونة و تحمّل المشاقّ الّتي تلحقه من جهتهما فليست الدنيا إلّا أيّاماً معدودة متصرّمة، و أمّا الوالدين فإن كانا ممّن أناب إلى الله فلتتّبع سبيلهما و إلّا فسبيل غيرهما ممّن أناب إلى الله.

و من هنا يظهر أنّ في قوله:( وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ) إيجازاً لطيفاً فهو يفيد أنّهما لو كانا من المنيبين إلى الله فلتتّبع سبيلهما و إلّا فلا يطاعاً و لتتّبع سبيل غيرهما ممّن أناب إلى الله.

و قوله:( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أي هذا الّذي ذكر، تكليفكم في الدنيا ثمّ ترجعون إليّ يوم القيامة فاُظهر لكم حقيقة أعمالكم الّتي عملتموها في الدنيا فأقضي بينكم على حسب ما تقتضيه أعمالكم من خير أو شرّ.

و بما مرّ يظهر أنّ قوله:( فِي الدُّنْيا ) يفيد أوّلاً قصر المصاحبة بالمعروف في الاُمور الدنيويّة دون الدينيّة، و ثانياً: تهوين أمر الصحبة و أنّها ليست إلّا في أيّام قلائل فلا كثير ضير في تحمّل مشاقّ خدمتهما، و ثالثاً المقابلة ليوم الرجوع إلى الله المشار إليه بقوله:( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) إلخ.

٢٢٨

قوله تعالى: ( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ) إلخ، ذكروا أنّ الضمير في( إِنَّها ) للخصلة من الخير و الشرّ لدلالة السياق على ذلك و هو أيضاً اسم كان و( مِثْقالَ حَبَّةٍ ) خبره، و المراد بكونها في صخرة اختفاؤها بالاستقرار في جوف الصخرة الصمّاء أو في السماوات أو في الأرض، و المراد بالإتيان بها إحضارها للحساب و الجزاء.

كان الفصل السابق من كلامه المنقول راجعاً إلى التوحيد و نفي الشريك و ما في هذه الآية فصل ثان في المعاد و فيه حساب الأعمال، و المعنى: يا بنيّ إن تكن الخصلة الّتي عملت من خير أو شرّ أخفّ الأشياء و أدقّها كمثقال حبّة من خردل فتكن تلك الخصلة الصغيرة مستقرّة في جوف صخرة أو في أيّ مكان من السماوات و الأرض يأت بها الله للحساب و الجزاء لأنّ الله لطيف ينفذ علمه في أعماق الأشياء و يصل إلى كلّ خفيّ خبير يعلم كنه الموجودات.

قوله تعالى: ( يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الآية و ما بعدها من كلامه راجع إلى نبذة من الأعمال و الأخلاق الفاضلة.

فمن الأعمال الصلاة الّتي هي عمود الدين و يتلوها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و من الأخلاق الصبر على ما يصيب من مصيبة.

و قوله:( إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الإشارة إلى الصبر و الإشارة البعيدة للتعظيم و الترفيع و قول بعضهم: إنّ الإشارة إلى جميع ما تقدّم من الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصبر ليس في محلّه لتكرّر عدّ الصبر من عزم الاُمور في كلامه تعالى كقوله:( وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: 43 و قوله:( إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) آل عمران: 186.

و العزم - على ما ذكره الراغب - عقد القلب على إمضاء الأمر و كون الصبر - و هو حبس النفس في الأمر - من العزم إنّما هو من حيث إنّ العقد القلبيّ ما لم ينحلّ و ينفصم ثبت الإنسان على الأمر الّذي عقد عليه فالصبر لازم الجدّ في العقد و المحافظة عليه و هو

٢٢٩

من قدرة النفس و شهامتها.

و قول بعضهم: إنّ المعنى أنّ ذلك من عزيمة الله و إيجابه في الاُمور بعيد و كذا قول بعضهم: إنّ العزم هو الجزم و هو لغة هذيل.

قوله تعالى: ( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) قال الراغب: الصعر ميل في العنق و التصعير إمالته عن النظر كبراً قال:( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) و قال: المرح شدّة الفرح و التوسّع فيه انتهى.

فالمعنى: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبّراً و لا تمش في الأرض مشية من اشتدّ فرحه إنّ الله لا يحبّ كلّ من تأخذه الخيلاء - و هو التكبّر بتخيّل الفضيلة - و يُكثر من الفخر. و قال بعضهم إنّ معنى:( لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) لا تلو عنقك لهم تذلّلاً عند الحاجة و فيه أنّه لا يلائمه ذيل الآية.

قوله تعالى: ( وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) القصد في الشي‏ء الاعتدال فيه و الغضّ - على ما ذكره الراغب - النقصان من الطرف و الصوت فغضّ الصوت النقص و القصر فيه.

و المعنى: و خذ بالاعتدال في مشيك و بالنقص و القصر في صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير لمبالغتها في رفعه.

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ من الكبائر عقوق الوالدين و اليأس من روح الله و الأمن من مكر الله‏ و قد روي: أكبر الكبائر الشرك بالله.

و في الفقيه، في الحقوق المرويّة عن سيّد العابدينعليه‌السلام : حقّ الله الأكبر عليك أن تعبده و لا تشرك به شيئاً فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة.

٢٣٠

قال: و أمّا حقّ اُمّك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً و أعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً و وقتك بجميع جوارحها، و لم تبال أن تجوع و تطعمك، و تعطش و تسقيك، و تعرى و تكسوك، و تضحى و تظلّك، و تهجر النوم لأجلك، و وقتك الحرّ و البرد لتكون لها فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله و توفيقه.

و أمّا حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك فإنّك لولاه لم تكن فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله و اشكره على قدر ذلك و لا قوّة إلّا بالله.

و في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أباك.

و في المناقب،: مرّ الحسين بن عليّعليه‌السلام على عبدالرحمن بن عمرو بن العاص. فقال عبدالله: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز و ما كلّمته منذ ليالي صفيّن.

فأتى به أبوسعيد الخدريّ إلى الحسينعليه‌السلام فقال له الحسينعليه‌السلام : أ تعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء و تقاتلني و أبي يوم صفيّن؟ و الله إنّ أبي لخير منّي. فاستعذر و قال إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي: أطع أباك. فقال له الحسينعليه‌السلام : أ ما سمعت قول الله عزّوجلّ:( وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما الطاعة بالمعروف، و قوله: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و في الفقيه في ألفاظهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموجزة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّ لها طالباً، يقول أحدكم أذنب و أستغفر إنّ الله عزّوجلّ يقول:( وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) و قال عزّوجلّ:

٢٣١

( إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) .

و فيه، بإسناده إلى معاوية بن وهب قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم و أحبّ ذلك إلى الله عزّوجلّ فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة. الحديث.

و فيه، بإسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: الصلاة قربان كلّ تقيّ.

و في المجمع:( وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ ) من المشقّة و الأذى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: عن عليّعليه‌السلام .

و فيه،: في قوله تعالى:( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي و لا تمل وجهك من الناس بكلّ و لا تعرّض عمّن يكلّمك استخفافاً به، و هذا المعنى قول ابن عبّاس و أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ و ابن عدّي و ابن مردويه عن أبي أيّوب الأنصاريّ: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن قول الله:( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) قال: لىّ الشدق.

و في المجمع: في قوله تعالى:( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) و روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: هي العطسة المرتفعة القبيحة و الرجل يرفع صوته بالحديث رفعاً قبيحاً إلّا أن يكون داعياً أو يقرأ القرآن.

أقول: و في جميع هذه المعاني و خاصّة في العقوق روايات كثيرة متظافرة.

٢٣٢

( كلام في قصّة لقمان و نبذ من حكمه في فصلين‏)

1- لم يرد اسم لقمان في كلامه تعالى إلّا في سورة لقمان و لم يذكر من قصصه إلّا ما في قوله عزّ من قائل:( وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) و قد وردت في قصّته و حكمه روايات كثيرة مختلفة و نحن نورد بعض ما كان منها أقرب إلى الاعتبار.

ففي الكافي، عن بعض أصحابنا رفعه إلى هشام بن الحكم قال: قال لي أبوالحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : يا هشام إنّ الله قال:( وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ) قال: الفهم و العقل.

و في المجمع، روى نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: حقّاً أقول لم يكن لقمان نبيّاً و لكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين أحبّ الله فأحبّه و منّ عليه بالحكمة.

كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ؟ فأجاب الصوت إن خيّرني ربّي قبلت العافية و لم أقبل البلاء و إن هو عزم عليّ فسمعاً و طاعة فإنّي أعلم أنّه إن فعل بي ذلك أعانني و عصمني.

فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأنّ الحكم أشدّ المنازل و آكدها يغشاه الظلم من كلّ مكان إن وفى فبالحريّ أن ينجو، و إن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، و من يكن في الدنيا ذليلاً و في الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً و في الآخرة ذليلاً و من تخيّر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا و لا يصيب الآخرة.

فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فاُعطي الحكمة فانتبه يتكلّم بها ثمّ كان يوازر داود بحكمته فقال له داود: طوبى لك يا لقمان اُعطيت الحكمة و صرفت عنك البلوى.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ تدرون ما كان لقمان؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: كان حبشيّاً.

٢٣٣

2- و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن حمّاد قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن لقمان و حكمته الّتي ذكرها الله عزّوجلّ، فقال: أما و الله ما اُوتي لقمان الحكمة بحسب و لا مال و لا أهل و لا بسط في جسم و لا جمال.

و لكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله متورّعاً في الله ساكتاً مستكيناً عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن(1) بالعبر لم ينم نهاراً قطّ و لم يره أحد من الناس علي بول و لا غائط و لا اغتسال لشدّة تستّره و عموق نظره و تحفّظه في أمره، و لم يضحك من شي‏ء قطّ مخافة الإثم و لم يغضب قطّ، و لم يمازح إنساناً قطّ، و لم يفرح بشي‏ء أتاه من أمر الدنيا و لا حزن منها على شي‏ء قطّ و قد نكح من النساء و ولد له من الأولاد الكثير و قدّم أكثرهم أفراطاً فما بكى على موت أحد منهم.

و لم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما و لم يمض عنهما حتّى تحاباً، و لم يسمع قولا قطّ من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره و عمّن أخذه، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء، و كان يغشى القضاة و الملوك و السلاطين فيرثي للقضاة ممّا ابتلوا به، و يرحم الملوك و السلاطين لغرّتهم بالله و طمأنينتهم في ذلك، و يعتبر و يتعلّم ما يغلب به نفسه و يجاهد به هواه و يحترز به من الشيطان يداوي قلبه بالفكر و يداوي نفسه بالعبر، و كان لا يظعن إلّا فيما يعنيه فبذلك اُوتي الحكمة و منح العصمة.

و إنّ الله تبارك و تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار و هدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع و الطاعة لأنّه إن فعل ذلك أعانني عليه و علّمني و عصمني و إن هو خيّرني قبلت العافية.

فقالت الملائكة: يا لقمان لم؟ قال: لأنّ الحكم بين الناس بأشدّ المنازل و أكثر فتناً و بلاءً يخذل و لا يعان و يغشاه الظلم من كلّ مكان و صاحبه فيه بين أمرين إن أصاب فيه الحقّ فبالحريّ أن يسلم و إن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، و من يكن في الدنيا ذليلاً ضعيفاً كان أهون عليه في المعاد من أن يكون حكماً سريّاً شريفاً، و من اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه و لا تدرك تلك.

____________________________________________

(1) كذا والظاهر مستغنياً

٢٣٤

قال: فتعجّب الملائكة من حكمته و استحسن الرحمن منطقه فلمّا أمسى و أخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم و غطّاه بالحكمة غطاء فاستيقظ و هو أحكم الناس في زمانه، و خرج على الناس ينطق بالحكمة و يبثّها فيها.

قال: فلمّا اُوتي الحكم بالخلافة و لم يقبلها أمر الله عزّوجلّ الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها و لم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عزّوجلّ الخلافة في الأرض و ابتلي بها غير مرّة كلّ ذلك يهوي في الخطإ يقيله الله و يغفر له، و كان لقمان يكثر زيارة داودعليه‌السلام و يعظه بمواعظه و حكمته و فضل علمه، و كان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان اُوتيت الحكمة و صرفت عنك البليّة و اُعطي داود الخلافة و ابتلي بالحكم و الفتنة.

ثمّ قال أبوعبداللهعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) قال: فوعظ لقمان ابنه بآثار(1) حتّى تفطّر و انشقّ.

و كان فيما وعظه به يا حمّاد أن قال: يا بنيّ إنّك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها و استقبلت الآخرة فدارٌ أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بنيّ جالس العلماء و زاحمهم بركبتيك و لا تجادلهم فيمنعوك، و خذ من الدنيا بلاغاً و لا ترفضها فتكون عيالاً على الناس، و لا تدخل فيها دخولاً يضرّ بآخرتك، و صم صوماً يقطع شهوتك و لا تصم صياماً يمنعك من الصلاة فإنّ الصلاة أحبّ إلى الله من الصيام.

يا بنيّ: إنّ الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان و اجعل شراعها التوكّل، و اجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله و إن‏ هلكت فبذنوبك.

يا بنيّ: إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً و من عنى بالأدب اهتمّ به، و من اهتمّ به تكلّف علمه و من تكلّف علمه اشتدّ له طلبه و من اشتدّ له طلبه أدرك منفعته فاتّخذه عادة

____________________

(1) بآثار ابنه و التفطّر و الانشقاق كناية عن كمال التأثّر.

٢٣٥

فإنّك تخلف في سلفك و ينتفع به من خلفك و يرتجيك فيه راغب و يخشى صولتك راهب، و إيّاك و الكسل عنه بالطلب لغيره فإن غُلبت على الدنيا فلا تغلبنّ على الآخرة و إذا فاتك طلب العلم في مظانّه فقد غلبت على الآخرة و اجعل في أيّامك و لياليك و ساعاتك نصيباً في طلب العلم فإنّك لن تجد له تضييعاً أشدّ من تركه و لا تمارينّ فيه لجوجاً و لا تجادلنّ فقيها و لا تعادينّ سلطاناً، و لا تماشينّ ظلوماً و لا تصادقنّه و لا تؤاخينّ فاسقاً و لا تصاحبنّ متهّماً و اخزن علمك كما تخزن ورقك.

يا بنيّ: خف الله عزّوجلّ خوفاً لو أتيت القيامة ببرّ الثقلين خفت أن يعذّبك و ارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك.

فقال له ابنه: يا أبت كيف اُطيق هذا و إنّما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان: يا بنيّ: لو استخرج قلب المؤمن يوجد فيه نوران نور للخوف و نور للرجاء لو وزناً لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة فمن يؤمن بالله يصدّق ما قال الله عزّوجلّ و من يصدّق ما قال الله يفعل ما أمر الله، و من لم يفعل ما أمر الله لم يصدّق ما قال الله فإنّ هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض.

فمن يؤمن بالله إيماناً صادقاً يعمل لله خالصاً ناصحاً و من يعمل لله خالصاً ناصحاً فقد آمن بالله صادقاً و من أطاع الله خافه، و من خافه فقد أحبّه، و من أحبّه فقد اتّبع أمره و من اتّبع أمره استوجب جنّته و مرضاته، و من لم يتّبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله.

يا بنيّ: لا تركن إلى الدنيا و لا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقاً هو أهون عليه منها أ لا ترى أنّه لم يجعل نعيمها ثواب المطيعين و لم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.

و في قرب الإسناد:، هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيهعليهما‌السلام : قيل للقمان: ما الّذي أجمعت عليه من حكمتك؟ قال: لا أتكلّف ما قد كفيته و لا اُضيّع ما ولّيته.

و في البحار، عن قصص الأنبياء بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال: يا بنيّ: إن تك في شكّ من الموت فارفع عن نفسك النوم و لن تستطيع ذلك و إن كنت في شكّ من البعث فارفع عن نفسك الانتباه و لن تستطيع

٢٣٦

ذلك فإنّك إذا فكّرت في هذا علمت أنّ نفسك بيد غيرك و إنّما النوم بمنزلة الموت و إنّما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت، و قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ لا تقترب فيكون أبعد لك و لا تبعد فتهان، كلّ دابّة تحبّ مثلها و ابن آدم(1) لا يحبّ مثله. لا تنشر(2) بزّك إلّا عند باغيه، و كما ليس بين الكبش و الذئب خلّة، كذلك ليس بين البارّ و الفاجر خلّة، من يقترب من الزفت تعلّق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرفه، من يحبّ المراء يشتم، و من يدخل مدخل السوء يتّهم، و من يقارن قرين السوء لا يسلم، و من لا يملك لسانه يندم.

و قال يا بنيّ صاحب مائة و لا تعاد واحداً، يا بنيّ إنّما هو خلاقك و خلقك فخلاقك دينك و خلقك بينك و بين الناس فلا تبغضنّ إليهم و تعلّم محاسن الأخلاق.

يا بنيّ كن عبداً للأخيار و لا تكن ولداً للأشرار. يا بنيّ أدّ الأمانة تسلم دنياك و آخرتك و كن أميناً فإنّ الله لا يحبّ الخائنين. يا بنيّ لا تُر الناس أنّك تخشى الله و قلبك فاجر.

و في الكافي، بإسناده عن يحيى بن عقبة الأزديّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان لابنه يا بنيّ إنّ الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له، و إنّما أنت عبد مستأجر قد اُمرت بعمل و وعدت عليه أجراً فأوف عملك و استوف أجرك، و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتّى سمنت فكان حتفها عند سمنها، و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جُزت عليها فتركتها و لم ترجع إليها آخر الدهر أخربها و لا تعمرها فإنّك لم تؤمر بعمارتها.

و اعلم أنّك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عزّوجلّ عن أربع: شبابك فيما أبليته، و عمرك فيما أفنيته، و مالك ممّا اكتسبته و فيما أنفقته، فتأهّب لذلك و أعدّ له جواباً و لا تأس على ما فاتك من الدنيا فإنّ قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه و كثيرها لا يؤمن بلاؤه فخذ حذرك، و جدّ في أمرك، و اكشف الغطاء عن وجهك، و تعرّض لمعروف ربّك،

____________________

(1) أي أن ابن آدم لا يجب أن يكافيه غيره في مزيّة من المزايا

(2) أي لا تظهر متاعك إلّا عند طالبه.

٢٣٧

و جدّد التوبة في قلبك، و أكمش في فراقك قبل أن يقصد قصدك، و يقضى قضاؤك، و يحال بينك و بين ما تريد.

و في البحار، عن القصص بإسناده عن حمّاد عن الصادقعليه‌السلام قال: قال لقمان: يا بنيّ إيّاك و الضجر و سوء الخلق و قلّة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب، و ألزم نفسك التؤدة(1) في اُمورك و صبّر على مؤنات الإخوان نفسك، و حسّن مع جميع الناس خلقك.

يا بنيّ إن عدمك ما تصل به قرابتك و تتفضّل به على إخوانك فلا يعدمنّك حسن الخلق و بسط البشر فإنّ من أحسن خلقه أحبّه الأخيار و جانبه الفجّار، و اقنع بقسم الله ليصفو عيشك فإن أردت أن تجمع عزّ الدنيا فاقطع طمعك ممّا في أيدي الناس فإنّما بلغ الأنبياء و الصدّيقون ما بلغوا بقطع طمعهم.

أقول: و الأخبار في مواعظه كثيرة اكتفينا منها بما أوردناه إيثاراً للاختصار.

____________________

(1) التؤدة - بضمّ التاء كهمزة - السكون و الرزانة.

٢٣٨

( سورة لقمان الآيات 20 - 34)

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ( 20 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ( 21 ) وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ  وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( 22 ) وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ  إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا  إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 23 ) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( 24 ) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ  قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ  بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( 25 ) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( 26 ) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ  إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 27 ) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ  إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( 28 ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 29 ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ

٢٣٩

مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( 30 ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( 31 ) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ  وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ( 32 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا  إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ  فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ( 33 ) إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ  إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( 34 )

( بيان)

رجوع إلى ما قبل القصّة من آيات الوحدانيّة و نفي الشريك و أدلّتها المنتهية إلى قوله:( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً ) رجوع إلى ما قبل قصّة لقمان و هو الدليل على أنّ الخطاب للمشركين و إن كان ذيل الآية يشعر بعموم الخطاب.

و عليه فصدر الآية من تتمّة كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتّصل بقوله:( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) و لا التفات في قوله:( أَ لَمْ تَرَوْا ) .

و على تقدير كونه من كلامه تعالى ففي قوله:( أَ لَمْ تَرَوْا ) التفات من سياق

٢٤٠