الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 425
المشاهدات: 116487
تحميل: 4908


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116487 / تحميل: 4908
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 16

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلخ، العطف على محذوف كأنّه قيل: أ لم يبيّن لهم كذا و كذا،( أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ ) إلخ، و الهداية بمعنى التبيين أو هو مضمّن معنى التبيين و لذا عدّي باللام.

و قوله:( كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ ) مشير إلى الفاعل قائم مقامه، و المعنى: أ و لم يبيّن لهم كثرة من أهلكنا من القرون و الحال أنّهم يمشون في مساكنهم.

و قوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَ فَلا يَسْمَعُونَ ) المراد بالسمع سمع المواعظ المؤدّي إلى طاعة الحقّ و قبوله.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ ) إلخ، قال في المجمع: السوق الحثّ على السير من ساقه يسوقه، و قال: الجرز الأرض اليابسة الّتي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطار عنها. انتهى. و الزرع مصدر في الأصل و المراد به هنا المزروع.

و الآية تذكر آية اُخرى من آيات الله سبحانه تدلّ على حسن تدبيره للأشياء و خاصّة ذوي الحياة منها كالأنعام و الإنسان، و المراد بسوق الماء إلى الأرض الخالية من النبات سوق السحب الحاملة للأمطار إليها، ففي نزول ماء المطر منها حياة الأرض و خروج الزرع و اغتذاء الإنسان و الأنعام الّتي يسخّرها و يربّيها لمقاصد حياته.

و قوله:( أَ فَلا يُبْصِرُونَ ) تنبيه و توبيخ و تخصيص هذه الآية بالإبصار، و الآية السابقة بالسمع لما أنّ العلم بإهلاك الاُمم الماضين إنّما هو بالأخبار الّتي تنال من طريق السمع و أمّا العلم بسوق الأمطار إلى الأرض الجرز و إخراج الزرع و اغتذاء الأنعام و الإنسان فالطريق إليه حاسّة البصر.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ - إلى قوله -وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ ) قال الراغب: الفتح إزالة الإغلاق و الإشكال - إلى أن قال - و فتح القضيّة فتاحاً فصل الأمر فيها و أزال الإغلاق عنها، قال:( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ) انتهى.

و قد تقدّم في الآيات السابقة ممّا يصدق عليه الفتح بمعنى الفصل أمران: أحدهما

٢٨١

فصل بينهم يوم القيامة، و الآخر إذاقة العذاب الأدنى أو الانتقام منهم في الدنيا و لذا فسّر الفتح بعضهم بيوم القيامة فيكون معنى قولهم:( مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) هو معنى قولهم المحكيّ كراراً في كلامه تعالى:( مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

و فسّره بعضهم بيوم بدر فإنّه لم ينفع الّذين قتلوا من المشركين إيمانهم بعد القتل.

و ذكر بعضهم أنّ المراد به فتح مكّة و لا يلائمه الجواب المذكور في قوله:( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ ) إلّا أن يقول قائل: إنّ إيمانهم يومئذ - و قد عاندوا الحقّ و قاتلوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنين و جاهدوا في إطفاء نور الله - لم يكن إيماناً إلّا نفاقاً من غير أن يدخل في قلوبهم و ينتفع به نفوسهم و قد اُلزموا بالإيمان و لم ينظروا.

و يمكن أن يكون المراد هو القضاء بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بين الاُمّة و يكون ذلك في آخر الزمان كما تقدّمت الإشارة إليه في تفسير قوله:( وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ) الآية يونس: 47.

و كيف كان فالمراد بالآيتين استعجال المشركين بالفتح و الجواب أنّه فتح لا ينفع حال الّذين كفروا إيمانهم لأنّه ظرف لا ينفع نفساً إيمانها و لا أنّ العذاب يمهلهم و ينظرهم.

قوله تعالى: ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ) أمر بالإعراض عنهم و انتظار الفتح كما أنّهم ينتظرون و إنّما كانوا منتظرين موته أو قتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بالجملة انقطاع دابر دعوته الحقّة فلينتظر هو كما هم ينتظرون حتّى يظهر الله الحقّ على الباطل و المحقّ على المبطل.

و من هذا السياق يظهر أنّ المراد بالفتح الفتح الدنيويّ.

٢٨٢

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ) ، قال: هم الّذين لا ينامون قبل العشاء فأثنى عليهم فلمّا ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه فوقتها قبل أن ينام الصغير و يكسل الكبير.

أقول: و رواها أيضاً فيه بطرق اُخر موصولة و موقوفة، و روى صدر الحديث الشيخ في أماليه بالإسناد عن الصادقعليه‌السلام في الآية و لفظه كانوا لا ينامون حتّى يصلّوا العتمة.

و في الكافي، بإسناده عن سليمان بن خالد عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أ لا اُخبرك بالإسلام أصله و فرعه و ذروة سنامه؟ قلت: بلى جعلت فداك. قال: أمّا أصله فالصلاة و فرعه الزكاة و ذروة سنامه الجهاد.

ثمّ قال: إن شئت أخبرتك بأبواب الخير: قلت: نعم جعلت فداك. قال: الصوم جنّة و الصدقة تذهب بالخطيئة و قيام الرجل في جوف الليل يذكر الله ثمّ قرأ:( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ )

أقول: و روى هذا المعنى في المحاسن، بإسناده عن عليّ بن عبد العزيز عن الصادقعليه‌السلام و في المجمع، عن الواحديّ بالإسناد عن معاذ بن جبل عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و رواه في الدرّ المنثور، عن الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و غيرهم عن معاذ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: ذكر لنا رسول الله قيام الليل ففاضت عيناه حتّى تحادرت دموعه فقال:( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ) .

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و مسلم و الطبرانيّ و ابن جرير و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و محمّد بن نصر في كتاب الصلاة من طريق أبي صخر عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: بينما نحن عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يصف الجنّة حتّى انتهى.

٢٨٣

ثمّ قال: فيها ما لا عين رأت و لا اُذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثمّ قرأ:( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ) الآيتين.

و في المجمع، و روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: ما من حسنة إلّا و لها ثواب مبيّن في القرآن إلّا صلاة الليل فإنّ الله عزّ اسمه لم يبيّن ثوابها لعظم خطرها قال:( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ) الآية.

و في تفسير القمّيّ، حدّثني أبي عن عبدالرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما من عمل حسن يعمله العبد إلّا و له ثواب في القرآن إلّا صلاة الليل فإنّ الله عزّوجلّ لم يبيّن ثوابها لعظيم خطره عنده، فقال جلّ ذكره:( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ - إلى قوله -يَعْمَلُونَ ) .

ثمّ قال: إنّ لله عزّوجلّ كرامة في عباده المؤمنين في كلّ يوم جمعة فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكاً معه حلّتان فينتهي إلى باب الجنّة فيقول: استأذنوا لي على فلان فيقال له هذا رسول ربّك على الباب فيقول لأزواجه: أيّ شي‏ء ترين عليّ أحسن؟ فيقلن يا سيّدنا و الّذي أباحك الجنّة ما رأينا عليك أحسن من هذا الّذي قد بعث إليك ربّك فيتّزر بواحدة و يتعطّف بالاُخرى فلا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى ينتهي إلى الموعد.

فإذا اجتمعوا تجلّى لهم الربّ تبارك و تعالى فإذا نظروا إليه أي إلى رحمته خرّوا سجّداً فيقول: عبادي ارفعوا رؤسكم ليس هنا يوم سجود و لا عبادة قد رفعت عنكم المؤنة فيقولون: يا ربّنا و أيّ شي‏ء أفضل ممّا أعطيتنا؟ أعطيتنا الجنّة فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين مرّة.

فيرجع المؤمن في كلّ جمعة بسبعين ضعفاً مثل ما في يديه و هو قوله:( وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ) و هو يوم الجمعة إنّ ليلها ليلة غرّاء و يومها يوم أزهر فأكثروا من التسبيح و التهليل و التكبير و الثناء على الله عزّوجلّ و الصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: فيمرّ المؤمن فلا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى ينتهي إلى أزواجه فيقلن:

٢٨٤

و الّذي أباحنا الجنّة، يا سيّدنا ما رأيناك أحسن منك الساعة. فيقول: إنّي نظرت إلى نور ربّي - إلى أن قال -: قلت جعلت فداك زدني. فقال: إنّ الله تعالى خلق جنّة بيده و لم يرها عين و لم يطّلع عليها مخلوق يفتحها الربّ كلّ صباح فيقول: ازدادي ريحاً ازدادي طيباً و هو قول الله:( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

أقول: ذيل الرواية تفسير لصدرها و قوله: أي إلى رحمة ربّه. من كلام الراويّ.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن ميمون القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من أطعم مؤمناً حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله جلّ و عزّ ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل إلّا الله ربّ العالمين.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) قال: إنّ عليّ بن أبي طالب و الوليد بن عقبة بن أبي معيط تشاجراً فقال الفاسق وليد بن عقبة: أنا و الله أبسط منك لساناً و أحدّ منك سناناً و أمثل منك جثوّاً في الكتيبة. فقال عليّعليه‌السلام : اسكت إنّما أنت فاسق فأنزل الله( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) .

أقول: و رواه في المجمع، عن الواحديّ عن ابن عبّاس و في الدرّ المنثور، عن كتاب الأغاني و الواحديّ و ابن عديّ و ابن مردويه و الخطيب و ابن عساكر عنه و أيضاً عن ابن إسحاق و ابن جرير عن عطاء بن يسار و عن ابن أبي حاتم عن السدّي عنه و أيضاً عن ابن أبي حاتم عن ابن أبي ليلى مثله.

و في الاحتجاج، عن الحسن بن عليّعليه‌السلام : في حديث يحاجّ فيه رجالاً عند معاوية: و أمّا أنت يا وليد بن عقبة فوالله ما ألومك أن تبغض عليّاً و قد جلدك في الخمر ثمانين جلدة و قتل أباك صبراً بيده يوم بدر أم كيف تسبّه و قد سمّاه الله مؤمناً في عشر آيات من القرآن و سمّاك فاسقاً و هو قول الله عزّوجلّ:( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) .

٢٨٥

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي إدريس الخولانيّ قال: سألت عبادة بن الصامت عن قول الله:( وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ) فقال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها فقال: هي المصائب و الأسقام و الأنصاب عذاب للمسرف في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت: يا رسول الله فما هي لنا؟ قال: زكاة و طهور.

و في المجمع، في الرواية عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّ العذاب الأدنى الدابّة و الدجّال.

٢٨٦

( سورة الأحزاب مدنيّة، و هي ثلاث و سبعون آية)

( سورة الأحزاب الآيات 1 - 8)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ  إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 1 ) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 2 ) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ  وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا ( 3 ) مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ  وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ  وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ  ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ  وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ( 4 ) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ  فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ  وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ  وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ( 5 ) النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ  وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ  وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا  كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ( 6 ) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ  وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ( 7 ) لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ  وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ( 8 )

٢٨٧

( بيان)

تتضمّن السورة تفاريق من المعارف و الأحكام و القصص و العبر و المواعظ و فيها قصّة غزوة الخندق و إشارة إلى قصّة بني القريظة من اليهود، و سياق آياتها يشهد بأنّها ممّا نزلت بالمدينة.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) أمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتقوى الله و فيه تمهيد للنهي الّذي بعده( وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ ) .

و في سياق النهي - و قد جمع فيه بين الكافرين و المنافقين و نهى عن إطاعتهم - كشف عن أنّ الكافرين كانوا يسألونه أمراً لا يرتضيه الله سبحانه و كان المنافقون يؤيّدونهم في مسألتهم و يلحّون، أمراً كان الله سبحانه بعلمه و حكمته قد قضى بخلافه و قد نزل الوحي الإلهيّ بخلافه، أمراً خطيراً لا يؤمن مساعدة الأسباب على خلافه إلّا أن يشاء الله فحذر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إجابتهم إلى ملتمسهم و أمر بمتابعة ما أوحى الله إليه و التوكّل عليه.

و بهذا يتأيّد ما ورد في أسباب النزول أنّ عدّة من صناديد قريش بعد وقعة اُحد دخلوا المدينة بأمان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتركهم و آلهتهم فيتركوه و إلهه فنزلت الآيات و لم يجبهم النبيّ إلى ذلك و سيأتي في البحث الروائي التالي.

و بما تقدّم ظهر وجه تذييل الآية بقوله:( إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) و كذا تعقيب الآية بالآيتين بعدها.

قوله تعالى: ( وَ اتَّبِعْ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) الآية عامّة في حدّ نفسها لكنّها من حيث وقوعها في سياق النهي تأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع ما نزل به الوحي فيما يسأله الكافرون و المنافقون و أتّباعه إجراؤه عملاً بدليل قوله:( إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) .

قوله تعالى: ( وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَ كَفى‏ بِاللهِ وَكِيلًا ) الآية كالآية السابقة في

٢٨٨

أنّها عامّة في حدّ نفسها، لكنّها لوقوعها في سياق النهي السابق تدلّ على الأمر بالتوكّل على الله فيما يأمره به الوحي و تشعر بأنّه أمر صعب المنال بالنظر إلى الأسباب الظاهريّة لا يسلم القلب معه من عارضة المخافة و الاضطراب إلّا التوكّل على الله سبحانه فإنّه السبب الوحيد الّذي لا يغلبه سبب مخالف.

قوله تعالى: ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) كناية عن امتناع الجمع بين المتنافيين في الاعتقاد فإنّ القلب الواحد أي النفس الواحدة لا يسع اعتقادين متنافيين و رأيين متناقضين فإن كان هناك متنافيان فهما لقلبين و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فالرجل الواحد لا يسعه أن يعتقد المتنافيين و يصدّق بالمتناقضين و قوله:( فِي جَوْفِهِ ) يفيد زيادة التقرير كقوله:( وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحجّ: 46.

قيل: الجملة توطئة و تمهيد كالتعليل لما يتلوها من إلغاء أمر الظهار و التبنّي فإنّ في الظهار جعل الزوجة بمنزلة الاُمّ و في التبنّي و الدعاء جعل ولد الغير ولداً لنفسه و الجمع بين الزوجيّة و الاُمومة و كذا الجمع بين بنوّة الغير و بنوّة نفسه جمع بين المتنافيين و لا يجتمعان إلّا في قلبين و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

و لا يبعد أن تكون الجملة في مقام التعليل لقوله السابق:( لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ ) ( وَ اتَّبِعْ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) فإنّ طاعة الله و ولايته و طاعة الكفّار و المنافقين و ولايتهم متنافيتان متباينتان كالتوحيد و الشرك لا يجتمعان في القلب الواحد و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

قوله تعالى: ( وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ ) كان الرجل في الجاهليّة يقول لزوجته أنت منّي كظهر اُمّي أو ظهرك عليّ كظهر اُمّي فيشبّه ظهرها بظهر اُمّه و كان يسمّى ذلك ظهاراً و يعدّ طلاقاً لها، و قد ألغاه الإسلام.

فمفاد الآية أنّ الله لم يجعل أزواجكم اللّائي تظاهرون منهنّ بقول ظهرك عليّ كظهر اُمّي اُمّهات لكم و إذ لم يجعل ذلك فلا أثر لهذا القول و الجعل تشريعيّ.

قوله تعالى: ( وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ) الأدعياء جمع دعيّ و هو المتّخذ

٢٨٩

ولداً المدعو ابناً و قد كان الدعاء و التبنّي دائراً بينهم في الجاهليّة و كذا بين الاُمم الراقية يومئذ كالروم و فارس و كانوا يرتّبون على الدعيّ أحكام الولد الصلبيّ من التوارث و حرمة الازدواج و غيرهما و قد ألغاه الإسلام.

فمفاد الآية أنّ الله لم يجعل الّذين تدعونهم لأنفسكم أبناء لكم بحيث يجري فيهم ما يجري في الأبناء الصلبيّين.

قوله تعالى: ( ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَ اللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) الإشارة بقوله:( ذلِكُمْ ) إلى ما تقدّم من الظهار و الدعاء أو إلى الدعاء فقط و هو الأظهر و يؤيّده اختصاص الآية التالية بحكم الدعاء فحسب.

و قوله:( قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ ) أي إنّ نسبة الدعيّ إلى أنفسكم ليس إلّا قولاً تقولونه بأفواهكم ليس له أثر وراء ذلك فهو كناية عن انتفاء الأثر كما في قوله:( كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ) المؤمنون: 100.

و قوله:( وَ اللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) معنى كون قوله: هو الحقّ أنّه إن أخبر عن شي‏ء كان الواقع مطابقاً لما أخبر به و إن أنشأ حكماً ترتّب عليه آثاره و طابقته المصلحة الواقعيّة.

و معنى هدايته السبيل أنّه يحمل من هداه على سبيل الحقّ الّتي فيها الخير و السعادة و في الجملتين تلويح إلى أن دعوا أقوالكم و خذوا بقوله.

قوله تعالى: ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) إلى آخر الآية. اللّام في( لِآبائِهِمْ ) للاختصاص أي ادعوهم و هم مخصوصون بآبائهم أي انسبوهم إلى آبائهم و قوله:( هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) ، الضمير إلى المصدر المفهوم من قوله:( ادْعُوهُمْ ) نظير قوله:( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) و( أقسط) صيغة تفضيل من القسط بمعنى العدل.

و المعنى: انسبوهم إلى آبائهم - إذا دعوتموهم - لأنّ الدعاء لآبائهم أعدل عند الله.

و قوله:( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ ) ، المراد بعدم علمهم آباءهم عدم معرفتهم بأعيانهم، و الموالي هم الأولياء، و المعنى: و إن لم تعرفوا

٢٩٠

آباءهم فلا تنسبوهم إلى غير آبائهم بل ادعوهم بالاُخوّة و الولاية الدينيّة.

و قوله:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) أي لا ذنب لكم في الّذي أخطأتم به لسهو أو نسيان فدعوتموهم لغير آبائهم و لكنّ الّذي تعمّدته قلوبكم ذنب أو و لكن تعمّد قلوبكم بذلك فيه الذنب.

و قوله:( وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) راجع إلى ما أخطئ به.

قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) أنفس المؤمنين هم المؤمنون فمعنى كون النبيّ أولى بهم من أنفسهم أنّه أولى بهم منهم: و معنى الأولويّة هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه و بين ما هو أولى منه فالمحصّل أنّ ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ و الكلاءة و المحبّة و الكرامة و استجابة الدعوة و إنفاذ الإرادة فالنبيّ أولى بذلك من نفسه و لو دار الأمر بين النبيّ و بين نفسه في شي‏ء من ذلك كان جانب النبيّ أرجح من جانب نفسه.

ففيما إذا توجّه شي‏ء من المخاطر إلى نفس النبيّ فليقه المؤمن بنفسه و يفده نفسه و ليكن النبيّ أحبّ إليه من نفسه و أكرم عنده من نفسه و لو دعته نفسه إلى شي‏ء و النبيّ إلى خلافه أو أرادت نفسه منه شيئاً و أراد النبيّ خلافه كان المتعيّن استجابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و طاعته و تقديمه على نفسه.

و كذا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم فيما يتعلّق بالاُمور الدنيويّة أو الدينيّة كلّ ذلك لمكان الإطلاق في قوله:( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

و من هنا يظهر ضعف ما قيل: إنّ المراد أنّه أولى بهم في الدعوة فإذا دعاهم إلى شي‏ء و دعتهم أنفسهم إلى خلافه كان عليهم أن يطيعوه و يعصوا أنفسهم، فتكون الآية في معنى قوله:( وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ) النساء: 59 و قوله:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) النساء: 64 و ما أشبه ذلك من الآيات و هو مدفوع بالإطلاق.

و كذا ما قيل إنّ المراد أنّ حكمه فيهم أنفذ من حكم بعضهم على بعض كما في قوله:( فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) النور: 61 و يؤل إلى أنّ ولايته على المؤمنين فوق

٢٩١

ولاية بعضهم على بعض المدلول عليه بقوله:( الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) براءة: 71.

و فيه أنّ السياق لا يساعد عليه.

و قوله:( وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) جعل تشريعيّ أي إنّهنّ منهم بمنزلة اُمّهاتهم في وجوب تعظيمهنّ و حرمة نكاحهنّ بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سيأتي التصريح به في قوله:( وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) .

فالتنزيل إنّما هو في بعض آثار الأمومة لا في جميع الآثار كالتوارث بينهنّ و بين المؤمنين و النظر في وجوههنّ كالاُمّهات و حرمة بناتهنّ على المؤمنين لصيرورتهنّ أخوات لهم و كصيرورة آبائهنّ و اُمّهاتهنّ أجداداً و جدّات و إخوتهنّ و أخواتهنّ أخوالاً و خالات للمؤمنين.

قوله تعالى: ( وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ ) إلخ، الأرحام جمع رحم و هي العضو الّذي يحمل النطفة حتّى تصير جنيناً فيتولّد، و إذ كانت القرابة النسبيّة لازمة الانتهاء إلى رحم واحدة عبّر عن القرابة بالرحم فسمّي ذوو القرابة اُولي الأرحام.

و المراد بكون اُولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، الأولويّة في التوارث، و قوله:( فِي كِتابِ اللهِ ) المراد به اللّوح المحفوظ أو القرآن أو السورة، و قوله:( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ ) مفضّل عليه و المراد بالمؤمنين غير المهاجرين منهم، و المعنى: و ذوو القرابة بعضهم أولى ببعض من المهاجرين و سائر المؤمنين الّذين كانوا يرثون بالمؤاخاة الدينيّة، و هذه الأولويّة في كتاب الله و ربّما احتمل كون قوله:( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ ) بيانا لقوله:( وَ أُولُوا الْأَرْحامِ ) .

و الآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة و الموالاة في الدين.

و قوله:( إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‏ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً ) الاستثناء منقطع، و المراد بفعل المعروف إلى الأولياء الوصيّة لهم بشي‏ء من التركة، و قد حدّ شرعاً بثلث المال فما دونه، و قوله:

٢٩٢

( كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً ) أي حكم فعل المعروف بالوصيّة مسطور في اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) إضافة الميثاق إلى ضمير النبيّين دليل على أنّ المراد بالميثاق ميثاق خاصّ بهم كما أنّ ذكرهم بوصف النبوّة مشعر بذلك فالميثاق المأخوذ من النبيّين ميثاق خاصّ من حيث إنّهم نبيّون و هو غير الميثاق المأخوذ من عامّة البشر الّذي يشير إليه في قوله:( وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) الأعراف: 172.

و قد ذكر أخذ الميثاق من النبيّين في موضع آخر و هو قوله:( وَ إِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا ) آل عمران: 81.

و الآية المبحوث عنها و إن لم تبيّن ما هو الميثاق المأخوذ منهم و إن كانت فيها إشارة إلى أنّه أمر متعلّق بالنبوّة لكن يمكن أن يستفاد من آية آل عمران أنّ الميثاق مأخوذ على وحدة الكلمة في الدين و عدم الاختلاف فيه كما في قوله:( إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: 92 و قوله:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: 13.

و قد ذكر النبيّين بلفظ عامّ يشمل الجميع ثمّ سمّى خمسة منهم بأسمائهم بالعطف عليهم فقال:( وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) و معنى العطف إخراجهم من بينهم و تخصيصهم بالذكر كأنّه قيل: و إذ أخذنا الميثاق منكم أيّها الخمسة و من باقي النبيّين.

و لم يخصّهم بالذكر على هذا النمط إلّا لعظمة شأنهم و رفعة مكانهم فإنّهم اُولوا عزم و أصحاب شرائع و كتب و قد عدّهم على ترتيب زمانهم: نوح ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ثمّ عيسى بن مريمعليهم‌السلام ، لكن قدّم ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو آخرهم زماناً لفضله و شرفه و تقدّمه

٢٩٣

على الجميع.

و قوله:( وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) تأكيد و تغليظ للميثاق نظير قوله:( وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ ) هود: 58.

قوله تعالى: ( لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً ) اللّام في( لِيَسْئَلَ ) للتعليل أو للغاية و هو متعلّق بمحذوف يدلّ عليه قوله:( وَ إِذْ أَخَذْنا ) و قوله:( وَ أَعَدَّ ) معطوف على ذلك المحذوف، و التقدير فعل ذلك أي أخذ الميثاق ليتمهّد له سؤال الصادقين عن صدقهم و أعدّ للكافرين عذاباً أليماً.

و لم يقل: و ليعدّ للكافرين عذاباً، إشارة أنّ عذابهم ليس من العلل الغائيّة لأخذ الميثاق و إنّما النقص من ناحيتهم و الخلف من قبلهم.

و أمّا سؤال الصادقين عن صدقهم فقيل: المراد بالصادقين الأنبياء و سؤالهم عن صدقهم هو سؤالهم يوم القيامة عمّا جاءت به اُممهم و كأنّه مأخوذ من قوله تعالى:( يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ ) المائدة: 109.

و قيل: المراد سؤال الصادقين في توحيد الله و عدله و الشرائع عن صدقهم أي عمّا كانوا يقولون فيه، و قيل: المراد سؤال الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم، و قيل: المراد سؤال الصادقين عمّا قصدوا بصدقهم أ هو وجه الله أو غيره؟ إلى غير ذلك من الوجوه و هي كما ترى.

و التأمّل فيما يفيده قوله:( لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) يرشد إلى خلاف ما ذكروه، ففرق بين قولنا: سألت الغنيّ عن غناه و سألت العالم عن علمه، و بين قولنا: سألت زيداً عن ماله أو عن علمه، فالمتبادر من الأوّلين أنّي طالبته أن يظهر غناه و أن يظهر علمه، و من الأخيرين أنّي طالبته أن يخبرني هل له مال أو هل له علم؟ أو يصف لي ما له من المال أو من العلم.

و على هذا فمعنى سؤال الصادقين عن صدقهم مطالبتهم أن يظهروا ما في باطنهم من الصدق في مرتبة القول و الفعل و هو عملهم الصالح في الدنيا فالمراد بسؤال الصادقين

٢٩٤

عن صدقهم توجيه التكليف على حسب الميثاق إليهم ليظهر منهم صدقهم المستبطن في نفوسهم و هذا في الدنيا لا في الآخرة فأخذ الميثاق في نشأة اُخرى قبل الدنيا كما يدلّ عليه آيات الذرّ( وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) الآيات.

و بالجملة الآيتان من الآيات المنبئة عن عالم الذرّ المأخوذ فيه الميثاق و تذكر أن أخذ الميثاق من الأنبياءعليهم‌السلام و ترتّب شأنهم و عملهم في الدنيا على ذلك في ضمن ترتّب صدق كلّ صادق على الميثاق المأخوذ منه.

و لمكان هذا التعميم ذكر عاقبة أمر الكافرين مع أنّهم ليسوا من قبيل النبيّين و الكلام في الميثاق المأخوذ منهم فكأنّه قيل: أخذنا ميثاقاً غليظاً من النبيّين أن تتّفق كلمتهم على دين واحد يبلّغونه ليسأل الصادقين و يطالبهم بالتكليف و الهداية إظهار صدقهم في الاعتقاد و العمل ففعلوا فقدّر لهم الثواب و أعدّ للكافرين عذاباً أليماً.

و من هنا يظهر وجه الالتفات من التكلّم مع الغير إلى الغيبة في قوله:( لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ ) إلخ، و ذلك لأنّ الميثاق على عبادته وحده لا شريك له و إن كان أخذه منه تعالى بوساطة من الملائكة المصحّح لقوله:( أَخَذْنا ) ( وَ أَخَذْنا ) فالمطالب لصدق الصادقين و المعدّ لعذاب الكافرين بالحقيقة هو تعالى وحده ليعبد وحده فتدبّر.

( بحث روائي)

في المجمع، في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ ) الآيات نزلت في أبي سفيان بن حرب و عكرمة بن أبي جهل و أبي الأعور السلميّ قدموا المدينة و نزلوا على عبدالله بن اُبيّ بعد غزوة اُحد بأمان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكلّموه فقاموا و قام معهم عبدالله بن اُبيّ و عبد الله بن سعيد بن أبي سرح و طعمة بن اُبيرق فدخلوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا محمّد ارفض ذكر آلهتنا اللّات و العزّى و مناة و قل: إنّ لها شفاعة لمن عبدها و ندعك و ربّك. فشقّ ذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال عمر بن

٢٩٥

الخطّاب: ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم، فقال: إنّي أعطيتهم الأمان و أمر فاُخرجوا من المدينة و نزلت الآية( وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ ) من أهل مكّة أباسفيان و أباالأعور و عكرمة( وَ الْمُنافِقِينَ) ابن اُبيّ و ابن سعيد و طعمة.

أقول: و روي إجمال القصّة في الدرّ المنثور، عن جرير عن ابن عبّاس‏، و روي أسباب اُخر لنزول الآيات لكنّها أجنبيّة غير ملائمة لسياق الآيات فأضربنا عنها.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ) حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان سبب ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا تزوّج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة و رأى زيداً يباع و رآه غلاماً كيّساً حصيناً فاشتراه فلمّا نبّئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه إلى الإسلام فأسلم و كان يدعى زيد مولى محمّد.

فلمّا بلغ حارثة بن شراحيل الكلبيّ خبر ولده زيد قدم مكّة و كان رجلاً جليلاً فأتى أباطالب فقال: يا أباطالب إنّ ابني وقع عليه السبي و بلغني أنّه صار إلى ابن أخيك تسأله إمّا أن يبيعه و إمّا أن يفاديه و إمّا أن يعتقه.

فكلّم أبوطالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول الله: هو حرّ فليذهب حيث شاء فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له: يا بنيّ الحق بشرفك و حسبك، فقال زيد: لست اُفارق رسول الله، فقال له أبوه: فتدع حسبك و نسبك و تكون عبداً لقريش؟ فقال زيد: لست اُفارق رسول الله ما دمت حيّاً، فغضب أبوه فقال: يا معشر قريش اشهدوا أنّي قد برئت منه و ليس هو ابني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشهدوا أنّ زيداً ابني أرثه و يرثني. فكان زيد يدعى ابن محمّد و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّه و سمّاه زيد الحبّ.

فلمّا هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة زوّجه زينب بنت جحش و أبطأ عنه يوماً فأتى رسول الله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها يستحق طيبها بفهر لها فدفع رسول الله الباب و نظر إليها و كانت جميلة حسنة فقال: سبحان الله ربّ النور و تبارك الله أحسن الخالقين، ثمّ رجع رسول الله إلى منزله و وقعت زينب في قلبه موقعاً عجيباً.

٢٩٦

و جاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله فقال لها زيد: هل لك أن اُطلّقك حتّى يتزوّج بك رسول الله؟ فقالت: أخشى أن تطلّقني و لا يتزوّجني رسول الله. فجاء زيد إلى رسول الله فقال: بأبي أنت و اُمّي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا و كذا فهل لك أن اُطلّقها حتّى تتزوّجها؟ فقال له رسول الله: لا اذهب و اتّق الله و أمسك عليك زوجك، ثمّ حكى الله فقال:( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى‏ زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها - إلى قوله -وَ كانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا ) فزوّجه الله من فوق عرشه.

فقال المنافقون: يحرّم علينا نساء أبنائنا و يزوّج امرأة ابنه زيد فأنزل الله في هذا( وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ - إلى قوله -يَهْدِي السَّبِيلَ ) .

أقول: و روى قريباً منه مع اختلاف مّا في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن ابن عبّاس.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و أبوداود و ابن مردويه عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يقول: أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه فأيّما رجل مات و ترك ديناً فإليّ، و من ترك مالاً فهو لورثته.

أقول: و في معناه روايات اُخر من طرق الشيعة و أهل السنّة.

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و النسائيّ عن بريدة قال: غزوت مع علىّ اليمن فرأيت منه جفوة فلمّا قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرت عليّا فتنقصّته فرأيت وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغيّر و قال: يا بريدة أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و في الاحتجاج، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب في حديث طويل قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. من كنت أولى به من نفسه فأنت أولى به من نفسه و عليّ بين يديه في البيت.

أقول: و رواه في الكافي، بإسناده عن جعفر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الأحاديث في هذا المعنى من طرق الفريقين فوق حدّ الإحصاء.

٢٩٧

و في الكافي، بإسناده عن حنان قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أيّ شي‏ء للموالي؟ فقال: ليس لهم من الميراث إلّا ما قال الله عزّوجلّ:( إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‏ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قيل: يا رسول الله متى اُخذ ميثاقك؟ قال: و آدم بين الروح و الجسد.

أقول: و هو بلفظه مرويّ بطرق مختلفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و معناه كون الميثاق مأخوذاً في نشأة غير هذه النشأة و قبلها.

٢٩٨

( سورة الأحزاب الآيات 9 - 27)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا  وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ( 9 ) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ( 10 ) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ( 11 ) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ( 12 ) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا  وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ  إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ( 13 ) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ( 14 ) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ  وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولًا ( 15 ) قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ( 16 ) قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً  وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ( 17 ) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا  وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ( 18 ) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ  

٢٩٩

فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ  فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ  أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ  وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ( 19 ) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا  وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ  وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ( 20 ) لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ( 21 ) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ  وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ( 22 ) مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ  فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ  وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ( 23 ) لِّيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ  إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ( 24 ) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا  وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ  وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ( 25 ) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ( 26 ) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا  وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ( 27 )

٣٠٠