الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 425
المشاهدات: 116660
تحميل: 4910


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116660 / تحميل: 4910
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 16

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بك و صدّقتك و لكنّي على دين اليهود عليه أحيا و عليه أموت. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قدّموه و اضربوا عنقه فضربت.

و فيه أيضاً: فقتلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البردين بالغداة و العشيّ في ثلاثة أيّام و كان يقول: اسقوهم العذب و أطعموهم الطيّب و أحسنوا اُساراهم حتّى قتلهم كلّهم فأنزل الله عزّوجلّ فيهم:( وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ - إلى قوله -وَ كانَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً ) .

و في المجمع: روى أبوالقاسم الحسكانيّ عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن عليّعليه‌السلام قال: فينا نزلت( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) فأنا و الله المنتظر ما بدّلت تبديلاً.

٣٢١

( سورة الأحزاب الآيات 28 - 35)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ( 28 ) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ( 29 ) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ  وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ( 30 ) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ( 31 ) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ  إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ( 32 ) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ  وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ  إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( 33 ) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ  إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ( 34 ) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( 35 )

٣٢٢

( بيان)

آيات راجعة إلى أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأمره أوّلاً: أن ينبئهنّ أن ليس لهنّ من الدنيا و زينتها إلّا العفاف و الكفاف إن اخترن زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تخاطبهنّ ثانياً: أنّهنّ واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلوّ و الشرف فإن اتّقين الله يؤتين أجرهنّ مرّتين و إن أتين بفاحشة مبيّنة يضاعف لهنّ العذاب ضعفين و يأمرهنّ بالعفّة و لزوم بيوتهنّ من غير تبرّج و الصلاة و الزّكاة و ذكر ما يتلى في بيوتهنّ من الآيات و الحكمة ثمّ يعد مطلق الصالحين من الرجال و النساء وعداً بالمغفرة و الأجر العظيم.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) إلى تمام الآيتين، سياق الآيتين يلوّح أنّ أزواج النبيّ أو بعضهنّ كانت لا ترتضي ما في عيشتهنّ في بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضيق و الضنك فاشتكت إليه ذلك و اقترحت عليه أن يسعدهنّ في الحياة بالتوسعة فيها و إيتائهنّ من زينتها.

فأمر الله سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخيّرهنّ بين أن يفارقنه و لهنّ ما يردن و بين أن يبقين عنده و لهنّ ما هنّ عليه من الوضع الموجود.

و قد ردّد أمرهنّ بين أن يردن الحياة الدنيا و زينتها و بين أن يردن الله و رسوله و الدار الآخرة، و هذا الترديد يدلّ أوّلاً: أنّ الجمع بين سعة العيش و صفائها بالتمتّع من الحياة و زينتها و زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و العيشة في بيته ممّا لا يجتمعان.

و ثانياً: أنّ كلّا من طرفي الترديد مقيّد بما يقابل الآخر، و المراد بإرادة الحياة الدنيا و زينتها جعلها هي الأصل سواء اُريدت الآخرة أو لم يرد، و المراد بإرادة الحياة الآخرة جعلها هي الأصل في تعلّق القلب بها سواء توسّعت معها الحياة الدنيا و نيلت الزينة و صفاء العيش أو لم يكن شي‏ء من ذلك.

ثمّ الجزاء أعني نتيجة اختيارهنّ كلّا من طرفي الترديد مختلف فلهنّ على تقدير اختيارهنّ الحياة الدنيا و زينتها بمفارقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطلّقهنّ و يمتّعهنّ

٣٢٣

جمعاء من مال الدنيا، و على تقدير بقائهنّ على زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و اختيار الآخرة على الحياة الدنيا و زينتها الأجر العظيم عندالله لكن لا مطلقاً بل بشرط الإحسان و العمل الصالح.

و يتبيّن بذلك أن ليس لزوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث هي زوجيّة كرامة عندالله سبحانه و إنّما الكرامة لزوجيّته المقارنة للإحسان و التقوى و لذلك لمّا ذكر ثانياً علوّ منزلتهنّ قيّده أيضاً بالتقوى فقال:( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) و هذا كقوله في النبيّ و أصحابه:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً - إلى أن قال -وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) حيث مدحهم عامّة بظاهر أعمالهم أوّلاً ثمّ قيّد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان و العمل الصالح.

و بالجملة فإطلاق قوله:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) الحجرات: 10 على حاله غير منتقض بكرامة اُخرى بسبب أو نسب أو غير ذلك.

فقوله:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ الآيتين أزواجه و لازمه أن يطلّقهنّ و يمتّعهنّ إن اخترن الشقّ الأوّل و يبقيهنّ على زوجيّته إن اخترن الله و رسوله و الدار الآخرة.

و قوله:( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها ) إرادة الحياة الدنيا و زينتها كناية بقرينة المقابلة عن اختيارها و تعلّق القلب بتمتّعاتها و الإقبال عليها و الإعراض عن الآخرة.

و قوله:( فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ) قال في الكشّاف: أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطأ ثمّ كثرت حتّى استوت في استعماله الأمكنة، و معنى تعالين أقبلن بإرادتكنّ و اختياركنّ لأحد أمرين و لم يرد نهوضهنّ بأنفسهنّ كما تقول: أقبل يخاصمني و ذهب يكلّمني و قام يهدّدني. انتهى.

و التمتيع إعطاؤهنّ عند التطليق مالاً يتمتّعن به و التسريح هو التطليق و السراح

٣٢٤

الجميل هو الطلاق من غير خصومة و مشاجرة بين الزوجين.

و في الآية أبحاث فقهيّة أوردها المفسّرون و الحقّ أنّ ما تتضمّنه من الأحكام الشخصيّة خاصّة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا دليل من جهة لفظها على شموله لغيره و تفصيل القول في الفقه.

و قوله:( وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) فقد تقدّم أنّ المقابلة بين هذه الجملة و بين قوله:( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها ) إلخ، تقيّد كلّا منهما بخلاف الاُخرى و عدمها، فمعنى الجملة: و إن كنتنّ تردن و تخترن طاعة الله و رسوله و سعادة الدار الآخرة مع الصبر على ضيق العيش و الحرمان من زينة الحياة الدنيا و هي مع ذلك كناية عن البقاء في زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الصبر على ضيق العيش و إلّا لم يصحّ اشتراك الإحسان في الأجر الموعود و هو ظاهر.

فالمعنى: و إن كنتنّ تردن و تخترن البقاء على زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الصبر على ضيق العيش فإنّ الله هيّأ لكُنّ أجراً عظيماً بشرط أن تكنّ محسنات في أعمالكنّ مضافاً إلى إرادتكنّ الله و رسوله و الدار الآخرة فإن لم تكنّ محسنات لم يكن لكنّ إلّا خسران الدنيا و الآخرة جميعاً.

قوله تعالى: ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) إلخ، عدل عن مخاطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهنّ إلى مخاطبتهنّ أنفسهنّ لتسجيل ما لهنّ من التكليف و زيادة التوكيد، و الآية و الّتي بعدها تقرير و توضيح بنحو لما يستفاد من قوله:( فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) إثباتاً و نفياً.

فقوله:( مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) الفاحشة الفعلة البالغة في الشناعة و القبح و هي الكبيرة كإيذاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الافتراء و الغيبة و غير ذلك، و المبيّنة هي الظاهرة.

و و قوله:( يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) أي حال كونه ضعفين و الضعفان المثلان و يؤيّد هذا المعنى قوله في جانب الثواب بعد:( نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ ) فلا يعبأ بما قيل إنّ المراد بمضاعفة العذاب ضعفين تعذيبهم بثلاثة أمثاله بتقريب أنّ مضاعفة العذاب

٣٢٥

زيادته و إذا زيد على العذاب ضعفاه صار المجموع ثلاثة أمثاله.

و ختم الآية بقوله:( وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) للإشارة إلى أنّه لا مانع من ذلك من كرامة الزوجيّة و نحوها إذ لا كرامة إلّا للتقوى و زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما تؤثّر الأثر الجميل إذا قارن التقوى و أمّا مع المعصية فلا تزيد إلّا بعداً و وبالاً.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ ) إلخ، القنوت الخضوع، و قيل: الطاعة و قيل: لزوم الطاعة مع الخضوع، و الاعتاد التهيئة، و الرزق الكريم مصداقه الجنّة.

و المعنى: و من يخضع منكنّ لله و رسوله أو لزم طاعة الله و رسوله مع الخضوع و يعمل عملاً صالحاً نعطها أجرها مرّتين أي ضعفين و هيّأنا لها رزقاً كريماً و هي الجنّة.

و الالتفات من الغيبة إلى التكلّم بالغير في قوله:( نُؤْتِها ) و( أَعْتَدْنا ) للإيذان بالقرب و الكرامة، خلاف البعد و الخزي المفهوم من قوله:( يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) .

قوله تعالى: ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) إلخ، الآية تنفي مساواتهنّ لسائر النساء إن اتّقين و ترفع منزلتهنّ على غيرهنّ ثمّ تذكر أشياء من النهي و الأمر متفرّعة على كونهنّ لسن كسائر النساء كما يدلّ عليه قوله:( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ وَ قَرْنَ وَ لا تَبَرَّجْنَ ) إلخ، و هي خصال مشتركة بين نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سائر النساء.

فتصدير الكلام بقوله:( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) ثمّ تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيد تأكّد هذه التكاليف عليهنّ كأنّه قيل: لستنّ كغيركنّ فيجب عليكنّ أن تبالغن في امتثال هذه التكاليف و تحتطن في دين الله أكثر من سائر النساء.

و تؤيّد بل تدلّ على تأكّد تكاليفهنّ مضاعفة جزائهنّ خيراً و شرّاً كما دلّت عليها الآية السابقة فإنّ مضاعفة الجزاء لا تنفكّ عن تأكّد التكليف.

و قوله:( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) بعد ما بيّن علوّ

٣٢٦

منزلتهنّ و رفعة قدرهنّ لمكانهنّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و شرط في ذلك التقوى فبيّن أنّ فضيلتهنّ بالتقوى لا بالاتّصال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهاهنّ عن الخضوع في القول و هو ترقيق الكلام و تليينه مع الرجال بحيث يدعو إلى الريبة و تثير الشهوة فيطمع الّذي في قلبه مرض و هو فقدان قوّة الإيمان الّتي تردعه عن الميل إلى الفحشاء.

و قوله:( وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً ) أي كلاماً معمولاً مستقيماً يعرفه الشرع و العرف الإسلاميّ و هو القول الّذي لا يشير بلحنه إلى أزيد من مدلوله معرّى عن الإيماء إلى فساد و ريبة.

قوله تعالى: ( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى -‏ إلى قوله -وَ أَطِعْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) ( قَرْنَ ) من قرّ يقرّ إذا ثبت و أصله اقررن حذفت إحدى الرائين أو من قار يقار إذا اجتمع كناية عن ثباتهنّ في بيوتهنّ و لزومهنّ لها، و التبرّج الظهور للناس كظهور البروج لناظريها. و الجاهليّة الاُولى الجاهليّة قبل البعثة فالمراد الجاهليّة القديمة، و قول بعضهم: إنّ المراد به زمان ما بين آدم و نوحعليهما‌السلام ثمان مائة سنة، و قول آخرين إنّها ما بين إدريس و نوح، و قول آخرين زمان داود و سليمان و قول آخرين أنّه زمان ولادة إبراهيم، و قول آخرين إنّه زمان الفترة بين عيسىعليه‌السلام و محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقوال لا دليل يدلّ عليها.

و قوله:( وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) أمر بامتثال الأوامر الدينيّة و قد أفرد الصلاة و الزكاة بالذكر من بينها لكونهما ركنين في العبادات و المعاملات ثمّ جمع الجميع في قوله:( وَ أَطِعْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) .

و طاعة الله هي امتثال تكاليفه الشرعيّة و طاعة رسوله فيما يأمر به و ينهى بالولاية المجعولة له من عندالله كما قال:( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كلمة( إِنَّما ) تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس و التطهير و كلمة أهل البيت سواء كان لمجرّد الاختصاص أو مدحاً أو نداء يدلّ على اختصاص إذهاب الرجس و التطهير بالمخاطبين بقوله:( عَنْكُمُ ) ، ففي الآية في الحقيقة قصران قصر الإرادة

٣٢٧

في إذهاب الرجس و التطهير و قصر إذهاب الرجس و التطهير في أهل البيت.

و ليس المراد بأهل البيت نساء النبيّ خاصّة لمكان الخطاب الّذي في قوله:( عَنْكُمُ ) و لم يقل: عنكنّ فأمّا أن يكون الخطاب لهنّ و لغيرهنّ كما قيل: إنّ المراد بأهل البيت أهل البيت الحرام و هم المتّقون لقوله تعالى:( إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) أو أهل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هم الّذين يصدق عليهم عرفاً أهل بيته من أزواجه و أقربائه و هم آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ أو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أزواجه، و لعلّ هذا هو المراد ممّا نسب إلى عكرمة و عروة أنّها في أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة.

أو يكون الخطاب لغيرهنّ كما قيل: إنّهم أقرباء النبيّ من آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ.

و على أيّ حال فالمراد بإذهاب الرجس و التطهير مجرّد التقوى الدينيّ بالاجتناب عن النواهي و امتثال الأوامر فيكون المعنى أنّ الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف إليكم و إنّما يريد إذهاب الرجس عنكم و تطهيركم على حدّ قوله:( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) المائدة: 6 و هذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت السابقة لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من أهل البيت لعمومه لعامّة المسلمين المكلّفين بأحكام الدين.

و إن كان المراد بإذهاب الرجس و التطهير التقوى الشديد البالغ و يكون المعنى: أنّ هذا التشديد في التكاليف المتوجّهة إليكنّ أزواج النبيّ و تضعيف الثواب و العقاب ليس لينتفع الله سبحانه به بل ليذهب عنكم الرجس و يطهّركم و يكون من تعميم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ بعد تخصيصه بهنّ، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصّاً بغيرهنّ و هو ظاهر و لا عموم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ فإنّ الغير لا يشاركهنّ في تشديد التكليف و تضعيف الثواب و العقاب.

لا يقال: لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التقدير متوجّها إليهنّ مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تكليفه شديد كتكليفهنّ.

٣٢٨

لأنّه يقال: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّد بعصمة من الله و هي موهبة إلهيّة غير مكتسبة بالعمل فلا معنى لجعل تشديد التكليف و تضعيف الجزاء بالنسبة إليه مقدّمة أو سبباً لحصول التقوى الشديد له امتناناً عليه على ما يعطيه سياق الآية و لذلك لم يصرّح بكون الخطاب متوجّها إليهنّ مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط أحد من المفسّرين و إنّما احتملناه لتصحيح قول من قال: إنّ الآية خاصّة بأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و إن كان المراد إذهاب الرجس و التطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقاً لا بتوجيه مطلق التكليف و لا بتوجيه التكليف الشديد بل إرادة مطلقة لإذهاب الرجس و التطهير لأهل البيت خاصّة بما هم أهل البيت كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهنّ بالتقوى سواء كان المراد بالإرادة الإرادة التشريعيّة أو التكوينيّة.

و بهذا الّذي تقدّم يتأيّد ما ورد في أسباب النزول أنّ الآية نزلت في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عليّ و فاطمة و الحسنينعليهم‌السلام خاصّة لا يشاركهم فيها غيرهم.

و هي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة فقد روتها أهل السنّة بطرق كثيرة عن اُمّ سلمة و عائشة و أبي سعيد الخدريّ و سعد و وائلة بن الأسقع و أبي الحمراء و ابن عبّاس و ثوبان مولى النبيّ و عبدالله بن جعفر و عليّ و الحسن بن عليّعليها‌السلام في قريب من أربعين طريقاً.

و روتها الشيعة عن عليّ و السجّاد و الباقر و الصادق و الرضاعليهم‌السلام و اُمّ سلمة و أبي ذرّ و أبي ليلى و أبي الأسود الدؤليّ و عمرو بن ميمون الأودي و سعد بن أبي وقّاص في بضع و ثلاثين طريقاً.

فإن قيل: إنّ الروايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ و فاطمة و الحسنينعليهم‌السلام و لا ينافي ذلك شمولها لأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا: إنّ كثيراً من هذه الروايات و خاصّة ما رويت عن اُمّ سلمة - و في بيتها نزلت الآية - تصرّح باختصاصها بهم و عدم شمولها لأزواج النبيّ و سيجي‏ء الروايات و فيها الصحاح.

٣٢٩

فإن قيل: هذا مدفوع بنصّ الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا: إنّما الشأن كلّ الشأن في اتّصال الآية بما قبلها من الآيات فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها، و لم يرد حتّى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبيّ و لا ذكره أحد حتّى القائل باختصاص الآية بأزواج النبيّ كما ينسب إلى عكرمة و عروة، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءا من آيات نساء النبيّ و لا متّصلة بها و إنّما وضعت بينها إمّا بأمر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة، و يؤيّده أنّ آية( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) على انسجامها و اتّصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها، فموقع آية التطهير من آية( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) كموقع آية( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من آية محرّمات الأكل من سورة المائدة، و قد تقدّم الكلام في ذلك في الجزء الخامس من الكتاب.

و بالبناء على ما تقدّم تصير لفظة أهل البيت اسماً خاصّاً - في عرف القرآن - بهؤلاء الخمسة و هم النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم الصلاة والسلام لا يطلق على غيرهم، و لو كان من أقربائه الأقربين و إن صحّ بحسب العرف العامّ إطلاقه عليهم.يهم.يهم.

و الرّجس بالكسر فالسكون صفة من الرجاسة و هي القذارة، و القذارة هيئة في الشي‏ء توجب التجنّب و التنفّر منها، و تكون بحسب ظاهر الشي‏ء كرجاسة الخنزير، قال تعالى:( أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام: 145 و بحسب باطنه - و هو الرجاسة و القذارة المعنوية - كالشرك و الكفر و أثر العمل السيّئ، قال تعالى:( وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ ) التوبة: 125 و قال:( وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام: 125.

و أيّاً ما كان فهو إدراك نفسانيّ و أثر شعوريّ من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّئ و إذهاب الرجس - و اللّام فيه للجنس - إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حقّ الاعتقاد و العمل فتنطبق على العصمة الإلهيّة الّتي هي صورة

٣٣٠

علميّة نفسانيّة تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد و سيّئ العمل.

على أنّك عرفت أنّ إرادة التقوى أو التشديد في التكاليف لا تلائم اختصاص الخطاب في الآية بأهل البيت، و عرفت أيضاً أنّ إرادة ذلك لا تناسب مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العصمة.

فمن المتعيّن حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة و يكون المراد بالتطهير في قوله:( وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) - و قد اُكّد بالمصدر - إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، و من المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد و العمل، و يكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعيّة لما عرفت أنّ الإرادة التشريعيّة الّتي هي توجيه التكاليف إلى المكلّف لا تلائم المقام أصلاً.

و المعنى: أنّ الله سبحانه تستمرّ إرادته أن يخصّكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل و أثر العمل السيّئ عنكم أهل البيت و إيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم و هي العصمة.

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) ظاهر السياق أنّ المراد بالذكر ما يقابل النسيان إذ هو المناسب لسياق التأكيد و التشديد الّذي في الآيات فيكون بمنزلة الوصيّة بعد الوصيّة بامتثال ما وجّه إليهنّ من التكاليف، و في قوله:( فِي بُيُوتِكُنَّ ) تأكيد آخر.

و المعنى: و احفظن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات الله و الحكمة و ليكن منكنّ في بال حتّى لا تغفلن و لا تتخطّين ممّا خطّ لكم من المسير.

و أمّا قول بعضهم: إنّ المراد و اشكرن الله إذ صيّركنّ في بيوت يتلى فيهنّ القرآن و السنّة فبعيد من السياق و خاصّة بالنظر إلى قوله في ذيل الآية:( إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) إلخ، الإسلام لا يفرّق بين الرجال و النساء في التلبّس بكرامة الدين و قد أشار سبحانه إلى ذلك

٣٣١

إجمالاً في مثل قوله:( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) الحجرات: 13 ثمّ صرّح به في مثل قوله:( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ ) آل عمران: 195 ثمّ صرّح به تفصيلاً في هذه الآية.

فقوله:( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) المقابلة بين الإسلام و الإيمان تفيد مغايرتهما نوعاً من المغايرة و الّذي يستفاد منه نحو مغايرتهما قوله تعالى:( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ - إلى أن قال -إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) الحجرات: 15 يفيد أوّلاً أنّ الإسلام هو تسليم الدين بحسب العمل و ظاهر الجوارح و الإيمان أمر قلبيّ. و ثانياً: أنّ الإيمان الّذي هو أمر قلبيّ اعتقاد و إذعان باطنيّ بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح.

فالإسلام هو التسليم العمليّ للدين بإتيان عامّة التكاليف و المسلمون و المسلمات هم المسلّمون لذلك و الإيمان هو عقد القلب على الدين، بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح و المؤمنون و المؤمنات هم الّذين عقدوا قلوبهم على الدين بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح فكلّ مؤمن مسلم و لا عكس.

و قوله:( وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ ) القنوت على ما قيل لزوم الطاعة مع الخضوع و قوله:( وَ الصَّادِقِينَ وَ الصَّادِقاتِ ) الصدق مطابقة ما يخبر به الإنسان أو يظهره، للواقع. فهم صادقون في دعواهم صادقون في قولهم صادقون في وعدهم.

و قوله:( وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ ) فهم متلبّسون بالصبر عند المصيبة و النائبة و بالصبر على الطاعة و بالصبر عن المعصية، و قوله:( وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ ) الخشوع تذلّل باطنيّ بالقلب كما أنّ الخضوع تذلّل ظاهريّ بالجوارح.

و قوله:( وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ ) و الصدقة إنفاق المال في سبيل الله و منه الزكاة الواجبة، و قوله:( وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ ) بالصوم الواجب و المندوب، و قوله:( وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ ) أي لفروجهنّ و ذلك بالتجنّب عن غير ما أحلّ الله

٣٣٢

لهم، و قوله:( وَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَ الذَّاكِراتِ ) أي الله كثيراً حذف لظهوره و هم الّذين يكثرون من ذكر الله بلسانهم و جنانهم و يشمل الصلاة و الحجّ.

و قوله:( أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) التنكير للتعظيم.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) كان سبب نزولها أنّه لمّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة خيبر و أصاب كنز آل أبي الحقيق قلن أزواجه أعطنا ما أصبت فقال لهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمته بين المسلمين على ما أمر الله عزّوجلّ فغضبن من ذلك، و قلن: لعلّك ترى أنّك إن طلّقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوّجونا؟.

فأنف الله عزّوجلّ لرسوله فأمره أن يعزلهنّ فاعتزلهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشربة اُمّ إبراهيم تسعة و عشرين يوماً حتّى حضن و طهرن ثمّ أنزل الله عزّوجلّ هذه الآية و هي آية التخيير فقال:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ - إلى قوله -أَجْراً عَظِيماً ) فقامت اُمّ سلمة أوّل من قامت فقالت: قد اخترت الله و رسوله فقمن كلهنّ فعانقنه و قلن مثل ذلك‏ الحديث.

أقول: و روي ما يقرب من ذلك من طرق أهل السنّة و فيها أنّ أوّل من اختارت الله و رسوله منهنّ عائشة.

و في الكافي، بإسناده عن داود بن سرحان عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّ زينب بنت جحش قالت: يرى رسول الله إن خلّى سبيلنا أن لا نجد زوجاً غيره و قد كان اعتزل نساءه تسعة و عشرين ليلة فلمّا قالت زينب الّذي قالت بعث الله جبرائيل إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال:( قُلْ لِأَزْواجِكَ ) الآيتين كلتيهما فقلن: بل نختار الله و رسوله و الدار الآخرة.

٣٣٣

و فيه، بإسناده عن عيص بن القاسم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها بانت؟ قال: لا. إنّما هذا شي‏ء كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة اُمر بذلك ففعل، و لو اخترن أنفسهنّ لطلّقهنّ و هو قول الله عزّوجلّ:( قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها، فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ) .

و في المجمع، روى الواحديّ بالإسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً مع حفصة فتشاجراً بينهما فقال لها: هل لك أن أجعل بيني و بينك رجلاً؟ قالت: نعم.

فأرسل إلى عمر فلمّا أن دخل عليهما قال لها: تكلّمي، فقالت: يا رسول الله تكلّم و لا تقل إلّا حقّاً فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثمّ رفع يده فوجأ وجهها.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفّ فقال عمر: يا عدوّة الله النبيّ لا يقول إلّا حقّاً و الّذي بعثه بالحقّ، لو لا مجلسه ما رفعت يدي حتّى تموتي فقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهراً لا يقرب شيئاً من نسائه يتغدّى و يتعشّى فيها فأنزل الله تعالى هذه الآيات.

و في الخصال، عن الصادقعليه‌السلام قال: تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس عشرة امرأة و دخل بثلاث عشر امرأة منهنّ، و قبض عن تسع فأمّا اللّتان لم يدخل بهما فعمرة و سنا. و أمّا الثلاث عشرة اللاتي دخل بهنّ فأوّلهنّ خديجة بنت خويلد ثمّ سودة بنت زمعة ثمّ اُمّ سلمة و اسمها هند بنت أبي اُميّة ثمّ اُمّ عبدالله عائشة بنت أبي بكر ثمّ حفصة بنت عمر ثمّ زينب بنت خزيمة بن الحارث اُمّ المساكين، ثمّ زينب بنت جحش ثمّ اُمّ حبيب رملة بنت أبي سفيان ثمّ ميمونة بنت الحارث ثمّ زينب بنت عميس ثمّ جويرية بنت الحارث ثمّ صفيّة بنت حييّ بن أخطب و الّتي وهبت نفسها للنبيّ خولة بنت حكيم السلميّ.

و كان له سرّيّتان يقسم لهما مع أزواجه مارية القبطيّة و ريحانة الخندفيّة.

٣٣٤

و التسع اللّاتي قبض عنهنّ عائشة و حفصة و اُمّ سلمة و زينب بنت جحش و ميمونة بنت الحارث و اُمّ حبيب بنت أبي سفيان و جويرية و سودة و صفيّة. و أفضلهنّ خديجة بنت خويلد ثمّ اُمّ سلمة ثمّ ميمونة.

و في المجمع في قوله:( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ ) الآيتين: روى محمّد بن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عليّ بن عبدالله بن الحسين عن أبيه عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أنّه قال رجل إنّكم أهل بيت مغفور لكم. قال: فغضب و قال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبيّ من أن نكون كما تقول إنّا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر و لمسيئنا ضعفين من العذاب.

و في تفسير القمّيّ، مسنداً عن أبي عبدالله عن أبيهعليهما‌السلام : في هذه الآية( وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قال: أي ستكون جاهليّة اُخرى.

أقول: و هو استفادة لطيفة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ عن اُمّ سلمة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال لفاطمة: ائتيني بزوجك و ابنيه فجاءت بهم فألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم كساء فدكيّاً ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال: اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد - و في لفظ آل محمّد - فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

قالت اُمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي و قال: إنّك على خير.

أقول: و رواه في غاية المرام، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه بإسناده عن اُمّ سلمة.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن اُمّ سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) و في البيت سبعة جبريل و ميكائيل و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و أنا على باب البيت. قلت: يا رسول الله أ لست من أهل البيت؟ قال: إنّك على خير إنّك من أزواج النبيّ.

٣٣٥

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و ابن مردويه عن اُمّ سلمة زوج النبيّ: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبريّ فجاءت فاطمة ببُرمة فيها خزيرة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعي زوجك و ابنيك حسناً و حسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

فأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضلة إزاره فغشاهم إيّاها ثمّ أخرج يده من الكساء و أومأ بها إلى السماء ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، قالها ثلاث مرّات.

قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله و أنا معكم؟ فقال: إنّك إلى خير مرّتين.

أقول: و روى الحديث في غاية المرام، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل بثلاث طرق عن اُمّ سلمة و كذا عن تفسير الثعلبيّ.

و فيه، أخرج ابن مردويه و الخطيب عن أبي سعيد الخدريّ قال: كان يوم اُمّ سلمة اُمّ المؤمنين فنزل جبريل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال: فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن و حسين و فاطمة و عليّ فضمّهم إليه و نشر عليهم الثوب، و الحجاب على اُمّ سلمة مضروب، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، قالت اُمّ سلمة: فأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: أنت على مكانك و إنّك على خير.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نزلت هذه الآية في خمسة فيّ و في عليّ و فاطمة و حسن و حسين( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و رواه أيضاً في غاية المرام، عن الثعلبيّ في تفسيره.

و فيه، أخرج الترمذيّ و صحّحه و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صحّحه

٣٣٦

و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه من طرق عن اُمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) و في البيت فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين فجلّلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثمّ قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.

و في غاية المرام، عن الحميديّ قال: الرابع و الستّون من المتّفق عليه من الصحيحين عن البخاريّ و مسلم من مسند عائشة عن مصعب بن شيبة عن صفيّة بنت شيبة عن عائشة قالت: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة و عليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثمّ جاء الحسين فأدخله معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء عليّ فأدخله ثمّ قال:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و الحديث مرويّ عنها بطرق مختلفة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا دخل عليّ بفاطمة جاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين صباحاً إلى بابها يقول: السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته الصلاة رحمكم الله( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) أنا حرب لمن حاربتم أنا سلم لمن سالمتم.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: شهدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت كلّ صلاة فيقول: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أهل البيت( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و رواه أيضاً عن الطبرانيّ عن أبي الحمراء و لفظه: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي باب عليّ و فاطمة ستّة أشهر فيقول:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ) الآية. ، و أيضاً عن ابن جرير و ابن مردويه عن أبي الحمراء و لفظه: حفظت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلّا أتى

٣٣٧

إلى باب عليّ فوضع يده على جنبتي الباب ثمّ قال: الصلاة الصلاة( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ) الآية.

و رواه أيضاً عن ابن أبي شيبة و أحمد و الترمذيّ و حسّنه و ابن جرير و ابن المنذر و الطبرانيّ و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن أنس و لفظه: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر و يقول: الصلاة يا أهل البيت الصلاة( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و الروايات في هذه المعاني من طرق أهل السنّة كثيرة و كذا من طرق الشيعة، و من أراد الاطّلاع عليها فليراجع غاية المرام للبحرانيّ و العبقات.

و في غاية المرام، عن الحموينيّ بإسناده عن يزيد بن حيّان قال: دخلنا على زيد بن أرقم فقال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ألا إنّي تركت فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله عزّوجلّ من اتّبعه كان على هدى و من تركه كان على ضلالة، ثمّ أهل بيتي اُذكّركم الله في أهل بيتي ثلاث مرّات.

قلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أهل بيته عصبته الّذين حرموا الصدقة بعده آل عليّ و آل عبّاس و آل جعفر و آل عقيل.

و فيه، أيضاً عن مسلم في صحيحة بإسناده عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله هو حبل الله من اتّبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة، فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر ثمّ الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أهلها و قومها. أهل بيته أصله و عصبته الّذين حرموا الصدقة بعده.

أقول: فسّر البيت بالنسب كما يطلق عرفاً على هذا المعنى، يقال: بيوتات العرب بمعنى الأنساب، لكن الروايات السابقة عن اُمّ سلمة و غيرها تدفع هذا المعنى و تفسّر أهل البيت بعليّ و فاطمة و ابنيهماعليهم‌السلام .

و في المجمع، قال مقاتل بن حيّان: لمّا رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع

٣٣٨

زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: هل نزل فينا شي‏ء من القرآن؟ قلن: لا.

فأتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ النساء لفي خيبة و خسار، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و ممّ ذلك؟ قالت: لأنّهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى هذه الآية( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ ) إلخ.

أقول: و في روايات اُخر أنّ القائلة هي اُمّ سلمة.

٣٣٩

( سورة الأحزاب الآيات 36 - 40)

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ( 36 ) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ  فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا  وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا ( 37 ) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ  سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ  وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ( 38 ) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ  وَكَفَىٰ بِاللهِ حَسِيبًا ( 39 ) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ  وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( 40 )

( بيان)

الآيات أعني قوله:( وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ - إلى قوله -وَ كانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) في قصة تزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزوج مولاه زيد الذي كان قد اتخذه ابنا، و لا يبعد أن تكون الآية الأولى أعني قوله:( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ ) الآية، مرتبطة بالآيات التالية كالتوطئة لها.

قوله تعالى:( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ

٣٤٠