الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 425
المشاهدات: 116490
تحميل: 4908


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116490 / تحميل: 4908
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 16

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و يؤيّد هذا المعنى توصيفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبشير و النذير، فقوله:( بَشِيراً وَ نَذِيراً ) حالان يبيّنان صفته لقوله:( كَافَّةً لِلنَّاسِ ) .

و ربّما قيل: إنّ التقدير و ما أرسلناك إلّا إرساله كافّة للناس و لا يخلو من تكلّف و بعد.

و أمّا كون كافة بمعنى جميعاً و حالاً من الناس، و المعنى: و ما أرسلناك إلّا للناس جميعاً فهم يمنعون عن تقدّم الحال على صاحبه المجرور.

و اعلم أنّ منطوق الآية و إن كان راجعاً إلى النبوّة و فيها انتقال من الكلام في التوحيد إلى الكلام في النبوّة على حدّ الآيات التالية، لكن في مدلولها حجّة اُخرى على التوحيد و ذلك أنّ الرسالة من لوازم الربوبيّة الّتي شأنها تدبير الناس في طريق سعادتهم و مسيرهم إلى غايات وجودهم فعموم رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو رسول الله تعالى لا رسول غيره دليل على أنّ الربوبيّة منحصرة في الله سبحانه فلو كان هناك ربّ غيره لجاءهم رسوله و لم يعمّ رسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عمّتهم و احتاجوا معه إلى غيره، و هذا معنى قول عليّعليه‌السلام - على ما روي - لو كان لربّك شريك لأتتك رسله.

و يؤيّده ما في ذيل الآية من قوله:( وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فإنّ دلالة انحصار الرسالة في رسل الله على انحصار الربوبيّة في الله عزّ اسمه أمسّ بجهل الناس من كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسولاً كافّاً لهم عن المعاصي بشيراً و نذيراً.

فمفاد الآية على هذا: لا يمكنهم أن يُروك شريكاً له و الحال أنّا لم نرسلك إلّا كافّاً لجميع الناس بشيراً و نذيراً و لو كان لهم إله غيرنا لم يسع لنا أن نرسلك إليهم و هم عباد لإله آخر و الله أعلم.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) سؤال عن وقت الجمع و الفتح و هو البعث فالآية متّصلة بقوله السابق:( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ) الآية، و هذا أيضاً من شواهد ما قدّمنا من المعنى لقوله:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً ) و إلّا كانت هذه الآية و الّتي بعدها متخلّلتين بين قوله:( وَ ما أَرْسَلْناكَ ) الآية، و الآيات التالية المتعرّضة لمسألة النبوّة.

٤٠١

قوله تعالى: ( قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ ) أمر منه تعالى أن يجيبهم بأنّ لهم ميعاد يوم مقضيّ محتوم لا يتخلّف عن الوقوع فهو واقع قطعاً و لا يختلف وقت وقوعه البتّة أي إنّ الله وعد به وعداً لا يخلفه إلّا أن وقت وقوعه مستور لا يعلمه إلّا الله سبحانه.

و ما قيل: إنّ المراد به يوم الموت غير سديد فإنّهم لم يسألوا إلّا عمّا تقدّم وعده و هو يوم الجمع و الفتح و الجمع ثمّ الفتح من خصائص يوم القيامة دون يوم الموت.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) و ذلك أنّ أهل السماوات لم يسمعوا وحياً فيما بين أن بعث عيسى بن مريم إلى أن بعث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا بعث الله جبرئيل إلى محمّد سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات.

فلمّا فرغ عن الوحي انحدر جبرئيل كلّما مرّ بأهل سماء فزّع عن قلوبهم يقول: كشف عن قلوبهم، فقال بعض لبعض: ما ذا قال ربّكم؟ قالوا: الحقّ و هو العليّ الكبير.

أقول: و روي مثله من طرق أهل السنّة موصولاً و موقوفاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و مدلول الرواية على أيّ حال مصداق من مصاديق الآية و لا تصلح لتفسيرها البتّة.

و في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن ابن عبّاس و في المجمع عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُعطيت خمساً لم يعطهنّ نبيّ قبلي. بعثت إلى الناس كافّة الأحمر و الأسود و إنّما كان النبيّ يبعث إلى قومه، و نصرت بالرعب يرعب منّي عدوّي على مسيرة شهر، و اُطعمت المغنم، و جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً، و اُعطيت الشفاعة فادّخرتها لاُمّتي إلى يوم القيامة و هي إن شاء الله نائلة من لا يشرك بالله شيئاً.

٤٠٢

أقول: و روي أيضاً هذا المعنى عن ابن المنذر عن أبي هريرة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و الرواية معارضة لما ورد مستفيضاً أنّ نوحاً كان مبعوثاً إلى الناس كافّة و ذكر في بعضها إبراهيمعليه‌السلام و في بعضها أنّ اُولي العزم كلّهم مبعوثون إلى الدنيا كافّة، و تخالف أيضاً عموم الشفاعة للأنبياء المستفاد من عدّة من الروايات و قد قال تعالى:( وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف: 86 و قد شهد القرآن بأنّ المسيحعليه‌السلام من الشهداء قال تعالى:( وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) النساء: 159.

و الروايات من طرق العامّة و الخاصّة كثيرة في عموم رسالته للناس كافّة و ظاهر كثير منها أخذ( كَافَّةً ) في قوله تعالى:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) حالاً من( لِلنَّاسِ ) قدّم عليه و يمنعه البصريّون من النحاة و يجوّزه الكوفيّون.

٤٠٣

( سورة سبإ الآيات 31 - 54)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ  وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ( 31 ) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم  بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ( 32 ) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا  وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا  هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 33 ) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( 34 ) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( 35 ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( 36 ) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ( 37 ) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ( 38 ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ  وَمَا أَنفَقْتُم

٤٠٤

مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ  وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( 39 ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ( 40 ) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم  بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ  أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ( 41 ) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ( 42 ) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ( 43 ) وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا  وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ( 44 ) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي  فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( 45 ) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ  أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا  مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ  إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ( 46 ) قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ  إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ  وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 47 ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( 48 ) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ( 49 ) قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي  وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي  إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ( 50 ) وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَ

٤٠٥

أُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ( 51 ) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ( 52 ) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ  وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ( 53 ) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ  إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ( 54 )

( بيان)

فصل آخر من آيات السورة تتكلّم في أمر النبوّة و ما يرجع إليها و ما يقول المشركون فيها و تتخلّص في خلالها بما يجري عليهم يوم الموت أو يوم القيامة، و قد اتّصلت بقوله في الفصل السابق:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) الآية، و قد عرفت أنّ الآية كالبرزخ بين الفصلين تذكر الرسالة و تجعلها دليلاً على التوحيد.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) المراد بالّذين كفروا المشركون و المراد بالّذي بين يديه الكتب السماويّة من التوراة و الإنجيل و ذلك أنّ المشركين و هم الوثنيّون ليسوا قائلين بالنبوّة و يتبعها الكتاب السماويّ.

و قول بعضهم: إنّ المراد بالّذي بين يديه هو أمر الآخرة ممّا لا دليل يساعده، و قد أكثر القرآن الكريم من التعبير عن التوراة و الإنجيل بالّذي بين يديه، و من الخطإ قول بعضهم: إنّ المراد بالّذين كفروا هم اليهود.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) إلخ، الظاهر أنّ اللّام في( الظَّالِمُونَ ) للعهد، و هذه الآية و الآيتان بعدها تشير إلى أنّ وبال هذا الكفر - و أساسه ضلال أئمّة الكفر و إضلالهم تابعيهم - سيلحق بهم و سيندمون عليه و لن ينفعهم الندم.

٤٠٦

فقوله:( وَ لَوْ تَرى‏ ) خطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ هم بمعزل عن فهم الخطاب( إِذِ الظَّالِمُونَ ) و هم الكافرون بكتب الله و رسله، الّذين ظلموا أنفسهم بالكفر( مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) للحساب و الجزاء يوم القيامة( يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ الْقَوْلَ ) أي يتحاورون و يتراجعون في الكلام متخاصمين( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) بيان لرجوع بعضهم إلى بعض في القول و المستضعفون الأتباع الّذين استضعفتهم المتبوعون( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) و هم الأئمّة القادة( لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ) يريدون أنّكم أجبرتمونا على الكفر و حلتم بيننا و بين الإيمان.

( قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) جواباً عن قولهم و ردّاً لما اتّهموهم به من الإجبار و الإكراه( أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ ) الاستفهام للإنكار أي أ نحن صرفناكم( عَنِ الْهُدى‏ بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ ) فبلوغه إليكم بالدعوة النبويّة أقوى الدليل على أنّا لم نحل بينه و بينكم و كنتم مختارين في الإيمان به و الكفر( بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ) متلبّسين بالإجرام مستمرّين عليه فأجرمتم بالكفر به لمّا جاءكم من غير أن نجبركم عليه فكفركم منكم و نحن برآء منه.

( وَ قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) ردّاً لقولهم و دعواهم البراءة( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ ) أي مكركم بالليل و النهار حملنا على الكفر( إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ) و أمثالاً من الآلهة أي إنّكم لم تزالوا في الدنيا تمكرون الليل و النهار و تخطّون الخطط لتستضعفونا و تتآمّروا علينا فتحملونا على طاعتكم فيما تريدون، فلم نشعر إلّا و نحن مضطرّون على الائتمار بأمركم إذ تأمروننا بالكفر و الشرك.

( وَ أَسَرُّوا ) و أخفوا( النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) و شاهدوا أن لا مناص، و إخفاؤهم الندامة يوم القيامة - و هو يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شي‏ء - نظير كذبهم على الله و إنكارهم الشرك بالله و حلفهم لله كان بين كلّ ذلك من قبيل ظهور ملكاتهم الرذيلة الّتي رسخت في نفوسهم فقد كانوا يسرّون الندامة في الدنيا خوفاً من شماتة الأعداء و كذلك يفعلون يوم القيامة مع ظهور ما أسرّوا و اليوم يوم تبلى السرائر كما يكذبون

٤٠٧

بمقتضى ملكة الكذب مع ظهور أنّهم كاذبون في قولهم.

ثمّ ذكر سبحانه أخذهم للعذاب فقال:( وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ ) السلاسل( فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) فصارت أعمالهم أغلالاً في أعناقهم تحبسهم في العذاب.

قوله تعالى: ( وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) المترفون اسم مفعول من الإتراف و هو الزيادة في التنعيم، و فيه إشعار بأنّ الإتراف يفضي إلى الاستكبار على الحقّ كما تفيده الآية اللّاحقة.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) ضمير الجمع للمترفين، و من شأن الإتراف و الترفّه و التقلّب في نعم الدنيا أن يتعلّق قلب الإنسان بها و يستعظمها فيرى السعادة فيها سواء وافق الحقّ أم خالفه فلا يذكر إلّا ظاهر الحياة و ينسى ما وراءه.

و لذا حكى سبحانه عنهم ذلك إذ قالوا:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً ) فلا سعادة إلّا فيها و لا شقوة معها( وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) في آخرة، و لم ينفوا العذاب إلّا للغفلة و الانصراف عمّا وراء كثرة الأموال و الأولاد فإذ كانت هي السعادة و الفلاح فحسب فالعذاب في فقدها و لا عذاب معها.

و ههنا وجه آخر و هو أنّهم لغرورهم بما رزقوا به من المال و الولد ظنّوا أنّ لهم كرامة على الله سبحانه و هم على كرامتهم عليهم ما داموا، و المعنى: أنّا ذوو كرامة على الله بما اُوتينا من كثرة الأموال و الأولاد و نحن على كرامتنا فما نحن بمعذّبين لو كان هناك عذاب.

فتكون الآية في معنى قوله:( وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى‏ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) حم السجدة: 50.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ) الآية و ما يتلوها إلى تمام أربع آيات جواب عن قولهم:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا )

٤٠٨

إلخ، و قد اُجيب عنه بوجهين أحدهما أنّ أمر الرزق من الأموال و الأولاد سعة و ضيقاً بيد الله على ما تستدعيه الحكمة و المصلحة و هيّأ من الأسباب لا بمشيّة الإنسان و لا لكرامة له على الله فربّما بسط في رزق مؤمن أو كافر أو عاقل ذي حزم أو أحمق خفيف العقل، و ربّما بسط على واحد ثمّ قدر له. فلا دلالة في الإتراف على سعادة أو كرامة.

و هذا معنى قوله:( قُلْ إِنَّ رَبِّي ) نسبه إلى نفسه لأنّهم لم يكونوا يرون الله ربّاً لأنفسهم و الرزق من شؤن الربوبيّة( يَبْسُطُ ) أي يوسّع( الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ) من عباده بحسب الحكمة و المصلحة( وَ يَقْدِرُ ) أي يضيّق( وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فينسبونه ما لم يؤتوه إلى الأسباب الظاهريّة الاتّفاقيّة ثمّ إذا اُوتوه نسبوه إلى حزمهم و حسن تدبيرهم أنفسهم و كفى به دليلاً على الحمق.

قوله تعالى: ( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏ ) إلى آخر الآيتين هذا هو الجواب الثاني عن قولهم:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) و محصّله أنّ انتفاء العذاب المترتّب على القرب من الله لا يترتّب على الأموال و الأولاد إذ لا توجب الأموال و الأولاد قرباً و زلفى من الله حتّى ينتفي معها العذاب الإلهيّ فوضع تقريب المال في الآية موضع انتفاء العذاب من قبيل وضع السبب موضع المسبّب.

و هذا معنى قوله:( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ ) الّتي تعتمدون عليها في السعادة و انتفاء عذاب الله( بِالَّتِي ) أي بالجماعة الّتي( تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي تقريباً.

( إِلَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ) في ماله و ولده بأن أنفق من أمواله في سبيل الله و بثّ الإيمان و العمل الصالح في أولاده بتربية دينيّة( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ ) لعلّه من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الجزاء المضاعف من جهة أنّهم اهتدوا و هدوا و أيضاً من جهة تضعيف الحسنات إلى عشر أضعافها و زيادة( وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ ) أي في القباب العالية( آمِنُونَ ) من العذاب فما هم بمعذّبين.

( وَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ) أي يجدّون في آياتنا و هم يريدون

٤٠٩

أن يعجزونا - أو أن يسبقونا -( أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) و إن كثرت أموالهم و أولادهم.

و في قوله:( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ ) إلخ، انتقال إلى خطاب عامّة الناس من الكفّار و غيرهم و الوجه فيه أنّ ما ذكره من الحكم حكم الأموال و الأولاد سواء في ذلك المؤمن و الكافر فالمال و الولد إنّما يؤثّران أثرهما الجميل إذا كان هناك إيمان و عمل صالح فيهما و إلّا فلا يزيدان إلّا وبالاً.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) قال في مجمع البيان: يقال: أخلف الله له و عليه إذا أبدل له ما ذهب عنه. انتهى.

سياق الآية يدلّ على أنّ المراد بالإنفاق فيها الإنفاق في وجوه البرّ و المراد بيان أنّ هذا النحو من الإنفاق لا يضيع عند الله بل يخلفه و يرزق بدله.

فقوله في صدر الآية:( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ ) للإشارة إلى أنّ أمر الرزق في سعته و ضيقه إلى الله سبحانه لا ينقص بالإنفاق و لا يزيد بالإمساك ثمّ قال:( وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) قليلاً كان أو كثيراً و أيّاً مّا كان من المال( فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) و يرزقكم بدله إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة( وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) فإنّه يرزق جوداً و رزق غيره معاملة في الحقيقة و معاوضة، و لأنّه الرازق في الحقيقة و غيره ممّن يسمّى رازقاً واسطة لوصول الرزق.

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ) المراد بهم جميعاً بشهادة السياق العابدون و المعبودون جميعاً.

و قوله:( ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ) ليس سؤال استخبار عن أصل عبادتهم لهم و لو كان كذلك لم يسعهم إنكارها لأنّهم عبدوهم في الدنيا و قد أنكروها كما في الآية بل المراد السؤال عن رضاهم بعبادتهم على حدّ قوله تعالى لعيسى بن مريم:( أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) .

٤١٠

و الغرض من السؤال تبكيت المشركين و إقناطهم من نصرة الملائكة و شفاعتهم لهم و قد عبدوهم في الدنيا لذلك.

قوله تعالى: ( قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) أخذت الملائكة في جوابهم عن سؤاله تعالى بجوامع الأدب فنزّهوه سبحانه أوّلاً تنزيهاً مطلقاً فيه تنزيهه من أن يعبدوا من دونه ثمّ نفوا رضاهم بعبادة المشركين لهم لكن لا بالتصريح بنفي الرضا بالعبادة و لا بالتفوّه بعبادتهم صوناً لساحة المخاطبة عمّا يقرع السمع بذلك، و لو تصوّراً لا تصديقاً بل أجابوا بقصر ولايتهم فيه تعالى و نفيها عنهم ليدلّ على نفي الرضا بعبادتهم لهم على طريق الكناية فإنّ الرضا بعبادتهم لازمه الموالاة بينهم، و الموالاة بينهم تنافي قصر الولاية في الله سبحانه فإذا انحصرت الولاية فيه تعالى لم تكن موالاة و إذا لم تكن موالاة لم يكن رضا.

ثمّ قالوا على ما حكاه الله سبحانه:( بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) و الجنّ هم الطائفة الثانية من الطوائف الثلاث الّتي يعبدهم الوثنيّون و هم الملائكة و الجنّ و القدّيسون من البشر، و الأقدم في استحقاق العبادة عندهم هم الطائفتان الاُوليان و الطائفة الثالثة ملحقة بهما بعد الكمال و إن كانوا أفضل منهما.

و الإضراب في قولهم:( بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ) يدلّ على أنّ الجنّ كانوا على رضى من عبادتهم لهم.

و هؤلاء من الجنّ هم الّذين يعدّهم الوثنيّون مبادئ الشرور في العالم فيعبدونهم اتّقاء من شرورهم كما يعبدون الملائكة طمعاً في خيراتهم لما أنّهم مباد للخيرات لا كما قيل: إنّ المراد بالجنّ إبليس و ذرّيّته و قبيله و معنى عبادتهم لهم طاعتهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة أو مطلق المعاصي، و يردّه ما وقع في الآية من التعبير بلفظ الإيمان دون الطاعة و لا ما قيل: إنّهم كانوا يتمثّلون لهم و يخيّلون لهم أنّهم الملائكة فيعبدونهم و لا ما قيل: إنّهم كانوا يدخلون أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها.

٤١١

و لعلّ الوجه في نسبة الإيمان بهم إلى أكثرهم دون جميعهم أنّ أكثرهم يعبدون الآلهة اتّقاء من طروق الشرّ من قبلهم، و مبادئ الشرّ عندهم مطلقاً الجنّ لا كما قيل: إنّ المراد بالأكثر الكلّ، و هو مبنيّ على تفسير العبادة بمعنى الطاعة و قد عرفت ما فيه.

قوله تعالى: ( فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا وَ نَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ ) نوع تفريع على تبرّي الملائكة منهم و قد بيّن تبرّي عامّة المتبوعين من تابعيهم و التابعين من متبوعيهم في مواضع كقوله تعالى:( وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) فاطر: 14 و قوله:( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) العنكبوت: 25. و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ ) إلخ، خطابهم هذا لعامّتهم بعد استماع الآيات تنبيه لهم على الجدّ في التمسّك بدين آبائهم و تحريض لهم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و في توصيف الآيات بالبيّنات نوع عتبى كأنّه قيل: إذا تتلى عليهم هذه الآيات و هي بيّنة لا ريب فيها فبدلاً من أن يدعوا عامّتهم إلى اتّباعها حثّوهم على الإصرار على تقليد آبائهم و حرّضوهم عليه - و في إضافة الآباء إلى ضمير( يَصُدَّكُمْ ) مبالغة في التحريض و الإثارة.

و قوله:( وَ قالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً ) معطوف على( قالُوا ) أي و قالوا مشيراً إلى الآيات البيّنات إشارة تحقير ليس هذا إلّا كلاماً مصروفاً عن وجهه مكذوباً به على الله، بدلاً من أن يقولوا: إنّها آيات بيّنات نازلة من عندالله تعالى - و قد أشاروا إلى الآيات البيّنات بهذا دلالة على أنّهم لم يفهموا منها إلّا أنّها شي‏ء مّا لا أزيد من ذلك.

ثمّ غيّر سبحانه السياق و قال:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) و مجي‏ء الحقّ لهم بلوغه و ظهوره لهم، و الأخذ بوصف الكفر للإشعار بالتعليل و المعنى: و الّذين كفروا بعثهم الكفر إلى أن يقولوا للحقّ الصريح الّذي بلغهم و ظهر لهم هذا سحر ظاهر سحريّته و بطلانه.

٤١٢

و أكّد إصرارهم على دحض الحقّ باتّباع الهوى من غير دليل يدلّ عليه بقوله:( وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَ ما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) و الجملة حاليّة أي و عدّ الّذين كفروا - أي كفّار قريش - الحقّ الصريح الظاهر لهم سحراً مبيناً و الحال أنّا لم نعطهم كتباً يدرسونها حتّى يميّزوا بها الحقّ من الباطل و لم نرسل إليهم قبلك من رسول ينذرهم و يبيّن لهم ذلك فيقولوا استناداً إلى الكتاب الإلهيّ أو إلى قول الرسول النذير: إنّه حقّ أو باطل.

قوله تعالى: ( وَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ) ضميراً الجمع الأوّل و الثاني لكفّار قريش و من يتلوهم و الثالث و الرابع للّذين من قبلهم، و المعشار العُشر و النكير الإنكار، و المراد به في الآية لازمه و هو الأخذ بالعذاب.

و المعنى: و كذّب بالحقّ من الآيات الّذين كانوا من قبل كفّار قريش من الاُمم الماضية و لم يبلغ كفّار قريش عشر ما آتيناهم من القوّة و الشدّة فكذّب اُولئك الأقوام رسلي فكيف كان أخذي بالعذاب و ما أهون أمر قريش. و الالتفات في الآية إلى التكلّم لاستعظام الجرم و تهويل المؤاخذة.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى‏ وَ فُرادى‏ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) المراد بالموعظة الوصية كناية أو تضميناً، و قوله:( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ) أي تنهضوا لأجل الله و لوجهه الكريم، و قوله:( مَثْنى‏ وَ فُرادى) أي اثنين اثنين و واحداً واحداً كناية عن التفرّق و تجنّب التجمّع و الغوغاء فإنّ الغوغاء لا شعور لها و لا فكر و كثيراً ما تميت الحقّ و تحيي الباطل.

و قوله:( ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) استئناف( إِنَّما ) نافية و يشهد بذلك قوله بعد:( إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) و يمكن أن يكون( إِنَّما ) استفهاميّة أو موصولة و( مِنْ جِنَّةٍ ) بياناً له.

و المراد بصاحبكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه و الوجه في التعبير به تذكرتهم بصحبته

٤١٣

الممتدّة لهم أربعين سنة من حين ولادته إلى حين بعثته ليتذكّروا أنّهم لم يعهدوا منه اختلالاً في فكر أو خفّة في رأي أو أيّ شي‏ء يوهم أنّ به جنوناً.

و المعنى: قل لهم: إنّما اُوصيكم بالعظة أن تنهضوا و تنتصبوا لوجه الله متفرّقين حتّى يصفو فكركم و يستقيم رأيكم اثنين اثنين و واحداً واحداً و تتفكّروا في أمري فقد صاحبتكم طول عمري على سداد من الرأي و صدق و أمانة ليس فيّ من جنّة. ما أنا إلّا نذير لكم بين يدي عذاب شديد في يوم القيامة فأنا ناصح لكم غير خائن.

قوله تعالى: ( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) إلخ، كناية عن عدم سؤال أجر على الدعوة فإنّه إذا وهبهم كلّ ما سألهم من أجر فليس له عليهم أجر مسؤل و لازمه أن لا يسألهم و هذا تطييب لنفوسهم أن لا يتّهموه بأنّه جعل الدعوة ذريعة إلى نيل مال أو جاه.

ثمّ تمّم القول بقوله:( إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) لئلّا يردّ عليه قوله بأنّه دعوى غير مسموعة فإنّ الإنسان لا يروم عملاً بغير غاية فدفعه بأنّ لعملي أجراً لكنّه على الله لا عليكم و هو يشهد عملي و هو على كلّ شي‏ء شهيد.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) القذف الرمي، و قوله:( عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) خبر بعد خبر أو خبر لمبتدء محذوف و هو الضمير الراجع إليه تعالى.

و مقتضى سياق الآيات السابقة أنّ المراد بالحقّ المقذوف القرآن النازل إليه بالوحي من عنده تعالى الّذي هو قول فصل يحقّ الحقّ و يبطل الباطل فهو الحقّ المقذوف إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند علّام الغيوب فيدمغ الباطل و يزهقه، قال تعالى:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) الأنبياء: 18 و قال:( قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) إسراء: 81.

قوله تعالى: ( قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ ) المراد بمجي‏ء

٤١٤

الحقّ على ما تهدي إليه الآية السابقة نزول القرآن المبطل بحججه القاطعة و براهينه الساطعة لكلّ باطل من أصله.

و قوله:( وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ ) أي ما يظهر أمراً ابتدائيّاً جديداً بعد مجي‏ء الحقّ و ما يعيد أمراً كان قد أظهره من قبل إظهاراً ثانياً بنحو الإعادة فهو كناية عن بطلان الباطل و سقوطه عن الأثر من أصله بالحقّ الّذي هو القرآن.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى‏ نَفْسِي وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) بيان لأثر الحقّ الّذي هو الوحي فإنّه عرّفه حقّاً مطلقاً فالحقّ إذا كان حقّاً من كلّ جهة لم يخطئ في إصابة الواقع في جهة من الجهات و إلّا كان باطلاً من تلك الجهة فالوحي يهدي و لا يخطئ البتّة.

و لذا قال تأكيداً لما تقدّم:( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ ) و فرض منّي ضلال( فَإِنَّما أَضِلُّ ) مستقراً ذلك الضلال( عَلى‏ نَفْسِي ) فإنّ للإنسان من نفسه أن يضلّ( وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) فوحيه حقّ لا يحتمل ضلالاً و لا يؤثّر إلّا الهدى.

و قد علّل الكلام بقوله:( إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) للدلالة على أنّه يسمع الدعوة و لا يحجبه عنها حاجب البعد و قد مهّد له قبلاً وصفه تعالى في قذف الحقّ بأنّه علّام الغيوب فلا يغيب عنه أمر يخلّ بأمره و يمنع نفوذ مشيّته هداية الناس بالوحي قال تعالى:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً ) الجنّ: 28.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) ظاهر السياق السابق و يشعر به قوله الآتي:( وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ) أنّ الآيات الأربع وصف حال مشركي قريش و من يلحق بهم حال الموت.

فقوله:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا ) أي حين فزع هؤلاء المشركون عند الموت( فَلا فَوْتَ ) أي لا يفوتون الله بهرب أو تحصّن أو أيّ حائل آخر.

٤١٥

و قوله:( وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) كناية عن عدم فصل بينهم و بين من يأخذهم و قد عبّر بقوله:( أُخِذُوا ) مبنيّاً للمفعول ليستند الأخذ إليه سبحانه، و قد وصف نفسه بأنّه قريب، و كشف عن معنى قربه بقوله:( وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) الواقعة: 85 و أزيد منه في قوله:( مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق: 16 و أزيد منه في قوله:( أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ ) الأنفال: 24 فبيّن أنّه أقرب إلى الإنسان من نفسه و هذا الموقف هو المرصاد الّذي ذكره في قوله:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) الفجر: 14 فكيف يتصوّر فوت الإنسان منه و هو أقرب إليه من نفسه؟ أو من ملائكته المكرمين الّذين يأخذون الأمر منه تعالى من غير حاجب يحجبهم عنه أو واسط يتوسّط بينه و بينهم.

فقوله:( وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) نوع تمثيل لقربه تعالى من الإنسان بحسب ما نتصوّره من معنى القرب لاحتباسنا في سجن الزمان و المكان و اُنسنا بالاُمور المادّيّة و إلّا فالأمر أعظم من ذلك.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) التناوش التناول و ضمير( بِهِ ) للقرآن على ما يعطيه السياق.

و المراد بكونهم في مكان بعيد أنّهم في عالم الآخرة و هي دار تعيّن الجزاء و هي أبعد ما يكون من عالم الدنيا الّتي هي دار العمل و موطن الاكتساب بالاختيار و قد تبدّل الغيب شهادة لهم و الشهادة غيباً كما تشير إليه الآية التالية.

قوله تعالى: ( وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) حال من الضمير في( وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ ) و المراد بقوله:( وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) رميهم عالم الآخرة و هم في الدنيا بالظنون مع عدم علمهم به و كونه غائباً عن حواسهم إذ كانوا يقولون: لا بعث و لا جنّة و لا نار، و قيل: المراد به رميهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر و الكذب و الافتراء و الشعر.

٤١٦

و العناية في إطلاق المكان البعيد على الدنيا بالنسبة إلى الآخرة نظيره إطلاقه على الآخرة بالنسبة إلى الدنيا و قد تقدّمت الإشارة إليه.

و معنى الآيتين: و قال المشركون حينما اُخذوا آمنّا بالحقّ الّذي هو القرآن و أنّى لهم تناول الإيمان به - إيماناً يفيد النجاة - من مكان بعيد و هو الآخرة و الحال أنّهم كفروا به من قبل في الدنيا و هم ينفون اُمور الآخرة بالظنون و الأوهام من مكان بعيد و هو الدنيا.

قوله تعالى: ( وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) ظاهر السياق أنّ المراد بما يشتهون اللذائذ المادّيّة الدنيويّة الّتي يحال بينهم و بينها بالموت، و المراد بأشياعهم من قبل أشباههم من الاُمم الماضية أو موافقوهم في المذهب، و قوله:( إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) تعليل لقوله:( كَما فُعِلَ ) إلخ.

و المعنى: و وقعت الحيلولة بين المشركين المأخوذين و بين ما يشتهون من ملاذّ الدنيا كما فعل ذلك بأشباههم من مشركي الاُمم الدارجة من قبلهم إنّهم كانوا في شكّ مريب من الحقّ أو من الآخرة فيقذفونها بالغيب.

و اعلم أنّ ما قدّمناه من الكلام في هذه الآيات الأربع مبنيّ على ما يعطيه ظاهر السياق و قد استفاضت الروايات من طرق الشيعة و أهل السنّة أنّ الآيات ناظرة إلى خسف جيش السفياني بالبيداء و هو من علائم ظهور المهديّعليه‌السلام المتّصلة به فعلى تقدير نزول الآيات في ذلك يكون ما قدّمناه من المعنى من باب جري الآيات فيه.

٤١٧

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) قال: يسرّون الندامة في النار إذا رأوا وليّ الله فقيل: يا بن رسول الله و ما يغنيهم أسرارهم الندامة و هم في العذاب؟ قال: يكرهون شماتة الأعداء.

أقول: و رواه أيضاً عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و فيه و ذكر رجل عند أبي عبداللهعليه‌السلام الأغنياء و وقع فيهم فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : اسكت فإنّ الغنيّ إذا كان وصولاً لرحمه بارّاً بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين لأنّ الله يقول:( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث يقول فيه: حتّى إذا كان يوم القيامة حسب لهم ثمّ أعطاهم بكلّ واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عزّوجلّ:( جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ) و قال:( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

و في الكافي، بإسناده عن السكونيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صدّق بالخلف جاد بالعطيّة.

و فيه، بإسناده عن سماعة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ لكلّ يوم نحساً فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة، ثمّ قال: اقرؤا مواضع الخلف فإنّي سمعت الله يقول:( وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) إذا لم ينفقوا كيف يخلف؟

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:

٤١٨

( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) و ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل قومه أن يودّوا أقاربه و لا يؤذوهم. و أمّا قوله:( فَهُوَ لَكُمْ ) يقول: ثوابه لكم.

و في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا ) الآية أخرج الحاكم و صحّحه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يخرج رجل يقال له السفيانيّ في عمق دمشق و عامّة من يتّبعه من كلب فيقتل حتّى يبقر بطون النساء و يقتل الصبيان فيجمع لهم قيس فيقتلها حتّى لا يمنع ذنب تلعة و يخرج رجل من أهل بيتي فيبلغ السفيانيّ فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفيانيّ بمن معه حتّى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلّا المخبر منهم.

أقول: و الرواية مستفيضة من طرق أهل السنّة مختصرة أو مفصّلة و قد رووها من طرق مختلفة عن ابن عبّاس و ابن مسعود و حذيفة و أبي هريرة و جدّ عمرو بن شعيب و اُمّ سلمة و صفيّة و عائشة و حفصة أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نفيرة امرأة القعقاع عن سعيد بن جبير موقوفاً.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي خالد الكابليّ قال: قال أبوجعفرعليه‌السلام : و الله لكأنّي أنظر إلى القائمعليه‌السلام و قد أسند ظهره إلى الحجر ثمّ ينشد الله حقّه ثمّ يقول: يا أيّها الناس من يحاجّني في الله. فأنا أولى بالله أيّها الناس من يحاجّني بآدم فأنا أولى بآدم. أيّها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولى بنوح. أيّها الناس من يحاجّني بإبراهيم فأنا أولى بإبراهيم. أيّها الناس من يحاجّني بموسى فأنا أولى بموسى. أيّها الناس من يحاجّني بعيسى فأنا أولى بعيسى. أيّها الناس من يحاجّني بمحمّد فأنا أولى بمحمّد. أيّها الناس من يحاجّني بكتاب الله فأنا أولى بكتاب الله.

ثمّ ينتهي إلى المقام فيصلّي ركعتين و ينشد الله حقّه. ثمّ قال أبوجعفرعليه‌السلام : هو و الله المضطرّ في كتاب الله في قوله:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) .

فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل ثمّ الثلاثمائة و الثلاثة عشر فمن كان ابتلي

٤١٩

بالمسير وافى و من لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه و هو قول أميرالمؤمنينعليه‌السلام : هم المفقودون عن فرشهم و ذلك قول الله:( سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات الولاية، و قال في موضع آخر:( وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى‏ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) و هم أصحاب القائمعليه‌السلام يجتمعون و الله إليه في ساعة واحدة.

فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفيانيّ فيأمر الله عزّوجلّ الأرض فيأخذ بأقدامهم و هو قوله عزّوجلّ:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ ) يعني بالقائم من آل محمّدعليه‌السلام ( وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ ) يعني أن لا يعذّبوا( كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ ) يعني من كان قبلهم من المكذّبين هلكوا( مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) .

تمّ و الحمد لله.

٤٢٠