الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٨

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 429

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 429
المشاهدات: 107457
تحميل: 4050


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 429 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107457 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و الحال أنّه هلكت اُمم الماضون العائشون من قبلي و لم يُحي منهم أحد و لا بُعث.

و هذا على زعمهم حجّة على نفي المعاد و تقريره أنّه لو كان هناك إحياء و بعث لاُحيي بعض من هلك إلى هذا الحين و هم فوق حدّ الإحصاء عدداً في أزمنة طويلة لا أمد لها و لا خبر عنهم و لا أثر و لم يتنبّهوا أنّ القرون السالفة لو عادوا كما يقولون كان ذلك بعثاً لهم و إحياءً في الدنيا و الّذي وعده الله سبحانه هو البعث للحياة الآخرة و القيام لنشأة اُخرى غير الدنيا.

و قوله:( وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) الاستغاثة طلب الغوث من الله أي و الحال أنّ والديه يطلبان من الله أن يغيثهما و يعينهما على إقامة الحجّة و استمالته إلى الإيمان و يقولان له: ويلك آمن بالله و بما جاء به رسوله و منه وعده تعالى بالمعاد إنّ وعد الله بالمعاد من طريق رسله حقّ.

و منه يظهر أنّ مرادهما بقولهما:( آمِنْ ) هو الأمر بالإيمان بالله و رسوله فيما جاء به من عندالله، و قولهما:( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) المراد به المعاد، و تعليل الأمر بالإيمان به لغرض الإنذار و التخويف.

و قوله:( فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) الإشارة بهذا إلى الوعد الّذي ذكراه و أنذراه به أو مجموع ما كانا يدعوانه إليه و المعنى: فيقول هذا الإنسان لوالديه ليس هذا الوعد الّذي تنذرانني به أو ليس هذا الّذي تدعوانني إليه إلّا خرافات الأوّلين و هم الاُمم الأوّليّة الهمجيّة.

قوله تعالى: ( أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) إلخ، تقدّم بعض الكلام فيه في تفسير الآية 25 من سورة حم السجدة.

قوله تعالى: ( وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) إلى آخر الآية أي لكلّ من المذكورين و هم المؤمنون البررة و الكافرون الفجرة منازل و مراتب مختلفة صعوداً و حدوراً فللجنّة درجات و للنار دركات.

و يعود هذا الاختلاف إلى اختلافهم في أنفسهم و إن كان ظهوره في أعمالهم و لذلك قال:( لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) فالدرجات لهم و منشأها أعمالهم.

٢٢١

و قوله:( وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ) اللّام للغاية و الجملة معطوفة على غاية أو غايات اُخرى محذوفة لم يتعلّق بذكرها غرض، و إنّما جعلت غاية لقوله:( لِكُلٍّ دَرَجاتٌ) لأنّه في معنى و جعلناهم درجات، و المعنى: جعلناهم درجات لكذا و كذا و ليوفّيهم أعمالهم و هم لا يظلمون.

و معنى توفيتهم أعمالهم إعطاؤهم نفس أعمالهم فالآية من الآيات الدالّة على تجسّم الأعمال، و قيل: الكلام على تقدير مضاف و التقدير و ليوفّيهم اُجور أعمالهم.

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) إلخ، عرض الماء على الدابّة و للدابّة وضعه بمرأى منها بحيث إن شاءت شربته، و عرض المتاع على البيع وضعه موضعاً لا مانع من وقوع البيع عليه.

و قوله:( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) قيل: المراد بعرضهم على النار تعذيبهم فيها من قولهم: عرض فلان على السيف إذا قتل و هو مجاز شائع.

و فيه أنّ قوله في آخر السورة( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏ وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ ) لا يلائمه تلك الملاءمة حيث فرّع ذوق العذاب على العرض فهو غيره.

و قيل: إنّ في الآية قلباً و الأصل عرض النار على الّذين كفروا لأنّ من الواجب في تحقّق معنى العرض أن يكون في المعروض عليه شعور بالمعروض و النار لا شعور لها بالّذين كفروا بل الأمر بالعكس ففي الكلام قلب، و المراد عرض النار على الّذين كفروا.

و وجّهه بعض المفسّرين بأنّ المناسب أن يؤتى بالمعروض إلى المعروض عليه كما في قولنا: عرضت الماء على الدابّة و عرضت الطعام على الضيف، و لمّا كان الأمر في عرض النار على الّذين كفروا بالعكس فإنّهم هم المسيّرون إلى النار فقلب الكلام رعاية لهذا الاعتبار.

و فيه نظر أمّا ما ذكر من أنّ المعروض عليه يجب أن يكون ذا شعور و إدراك بالمعروض حتّى يرغب إليه أو يرغب عنه و النار لا شعور لها ففيه أوّلاً: أنّه

٢٢٢

ممنوع كما يؤيّده قولهم: عرضت المتاع على البيع، و قوله تعالى:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ ) الأحزاب: 72، و ثانياً: أنّا لا نسلّم خلوّ نار الآخرة عن الشعور، ففي الأخبار الصحيحة أنّ للجنّة و النار شعوراً و يشعر به قوله:( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) ق: 30، و غيره من الآيات.

و أمّا ما قيل من أنّ المناسب تحريك المعروض إلى المعروض عليه فلا نسلّم لزومه و لا اطّراده فهو منقوض بقوله:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) الآية، الأحزاب: 72.

على أنّ في كلامه تعالى ما يدلّ على الإتيان بالنار إلى الّذين كفروا كقوله:( وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى) الفجر: 23.

فالحقّ أنّ العرض و هو إظهار عدم المانع من تلبّس شي‏ء بشي‏ء معنى له نسبة إلى الجانبين يمكن أخذ كلّ منهما أصلاً معروضاً عليه و الآخر فرعاً معروضاً فتارة تؤخذ النار معروضة على الكافرين بعناية أن لا مانع من عمل صالح أو شفاعة تمنع من دخولهم فيها كقوله تعالى:( وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً ) الكهف: 100، و تارة يؤخذ الكفّار معروضين للنار بعناية أن لا مانع يمنع النار أن تعذّبهم، كما في قوله:( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا ) المؤمن: 36، و قوله:( يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) الآية.

و على هذا فالأشبه تحقّق عرضين يوم القيامة: عرض جهنّم للكافرين حين تبرز لهم ثمّ عرضهم على جهنّم بعد الحساب و القضاء الفصل بدخولهم فيها حين يساقون إليها، قال تعالى:( وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ جَهَنَّمَ زُمَراً ) الزمر: 71.

و قوله:( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) على تقدير القول أي يقال لهم:( أَذْهَبْتُمْ ) إلخ، و الطيّبات الاُمور الّتي تلائم النفس و توافق الطبع و يستلذ بها الإنسان، و إذهاب الطيّبات إنفادها بالاستيفاء لها، و المراد بالاستمتاع بها استعمالها و الانتفاع بها لنفسها لا للآخرة و التهيّؤ لها.

و المعنى: يقال لهم حين عرضهم على النار: أنفذتم الطيّبات الّتي تلتذّون بها في

٢٢٣

حياتكم الدنيا و استمتعتم بتلك الطيّبات فلم يبق لكم شي‏ء تلتذّون به في الآخرة.

و قوله:( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) تفريع على إذهابهم الطيّبات، و عذاب الهون العذاب الّذي فيه الهوان و الخزي.

و المعنى: فاليوم تجزون العذاب الّذي فيه الهوان و الخزي قبال استكباركم في الدنيا عن الحقّ و قبال فسقكم و تولّيكم عن الطاعات، و هما ذنبان أحدهما متعلّق بالاعتقاد و هو الاستكبار عن الحقّ و الثاني متعلّق بالعمل و هو الفسق.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و عبد بن حميد و ابن المنذر من طريق قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئليّ قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستّة أشهر فسأل عنها أصحاب النبيّ فقال عليّ: لا رجم عليها أ لا ترى أنّه يقول:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) ، و قال:( وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) ، و كان الحمل ههنا ستّة أشهر فتركها عمر. قال: ثمّ بلغنا أنّها ولدت آخر لستّة أشهر.

أقول: و روى القصّة المفيد في الإرشاد.

و فيه، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن بعجة بن عبدالله الجهنيّ قال: تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة فولدت له تماماً لستّة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفّان فأمر برجمها فبلغ ذلك عليّاً فأتاه فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت تماماً لستّة أشهر و هل يكون ذلك؟ قال عليّ: أ مّا سمعت الله تعالى يقول:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) و قال:( حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) فكم تجده بقي إلّا ستّة أشهر؟.

فقال عثمان: و الله ما فطنت لهذا. عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، و كان من قولها لاُختها: لا تحزني فو الله ما كشف فرجي أحد قطّ غيره. قال: فشبّ الغلام بعد فاعترف الرجل به و كان أشبه الناس به. قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضواً عضواً على فراشه.

٢٢٤

و في التهذيب، بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله عزّوجلّ:( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) قال: الاحتلام.

و في الخصال، عن أبي بصير قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : إذا بلغ العبد ثلاثاً و ثلاثين سنة فقد بلغ أشدّه، و إذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه، فإذا طعن في إحدى و أربعين فهو في النقصان، و ينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النزع.

أقول: لا تخلو الرواية من إشعار بكون بلوغ الأشدّ ممّا يختلف بالمراتب فيكون الاحتلام و هو غالباً في الستّ عشرة أوّل مرتبة منها و الثلاث و الثلاثين و هي بعد مضيّ ستّ عشرة اُخرى المرتبة الثانية، و قد تقدّم في نظيره الآية من سورة يوسف بعض أخبار اُخر.

و اعلم أنّه قد وردت في الآية أخبار تطبّقها على الحسين بن عليّعليه‌السلام و ولادته لستّة أشهر و هي من الجري.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن عبدالله قال: إنّي لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إنّ الله قد أرى أميرالمؤمنين في يزيد رأياً حسناً و إن يستخلفه فقد استخلف أبوبكر و عمر، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: أ هرقليّة؟ إنّ أبابكر و الله ما جعلها في أحد من ولده و لا أحد من أهل بيته و لا جعلها معاوية إلّا رحمة و كرامة لولده.

فقال مروان: أ لست الّذي قال لوالديه: اُفّ لكما؟ فقال عبدالرحمن: أ لست ابن اللعين الّذي لعن أباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

قال: و سمعتها عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبدالرحمن كذا و كذا؟ كذبت و الله ما فيه نزلت. نزلت في فلان بن فلان.

و فيه، أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس: في الّذي قال لوالديه اُفّ لكما الآية، قال: هذا ابن لأبي بكر.

أقول: و روي ذلك أيضاً عن قتادة و السدّي، و قصّة رواية مروان و تكذيب عائشة له مشهورة. قال في روح المعاني بعد ردّ رواية مروان: و وافق بعضهم كالسهيلي

٢٢٥

في الأعلام مروان في زعم نزولها في عبدالرحمن، و على تسليم ذلك لا معنى للتعيير لا سيّما من مروان فإنّ الرجل أسلم و كان من أفاضل الصحابة و أبطالهم، و كان له في الإسلام عناء يوم اليمامة و غيره، و الإسلام يجبّ ما قبله فالكافر إذا أسلم لا ينبغي أن يعيّر بما كان يقول. انتهى.

و فيه أنّ الروايات لو صحّت لم يكن مناص عن صريح شهادة الآية عليه بقوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ - إلى قوله -إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ ) و لم ينفع شي‏ء ممّا دافع عنه به.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا - إلى قوله -وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) قال: أكلتم و شربتم و ركبتم، و هي في بني فلان( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ ) قال: العطش.

و في المحاسن، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال: اُتي يعني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخبيص(1) فأبى أن يأكله- فقيل: أ تحرّمه؟ فقال: لا و لكنّي أكره أن تتوق إليه نفسي ثمّ تلا الآية( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) .

و في المجمع، في الآية و قد روي في الحديث أنّ عمر بن الخطّاب قال: استأذنت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت عليه في مشربة اُمّ إبراهيم و إنّه لمضطجع على حفصة و إنّ بعضه على التراب و تحت رأسه وسادة محشوّة ليفا فسلّمت عليه ثمّ جلست فقلت: يا رسول الله أنت نبيّ الله و صفوته و خيرته من خلقه و كسرى و قيصر على سرير الذهب و فرش الحرير و الديباج! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُولئك قوم عجّلت طيّباتهم و هي وشيكة الانقطاع، و إنّما اُخّرت لنا طيّباتنا.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، بطرق عنه.

____________________

(1) نوع من الحلواء.

٢٢٦

( سورة الأحقاف الآيات 21 - 28)

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 21 ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 22 ) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ( 23 ) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا  بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ  رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 24 ) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ  كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ( 25 ) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 26 ) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 27 ) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ قُرْبَانًا آلِهَةً  بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ  وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 28 )

( بيان‏)

لمّا قسّم الناس على قسمين و انتهى الكلام إلى الإنذار عقّب ذلك بالإشارة إلى قصّتين قصّة قوم عاد و هلاكهم و معها الإشارة إلى هلاك القرى الّتي حول مكّة و

٢٢٧

قصّة إيمان قوم من الجنّ صرفهم الله إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستمعوا القرآن فآمنوا و رجعوا إلى قومهم منذرين و إنّما أورد القصّتين ليعتبر بهما من شاء أن يعتبر منهم، و هذه الآيات المنقولة تتضمّن اُولى القصّتين.

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) إلخ، أخو القوم هو المنسوب إليهم من جهة الأب، و المراد بأخي عاد هود النبيّعليه‌السلام ، و الأحقاف مسكن قوم عاد و المتيقّن أنّه في جنوب جزيرة العرب و لا أثر اليوم باقياً منهم، و اختلفوا أين هو؟ فقيل: واد بين عمان و مهرة، و قيل رمال بين عمّان إلى حضرموت، و قيل: رمال مشرفة على البحر بالشّحر من أرض اليمن و قيل غير ذلك.

و قوله:( وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) النذر جمع نذير و المراد به الرسول على ما يفيده السياق، و أمّا تعميم بعضهم الندر للرسول و نوّابهم من العلماء ففي غير محلّه.

و فسّروا( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) بالّذين كانوا قبله و( مِنْ خَلْفِهِ ) بالّذين جاؤا بعده و يمكن العكس بأن يكون المراد بالنذر بين يديه من كانوا في زمانه، و من خلفه من كان قبله، و الأولى على الأوّل أن يكون المراد بخلو النذر من بين يديه و من خلفه أن يكون كناية عن مجيئه إليهم و إنذاره لهم على فترة من الرسل.

و قوله:( أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ) تفسير للإنذار و فيه إشارة إلى أنّ أساس دينه الّذي يرجع إليه تفاصيله هو التوحيد.

و قوله:( إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) تعليل لدعوتهم إلى التوحيد، و الظاهر أنّ المراد باليوم العظيم يوم عذاب الاستئصال لا يوم القيامة يدلّ على ذلك ما سيأتي من قولهم:( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا ) و قوله:( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ) و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا ) إلخ، جواب القوم له قبال إنذاره، و قوله:( لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا ) بتضمين الإفك و هو الكذب و الفرية معنى الصرف و المعنى: قالوا أ جئتنا لتصرفنا عن آلهتنا إفكا و افتراء.

٢٢٨

و قوله:( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أمر تعجيزيّ منهم له زعماً منهم أنّهعليه‌السلام كاذب في دعواته آفك في إنذاره.

قوله تعالى: ( قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ) إلخ، جواب هود عن قولهم ردّاً عليهم، فقوله:( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ ) قصر العلم بنزول العذاب فيه تعالى لأنّه من الغيب الّذي لا يعلم حقيقته إلّا الله جلّ شأنه، و هو كناية عن أنّهعليه‌السلام لا علم له بأنّه ما هو؟ و لا كيف هو؟ و لا متى هو؟ و لذلك عقّبه بقوله:( وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ) أي إنّ الّذي حمّلته و اُرسلت به إليكم هو الّذي اُبلّغكموه و لا علم لي بالعذاب الّذي اُمرت بإنذاركم به ما هو؟ و كيف هو؟ و متى هو؟ و لا قدرة لي عليه.

و قوله:( وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) إضراب عمّا يدلّ عليه الكلام من نفيه العلم عن نفسه، و المعنى: لا علم لي بما تستعجلون به من العذاب و لكنّي أراكم قوماً تجهلون فلا تميّزون ما ينفعكم ممّا يضرّكم و خيركم من شرّكم حين تردّون دعوة الله و تكذّبون بآياته و تستهزؤن بما يوعدكم به من العذاب.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) إلخ، صفة نزول العذاب إليهم بادئ ظهوره عليهم.

و العارض هو السحاب يعرض في الاُفق ثمّ يطبق السماء و هو صفة العذاب الّذي يرجع إليه ضمير( رَأَوْهُ ) المعلوم من السياق، و قوله:( مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) صفة اُخرى له، و الأودية جمع الوادي، و قوله:( قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) أي استبشروا ظنّاً منهم أنّه سحاب عارض ممطر لهم فقالوا: هذا الّذي نشاهده سحاب عارض ممطر إيّانا.

و قوله:( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) ردّ لقولهم:( هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) بالإضراب عنه إلى بيان الحقيقة فبيّن أوّلاً على طريق التهكّم أنّه العذاب الّذي استعجلتم به حين قلتم:( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) و زاد في البيان ثانياً بقوله:( رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

و الكلام من كلامه تعالى و قيل: هو كلام لهود النبيّعليه‌السلام .

٢٢٩

قوله تعالى: ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ‏ءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) التدمير الإهلاك، و تعلّقه بكلّ شي‏ء و إن كان يفيد عموم التدمير لكنّ السياق يخصّصه بنحو الإنسان و الدوابّ و الأموال، فالمعنى: إنّ تلك الريح ريح تهلك كلّ ما مرّت عليه من إنسان و دوابّ و أموال.

و قوله:( فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ ) بيان لنتيجة نزول العذاب، و قوله:( كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) إعطاء ضابط كلّيّ في مجازاة المجرمين بتشبيه الكلّيّ بالفرد الممثّل به و التشبيه في الشدّة أي إنّ سنّتنا في جزاء المجرمين على هذا النحو الّذي قصصناه من الشدّة فهو كقوله تعالى:( وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏ وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود: 102.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) إلخ، موعظة لكفّار مكّة مستنتجة من القصّة.

و التمكين إقرار الشي‏ء و إثباته في المكان، و هو كناية عن إعطاء القدرة و الاستطاعة في التصرّف و( ما ) في( فيما ) موصولة أو موصوفة و( إِنْ ) نافية، و المعنى: و لقد جعلنا قوم هود في الّذي - أو في شي‏ء - ما مكّنّاكم معشر كفّار مكّة و من يتلوكم فيه من بسطة الأجسام و قوّة الأبدان و البطش الشديد و القدرة القوميّة.

و قوله:( وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً ) أي جهّزناهم بما يدركون به ما ينفعهم و ما يضرّهم و هو السمع و الأبصار و ما يميّزون به ما ينفعهم ممّا يضرّهم فيحتالون لجلب النفع و لدفع الضرّ بما قدروا كما أنّ لكم ذلك.

و قوله:( فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ ) ما في( فَما أَغْنى‏ ) نافية لا استفهاميّة، و( إِذْ ) ظرف متعلّق بالنفي الّذي في قوله:( فَما أَغْنى) .

و محصّل المعنى: أنّهم كانوا من التمكّن على ما ليس لكم ذلك و كان لهم من أدوات الإدراك و التمييز ما يحتال به الإنسان لدفع المكاره و الاتّقاء من الحوادث المهلكة المبيدة لكن لم يغن عنهم و لم ينفعهم هذه المشاعر و الأفئدة شيئاً عند ما جحدوا

٢٣٠

آيات الله فما الّذي يؤمّنكم من عذاب الله و أنتم جاحدون لآيات الله.

و قيل: معنى الآية: و لقد مكّنّاهم في الّذي أو في شي‏ء ما مكّنّاكم فيه من القوّة و الاستطاعة و جعلنا لهم سمعاً و أبصاراً و أفئدة ليستعملوها فيما خلقت له و يسمعوا كلمة الحقّ و يشاهدوا آيات التوحيد و يعتبروا بالتفكّر في العبر، و يستدلّوا بالتعقّل الصحيح على المبدإ و المعاد فما أغنى عنهم سمعهم و لا أبصارهم و لا أفئدتهم من شي‏ء حيث لم يستعملوها فيما يوصل إلى معرفة الله سبحانه، هذا و لعلّ الّذي قدّمناه من المعنى أنسب للسياق.

و قد جوّزوا في مفردات الآية وجوهاً لم نوردها لعدم جدوى فيها.

و قد تقدّم في نظائر قوله:( سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً ) أنّ إفراد السمع - و المراد منه الجمع - لمكان مصدريّته في الأصل نظير الضيف و القربان و الجنب، قال تعالى:( ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ) الذاريات: 24 و قال:( إِذْ قَرَّبا قُرْباناً ) المائدة: 27، و قال:( وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) المائدة: 6.

و قوله:( وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) عطف على قوله:( فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) تذكرة إنذارية متفرّعة على العظة الّتي في قوله:( وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ ) إلخ، فهي معطوفة عليه على ما يفيده السياق لا على قوله:( وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ ) .

و قوله:( وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) أي و صيّرنا الآيات المختلفة من معجزة أيّدنا بها الأنبياء و وحي أنزلناه عليهم و نعم رزقناهموها ليتذكّروا بها و نقم ابتليناهم بها ليتوبوا و ينصرفوا عن ظلمهم لعلّهم يرجعون من عبادة غير الله سبحانه إلى عبادته.

و الضمير في( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) راجع إلى القرى و المراد بها أهل القرى.

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً ) إلخ، ظاهر السياق أنّ آلهة مفعول ثان لاتّخذوا و مفعوله الأوّل هو الضمير الراجع إلى

٢٣١

الموصول و( قرباناً ) بمعنى ما يتقرّب به، و الكلام مسوق للتهكّم، و المعنى: فلو لا نصرهم الّذين اتّخذوهم آلهة حال كونهم متقرّباً بهم إلى الله كما كانوا يقولون:( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى‏ ) .

و قوله:( بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ) أي ضلّ الآلهة عن أهل القرى و انقطعت رابطة الاُلوهيّة و العبوديّة الّتي كانوا يزعمونها و يرجون بذلك أن ينصروهم عند الشدائد و المكاره فالضلال عنهم كناية عن بطلان مزعمتهم.

و قوله:( وَ ذلِكَ إِفْكُهُمْ وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) مبتدأ و خبر و الإشارة إلى ضلال آلهتهم، و المراد بالإفك أثر الإفك أو بتقدير مضاف، و( ما ) مصدريّة، و المعنى: و ذلك الضلال أثر إفكهم و افترائهم.

و يمكن أن يكون الكلام على صورته من غير تقدير مضاف أو تجوّز و الإشارة إلى إهلاكهم بعد تصريف الآيات و ضلال آلهتهم عند ذلك، و محصّل المعنى: أنّ هذا الّذي ذكرناه من عاقبة أمرهم هو حقيقة زعمهم أنّ الآلهة يشفعون لهم و يقرّبونهم من الله زعمهم الّذي أفكوه و افتروه، و الكلام مسوق للتهكّم.

٢٣٢

( سورة الأحقاف الآيات 29 - 35)

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا  فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ( 29 ) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ( 30 ) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 31 ) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ  أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( 32 ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ  بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 33 ) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ  قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا  قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ( 34 ) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ  كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ  بَلَاغٌ  فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ( 35 )

( بيان‏)

هذه هي القصّة الثانية عقّبت بها قصّة عاد ليعتبر بها قومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن اعتبروا، و فيه تقريع للقوم حيث كفروا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بكتابه النازل على لغتهم و هم يعلمون أنّها

٢٣٣

آية معجزة و هم مع ذلك يماثلونه في النوعيّة البشريّة و قد آمن الجنّ بالقرآن إذ استمعوا إليه و رجعوا إلى قومهم منذرين.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) إلى آخر الآية الصرف ردّ الشي‏ء من حالة إلى حالة أو من مكان إلى مكان، و النفر - على ما ذكره الراغب - عدّة من الرجال يمكنهم النفر و هو اسم جمع يطلق على ما فوق الثلاثة من الرجال و النساء و الإنسان و على الجنّ كما في الآية و( يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) صفة نفر، و المعنى: و اذكر إذ وجّهنا إليك عدّة من الجنّ يستمعون القرآن.

و قوله:( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا ) ضمير( حَضَرُوهُ ) للقرآن بما يلمح إليه من المعنى الحدثيّ و الإنصات السكوت للاستماع أي فلمّا حضروا قراءة القرآن و تلاوته قالوا أي بعضهم لبعض: اسكتوا حتّى نستمع حقّ الاستماع.

و قوله:( فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) ضمير( قُضِيَ ) للقرآن باعتبار قراءته و تلاوته، و التولية الانصراف و( مُنْذِرِينَ ) حال من ضمير الجمع في( وَلَّوْا ) أي فلمّا اُتمّت القراءة و فرغ منها انصرفوا إلى قومهم حال كونهم منذرين مخوّفين لهم من عذاب الله.

قوله تعالى: ( قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى‏ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) إلخ، حكاية دعوتهم قومهم و إنذارهم لهم، و المراد بالكتاب النازل بعد موسى القرآن، و في الكلام إشعار بل دلالة على كونهم مؤمنين بموسىعليه‌السلام و كتابه، و المراد بتصديق القرآن لما بين يديه تصديقه التوراة أو جميع الكتب السماويّة السابقة.

و قوله:( يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى‏ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي يهدي من اتّبعه إلى صراط الحقّ و إلى طريق مستقيم لا يضلّ سالكوه عن الحقّ في الاعتقاد و العمل.

قوله تعالى: ( يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) المراد بداعي الله هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى:( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ ) يوسف: 108، و قيل: المراد به ما سمعوه من القرآن و هو بعيد.

٢٣٤

و الظاهر أنّ( مِنْ ) في( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) للتبعيض، و المراد مغفرة بعض الذنوب و هي الّتي اكتسبوها قبل الإيمان، قال تعالى:( إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) الأنفال: 38.

و قيل: المراد بهذا البعض حقوق الله سبحانه فإنّها مغفورة بالتوبة و الإيمان توبة و أمّا حقوق الناس فإنّها غير مغفورة بالتوبة، و ردّ بأنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ ) إلخ، أي و من لم يؤمن بداعي الله فليس بمعجز لله في الأرض بردّ دعوته و ليس له من دون الله أولياء ينصرونه و يمدّونه في ذلك، و المحصّل: أنّ من لم يجب داعي الله في دعوته فإنّما ظلم نفسه و ليس له أن يعجز الله بذلك لا مستقلاً و لا بنصرة من ينصره من الأولياء فليس له أولياء من دون الله، و لذلك أتمّ الكلام بقوله:( أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ ) إلخ، الآية و ما بعدها إلى آخر السورة متّصلة بما تقدّم من قوله تعالى:( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ ) إلخ، و فيها تتميم القول فيما به الإنذار في هذه السورة و هو المعاد و الرجوع إلى الله تعالى كما أشرنا إليه في البيان المتقدّم.

و المراد بالرؤية العلم عن بصيرة، و العيّ العجز و التعب، و الأوّل أفصح على ما قيل، و الباء في( بِقادِرٍ ) زائدة لوقوعها موقعاً فيه شائبة حيّز النفي كأنّه قيل: أ ليس الله بقادر.

و المعنى: أ و لم يعلموا أنّ الله الّذي خلق السماوات و الأرض و لم يعجز عن خلقهنّ أو لم يتعب بخلقهنّ قادر على إحياء الموتى - و هو تعالى مبدئ وجود كلّ شي‏ء و حياته - بلى هو قادر لأنّه على كلّ شي‏ء قدير، و قد أوضحنا هذه الحجّة فيما تقدّم غير مرّة.

٢٣٥

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ ) إلى آخر الآية، تأييد للحجّة المذكورة في الآية السابقة بالإخبار عمّا سيجري على منكري المعاد يوم القيامة، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) إلى آخر الآية، تفريع على حقّيّة المعاد على ما دلّت عليه الحجّة العقليّة و أخبر به الله سبحانه و نفي الريب عنه.

و المعنى: فاصبر على جحود هؤلاء الكفّار و عدم إيمانهم بذاك اليوم كما صبر اُولوا العزم من الرسل و لا تستعجل لهم بالعذاب فإنّهم سيلاقون اليوم بما فيه من العذاب و ليس اليوم عنهم ببعيد و إن استبعدوه.

و قوله:( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ) تبيين لقرب اليوم منهم و من حياتهم الدنيا بالإخبار عن حالهم حينما يشاهدون ذلك اليوم فإنّهم إذا رأوا ما يوعدون من اليوم و ما هيّئ لهم فيه من العذاب كان حالهم حال من لم يلبث في الأرض إلّا ساعة من نهار.

و قوله:( بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ ) أي هذا القرآن بما فيه من البيان تبليغ من الله من طريق النبوّة فهل يهلك بهذا الّذي بلّغه الله من الإهلاك إلّا القوم الفاسقون الخارجون عن زيّ العبوديّة.

و قد أمر الله سبحانه في هذه الآية نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصبر كما صبر اُولوا العزم من الرسل و فيه تلويح إلى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم فليصبر كصبرهم، و معنى العزم ههنا إمّا الصبر كما قال بعضهم لقوله تعالى:( وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: 43، و إمّا العزم على الوفاء بالميثاق المأخوذ من الأنبياء كما يلوّح إليه قوله:( وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) طه: 115، و إمّا العزم بمعنى العزيمة و هي الحكم و الشريعة.

و على المعنى الثالث و هو الحقّ الّذي تذكره روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

٢٣٦

هم خمسة: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم و لقوله تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ ) الشورى: 13، و قد مرّ تقريب معنى الآية.

و عن بعض المفسّرين أنّ جميع الرسل اُولوا العزم، و قد أخذ( مِنَ الرُّسُلِ ) بياناً لاُولي العزم في قوله:( أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) و عن بعضهم أنّهم الرسل الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام (الآية 83- 90) لأنّه تعالى قال بعد ذكرهم:( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) .

و فيه أنّه تعالى قال بعد عدّهم:( وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ ) ثمّ قال:( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) و لم يقل ذلك بعد عدّهم بلا فصل.

و عن بعضهم أنّهم تسعة: نوح و إبراهيم و الذبيح و يعقوب و يوسف و أيّوب و موسى و داود و عيسى، و عن بعضهم أنّهم سبعة: آدم و نوح و إبراهيم و موسى و داود و سليمان و عيسى، و عن بعضهم أنّهم ستّة و هم الّذين اُمروا بالقتال: نوح و هود و صالح و موسى و داود و سليمان، و ذكر بعضهم أنّ الستّة هم نوح و إبراهيم و إسحاق و يعقوب و يوسف و أيّوب، و عن بعضهم أنّهم خمسة و هم: نوح و هود و إبراهيم و شعيب و موسى، و عن بعضهم أنّهم أربعة: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و ذكر بعضهم أنّ الأربعة هم نوح و إبراهيم و هود و محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين.

و هذه الأقوال بين ما لم يستدلّ عليه بشي‏ء أصلاً و بين ما استدلّ عليه بما لا دلالة فيه، و لذا أغمضنا عن نقلها، و قد تقدّم في أبحاث النبوّة في الجزء الثاني من الكتاب بعض الكلام في اُولي العزم من الرسل فراجعه إن شئت.

٢٣٧

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ) الآيات، كان سبب نزول هذه الآيات أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من مكّة إلى سوق عكاظ، و معه زيد بن حارثة يدعو الناس إلى الإسلام فلم يجبه أحد و لم يجد أحداً يقبله ثمّ رجع إلى مكّة.

فلمّا بلغ موضعاً يقال له: وادي مجنّة(1) تهجّد بالقرآن في جوف الليل فمرّ به‏ نفر من الجنّ فلمّا سمعوا قراءة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استمعوا له فلمّا سمعوا قرآنه قال بعضهم لبعض:( أَنْصِتُوا ) يعني اسكتوا( فَلَمَّا قُضِيَ ) أي فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القرآن( وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا ) إلى آخر الآيات.

فجاؤا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أسلموا و آمنوا و علّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرائع الإسلام فأنزل الله عزّوجلّ على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ) السورة كلّها، فحكى الله قولهم و ولّى عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم، و كانوا يعودون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ وقت فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميرالمؤمنينعليه‌السلام أن يعلّمهم و يفقّههم فمنهم مؤمنون و كافرون و ناصبون و يهود و نصارى و مجوس، و هم ولد الجانّ.

أقول: و الروايات في قصّة هؤلاء النفر من الجنّ الّذين استمعوا إلى القرآن كثيرة مختلفة اختلافاً شديداً، و لا سبيل إلى تصحيح متونها بالكتاب أو بقرائن موثوق بها و لذا اكتفينا منها على ما تقدّم من خبر القمّيّ و سيأتي نبذ منها في تفسير سورة الجنّ إن شاء الله تعالى.

و فيه سئل العالمعليه‌السلام عن مؤمني الجنّ أ يدخلون الجنّة؟ فقال: لا، و لكن لله حظائر بين الجنّة و النار يكون فيها مؤمنوا الجنّ و فسّاق الشيعة.

____________________

(1) المجنّة: محلّ الجنّ.

٢٣٨

أقول: و روي مثله في بعض الروايات الموقوفة من طرق أهل السنّة، و رواية القمّيّ مرسلة كالمضمرة فإن قبلت فلتحمل على أدنى مراتب الجنّة و عمومات الكتاب تدلّ على عموم الثواب للمطيعين من الإنس و الجنّ.

و في الكافي، بإسناده عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: سادة النبيّين و المرسلين خمسة: و هم اُولوا العزم من الرسل و عليهم دارت الرحى: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم و على جميع الأنبياء.

و فيه، بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم، و ما من نبيّ مضى إلّا و له وصيّ.

و كان جميع الأنبياء مائة ألف و عشرين ألف نبيّ: منهم خمسة اُولوا العزم: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليهم. الحديث.

أقول: كون اُولي العزم خمسة ممّا استفاضت عليه الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام فهو مرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عن الباقر و الصادق و الرضاعليهم‌السلام بطرق كثيرة.

و عن روضة الواعظين للمفيد: قيل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كم بين الدنيا و الآخرة؟ قال: غمضة عين قال الله عزّوجلّ:( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ ) الآية.

٢٣٩

( سورة محمّد مدنيّة و هي ثمان و ثلاثون آية)

( سورة محمّد الآيات 1 - 6)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 1 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ  كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ( 2 ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ  كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ( 3 ) فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا  ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ  وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 4 ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( 5 ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( 6 )

( بيان‏)

تصف السورة الّذين كفروا بما يخصّهم من الأوصاف الخبيثة و الأعمال السيّئة و تصف الّذين آمنوا بصفاتهم الطيّبة و أعمالهم الحسنة ثمّ تذكر ما يعقّب صفات هؤلاء من النعمة و الكرامة و صفات اُولئك من النقمة و الهوان و على الجملة فيها المقايسة بين الفريقين في صفاتهم و أعمالهم في الدنيا و ما يترتّب عليها في الاُخرى، و فيها بعض ما يتعلّق بالقتال من الأحكام.

٢٤٠