بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 608

  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48365 / تحميل: 7218
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الحادي عشر

الشيخ محمد تقي التّستري

١

المجلد الحادي عشر

٢

الفصل الخامس و الثلاثون في مقتله عليه السلام و وصاياه

٣

١

الخطبة ( ٦٠ ) « و من كلام له عليه السلام لمّا خوّف من الغيلة » وَ إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اَللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي اِنْفَرَجَتْ عَنِّي وَ أَسْلَمَتْنِي فَحِينَئِذٍ لاَ يَطِيشُ اَلسَّهْمُ وَ لاَ يَبْرَأُ اَلْكَلْمُ « و من كلام له عليه السلام لمّا خوّف من الغيلة » أي : القتل بغتة ، في ( الأغاني ) عن جعفر بن محمّد عليه السلام : حدّثتني امرأة منّا قالت : رأيت الأشعث بن قيس دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فأغلظ عليه السلام له ، فعرض له الأشعث بأن يفتك به ،

فقال عليه السلام له : أبالموت تهددني ؟ فو اللّه ما ابالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ .

و عن ( جمل أبي مخنف )١ بعد ذكر خروجه عليه السلام إلى الزبير في الجمل ،

و انكاره خبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و رجوعه : قال له أصحابه : تبرز إلى الزبير حاسرا

ــــــــــــ

 ( ١ ) رواه نهج البلاغة ١ : ٢٣٥ .

٤

و هو شاك في السلاح ؟ قال عليه السلام : إنّه ليس بقاتلي ، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير ما قط حرب و لا معركة رجال ، و يلمّه أشقى البشر ليودّن أنّ امّه هبلت به ، أما إنّه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن .

قوله عليه السّلام : « و إنّ عليّ من اللّه جنّة حصينة » تقيه من الهلكة ، و هي المدّة التي قدر تعالى لكلّ بشر أن يعيش في الدنيا .

« فإذا جاء يومي » و انقضى أجلي .

« انفرجت » تلك الجنة .

« عنّي » و ينبغي أن يفسر هذا العنوان بالفارسية هكذا :

روزم كه سپرى شد هيچ سپرى جلوى شمشير تقدير را نميگيرد ، و هيچ زرهى مانع از نشان آمدن تير قضا نميشود ، و هيچ جراحى نتواند زخم قدر را بهبود بخشد . .

« و أسلمتني » إلى المهالك .

« فحينئذ لا يطيش » أي : لا يعدل .

« السّهم » بل يصيب الغرض .

« و لا يبرأ الكلم » أي : الجرح فيهلك و الكلام كلّه : « جنّة حصينة » و « انفرجت عني و أسلمتني » و « لا يطيش السهم و لا يبرأ الكلم » استعارات ، و لا يخفى لطف موقعها .

و في ( الإرشاد )١ : لم يخرج عليه السّلام في الليلة التي قتل في صبيحتها إلى المسجد لصلاة الليل على عادته ، فقالت ابنته ام كلثوم : ما هذا الذي قد أسهرك ؟

فقال : إنّي مقتول لو قد أصبحت فأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة ، فمشى غير بعيد ثم رجع فقالت ام كلثوم : مرّ جعدة فليصلّ بالناس قال : نعم مروا جعدة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد ١ : ١٦ .

٥

فليصل بالناس ثم قال : لا مفرّ من الأجل فخرج إلى المسجد و إذا هو الرجل قد سهر ليلته كلّها يرصده ، فلمّا برد السحر نام فحرّكه عليه السّلام برجله و قال له :

الصلاة فقام إليه فضربه .

هذا ، و في السير : قال كاهن لصريم بن معشر : إنّك تموت بثنية يقال لها :

الاهة فخرج مع ركب فضلّوا الطريق ليلا ، فلمّا أصبحوا سألوا عن المكان هم فيه ، فقيل لهم : هذه الاهة فنزل أصحابه و أبى أن ينزل ، و خلّى ناقته ترعى فعلقت بمشقرها أفعى ، فأمالت الناقة رأسها فنهشته فألقى بنفسه ، و أنشأ يقول :

لعمري ما يدري امرؤ كيف يتّقي

فطأ معرضا إنّ الحتوف كثيرة

و إنّك لا تبقي لنفسك باقيا

كفى حزنا أن يرحل الركب غاديا

أحــ و اترك في أعلى الاهة ثاويا

و مات مكانه فقبر هناك

و قد أخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بشهادته عليه السّلام : فروى ( فضائل شهر رمضان الصدوق )١ عنه عليه السّلام : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا خطب بخطبته في فضائله قلت له : ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : الورع عن محارم اللّه ثم بكى فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لمّا يستحل منك في هذا الشهر ، كأنّي بك و أنت تصلّي لربّك و قد انبعث أشقى الأولين و الآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة فخضّب منها لحيتك فقلت : و ذلك في سلامة من ديني : فقال : في سلامة من دينك ثم قال : من قتلك فقد قتلني ، و من أبغضك فقد أبغضني ، و من سبّك فقد سبّني ، لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، و طينتك من طينتي . .

و روى أنّه عليه السّلام خطب في أوّل يوم من الشهر و قال : أيّها النّاس ، إنّ هذا

ــــــــــــ

 ( ١ ) فضائل شهر رمضان للصدوق ، عن عيون أخبار الرضا عليه السّلام ١ : ٢٣١ ح ٥٣ .

٦

الشهر شهر فضّله اللّه على ساير الشهور ، كفضلنا أهل البيت على ساير الناس إلى أن قال فقام إليه رجل من همدان فقال : زدنا ممّا حدّثك به حبيبك في شهر رمضان فقال : سمعت سيّد المرسلين و الملائكة المقرّبين يقول : إنّ سيّد الوصيين يقتل في سيّد الشهور فقلت : و ما سيّد الشهور ، و من سيّد الوصيين ؟ قال : أمّا سيد الشهور فشهر رمضان ، و أمّا سيّد الوصيين فأنت .

فقلت : إنّ ذلك لكائن : قال : إي و ربي إنّه ينبعث أشقى أمّتي ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، ثم يضربك ضربة على فرقك يخضّب منها لحيتك فأخذ الناس بالبكاء و النحيب ، فقطع عليه السّلام خطبته و نزل ، و قال الميبدي :

اشتر حق كشته أشقى الأولين

شير حق را كشته أشقى الآخرين

و روى ( العلل )١ عن الأصبغ : قلت لأمير المؤمنين عليه السّلام : ما منعك من الخضاب و قد اختضب النبي صلّى اللّه عليه و آله ؟ قال : انتظر أشقاها أن يختضب لحيتي من دم رأسي ، بعهد معهود عن حبيبي صلّى اللّه عليه و آله .

و رووا أنّه لمّا وقعت الضربة عليه قال عليه السّلام : هذا ما وعدنا اللّه و رسوله ،

و صدق اللّه و رسوله .

٢

الحكمة ( ٢٠١ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ فَإِذَا جَاءَ اَلْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ وَ إِنَّ اَلْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ أقول : نقلناه في مقتله عليه السّلام مع عموم لفظه ، لمّا رواه سبط ابن الجوزي عن كاتب الواقدي عن إسماعيل بن علية عن عمارة بن أبي حفصة عن أبي

ــــــــــــ

 ( ١ ) العلل : ١٧٣ ب ١٣٨ ح ١ .

٧

مجلز قال : جاء رجل من مراد إلى عليّ عليه السّلام و هو يصلّي في المسجد ، فقال له :

احترس فإنّ ناسا من مراد يريدون قتلك فقال عليه السّلام : إنّ مع كلّ رجلين ملكين يحفظانه ممّا لم يقدر ، فإذا جاء القدر خلّيا بينه و بينه ، و إنّ الأجل جنّة حصينة .

« إنّ مع كلّ انسان إلى بينه و بينه » في ( صفّين نصر )١ عن أبي إسحاق قال : خرج عليّ عليه السّلام يوم صفّين و في يده عنزة ، فمرّ على سعيد بن قيس الهمداني فقال له : أما تخشى أن يغتالك أحد و أنت قرب عدوّك ؟ فقال له عليّ عليه السّلام : إنّه ليس من أحد إلاّ عليه من اللّه حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو يصيبه آفة ، فإذا جاء القدر خلّوا بينه و بينه .

و في ( توحيد ابن بابويه )٢ عن أبي حيان التميميّ قال : بينا عليّ عليه السّلام يعبّئ الكتائب في صفّين و معاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا ،

و هو عليه السّلام على فرس النبي صلّى اللّه عليه و آله المرتجز ، و بيده حربة النبي صلّى اللّه عليه و آله متقلّدا سيفه ذا الفقار ، فقال له عليه السّلام رجل من أصحابه : احترس فإنّا نخشى أن يغتالك هذا اللعين فقال عليه السّلام : لئن قلت ذلك انّه غير مأمون على دينه ، و إنّه لأشقى القاسطين و ألعن الخارجين على الأئمة المهتدين ، و لكن كفى بالأجل حارسا ،

ليس أحد من الناس إلاّ و معه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء ، فإذا حان أجله خلّوا بينه و بين ما يصيبه ،

و كذلك إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا و أشار إلى لحيته و رأسه عهدا معهودا .

هذا ، و في ( بيان الجاحظ ) : وقع في الناس و باء جارف و موت ذريع ،

فهرب رجل على حماره ، فلمّا كان في بعض الطريق ضرب وجه حماره راجعا

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٥٠ .

 ( ٢ ) التوحيد لابن بابويه : ٣٦٧ ح ٥ .

٨

حيّه و قال :

لن يسبق اللّه على حمار

و لا على ذي ميعة مطار

قد يصبح اللّه امام الساري

و في ( حيوان الجاحظ )١ : أنّ طاعونا جارفا في البصرة جاء على أهل دار ، فلم يشك أهل تلك المحلة أنّه لم يبق فيها صغير و لا كبير ، و قد كان فيها صبي مرتضع و يحبو ، فعمد من بقي من المطعونين من المحلة فسدوا باب تلك الدار ، و بعد أشهر تحوّل بعض الورثة إلى الدار ففتحها ، فإذا هو بصبي يلعب مع اجراء كلب ، فراعه ذلك فلم يلبث ان أقبلت كلبة كانت لأهل الدار ، فلمّا رآها الصبي حبا إليها فأمكنته من أطبائها فمصها .

« و إنّ الأجل جنّة حصينة » قال تعالى : و ما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجلا .٢ ، . يقولون لو كان لنا من الأمر شي‏ء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم .٣ ، . لا تكونوا كالذين كفروا و قالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم .٤ .

و في ( التوحيد )٥ : أنّ قنبرا كان يحبه عليه السّلام حبّا شديدا ، فإذا خرج خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال له : مالك ؟ قال : جئت لأمشي خلفك قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسني ، أم من أهل الأرض ؟ فقال :

من أهل الأرض فقال : إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلاّ بإذن اللّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحيوان للجاحظ ٢ : ١٥٥ .

 ( ٢ ) آل عمران : ١٤٥ .

 ( ٣ ) آل عمران : ١٥٤ .

 ( ٤ ) آل عمران : ١٥٦ .

 ( ٥ ) التوحيد : ٣٣٨ ح ٧ .

٩

من السماء فارجع فرجع .

أيضا روى : أنّه عليه السّلام جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس ، فقال بعضهم له عليه السّلام : لا تقعد جنب هذا الحائط فإنّه معور فقال عليه السّلام : حرس امرئ أجله و لمّا قام عليه السّلام سقط ، و كان عليه السّلام ممّا يفعل هذا و أشباهه١ و روى : أنّ الحسين عليه السّلام دخل على معاوية فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ضحى ، ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين ؟ فقال عليه السّلام : علمه أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه٢ .

و روى ( التوحيد ) : أنّه قيل له عليه السّلام لمّا أراد قتال الخوارج : لو أحرزت .

فقال :

أي يومي من الموت أفر

يوم ما قدر ام يوم قدر

يوم لم يقدر لم أخش الردى

و إذا قدر لم يغن الحذر٣

٣

الخطبة ( ٦٨ ) و قال عليه السّلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه :

مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَ أَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ فَقُلْتُ يَا ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ؟ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ اَلْأَوَدِ وَ اَللَّدَدِ فَقَالَ اُدْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اَللَّهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي « قال الشّريف : يعني بالأود : الاعوجاج ، و باللّدد : الخصام ، و هذا من أفصح الكلام » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) التوحيد : ٣٦٩ ح ٨ .

 ( ٢ ) التوحيد : ٣٧٤ ح ١٩ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه .

١٠

قول المصنف : « و قال عليه السّلام » هكذا في جميع النسخ ، مع أنّ هذا دأبه في الباب الثالث ، و أمّا الأول فانّما يقول تارة : « و من خطبة له عليه السّلام » و اخرى : « و من كلام له عليه السّلام » .

« في سحرة » بالضم ، و في ( الجمهرة ) : السحرة و السحر واحد ، اليوم الذي ضرب فيه و في ( مروج المسعودي )١ : أنّه عليه السّلام ضرب بالليل .

و كيف كان ، فروي العنوان بطرق مختلفة ، ففي ( خلفاء ابن قتيبة )٢ روى عن الحسن عليه السّلام قال : أتيت أبي فقال لي : أرقت الليلة ثم ما ملكتني عيني ،

فسنح لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت : ماذا لقيت من امّتك من الأود و اللدد فقال : ادع عليهم فقلت : اللهم ابدلني بهم خيرا لي منهم ، و أبدلهم بي شرّا لهم مني ثم خرج إلى الصلاة فاعترضه ابن ملجم .

و في ( إرشاد المفيد )٣ روى عمّار الدهنيّ عن أبي صالح الحنفيّ قال :

سمعت عليّا عليه السّلام يقول : رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في منامي ، فشكوت إليه ما لقيت من امّته من الأود و اللدد و بكيت ، فقال : لاتبك يا عليّ و التفت فالتفت فإذا رجلان مصفّدان و إذا جلاميد ترضخ بهما رؤوسهما قال : فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو إليه في كلّ يوم حتى إذا كنت في الجزّارين لقيت الناس يقولون :

قتل أمير المؤمنين .

و في ( صفّين نصر )٤ عن الأعمش عن ابراهيم التيميّ عن الحرث بن سعيد عن عليّ عليه السّلام قال : رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في النوم ، فشكوت إليه ما لقيت من امّته من الأود و اللدد فقال : انظر فإذا عمرو بن العاص و معاوية معلقين

ــــــــــــ

 ( ١ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٢٤ .

 ( ٢ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٦٠ .

 ( ٣ ) الإرشاد للمفيد ١ : ١٥ .

 ( ٤ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٢١٨ .

١١

منكسين ، تشدخ رؤوسهما بالصخر .

و في ( عقد ابن عبد ربه )١ قال الحسن عليه السّلام صبيحة التي قتل فيها عليّ عليه السّلام : حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد فقال : يا بني إنّي صلّيت البارحة ما رزق اللّه ثم نمت نومة ، فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فشكوت إليه ما أنا فيه من مخالفة أصحابي ، و قلّة رغبتهم في الجهاد ، فقال لي : ادع اللّه أن يريحك منهم فدعوت اللّه و قال الحسن عليه السّلام صبيحة تلك الليلة : أيّها النّاس إنّه قتل فيكم الليلة رجل كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يبعثه فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، فلا ينثني حتى يفتح اللّه تعالى له ، ما ترك إلاّ ثلاثمائة درهم .

و في ( الأغاني ) بأسانيد عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن الحسن عليه السّلام :

خرجت أنا و أبي نصلّي في هذا المسجد ، فقال : يا بني إنّي بت الليلة اوقظ أهلي لأنّها ليلة الجمعة صبيحة قدر تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ،

فملكتني عيناي فسنح لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت : ماذا لقيت من امّتك من الأود و اللدد فقال لي : ادع عليهم فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، و أبدلهم بي من هو شرّ لهم مني و جاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج ،

و خرجت خلفه فاعتوره الرجلان ، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق ، و أمّا الآخر فأثبتها في رأسه .

و أمّا مقتله عليه السّلام ففي ( كامل المبرد )٢ : لمّا قتل عليّ عليه السّلام أهل النهروان كان بالكوفة زهاء ألفين من الخوارج ، ممّن لم يخرج مع عبد اللّه بن وهب و قوم ممّن استأمن إلى أبي أيوب ، فتجمعوا و أمّروا عليهم رجلا و هم بالنخيلة ،

فدعاهم و رفق بهم فأبوا ، فعاودهم فأبوا ، فخرجت طائفة منهم نحو مكة فوجّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد لابن عبد ربه ٣ : ١٩٥ .

 ( ٢ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٦٥ .

١٢

معاوية من يقيم للناس حجّهم ، فناوشه هؤلاء الخوارج فبلغ ذلك معاوية ،

فوجّه بسر بن أرطاة أحد بني عامر بن لؤي فتوافقوا و تراضوا بعد الحرب ،

بأن يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلا يفوت الناس الحجّ ، فلمّا انقضى قالت الخوارج : إن عليّا و معاوية قد أفسدا أمر الأمّة ، فلو قتلناهما لعاد الأمر إلى حقّه و قال رجل من أشجع : ما عمرو دونهما ، و إنّه لأصل هذا الفساد فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا أقتل عليّا فقالوا : و كيف به ؟ قال : اغتاله فقال الحجاج بن عبد اللّه الصريميّ و هو البرك : أنا أقتل معاوية و قال زادويه مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم : و أنا اقتل عمرا فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة ، فجعلوا تلك الليلة ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان ،

فخرج كلّ واحد منهم إلى ناحية ، فأتى ابن ملجم الكوفة فأخفى نفسه ، و تزوّج امرأة يقال لها : قطام بنت علقمة من تيم الرباب و كانت ترى رأي الخوارج .

و الأحاديث تختلف و إنّما يؤثر صحيحها ، و في بعضها : أنّها قالت : لا أقنع منك إلاّ بصداق اسمّيه لك ، و هو ثلاثة آلاف درهم و عبد و أمة و أن تقتل عليّا فقال لها : لك ما سألت ، فكيف لي به ؟ قالت : تروم ذلك غيلة ، و في ذلك يقول :

ثلاثة آلاف و عبد و قينة

و ضرب عليّ بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من عليّ و إن غلا

و لا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم

و ذكروا أنّ القاصد لمعاوية : يزيد بن ملجم ، و إلى عمرو : آخر من بني ملجم ، و أنّ أباهم نهاهم فلمّا عصوه قال : استعدوا للموت و أن امّهم حضتهم على ذلك و الخبر الصحيح ما ذكرت أول .

فأقام ابن ملجم فيقال : إنّ قطام لامته و قالت : ألا تمضي لمّا قصدت ؟

لشدّ ما أحببت أهلك قال : إنّي وعدت صاحبيّ وقتا بعينه و كان هنالك رجل

١٣

من أشجع يقال له : شبيب ، فواطأه عبد الرحمن .

و يروى أنّ الأشعث نظر إلى عبد الرحمن متقلّدا سيفا في بني كندة ،

فقال له : أرني سيفك فأراه فرأى سيفا جديدا ، فقال : ما تقلّدك السيف و ليس بأوان حرب ؟ فقال : أردت أن أنحر به جزور القرية فركب الأشعث بغلته و أتى عليّا عليه السّلام فخبره و قال له : قد عرفت بسالة ابن ملجم و فتكه فقال : ما قتلني بعد فخلوا عنه .

و يروى أنّ عليّا عليه السلام كان يخطب مرّة و يذكر أصحابه و ابن ملجم تلقاء المنبر ، فسمع و هو يقول : لأريحنهم منك فلمّا انصرف عليّ عليه السلام إلى بيته اتي به ملببا فأشرف عليهم فقال : ما تريدون ؟ فخبّروه بما سمعوا ، فقال عليه السلام : ما قتلني بعد فخلوا عنه .

و يروى أنّ عليّا عليه السلام كان يتمثّل إذا رآه ببيت عمرو بن معد يكرب في قيس بن مكشوح و اسم المكشوح هبيرة ، ضرب على كشحه فسمّي مكشوحا :

اريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فينتقي من ذلك حتى أكثر ، عليه فقال له المرادي : إن قضي شي‏ء كان .

فقيل لعلي عليه السلام : كأنّك قد عرفته و عرفت ما يريد بك ، أفلا تقتله ؟ فقال : كيف أقتل قاتلي ؟ فلمّا كان ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان خرج ابن ملجم و شبيب الأشجعي فاعتورا الباب الذي يدخل منه عليّ عليه السلام و كان مغلسا و يوقظ الناس للصلاة فخرج كما كان يفعل ، فضربه شبيب فأخطأه و أصاب سيفه الباب ، و ضربه ابن ملجم على صلعته ، فقال عليّ عليه السلام : فزت و ربّ الكعبة شأنكم بالرجل .

١٤

فيروى أنّ بعض من كان بالمسجد من الأنصار قال : سمعت كلمة عليّ عليه السلام و رأيت بريق السيف ، فأمّا ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه ،

فأفرجوا له و تلقّاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بقطيفة فرمى بها عليه ، و احتمله فضرب به الأرض و كان ايدا فقعد على صدره ، و أما شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضر موت و صرعه و قعد على صدره ،

و كثر الناس فجعلوا يصيحون : عليكم صاحب السيف ، فخاف الحضرمي أن يكبّوا عليه و لا يسمعوا عذره ، فرمى بالسيف و انسل شبيب بالناس .

و يروى أنّ ابن ملجم بات تلك الليلة عند الأشعث ، و أنّ حجر بن عدي سمع الأشعث يقول له : فضحك الصبح فلمّا قالوا : قتل أمير المؤمنين عليه السلام ،

قال حجر للأشعث : أنت قتلته يا أعور .

و يروى أنّ الذي سمع ذاك أخو الأشعث عفيف بن قيس و أنّه قال لأخيه : عن أمرك كان هذا يا أعور .

قوله عليه السلام :

« ملكتني عيني » أي : غلبتني فحصل لي النوم .

« و أنا جالس فسنح » أي : ظهر لي .

« رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه ماذا لقيت من امتك من الأود و اللدد » و كما شكا إليه عليه السلام في ليلة قتله ، شكا إليه صلّى اللّه عليه و آله عند دفن زوجته سيّدة النساء ،

فقال له بعد السلام عليه : و ستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها ، فأحفها السؤال و استخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا ، و ستقول : و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين١ إلى أن قال و لو لا غلبة المسؤولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفا ، و لأعولت اعوال الثكلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٨٧ .

١٥

على جليل الرزية ، فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّا ، و تهضم حقّها و تمنع ارثها ، و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر ، و إلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى ، و فيك يا رسول اللّه أحسن العزاء . .

و كذلك شكا الحسين عليه السلام إلى جدّه لمّا دعوه إلى بيعة يزيد على ما روى محمّد بن أبي طالب الموسوي فقال : خرج في الليل إلى قبر جدّه فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، أنا الحسين بن فاطمة فرخك و سبطك الذي خلّفتني في امّتك ، فاشهد عليهم إنّهم قد خذلوني و ضيّعوني و لم يحفظوني ، و هذه شكو اي إليك حتى ألقاك إلى آخر ما ذكر .

« فقال : ادع عليهم فقلت : أبدلني اللّه بهم خيرا » هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن ميثم٢ و الخطية ) : « خيرا لي » .

« منهم ، و أبدلهم بي شرّا لهم منّي » هو كقوله تعالى : . فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .٣ و جزاء سيئة سيئة مثلها .٤ .

و في ( عكبرية المفيد )٥ في جواب أبي ليث الحاجب عن هذه الجملة سأل عليه السلام التخلية بين الأشرار من خلقه و بين القوم الظالمين عقوبة لهم و امتهانا ، و سأله أيضا أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدّمت أيديهم ، ممّا يستحقون به من العذاب المهين .

و نظير ذلك قوله تعالى : و إذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٩١ .

 ( ٣ ) البقرة : ١٩٤ .

 ( ٤ ) الشورى : ٤٠ .

 ( ٥ ) العكبرية للمفيد : ٣٧ .

١٦

من يسومهم سوء العذاب .١ ، و قوله تعالى : . أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا٢ و لم يرد بذلك البعثة التي هي الرسل و لا الأمر بذلك ،

و إنّما أراد التخلية و التمكين و ترك الحيلولة بينهم و بين المذكورين ، و هذا بيّن .

قول المصنف : « يعني بالأود : الاعوجاج ، و باللدد : الخصام ، و هذا من أفصح الكلام » ليس في ( ابن ميثم )٣ قول المصنف رأسا ، و لعلّه سقط من النسخة .

٤

من الخطبة ( ١٨٠ ) ثم نادى بأعلى صوته :

اَلْجِهَادَ اَلْجِهَادَ عِبَادَ اَللَّهِ أَلاَ وَ إِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ اَلرَّوَاحَ إِلَى اَللَّهِ فَلْيَخْرُجْ « قال نوف : و عقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، و لقيس بن سعد رحمه اللّه في عشرة آلاف ، و لأبي أيّوب الأنصاريّ في عشرة آلاف ،

و لغيرهم على أعداد اخر ، و هو يريد الرّجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه اللّه ، فتراجعت العساكر ،

فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان » .

« ثم نادى بأعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد اللّه » في ( الكافي )٤ عن الصادق عليه السلام سئل : هل الجهاد سنّة أو فريضة ؟ فقال عليه السلام : الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض ، و جهاد سنّة لا يقام إلاّ مع الفرض ، و جهاد سنّة ، فأمّا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ١٦٧ .

 ( ٢ ) مريم : ٨٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٩١ .

 ( ٤ ) الكافي ٥ : ٩ ح ١ .

١٧

أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن المعاصي و هو من أعظم الجهاد ،

و مجاهدة الذين يلونكم من الكفار ، و أمّا الجهاد الذي هو سنّة لا يقام إلاّ مع فرض فإنّ مجاهدة العدوّ فرض على جميع الامّة ، و لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب و هذا هو من عذاب الامّة ، و هو سنّة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الامّة فيجاهدهم ، و جهاد السنة : كلّ سنة أقامها الرجل و جاهد في إقامتها . .

« ألا و إنّي معسكر » بكسر الكاف .

« في يومي هذا ، فمن أراد الرواح » أي : الذهاب .

« إلى اللّه » بالجهاد في سبيله .

« فليخرج » إلى المعسكر .

« قال نوف » هو راوي الخطبة الذي قال في أوّلها : خطبنا عليّ عليه السلام بهذه الخطبة و هو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، و عليه مدرعة من صوف ، و حمائل سيفه ليف ، و في رجليه نعلان من ليف ، و كأنّ جبينه ثفنة بعير .

« و عقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف » في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : ولد الحسين لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع ، و قتل يوم عاشوراء سنة ( ٦١ ) قتله سنان بن أنس النخعي ، و أجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير و حزّ رأسه و أتى به عبيد اللّه سأل عراقي ابن عمر عن دم البعوض ، فقال : انظروا هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد سمعته صلّى اللّه عليه و آله يقول : الحسن و الحسين هما ريحانتي من الدنيا ؟ و حجّ عليه السلام خمسا و عشرين حجّة ماشيا .

« و لقيس بن سعد رحمه اللّه في عشرة آلاف » في ( المروج )١ : كان قيس من

ــــــــــــ

 ( ١ ) المروج ٣ : ٢٦ .

١٨

الزهد و الديانة و الميل إلى عليّ عليه السلام بالموضع العظيم ، و بلغ من خوفه للّه و طاعته أنّه كان يصلّي فلمّا أهوى للسجود إذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطوّق ، فمال عن الثعبان برأسه و سجد إلى جانبه ، فتطوق الثعبان برقبته ، فلم يقصر من صلاته و لا نقّص منها شيئا حتى فرغ فرمى به .

و في ( الطبري )١ لمّا عزله عليّ عليه السلام عن مصر جاءه حسّان و كان عثمانيا شامتا به فقال له : نزعك عليّ و قد قتلت عثمان ، فبقي عليك الإثم و لم يحسن لك الشكر فقال له قيس : يا أعمى القلب و البصر لو لا أن القي بين رهطي و رهطك حربا لضربت عنقك .

و في ( الإستيعاب )٢ : كان له ديون كثيرة على الناس فمرض و استبطأ عوّاده ، فقيل له : إنّهم يستحيون من أجل دينك فأقام مناديا ينادي : من كان لقيس عليه دين فهو له فأتاه النّاس حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه .

و فيه٣ : لمّا بويع أبوبكر خرج أبوه إلى الشام و لم يبايع ، و قسّم ماله بين أولاده ثم توفي عن حمل لم يعلم به ، فكلّم أبوبكر و عمر قيسا حتى ينقض قسمة أبيه ، فقال : نصيبي للمولود و لا اغيّر قسمة أبي .

و في ( المقاتل ) : لمّا تمّ الصلح بين الحسن عليه السلام و معاوية أرسل إلى قيس يدعوه إلى البيعة ، فاتي به و كان رجلا طويلا يركب الفرس المشرف و رجلاه تخطان في الأرض ، و ما في وجهه طاقة شعر ، و كان يسمّى خصي الأنصار فلمّا أرادوا أن يدخلوه إليه قال : إنّي قد حلفت ألاّ ألقاه إلاّ بيني و بينه الرمح أو

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٥٥ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٢٣١ .

 ( ٣ ) الاستيعاب ٣ : ٢٣٠ .

١٩

السيف فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه و بينه ليبر يمينه .

و في خبر : أنّ معاوية أكبّ على قيس حتى مسح يده على يد قيس ، و ما رفع قيس يده إليه .

و في ( الاستيعاب )١ : كان أحد دهاة العرب و أهل الرأي و المكيدة في الحروب ، مع النجدة و البسالة و الشجاعة و الكرم ، و كان شريف قوم غير مدافع هو و أبوه و جدّه و لم يفارق عليّا عليه السلام حتى قتل٢ .

« و لأبي أيوب الأنصاري » و اسمه خالد بن زيد ، في ( الطبري )٣ قال ربيعة بن عثمان : جاء سعد القرظ المؤذن إلى عليّ عليه السلام أول يوم حصر فيه عثمان ، فقال : من يصلّي بالناس ؟ فقال : ناد خالد بن زيد فنادى فصلّى بالناس ،

فإنّه أول يوم عرف أنّ أبا أيوب خالد بن زيد ، فكان يصلّي بهم أياما ثم صلّى عليّ عليه السلام بعد ذلك .

و في ( صفين ابن ديزيل ) عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو أيوب فنزل ضيعتنا يعلف خيلا له ، فقلنا : يا أبا أيوب قاتلت المشركين مع سيفك هذا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرني بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين ، فقد قاتلت الناكثين و القاسطين ، و أنا مقاتل إن شاء اللّه بالسعفات بالطرقات بالنهروانات ، و ما أدري أين هي ؟

و في ( الاستيعاب )٤ : و عليه نزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين قدم المدينة حتى بنى مسجده و بنى مساكنه آخى صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين مصعب بن عمير قال : نزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بيتنا الأسفل ، و كنت في الغرفة فاهريق ماء في الغرفة ، فقمت أنا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٣ : ٢٢٥ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٢٢٦ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٣ .

 ( ٤ ) الاستيعاب ١ : ٤٠٣ .

٢٠

و ام أيوب بقطيفة نتتبع الماء شفقة أن يخلص إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله منه شي‏ء ، و نزلت إليه صلّى اللّه عليه و آله و أنا مشفق و قلت : ليس ينبغي أن نكون فوقك ، انتقل إلى الغرفة مات بالقسطنطينية زمن معاوية سنة ( ٥٠ ) أو ( ٥١ ) أو ( ٥٢ ) و هو الأكثر .

« في عشرة آلاف » هكذا في ( المصرية١ و ابن أبي الحديد )٢ و ليس كلّه في ( ابن ميثم )٣ .

« و لغيرهم على اعداد اخر ، و هو يريد الرجعة إلى صفين » لقتال معاوية .

« فما دارت الجمعة » بعد خطبته تلك و جعله معسكرا .

« حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه اللّه » قالوا : كان في الإسلام ضربتان لم تكن ضربة أيمن من أولاهما ، و هي ضربته عليه السلام عمرا يوم الخندق التي قال فيها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : أفضل من عبادة الثقلين و أشأم من اخراهما و هي ضربة ابن ملجم له عليه السلام فما رأى النّاس من بعده عليه السلام عدلا و لا يرونه حتى يظهر القائم عليه السلام .

و في ( تاريخ اليعقوبي )٤ : قدم ابن ملجم الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة أربعين ، فلمّا بلغ عليّا عليه السلام قدومه قال : « أوقد وافي ؟ أما إنّه ما بقي عليّ غيره ، هذا أوانه » فنزل على الأشعث فأقام عنده شهرا يستحد سيفه .

و في ( المناقب ) قال ابن عباس : كان ابن ملجم من ولد قيدار عاقر ناقة صالح و قصّتهما واحدة ، لأنّ قيدار عشق امرأة يقال لها : رباب ، كما عشق ابن ملجم لقطام ، و سمع منه يقول لآخر : لأضربنّ عليّا بسيفي هذا فذهب به إليه عليه السلام ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : عبد الرحمن بن ملجم قال : نشدتك باللّه عن

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ١٣٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٢ .

 ( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٢ .

٢١

شي‏ء تخبرني ؟ قال : نعم قال : هل مرّ عليك شيخ يتوكأ على عصاه و أنت في الباب ، فمشقك بعصاه ثم قال : بؤسا لك أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال : نعم .

قال : هل كان الصبيان يسمّونك ابن راعية الكلاب و أنت تلعب معهم ؟ قال : نعم .

قال : هل أخبرتك امّك أنّها حملت بك و هي طامث ؟ قال : نعم قال : فبايع فبايع ،

ثم قال : خلوه .

و في ( الإرشاد )١ : روى أبو زيد الأحول عن الأجلح قال : سمعت أشياخ كندة أكثر من عشرين مرّة يقولون : سمعنا عليّا عليه السلام على المنبر يقول : ما يمنع أشقاها أن يخضبها بدم ؟ و يضع يده على لحيته .

و فيه٢ : ذكر عبد اللّه بن محمّد الأزدي قال : إنّي لاصلّي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر ، كانوا يصلّون في ذلك الشهر من أوّله إلى آخره ، إذ نظرت إلى رجال قريبا من السدة ، و خرج عليه السلام لصلاة الفجر فأخذ ينادي الصلاة الصلاة : فما أدري أنادى ، أم رأيت بريق السيوف ؟

و سمعته عليه السلام يقول : لا يفوتنكم الرجل فاذا هو مضروب .

و رواه أبو الفرج٣ ، و في خبره : أم رأيت بريق سيف ثم رأيت بريق سيف آخر .

و في ( الإرشاد )٤ : كان عليه السلام خرج يوقظ النّاس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة ، و قد كان قصده ابن ملجم في أوّل الليل ، فلمّا مرّ به و هو متماكر بإظهار النوم في جملة النيام ثار إليه فضربه على امّ رأسه بالسيف ، فمكث عليه السلام إلى نحو الثلث الأوّل ليلة إحدى و عشرين ، و قد كان عليه السلام يعلم ذلك قبل أوانه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد ١ : ١٣ .

 ( ٢ ) إرشاد المفيد ١ : ٢٠ .

 ( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢١ .

 ( ٤ ) الإرشاد ١ : ٩ .

٢٢

و يخبر به النّاس قبل زمانه ، و تولّى غسله و تكفينه و دفنه الحسنان عليهما السلام بأمره ، و حملاه إلى الغري من نجف الكوفة و عفيا موضع قبره بوصيته ، لمّا كان عليه السلام يعلمه من دولة بني امية بعده ، ثم دلّ عليه الصادق عليه السلام في الدولة العباسية ، و زاره عند وروده إلى أبي جعفر و هو بالحيرة ، فعرفته الشيعة و استأنفوا إذ ذاك زيارته ، و كان سنّه عليه السلام ثلاثا و ستين سنة .

و روى عباد بن يعقوب الرواجنيّ عن حيان الغزيّ عن مولى لعليّ عليه السلام ،

قال : لمّا حضرته الوفاة قال للحسنين : إذا أنا متّ فاحملاني على سريري ثم أخرجاني ، و احملا مؤخّر السرير فإنكما تكفيان مقدمه ، ثم ائتيابي الغريين فانّكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا ، فاحتفرا فيها فإنّكما تجدان فيها ساجة فادفناني فيها إلى أن قال فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها هذا ممّا ادّخرها نوح لعليّ بن أبي طالب عليه السلام .

و روى محمّد بن زكريا عن عبد اللّه بن محمّد عن أبي عايشة عن عبد اللّه بن حازم ، قال : خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيّد ، فصرنا إلى ناحية الغريين و الثوية ، فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور و الكلاب ، فجاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فوقف عليها فسقطت الصقور ناحية و رجعت الكلاب ، فعجب الرشيد من ذلك ، ثم إنّ الظباء هبطت من الأكمة فهبطت الصقور و الكلاب عليها ، فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الصقور و الكلاب فعلت ذلك ثلاثا فقال الرشيد : اركضوا فمن لقيتموه فأتوني به فأتيناه بشيخ من بني أسد ، فقال له : أخبرني ما هذه الأكمة ؟ قال : إن جعلت لي الأمان .

قال : لك عهد اللّه و ميثاقه قال : حدّثني أبي عن آبائه أنّهم كانوا يقولون : إنّ في هذه الأكمة قبر عليّ عليه السلام جعله اللّه حرما ، لا يأوي إليه شي‏ء إلاّ أمن .

« فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان » في ( مقاتل

٢٣

أبي الفرج )١ : كتب معاوية بعد مقتله عليه السلام إلى عمّاله نسخة واحدة : إنّ اللّه بلطفه و حسن صنيعه أتاح لعليّ رجلا فاغتاله ، فترك أصحابه متفرّقين مختلفين ، و قد جاءنا كتب أشرافهم و قادتهم ، يلتمسون الأمان لأنفسهم و عشائرهم .

و في ( الطبري )٢ : قال أبو الأسود الدؤليّ في رثائه عليه السلام :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فلا قرّت عيون الشامتينا

أ في شهر الصيّام فجعتمونا

بخير النّاس طرّا أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا

و رحلّها و من ركب السفينا

و من لبس النعال و من حذاها

و من قرأ المثاني و المئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راع الناظرينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنّك خيرها حسبا و دينا

و في ( المقاتل )٣ : قالت امّ الهيثم النخعية في رثائه عليه السلام :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا تبكي أمير المؤمنينا

و كنّا قبل مقتله بخير

نرى مولى رسول اللّه فينا

يقيم الدين لا يرتاب فيه

و يقضي بالفرائض مستبينا

و يدعو للجماعة من عصاه

و ينهك قطع أيدي السارقينا

و ليس بكاتم علما لديه

و لم يخلق من المتجبرينا

لعمر أبي لقد أصحاب مصر

على طول الصحابة أوجعونا

و غرّونا بأنّهم عكوف

و ليس كذاك فعل العاكفينا

ــــــــــــ

 ( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٣٨ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٥٠ .

 ( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٧ .

٢٤

كأن النّاس إذ فقدوا عليّا

نعام جال في بلد سنينا

و لو أنّا سئلنا المال فيه

بذلنا المال فيه و البنينا

شاب ذؤابتي و أطال حزني

امامة حين فارقت القرينا

هذا و لابن بقيلة :

فصرنا بعد هلاك أبي قبيس

كجرب المعز في اليوم المطير

٥

الخطبة ( ١٤٦ ) و من كلام له عليه السلام قبل موته :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ كُلُّ اِمْرِئٍ لاَقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ وَ اَلْأَجَلُ مَسَاقُ اَلنَّفْسِ وَ اَلْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ اَلْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا اَلْأَمْرِ فَأَبَى اَللَّهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ اَلْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ اَلْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلاَكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا حُمِّلَ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ وَ خُفِّفَ عَنِ اَلْجَهَلَةِ رَبٌّ رَحِيمٌ وَ دِينٌ قَوِيمٌ وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ أَنَا اَلْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ غَفَرَ اَللَّهُ لِي وَ لَكُمْ إِنْ تَثْبُتِ اَلْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ اَلْمَزَلَّةِ فَذَاكَ وَ إِنْ تَدْحَضِ اَلْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ مَهَبِّ رِيَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اِضْمَحَلَّ فِي اَلْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَ عَفَا فِي اَلْأَرْضِ مَخَطُّهَا وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَ صَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظَكُمْ هُدُوِّي وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي وَ سُكُونُ أَطْرَافِي فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ اَلْمَنْطِقِ اَلْبَلِيغِ وَ اَلْقَوْلِ اَلْمَسْمُوعِ وَدَاعِيْكُمْ وَدَاعُ اِمْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلاَقِي غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي وَ يُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي

٢٥

وَ تَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَ قِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي أقول : رواه ( الكافي )١ في باب الإشارة و النصّ على الحسن عليه السلام ، رواه عن إبراهيم الأحمريّ مرفوعا و عن الحسين الحسنيّ مرفوعا : لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام حف به العوّاد و قيل له : أوص فقال : اثنوا ليّ الوسادة ثم قال :

الحمد للّه حقّ قدره متّبعين أمره ، أحمده كما أحب ، و لا إله إلاّ اللّه الواحد الأحد الصمد كما انتصب ، أيّها النّاس كلّ امرئ لاق في فراره ما منه يفر ، و الأجل مساق النفس إليه ، و الهرب منه موافاته ، كم أطردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر ، فأبى اللّه تعالى إلاّ إخفاءه ، هيهات علم مكنون مخزون ، أمّا وصيّتي :

فلا تشركوا باللّه شيئا ، و محمّدا فلا تضيّعوا سنّته أقيموا هذين العمودين ،

و أوقدوا هذين المصباحين ، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا ، حمل كلّ امرئ منكم مجهوده ، و خفف عن الجهلة ربّ رحيم ، و إمام عليم ، و دين قويم ، أنا بالأمس صاحبكم ، و اليوم عبرة لكم ، و غدا مفارقكم ، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد ، و إن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان ، و ذرى رياح ، و تحت ظلّ غمامة اضمحل في الجو ملتفّقها ، و عفا في الأرض مخطّها ، و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أياما ، و ستعقبون منّي جثّة خلاء ساكنة بعد حركة ،

و كاظمة بعد نطق ، ليعظكم هدوّي و خفوت إطراقي و سكون أطرافي ، فإنّه أوعظ لكم من الناطق البليغ ، ودّعتكم وداع امرئ مرصد للتلاقي ، غدا ترون أيامي و يكشف اللّه تعالى عن سرائري ، و تعرفوني بعد خلو مكاني و قيام غيري مقامي ، إن أبق فأنا وليّ دمي ، و إن افن فالفناء ميعادي ، العفو لي قربة و لكم حسنة ، فاعفوا و اصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر اللّه تعالى لكم ؟ فيالها حسرة على كلّ ذي غفلة ، أن يكون عمره عليه حجّة ، أو تؤدّيه أيامه إلى شقوة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ١ : ٢٩٩ ح ٦ .

٢٦

جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن لا يقصر به عن طاعة اللّه تعالى رغبة ، أو يحل به بعد الموت نقمة ، فإنّا نحن له و به ثم أقبل على الحسن عليه السلام فقال : يا بني ضربة مكان ضربة ، و لا تأثم .

و رواه ( مروج المسعودي )١ في باب لمع من كلامه عليه السلام فقال : ذكر جماعة من أهل النقل عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليّا عليه السلام قال في صبيحة الليلة التي ضربه فيها عبد الرحمن بن ملجم بعد حمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسوله عليه السلام : كلّ امرئ ملاقيه ما يفرّ منه ، و الأجل تستاق النفس إليه ، و الهرب منه موافاته ، كم أطردت الأيّام أتحينها عن مكنون هذا الأمر ، فأبى اللّه عزّ و جلّ إلاّ اخفاءه ، هيهات علم مكنون ، أمّا وصيّتي : فلا تشركوا به شيئا ، و محمّد فلا تضيّعوا سنّته ، أقيموا هذين العمودين ، حمل كلّ امرئ منكم مجهوده ، و خفف عن الجهلة ربّ رحيم ، و دين قويم و إمام عليم ،

كنّا في اعصار و ذرى رياح ، تحت ظلّ غمامة اضمحل راكدها فخطها من الأرض إلى أن قال ليعظكم هدوّي و خفوت أطرافي ، إنّه أوعظ لكم من نطق البليغ ، ودّعتكم وداع امرئ مرصد للتلاق ، و غدا ترون و يكشف عن ساق ،

عليكم السلام إلى يوم المرام ، كنت بالأمس صاحبكم ، و اليوم عظة لكم ، و غدا افارقكم ، إن أفق فأنا وليّ دمي ، و ان أمت فالقيامة ميعادي ، و العفو أقرب للتقوى ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم و اللّه غفور رحيم٢ و نقل عن ( اثباته ) أيضا .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السلام قبل موته » لمّا حف به العواد و قيل له عليه السلام : أوص كما عرفته من خبر ( الكافي ) فقال عليه السلام : اثنوا لي و سادة

ــــــــــــ

 ( ١ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٣٦ .

 ( ٢ ) النور : ٢٢ .

٢٧

ففعلوا و في صبيحة ليلة ضربه ، كما عرفته من المسعودي .

قوله عليه السلام : « أيّها النّاس كلّ امرئ لاق ما يفرّ منه في فراره » قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل .١ و في سورة الجمعة قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم .٢ .

« و الأجل مساق النفس » فكلّ نفس نتنفّس خطوة إلى الموت .

« و الهرب منه موافاته » في ( تفسير القمي ) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : و رفعناه مكانا عليّا٣ : كان لملك منزلة أهبطه اللّه فأتى إدريس فشفع له ، فصلّى ثلاث ليال لا يفتر و صام ثلاثة أيام لا يفطر ، ثم طلب إلى اللّه في السحر له فأذن له في الصعود ، فقال الملك : أحبّ أن اكافيك بحاجة لك قال :

احب أن تريني ملك الموت لعلّي آنس به ، فليس يهنأني مع ذكره شي‏ء فبسط جناحيه و صعده فاستقبل ملك الموت بين السماء الرابعة و الخامسة ، فقال لملك الموت : أراك قاطبا ؟ قال : أتعجب ، كنت تحت ظل العرش حتى امرت أن أقبض روح إدريس بين السماء الرابعة و الخامسة فسمع إدريس بذلك فانتقض ، و قبض روحه مكانه .

و في السير : كان أبو مسلم يتجنّب الروم لأنّه سمع أنّ قتله في الروم ،

فذهب إلى رومية المدائن فقتله المنصور ثمة .

و كان المأمون سمع أنّ موته في الرقة ، فكان يتجنّب المقام برقّة العراق ، و لمّا غزا الروم و وصل إلى موضع مرض ، فسأل عن اسمه فقالوا :

الرقة فتيقّن أنّه موضع موته .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ١٦ .

 ( ٢ ) الجمعة : ٨ .

 ( ٣ ) مريم : ٥٧ .

٢٨

« كم أطردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر ، فأبى اللّه إلاّ إخفاءه » قال ابن أبي الحديد١ : مراده عليه السلام أنّ تفصيل موته كان عنده غير معلوم و اعترض عليه الخوئي بما رواه هو عنه عليه السلام : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي‏ء في ما بينكم و بين الساعة ، و لا عن فئة تهدي مائة و تضلّ مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها ، و قائدها و سائقها و مناخ ركابها و حط رحالها ،

و من يقتل من أهلها قتلا و من يموت منهم موتا » .

و بما رواه ( الكافي )٢ في باب : « إنّ الأئمة يعلمون متى يموتون » عن الحسن ابن جهم قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام عرف قاتله و الليلة التي يقتل فيها ، و قوله عليه السلام لمّا سمع صياح الأوز في الدار : « صوائح تتبعها نوائح » و قول امّ كلثوم : « لو صلّيت الليلة داخل الدار و أمرت غيرك يصلّي بالناس » فأبى عليها ، و كثر دخوله و خروجه تلك الليلة بلا سلاح و قد عرف أنّ ابن ملجم قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا لا يحسن تعرّضه فقال عليه السلام :

ذلك كان و لكنه عليه السلام خيّر ( خ ل ) حين في تلك الليلة لتمضي مقادير اللّه عز و جل .

قلت : الخبر لا ينافي الكلام ، فإنّ المراد من الخبر أنّ اللّه تعالى أخفى تفصيل الأمر عليه عليه السلام لتمضي مقاديره ، و يعقوب وجد ريح يوسف من مسافة بعيدة لمّا أراد اللّه تعالى وصله به ، و لم يره في بئر خارج بلده لمّا أراد اللّه تعالى فصله عنه .

و يشهد أيضا له ما رواه الصفار في ( بصائره )٣ عن إبراهيم بن أبي

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٢٠ .

 ( ٢ ) الكافي ١ : ٢٥٩ ح ٤ .

 ( ٣ ) البصائر للصفار : ٥٠١ ح ٣ .

٢٩

محمود ، قال قلت للرضا عليه السلام : الامام يعلم متى يموت ؟ قال : نعم قلت : أبوك حيثما بعث إليه يحيى بن خالد برطب و ريحان مسمومين علم به ؟ قال : نعم .

قلت : فأكله و هو يعلم فيكون معينا على نفسه فقال : يعلم قبل ذلك ليتقدّم في ما يحتاج إليه ، فاذا جاء الوقت ألقى اللّه على قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم .

و رواه في خبر آخر و فيه : أنساه لينفذ فيه الحكم .

و روى الكشي١ في عبد اللّه بن طاووس عنه عن الرضا عليه السلام في خبر ،

قال : قلت له : إنّ يحيى بن خالد سمّ أباك قال : نعم ، سمّه في ثلاثين رطبة قلت :

فما كان يعلم أنّها مسمومة ؟ قال : غاب عنه المحدّث قلت : و من المحدّث ؟ قال :

ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع النبيّ و هو مع الأئمة ، و ليس كلّما طلب وجد .

و قال المفيد في ( المسائل العكبرية ) : القول بأن أمير المؤمنين عليه السلام يعلم قاتله و الوقت الذي كان يقتل فيه ، فقد جاء الخبر متظاهرا أنّه كان يعلم في الجملة أنّه مقتول ، و جاء أيضا بأنّه يعلم قاتله على التفصيل ، فأمّا علمه بوقت قتله فلم يأت أثر على التحصيل ، و لو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنّه المعترضون ، إذ كان لا يمتنع أن يتعبّده اللّه تعالى بالصبر على الشهادة و الاستسلام للقتل ، ليبلغه بذلك علوّ الدرجات ما لا يبلغه إلاّ به ، بأنّه يطيعه في ذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يردها ، و لا يكون عليه السلام بذلك ملقيا بيده إلى التهلكة ،

و لا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول .

و قال الجزري في ( اسده )٢ بعد ذكر رواية أنّه عليه السلام كان ليلة عند الحسن عليه السلام و ليلة عند الحسين و ليلة عند عبد اللّه بن جعفر لإفطاره ، و لا يزيد

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكشي : ٦٠٤ ح ١٢٣ .

 ( ٢ ) الاسد للجزري ٤ : ٣٥ ٣٦ .

٣٠

على ثلاث لقم و يقول : « إنّما هي ليلة أو ليلتان يأتي أمر اللّه و أنا خميص » .

و رواية صيحة الأوز و طردهم لهن في تلك الليلة ، و قوله عليه السلام : « دعوهن فانهنّ نوائح » : و هذا يدلّ على أنّه عليه السلام علم السنة و الشهر و الليلة التي يقتل فيها .

و روى ( تنبيه البكري ) على أوهام القالي عن العباس بن ميمون عن سليمان ابن داود عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان ، قال : قال ابن سيرين :

ان كان يعلم أحد متى أجله فإنّ عليّ بن أبي طالب كان يعلم متى أجله و قال العباس : فحدّثت به ابن عايشة فقال : أنت تعلم يا بن أخي أنّه قاتل يوم الجمل فلم يتكلّم ، و يوم صفين فلم يتكلّم ، و لقد لقى ليلة الهرير ما لقى فلم يتخوّف و لم ينطق بشي‏ء ، فلمّا رجع إلى الكوفة بعد قتله الخوارج قال : ألا ينبعث أشقاها ليخضبن هذه من هذه ؟

و بالجملة إخباره عليه السلام بكون ابن ملجم قاتله متواتر ، كاخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له بذلك ، و من إخباره صلّى اللّه عليه و آله له بذلك في غزوة العشيرة ، ففي ( الطبري )١ عن عمار في خبر قال : نمنا في تلك الغزوة تحت صور من النخل في دقعاء من التراب ، فما أيقظنا إلاّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتانا و قد تتربنا في ذلك التراب ، فحرّك عليّا عليه السلام برجله و قال له : قم أبا تراب ألا اخبرك بأشقى النّاس ؟ أحمر ثمود عاقر الناقة و الذي يضربك على هذا يعني قرنه فتخضب هذه و أخذ بلحيته منها .

و مقتضى الجمع بين الأخبار ما في خبر الصفار .

« هيهات علم مخزون » الظاهر كونه إشارة إلى قوله تعالى : . و ما تدري نفس بأي أرض تموت .٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٤ .

 ( ٢ ) لقمان : ٣٤ .

٣١

« أمّا وصيّتي فاللّه لا تشركوا به شيئا » إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء .١ .

و سئل الباقر عليه السلام عن أدنى ما يكون به العبد مشركا به ، فقال : من قال للنواة : إنّها حصاة و للحصاة هي نواة ثم دان به .

و قال الصادق عليه السلام : لو أنّ قوما عبدوا اللّه تعالى و أقاموا الصلوة و آتوا الزكاة و حجّوا البيت و صاموا شهر رمضان ، ثم قالوا لشي‏ء صنعه اللّه تعالى أو نبيه : ألا صنع بخلاف الذي صنع ؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم ، لكانوا بذلك مشركين ثم تلا : فلا و ربّك لا يؤمنون حتى يحكموك . و يسلّموا تسليما٢ .

« و محمّدا صلّى اللّه عليه و آله فلا تضيّعوا سنته » قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : ليختلجنّ قوم من أصحابي دوني و أنا على الحوض ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فانادي : يا رب أصحابي أصحابي فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

و في ( الكافي )٣ عن الصادق عليه السلام : ما نعلم حجّا للّه غير المتعة ، إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا : ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك و يقول القوم : عملنا برأينا .

فيجعلنا اللّه و إيّاهم حيث يشاء .

« أقيموا هذين العمودين » للدين .

« و أوقدوا هذين المصباحين » للإسلام ، إشارة إلى أنّ الملّة الإسلامية منحصرة في التزام كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه فقط ، دون سنّة الشيخين كما يقول المخالفون و كان عليه السلام يقول ذلك أيّام حياته حتى ترك حقّه عليه السلام إتماما

ــــــــــــ

 ( ١ ) النساء : ٤٨ .

 ( ٢ ) النساء : ٦٥ .

 ( ٣ ) الكافي ٤ : ٢٩١ ح ٤ .

٣٢

للحجّة على بطلان سنتهما و عدم كونهما على الحقّ .

ففي ( الطبري )١ في الشورى : قال ابن عوف لعليّ عليه السلام : عليك عهد اللّه و ميثاقه لتعملن بكتاب اللّه و سنّة رسوله و سيرة الخليفتين من بعده .

فقال عليه السلام : أرجو أن أعمل بمبلغ علمي و دعا عثمان فقال له مثل ما قال لعليّ عليه السلام ، قال : نعم فبايعه ، فقال عليّ عليه السلام : حبوته حبوته ، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم علينا ، فصبر جميل .

و في ( الطبري )٢ أيضا في قصّة الخوارج : و لمّا خرجوا من الكوفة أتى عليّا عليه السلام أصحابه و شيعته فبايعوه و قالوا : نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت فشرط لهم فيه سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعميّ و كان شهد معه الجمل و صفّين و معه راية خثعم فقال عليه السلام : بايع على كتاب اللّه و سنّة رسوله فقال ربيعة : على سنّة أبي بكر و عمر فقال له عليّ : ويلك لو أنّ أبابكر و عمر عملا بغير كتاب اللّه و سنّة رسوله لم يكونا على شي‏ء من الحق فبايعه فنظر إليه عليّ عليه السلام و قال له : أما و اللّه لكأني بك و قد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت ، و كأنّي بك و قد وطئتك الخيل بحوافرها فقتل يوم النهروان مع خوارج البصرة .

و كذلك عترته ، ففي ( مقاتل أبي الفرج )٣ : أنّ معاوية أمر الحسن عليه السلام لمّا سلم الأمر إليه أن يخطب و ظنّ أنّه سيحصر ، فقال عليه السلام في خطبته :

إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه و سنّة نبيّه ، و ليس الخليفة من سار بالجور ،

ذلك ملك ملكا يتمتع فيه قليلا ثم تنقطع لذّته و تبقى تبعته و إن أدري لعلّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٣٣ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٦ .

 ( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٧ .

٣٣

فتنة لكم و متاع إلى حين١ .

و في ( الطبري )٢ : و في سنة ( ٤٠ ) بويع للحسن بالخلافة و قيل : إنّ أوّل من بايعه قيس بن سعد بن عبادة و قال له : ابسط يدك ابايعك على كتاب اللّه و قتال المحلين فقال له الحسن عليه السلام : على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ ذلك يأتي من وراء كلّ شرط فبايعه و سكت و بايعه الحسن عليه السلام .

هذا ، و أمّا ولايته عليه السلام و امامته فمن أعظم أركان كتاب اللّه و سنّة نبيّه ،

قال تعالى : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون٣ و قد اجمع أنّه عليه السلام هو الذي أقام الصلاة و آتى الزكاة راكعا .

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المتواتر بعد أن قرر النّاس على أنّه أولى بهم من أنفسهم : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه .

و في ( عيون ابن بابويه )٤ مسندا عن إسحاق بن راهويه و هو من علماء العامة ، روى عنه مسلم و البخاري و روي عنه من أقرانه أحمد بن حنبل ، قال :

لمّا وافي أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور ، و أراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له : يابن رسول اللّه ، ترحل عنّا و لا تحدّثنا بحديث نستفيده منك ؟ و كان قعد في العمارية فأطلع رأسه و قال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن عليّ يقول : سمعت أبي عليّ بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن عليّ يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأنبياء : ١١١ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٥٨ .

 ( ٣ ) المائدة : ٥٥ .

 ( ٤ ) العيون لابن بابويه ٢ : ١٣٤ ح ٤ .

٣٤

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : سمعت اللّه عز و جل يقول : « لا إله إلاّ اللّه حصني و من دخل حصني أمن من عذابي » قال : فلمّا مرت الراحلة نادانا : بشروطها و أنا من شروطها .

« و خلاكم ذم » مثل أول من قاله قصير حين أراد الاحتيال على الزباء لطلب ثأر جذيمة الأبرش منها ، فقال لابن اخته عمرو بن عدي : اجدع أنفي و اضرب ظهري و دعني و إيّاها فقال له عمرو و ما أنا بفاعل ذلك ، و لست أنت مستحقا لذلك : فقال له قصير : ( خلّ عنّي إذن و خلاك ذم .

ذكر ذلك الطبري١ و الكرماني قال : فذهبت مثلا و قال ابن ميثم٢ : قال قصير لعمرو : « اطلب الأمر و خلاكم ذم » و هو كما ترى .

« ما لم تشردوا » يقال : شرد البعير ، إذا نفر و المراد لا يحلّ بساحتكم ذم ما لم تتفرّقوا عن أهل بيت نبيّكم .

روى أبو الفرج في ( مقاتله )٣ بأسانيد عن سفيان بن الليل قال : أتيت الحسن عليه السلام حين بايع معاوية و قلت له : بأبي أنت و أمّي ، أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة ، و سلّمت الأمر إلى اللعين ابن اللعين ابن آكلة الأكباد و معك مائة ألف كلّهم يموت دونك ، و قد جمع اللّه لك أمر النّاس فقال : يا سفيان إنّا أهل البيت إذا علمنا الحق تمسكنا به ، و إنّي سمعت أبي يقول : سمعت النبيّ يقول : لا تذهب الليالي و الأيّام حتى تجتمع أمر هذه الامّة على رجل ، واسع السرم ، ضخم البلعوم ، يأكل و لا يشبع ، و لا ينظر اللّه إليه و لا يموت حتى لا يكون له في السماء ناصر و في الأرض عاذر و إنّه لمعاوية و إنّي عرفت

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٦٢٣ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٠ .

 ( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٤ .

٣٥

ان اللّه بالغ أمره .١ ثم قال : ما جاء بك يا سفيان ؟ قلت : حبّكم و الذي بعث محمّدا بالهدى و دين الحق قال : فأبشر يا سفيان ، فإنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول :

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : « يرد عليّ الحوض أهل بيتي و من أحبّهم من امتي كهاتين يعني : السبابة و الوسطى أحدهما تفضل على الاخرى » أبشر يا سفيان فإنّ الدنيا تسع البرّ و الفاجر ، حتى يبعث اللّه إمام الحق من آل محمّد .

« حمل كلّ امرئ منكم مجهوده » لا يكلّف اللّه نفسا إلاّ وسعها .٢ .

« و خفف عن الجهلة » فعنهم عليهم السلام : يغفر للجاهل سبعين زلّة قبل أن يغفر للعالم زلّة و يحتمل أن يكون المراد بالجهلة في كلامه ضعفة العقول ، و في الخبر : أنّ اللّه تعالى إنّما يداق العباد على قدر ما آتاهم من العقول .

« ربّ رحيم » . و لا تقتلوا أنفسكم ان اللّه كان بكم رحيما٣ ، . يريد اللّه بكم اليسر و لا يريد بكم العسر .٤ .

« و دين قويم » قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مستقيم دينا قيّما ملّة إبراهيم حنيفا .٥ ، . و ما جعل عليكم في الدين من حرج .٦ .

« و إمام عليم » في ( مقاتل أبي الفرج )٧ : استأذن صعصعة عليه عليه السلام عائدا ، فقال للاذن قل له عليه السلام : لقد كان اللّه في صدرك عظيما ، و لقد كنت بذات اللّه عليما فأبلغه عليه السلام الاذن مقالته ، فقال عليه السلام قل له : و أنت كنت خفيف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطلاق : ٣ .

 ( ٢ ) البقرة : ٢٨٦ .

 ( ٣ ) النساء : ٢٩ .

 ( ٤ ) البقرة : ١٨٥ .

 ( ٥ ) الأنعام : ١٦١ .

 ( ٦ ) الحج : ٧٨ .

 ( ٧ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٢ ٢٣ .

٣٦

المؤنة ، كثير المعونة .

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما روى الخطيب و غيره : أنا مدينة العلم و عليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها و كما روى ابن عساكر و غيره :

عليّ عيبة علمي و قال سلمان الفارسي له صلّى اللّه عليه و آله كما روى الطبراني في معجمه الكبير : يا رسول اللّه ، لكلّ نبي وصي فمن وصيّك ؟ فسكت عنه فلمّا كان بعد رآه قال : يا سلمان فأسرع إليه فقال : لبيك قال له : تعلم من وصيّ موسى ؟ قال : نعم ، يوشع قال له : لم ؟ قال : لأنّه كان أعلمهم يومئذ فقال له : فإنّ وصيي و موضع سرّي و خير من أترك بعدي ، ينجز عدّتي و يقضي ديني : عليّ بن أبي طالب .

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له كما روى الكنجي الشافعي : ليهنك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا و نهلته نهلا و قال ابن مسعود كما روى أيضا : انزل القرآن على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ و له ظهر و بطن ، و إنّ عليّا عليه السلام عنده علم الظاهر منه و الباطن .

و روى أيضا عن أبي الطفيل قال : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : سلوني عن كتاب اللّه ، فإنّه ليس من آية إلاّ و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم جبل .

و كان عليه السلام يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فأنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض ، و لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، و بين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى ينطق كلّ منها و يقول : حكم عليّ عليه السلام فيّ كما أنزل اللّه تعالى .

ثم العجب من إخواننا كيف رجّحوا الامام الجهول الذي لمّا أفحمته امرأة في أنفها فطس في صف النساء ، لمّا أوعد على الزيادة على مهر السنة

٣٧

بقوله تعالى : . و آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا .١ قال : « ألا تعجبون من امرأة أصابت و إمام أخطأ » على ذلك الإمام العليم ؟ كيف خالفوا فطرة العقول ؟ . أفمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فمالكم كيف تحكمون٢ . هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنّما يتذكر اولو الألباب٣ .

كما أنّ العجب منهم كيف تولوا تلك المرأة التي شمتت بموت هذا الامام و سجدت شكرا لقتله ، و مدحت قاتله أشقى الآخرين ؟

روى أبو الفرج في ( مقاتله )٤ عن إسماعيل بن راشد في اسناده قال : لمّا أتى عايشة نعي أمير المؤمنين عليه السلام تمثّلت :

فألقت عصاها و استقرّت بها النوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

ثم قالت : من قتله ؟ فقيل : رجل من بني مراد فقالت :

فإن يك نائيا فلقد بغاه

غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت ام سلمة : ألعليّ عليه السلام تقولين هذا ؟ فقالت : إذا نسيت فذكروني ثم تمثّلت :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق و كثرة الألقاب

حتى تركت كأنّ قولك فيهم

في كلّ مجتمع طنين ذباب

و رواه الطبري٥ مسندا عن أبي البختري قال : لمّا أن جاء عايشة قتل أمير المؤمنين عليه السلام سجدت .

ــــــــــــ

 ( ١ ) النساء : ٢٠ .

 ( ٢ ) يونس : ٣٥ .

 ( ٣ ) الزمر : ٩ .

 ( ٤ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٦ .

 ( ٥ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٥٠ .

٣٨

قلت : يقال لها : إذا نسيت جميع أقوال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له عليه السلام في ليله و نهاره إلى احتضاره ، كيف نسيت قوله صلّى اللّه عليه و آله فيه : « اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه » فإن كان أنساها ضغن غلا في صدرها ، كيف نسيه إخواننا ، و أنّه لا يمكن تولّي من عاداه اللّه بمقتضى معاداتها له ، و دعائه صلّى اللّه عليه و آله على معاديه عليه السلام ؟

« أنا بالأمس صاحبكم » و سلطانكم .

« و اليوم عبرة لكم » بما نزلي بي .

« و غدا مفارقكم » بالموت ، و في ( وصايا أبي حاتم السجستاني ) :

و أخبرونا لمّا غيّب الحسن أباه عليه السلام صعد المنبر يريد الكلام فخنقته العبرة ،

قال رجل : فرأيته كذلك و أنا في أصل المنبر أنظر إليه ، و كنت أنزر النّاس دمعة ما أقدر أن أبكي من شي‏ء ، فلمّا رأيت الحسن عليه السلام يريد الكلام تخنقه العبرة صرت بعد من أغزر النّاس دمعة ، ما أشاء أن أبكي من شي‏ء إلاّ بكيت قال : ثم إنّ الحسن عليه السلام انطلق قلت : أي لسانه فقال : الحمد للّه ربّ العالمين و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، نحتسب عند اللّه مصابنا بأبينا رسول اللّه فإنّا لن نصاب مثله أبدا ، و نحتسب عند اللّه مصابنا بخير الآباء بعد رسول اللّه ، ألا إنّي لا أقول فيه الغداة إلاّ حقّا ، لقد اصيبت به البلاد و العباد و الشجر و الدواب ، فرحم اللّه وجهه و عذّب قاتله .

هذا ، و في ( تاريخ بغداد )١ : لمّا احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين :

الموت فيه جميع الخلق مشترك

لا سوقة يبقى بينهم و لا ملك

ما ضر أهل قليل في تفاقرهم

و ليس يغني عن الأملاك ما ملكوا

ثم أمر بالبسط فطويت ، و ألصق خدّه بالأرض و جعل يقول : يا من

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ بغداد ١٤ : ١٩ .

٣٩

لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه .

و فيه : قال محمّد الواثقي : كنت أحد من مرّض الواثق في علّته إذ لحقته غشية فما شككنا أنّه قد مات ، فقال بعضنا لبعض : تقدّموا فاعرفوا خبره فما جسر أحد منهم يتقدّم فتقدّمت ، فلمّا صرت عند رأسه و أردت أن أضع يدي على أنفه اعتبر نفسه لحقته إفاقة ففتح عينيه ، فكدت أموت فزعا من أن يراني قد مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي ، فراجعت إلى خلف و تعلّقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس و عثرت به ، فاتكأت عليه فاندق و كاد أن يدخل في لحمي و يجرحني ، ثم خرجت فلبست منطقة اخرى و سيفا ، و جئت حتى وقفت في مرتبتي ساعة ، فتلف الواثق تلفا لم نشك فيه ، فتقدمت فشددت لحيه و غمضته و سجيته و وجهته إلى القبلة ، و جاء الفراشون فأخذوا ما تحته ليردّوه إلى الخزائن ، لأنّ جميعه مثبت علهيم ، و ترك وحده في البيت ، و قال لي ابن أبي داود القاضي : إنّا نريد أن نتشاعل بعقد البيعة ، و لا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت إلى أن يدفن ، فاحبّ أن تكون ذلك الرجل و كنت من أخصهم به في حياته ، و ذلك أنّه اصطنعني و اختصني حتى لقبني الواثقي باسمه ، فقلت :

دعوني و امضوا فرددت باب المجلس و جلست في الصحن عند الباب احفظه ،

و كان المجلس في بستان عظيم أجربة و هو بين بساتين ، فحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني ، فدخلت أنظر ما هي ؟ فإذا بجرذون من دوابّ البستان قد جاء حتى استلّ عين الواثق فأكلها ، فقلت : لا إله إلاّ اللّه ، العين التي فتحها منذ ساعة فاندق سيفي هيبة لها صارت طعمة لدابة ضعيفة و في ( تاريخ الجزري ) في وقايع سنة ( ٤٦٥ ) : في أوّل هذه السنة قصد ألب أرسلان ما وراء النهر ، فعقد على جيحون جسرا و عبر عليه في نيف و عشرين يوما ، و عسكره يزيد على مائتي ألف فارس ، فأتاه أصحابه

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608