• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43756 / تحميل: 5081
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

من يوم قدم مسكن شهد أبو سمر بن أبرهة و صعصعة بن صوحان و يزيد بن قيس و هياج بن أبي هياج ، و كتب عليّ بن أبي طالب بيداه لعشر خلون من جمادى الاولى ، سنة سبع و ثلاثين .

و رواه ( التهذيب )١ في أول وقوفه و صدقاته .

قول المصنف : « و من وصيّة له عليه السلام بما يعمل في أمواله » المفهوم من رواية ( الكافي ) و ( التهذيب ) المتقدمة أنّ بعض أمواله عليه السلام كان بينبع ، و بعضها بوادي القرى ، و بعضها بديمة و بعضها بآدينة ، و بعضها بالقصيرة أو الفقيرين ، على اختلاف ( التهذيب ) و ( الكافي ) ، و الصواب : الثاني .

ففي ( المعجم ) عن جعفر بن محمّد عليه السلام : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أقطع عليّا أربع أرضين : الفقيرين و بئر قيس و الشجرة .

و من صدقاته عليه السلام : سويقة ، فقال أبو الفرج : لمّا خرج محمّد بن صالح الحسني على المتوكّل فظفر به ، أخرب سويقة و هي منزل للحسنيين ، و هي من صدقات أمير المؤمنين عليه السلام و عقربها نخلا كثيرا و حرق منازل لهم بها ،

و أثر فيهم و فيها آثارا قبيحة .

و من صدقاته عليه السلام : ينبع ، ففي ( الكافي )٢ عن الصادق عليه السلام : قسم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الفي‏ء فأصاب عليّ عليه السلام أرضا ، فاحتفر بها عينا فخرج ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير فسمّاها ينبع ، فجاء البشير يبشر ، فقال عليه السلام : بشر الوارث هي صدقة بتة بتلاء في حجيج بيت اللّه و عابر سبيل اللّه .

و من صدقاته عليه السلام : داره في المدينة ، و كتب في وقتها : تصدّق بداره في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب و لا تورث ، حتى يرثها الذي يرث السماوات

ــــــــــــ

 ( ١ ) التهذيب ٩ : ١٤٦ ح ٦٠٨ ٥٥ ب الوقف .

 ( ٢ ) الكافي ٧ : ٥٤ ح ٩ .

١٠١

و الأرض ، و اسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين رواه ( الفقيه )١ .

و روى ابن طاووس٢ : إنّه عليه السلام وقف أمواله ، و كانت غلته أربعين ألف دينار ، و باع سيفه و قال : من يشتري سيفي ؟ و لو كان عندي عشاء ما بعته .

و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده )٣ أيضا بلوغ غلات صدقاته أربعين ألفا « كتبها بعد منصرفه من صفّين » انصرافه عليه السلام من صفّين كان في صفر ( ٣٧ ) فكان رحيلهم بعد كتابة الصلح .

و في ( الطبري )٤ : كتبت الصحيفة في ما قيل يوم الأربعاء ( ١٣ ) صفر سنة ( ٣٧ ) و منه يظهر أنّ الأصح في تاريخ الخبر سنة سبع و ثلاثين ، كما في ( الكافي ) دون تسع و ثلاثين ، كما في ( التهذيب ) .

و يشهد له أيضا قول المبرد في ( كامله )٥ : رووا أنّ عليّا عليه السلام لمّا أوصى إلى الحسن عليه السلام في وقف أمواله و أن يجعل فيها ثلاثة من مواليه ، وقف فيها عين أبي نيزر و البغيبغة ، هذا غلط لأنّ وقفه لهذين الموضعين لسنتين من خلافته .

قوله عليه السلام : « هذا ما أمر به عبد اللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ( ابن أبي الحديد )٦ و ليس في ( ابن ميثم )٧ كلمة « عبد اللّه » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الفقيه ٤ : ١٨٣ ح ٢٣ ب ١٢٨ .

 ( ٢ ) كشف المحجة لابن طاووس : ١٢٤ .

 ( ٣ ) ذكره المجلسي ٤١ : ٢٦ .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٦ ٥٧ .

 ( ٥ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٢ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٦ .

 ( ٧ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٥ .

١٠٢

« ابتغاء وجه اللّه ليولجه » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) و لكن في ( ابن ميثم١ و الخطية ) : « ليولجني » .

« به الجنة ، و يعطيه » و في ( ابن ميثم ) : « و يعطيني » .

« به » هكذا في ( المصرية ) و ليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« الامنة » في ( كامل المبرد )٢ قال أبو نيزر : جاءني عليّ عليه السلام و أنا أقوم بالضيعتين : عين أبي نيزر و البغيبغة إلى أن قال ثم أخذ عليه السلام المعول و عاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها و جعل يهمهم ، فانثالت كأنّها عنق جزور فخرج مسرعا فقال : اشهد اللّه أنّها صدقة ، عليّ بدواة و صحيفة فعجّلت بها إليه فكتب بعد البسملة : هذا ما تصدّق به عليّ أمير المؤمنين ، تصدّق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر و البغيبغة على فقراء أهل المدينة و ابن السبيل ،

ليقي اللّه بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة لا تباعا و لا توهبا حتى يرثهما اللّه و هو خير الوارثين إلاّ أن يحتاج إليهما الحسن و الحسين فهما طلق و ليس لأحد غيرهما فركب الحسين عليه السلام دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي الف دينار ، فأبى أن يبيع و قال : إنّما تصدّق بها أبي ليقي اللّه بها وجهه حرّ النار ، و لست بائعها بشي‏ء و صحّ عندي أنّ أبا نيزر من ولد النجاشي فرغب في الإسلام صغيرا ، فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأسلم و كان معه في بيوته ، فلمّا توفى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صار مع فاطمة و ولدها عليها السلام .

« منها » قد عرفت من الرواية ما حذف منها .

« و إنّه يقوم بذلك الحسن بن عليّ ، يأكل منه بالمعروف و ينفق في المعروف » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و ينفق منه في المعروف ) كما في ( ابن أبي

ــــــــــــ

 ( ١ ) ابن ميثم .

 ( ٢ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٣ .

١٠٣

الحديد١ و ابن ميثم و الخطية ) .

ثم قد عرفت أنّ رواية ( الكافي ) بدّلت قوله : « و ينفق في المعروف » بقوله :

« و ينفقه حيث يراه اللّه عز و جل ، في حل محلل لا حرج عليه فيه » و مثله ( التهذيب ) لكن فيه : « و ينفقه حيث يريد اللّه . » .

« فإن حدث بحسن حدث » أي : موت .

« و حسين حي ، قام بالأمر بعده و أصدره مصدره » في رواية ( الكافي ) و ( التهذيب ) بدّل قوله : « قام بالأمر بعده . » بقوله : « فإنّه إلى حسين بن عليّ و إنّ حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا ، و له مثل الذي كتبت للحسن و عليه مثل الذي على الحسن » .

« و إنّ لبني فاطمة » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( و إنّ لابني فاطمة ) كما في ( ابن أبي الحديد٣ و ابن ميثم )٤ و في رواية ( الكافي ) : « و ان لبني ابني فاطمة » .

« من صدقة عليّ مثل الذي لبني عليّ » و بنو عليّ عليه السلام من غير فاطمة عليها السلام العباس و جعفر و عبد اللّه و عثمان من امّ البنين بنت حزام الكلابي ، قتلوا مع الحسين عليه السلام بالطف ، و عبيد اللّه و أبوبكر من ليلى بنت مسعود النهشلي ، قتل عبيد اللّه بالمذار ، قتله أصحاب المختار ، و قتل أبوبكر بالطف ، و يحيى من أسماء بنت عميس ، و منها أيضا في قول عون ، و في آخر محمّد الأصغر ، و عمر من امّ حبيب بنت ربيعة التغلبية ، و محمّد الأوسط من امامة بنت ابن العاص

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٥ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٦ .

١٠٤

العبشمي كما في الطبري )١ و محمّد الأكبر و هو ابن الحنيفة من خولة بنت جعفر الحنفي ، و العقب إنّما كان لثلاثة منهم : ابن الحنفية و العباس و عمر .

« و إنّي إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه اللّه ، و قربة إلى رسول اللّه ، و تكريما لحرمته ، و تشريفا لوصلته » قال ابن أبي الحديد٢ : في هذا رمز و إزراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع وجود من يصلح للأمر منهم ، أي : كان الأليق بالمسلمين و الأولى أن يجعلوا الرياسة لأهله بعده قربة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكريما لحرمته و طاعة له ، و أنفة لقدره أن تكون ورثته سوقة يليهم الأجانب و من ليس من شجرته و أصله ، ألا ترى أنّ هيبة الرسالة و النبوّة في صدور النّاس أعظم إذا كان السلطان و الحاكم في الخلق من بيت النبوّة ، و ليس يوجد مثل هذه الهيبة و الجلال في نفوس النّاس إذا كان السلطان الأعظم بعيد النسب من صاحب الدعوة ؟

قلت : إنّ إخواننا بدّلوا الناموس الإلهي في الأنبياء و خلفائهم ، ألم يقل اللّه تعالى فيهم عامة : ذريّة بعضها من بعض٣ ؟

ألم يقل في ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع أبيهما و امهما : . إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا٤ ؟

ألم يقل فيهم : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين٥ ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٥٣ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٩ .

 ( ٣ ) آل عمران : ٣٤ .

 ( ٤ ) الأحزاب : ٣٣ .

 ( ٥ ) آل عمران : ٦١ .

١٠٥

ألم يقل نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ،

و أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، و ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا ؟

أو لم يقل نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح : من ركبها نجا و من تركها غرق ؟

إلى غير ذلك ممّا يكفي كلّ واحد منها في إتمام الحجّة عليهم .

و أمّا ما في ( الطبري )١ : « ذكر أنّ جندب بن عبد اللّه دخل على عليّ عليه السلام فقال له : إن فقدناك و لا نفقدك نبايع الحسن ؟ فقال : ما آمركم و لا أنهاكم ، أنتم أبصر » فالإمام إمام بايعه النّاس أم لم يبايعه كالنبيّ نبي بايعه النّاس أم لا ،

و إنّما البيعة التزام و تعهّد بنصرهم كما بايع الأنصار النبي صلّى اللّه عليه و آله ليلة العقبة ،

و كما بايعه المهاجرون و الأنصار تحت الشجرة ، مع أنّه عليه السلام قال لهم : « أنتم أبصر ، إنّا أهل بيت نبيّكم و انّا كنّا أحق من غيرنا » و علم عدم وفائهم ببيعتهم لو بايعوه ، كما لم يفوا ببيعته عليه السلام ، و كيف ، و نكث طلحة و الزبير من عشرتهم و ستتهم ببيعته عليه السلام .

و قد روى أبو الفرج في ( مقاتله )٢ : أنّ الحسن عليه السلام خطب النّاس بعد أبيه عليه السلام و قال لهم بعد وصف أبيه بأنّه كان يقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، و لم يسبقه الأوّلون بعمل و لا يدركه الآخرون بعمل :

أيّها النّاس ، من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا ، و من الذين

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٦ .

 ( ٢ ) مقاتل لأبي الفرج : ٣٢ ٣٣ .

١٠٦

افترض اللّه مودتهم في كتابه : . و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا .١ فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت .

و روى أبو الفرج أيضا : أنّ الحسن عليه السلام لمّا سلم الأمر إلى معاوية أمره أن يخطب و ظن انّه سيحصر ، فقال في خطبته : إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله ، و ليس الخليفة بالجائر ، ذلك ملك ملك ملكا يتمتّع فيه قليلا ثم تنقطع لذّته و تبقى تبعته : و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين٢ .

و روى : أنّ الحسن عليه السلام قال لسفيان بن الليل : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : « يرد عليّ الحوض أهل بيتي و من أحبّهم كهاتين يعني : السبابتين أو كهاتين يعني : السبابة و الوسطى إحدهما على الاخرى » أبشر يا سفيان فإنّ الدنيا تسع البرّ و الفاجر حتى يبعث اللّه إمام الحق من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله .

و روى أبو الفرج : أنّ الحسن عليه السلام كتب إلى معاوية كتابا و في كتابه بعد ذكر وفاة جدّه صلّى اللّه عليه و آله و دفع قريش باقي العرب عن ادّعاء خلافته بكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قريش : ثم حاججنا قريشا بمثل ما حاجّت به العرب فلم تنصفنا قريش انصاف العرب لها ، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف و الاحتجاج ، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أولياؤه إلى محاجتهم و طلب النصف منهم ، باعدونا و استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا ، فالموعد اللّه و هو الولي النصير ، و قد تعجّبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا و سلطان نبينا إلى أن قال كتب معاوية في جوابه : رأيتك صرّحت بتهمة أبي بكر الصدّيق و عمر الفاروق و أبي عبيدة الأمين . فتنبّه لحقيقة الأمر إن كنت لا تتناوم .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الشورى : ٢٣ .

 ( ٢ ) الأنبياء : ١١١ .

١٠٧

و روى محمّد بن يعقوب في ( كافيه )١ مسندا عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : فرض اللّه على العباد خمسا أخذوا أربعا و تركوا واحدة إلى أن قال بعد ذكر الأربع : الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج التي أخذوها ،

و الواحدة التي تركوها : الولاية ، و أنّ عليّا لمّا حضره الموت دعا ولده :

و كانوا اثني عشر ذكرا فقال لهم : يا بني إنّ اللّه تعالى قد أبى الاّ أن يجعل فيّ سنة من يعقوب ، و إنّ يعقوب دعا ولده و كانوا اثنى عشر ذكرا فأخبرهم بصاحبهم ، ألا و إنّي اخبركم بصاحبكم : ألا إنّ هذين الحسن و الحسين ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاسمعوا لهما و أطيعوهما و وازروهما ، فإنّي قد ائتمنتهما على ما ائتمنّي عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من دينه الذي ارتضاه لنفسه .

هذا و في ( الإرشاد )٢ عن الزبير بن بكار قال : كان الحسن بن الحسن واليا على صدقات عليّ عليه السلام في عصره ، فصار يوما الحجاج و هو إذ ذاك أمير المدينة فقال له الحجاج : أدخل عمر بن عليّ معك في صدقة أبيه فإنّه عمك و بقية أهلك فقال له الحسن : لا اغيّر شرط عليّ عليه السلام و لا ادخل فيها من لم يدخله فقال له الحجاج : إذن ادخله أنا معك فنكص الحسن عنه حين غفل ثم توجه إلى عبد الملك ، فوقف ببابه يطلب الإذن فمرّ به يحيى بن ام الحكم ، فسأله عن مقدمه فأخبره ، فقال له : إنّي سأنفعك عند عبد الملك فلمّا دخل الحسن على عبد الملك رحّب به ، و كان الحسن قد أسرع إليه الشيب ، و يحيى في المجلس ،

فقال له عبد الملك : لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمّد ، فقال له يحيى : و ما يمنعه ؟ شيّبه أماني أهل العراق ، يفد عليه الركب يمنونه الخلافة فأقبل إليه الحسن و قال له : بئس و اللّه الرفد رفدت ، ليس كما قلت و لكنّا أهل بيت يسرع

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ١ : ٢٩٠ ح ٦ .

 ( ٢ ) الإرشاد ٢ : ٢٣ .

١٠٨

إلينا الشيب و عبد الملك يسمع فأقبل عليه و قال له : هلمّ بما قدّمت له فأخبره بقول الحجاج ، فقال : ليس ذلك له ، سأكتب إليه كتابا لا يتجاوزه فكتب إلى الحجاج : و أحسن صلة الحسن فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى ، فقال له الحسن :

ما هذا الذي وعدتني به ؟ فقال يحيى : ايها عنك فو اللّه لا يزال يهابك ، و لو لا هيبتك ما قضى لك حاجة ، و ما ألوتك رفدا .

هذا ، و كما جعل عليه السلام أمر صدقاته إليهما عليهما السلام لكونهما ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إلى بنيهما بعدهما ، كذلك جعلت الصدّيقة عليها السلام أمر صدقاتها إليهما عليهما السلام و إلى بنيهما بعده عليه السلام : ففي ( الكافي )١ عن أبي بصير : قال لي أبو جعفر : ألا اقرئك وصيّة فاطمة عليها السلام ؟ قلت : بلى فأخرج كتابا فقرأه : هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوصت بحوايطها السبعة :

العواف و الدلال و البرقة و المثيب و الحسنى و الصافية و ما لام إبراهيم إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فان مضى عليّ عليه السلام فإلى الحسن عليه السلام فإن مضى الحسن عليه السلام فإلى الحسين عليه السلام فإن مضى الحسين ، فإلى الأكبر من ولدي ،

شهد اللّه على ذلك و المقداد بن الأسود و الزبير بن العوام ، و كتب عليّ بن أبي طالب .

« و يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله » حسب قضية الوقف .

« و ينفق من ثمره حيث أمر به ، و هدي له » و الوقف على حسب ما يوقفها صاحبها .

« و ألاّ يبيع من أولاد نخيل هذه القرى » ينبع و ديمة و وادي القرى و غيرها .

« وديّة » أي : نخلة صغيرة .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٧ : ٤٨ ح ٥ .

١٠٩

« حتى تشكل أرضها غراسا » و قد فسّره المصنّف .

« و من كان من إمائي اللائي أطوف عليهن » قال الواقدي كما في ( تذكرة السبط : ترك عليّ عليه السلام أربعة حرائر : امامة و أسماء و امّ البنين و ليلى التميمية ، و ثماني عشرة امّ ولد .

« لها ولد أو هي حامل فتمسك » بلفظ المجهول ، أي : تحبس تلك السرية .

« على ولدها » أي : تباع عليه .

« و هي من حظّه » قد عرفت أنّ رواية الكليني : فان ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبع عشرة منهنّ امّهات أولاد معهن أولادهن ، و منهنّ حبالى ، و منهنّ من لا ولد له ، فقضائي فيهنّ إن حدث بي أنّه من كان منهنّ ليس لها ولد و ليست بحبلى ، فهي عتيق لوجه اللّه عز و جل ، ليس لأحد عليهنّ سبيل ، و من كان منهنّ لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها ، و هي من حظه فأسقط المصنّف على تلك الرواية بين قوله : « أطوف عليهن » و قوله : « لها ولد » فقرات .

هذا ، وعد مصعب الزبيري في ( نسب قريشه ) إحدى عشرة بنتا بناته عليه السلام كلّ واحدة لامّ ولد ، و هن : زينب الصغرى و امّ كلثوم الصغرى و رقية و امّ هاني و امّ الكرام و امّ جعفر و اسمها جمانة و امّ سلمة و ميمونة و خديجة و فاطمة و امامة كما أنّه عد في بنيه عليه السلام محمّد الأصغر ، و قال : درج .

و لابد بمقتضى كلامه عليه السلام أنّ بعضا من البنات كانت وقت وفاته عليه السلام حملا ،

و لم يعيّن ذلك في التاريخ .

و لا يبعد أن يكون ثماني عشر في خبر الواقدي المتقدّم مصحف « اثنتي عشرة » فيتّفق كلام الواقدي و الزبيري .

ثم إذا كانت اثنتا عشرة من إمائه امّهات أولاد وقت وفاته عليه السلام و كان الجميع سبع عشرة ، تكون خمس منهنّ غير ذات ولد و غير حامل ،

١١٠

أعتقهن عليه السلام معجلات بمقتضى تلك الرواية .

« فإن مات ولدها و هي حيّة فهي عتيقة ، قد افرج عنها الرّق ، و حررها العتق » و ليست كالتي مات ولدها في حياة سيدها تعود رقا ، و أمّا ما نسبوا إليه عليه السلام من بيع امّهات الأولاد بعد مواليهن فبهتان ، و إنّما فعل عليه السلام ذلك في من اشترى جارية نسيّة و أولدها ، و مات و لم يخلف بقدر ثمنها ، فتباع في ثمن رقبتها .

قول المصنف : « قال الرضي » هكذا في ( المصرية )١ و ليس من كلام المصنّف بدليل خلّو ( الخطية ) عنه ، و إنّما هو من انشاء الشرّاح ، و في ( ابن ميثم )٢ : « قال السيد » و في ( ابن أبي الحديد )٣ : « قال السيد الرضي » .

« قوله عليه السلام في هذه الوصيّة : ( أن ) » هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

( و ان ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« لا يبيع من نخيلها » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( من نخلها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« و ديّة الودية » هكذا في ( المصرية )٤ و الصواب : ( فإن الوديّة ) كما في ( ابن أبي الحديد٥ و ابن ميثم٦ و الخطية ) .

« الفسيلة » أي : صغير النخل ، و قالوا : الفحل من الفصيل و الفحال من الفسيل .

« و جمعها » ودي على وزن فعيل ، و الظاهر أنّ مراده بالجمع الجنس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٨ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٦ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٨ .

 ( ٦ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٦ .

١١١

« و قوله عليه السلام ( حتى تشكل أرضها غراسا ) هو » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « فهو » و حينئذ فهو بتوهم امّا ، ( ابن أبي الحديد ) :

« و في قوله عليه السلام : حتى تشكل أرضها غراسا هو » .

« من أفصح الكلام إلى و يشكل عليه أمرها و يحسبها غيره » قال جرير :

فما زالت القتلى تمج دماءها

بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

و الأشكل دم فيه بياض و حمرة سمّي به لالتباسه .

١١٢

الفصل السادس و الثلاثون في الموت

١١٣

مرّ في آخر عناوين النبوّة العامّة قوله : ( و لو أنّ أحدا يجد إلى البقآء سلّما و إلى دفع هول الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود ) إلى آخر ما مرّ ،

و فيه عناوين .

١

الخطبة ( ٢٠ ) و من كلام له عليه السلام :

فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ اَلْحِجَابُ وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ وَ هُدِيتُمْ إِنِ اِهْتَدَيْتُمْ وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ اَلْعِبَرُ وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اَللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ اَلسَّمَاءِ إِلاَّ اَلْبَشَرُ أقول : رواه ( الكافي ) في أواخر كتاب حجّته في ( باب ما يجب من حقّ

١١٤

الإمام و حقّ الرّعية ) مع زيادة و نقصان١ .

روي عن محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا عن هارون بن مسلم عن مسعدة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تختانوا ولاتكم و لا تغشّوا هداتكم و لا تجهّلوا أئمّتكم و لا تصدعوا عن حبلكم فتفشلوا و تذهب ريحكم ، و على هذا فليكن تأسيس أموركم ، و ألزموا هذه الطريقة فإنّكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم ممّن خالف ما تدعون إليه ، لبدرتم ، و خرجتم و لسمعتم ، و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا ، و قريب ما يطرح الحجاب و قال ( الخوئي ) : المستفاد من الكافي أنّ هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة٢ و هو كما ترى .

« فإنّكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم و وهلتم » بكسر الهاء أي :

فزعتم ، و في ( الصحاح ) : و هل يوهل ، و هو وهل ، و مستوهل ، قال القطامي يصف إبلا٣ :

و ترى لجيضتهنّ عند رحيلنا

و هلا كأنّ بهنّ جنّة أولق٤

روى ( الكافي )٥ في نوادر جنائزه عن السّكوني عن الصادق عليه السلام : إنّ الميّت إذا حضره الموت أوثقه ملك الموت و لو لا ذلك ما استقرّ٦ .

و روى٧ عن الصادق عليه السلام أيضا في خبر في سؤال الملكين بعد ذكر

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ، الكليني ١ : ٤٠٥ ح ٣ .

 ( ٢ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٣ : ٢٩٩ الخطبة ٢٠ .

 ( ٣ ) الصحاح للجوهري مادة ( وهل ) .

 ( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٢ : ٤٢٦ .

 ( ٥ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٥٠ ح ٢ .

 ( ٦ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٥٠ ح ٢ .

 ( ٧ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٣٩ ح ١٢ .

١١٥

سؤال المؤمن قال : و ينادي مناد كذب عبدي ، افرشوا له في قبره من النار و ألبسوه من ثياب النار ، و افتحوا له بابا من النار حتى يأتينا و ما عندنا شرّ له ،

فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات ، ليس منها ضربة إلاّ تطاير قبره نارا ، لو ضربت بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما ثمّ قال عليه السلام : و يسلّط اللّه عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا ، و يسمع عذابه من خلق اللّه إلاّ الجنّ و الإنس ، قال :

و إنّه ليسمع خفق نعالهم و نفض أيديهم و هو قوله عزّ و جلّ : يثبّت اللّه الذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا و في الآخرة و يضلّ اللّه الظالمين .١ .

و روى عنه عليه السلام : أنّه سئل عن المصلوب يصيبه عذاب القبر ؟ فقال : انّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء فيوحي اللّه عزّ و جلّ الى الهواء ، فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر٢ .

و روى عنه عليه السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام اشتكى عينه فعاده النّبي صلّى اللّه عليه و آله فإذا هو يصيح فقال له : أجزعا أم و جعا ؟ فقال : ما وجعت قطّ أشدّ منه فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر ، نزل و معه سفّود من نار ،

فينزع روحه به فتصيح جهنّم فاستوى عليّ عليه السلام جالسا فقال : يا رسول اللّه أعد عليّ حديثك فلقد أنساني وجعي ، هل يصيب ذلك أحدا من امّتك ؟ قال : نعم ،

حاكم جائر ، و آكل مال اليتيم ظلما ، و شاهد زور٣ .

و عن أبي جعفر عليه السلام : أنّ فتية من أولاد ملوك بني اسرائيل كانوا متعبّدين ، و كانت العبادة فيهم ، و انّهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا ،

فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه الساقي ليس يتبيّن منه إلاّ رسمه ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٣٩ ح ١٢ ، و الآية ٢٧ من سورة إبراهيم .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٤١ ، ح ١٧ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٣ ح ١٠ .

١١٦

فقالوا : لو دعونا اللّه الساعة ، فينشر لنا صاحب هذا القبر ، فسألناه كيف وجد طعم الموت ؟ فدعوا اللّه ( الى أن قال ) : فخرج رجل أبيض الرأس و اللّحية ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره الى السماء ، فقال لهم : ما يوقفكم على قبري ؟ فقالوا : دعوناك فنسألك ، فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسع و تسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت و كربه ، و لا خرج مرارة طعم الموت من حلقي فقالوا له : أنت يوم متّ على ما نرى أبيض الرأس و اللّحية ؟ قال : لا ، و لكن سمعت الصيحة ، اخرج ، و اجتمعت تربة عظامي الى روحي خرجت فزعا شاخصا بصري مهطعا الى صوت الدّاعي فابيّض لذلك رأسي و لحيتي١ و في ( عرائس الثعلبي ) : أنّ يحيى بعد لبسه برنس الصّوف ، و مدرعة الشّعر و إقباله على العبادة حتى أكلت المدرعة لحمه ، نظر الى نحل جسمه فبكى ، فأوحى تعالى إليه : أتبكي على ما نحل من جسمك ؟ و عزّتي و جلالي لو اطّلعت على النّار اطّلاعة لتدرّعت مدارع الحديد فضلا عن المسوح فبكى حتى أكل الدّمع لحم خدّيه و بدت أضراسه٢ .

« و لكن محجوب عنكم ما عاينوا » مرّ في خبر ( و يسمع عذابه من خلق اللّه إلاّ الجن و الإنس )٣ و كان عليه السلام نفسه يقول : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا٤ و كان عليه السلام يعبد اللّه تعالى عبادة رجل وجهه بين الجنّة و النّار .

« و قريب ما يطرح الحجاب » بوصول الموت ، فليس بين الإنسان و ما وعده اللّه من الثواب و العقاب إلاّ أن يبلغ النّفس الحلق ، و الموت قريب .

و في ( الأغاني ) : دخل أرطاة بن سهيّة على عبد الملك ، فقال له : كيف

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٦٠ ح ٣٨ .

 ( ٢ ) عرائس المجالس للثعلبي : ٣٧٧ و هو رواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله .

 ( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٤٠ ح ١٢ .

 ( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ٢٥٢ .

١١٧

حالك ؟ و قد كان اسنّ فقال : ضعفت أوصالي ، و قلّ مالي ، و قلّ منّي ما كنت أحبّ كثرته و كثر منّي ما كنت أحبّ قلّته قال : فكيف أنت في شعرك ؟ فقال :

و اللّه ما أطرب ، و لا أغضب ، و لا أرغب ، و لا أرهب و ما يكون الشعر إلاّ من نتائج هذه الأربع ، و على أنّي القائل :

رأيت المرء تأكله اللّيالي

كأكل الأرض ساقطة الحديد

و ما تبغي المنيّة حين تأتي

على نفس ابن آدم من مزيد

و أعلم أنّها ستكرّ حتّى

توفّي نذرها بأبي الوليد

فارتاع عبد الملك ثم قال : بل توفّي نذرها بك ويلك مالي و لك فقال : لا ترع ، فإنّما عنيت نفسي و كان أرطأة أيضا يكنّى أبا الوليد ، فسكن عبد الملك ، ثم استعبر باكيا ثم قال : أما و اللّه على ذلك ، لتلمّنّ بي١ .

و المراد ، أنّ بعد طرح الحجاب تعاينون ما عاينوا قال ابن أبي الحديد٢ :

هذا الكلام يدلّ على صحّة القول بعذاب القبر ، و أصحابنا كلّهم يذهبون إليه ،

و ان شنّع عليهم أعداؤهم من الأشعرية و غيرهم قال : و يمكن أن يعنى به ما كان يقوله عن نفسه أنّه لا يموت ميّت حتّى يشاهده حاضرا ، و الشّيعة تذهب الى هذا القول و تعتقده و تروى عنه عليه السلام شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بعينه و اسمه و ما فعلا

أقول للنّار و هي توقد

للعرض ذرية لا تقربي الرّجلا

ذريه لا تقربيه إنّ له

حبلا بحبل الوصيّ متّصلا٣

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ١٣ : ٣١ .

 ( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٢٩٨ .

 ( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٢٩٨ .

١١٨

قال : و ليس هذا بمنكر ، إن صحّ أنّه عليه السلام قاله عن نفسه ، ففي الكتاب العزيز ما يدلّ على أنّ أهل الكتاب لا يموت منهم ميّت حتّى يصدّق بعيسى عليه السلام ، و ذلك قوله تعالى : و إن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا١ .

قال كثير من المفسّرين : معنى ذلك أنّ كلّ ميّت من اليهود و غيرهم من أهل الكتب السالفة إذا احتضر رأى المسيح عليه السلام عنده فيصدّق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدّقا به٢ .

قلت : لم يرو الشيعة نفس الشعر له عليه السلام بل مضمونه ، و انّما نظّم الحميري مضمون كلامه عليه السلام فروى الشيخان ( المفيد و الطوسي ) باسنادهما عن جميل بن صالح عن الكلبي عن الأصبغ : أنّ الحارث دخل عليه عليه السلام و كانت له منزلة ، فقال عليه السلام له : و ابشرّك يا حارث تعرفني عند الممات ،

و عند الصراط ، و عند الحوض ، و عند المقاسمة ، قال : و ما المقاسمة ؟

قال عليه السلام : مقاسمة النار ، أقول : هذا وليّي فاتركيه ، و هذا عدوّي فخذيه ثمّ قال جميل : و أنشدني السيّد الحميري في ما تضمّنه هذا الخبر ثم نقل أبياته و أوّلها :

قول عليّ لحارث عجب

كم ثمّ أعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

و أنت عند الصّراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

اسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا٣

ــــــــــــ

 ( ١ ) النساء : ١٥٩ .

 ( ٢ ) مجمع البيان للطبرسي ٣ : ١٣٧ .

 ( ٣ ) الأمالي للمفيد : ٣ ح ٣ و نقله المجلسي في البحار ٦ : ١٧٩ ، و الأمالي للطوسي : ٦٢٥ ح ١٢٩٢ .

١١٩

و كيف كان ، قال محمد بن علي بن بابويه في ( اعتقاداته ) :

اعتقادنا في المساءلة في القبر أنّها حقّ لابدّ منها ، فمن أجاب بالصّواب فاز بروح و ريحان في قبره و جنّة نعيم في الآخرة ، و من لم يأت بالصّواب فله نزل من حميم في قبره و تصلية جحيم في الآخرة ، و أكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة ، و سوء الخلق ، و الاستخفاف بالبول ، و أشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل اختلاج العين ، أو شرطه حجّام ، و يكون ذلك كفّارة ما بقي عليه من الذّنوب التي تكفّرها الهموم و الغموم و الأمراض ، و شدّة الفزع عند الموت ، فانّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه عند ما فرغت النساء من غسلها ، و حمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها ، ثمّ وضعها و دخل القبر و اضطجع فيه ثمّ قام فأخذها على يديه ، و وضعها في قبرها ، ثمّ انكبّ عليها يناجيها طويلا و يقول لها : ابنك ، ابنك ثمّ خرج و سوّى عليها التراب ثم انكبّ على قبرها ، فسمعته و هو يقول : اللّهم إنّي استودعتها إيّاك ، ثمّ انصرف ،

فقال المسلمون : يا رسول اللّه انّا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم ، فقال : اليوم فقدت برّ أبي طالب إنّها كانت تكون عندها الشي‏ء فتؤثرني به على نفسها ، و ولدها و أنّي ذكرت القيامة و انّ الناس يحشرون عراة فقالت : و اسوأتاه فضمنت لها أن يبعثها اللّه كاسية و ذكرت ضغطة القبر فقالت : و اضعفاه و كفّنتها بقميصي و اضطجعت في قبرها لذلك ،

و انكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه ، و انّها سئلت عن ربّها فقالت : اللّه ،

و سئلت عن نبيّها فأجابت ، و سئلت عن وليّها و إمامها فارتجّ عليها فقلت لها :

« ابنك ابنك »١ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاعتقادات لابن بابويه : ٣٧ .

١٢٠