• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43728 / تحميل: 5079
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

هذا ، و رفع « قريب » لكونه خبرا لقوله : ( ما يطرح الحجاب ) بمعنى طرحه و يجوز نصب قريب بالمصدريّة بأن يكون الأصل ( و يطرح الحجاب قريبا ما ) .

« و لقد بصّرتم إن أبصرتم » و المراد : أنّه و ان كان ما توعدون به محجوبا عنهم بالعين إلاّ أنّهم قد انذروا به ، بما يرفع العذر و الإبصار قد يجي‏ء بمعنى البصيرة كما في قوله تعالى : فلما جاءتهم آيتنا مبصرة١ و قد يجيى‏ء بمعنى الرّؤية بالبصر كما في هذا المورد .

« و اسمعتم إن سمعتم و هديتم إن اهتديتم » و أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و احذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين٢ .

و في الأثر أنّ شابّا من الأنصار كان يأتي ابن عباس ، فيكرمه فقيل له :

إنّه شابّ سوء يأتي القبور فينبشها بالليالي ، فقال : إذا كان ذلك فأعلموني ،

فخرج الشابّ في بعض الليالي يتخلّل القبور ، فأعلم ابن عباس ، فخرج لينظر ما يكون من أمره و وقف ناحية حيث لا يراه الشابّ ، فدخل قبرا قد حفر ، ثمّ اضطجع في لحده و نادى بأعلى صوته : يا ويلي إذا دخلت لحدي وحدي ،

و نطقت الأرض من تحتي و قالت : لا مرحبا بك و لا أهلا كنت أبغضتك و أنت على ظهري ، فكيف و قد صرت في بطني ، ويحي إذا نظرت الى الأنبياء وقوفا ،

و الملائكة صفوفا فمن عدلك غدا من يخلّصني ، و من المظلومين من يستنقذني ، و من عذاب النّار من يجيرني ؟ عصيت من ليس بأهل أن يعصى ،

عاهدت ربّي مرّة بعد اخرى ، فلم يجد عندي صدقا و لا وفاء ، قال : و جعل يردّد هذا الكلام و يبكي ، ثمّ خرج ، فلمّا خرج إلتزمه ابن عبّاس ، و عانقه ، ثم قال له : نعم

ــــــــــــ

 ( ١ ) النمل : ١٣ .

 ( ٢ ) المائدة : ٩٢ .

١٢١

النبّاش أنت ، ما أنبشك للذنوب و الخطايا١ .

« بحقّ أقول لكم لقد جاهرتكم العبر » في ( الصحاح ) : المجاهرة : المبادأة ،

و العبرة بالكسر ، الاسم من الاعتبار و مجاهرة العبر : مشاهدة الإنسان تقلّب الدنيا بأهلها صباحا و مساء ، و تغيّراتها ليلا و نهارا .

« و زجرتم بما فيه مزدجر » في ( الصحاح ) : الزّجر : المنع و النّهي ، يقال :

زجره و ازدجره فانزجر و ازدجر٢ الخ ، و الأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى :

و لقد جآءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر٣ و قال تعالى بعد قصّة كلّ من قوم نوح و عاد و ثمود و لوط : و لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر٤ .

« و ما يبلّغ عن اللّه بعد رسل السّماء إلاّ البشر » أي : رسل الأرض و خلفاؤهم و قالوا لولا انزل عليه ملك و لو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون ، و لو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون٥ .

٢

الخطبة ( ٦٢ ) و من خطبة له عليه السلام :

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَ بَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَ اِبْتَاعُوا مَا يَبْقَى بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ وَ تَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ وَ اِسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ وَ كُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا وَ عَلِمُوا أَنَّ اَلدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للصدوق : ١٩٩ ، و نقله المجلسي في البحار ٦ : ١٣٠ ح ٢٤ .

 ( ٢ ) الصحاح للجوهري : مادة ( زجر ) .

 ( ٣ ) القمر : ٤ و ٥ .

 ( ٤ ) القمر : ١٥ ١٧ ٢٢ ٣٢ .

 ( ٥ ) الأنعام : ٨ و ٩ .

١٢٢

فَاسْتَبْدَلُوا فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَ مَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَ اَلْجَنَّةِ أَوِ اَلنَّارِ إِلاَّ اَلْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ وَ إِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اَللَّحْظَةُ وَ تَهْدِمُهَا اَلسَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ اَلْمُدَّةِ وَ إِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ اَلْجَدِيدَانِ اَللَّيْلُ وَ اَلنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ اَلْأَوْبَةِ وَ إِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ اَلشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ اَلْعُدَّةِ فَتَزَوَّدُوا فِي اَلدُّنْيَا مِنَ اَلدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَ قَدَّمَ تَوْبَتَهُ وَ غَلَبَ شَهْوَتَهُ فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَ أَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ وَ اَلشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيِّنُ لَهُ اَلْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا وَ يُمَنِّيهِ اَلتَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا حَتَّى تَهْجُمَ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً وَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى شِقْوَةٍ نَسْأَلُ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ وَ لاَ تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ وَ لاَ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ اَلْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَ لاَ كَآبَةٌ أقول : نسبها ابن قتيبة في ( عيونه ) الى المأمون في خطبة الجمعة١ و تبعه ابن عبد ربّه في ( عقده ) إلاّ انّه بعد نقل ذلك عنه عليه السلام يعلم أنّ المأمون حفظها من خطبه كما كان غيره من الخطباء يحفظون خطبه عليه السلام ، و يخطبون بها و عدم النّسبة أعمّ ، و هذا نظير أن يخطب الخطباء بعد تأليف النّهج بخطبه بدون نسبة٢ .

« و اتّقوا اللّه عباد اللّه » ذكر عباد اللّه لبيان وجوب اتّقائه تعالى ، فانّ العبد يجب عليه اتّقاء مولاه و الأمر باتّقائه تعالى في الكتاب العزيز كثير ، منها :

ــــــــــــ

 ( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢٥٣ .

 ( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢ : ١٨٠ .

١٢٣

و اتّقوا اللّه الذي إليه تحشرون١ . و اتّقوا اللّه الذي أنتم به مؤمنون٢ . و اتقوا اللّه إن كنتم مؤمنين٣ . و اتّقوا اللّه إنّ اللّه خبير بما تعملون٤ . و اتقوا اللّه ان اللّه سريع الحساب٥ . و اتقوا اللّه ان اللّه شديد العقاب٦ . و اتقوا اللّه لعلّكم ترحمون٧ . و اتقوا اللّه لعلّكم تفلحون٨ .

« و بادروا آجالكم بأعمالكم » و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرجتني إلى أجل قريب فأصّدّق و أكن من الصالحين ، و لن يؤخّر اللّه نفسا إذا جاء أجلها و اللّه خبير بما تعملون٩ .

و اتّبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه و إن كنت لمن السّاخرين ، أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين ، أو تقول حين ترى العذاب لو انّ لي كرّة فأكون من المحسنين ، بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين١٠ .

« و ابتاعوا ما يبقى بما يزول عنكم » ابتاعوا هنا : أمر ، و إن كان لفظ الماضي مثله ، و الأصل فيه إفتعلوا بالكسر و أصل الماضي أفتعلوا بالفتح ما عندكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المائدة : ٩٦ .

 ( ٢ ) المائدة : ٨٨ .

 ( ٣ ) المائدة : ٥٧ .

 ( ٤ ) المائدة : ٨ .

 ( ٥ ) المائدة : ٤ .

 ( ٦ ) المائدة : ٢ .

 ( ٧ ) الحجرات : ١٠ .

 ( ٨ ) آل عمران : ٢٠٠ .

 ( ٩ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

 ( ١٠ ) الزمر : ٥٥ ٥٩ .

١٢٤

ينفد و ما عند اللّه باق .١ و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٢ و الباقيات الصالحات خير عند ربّك ثوابا و خير أملا٣ .

« و ترحّلوا فقد جدّ بكم » قال ابن أبي الحديد٤ : جدّ بفلان إذا ازعج و حثّ على الرّحيل .

قلت : لم يذكر ما قاله لغة ، و الأقرب انّه نظير قوله تعالى : إنّه لقول فصل ، و ما هو بالهزل٥ أي : ما قيل لكم من المبادرة و ابتياع الباقي و الترحّل ، عن جدّ لا هزل .

« و استعدّوا للموت فقد أظلّكم » في الديوان المنسوب إليه عليه السلام :

الام تجرّ أذيال التّصابي

و شيبك قد نضا برد الشباب

بلال الشّيب في فوديك نادى

بأعلى الصوت حيّ على الذّهاب

خلقت من التراب و عن قريب

تغيّب تحت أطباق التراب

طمعت إقامة في دار ظعن

و لا تطمع فرجلك في الرّكاب

و أرخيت الحجاب فسوف يأتي

رسول ليس يحجب بالحجاب

أعامر قصرك المرفوع أقصر

فانّك ساكن القبر الخراب٦

و للأخطل :

و نفس المرء ترصدها المنايا

و تحدّ رحوله حتى يصابا

إذا أمرت به التفت عليه

أحدّ سلاحها ظفرا و نابا

ــــــــــــ

 ( ١ ) النحل : ٩٦ .

 ( ٢ ) الأنعام : ٩٤ .

 ( ٣ ) الكهف : ٤٦ .

 ( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٤٦ .

 ( ٥ ) الطارق : ١٣ ١٤ .

 ( ٦ ) الديوان المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام : ٨٣ .

١٢٥

و اعلم أنّني عمّا قليل

ستكسوني جنادل أو ترابا١

« و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا » فانتبهوا بفتح الباء و لا تكونوا كالّذين قال تعالى فيهم : و لو أنّنا نزّلنا اليهم الملائكة و كلّمهم الموتى و حشرنا عليهم كلّ شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا .٢ .

لنا ملك ينادي كلّ يوم

لدوا للموت و ابنوا للخراب٣ .

و لنعم ما قيل بالفارسيّة :

مرا در منزل جانان چه جاى امن چون هر دم

جرس فرياد ميدارد كه بربنديد محملها

٤ « و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا » قال مؤمن آل فرعون لقومه :

يا قوم إنّما هذه الحياة الدنيا متاع و إنّ الآخرة هي دار القرار٥ ، و قال صالح عليه السلام لقومه : أتتركون في ما ها هنا آمنين ، في جنّات و عيون ، و زروع و نخل طلعها هضيم ، و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين ، فاتّقوا اللّه و أطيعون ،

و لا تطيعوا أمر المسرفين ، الّذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون٦ .

« فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا » أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا و أنّكم إلينا لا ترجعون٧ .

« و لم يترككم سدى » في ( الصحاح ) : السّدى بضمّ السين : المهمل ، يقال إبل

ــــــــــــ

 ( ١ ) ديوان الأخطل : ٥٤ .

 ( ٢ ) الأنعام : ١١١ .

 ( ٣ ) بحار الأنوار للمجلسي ٨٢ : ١٨٠ .

 ( ٤ ) ديوان حافظ الغزل : ١ .

 ( ٥ ) المؤمنون : ٣٩ .

 ( ٦ ) الشعراء : ١٤٦ ١٥٢ .

 ( ٧ ) المؤمنون : ١١٥ .

١٢٦

سدى أي : مهملة ، و بعضهم يقول : سدى بالفتح .١ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من منيّ يمنى ثمّ كان علقة فخلق فسّوى فجعل منه الزّوجين الذكر و الانثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى٢ .

« و ما بين أحدكم و بين الجنّة و النّار إلاّ الموت أن ينزل به » أن ينزل به ، بدل اشتمال من الموت ، قال تعالى بعد ذكر نزول الموت بالإنسان : فأمّا إن كان من المقرّبين فروح و ريحان و جنّة نعيم ، و أمّا إن كان من أصحاب اليمين ،

فسلام لك من أصحاب اليمين ، و أما إن كان من المكذّبين الضّاليّن فنزل من حميم و تصلية جحيم ، إنّ هذا لهو حقّ اليقين٣ .

« و إنّ غاية تنقصها اللّحظة و تهدمها الساعة لجديرة بقصر المدّة » في ( الصحاح ) الغاية : مدى الشي‏ء ، و الجمع : غاي مثل ساعة ، و ساع٤ و الساعة :

الوقت الحاضر ، و الجمع : الساع و الساعات ، قال القطامي :

و كنّا كالحريق لدى كفاح

فيخبو ساعة و يهبّ ساعا٥

في ( المصباح ) : الساعة : الوقت من ليل أو نهار ، و العرب تطلقها و تريد بها الوقت٦ و الحين و إن قلّ و عليه قوله تعالى : لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون٧ و في ( الصحاح ) : فلان جدير بكذا ، أي : خليق٨ . .

شبّه عليه السلام بقاء الإنسان في الدّنيا بغاية قصيرة ، و بلغ من قصرها أن

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح للجوهري مادة ( سدا ) .

 ( ٢ ) القيامة : ٣٦ ٤٠ .

 ( ٣ ) الواقعة : ٨٨ ٩٥ .

 ( ٤ ) الصحاح للجوهري : مادة ( غيا ) .

 ( ٥ ) الصحاح ، مادة ( سوع ) كذلك لسان العرب لابن منظور ٦ : ٤٣١ .

 ( ٦ ) المصباح المنير للفيتوري : ٣٥٦ مادة ( سوع ) .

 ( ٧ ) الأعراف : ٣٤ .

 ( ٨ ) الصحاح مادة ( جدر ) .

١٢٧

تؤثر فيها اللحظة ، و في تفسير إنّما نعدّ لهم عدّا١ المراد : انّه تعالى يعدّ أنفاسهم الباقية في الدّنيا فلا يجاوزون نفسا ممّا قدّرت لهم ، و قال البحتري :

و ما لبث من يغدو و في كلّ لحظة

له أجل في مدّة العمر قاتل٢

« و انّ غائبا يحدوه » في ( الصحاح ) : الحدو : سوق الإبل و الغناء لها ، و قد حدوت الإبل حدوا و حداء ، و يقال للشّمال : حدواء لأنّها تحدو السّحاب أي تسوقه٣ ، الجديدان الليل و النهار في الصحاح قولهم : لا أفعله ما اختلف الجديدان و ما اختلف الأجدّان ، يعني الليل و النهار٤ .

و كلّ يوم مضى أو ليلة سلفت

فيها النفوس الى الآجال تزدلف٥

« لحريّ بسرعة الأوبة » في ( الصحاح ) : هو حري أن يفعل بالفتح أي : خليق و جدير ، لا يثنّى ، و لا يجمع ، و إذا قلت هو حر بكسر الراء أو حريّ على فعيل تثنيّت و جمعت ، و آب أي : رجع أوبا و إيابا و أوبة ، قال ابن أبي الحديد :

الغائب المشار إليه هو الموت و قيل : هو الإنسان يسوقه الجديدان الى الدار التي هي داره الحقيقيّة و هي الآخرة ، و هو في الدّنيا غائب على الحقيقة عن داره التي خلق لها٦ ، و قال ابن ميثم : المراد به الإنسان ، و أمّا الموت فلا يحتمله لفظ الأوبة لأنّه لم يكن ، حتّى يرجع٧ ، و قال ( الخوئي ) : لمّا كان الإنسان مسبوقا بالعدم ، سمّى حلول الموت بالأوبة ، إلاّ أنّ توصيفه بكون الليل

ــــــــــــ

 ( ١ ) مريم : ٨٤ .

 ( ٢ ) ديوان البحتري ٢ : ٥٨ يرثي أبا سعيد .

 ( ٣ ) الصحاح ، مادة ( حدا ) .

 ( ٤ ) الصحاح مادة ( جدد ) .

 ( ٥ ) المصدر نفسه مادة ( حرا ) .

 ( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٤٥ .

 ( ٧ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٥ .

١٢٨

و النهار حاديين له لا يخلوا عن بعد١ . .

قلت : التحقيق أنّ الإنسان لمّا كان خلق للموت ، فالموت من أوّل وجوده كان مقارنا له ، إلاّ أنّ الأجل أي : مدّة قدّر له فيها العيش في الدّنيا حال بينه و بينه ، فكانّه غاب بالأجل عنه ، فاذا حدا الجديدان الأجل يصدق سرعة أوبة الموت من غيبته و بالجملة كما أنّه عليه السلام شبّه في الفقرة السابقة مدّة بقاء الإنسان في الدنيا بغاية قصيرة جدا شبّه عليه السلام هنا الموت بمن غاب عنك من أعداءك ثم يرجع إليك سريعا بحدو الجديدين له ، و في عنوان وصيّته عليه السلام لابنه : و اعلم ، أنّ من كانت مطيّته الليل و النهار ، فانّه يسار به ، و إن كان واقفا ،

و يقطع المسافة و إن كان مقيما و ادعا .

« و إنّ قادما يقدم بالفوز و الشقوة » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « أو الشّقوة » ، كما في ( ابن أبي الحديد٣ و ابن ميثم٤ و الخطية )٥ .

« لمستحقّ لأفضل العدّة » قال ابن ميثم٦ : القادم : الإنسان حين يقدم على ربّه ، و تبعه ( الخوئي )٧ .

قلت : بل المراد به الموت أيضا ، فكما شبّهه فيما سبق تارة بغاية قصيرة و اخرى بغائب عنك يرجع إليك ، شبّهه عليه السلام هنا بمن يقدم عليك من محلّ آخر بالفوز إن أحسنت الإستعداد له ، و الشّقوة ، إن أسأت الإستعداد له قال تعالى :

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٤ : ٤٠٤ بتصرف .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة : ١٦٣ بلفظ ( أو الشقوة ) .

 ( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٤٥ .

 ( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٥ .

 ( ٥ ) النسخة الخطية : ٤١ .

 ( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٥ .

 ( ٧ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٤ : ٤٠٤ .

١٢٩

فامّا من أعطى و اتّقى ، و صدّق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى ، و أمّا من بخل و استغنى ، و كذّب بالحسنى ، فسنيسره للعسرى ، و ما يغني عنه ماله إذا تردّى١ .

يآ أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه ، فامّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ، و ينقلب إلى أهله مسرورا ، و أمّا من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا و يصلى سعيرا٢ .

« فتزّودوا في الدنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا » الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون٣ .

« فاتقى عبد ربّه » تفريع تبييني لتزوّد في اليوم يكون محرزا به النفس في الغد ، قال تعالى : و لتنظر نفس ما قدّمت لغد٤ ، و تزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى و اتقون يا أولي الألباب٥ يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون٦ و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيّا ، ثم ننجي الّذين اتّقوا و نذر الظالمين فيها جثيّا٧ لكن الذين اتّقوا ربهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند اللّه و ما عند اللّه خير للأبرار٨ لكن الذين اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف مبنيّة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الليل : ٥ ١١ .

 ( ٢ ) الانشقاق : ٦ ١٢ .

 ( ٣ ) الأنعام : ٨٢ .

 ( ٤ ) الحشر : ١٨ .

 ( ٥ ) البقرة : ١٩٧ .

 ( ٦ ) آل عمران : ١٠٢ .

 ( ٧ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

 ( ٨ ) آل عمران : ١٩٨ .

١٣٠

تجري من تحتها الأنهار وعد اللّه لا يخلف اللّه الميعاد١ و سيق الّذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا حتّى إذا جآءوها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و قالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبّوأ من الجنّة حيث نشآء فنعم أجر العاملين٢ هذا و قال ابن أبي الحديد : و روي « اتّقى عبد ربّه » بلا فاء ، بتقدير هلاّ .

قلت : إنّما معنى هلاّ مراد ، لا أنّه يقدّر لفظه « نصح نفسه » في ( الصّحاح ) عن ابن الأعرابي : نصحت الإبل الشّرب تنصح نصوحا ، إذا صدقته و أنصحتها أنا : أرويتها ، و أنشد :

هذا مقامي لك حتى تنصحي

ريّا ، و تجتازي بلاط الأبطح

و منه : التوبة النصوح و هي الصّادقة ، يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلائظ شداد لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون٣ .

« قدّم توبته » في نسخة ( ابن أبي الحديد )٤ ( و قدّم ) ، لكن في ( ابن ميثم )٥ و ( الخوئي )٦ بدون واو فيكون تفسيرا لنصح النفس ، و ليست التوبة .٧ يا أيها الذين آمنوا توبوا الى اللّه توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار .٨ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزمر : ٢٠ .

 ( ٢ ) الزمر : ٧٣ ٧٤ .

 ( ٣ ) التحريم : ٦ .

 ( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ٢٥٦ .

 ( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٥ ١٦٦ .

 ( ٦ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٤ : ٤٠٤ .

 ( ٧ ) النساء : ١٨ .

 ( ٨ ) التحريم : ٨ .

١٣١

« و غلب شهوته » هكذا في نسخة ( ابن أبي الحديد )١ و في ( ابن ميثم )٢ و ( الخوئي )٣ ، غلب شهوته ، و امّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى ، فإنّ الجنّة هي المأوى٤ .

« فإنّ أجله مستور عنه » و أجل مسمّى عنده٥ في ( الطبري ) : لمّا احتضر المعتصم جعل يقول : إنّي اخذت من بين هذا الخلق٦ .

« و أمله خادع له » ذرهم يأكلوا و يتمتّعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون٧ في ( الطبري ) : قال المعتصم : لو علمت أنّ عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت٨ ، و كان عمره ستّا و أربعين أو سبعا و أربعين أو ثمانيا و أربعين ، قال هو ثامن الخلفاء و الثّامن من ولد العبّاس و مات عن ثمانية بنين و ثماني بنات و ملك ثمان سنين و ثمانية أشهر « و الشيطان موكّل به » قال ابن ميثم٩ : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : ما من مولود يولد إلاّ و يولد معه قرين من الشّيطان .

قلت : و روى القمي١٠ ، في قوله تعالى : الوسواس الخنّاس الذي

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ٢٥٦ .

 ( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٦ .

 ( ٣ ) الخوئي ٤ : ٤٠٤ .

 ( ٤ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

 ( ٥ ) الأنعام : ٢ .

 ( ٦ ) تاريخ الأمم و الملوك للطبري ٥ : ٢٧١ .

 ( ٧ ) الحجر : ٣ .

 ( ٨ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٥ : ٢٧١ .

 ( ٩ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٦ .

 ( ١٠ ) تفسير القمي ١ : ٤٥٠ .

١٣٢

يوسوس في صدور الناس١ ، للشيطان على قلب ابن آدم خرطوم مثل خرطوم الخنزير ، يوسوس لابن آدم إذا أقبل على الدّنيا و ما لا يحبّ اللّه ، فاذا ذكر اللّه تعالى انخنس ، ( يريد يرجع ) ثم أخبر أنّه من الجنّ و الإنس فقال : من الجنّة و النّاس٢ قال : و قال أيضا : ما من قلب إلاّ و له اذنان على إحديهما ملك مرشد ، و على الاخرى شيطان مفتّن ، هذا يأمره ، و هذا يزجره ، و كذلك من النّاس شيطان يحمل النّاس على المعاصي كما يحمل الشّيطان من الجنّ٣ .

و في الخبر : إنّ إبليس تراءى لموسى عليه السلام في الطّور حين أراد مناجاة اللّه تعالى فقال له : أتطمع فيّ و أنا في هذا المقام ؟ قال : نعم كما طمعت في أبيك آدم و هو في الجنّة .

« يزيّن له المعصية ليركبها » و لعلّه محرّف ( ليرتكبها ) ، قال ربّ بما أغويتني لأزيّننّ لهم في الأرض و لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط عليّ مستقيم إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين و إنّ جهنّم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم٤ تاللّه لقد أرسلنا الى امم من قبلك فزيّن لهم الشيطان أعمالهم فهو وليّهم اليوم و لهم عذاب أليم٥ .

« و يمنيّه التّوبة ليسوّفها » في ( الصحاح ) : تقول : سوّفته ، إذا قلت له مرّة بعد مرّة ( سوف أفعل ) ، و قولهم : فلان يقتات السّوف ، أي : يعيش بالأماني ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الناس : ٤ ٥ .

 ( ٢ ) الناس : ٦ .

 ( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٤٥٠ كذلك أورده الكليني في الكافي ٢ : ٢٦٦ و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٦٣ : ٢٠٥ .

 ( ٤ ) الحجر : ٣٩ ٤٤ .

 ( ٥ ) النحل : ٦٣ .

١٣٣

و حكى أبو زيد سوّفت الرّجل أمري إذا ملّكته أمرك .١ .

قال ابن أبي الحديد : و قد روى « ليسوّفها » بكسر الواو و فتحها ،

و الضمير في الرواية الاولى يرجع إلى نفسه ، و قد تقدّم ذكرها بكلمات يسيرة .

و يجوز أن يعني به : ليسوّف التوبة ، إلى أن قال : و من روى بفتح الواو جعله فعل ما لم يسمّ فاعله ، و تقديره : و يمنّيه الشّيطان التوبة ، أي : يجعلها في امنيّته ليكون مسوّفا إيّاها ، أي : يعدّ من المسوّفين المخدوعين٢ . .

قلت : بل يتعيّن كون ( ليسوّفها ) بكسر الواو بصيغة المعلوم كما في ( ليركبها ) في الفقرة قبل ، و إنّما المعنى ليسوّف التوبة ، و إنّما وقع ابن أبي الحديد في هذا الحيص بيص أنّه رأى أنّ ( الصحاح ) قال : سوّفته . كما مرّ فتوهّم أنّ التوبة لم يمكن أن تكون مسوّفة ، بل يسوّف شخص بها و لذا قال بعد : و يجوز أن يعني به : ليسوّف التوبة ، كأنّه جعلها مخاطبة فيقول لها :

سوف أوقعك . فتكلّف تصحيحه بما قال ، مع أنّه لا دلالة في ( الصحاح ) على الحصر ، فكما يقال : سوّف فلان فلانا يقال : سوّف فلان الأمر الفلانيّ ، و أمّا قوله : ( من روى بفتح الواو ) . فمع كون ما قاله بلا محصّل ، يلزم أن يكون ( يسوّف ) متعدّيا إلى مفعولين مع انّه بمعنى ( سوف افعل ) يكون متعدّيا الى واحد ، و امّا بمعنى تمليك غيرك أمرك إن تحقّقت حكاية أبي زيد و إن كان متعدّيا الى مفعولين ، إلاّ أنّه لا ربط له هنا ، و كيف كان فروى الصّدوق٣ عن الصادق عليه السلام قال : لما نزلت و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم٤ صعد إبليس جبلا يقال له ( ثور ) فصرخ بأعلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح للجوهري مادة ( سوف ) .

 ( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٤٧ .

 ( ٣ ) المجالس للصدوق : ٢٩٧ و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٦٣ : ١٩٧ رواية ٦ باب ٣ .

 ( ٤ ) آل عمران : ١٢٥ .

١٣٤

صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا : يا سيّدنا لم دعوتنا ؟ قال : نزلت هذه الآية فمن لها ، فقام عفريت فقال : أنا لها بكذا و كذا قال : لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك ، فقال : لست لها ، فقام الوسواس الخنّاس ، و قال : أنا لها قال : بماذا ؟ قال :

أعدهم و امنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار ، فقال : أنت لها فوكّله بها إلى يوم القيامة١ .

« حتى تهجم منيّته عليه » في ( الصحاح ) : المنا : القدر ، و المنيّة : الموت ، لأنّها مقدّرة٢ .

« اغفل ما يكون عنها » قال ابن ميثم٣ : أغفل حال٤ ، و قال ( الخوئي ) :

منصوب بنزع الخافض ، أي : في أغفل حاله٥ .

قلت : بل الصواب كونه مفعولا فيه فلا يحتاج إلى تقدير ( في ) ، و قالوا في قولهم : ( إنتظرته صلاة العصر ) إنّ ( صلاة ) ، مفعول فيه ، أي : في وقت صلاة العصر ، و في قولهم : ( لا أكلّمك هبيرة بن قيس ) ( هبيرة ) مفعول فيه أي : مدّة غيبة هبيرة ، و أمّا الحاليّة ، فالحال يجب أن تكون نكرة و ( اغفل ما يكون عنها ) في معنى ( اغفل كونه عنهما ) .

« فيا لها حسرة على ذي غفلة » هكذا في ( المصرية )٦ و الصواب : ( على كلّ ذي غفلة ) كما في ( ابن أبي الحديد٧ و ابن ميثم٨ و الخطيّة )٩ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) المجالس للصدوق : ٢٩٧ نقله المجلسي في البحار ٦٣ : ١٩٧ ح ٦ .

 ( ٢ ) الصحاح للجوهري مادة ( ضا ) .

 ( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٦ .

 ( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ١٦٦ .

 ( ٥ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٤ : ٣٩٦ .

 ( ٦ ) شرح نهج البلاغة لمحمد عبده : ١٦٤ .

 ( ٧ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد بلفظ ( على ذي غفلة ) ٥ : ١٤٥ .

 ( ٨ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٣ : ١٦٦ .

 ( ٩ ) النسخة الخطية : ٤١ .

١٣٥

« أن يكون عمره عليه حجّة » يقال في ( يا ) هنا ، أنّها لنداء ما لا يجيب ، تشبيها بمن يعقل نحو قوله تعالى : يا حسرة على العباد .١ و زيادة الضمير مع الجار هنا للتعظيم و التعجب ، و قال ابن أبي الحديد : لها في ( فيالها ) امّا منادى مستغاث و إمّا مستغاث لأجله ، و المستغاث محذوف ، أي : أدعوكم أيّها الرّجال لتقضوا العجب من هذه الحسرة٢ .

قلت : الأحسن ألاّ يسمّى مثله مستغاثا به ، و لا لأجله بل هو للتعجّب ،

كقول الشاعر : ( يالك من قبّرة بمعمر ) فصرّح الجوهري بأنّه نداء تعجب ، قال ( الخوئي ) ( أن يكون ) بدل من ( كلّ ذي غفلة ) قلت : بل بدل من ( حسرة ) كما لا يخفى و كيف كان فقال تعالى : و أنيبوا الى ربّكم و أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون٣ ، و اتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه و ان كنت لمن السّاخرين٤ .

« و تؤدّيه أيّامه إلى شقوة » قال تعالى : و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنّا نعمل أو لم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر و جاءكم النّذير فذوقوا فما للظالمين من نصير٥ .

« نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا و إيّاكم ممّن لا تبطره نعمة » في ( الصحاح ) البطر : الأشر٦ ، و هو شدّة المرح ، و قد بطر بالكسر يبطر أي : بالفتح و أبطره

ــــــــــــ

 ( ١ ) يس : ٣٠ .

 ( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٤٧ .

 ( ٣ ) الزمر : ٥٤ .

 ( ٤ ) الزمر : ٥٥ ٥٦ .

 ( ٥ ) فاطر : ٣٧ .

 ( ٦ ) الصحاح للجوهري مادة ( بطر ) .

١٣٦

المال . قال تعالى : و كم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلاّ قليلا و كنّا نحن الوارثين١ .

« و لا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية » الغاية و ان كانت بمعنى النهاية ، إلاّ أنّ المراد بها ها هنا المقاصد و الثمرات ، لإنّها نهايات الأفعال و الأعمال ، قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحبّ اليكم من اللّه و رسوله و جهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره .٢ .

« و لا تحلّ به بعد الموت ندامة و لا كآبة » في ( المصباح ) : كئب يكأب من باب تعب كآبة بمدّ الهمزة ، و كأبا و كأبة مثل سبب و تمرة ، أي : حزن أشدّ الحزن٣ ،

قال تعالى : و لو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا ياليتنا نردّ و لا نكذّب بآيات ربّنا و نكون من المؤمنين٤ ، و لو ترى إذ وقفوا على ربّهم قال أليس هذا بالحقّ ؟ قالوا : بلى و ربّنا قال : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون٥ ، قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا سآء ما يزرون٦ ، و ما الحياة الدّنيا إلاّ لعب و لهو و للدّار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون٧ .

هذا و روى ( الإرشاد ) عنه عليه السلام خطبة اخرى و في ذيلها٨ ، جعلنا اللّه و إيّاكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) القصص : ٥٨ .

 ( ٢ ) التوبة : ٢٤ .

 ( ٣ ) المصباح المنير للفيتوري مادة ( كئب ) .

 ( ٤ ) الأنعام : ٢٧ .

 ( ٥ ) الأنعام : ٣٠ .

 ( ٦ ) الأنعام : ٣١ .

 ( ٧ ) الأنعام : ٣٢ .

 ( ٨ ) الإرشاد للمفيد : ٢٢٨ .

١٣٧

ممّن لا تبطره نعمة و لا تحلّ به بعد الموت نقمة فإنّما نحن به و له و بيده الخير و هو على كلّ شي‏ء قدير١ .

٣

الخطبة ( ٧٤ ) و من خطبة له عليه السلام :

رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى وَ دُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وَ عَمِلَ صَالِحاً اِكْتَسَبَ مَذْخُوراً وَ اِجْتَنَبَ مَحْذُوراً رَمَى غَرَضاً وَ أَحْرَزَ عِوَضاً كَابَرَ هَوَاهُ وَ كَذَّبَ مُنَاهُ جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ وَ اَلتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ رَكِبَ اَلطَّرِيقَةَ اَلْغَرَّاءَ وَ لَزِمَ اَلْمَحَجَّةَ اَلْبَيْضَاءَ اِغْتَنَمَ اَلْمَهَلَ وَ بَادَرَ اَلْأَجَلَ وَ تَزَوَّدَ مِنَ اَلْعَمَلِ أقول : كلّ فقرة من الخطبة و هي عشرون درّة يتيمة و جوهرة غالية ،

روى ( روضة الكافي ) في خطبة فيها بعض هذه الفقرات مسندة عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : الحمد للّه الخافض الرافع ،

الضّار النافع الجواد الواسع ، الى أن قال : أيّها الناس إنّ الدّنيا ليست لكم بدار و لا قرار إنّما أنتم فيها كركب عرّسوا فأناخوا ثم استقلّوا ، فغدوا و راحوا ،

و خلوا خفافا لم يجدوا عمّا مضى نزوعا ، و لا إلى ما تركوا رجوعا ، جدّ بهم فجدّوا ، و ركنوا إلى الدّنيا فما استعدّوا ، حتّى إذا أخذ بكظمهم و خلصوا إلى دار قوم جفّت أقلامهم لم يبق من أكثرهم خبر ، و لا أثر ، قلّ في الدّنيا لبثهم و عجّل إلى الآخرة بعثهم ، فأصبحتم حلولا في ديارهم ظاعنين على آثارهم ، و المطايا تسير بكم سيرا ما فيه أين و لا تفتير نهاركم بأنفسكم دؤب ، و ليلكم بأرواحكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المائدة : ١٢٠ ، الروم : ٥٠ ، الشورى : ٩ ، الحديد : ٢ ، التغابن : ١ ، الملك ١ .

١٣٨

و هوب ، فأصبحتم تحلّون من حالهم حالا و تحتذون من مسلكهم مثالا . فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا١ فإنّما أنتم فيه سفر ، حلول الموت بكم نزول ، تنتضل فيكم مناياه ، و تمضي بأخباركم مطاياه ، الى دار الثواب و العقاب ، و الجزاء و الحساب ، فرحم اللّه امرأ راقب ربّه ، و تنكّب ذنبه ، و كابر هواه ، و كذّب مناه ،

امرأ أزمّ نفسه من التّقوى بزمام ، و ألجمها من خشية ربّها بلجام ، فقادها الى الطاعة بزمامها ، و قرعها عن المعصية بلجامها ، رافعا الى المعاد طرفه ،

متوقعا في كلّ آن حتفه ، دائم الفكر ، طويل السهر ، عزوفا عن الدّنيا ، سإما كدوحا ، لآخرته متحافظا ، امرأ جعل الصبر مطيّة نجاته ، و التقوى عدّة وفاته ،

و دواء أجوائه ، فاعتبر وقاس ، و ترك الدنيا و النّاس ، يتعلّم للتفقّه و السّداد ، و قد و قرّ قلبه ذكر المعاد ، و طوى مهاده ، و هجر و ساده ، منتصب على أطرافه ،

داخل في أعطافه ، خاشعا للّه عزّ و جلّ يراوح بين الوجه و الكفّين خشوع في السّرّ لربّه ، لدمعه صبيب و لقلبه وجيب ، شديدة آساله ، و ترتعد لخوف اللّه جلّ ذكره أوصاله ، قد عظمت في ما عند اللّه رغبته و اشتدّت منه رهبته ،

راضيا بالكفاف من أمره ، يظهر دون ما يكتم ، و يكتفي بأقلّ ممّا يعلم ، اولئك و دائع اللّه في بلاده ، المدفوع بهم عن عباده ، لو أقسم أحدهم على اللّه جلّ ذكره و تعالى لأبرّه ، أو دعا على أحد نصره ، يسمع إذا ناجاه ، و يستجيب له إذا دعاه ، جعل اللّه العاقبة للتقوى ، و الجنّة لأهلها مأوى ، دعاؤهم فيها أحسن الدّعاء سبحانك اللّهمّ٢ ..

قوله عليه السلام : « رحم اللّه امرأ سمع حكما فوعى » أي : سمع حكمة من العلوم فحفظها و جعل أذنه و عاء لها ، قال تعالى : فبشّر عباد الذين يستمعون القول

ــــــــــــ

 ( ١ ) لقمان : ٣٣ ، فاطر : ٥ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ١٧٠ ح ١٩٣ .

١٣٩

فيتّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللّه و اولئك هم أولو الألباب١ .

« و دعي إلى رشاد فدنا » قال تعالى : قل أوحي إليّ أنّه استمع نفر من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فامنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا٢ و ذمّ تعالى قوما فقال : و إن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا و إن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا .٣ .

« و أخذ بحجزة هاد فنجا » قال الجوهري : حجزة الأزار : معقده ، و حجزة السراويل التي فيها التّكة٤ روى ( أمالي الصدوق ) : أنّ الصادق عليه السلام كان كثيرا ما يقول :

علم المحجّة واضح لمريده

و أرى القلوب عن المحجّة في عمى

و لقد عجبت لهالك و نجاته

موجودة و لقد عجبت لمن نجا٥

و قال تعالى : أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده٦ .

« راقب ربّه » قال تعالى : إنّ اللّه كان عليكم رقيبا٧ أفمن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت٨ ، و عن الصادق عليه السلام : من أشدّ ما افترض اللّه على عباده ، ذكره على كلّ حال ، ليس سبحان اللّه ، و الحمد للّه ، و لا إله إلاّ اللّه ، و اللّه أكبر فقط ، و لكن إذا ورد عليك شي‏ء من أمر اللّه أخذت به ، و إذا ورد عليك شي‏ء نهى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزمر : ١٧ ١٨ .

 ( ٢ ) الجن : ١ ٢ .

 ( ٣ ) الأعراف : ١٤٦ .

 ( ٤ ) الصحاح للجوهري مادة ( حجر ) .

 ( ٥ ) الأمالي للصدوق : ٣٩٦ ح ٤ .

 ( ٦ ) الأنعام : ٩٠ .

 ( ٧ ) النساء : ١ .

 ( ٨ ) الرعد : ٣٣ .

١٤٠