• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43735 / تحميل: 5079
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

اللّه عنه تركته١ ، و عنه عليه السلام : العبد بين ثلاثة بلاء و قضاء و نعمة ، فعليه في البلاء من اللّه الصبر فريضة ، و عليه في القضاء من اللّه التسليم ، و عليه في النّعم منه تعالى الشكر٢ .

« و خاف ذنبه » في ( الخصال ) عن الصادق عليه السلام : إنّ ابليس قال لجنوده ، إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم ابال ما عمل فانّه منه غير مقبول : إذا استكثر عمله ، و دخله العجب و نسي ذنبه٣ .

« قدّم خالصا » إلاّ عباد اللّه المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه و هم مكرمون في جنّات النّعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذّة للشاربين لا فيها غول و لا هم عنها ينزفون و عندهم قاصرات الطّرف عين كأنّهنّ بيض مكنون٤ .

« و عمل صالحا » قال تعالى : فمن يعمل من الصّالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و إنّا له كاتبون٥ .

« اكتسب مذخورا » ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق .٦ و ما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند اللّه هو خيرا و أعظم أجرا .٧ .

« و اجتنب محذورا » و الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش و إذا ما غضبوا هم يغفرون٨ و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، الذين يجتنبون

ــــــــــــ

 ( ١ ) الخصال للصدوق : ١٣٢ ح ١٣٩ ، ب ٣ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه : ٨٦ ح ١٧ ، ب ٣ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه : ١١٢ ح ٨٦ ، ب ٣ .

 ( ٤ ) الصافات : ٤٠ ٤٩ .

 ( ٥ ) الأنبياء : ٩٤ .

 ( ٦ ) النحل : ٩٦ .

 ( ٧ ) المزمل : ٢٠ .

 ( ٨ ) الشورى : ٣٧ .

١٤١

كبائر الإثم و الفواحش إلاّ اللّمم إنّ ربّك واسع المغفرة .١ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما .٢ .

« رمى غرضا و أحرز عوضا » قال ابن أبي الحديد : رمى غرضا أي : قصد الحق كمن يرمي غرضا يقصده ، لا من يرمي في عمياء لا يقصد شيئا بعينه٣ .

قلت : بل كلامه عليه السلام استعارة في تشبيه من استبق الى الخيرات و استحقّ الجنّات بمن رمى في وقت الرّماية ، و أصاب الهدف و استحقّ العوض الّذي جعلوه لمصيب الهدف فالغرض الهدف الّذي يرمي فيه و هو مفعول به ، و ابن أبي الحديد توهّمه مفعولا له ، قال تعالى : و السابقون السابقون أولئك المقرّبون٤ و منهم سابق بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير ، جنّات عدن يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤا و لباسهم فيها حرير .

و قالوا الحمد للّه الذي أذهب عنّا الحزن انّ ربّنا لغفور شكور الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيه نصب و لا يمسّنا فيها لغوب٥ .

« كابر هواه » قال تعالى : و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى٦ و في ( باب اتّباع هوى الكافي ) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : يقول اللّه تعالى : و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد هواه على هواي الاّ شتّتّ عليه أمره ، و لبّست عليه دنياه ، و شغلت قلبه بها ، و لم أعطه منها إلاّ ما قدّرت له ، و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ استحفظته ملائكتي

ــــــــــــ

 ( ١ ) النجم : ٣١ ٣٢ .

 ( ٢ ) النساء : ٣١ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٧٢ .

 ( ٤ ) الواقعة : ١٠ ١١ .

 ( ٥ ) فاطر : ٣٢ ٣٥ .

 ( ٦ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

١٤٢

و كفّلت السموات و الأرض رزقه ، و كنت له وراء تجارة كلّ تاجر و أتته الدنيا راغمة١ ، و عن الصادق عليه السلام : إحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم ، فليس شي‏ء أعدى للرّجال من اتّباع الهوى و حصائد ألسنتهم٢ ، و كان عليه السلام يقول :

لا تدع النّفس و هواها

فإنّ هواها في رداها

و ترك النفس و ما تهوى أذاها

و كفّ النّفس عمّا تهوى دواها٣

« و كذّب مناه » لإنّ تصديق المنى سبب الهلاك ، يوم يقول المنافقون و المنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنة فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى و لكنّكم فتنتم أنفسكم و تربصّتم و ارتبتم و غرّتكم الأمانيّ حتّى جاء أمر اللّه و غرّكم باللّه الغرور٤ .

« جعل الصبر مطيّة نجاته » في ( الصحاح ) : المطيّة مأخوذ من المطو و هو المد ، في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام قال : الجنّة محفوفة بالمكاره و الصبر ، فمن صبر٥ على المكاره في الدّنيا دخل الجنّة ، و جهنّم محفوفة باللّذات و الشهوات ، فمن أعطى نفسه لذّتها و شهوتها دخل النار٦ ، و عن الصادق عليه السلام : إذا دخل المؤمن قبره ، كانت الصلاة عن يمينه و الزكاة عن يساره و البرّ مظلّ عليه و تنحىّ الصبر ناحية ، فإذا دخل عليه الملكان اللّذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة و الزكاة و البرّ : دونكم صاحبكم ، فإن

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٥ ح ٢ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٢ : ٣٣٥ ح ١ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ٣٣٦ ملحق ح ٤ .

 ( ٤ ) الحديد : ١٣ ١٤ .

 ( ٥ ) الصحاح للجوهري مادة ( مطو ) .

 ( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٩ ح ٧ .

١٤٣

عجزتم عنه فأنا دونه١ ، و عنه عليه السلام : إنّ اللّه تعالى أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم و بالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا ، فصارت عليهم نعمة .

و عنه عليه السلام من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه ، كان له أجر مثل ألف شهيد٢ و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله : سيأتي على النّاس زمان لا ينال الملك إلاّ في القتل و التجبّر ، و لا الغني إلاّ بالغصب و البخل ، و لا المحبّة إلاّ باستخراج الدّين و اتّباع الهوى ، فمن أدرك ذلك الزّمان فصبر على الفقر و هو يقدر على الغنى و صبر على البغضة و هو يقدر على المحبّة ، و صبر على الذّل و هو يقدر على العزّ آتاه اللّه ثواب خمسين صدّيقا ممّن صدّق بي٣ .

« و التّقوى عدّة وفاته » إنّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٤ ،

نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون نزلا من غفور رحيم٥ .

« ركب الطريقة الغرّاء » في ( المصباح ) : الغرّة في الجبهة : بياض فوق الدّرهم ، و رجل أغرّ صبيح أو سيّد في قومه٦ قال تعالى : فأمّا من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى٧ .

« و لزم المحجّة البيضاء » في ( الصحاح ) : المحجّة : جادة الطريق ، قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٢ : ٩٠ ح ٨ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٢ : ٩٢ ح ١٧ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ٩١ ح ١٢ .

 ( ٤ ) فصلت : ٣٠ .

 ( ٥ ) فصلت : ٣١ ٣٢ .

 ( ٦ ) المصباح المنير للفيتوري : ٤٤٥ مادة ( الغرة ) .

 ( ٧ ) الليل : ٥ ٧ .

١٤٤

تعالى : و انّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله .١ .

« إغتنم المهل » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : كان أبي يقول : إذا هممت بخير فبادر فإنّك لا تدري ما يحدث٢ ، و عنه عليه السلام : إذا همّ أحدكم بخير أو صلة فانّ عن يمينه و شماله شيطانين فليبادر لا يكفّاه عن ذلك٣ .

« و بادر الأجل » و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق و أكن من الصالحين ، و لن يؤخّر اللّه نفسا إذا جاء أجلها و اللّه خبير بما تعملون٤ .

« و تزوّد من العمل » في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السلام : إنّ اللّه تعالى ثقّل الخير على أهل الدّنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة و ان اللّه تعالى خفّف الشرّ على أهل الدّنيا كخفّته في موازينهم يوم القيامة٥ .

٤

في الخطبة ( ٨١ ) و منها :

جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا وَ أَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا وَ أَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَ مُدَدِ عُمُرِهَا بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا وَ قُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ وَ مُوجِبَاتِ مِنَنِهِ وَ حَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ وَ قَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأنعام : ١٥٣ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٢ ح ٣ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ١٤٣ ح ٨ .

 ( ٤ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

 ( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٣ ح ١٠ .

١٤٥

وَ خَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ اَلْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَ مُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ أَرْهَقَتْهُمُ اَلْمَنَايَا دُونَ اَلْآمَالِ وَ شَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ اَلْآجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ اَلْأَبْدَانِ وَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ اَلْأَوَانِ فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ اَلشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ اَلْهَرَمِ وَ أَهْلُ غَضَارَةِ اَلصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ اَلسَّقَمِ وَ أَهْلُ مُدَّةِ اَلْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ اَلْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ اَلزِّيَالِ وَ أُزُوفِ اَلاِنْتِقَالِ وَ عَلَزِ اَلْقَلَقِ وَ أَلَمِ اَلْمَضَضِ وَ غُصَصِ اَلْجَرَضِ وَ تَلَفُّتِ اَلاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ اَلْحَفَدَةِ وَ اَلْأَقْرِبَاءِ وَ اَلْأَعِزَّةِ وَ اَلْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ اَلْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ اَلنَّوَاحِبُ وَ قَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ اَلْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَ فِي ضِيقِ اَلْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ اَلْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ وَ أَبْلَتِ اَلنَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَ عَفَتِ اَلْعَوَاصِفُ آثَارَهُ وَ مَحَا اَلْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَ صَارَتِ اَلْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا وَ اَلْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا وَ اَلْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَ لاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ اَلْقَوْمِ وَ اَلْآبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ اَلْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ اَلْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَ كَأَنَّ اَلرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا إلى أن قال ( و منها في صفة خلق الإنسان ) أَمْ هَذَا اَلَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ اَلْأَرْحَامِ وَ شُغُفِ اَلْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً وَ عَلَقَةً مِحَاقاً وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَ لِسَاناً لاَفِظاً وَ بَصَراً لاَحِظاً لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَ يُقَصِّرَ مُزْدَجِراً حَتَّى إِذَا قَامَ اِعْتِدَالُهُ وَ اِسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَ خَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً

١٤٦

وَ لاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَ عَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً لَمْ يُفِدْ عِوَضاً وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ اَلْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ فَظَلَّ سَادِراً وَ بَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ اَلْآلاَمِ وَ طَوَارِقِ اَلْأَوْجَاعِ وَ اَلْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَ وَالِدٍ شَفِيقٍ وَ دَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَ لاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً وَ اَلْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِيَةٍ وَ غَمْرَةٍ كَارِثَةٍ وَ أَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَ جَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَ سَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى اَلْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَ نِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ اَلْوِلْدَانِ وَ حَشَدَةُ اَلْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ حَتَّى إِذَا اِنْصَرَفَ اَلْمُشَيِّعُ وَ رَجَعَ اَلْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ اَلسُّؤَالِ وَ عَثْرَةِ اَلاِمْتِحَانِ وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ اَلْحَمِيمِ وَ تَصْلِيَةُ اَلْجَحِيمِ وَ فَوْرَاتُ اَلسَّعِيرِ وَ سَوْرَاتُ اَلزَّفِيرِ لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَ لاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ وَ لاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَ لاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَ لاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ بَيْنَ أَطْوَارِ اَلْمَوْتَاتِ وَ عَذَابِ اَلسَّاعَاتِ إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ عِبَادَ اَللَّهِ أَيْنَ اَلَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا أُمْهِلُوا طَوِيلاً وَ مُنِحُوا جَمِيلاً وَ حُذِّرُوا أَلِيماً وَ وُعِدُوا جَسِيماً اِحْذَرُوا اَلذُّنُوبَ اَلْمُوَرِّطَةَ وَ اَلْعُيُوبَ اَلْمُسْخِطَةَ أُولِي اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْعَافِيَةِ وَ اَلْمَتَاعِ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ أَمْ لاَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ١٦ ١٧ ١٠ : ٣٤ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ ذَاتِ اَلطُّوْلِ وَ اَلْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ اَلْآنَ عِبَادَ اَللَّهِ وَ اَلْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَ اَلرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ اَلْإِرْشَادِ وَ رَاحَةِ اَلْأَجْسَادِ وَ بَاحَةِ اَلاِحْتِشَادِ وَ مَهَلِ اَلْبَقِيَّةِ وَ أُنُفِ اَلْمَشِيَّةِ وَ إِنْظَارِ اَلتَّوْبَةِ وَ اِنْفِسَاحِ اَلْحَوْبَةِ قَبْلَ اَلضَّنْكِ وَ اَلْمَضِيقِ

١٤٧

وَ اَلرَّوْعِ وَ اَلزُّهُوقِ وَ قَبْلَ قُدُومِ اَلْغَائِبِ اَلْمُنْتَظَرِ وَ أَخْذَةِ اَلْعَزِيزِ اَلْمُقْتَدِرِ و في الخبر أنّه لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرّت لها الجلود ، و بكت العيون و رجفت القلوب ، و من الناس من يسمّي هذه الخطبة الغرّاء١ .

أقول : « جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها » الأصل في الوعي : جعل الأذن وعاء لما سمع قال تعالى : و تعيها اذن واعية٢ و عناها أي : أهمّها و في الخبر : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه٣ .

« و أبصارا لتجلو عن عشاها » قال تعالى : و جعل لكم السمّع و الأبصار و الأفئدة لعلّكم تشكرون٤ . و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون٥ و في ( المصباح ) : عشى أي : ضعف بصره ، فهو أعشى ،

و المرأة عشواء٦ .

« و أشلاء جامعة لأعضائها » قال ابن أبي الحديد : أراد بالأشلاء : الأعضاء الظاهرة ، و بالأعضاء : الجوارح الباطنة٧ ، و هو كما ترى فالضمير في ( أعضائها ) راجعة الى ( الأشلاء ) و الباطنة ليست للظّاهرة حتى يضاف اليها بل كلّ منهما مضاف الى الإنسان و الصواب أن يقال : إنّ المراد بالأشلاء ، الأعضاء الكبيرة ، و بالأعضاء : الأعضاء الصغيرة كاليد الجامعة للعضد و الذراع و الكفّ ، و الأصل في الشّلو عضو يرفعه ، فقال الفيروز ابادي

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٦ .

 ( ٢ ) الحاقة : ١٢ .

 ( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٨ .

 ( ٤ ) النحل : ٧٨ .

 ( ٥ ) السجدة : ٩ .

 ( ٦ ) المصباح المنير للفيتوري : ٤١٢ ( العشي ) .

 ( ٧ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٥٨ .

١٤٨

شلا : سار و رفع شيئا١ .

« ملائمة لأحنائها » أي : لجوانب تلك الأشلاء ، قال المفضّل للصادق عليه السلام :

صف لي نشو الأبدان في نموّها حالا بعد حال حتى يبلغ التّمام و الكمال قال عليه السلام : أوّل ذلك تصوير الجنين في الرّحم حيث لا تراه عين و لا تناله يد تدبّره ، حتّى يخرج سويّا مستوفيا جميع ما فيه قوامه و صلاحه من الأحشاء و الجوارح و العوامل إلى ما في تركيب أعضائه ، من العظام و اللّحم و الشّحم و العصب و المخ و العروق و الغضاريف ، فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمو بجميع أعضائه و هو ثابت على شكل و هيئة لا تتزايد و لا تنقض ، إلى أن يبلغ أشدّه أن يدم عمره أو يستوفي مدّته قبل ذلك ، هل هذا إلاّ من لطيف التدبير و الحكمة٢ ؟ « في تركيب صورها و مدد عمرها » قال الصادق عليه السلام : فكّر يا مفضّل في أعضاء البدن أجمع و تدبير كلّ منها للمآرب ، فاليدان للعلاج ، و الرّجلان للسعيّ ، و كذلك جميع الأعضاء إذا ما تأمّلتها و أعملت فكرك فيها وجدت كلّ شي‏ء منها قد قدّر لشي‏ء على صواب و حكمة٣ « بأبدان قائمة بأرفاقها » قال الصادق عليه السلام : فكّر يا مفضّل في وصول الغذاء الى البدن ، و ما فيه من التدبير ، فإنّ الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه و تبعث بصفوه الى الكبد في عروق دقاق و اشجة بينها ، قد جعلت كالمصفّى للغذاء لكيلا يصل الى الكبد منه شي‏ء فينكاها ، و ذلك أنّ الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثمّ انّ الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما ، و ينفذه الى البدن كلّه في

ــــــــــــ

 ( ١ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ١٦٧٨ ( الشلو ) .

 ( ٢ ) التوحيد للمفضل بن عمر : ١٢ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه : ١١ .

١٤٩

مجار مهيّأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيّأ للماء ليطرد في الأرض كلّها و ينفذ ما يخرج منه من الخبث و الفضول الى مغائص قد اعدّت لذلك ، فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى إلى المرارة ، و ما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، و ما كان من البلّة و الرطوبة جرى الى المثانة ، تأمّل حكمة التدبير في تركيب البدن ، و وضع هذه الأعضاء منه مواضعها ، و إعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاّ تنتشر في البدن ، فتسقمه و تنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير و أحكم التدبير١ .

« و قلوب رائدة » أي : طالبة ، من راد الكلاء ، أي : طلبه .

« لأرزاقها » في ( العلل ) عن الصادق عليه السلام : إنّ منزلة القلب من الجسد ،

بمنزلة الإمام من الناس ، الواجب الطاعة عليهم ، ألا ترى أنّ جميع جوارح الجسد شرط للقلب و تراجمة له مؤدية عنه ، الاذنان و العينان و الأنف و الفم و اليدان و الرّجلان و الفرج ، فإنّ القلب إذا همّ بالنظر فتح الرّجل عينيه ، و إذا همّ بالاستماع فتح مسامعه فسمع ، و إذا همّ بالشمّ استنشق بأنفه ، فأدّى تلك الرائحة الى القلب ، و إذا همّ بالنّطق تكلّم باللّسان ، و إذا همّ بالحركة سعت الرّجلان ، و إذا همّ بالشهوة تحرّك الذّكر ، فهذه كلّها مؤدية عن القلب٢ .

« في مجلّلات نعمه » في ( الصحاح ) : جلّل الشي‏ء تجليلا ، أي : عمّ٣ ، قال الصادق عليه السلام : اعتبر يا مفضّل بعظم النعمة على الإنسان في مطعمه و مشربه و تسهيل خروج الأذى ، أليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع منها ، فكذا جعل سبحانه المنفذ للخلاء من الإنسان في أستر

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ١١ ١٢ .

 ( ٢ ) علل الأحكام للصدوق ١ : ١٠٩ ح ٨ ب ٩٦ .

 ( ٣ ) الصحاح للجوهري ( جلل ) .

١٥٠

موضع منه ، فلم يجعله بارزا من خلفه ، و لا ناشزا من بين يديه ، بل هو مغيّب في موضع غامض من البدن ، مستور محجوب ، يلتقي عليه الفخذان ، و يحجبه الاليتان بما عليهما من اللّحم يتواريانه ، فاذا احتاج الإنسان إلى الخلاء ، و جلس تلك الجلسة ، ألقى ذلك المنفذ منه منصبّا مهيّأ لإنحدار الثقل ، فتبارك من تظاهرت آلاؤه و لا تحصى نعماؤه١ « و موجبات مننه » روي ( الخصال ) عن الصادق عليه السلام : يقول عزّ و جلّ : إنّي تطوّلت على عبادي بثلاث : ألقيت عليهم الرّيح بعد الرّوح ، و لو لا ذلك ما دفن حميم حميما ، و ألقيت عليهم السّلوة بعد المصيبة ، و لو لا ذلك لم يتهنّ أحد منهم بعيشه ، و سلّطت هذه الدّابة على الحنطة و الشّعير و إلاّ ذلك لكنزوها كما يكنزون الذّهب و الفضة٢ ، و في خبر آخر منّ عليهم بالسّتر و لولاه لما دفن كثير من الناس و لألقوهم على المزابل٣ .

« و حواجز عافية » هكذا في ( المصرية )٤ و هو غلط ، و الصواب : ما في غيرها .

« عافيته » ثم ( عافيته ) بلفظ المفرد في النسخ و مقتضى الفقرات التي قبله كونه مصحّف عافياته ، و كيف كان ففي ( الصحاح ) : ( العافية دفاع اللّه تعالى عن العبد )٥ و في الخبر : ( إذا نظرت إلى مبتلى تقول في نفسك من دون أن تسمعه : الحمد للّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به و لو شاء لفعل بي ذلك )٦ و في

ــــــــــــ

 ( ١ ) التوحيد للمفضل بن عمر : ٢٠ .

 ( ٢ ) الخصال للصدوق : ١٦٢ ح ٨٧ .

 ( ٣ ) التوحيد للمفضل بن عمرو : ١٩ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية ، شرح محمد عبده : ١٩٢ .

 ( ٥ ) الصحاح للجوهري مادة ( عفا ) .

 ( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٩٧ ح ٢٠ .

١٥١

الخبر : أنّ يوسف عليه السلام لو كان سأل ربّه العافية من المصريّات بدون سجن لعافاه و لكنّه قال ربّ السجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه١ ، فصرف عنه كيدهن بما سأل .

« و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم » قال تعالى : و أجل مسمّىً عنده .٢ و قال الصادق عليه السلام : تأمّل يا مفضّل في ما ستر عن الإنسان من علمه بمدّة حياته فانّه لو عرف مقدار عمره و كان قصير العمر ، لم يتهنّأ بالعيش مع ترقّب الموت و توقّعه لوقت قد عرفه ، بل كان بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء ، فقد استشعر الفقر و الوجل من فناء ماله ، على أنّ الّذي يدخل على الإنسان من فناء العمر أعظم مما يدخل عليه من فناء المال ، لأنّ من يقلّ ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن إلى ذلك ، و من أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس ، و إن كان طويل العمر ثمّ عرف ذلك ، وثق بالبقاء ، و انهمك في اللّذات و المعاصي ، و عمل على أنّه يبلغ من ذلك شهوته ثمّ يتوب في آخر عمره ، و هذا مذهب لا يرضاه تعالى من عباده ، ألا ترى لو أنّ عبدا لك عمد على أنّه يسخطك سنة و يرضيك يوما لم تقبل ذلك منه ، و لم يحلّ عندك محلّ العبد الصالح ، فإن قلت : أو ليس قد يقيم الإنسان على المعصية حينا ثمّ يتوب فتقبل توبته ؟ قلنا :

إنّ ذلك شي‏ء يكون لغلبة الشهوات ، و تركه مخالفتها من غير أن يقدّرها في نفسه ، و يبني عليه أمره ، فيصفح اللّه عنه ، و يتفضّل عليه بالمغفرة ، فأمّا من قدّر أمره على أن يعصي ما بداله ثمّ يتوب آخر ذلك ، فانّما يحاول خديعة من لا يخادع بأن يتسلّف التلذّذ في العاجل ، و يعد نفسه التوبة في الآجل ، و لأنّه قد لا يفي ، فإنّ النّزوع من الترفّه و التلذّذ و لا سيما عند الكبر و ضعف البدن أمر

ــــــــــــ

 ( ١ ) يوسف : ٣٣ .

 ( ٢ ) الأنعام : ٢ .

١٥٢

صعب ، مع أنّه لا يؤمن على الإنسان مع مدافعته بالتوبة ، أن يرهقه الموت فيخرج من الدّنيا غير تائب .

فكان خير الأشياء للإنسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقّب الموت ، فيترك المعاصي و يؤثر العمل الصالح ، فإن قلت : و ها هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته يقارف الفواحش و ينتهك المحارم قلنا : إنّ وجه التدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر ، فإن كان الإنسان مع ذلك لا يرعوي و لا ينصرف عن المساوئ ، فانّما ذلك من مرحه و قساوة قلبه لا من خطأ في التدبير كما أنّ الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به ، فإن كان المريض مخالفا لقول الطبيب لم تكن الإساءة للطبيب بل للمريض ، و لئن كان مع ترقّبه للموت كلّ ساعة لا يمتنع عن المعاصي ، لو كان وثق بطول البقاء كان أحرى بأن يخرج الى الكبائر الفظيعة ، ثمّ إنّه و إن كان صنف يلهون عنه فإنّ صنفا ينزعون به عن المعاصي و يؤثرون العمل الصالح و يجودون بالأموال و العلائق النفيسة في الصدقة فلم يكن من العدل ان يحره هؤلاء به لتضييع أولئك١ .

« و خلّف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم » قال تعالى بعد ذكر طوفان نوح :

و لقد تركناها آية فهل من مدّكر٢ .

« و من مستمتع خلاقهم » في ( الصحاح ) : الخلاق : النصيب٣ .

« و متفسح خناقهم » و الفسحة : السعة ، و الخناق : مجرى النفس و الحلق و يقال : أخذ بخناقه و مخنقه٤ ، و في ( القاموس ) : خانقين بلد بسواد بغداد لأنّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) التوحيد للمفضل بن عمرو : ٢٩ ٣٠ .

 ( ٢ ) القمر : ١٥ .

 ( ٣ ) الصحاح للجوهري مادة ( خلق ) .

 ( ٤ ) المصدر نفسه مادة ( خنق ) .

١٥٣

النعمان خنق به عديّ بن زيد العبادي١ ، قال تعالى في فرعون و قومه : كم تركوا من جنات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء و الأرض و ما كانوا منظرين٢ .

« أرهقتهم المنايا دون الآمال » في ( الصحاح ) : رهقه بالكسر غشيه٣ و المنيّة : الموت ، لانّها مقدّرة و الجمع المنايا .

« و شذّبهم عنها تخرّم الآجال » في الطبعتين المصريتين جعل « شذّ بهم » كلمتين ( شذّ ) كلمة و ( بهم ) كلمة٤ و الصواب : كونه كلمة واحدة من التشذيب كما في ( ابن أبي الحديد ) و غيره٥ من قولهم شذّب الشجرة ، و نخل مشذب ،

و تشذّبوا أي : تفرّقوا ، و التخرّم : الاستيصال ، قال تعالى : و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنّهم كانوا في شكّ مريب٦ .

« لم يمهدوا في سلامة الأبدان » و في الخبر : إغتنموا خمسا قبل خمس ،

الصحّة قبل السّقم .٧ .

« و لم يعتبروا في انف الأوان » في ( الصحاح ) : ( انف كلّ شي‏ء أوّله و الأوان الحين )٨ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) القاموس للفيروز آبادي : ١١٣٨ مادة ( خنق ) مؤسسة الرسالة .

 ( ٢ ) الدخان : ٢٥ ٢٩ .

 ( ٣ ) الصحاح للجوهري مادة ( رهق ) .

 ( ٤ ) الطبعتان المصريتان ( المصححة و غير المصححة ) المصححة : ١٩٣ .

 ( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٥٧ .

 ( ٦ ) سبأ : ٥٤ .

 ( ٧ ) من وصايا الرسول إلى أبي ذر الغفاري ، أورده الطوسي في أماليه ، و نقله المجلسي في البحار ٧٧ : ٧٧ و هو بلفظ ( اغتنم ) و ليس ( اغتنموا ) .

 ( ٨ ) الجوهري ، الصحاح ، مادة ( أنف ) .

١٥٤

في الخبر : إنّ آدم عليه السلام لمّا أكل من الشجرة المنهيّة ذكر أنّه نهي عنها ،

فذهب لينتحي من الشجرة ، فأخذت الشجرة برأسه فجرّته اليها و قالت له : أفلا كان فرارك منّي قبل أن تأكل منّي١ « فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم » في ( الصحاح ) : رجل بضّ أي : رقيق الجلد ممتل٢ ، و الحواني : جمع الحين روى الخطيب عن جعفر البرمكي ، أنّ السّفّاح نظر في المرآة ، و كان من أجمل النّاس وجها فقال : اللّهم إنّي لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك : ( أنا الملك الشابّ ) و لكنّي أقول :

( اللّهم عمّرني طويلا في طاعتك ممتّعا بالعافية ) فما استتمّ كلامه حتّى سمع غلاما يقول لآخر : ( الأجل بيني و بينك شهران و خمسة أيام ) فتطيّر فما مضت الأيام حتّى أخذته الحمّى حتّى مات بعد شهرين و خمسة أيّام توفّي و هو ابن ثلاث و ثلاثين٣ .

« و أهل غضارة الصحّة إلاّ نوازل السّقم » في ( الصحاح ) : الغضارة : طيب العيش٤ فإذا لم يبادر في وقت صحّته فأيّ شي‏ء يستطيع وقت ابتلائه بالأسقام .

« و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء » الآونة : جمع أوان مثل أزمنة و زمان ،

و في الخبر اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك و حياتك قبل موتك٥ الخبر و هل تنتظر أن يأتيك : جبرئيل و يقول لك : يأتيك في السّاعة الفلانيّة عزرائيل ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ١١ : ١٨٨ ح ٤٥ ب ٣ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( بضض ) .

 ( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٠ : ٤٩ ترجمة ( ٥١٧٨ ) .

 ( ٤ ) الصحاح : ( غضض ) .

 ( ٥ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٧ : ٧٧ .

١٥٥

« مع قرب الزّيال » في ( الصحاح ) : زايله مزايلة و زيالا إذا فارقه١ .

« و أزوف الانتقال » أي : دنوّه .

« و علز القلق » في ( الصحاح ) : مات فلان علزا : أي وجعا قلقا لا ينام٢ .

« و ألم المضض » في ( الصحاح ) : أمضنّي الجرح إذا وجعك٣ .

« و غصص الجرض » جرض بريقه أي : ابتلعه على همّ و حزن ، و في ( شعراء القتيبي ) : لقي عبيد بن الأبرص النعمان في يوم بؤسه و كان يقتل كلّ من لقيه ذاك اليوم فقال له : هلاّ كان ذا لغيرك ، أنشدني فربّما أعجبني شعرك قال : ( حال الحريض دون القريض ) قال انشدني : ( اقفر من أهله ملحوب ) فقال :

أقفر من أهله عبيد

فاليوم لا يبدي و لا يعيد

فقتله و لطّخ بدمه الغريّين و كان بناهما على نديميه له٤ « و تلفّت الاستغاثة » في ( القاموس ) : « لفته ، لوّاه و صرفه عن رأيه و منه الالتفات و التلفّت »٥ و في ( الجمهرة ) : الأصل في الالتفات ليّ العنق٦ .

« بنصرة الحفدة و الأقرباء » في ( الصحاح ) الحفدة : الأعوان و الخدم و قيل :

ولد الولد٧ .

« و الأعزّة و القرناء » من كان لا يفارقه ، و في ( الكافي ) عنه عليه السلام : إنّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( زيل ) .

 ( ٢ ) الصحاح : ( علز ) .

 ( ٣ ) الصحاح : ( مضض ) .

 ( ٤ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٤٤ طبع ليدن .

 ( ٥ ) القاموس للفيروز آبادي : ( لفت ) .

 ( ٦ ) الجمهرة لابن دريد : ٤٠٥ ( ت ف ل ) .

 ( ٧ ) الصحاح : ( حفد ) .

١٥٦

ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدّنيا و أوّل يوم من أيّام الآخرة ، مثّل له ماله و ولده و عمله ، فيلتفت الى ماله فيقول له : و اللّه إن كنت عليك حريصا شحيحا فمالي عندك ؟ فيقول : خذ منّي كفنك ، فيلتفت إلى ولده فيقول : و اللّه إنّي كنت لكم محبّا و عنكم محاميا فمالي عندكم ؟ فيقولون نؤدّيك إلى حفرتك ،

نواريك فيها فيلتفت إلى عمله و يقول له : كنت فيك زاهدا و كنت عليّ ثقيلا فمالي عندك ؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك و حشرك حتّى اعرض أنا و أنت على ربّك١ .

« فهل دفعت الأقارب أو نفعت النّواحب » في ( الصحاح ) : ( النحيب رفع الصوت بالبكاء )٢ قالوا : احتضر رجل فصاحت ابنته ففتح عينيه ، و هو يكيد بنفسه فقال :

عزاء لا أبا لك إنّ شيئا

تولّى ليس يرجعه الحنين

و في ( المعجم ) : ما رؤي أحد و فّي من الإعظام و الإجلال بعد موته ، ما وفّيه الصاحب ، فانّه لمّا جهّز و وضع في تابوته و اخرج على أكتاف حامليه للصلاة عليه ، قام الناس ، بأجمعهم فقبّلوا الأرض بين يديه ، و خرّقوا ثيابهم و لطموا وجوههم و بلغوا في النحيب عليه جهدهم٣ .

« و قد غودر في محلّة الأموات » في ( الطبري ) : كسرت الأتراك على قبر محمد بن بغا ألف سيف ) و كذا يفعلون بالسيّد منهم إذا مات٤ .

« رهينا » لنعم ما قيل بالفارسيّة : ( عاقبت منزل ما وادى خاموشان است ) .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٣١ ح ١ .

 ( ٢ ) الصحاح للجوهري ( نحب ) .

 ( ٣ ) معجم الادباء للحموي ٦ : ٢٧٥ ترجمة ( إسماعيل بن عباد ) .

 ( ٤ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٥ : ٤٧٦ أحداث سنة ( ٢٥٦ ) .

١٥٧

« و في ضيق المضجع وحيدا » قال تعالى : و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .١ .

« قد هتكت الهوامّ جلدته » في ( الصحاح ) : الهامّة واحدة الهوامّ و لا يقع هذا الاسم إلاّ على المخوف من الأحناش٢ .

« و أبلت النّواهك جدّته » في ( المصباح ) : بلي الثوب خلق فهو بال و نهكته الحمى هزلته ، و جدّ الشي‏ء صار جديدا٣ .

« و عفّت العواصف آثاره » يجوز في ( عفّت ) التخفيف و التّشديد و هو هنا متعدّ و يجوز مجيئه لازما ، ففي ( الصحاح ) : عفت الرّيح المنزل ، و عفا المنزل يعفو درسته ، و درس يتعدّى و لا يتعدّى و عفّت الريح الدّار شدّد للمبالغة٤ .

« و محا الحدثان معالمه » في ( الصحاح ) : المعالم ، الأثر ليستدلّ به على الطريق٥ .

« و صارت الأجساد شحبة بعد بضّتها » في ( الصحاح ) : شحب جسمه إذا تغيّر٦ ، و مرّ أنّ البضّ : امتلاء الجلد .

« و العظام نخرة بعد قوّتها » نخر العظم بالكسر بلي و تفتّت .

« و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها » قال في ( الصحاح ) : العب‏ء بالكسر الحمل ،

و الجمع الأعباء أنشد أبو زيد :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأنعام : ٩٤ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( همم ) .

 ( ٣ ) المصباح للفيتوري : ٧٨ ( بلى ) .

 ( ٤ ) الصحاح : ( عفا ) .

 ( ٥ ) الصحاح : ( علم ) .

 ( ٦ ) الصحاح : ( شحب ) .

١٥٨

الحامل العب‏ء الثّقيل عن

الجاني بغير يد و لا شكر١

قال تعالى : كلّ نفس بما كسبت رهينة٢ .

« موقنة بغيب أنبائها » قال متمّم بن نويرة في أخيه مالك :

فلمّا تفرقنا كأنّي و مالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا٣

و في الديوان :

أمرّ على رسم القريب كأنّما

أمرّ على رسم امرئ ما أناسبه٤

« لا تستزاد من صالح عملها و لا تستعتب من سيّئ زللها » فإنّما الاستزادة و الاستعتاب قبل الموت ، فكلّ يوم ملك ينادي الأحياء : « يا صاحب الخير أتمّ و أبشر ، و يا صاحب الشرّ انزع و أقصر » .

« أو لستم أبناء القوم و الآباء » المراد بالقوم ، المقبورون الموصوفون .

« و اخوانهم و الأقرباء » قال الأمير الميكالي :

و كيف يلذّ طعم العيش نفس

غدات أترابها تحت التّراب

« تحتذون أمثلتهم » في ( الصحاح ) : احتذى مثاله أي : اقتدى به٥ .

« و تركبون قدّتهم » في ( الصحاح ) : القدّة : الطريقة .

« و تطؤون جادّتهم »٦ في ( الصحاح ) : الجدد : الأرض الصلبة ، و الجادّة :

معظم الطريق٧ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( عبا ) .

 ( ٢ ) المدثر : ٣٨ .

 ( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ١٢ : ٣٦٦ .

 ( ٤ ) ديوان أمير المؤمنين : ٧٩ .

 ( ٥ ) الصحاح : ( حذا ) .

 ( ٦ ) الصحاح : ( قدد ) .

 ( ٧ ) الصحاح : ( جدد ) .

١٥٩

« فالقلوب قاسية عن حظّها لاهية عن رشدها سالكة في غير مضمارها » قال تعالى : و لدينا كتاب ينطق بالحقّ و هم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا و لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون١ .

« كأنّ المعنيّ سواها »

و الموت يأتي بعد ذلك كلّه

و كأنّه يعني بذاك سوانا

« و كأنّ الرّشد في إحراز دنياها » فيؤمّنون معاشهم و يخوّفون معادهم مع أنّه يجب أن يقولوا : ( اللّهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا و لا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ) و في ( الروضة ) عن جابر الأنصاري : « مرّ بنا النبي صلّى اللّه عليه و آله حين رجع من حجّة الوداع و هو على ناقته و نحن في نادينا فوقف و قال : « ما لي أرى حبّ الدّنيا غلب على كثير من الناس حتّى كأنّ الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب ، و كأنّ الحقّ في هذه الدّنيا على غيرهم وجب ، و حتّى كأنّ لم يسمعوا و يروا الأموات قبلهم ، سبيلهم سبيل قوم سفر عمّا قليل إليهم راجعون يبوّئونهم أجداثهم و يأكلون تراثهم فيظنّون أنّهم مخلّدون بعدهم هيهات هيهات ما يتّعظ آخرهم بأوّلهم لقد جهلوا و نسوا كلّ واعظ في كتاب اللّه و أمنوا شرّ كلّ عاقبة سوء ، و لم يخافوا نزول فادحة و بوائق حادثة٢ . .

قوله عليه السلام : « أم هذا الّذي أنشأه في ظلمات الأرحام » في الآية السادسة من سورة الزمر يخلقكم في بطون امّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم اللّه ربّكم له الملك لا إله إلاّ هو فانّى تصرفون٣ .

« و شغف الاستار » في ( الصحاح ) : « الشغاف : غلاف القلب و هو جلدة دونه

ــــــــــــ

 ( ١ ) المؤمنون : ٦٢ ٦٣ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ١٦٨ ح ١٩٠ .

 ( ٣ ) الزمر : ٦ .

١٦٠