بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 608

  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48555 / تحميل: 7266
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الحادي عشر

الشيخ محمد تقي التّستري

١

المجلد الحادي عشر

٢

الفصل الخامس و الثلاثون في مقتله عليه السلام و وصاياه

٣

١

الخطبة ( ٦٠ ) « و من كلام له عليه السلام لمّا خوّف من الغيلة » وَ إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اَللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي اِنْفَرَجَتْ عَنِّي وَ أَسْلَمَتْنِي فَحِينَئِذٍ لاَ يَطِيشُ اَلسَّهْمُ وَ لاَ يَبْرَأُ اَلْكَلْمُ « و من كلام له عليه السلام لمّا خوّف من الغيلة » أي : القتل بغتة ، في ( الأغاني ) عن جعفر بن محمّد عليه السلام : حدّثتني امرأة منّا قالت : رأيت الأشعث بن قيس دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فأغلظ عليه السلام له ، فعرض له الأشعث بأن يفتك به ،

فقال عليه السلام له : أبالموت تهددني ؟ فو اللّه ما ابالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ .

و عن ( جمل أبي مخنف )١ بعد ذكر خروجه عليه السلام إلى الزبير في الجمل ،

و انكاره خبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و رجوعه : قال له أصحابه : تبرز إلى الزبير حاسرا

ــــــــــــ

 ( ١ ) رواه نهج البلاغة ١ : ٢٣٥ .

٤

و هو شاك في السلاح ؟ قال عليه السلام : إنّه ليس بقاتلي ، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير ما قط حرب و لا معركة رجال ، و يلمّه أشقى البشر ليودّن أنّ امّه هبلت به ، أما إنّه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن .

قوله عليه السّلام : « و إنّ عليّ من اللّه جنّة حصينة » تقيه من الهلكة ، و هي المدّة التي قدر تعالى لكلّ بشر أن يعيش في الدنيا .

« فإذا جاء يومي » و انقضى أجلي .

« انفرجت » تلك الجنة .

« عنّي » و ينبغي أن يفسر هذا العنوان بالفارسية هكذا :

روزم كه سپرى شد هيچ سپرى جلوى شمشير تقدير را نميگيرد ، و هيچ زرهى مانع از نشان آمدن تير قضا نميشود ، و هيچ جراحى نتواند زخم قدر را بهبود بخشد . .

« و أسلمتني » إلى المهالك .

« فحينئذ لا يطيش » أي : لا يعدل .

« السّهم » بل يصيب الغرض .

« و لا يبرأ الكلم » أي : الجرح فيهلك و الكلام كلّه : « جنّة حصينة » و « انفرجت عني و أسلمتني » و « لا يطيش السهم و لا يبرأ الكلم » استعارات ، و لا يخفى لطف موقعها .

و في ( الإرشاد )١ : لم يخرج عليه السّلام في الليلة التي قتل في صبيحتها إلى المسجد لصلاة الليل على عادته ، فقالت ابنته ام كلثوم : ما هذا الذي قد أسهرك ؟

فقال : إنّي مقتول لو قد أصبحت فأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة ، فمشى غير بعيد ثم رجع فقالت ام كلثوم : مرّ جعدة فليصلّ بالناس قال : نعم مروا جعدة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد ١ : ١٦ .

٥

فليصل بالناس ثم قال : لا مفرّ من الأجل فخرج إلى المسجد و إذا هو الرجل قد سهر ليلته كلّها يرصده ، فلمّا برد السحر نام فحرّكه عليه السّلام برجله و قال له :

الصلاة فقام إليه فضربه .

هذا ، و في السير : قال كاهن لصريم بن معشر : إنّك تموت بثنية يقال لها :

الاهة فخرج مع ركب فضلّوا الطريق ليلا ، فلمّا أصبحوا سألوا عن المكان هم فيه ، فقيل لهم : هذه الاهة فنزل أصحابه و أبى أن ينزل ، و خلّى ناقته ترعى فعلقت بمشقرها أفعى ، فأمالت الناقة رأسها فنهشته فألقى بنفسه ، و أنشأ يقول :

لعمري ما يدري امرؤ كيف يتّقي

فطأ معرضا إنّ الحتوف كثيرة

و إنّك لا تبقي لنفسك باقيا

كفى حزنا أن يرحل الركب غاديا

أحــ و اترك في أعلى الاهة ثاويا

و مات مكانه فقبر هناك

و قد أخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بشهادته عليه السّلام : فروى ( فضائل شهر رمضان الصدوق )١ عنه عليه السّلام : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا خطب بخطبته في فضائله قلت له : ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : الورع عن محارم اللّه ثم بكى فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لمّا يستحل منك في هذا الشهر ، كأنّي بك و أنت تصلّي لربّك و قد انبعث أشقى الأولين و الآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة فخضّب منها لحيتك فقلت : و ذلك في سلامة من ديني : فقال : في سلامة من دينك ثم قال : من قتلك فقد قتلني ، و من أبغضك فقد أبغضني ، و من سبّك فقد سبّني ، لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، و طينتك من طينتي . .

و روى أنّه عليه السّلام خطب في أوّل يوم من الشهر و قال : أيّها النّاس ، إنّ هذا

ــــــــــــ

 ( ١ ) فضائل شهر رمضان للصدوق ، عن عيون أخبار الرضا عليه السّلام ١ : ٢٣١ ح ٥٣ .

٦

الشهر شهر فضّله اللّه على ساير الشهور ، كفضلنا أهل البيت على ساير الناس إلى أن قال فقام إليه رجل من همدان فقال : زدنا ممّا حدّثك به حبيبك في شهر رمضان فقال : سمعت سيّد المرسلين و الملائكة المقرّبين يقول : إنّ سيّد الوصيين يقتل في سيّد الشهور فقلت : و ما سيّد الشهور ، و من سيّد الوصيين ؟ قال : أمّا سيد الشهور فشهر رمضان ، و أمّا سيّد الوصيين فأنت .

فقلت : إنّ ذلك لكائن : قال : إي و ربي إنّه ينبعث أشقى أمّتي ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، ثم يضربك ضربة على فرقك يخضّب منها لحيتك فأخذ الناس بالبكاء و النحيب ، فقطع عليه السّلام خطبته و نزل ، و قال الميبدي :

اشتر حق كشته أشقى الأولين

شير حق را كشته أشقى الآخرين

و روى ( العلل )١ عن الأصبغ : قلت لأمير المؤمنين عليه السّلام : ما منعك من الخضاب و قد اختضب النبي صلّى اللّه عليه و آله ؟ قال : انتظر أشقاها أن يختضب لحيتي من دم رأسي ، بعهد معهود عن حبيبي صلّى اللّه عليه و آله .

و رووا أنّه لمّا وقعت الضربة عليه قال عليه السّلام : هذا ما وعدنا اللّه و رسوله ،

و صدق اللّه و رسوله .

٢

الحكمة ( ٢٠١ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ فَإِذَا جَاءَ اَلْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ وَ إِنَّ اَلْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ أقول : نقلناه في مقتله عليه السّلام مع عموم لفظه ، لمّا رواه سبط ابن الجوزي عن كاتب الواقدي عن إسماعيل بن علية عن عمارة بن أبي حفصة عن أبي

ــــــــــــ

 ( ١ ) العلل : ١٧٣ ب ١٣٨ ح ١ .

٧

مجلز قال : جاء رجل من مراد إلى عليّ عليه السّلام و هو يصلّي في المسجد ، فقال له :

احترس فإنّ ناسا من مراد يريدون قتلك فقال عليه السّلام : إنّ مع كلّ رجلين ملكين يحفظانه ممّا لم يقدر ، فإذا جاء القدر خلّيا بينه و بينه ، و إنّ الأجل جنّة حصينة .

« إنّ مع كلّ انسان إلى بينه و بينه » في ( صفّين نصر )١ عن أبي إسحاق قال : خرج عليّ عليه السّلام يوم صفّين و في يده عنزة ، فمرّ على سعيد بن قيس الهمداني فقال له : أما تخشى أن يغتالك أحد و أنت قرب عدوّك ؟ فقال له عليّ عليه السّلام : إنّه ليس من أحد إلاّ عليه من اللّه حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو يصيبه آفة ، فإذا جاء القدر خلّوا بينه و بينه .

و في ( توحيد ابن بابويه )٢ عن أبي حيان التميميّ قال : بينا عليّ عليه السّلام يعبّئ الكتائب في صفّين و معاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا ،

و هو عليه السّلام على فرس النبي صلّى اللّه عليه و آله المرتجز ، و بيده حربة النبي صلّى اللّه عليه و آله متقلّدا سيفه ذا الفقار ، فقال له عليه السّلام رجل من أصحابه : احترس فإنّا نخشى أن يغتالك هذا اللعين فقال عليه السّلام : لئن قلت ذلك انّه غير مأمون على دينه ، و إنّه لأشقى القاسطين و ألعن الخارجين على الأئمة المهتدين ، و لكن كفى بالأجل حارسا ،

ليس أحد من الناس إلاّ و معه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء ، فإذا حان أجله خلّوا بينه و بين ما يصيبه ،

و كذلك إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا و أشار إلى لحيته و رأسه عهدا معهودا .

هذا ، و في ( بيان الجاحظ ) : وقع في الناس و باء جارف و موت ذريع ،

فهرب رجل على حماره ، فلمّا كان في بعض الطريق ضرب وجه حماره راجعا

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٥٠ .

 ( ٢ ) التوحيد لابن بابويه : ٣٦٧ ح ٥ .

٨

حيّه و قال :

لن يسبق اللّه على حمار

و لا على ذي ميعة مطار

قد يصبح اللّه امام الساري

و في ( حيوان الجاحظ )١ : أنّ طاعونا جارفا في البصرة جاء على أهل دار ، فلم يشك أهل تلك المحلة أنّه لم يبق فيها صغير و لا كبير ، و قد كان فيها صبي مرتضع و يحبو ، فعمد من بقي من المطعونين من المحلة فسدوا باب تلك الدار ، و بعد أشهر تحوّل بعض الورثة إلى الدار ففتحها ، فإذا هو بصبي يلعب مع اجراء كلب ، فراعه ذلك فلم يلبث ان أقبلت كلبة كانت لأهل الدار ، فلمّا رآها الصبي حبا إليها فأمكنته من أطبائها فمصها .

« و إنّ الأجل جنّة حصينة » قال تعالى : و ما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجلا .٢ ، . يقولون لو كان لنا من الأمر شي‏ء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم .٣ ، . لا تكونوا كالذين كفروا و قالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم .٤ .

و في ( التوحيد )٥ : أنّ قنبرا كان يحبه عليه السّلام حبّا شديدا ، فإذا خرج خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال له : مالك ؟ قال : جئت لأمشي خلفك قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسني ، أم من أهل الأرض ؟ فقال :

من أهل الأرض فقال : إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلاّ بإذن اللّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحيوان للجاحظ ٢ : ١٥٥ .

 ( ٢ ) آل عمران : ١٤٥ .

 ( ٣ ) آل عمران : ١٥٤ .

 ( ٤ ) آل عمران : ١٥٦ .

 ( ٥ ) التوحيد : ٣٣٨ ح ٧ .

٩

من السماء فارجع فرجع .

أيضا روى : أنّه عليه السّلام جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس ، فقال بعضهم له عليه السّلام : لا تقعد جنب هذا الحائط فإنّه معور فقال عليه السّلام : حرس امرئ أجله و لمّا قام عليه السّلام سقط ، و كان عليه السّلام ممّا يفعل هذا و أشباهه١ و روى : أنّ الحسين عليه السّلام دخل على معاوية فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ضحى ، ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين ؟ فقال عليه السّلام : علمه أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه٢ .

و روى ( التوحيد ) : أنّه قيل له عليه السّلام لمّا أراد قتال الخوارج : لو أحرزت .

فقال :

أي يومي من الموت أفر

يوم ما قدر ام يوم قدر

يوم لم يقدر لم أخش الردى

و إذا قدر لم يغن الحذر٣

٣

الخطبة ( ٦٨ ) و قال عليه السّلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه :

مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَ أَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ فَقُلْتُ يَا ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ؟ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ اَلْأَوَدِ وَ اَللَّدَدِ فَقَالَ اُدْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اَللَّهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي « قال الشّريف : يعني بالأود : الاعوجاج ، و باللّدد : الخصام ، و هذا من أفصح الكلام » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) التوحيد : ٣٦٩ ح ٨ .

 ( ٢ ) التوحيد : ٣٧٤ ح ١٩ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه .

١٠

قول المصنف : « و قال عليه السّلام » هكذا في جميع النسخ ، مع أنّ هذا دأبه في الباب الثالث ، و أمّا الأول فانّما يقول تارة : « و من خطبة له عليه السّلام » و اخرى : « و من كلام له عليه السّلام » .

« في سحرة » بالضم ، و في ( الجمهرة ) : السحرة و السحر واحد ، اليوم الذي ضرب فيه و في ( مروج المسعودي )١ : أنّه عليه السّلام ضرب بالليل .

و كيف كان ، فروي العنوان بطرق مختلفة ، ففي ( خلفاء ابن قتيبة )٢ روى عن الحسن عليه السّلام قال : أتيت أبي فقال لي : أرقت الليلة ثم ما ملكتني عيني ،

فسنح لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت : ماذا لقيت من امّتك من الأود و اللدد فقال : ادع عليهم فقلت : اللهم ابدلني بهم خيرا لي منهم ، و أبدلهم بي شرّا لهم مني ثم خرج إلى الصلاة فاعترضه ابن ملجم .

و في ( إرشاد المفيد )٣ روى عمّار الدهنيّ عن أبي صالح الحنفيّ قال :

سمعت عليّا عليه السّلام يقول : رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في منامي ، فشكوت إليه ما لقيت من امّته من الأود و اللدد و بكيت ، فقال : لاتبك يا عليّ و التفت فالتفت فإذا رجلان مصفّدان و إذا جلاميد ترضخ بهما رؤوسهما قال : فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو إليه في كلّ يوم حتى إذا كنت في الجزّارين لقيت الناس يقولون :

قتل أمير المؤمنين .

و في ( صفّين نصر )٤ عن الأعمش عن ابراهيم التيميّ عن الحرث بن سعيد عن عليّ عليه السّلام قال : رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في النوم ، فشكوت إليه ما لقيت من امّته من الأود و اللدد فقال : انظر فإذا عمرو بن العاص و معاوية معلقين

ــــــــــــ

 ( ١ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٢٤ .

 ( ٢ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٦٠ .

 ( ٣ ) الإرشاد للمفيد ١ : ١٥ .

 ( ٤ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٢١٨ .

١١

منكسين ، تشدخ رؤوسهما بالصخر .

و في ( عقد ابن عبد ربه )١ قال الحسن عليه السّلام صبيحة التي قتل فيها عليّ عليه السّلام : حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد فقال : يا بني إنّي صلّيت البارحة ما رزق اللّه ثم نمت نومة ، فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فشكوت إليه ما أنا فيه من مخالفة أصحابي ، و قلّة رغبتهم في الجهاد ، فقال لي : ادع اللّه أن يريحك منهم فدعوت اللّه و قال الحسن عليه السّلام صبيحة تلك الليلة : أيّها النّاس إنّه قتل فيكم الليلة رجل كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يبعثه فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، فلا ينثني حتى يفتح اللّه تعالى له ، ما ترك إلاّ ثلاثمائة درهم .

و في ( الأغاني ) بأسانيد عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن الحسن عليه السّلام :

خرجت أنا و أبي نصلّي في هذا المسجد ، فقال : يا بني إنّي بت الليلة اوقظ أهلي لأنّها ليلة الجمعة صبيحة قدر تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ،

فملكتني عيناي فسنح لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت : ماذا لقيت من امّتك من الأود و اللدد فقال لي : ادع عليهم فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، و أبدلهم بي من هو شرّ لهم مني و جاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج ،

و خرجت خلفه فاعتوره الرجلان ، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق ، و أمّا الآخر فأثبتها في رأسه .

و أمّا مقتله عليه السّلام ففي ( كامل المبرد )٢ : لمّا قتل عليّ عليه السّلام أهل النهروان كان بالكوفة زهاء ألفين من الخوارج ، ممّن لم يخرج مع عبد اللّه بن وهب و قوم ممّن استأمن إلى أبي أيوب ، فتجمعوا و أمّروا عليهم رجلا و هم بالنخيلة ،

فدعاهم و رفق بهم فأبوا ، فعاودهم فأبوا ، فخرجت طائفة منهم نحو مكة فوجّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد لابن عبد ربه ٣ : ١٩٥ .

 ( ٢ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٦٥ .

١٢

معاوية من يقيم للناس حجّهم ، فناوشه هؤلاء الخوارج فبلغ ذلك معاوية ،

فوجّه بسر بن أرطاة أحد بني عامر بن لؤي فتوافقوا و تراضوا بعد الحرب ،

بأن يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلا يفوت الناس الحجّ ، فلمّا انقضى قالت الخوارج : إن عليّا و معاوية قد أفسدا أمر الأمّة ، فلو قتلناهما لعاد الأمر إلى حقّه و قال رجل من أشجع : ما عمرو دونهما ، و إنّه لأصل هذا الفساد فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا أقتل عليّا فقالوا : و كيف به ؟ قال : اغتاله فقال الحجاج بن عبد اللّه الصريميّ و هو البرك : أنا أقتل معاوية و قال زادويه مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم : و أنا اقتل عمرا فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة ، فجعلوا تلك الليلة ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان ،

فخرج كلّ واحد منهم إلى ناحية ، فأتى ابن ملجم الكوفة فأخفى نفسه ، و تزوّج امرأة يقال لها : قطام بنت علقمة من تيم الرباب و كانت ترى رأي الخوارج .

و الأحاديث تختلف و إنّما يؤثر صحيحها ، و في بعضها : أنّها قالت : لا أقنع منك إلاّ بصداق اسمّيه لك ، و هو ثلاثة آلاف درهم و عبد و أمة و أن تقتل عليّا فقال لها : لك ما سألت ، فكيف لي به ؟ قالت : تروم ذلك غيلة ، و في ذلك يقول :

ثلاثة آلاف و عبد و قينة

و ضرب عليّ بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من عليّ و إن غلا

و لا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم

و ذكروا أنّ القاصد لمعاوية : يزيد بن ملجم ، و إلى عمرو : آخر من بني ملجم ، و أنّ أباهم نهاهم فلمّا عصوه قال : استعدوا للموت و أن امّهم حضتهم على ذلك و الخبر الصحيح ما ذكرت أول .

فأقام ابن ملجم فيقال : إنّ قطام لامته و قالت : ألا تمضي لمّا قصدت ؟

لشدّ ما أحببت أهلك قال : إنّي وعدت صاحبيّ وقتا بعينه و كان هنالك رجل

١٣

من أشجع يقال له : شبيب ، فواطأه عبد الرحمن .

و يروى أنّ الأشعث نظر إلى عبد الرحمن متقلّدا سيفا في بني كندة ،

فقال له : أرني سيفك فأراه فرأى سيفا جديدا ، فقال : ما تقلّدك السيف و ليس بأوان حرب ؟ فقال : أردت أن أنحر به جزور القرية فركب الأشعث بغلته و أتى عليّا عليه السّلام فخبره و قال له : قد عرفت بسالة ابن ملجم و فتكه فقال : ما قتلني بعد فخلوا عنه .

و يروى أنّ عليّا عليه السلام كان يخطب مرّة و يذكر أصحابه و ابن ملجم تلقاء المنبر ، فسمع و هو يقول : لأريحنهم منك فلمّا انصرف عليّ عليه السلام إلى بيته اتي به ملببا فأشرف عليهم فقال : ما تريدون ؟ فخبّروه بما سمعوا ، فقال عليه السلام : ما قتلني بعد فخلوا عنه .

و يروى أنّ عليّا عليه السلام كان يتمثّل إذا رآه ببيت عمرو بن معد يكرب في قيس بن مكشوح و اسم المكشوح هبيرة ، ضرب على كشحه فسمّي مكشوحا :

اريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فينتقي من ذلك حتى أكثر ، عليه فقال له المرادي : إن قضي شي‏ء كان .

فقيل لعلي عليه السلام : كأنّك قد عرفته و عرفت ما يريد بك ، أفلا تقتله ؟ فقال : كيف أقتل قاتلي ؟ فلمّا كان ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان خرج ابن ملجم و شبيب الأشجعي فاعتورا الباب الذي يدخل منه عليّ عليه السلام و كان مغلسا و يوقظ الناس للصلاة فخرج كما كان يفعل ، فضربه شبيب فأخطأه و أصاب سيفه الباب ، و ضربه ابن ملجم على صلعته ، فقال عليّ عليه السلام : فزت و ربّ الكعبة شأنكم بالرجل .

١٤

فيروى أنّ بعض من كان بالمسجد من الأنصار قال : سمعت كلمة عليّ عليه السلام و رأيت بريق السيف ، فأمّا ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه ،

فأفرجوا له و تلقّاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بقطيفة فرمى بها عليه ، و احتمله فضرب به الأرض و كان ايدا فقعد على صدره ، و أما شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضر موت و صرعه و قعد على صدره ،

و كثر الناس فجعلوا يصيحون : عليكم صاحب السيف ، فخاف الحضرمي أن يكبّوا عليه و لا يسمعوا عذره ، فرمى بالسيف و انسل شبيب بالناس .

و يروى أنّ ابن ملجم بات تلك الليلة عند الأشعث ، و أنّ حجر بن عدي سمع الأشعث يقول له : فضحك الصبح فلمّا قالوا : قتل أمير المؤمنين عليه السلام ،

قال حجر للأشعث : أنت قتلته يا أعور .

و يروى أنّ الذي سمع ذاك أخو الأشعث عفيف بن قيس و أنّه قال لأخيه : عن أمرك كان هذا يا أعور .

قوله عليه السلام :

« ملكتني عيني » أي : غلبتني فحصل لي النوم .

« و أنا جالس فسنح » أي : ظهر لي .

« رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه ماذا لقيت من امتك من الأود و اللدد » و كما شكا إليه عليه السلام في ليلة قتله ، شكا إليه صلّى اللّه عليه و آله عند دفن زوجته سيّدة النساء ،

فقال له بعد السلام عليه : و ستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها ، فأحفها السؤال و استخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا ، و ستقول : و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين١ إلى أن قال و لو لا غلبة المسؤولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفا ، و لأعولت اعوال الثكلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٨٧ .

١٥

على جليل الرزية ، فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّا ، و تهضم حقّها و تمنع ارثها ، و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر ، و إلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى ، و فيك يا رسول اللّه أحسن العزاء . .

و كذلك شكا الحسين عليه السلام إلى جدّه لمّا دعوه إلى بيعة يزيد على ما روى محمّد بن أبي طالب الموسوي فقال : خرج في الليل إلى قبر جدّه فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، أنا الحسين بن فاطمة فرخك و سبطك الذي خلّفتني في امّتك ، فاشهد عليهم إنّهم قد خذلوني و ضيّعوني و لم يحفظوني ، و هذه شكو اي إليك حتى ألقاك إلى آخر ما ذكر .

« فقال : ادع عليهم فقلت : أبدلني اللّه بهم خيرا » هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن ميثم٢ و الخطية ) : « خيرا لي » .

« منهم ، و أبدلهم بي شرّا لهم منّي » هو كقوله تعالى : . فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .٣ و جزاء سيئة سيئة مثلها .٤ .

و في ( عكبرية المفيد )٥ في جواب أبي ليث الحاجب عن هذه الجملة سأل عليه السلام التخلية بين الأشرار من خلقه و بين القوم الظالمين عقوبة لهم و امتهانا ، و سأله أيضا أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدّمت أيديهم ، ممّا يستحقون به من العذاب المهين .

و نظير ذلك قوله تعالى : و إذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٩١ .

 ( ٣ ) البقرة : ١٩٤ .

 ( ٤ ) الشورى : ٤٠ .

 ( ٥ ) العكبرية للمفيد : ٣٧ .

١٦

من يسومهم سوء العذاب .١ ، و قوله تعالى : . أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا٢ و لم يرد بذلك البعثة التي هي الرسل و لا الأمر بذلك ،

و إنّما أراد التخلية و التمكين و ترك الحيلولة بينهم و بين المذكورين ، و هذا بيّن .

قول المصنف : « يعني بالأود : الاعوجاج ، و باللدد : الخصام ، و هذا من أفصح الكلام » ليس في ( ابن ميثم )٣ قول المصنف رأسا ، و لعلّه سقط من النسخة .

٤

من الخطبة ( ١٨٠ ) ثم نادى بأعلى صوته :

اَلْجِهَادَ اَلْجِهَادَ عِبَادَ اَللَّهِ أَلاَ وَ إِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ اَلرَّوَاحَ إِلَى اَللَّهِ فَلْيَخْرُجْ « قال نوف : و عقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، و لقيس بن سعد رحمه اللّه في عشرة آلاف ، و لأبي أيّوب الأنصاريّ في عشرة آلاف ،

و لغيرهم على أعداد اخر ، و هو يريد الرّجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه اللّه ، فتراجعت العساكر ،

فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان » .

« ثم نادى بأعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد اللّه » في ( الكافي )٤ عن الصادق عليه السلام سئل : هل الجهاد سنّة أو فريضة ؟ فقال عليه السلام : الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض ، و جهاد سنّة لا يقام إلاّ مع الفرض ، و جهاد سنّة ، فأمّا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ١٦٧ .

 ( ٢ ) مريم : ٨٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٩١ .

 ( ٤ ) الكافي ٥ : ٩ ح ١ .

١٧

أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن المعاصي و هو من أعظم الجهاد ،

و مجاهدة الذين يلونكم من الكفار ، و أمّا الجهاد الذي هو سنّة لا يقام إلاّ مع فرض فإنّ مجاهدة العدوّ فرض على جميع الامّة ، و لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب و هذا هو من عذاب الامّة ، و هو سنّة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الامّة فيجاهدهم ، و جهاد السنة : كلّ سنة أقامها الرجل و جاهد في إقامتها . .

« ألا و إنّي معسكر » بكسر الكاف .

« في يومي هذا ، فمن أراد الرواح » أي : الذهاب .

« إلى اللّه » بالجهاد في سبيله .

« فليخرج » إلى المعسكر .

« قال نوف » هو راوي الخطبة الذي قال في أوّلها : خطبنا عليّ عليه السلام بهذه الخطبة و هو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، و عليه مدرعة من صوف ، و حمائل سيفه ليف ، و في رجليه نعلان من ليف ، و كأنّ جبينه ثفنة بعير .

« و عقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف » في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : ولد الحسين لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع ، و قتل يوم عاشوراء سنة ( ٦١ ) قتله سنان بن أنس النخعي ، و أجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير و حزّ رأسه و أتى به عبيد اللّه سأل عراقي ابن عمر عن دم البعوض ، فقال : انظروا هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد سمعته صلّى اللّه عليه و آله يقول : الحسن و الحسين هما ريحانتي من الدنيا ؟ و حجّ عليه السلام خمسا و عشرين حجّة ماشيا .

« و لقيس بن سعد رحمه اللّه في عشرة آلاف » في ( المروج )١ : كان قيس من

ــــــــــــ

 ( ١ ) المروج ٣ : ٢٦ .

١٨

الزهد و الديانة و الميل إلى عليّ عليه السلام بالموضع العظيم ، و بلغ من خوفه للّه و طاعته أنّه كان يصلّي فلمّا أهوى للسجود إذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطوّق ، فمال عن الثعبان برأسه و سجد إلى جانبه ، فتطوق الثعبان برقبته ، فلم يقصر من صلاته و لا نقّص منها شيئا حتى فرغ فرمى به .

و في ( الطبري )١ لمّا عزله عليّ عليه السلام عن مصر جاءه حسّان و كان عثمانيا شامتا به فقال له : نزعك عليّ و قد قتلت عثمان ، فبقي عليك الإثم و لم يحسن لك الشكر فقال له قيس : يا أعمى القلب و البصر لو لا أن القي بين رهطي و رهطك حربا لضربت عنقك .

و في ( الإستيعاب )٢ : كان له ديون كثيرة على الناس فمرض و استبطأ عوّاده ، فقيل له : إنّهم يستحيون من أجل دينك فأقام مناديا ينادي : من كان لقيس عليه دين فهو له فأتاه النّاس حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه .

و فيه٣ : لمّا بويع أبوبكر خرج أبوه إلى الشام و لم يبايع ، و قسّم ماله بين أولاده ثم توفي عن حمل لم يعلم به ، فكلّم أبوبكر و عمر قيسا حتى ينقض قسمة أبيه ، فقال : نصيبي للمولود و لا اغيّر قسمة أبي .

و في ( المقاتل ) : لمّا تمّ الصلح بين الحسن عليه السلام و معاوية أرسل إلى قيس يدعوه إلى البيعة ، فاتي به و كان رجلا طويلا يركب الفرس المشرف و رجلاه تخطان في الأرض ، و ما في وجهه طاقة شعر ، و كان يسمّى خصي الأنصار فلمّا أرادوا أن يدخلوه إليه قال : إنّي قد حلفت ألاّ ألقاه إلاّ بيني و بينه الرمح أو

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٥٥ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٢٣١ .

 ( ٣ ) الاستيعاب ٣ : ٢٣٠ .

١٩

السيف فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه و بينه ليبر يمينه .

و في خبر : أنّ معاوية أكبّ على قيس حتى مسح يده على يد قيس ، و ما رفع قيس يده إليه .

و في ( الاستيعاب )١ : كان أحد دهاة العرب و أهل الرأي و المكيدة في الحروب ، مع النجدة و البسالة و الشجاعة و الكرم ، و كان شريف قوم غير مدافع هو و أبوه و جدّه و لم يفارق عليّا عليه السلام حتى قتل٢ .

« و لأبي أيوب الأنصاري » و اسمه خالد بن زيد ، في ( الطبري )٣ قال ربيعة بن عثمان : جاء سعد القرظ المؤذن إلى عليّ عليه السلام أول يوم حصر فيه عثمان ، فقال : من يصلّي بالناس ؟ فقال : ناد خالد بن زيد فنادى فصلّى بالناس ،

فإنّه أول يوم عرف أنّ أبا أيوب خالد بن زيد ، فكان يصلّي بهم أياما ثم صلّى عليّ عليه السلام بعد ذلك .

و في ( صفين ابن ديزيل ) عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو أيوب فنزل ضيعتنا يعلف خيلا له ، فقلنا : يا أبا أيوب قاتلت المشركين مع سيفك هذا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرني بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين ، فقد قاتلت الناكثين و القاسطين ، و أنا مقاتل إن شاء اللّه بالسعفات بالطرقات بالنهروانات ، و ما أدري أين هي ؟

و في ( الاستيعاب )٤ : و عليه نزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين قدم المدينة حتى بنى مسجده و بنى مساكنه آخى صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين مصعب بن عمير قال : نزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بيتنا الأسفل ، و كنت في الغرفة فاهريق ماء في الغرفة ، فقمت أنا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٣ : ٢٢٥ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٢٢٦ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٣ .

 ( ٤ ) الاستيعاب ١ : ٤٠٣ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اشترى للقراض وقع الشراء له ، ووجب الثمن عليه ، وإذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض ، ومَلَكه ربّ المال ، وإذا تلف الثمن كان الثمن على مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخرى ليدفعها ، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخرى ، وعلى هذا.

واختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال : إنّ الألفين الأوّلة والثانية تكونان رأس المال.

ومنهم مَنْ قال : الثانية خاصّةً ، والاولى انفسخ القراض فيها(١) .

وقال ابن سريج : إنّ الشراء يقع للعامل ، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده ، وحمل كلام الشافعي على عمومه(٢) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإن اشترى قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض ، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن ، فإذا تعذّر ذلك ، فقد حصل الشراء على غير الوجه الذي أذن ، فيصير الشراء للعامل.

قال : وهذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره ، فيصحّ الإحرام عنه ، فإذا أفسده الأجير ، صار عنه ؛ لأنّه خالف في الإذن ، كذا هنا.

لا يقال : لو وكّل وكيلاً ودفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها وقبل أن يدفع الثمن هلك في يده ، أليس يكون الشراء للموكّل والألف عليه؟

لأنّا نقول : قال ابن سريج : في ذلك وجهان :

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

١٢١

أحدهما : إنّه يلزم الوكيل ، كمسألتنا.

والثاني : إنّه يلزم الموكّل(١) .

والفرق بينهما : إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة على أنّه لا يزيد عليها ؛ لأنّ إذنه تناول المال ، ولا يلزمه أن يزيد على ذلك ، وفي الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد وقد اشتراه له ، فكان ثمنه عليه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ - ٢٣١.

١٢٢

١٢٣

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ٢٧٧ : لو ادّعى العامل التلفَ ، صُدّق باليمين وعدم البيّنة ، سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(١) ؛ لأنّه أمين في المال ، كالمستودع.

والأصل فيه : إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه ، فكان أميناً ، كالوكيل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال : « ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً »(٣) .

وبه قال الشافعي(٤) ، وفرّق بين العامل وبين المستعير حيث ذهب إلى أنّ المستعير ضامن(٥) : بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ ، وهنا معظم المنفعة لربّ المال.

وفرّق أيضاً بين العامل وبين الأجير المشترك ، فإنّه عنده - على أحد القولين - ضامن ؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له ، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت‌

____________________

(١) الظاهر : « بعده ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢.

(٤) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٥) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢٧٣ ، الهامش (٤)

١٢٤

له ، وهنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة ، فافترقا(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قوله مقبول في التلف ، سواء ادّعى التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً ، وسواء أمكنه إقامة البيّنة على السبب أو لا.

وللشافعي تفصيل(٢) تقدّم مثله في الوديعة(٣) .

مسألة ٢٧٨ : لو اختلف المالك والعامل في ردّ المال ، فادّعاه العامل وأنكره المالك ، فالأقوى : تقديم قول المالك - وهو قول أحمد ، وأحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ردّه إلى المالك ، كالمستعير ، ولأنّ صاحب المال منكر والعامل مدّعٍ ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

والوجه الثاني لأصحاب الشافعي : إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، ولأنّ معظم النفع لربّ المال ، والعامل كالمستودع(٥) .

ونمنع أنّه أمين في المتنازع ، ولا ينفع في غيره.

والفرق بينه وبين المستودع ظاهر ؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

ونمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا ، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه ، ولم يأخذه لنفع ربّ المال.

____________________

(١) راجع : البيان ٧ : ٢٠٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢١٢ ، المسألة ٦٢.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، البيان ٧ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٥

مسألة ٢٧٩ : لو اختلفا في الربح ، فالقول قول العامل مع يمينه وعدم البيّنة - سواء اختلفا في أصله وحصوله بأن ادّعى المالك الربحَ وأنكر العامل وقال : ما ربحتُ شيئاً ، أو في مقداره بأن ادّعى المالك أنّه ربح ألفاً وادّعى العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

وكذا لو قال : كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ وذهب الربح ، وادّعى المالك بقاءه في يده ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، كما لو ادّعى المستودع التلفَ ، وكما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه ، ولأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة ، كالوكيل ، وبه قال الشافعي وغيره(١) .

وأمّا لو قال العامل : ربحتُ ألفاً ، ثمّ قال : غلطتُ في الحساب ، وإنّما الربح مائة ، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا ، أو قال : كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك ، لم يُقبل رجوعه ؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه ، فلم يُقبل ، كسائر الأقارير ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح ، قُبِل قوله : كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم ، بخلاف ما إذا قال : خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه ، فإنّه لا يُقبل ، كما لو ادّعى عليه وديعة ، فقال له : ما أودعتَ عندي شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى التلف ، لم يُقبل قوله ، أمّا لو قال : ما تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٦

التلف ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل ، كذا هنا(١) .

هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة ٢٨٠ : إذا اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا ، فقال صاحب المال : اشتريتَه للقراض ، وقال العامل : اشتريتُه لنفسي ، قُدّم قول العامل مع اليمين ، وكذا لو ظهر خسران فاختلفا ، فادّعى صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل ، وهو أبصر بما نواه ، ولا يطّلع على ذلك من البشر أحد سواه ، وإنّما يكون مال القراض بقصده ونيّته - وهو أحد قولَي الشافعي(٢) - ولأنّ في المسألة الأُولى المال في يد العامل ، فإذا ادّعى ملكه فالقول قوله.

وقد ذكر الشافعي في الوكيل والموكّل إذا اختلفا في بيع شي‌ءٍ أو شراء شي‌ءٍ ، فقال الموكّل : ما بعتَه ، أو قال : ما اشتريتَه ، وقال الوكيل : بعتُ أو اشتريتُ ، قولين(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٣ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، و ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٢٧

واختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً : قولان ، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران :

أحدهما : القول قول ربّ المال ؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض ، والأصل عدم وقوعه للقراض ، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل : بعتُ ما أمرتني ببيعه ، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه ، فقال الموكّل : لم تفعل.

والثاني : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أعلم بما نواه.

ومنهم مَنْ قال هنا : القول قول العامل قولاً واحداً ، بخلاف مسألة الوكالة.

والفرق بينهما : إنّ الموكّل والوكيل اختلفا في أصل البيع والشراء ، وهنا اتّفقا على أنّه اشتراه ، وإنّما اختلفا في صفة الشراء ، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(١) .

ولو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية ، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً ، فيبطل البيع ، ولا يكون للقراض(٢) .

مسألة ٢٨١ : لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح ، فقال المالك : شرطتُ(٣) لك الثلث ، وقال العامل : بل النصف ، فالقول قول المالك مع‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، البيان ٧ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٦ ، البيان ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « اشترطتُ ».

١٢٨

يمينه وعدم البيّنة ، عند علمائنا - وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس ، والقول قول المنكر مع اليمين.

وقال الشافعي : يتحالفان ؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته ، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن ، وكالإجارة ، فإذا حلفا فسخ العقد ، واختصّ الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أُجرة المثل عن عمله ، كما لو كان القراض فاسداً - وفيه وجه : إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(٢) - ولو حلف أحدهما ونكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(٣) .

وعن أحمد رواية ثانية : إنّ العامل إذا ادّعى أُجرة المثل وزيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله ، وإن ادّعى أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(٤) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٢٢٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٥.

(٤) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥.

١٢٩

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ المالك منكر ، ولأنّه اختلاف في فعله ، وهو أبصر به وأعرف ، ولأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال ، فالقول قول مَنْ يدّعيه ، وعلى مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة ٢٨٢ : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فقال المالك : دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال ، وقال العامل : بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال ، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال ، كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) .

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً وهو ينكره ، والقول قول المنكر ، والأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به ، ولأنّ المال في يد العامل وهو يدّعيه لنفسه ربحاً ، وربّ المال يدّعيه لنفسه ، فالقول قول صاحب اليد.

ولا فرق عندنا بين أن يختلفا وهناك ربح أو لم يكن ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان تحالفا ؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به ، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٣٤٨٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٩١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ و ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣٠

الربح(١) .

والحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم ، مع أنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد ، والاختلاف هنا اختلاف في القبض ، فيُصدَّق فيه النافي ، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة ٢٨٣ : لو كان العامل اثنين وشرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة وله النصف ، وتصرّفا واتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف ، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال : إنّ رأس المال ألفان ، فصدّقه أحد العاملين وكذّبه الآخَر وقال : بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة ، لزم الـمُقرّ ما أقرّ به ، ثمّ يحلف المنكر ؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال ، ويُقضى للمنكر بموجب قوله ، فالربح بزعم المنكر ألفان وقد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة ، فتُسلّم إليه ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ؛ لاتّفاق المالك والـمُقرّ عليه ، تبقى خمسمائة تُقسَّم بين المالك والمصدِّق أثلاثاً ؛ لاتّفاقهم على أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين ، وما أخذه المنكر كالتالف منهما ، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة والمصدِّق ثلثها ؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه ، ونصيب المصدِّق الربع ، فيقسّم بينهما على ثلاثة أسهم ، وما أخذه الحالف كالتالف ، والتالف في المضاربة يُحسب من الربح.

ولو كان الحاصل ألفين لا غير ، فادّعاها المالك رأسَ المال ، فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر وادّعى أنّ رأس المال ألف والألف الأُخرى ربح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣١

صُدّق المكذِّب بيمينه ، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين وخمسين الزائدة على ما أقرّ به ، والباقي يأخذه المالك.

مسألة ٢٨٤ : لو اختلفا في جنس مال القراض ، فادّعى المالك أنّ رأس المال كان دنانير ، وقال العامل : بل دراهم ، فالقول قول العامل مع يمينه ؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

ولو اختلفا في أصل القراض ، مثل : أن يدفع إلى رجلٍ مالاً يتّجر به ، فربح ، فقال المالك : إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً والربح بيننا ، وقال التاجر : بل كان قرضاً علَيَّ ، ربحه كلّه لي ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه ملكه ، والأصل تبعيّة الربح له ، فمدّعي خلافه يفتقر الى البيّنة ، ولأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده ، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

وقال بعض العامّة : يتحالفان ، ويكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله ؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح ، فربّ المال يعترف له به ، وهو يدّعي كلّه ، وإن كان أُجرة مثله أكثر ، فالقول قوله مع يمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط ، وإنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له ، فتكون له أُجرة المثل(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه ، فالأقوى : إنّه يُحكم ببيّنة العامل ؛ لأنّ القول قول المالك ، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

وقال أحمد : إنّهما يتعارضان ، ويُقسّم الربح بينهما نصفين(٢) .

ولو قال ربّ المال : كان بضاعةً فالربح كلّه لي ، وقال العامل : كان قراضاً ، فالأقرب : إنّهما يتحالفان ، ويكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧.

(٢) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧ - ١٧٨.

١٣٢

من الربح أو أُجرة مثله ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح ، فلا يستحقّ زيادةً عليه وإن كان الأقلّ أُجرة مثله ، فلم يثبت كونه قراضاً ، فيكون له أُجرة عمله.

ويحتمل أن يكون القول قولَ العامل ؛ لأنّ عمله له ، فيكون القولُ قولَه فيه.

ولو قال المالك : كان بضاعةً ، وقال العامل : كان قرضاً علَيَّ ، حلف كلٌّ منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ، وكان للعامل أُجرة عمله لا غير.

ولو خسر المال أو تلف ، فقال المالك : كان قرضاً ، وقال العامل : كان قراضاً أو بضاعةً ، فالقول قول المالك.

وكذا لو كان هناك ربح فادّعى العامل القراضَ والمالك الغصبَ ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

* * *

١٣٣

الفصل الخامس : في التفاسخ واللواحق‌

مسألة ٢٨٥ : قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ؛ فإنّه وكالة في الابتداء ، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء ، فلكلّ واحدٍ من المالك والعامل فسخه والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه إلى حضور الآخَر ورضاه ؛ لأنّ العامل يشتري ويبيع لربّ المال بإذنه ، فكان له فسخه ، كالوكالة ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل أن يشتري بعده.

وإن كان قد عمل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً ، وكان للعامل أُجرة عمله إلى ذلك الوقت ، وإن كان فيه ربح أخذ رأس ماله وحصّته من الربح ، وأخذ العامل حصّته منه.

وإن لم يكن المال ناضّاً ، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك ، فإن كان في المال ربح كان على العامل جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٧٧ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٤

وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخرحمه‌الله : يجب على العامل جبايته أيضاً(١) ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ ، فيجب(٢) عليه أن ينضّه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(٣) .

والأصل فيه : إنّ الدَّيْن ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكاً تامّاً ، فليردّ كما أخذ.

وقال أبو حنيفة : إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه ، وإن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل ، فصار(٤) كالوكيل(٥) .

والفرق : إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض ، والعامل يلزمه.

مسألة ٢٨٦ : لو فسخ المالك القراض والحاصل دراهم مكسّرة وكان رأس المال صحاحا ، فإن قدر على إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها ، وإلّا باعها بغير جنسها من النقد ، واشترى بها الصحاح.

ويجوز أن يبيعها بعرضٍ ويشتري به الصحاح ؛ لأنّه سعي في إنضاض المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، المسألة ١٠ من كتاب القراض.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فوجب ».

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٩ ، البيان ٧ : ١٩٨ و ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، المغني ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « فكان » بدل « فصار ».

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، البيان ٧ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٥

يتعوّق عليه بيع العرض(١) .

ولو كان رأس المال دنانير والحاصل دراهم ، أو بالعكس ، أو كان رأس المال أحد النقدين والحاصل متاع ، فإن لم يكن هناك ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك.

وللعامل أيضاً بيعه وإن كره المالك - وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

ولا يجب على المالك الصبر وتأخير البيع إلى موسم رواج المتاع - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

وقال مالك : للعامل أن يؤخّر البيع إلى الموسم(٤) .

ولو طلب المالك أن يأخذه بقيمته ، جاز ، وما يبقى بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

وإن لم يطلب ذلك ، وطلب أن يباع بجنس رأس المال ، لزم ذلك ، ويباع منه بقدر رأس المال ، ولا يُجبر العامل على بيع الباقي.

ولو قال العامل : قد تركتُ حقّي منه فخُذْه على صفته ولا تكلّفني البيع ، فالأقرب : إنّه لا يُجبر المالك على القبول ؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه ، وفي الإنضاض مشقّة ومئونة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) المغني ٥ : ١٧٩ - ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

١٣٦

إنّه يجب على المالك القبول(١) .

وقد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا وفي كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم : إنّ هذا مبنيّ على الخلاف في أنّه متى يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور ، لم يلزم المالك قبول ملكه ، ولم يسقط به طلب البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، أُجيب ؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ ، فلا معنى لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(٢) .

وقال بعضهم : بل هُما مفرَّعان أوّلاً على أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك والإسقاط؟ وهو مبنيّ على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، لم يسقط كسائر المملوكات ، وإن قلنا بالقسمة ، سقط على أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مَلَك أن يملك ، فكان له العفو والإسقاط كالشفعة ، فإن قلنا : لا يسقط حقّه بالترك ، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع ، وإذا قلنا : يسقط ، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح؟(٣) .

ولو قال المالك : لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عَدْلين ، أو قال : أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً ، فالأقوى : إنّ للعامل الامتناع ؛ لأنّه قد يجد زبوناً(٤) يشتريه بأكثر من قيمته.

وللشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، فله البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، فلا ؛ لوصوله إلى حقّه بما يقوله المالك(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ - ٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١.

(٤) راجع : ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ١٦١ ، الهامش (٥)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٧

وقطع بعضهم على الثاني ، وقال : إذا غرس المستعير في أرض العارية ، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة ؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة ، فهنا أولى(١) .

والأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا ، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه وإنضاضه قدر رأس المال خاصّةً ، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان ، لا يكلّف واحد منهما بيعه ؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك والعامل ، ولا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه ، ولأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

وإذا باع بطلب المالك أو بدونه ، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال ، ولو لم يكن من جنسه باعه بما يرى من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد ، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به ، وحصل به رأس المال(٢) .

مسألة ٢٨٧ : لو لم يكن في المال ربح ، ففي وجوب البيع على العامل وإنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال ينشأ : من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقّه منه ، فإذا لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة ، ومن أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه ؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلى ما كان مئونة وكلفة.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٨

وهل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع؟ إشكال ينشأ : من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ ، فيحصل له ربحٌ ما ، ومن أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع ، وهو شغل لا فائدة فيه.

وللشافعيّة وجهان(١) .

والثاني عندي أقوى ؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلى حين الفسخ ، وحصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد ، فلا يستحقّها العامل.

وقال بعضهم : إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً ، وله أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(٢) .

وتردّد بعضهم في ذلك ؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة ، وإنّما هو رزق يساق إلى مالك العروض(٣) .

وعلى القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا على أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق ، فهل للعامل نصيبٌ فيه ؛ لحصوله بكسبه ، أو لا ؛ لظهوره بعد الفسخ؟ الأقوى : الثاني ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٢٨٨ : يرتفع القراض بقول المالك : « فسختُ القراض » و « رفعتُه » و « أبطلتُه » وما أدّى هذا المعنى ، وبقوله للعامل : « لا تتصرّف بعد هذا » أو « قد أزلتُ يدك عنه » أو « أبطلتُ حكمك فيه » وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٩

ولو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع ، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه ، فإنّ الوكيل ينعزل ، كذا العامل هنا ؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ ، ولو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله على الأوّل وعلى الثاني.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو حبس العامل ومنعه من التصرّف ، أو قال : لا قراض بيننا ، فالأقرب : الانعزال.

مسألة ٢٨٩ : القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه ؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل.

ولا فرق بين ما قبل التصرّف وبعده.

فإذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح اقتسماه.

وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء ، ولم يأخذوا شيئاً من نصيبه ؛ لأنّه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكاً للمالك ، وليس لربّ المال شي‌ء من نصيبه ، فهو كالشريك ، ولأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة ، فكان مقدَّماً ، كحقّ الجناية ، ولأنّه متعلّق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، كحقّ الرهن.

وإن كان المال عرضاً ، فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608