• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43720 / تحميل: 5078
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

« باب هذه الدار » و مرّ أنّ في رواية سبط ابن الجوزي : ( و فيه يشرع بابها و تجتمع أسبابها ) .

و في الخبر ما معناه : أنّ إبليس جاء إلى عيسى عليه السلام و قد اضطجع و وضع تحت رأسه لبنة ، فقال له ما تريد منّي ؟ و ليس لي شي‏ء من متاع الدّنيا ،

فقال له : ما دام لك علاقة بهذه اللّبنة يكون لي فيك مطمع ، فأخذ عيسى عليه السلام اللّبنة و رمى بها .

« اشترى هذا المغتر بالأمل من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عزّ القناعة و الدخول في ذلّ الطلب و الضّراعة ، أي : الذّلة و المسكنة ، وصف عليه السلام المتبايعين و المبيع بأوصافها المتقدّمة ، و زاد هنا ذكر الثمن بقوله : « بالخروج من عزّ القناعة و الدّخول في ذلّ الطلب و الضّراعة » .

قالوا : باع رجل أرضا من رجل بدراهم و قال له : دفعتها إليك بطيئة الإجابة عظيمة المؤنة ، فقال له المشتري : دفعتها إليك بطيئة الاجتماع سريعة التفرّق .

« فما أدرك هذا المشتري في ما اشترى منه » هكذا في ( المصرية )١ و كلمة « منه » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٢ .

« من درك » ، بفتحتين و الأصل فيه قطعة حبل تشدّ في طرف الرّشاء إلى عرقوة الدّلو ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الرّشاء ، ثم استعير لضمان إنسان للمشتري ما يلحقه في المبيع من العيب أو كونه مستحقا لغير البايع ،

و في المبايعات الرياسيّة كالمبايعات المعامليّة الدّرك أيضا غالب .

بايع هارون للأمين و المأمون و المؤتمن ، فأراد الأمين خلع المأمون

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية المصححة بلا لفظ « منه » : ٥٢٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٢٨ و الخطية : ٢٣ كما ذكر ، اما ابن ميثم فكالمصرية ٤ : ٣٤٣ .

٣٠١

فتحاربا ، فقتله المأمون ، و خلع المأمون المؤتمن أيضا ، و بايع المتوكّل للمنتصر و المعتز و المؤيّد ثمّ أراد خلع المنتصر فقتله المنتصر غيلة ، و قتل المعتزّ المؤيّد أيضا .

« فعلى مبلبل أجسام الملوك » أي : من يتتبّعها فلا يدع منها شيئا من ( تبلبلت الإبل الكلاء ) ، في ( بيان الجاحظ ) : قال الحسن البصري : قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة أي عبد الملك و أمير المصرين أي الكوفة و البصرة و أشبّ النّاس فأقام عندنا أربعين يوما ثمّ طعن في قدمه فمات فأخرجناه إلى قبره فلّما صرنا إلى الجبّانة فإذا نحن بأربعة سودان يحملون صاحبهم إلى قبره ، فوضعنا السّرير فصلّينا عليه و وضعوا صاحبهم فصلّوا ،

عليه ثمّ حملنا بشرا إلى قبره ، و حملوا صاحبهم إلى قبره ، و دفنّا بشرا و دفنوا صاحبهم ، ثم انصرفوا و انصرفنا ، ثمّ التفتّ فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشيّ فلم أر شيئا قطّ كان أعجب منه١ و بشر هذا هو الذي يقول فيه الشاعر :

بشر استوى على العراق

بغير سيف و دم مهراق

« و سالب نفوس الجبابرة » في ( الطبري ) : قال الأصمعي : أوّل من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر ، كنّا في حلقة يونس فمرّ بنا خلف ، فقال : قد طرقت ببكرها أمّ طبق ، قال يونس : و ماذا ؟ قال :

تنتجوها خير أضخم العنق

موت الإمام فلقة من الفلق٢

« و مزيل ملك الفراعنة » في ( الصحاح ) : فرعون ، لقب الوليد بن مصعب ملك

ــــــــــــ

 ( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٣ : ١٤٧ .

 ( ٢ ) تاريخ الامم للطبري ٦ : ٣٥١ .

٣٠٢

مصر ، و كلّ عات فرعون١ .

« مثل كسرى » لقب ملوك فارس في ( الصحاح ) : كسرى جمع بأكاسرة على غير قياس لأنّ قياسه كسرون ( بفتح الرّاء ) مثل عيسون و موسون ( بفتح السين )٢ .

« و قيصر » لقب ملوك الروم ، و في ( تنبيه المسعودي ) معنى قيصر شقّ عنه ، ذكروا أنّ امّه ماتت و هي مقرب به ، فشقّ عنه بطنها و استخرج ، و صار ذلك كالسّمة لكثير من ملوكهم فسمّتهم العرب بالقياصرة٣ .

« و تبّع » اسم لملوك اليمن .

و في ( تنبيه المسعودي ) : قال حسّان أو النّعمان بن بشير :

لنا من بني قحطان سبعون تبّعا

أقرّت لها بالخرج منها الأعاجم

قيل للملك منهم تبّع ، تشبيها بالظّلّ الذي يتفيأ به ، و التّبع في أصل اللّغة :

الظّل ، إذ كانت الملوك السعداء ظلالا لرعيّتهم ، و كهفا لهم ، و استشهادهم بقول ليلى أو سعدى الجهنيّة :

يرد المياه حضيرة و نفيضة

ورد القطاة إذا اسمأل التّبّع٤

يعني ارتفع الظلّ .

« و حمير » ( بالكسر فالسّكون فالفتح ) في ( الصحاح ) : هو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، و منهم كانت الملوك في الدّهر الأول٥ .

« و من جمع المال على المال فأكثر » قال تعالى في قارون : و آتيناه من

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( فرعن ) .

 ( ٢ ) الصحاح : ( كسر ) .

 ( ٣ ) التنبيه و الاشراف للمسعودي : ٣٤٢ .

 ( ٤ ) التنبيه و الاشراف للمسعودي : ١٥٧ .

 ( ٥ ) الصحاح : ( حمر ) .

٣٠٣

الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذ قال له قومه لا تفرح انّ اللّه لا يحبّ الفرحين و ابتغ فيما آتاك اللّه الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدّنيا و أحسن كما أحسن اللّه إليك و لا تبغ الفساد في الأرض انّ اللّه لا يحبّ المفسدين قال إنّما اوتيته على علم عندي أو لم يعلم أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّة و أكثر جمعا و لا يسئل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم و قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خير لمن آمن و عمل صالحا و لا يلقّاها إلاّ الصابرون فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللّه و ما كان من المنتصرين و أصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون و يكأنّ اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء و يقدر لو لا أن منّ اللّه علينا لخسف بنا و يكأنّه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين١ .

« و شيّد » أي : طوّل ، و قال الكسائي : المشيد للواحد ، من قوله تعالى :

و قصر مشيد٢ ، ( و المشيّد ) للجمع من قوله تعالى : في بروج مشيّدة .٣ .

قلت : و هو كما ترى ، فإنّ الجمعيّة في الثاني من قبل التاء لا التضعيف .

« و زخرف » في ( الصحاح ) : الزّخرف : الذهب ، ثمّ يشبّه به كلّ مموّه و مزوّر .

ــــــــــــ

 ( ١ ) القصص : ٧٦ ٨٣ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( شيّد ) و الآية ٤٥ من سورة الحج .

 ( ٣ ) النساء : ٧٨ .

٣٠٤

« و نجد » أي : زيّن١ .

« و ادّخر » افتعال من ذخرت الشي‏ء .

« و اعتقد » يمكن أن يكون من ( اعتقد الضّيعة ) أي : اقتناها ، و يمكن أن يكون بمعنى : عقد المال الّذي ادّخره عقدا استحكاما ، قال تعالى : الذي جمع مالا و عدّده يحسب أنّ ماله أخلده٢ .

و في ( بيان الجاحظ ) : قال صالح المرّي : دخلت دار المورياني أبي أيوب بعد نكبة المنصور له ، فاستفتحت ثلاث آيات من كتاب اللّه تعالى في داره فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلاّ قليلا .٣ و لقد تركناها آية فهل من مدّكر٤ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا .٥ فخرج إليّ أسود من ناحية الدّار فقال : يا فلان ، هذا سخط المخلوق فكيف سخطة الخالق٦ .

« و نظر بزعمه للولد » لئلاّ يحتاج بعده .

في ( تاريخ بغداد ) : قال محمّد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة : لمّا ولدت دخل أبي على امّي فقال لها : إنّ المنجّمين قد أخذوا مولد هذا الصبّيّ و حسبوه ،

فاذا هو يعيش كذا و كذا ، و قد حسبتها أيّاما و قد عزمت أن أعدّ له لكلّ يوم دينارا مدّة عمره ، فإنّ ذلك يكفي الرّجل المتوسّط له و لعياله ، فأعدي له حبّا فأعدّته و تركه في الأرض و ملأه بالدّنانير ، ثمّ قال لها اعدّي له حبّا آخر اجعل فيه مثل هذا يكون له استظهارا ، ففعلت و ملأه ثم استدعى حبّا آخر و ملأه بمثل

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ( زخرف ) .

 ( ٢ ) الهمزة : ٢ ٣ .

 ( ٣ ) القصص : ٥٨ .

 ( ٤ ) القمر : ١٥ .

 ( ٥ ) النمل : ٥٢ .

 ( ٦ ) البيان للجاحظ ٣ : ١٤٩ .

٣٠٥

ما ملأ كلّ واحد من الحبيّن و دفن الجميع ، قال ابن شيبة و ما نفعني ذلك مع حوادث الزّمان فقد احتجت إلى ما ترون قال ابن السقطي : رأيناه يجيئنا بلا إزار نقرأ عليه الحديث و نبرّه بالشي‏ء بعد الشي‏ء : توفي سنة ( ٣٣١ )١ .

و في السّير : قال المنصور لعمرو بن عبيد عظني ، قال : رأيت عمر بن عبد العزيز و قد مات ، فخلّف أحد عشر ابنا و بلغت تركته سبعة عشر دينارا كفّن منها بخمسة دنانير ، و اشترى موضع قبره بدينارين ، و أصاب كلّ واحد من ولده أقلّ من دينار ، و مات هشام و أصاب كلّ واحد من ولده ألف ألف دينار و رأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل اللّه و رأيت رجلا من ولد هشام يسأل الناس ليتصدّقوا عليه٢ .

« إشخاصهم » أي : إذهابهم .

« إلى موقف العرض و الحساب » قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله : إنّك ميّت و إنّهم ميّتون ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون٣ .

« و موضع الثّواب و العقاب » قال الجوهري : الثواب : جزاء الطاعة٤ و العقاب : العقوبة .

« إذا وقع الأمر بفصل القضاء » و مرّ في رواية ( التذكرة )٥ : « و سيقع الأمر بفصل القضاء و تقتص للجماء من القرناء و قضي بينهم بالقسط

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١ : ٣٧٤ ٣٧٥ .

 ( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ١٦٤ ١٦٥ .

 ( ٣ ) الزمر : ٣٠ ٣١ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( ثوب ) .

 ( ٥ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٨٨ .

٣٠٦

و هم لا يظلمون١ .

« و خسر هنالك المبطلون » الأصل فيه و في ما قبله قوله تعالى : فإذا جاء أمر اللّه قضى بالحقّ و خسر هنالك المبطلون٢ .

« شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى و سلم من علائق الدّنيا » فما دام العقل أسير سلطان الهوى لا أثر لحكمه ، و لنعم ما قيل بالفارسيّة :

حديث عقل در ايّام پادشاهى عشق

چنان شده است كه فرمان حاكم معزول

و عن السري السّقطي : رأيت على حجر مكتوبا داؤك هواك فإن غلبت هواك فداؤك دواك و عن بعض الحكماء : المؤمن يخاف على عقله الآفات من الغضب ، و الهوى ، و الشهوة ، و الحرص ، و الكبر ، و الغفلة ، و ذلك أنّ العقل إذا كان هو الغالب ، القاهر ، ملك هذه الأخلاق الرديّة و إذا غلب على العقل واحدة من هذه الأخلاق أورثته المهالك و عدم من اللّه حسن المعرفة .

و من كلامه عليه السلام في هذا العنوان : أخذ جمع منهم سعدون الذي ذكره في ( عقلاء مجانين النيسابوري ) ففيه : قال سعدون للمتوكّل : كأنّي بك و قد أتاك فظّ غليظ فجذبك عن سرير بهائك ، و أخرجك عن مقاصير علائك ، فلم يستأذن عليك حاجبا و لا قهرمانا ، حتّى أخرجك إلى ضيق اللّحد و فراق الأهل و الولد٣ .

و فيه أيضا : أنّه قال للمتوكّل : في الجنّة مرج من ورق الآس ، في وسط المرج قصر من درر إلى أن قال : لها حدود أربعة ، الحدّ الأوّل : ينتهي إلى ناحية الوجلين ، و الحدّ الثاني : ينتهي إلى نعيم المشتاقين ، و الحدّ الثالث : ينتهي إلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) يونس : ٥٤ .

 ( ٢ ) المؤمنون : ٧٨ .

 ( ٣ ) عقلاء المجانين للنيسابوري : ١٦ .

٣٠٧

طريق المريدين ، و الحدّ الرابع : ينتهي إلى غرف مملوّة بتحف و صنايع و وصائف و رفارف و إلى خيام و خدّام و إلى ميدان يطوف في ساحتها الولدان١ .

و منهم بهلول الذي ذكره فيه أيضا ، ففيه : قال عبّاس البهلول : نظر بهلول إليّ و أنا أبني دارا لبعض أبناء الدنيا فقال : لمن بنيت له : إسمع إلى صفة دار كوّنها العزيز ، أساسها المسك ، و بلاطها العنبر ، اشتراها عميد قد أزعج للرّحيل ، كتب على نفسه كتابا ، و أشهد على ضمائره شهودا : هذا ما اشترى العبد الجافي من الرّبّ الوافي ، اشترى منه هذه الدار بالخروج من ذلّ الطمع إلى عزّ الورع ، فما أدرك المستحقّ في ما اشتراه من درك ، فعلى المولى خلاص ذلك و تضمينه ، شهد على ذلك العقل ، و هو الأمين على الخواطر ، و ذلك في إدبار الدّنيا و إقبال الآخرة أحد حدودها ينتهي إلى ميادين الصفا ، و الحدّ الثاني : ينتهي إلى ترك الجفا ، و الحدّ الثالث : ينتهي إلى لزوم الوفا ، و الحدّ الرابع :

ينتهي إلى سكون الرّضا في جوار من على العرش استوى ، لها شارع ينتهي إلى دارا السلام ، و خيام قد ملئت بالخدّام٢ .

و كتابه عليه السلام كتاب بيع للمعاملة الدنيوية ، و في القرآن كتاب شراء للمعاملة الآخروية ، و هو قوله جلّ و علا : إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقّا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم٣ و لقد عامل هو و أهل بيته عليهم السلام مع

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ٦٧ .

 ( ٢ ) نفس المصدر : ٧٢ .

 ( ٣ ) التوبة : ١١١ .

٣٠٨

اللّه تعالى هذه المعاملة بنحو الأتمّ و الأكمل ، ففازوا فوزا عظيما و لا سيّما ابنه الحسين عليه السلام .

١٢

الحكمة ( ١٩ ) و قال عليه السلام :

مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ العثرة : الزلّة يقال : ( عثر به فسقط ) شبّه عليه السلام من يستغرق في لذّاته بمن ركب فرسا و أغرق في جريه بتخلية عنانه ، فيعثر به ، فيسقطه و يهلكه .

و المصداق الكامل لكلامه عليه السلام ظاهرا و باطنا ، يزيد بن معاوية و في ( أنساب البلاذري ) : يزيد كان أوّل من أظهر شرب الشّراب ، و الاستهتار بالغناء و الصيد ، و اتّخاذ القيان و الغلمان ، و التفكّه بما يضحك منه المترفون ، من القرود و المعاقرة بالكلاب و الدّيكة ثمّ جرى على يده قتل الحسين عليه السلام و قتل أهل الحرّة و رمي البيت و إحراقه١ و فيه : كان ينادم على الشراب سرجون مولى معاوية٢ .

قلت : و هو الّذي أشار عليه بتولية عبيد اللّه بن زياد على الكوفة لقتل الحسين عليه السلام ، و ينادم على الشرب مسلم بن عمرو الباهلي أبا قتيبة أيضا و يغنيّه مسلم أيضا .

قلت : و هو الذي أرسله يزيد إلى عبيد اللّه بعهده على الكوفة و جاء معه من البصرة إلى الكوفة ، و قال لمسلم بن عقيل لمّا استسقى لا تسقى إلاّ من الحميم .

و فيه : كان ليزيد قرد يجعله بين يديه و يكنّيه ، و يقول : هذا شيخ من بني

ــــــــــــ

 ( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ١ مطبعة المثنى ، بغداد .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٤ : ٢ .

٣٠٩

إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ .

قلت : استهزاء بالقرآن في حكمه بمسخ قوم من بني إسرائيل باعتدائهم .

قال : و كان يسقيه النبيذ و يضحك ممّا يصنع و كان يحمله على اتان وحشيّة و يرسلها مع الخيل فيسبقها ، فحمله عليه يوما و جعل يقول :

تمسّك أبا قيس بفضل عنانها

فليس عليها إن هلكت ضمان

فقد سبقت خيل الجماعة كلّها

و خيل أمير المؤمنين أتان

قال : و ذكر لي شيخ من أهل الشام أنّ سبب وفاة يزيد أنّه حمل قردة على الاتان و هو سكران ثم ركض خلفها فسقط ، فاندقّت عنقه أو انقطع في جوفه شي‏ء١ .

و روى عن ابن عياش قال : خرج يزيد يتصيّد بحوارين ، و هو سكران ،

فركب و بين يديه أتان وحشيّة قد حمل عليها قردا و جعل يركض الأتان و يقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها ان هلكت ضمان

فسقط فاندقّت عنقه٢ .

و فيه : قال ابن عرادة السعدي في موت يزيد :

طرقت منيّته و عند وساده

كوب و زقّ راعف مرثوم

و مرنّة تبكي على نشوانه

بالصّنج تقعد ساعة و تقوم٣

و فيه : كان يزيد همّ بإتيان اليمن فقال رجل من تنوخ :

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا

فحنّ إلى أرض القرود يزيد

ــــــــــــ

 ( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ٢ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه .

 ( ٣ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ٦١ .

٣١٠

فتبّا لمن أمسى علينا خليفة

صحابته الأدنون منه قرود١

١٣

الحكمة ( ٧٤ ) و قال عليه السلام :

نَفَسُ اَلْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ أقول : الخطى : جمع خطوة ( بالضّمّ ) أي : مسافة ما بين القدمين في المشي .

قال ابن أبي الحديد بعد نقل العنوان : لا أدري الكلمة له عليه السلام أو لابن المعتزّ أخذها منه ، فإنّه قال : « النّاس وفد البلاء ، و سكان الثرى ، و أنفاس الحيّ خطاه إلى أجله ، و أمله خادع له عن عمله ، و الدّنيا أكذب واعديه ، و النفس أقرب أعاديه ، و الموت ناظر إليه ، و منتظر فيه أمرا يمضيه٢ .

قلت : قول ابن أبي الحديد له عليه السلام أو لابن المعتزّ أخذها منه عليه السلام ، بلا محصّل ، لأنّ الثاني في معنى الأوّل ، و إنّما كان له محصّل لو كان قال : هل أخذ الكلمة منه عليه السلام ابن المعتزّ أو قالها بتوارد الخواطر ؟

و كيف كان ، فأغلب كلمات من تأخّر عنه عليه السلام تلفيق من كلامه عليه السلام و قد اعترف بذلك عبد الحميد ، كاتب مروان بن محمّد آخر خلفاء بني اميّة ، ففي ( وزراء الجهشياري ) : قيل لعبد الحميد : ما الذي مكّنك من البلاغة و خرّجك فيها ؟ فقال : حفظ كلام الأصلع ، يعني أمير المؤمنين عليه السلام٣ .

و مرّ في أوّل الكتاب نسبة غير واحدة من خطبه عليه السلام إلى غيره من

ــــــــــــ

 ( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢١ .

 ( ٣ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٨٢ .

٣١١

الخلفاء و الخوارج ، لأنّهم خطبوا بها من غير نسبة إليه عليه السلام .

و مرّ في أوّل العنوان ( ١١ ) من هذا الفصل : أن فضيل بن عياض أتى بما أوهم انّ ذاك العنوان كلامه ، حتّى إنّ ( الحلية ) نسبه إليه١ .

و مرّ أيضا : انّ سعدون و بهلولا أخذا من جملة ذاك العنوان قدرا٢ .

و نعود إلى ذكر ما يناسب العنوان فنقول :

و في ( الكافي ) عنه عليه السلام : ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال : أنا يوم جديد ، و عليك شهيد ، فقل فيّ خيرا ، و اعمل فيّ خيرا أشهد لك به يوم القيامة ،

فإنّك لن تراني بعده أبدا٣ .

و قال بعضهم : ساكن الدّنيا راحل و أنفاسه رواحل و أيّامه مراحل٤ .

و قال أبو هلال :

في كلّ مجرى نفس تكرّره

تهدم من عمرك ما لا تعمّره

١٤

الحكمة ( ٢٩ ) و قال عليه السلام :

إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ وَ اَلْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ اَلْمُلْتَقَى في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب و الشّهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون٥ تعدّ السّنون ثمّ تعدّ الشهور ثم تعدّ الأيام ثم تعدّ الساعات ثمّ تعدّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٨ : ١٠١ .

 ( ٢ ) عقلاء المجانين للنيسابوري : ٦٧ ، ٧٢ .

 ( ٣ ) الكافي ٢ : ٥٢٣ ح ٨ .

 ( ٤ ) الطرائف للثعالبي : ١٠ .

 ( ٥ ) الجمعة : ٨ .

٣١٢

النّفس فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون١ .

و مثال لما قاله عليه السلام السيّارات العصريّة إذا كانتا متواجهتين فقد يكون بعدهما بحيث لا ترى احداهما من الاخرى إلاّ شبحا فلا تمضي إلاّ انات يسيرة تلتقيان .

١٥

الحكمة ( ٢٠٣ ) و قال عليه السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي إِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وَ إِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ وَ بَادِرُوا اَلْمَوْتَ اَلَّذِي إِنْ هَرَبْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ وَ إِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ وَ إِنْ نَسِيتُمُوهُ ذَكَرَكُمْ أقول : رواه المبرد في ( كامله ) عنه عليه السلام٢ .

« أيّها الناس اتّقوا اللّه الذي إن قلتم سمع و إن أضمرتم علم » يستخفون من النّاس و لا يستخفون من اللّه و هو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول و كان اللّه بما يعملون محيطا٣ إلاّ إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه الا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون و ما يعلنون إنّه عليم بذات الصدور٤ .

و بادروا الموت الذي إن هربتم منه أدرككم ، قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون٥ و يكفي التدبّر في هذه الآية صدرها و ذيلها ، لمن أراد التذكّر .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٣٤ ، و الرواية نقلها الكليني في الكافي ٣ : ٢٦٢ ح ٤٤ .

 ( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ٢٢٣ .

 ( ٣ ) النساء : ١٠٨ .

 ( ٤ ) هود : ٥ .

 ( ٥ ) الجمعة : ٨ .

٣١٣

« و إن أقمتم أخذكم » أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .١ .

« و إن نسيتموه ذكركم » قل يتوفّاكم ملك الموت الذي و كلّ بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون٢ .

و روى ( نوادر جنائز الكافي ) عن أسباط بن سالم ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يعلم ملك الموت نفس من يقبض ؟ قال إنّما هي صكاك تنزل من السماء ، اقبض نفس فلان بن فلان٣ .

و روى عنه عليه السلام قال : ما أهل بيت شعر و لا وبر إلاّ و ملك الموت يتصفّحهم كلّ يوم خمس مرّات٤ .

هذا و في ( حمقاء ابن الجوزي ) : مات لرجل قريبه و لم يخرج في جنازته ،

فقيل له في ذلك ، فقال : ويحكم أأكون منسيّا فأذكّر نفسي ؟ يعني إنّ ملك الموت نسيني فإذا خرجت في الجنازة يراني ، فيتذكّرني ، فيقبض روحي ، و لا أفعل هذا أبدا٥ .

١٦

الحكمة ( ٧٥ ) و قال عليه السلام :

كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَ كُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ أقول : « كلّ معدود منقض » ، « منقض » منفعل من ( انقضى ) لا مفعل من

ــــــــــــ

 ( ١ ) النساء : ٧٨ .

 ( ٢ ) السجدة : ١١ .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٥ ح ٢١ .

 ( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٦ ح ٢٢ .

 ( ٥ ) أخبار الحمقى لابن الجوزي ، ذكر ما يشابهه : ١٩١ .

٣١٤

( أنقض ) فإنّه لا مناسبة له ، فيقال : انقض الحمل ظهره أي : أثقله حتّى صوّته .

قال ابن أبي الحديد : « كلامه عليه السلام يؤكّد مذهب جمهور المتكلّمين في أنّ العالم كلّه لابدّ أن ينقضي ، لكن قالوا : إنّما علمنا انّ العالم يفنى من طريق السّمع لا العقل فيجب أن يحمل كلامه عليه السلام على أنّ العدد ليس علّة في وجوب الإنقضاء ،

كما يشعر به ظاهر لفظه ، و هو الذي تسمّيه أصحاب أصول الفقه ايماء ، و إنّما مراده كلّ معدود فاعلموا ، أنّه فان و منقض فقد حكم على كلّ معدود بالإنقضاء حكما مجرّدا عن العلّية ، نحو لو قيل : زيد قائم ، ليس يعني أنّه قائم لأنّه يسمّى زيدا »١ .

قلت : ما طوّله نفخ في غير ضرام ، فإنّ مراده عليه السلام أنّ سني عيش الإنسان و شهوره ، و أيّامه ، و ساعاته ، و آناته و أنفاسه في الدنيا معدودة محصورة ،

فلا بدّ أن تنقضي ، فهو نظير قوله تعالى : إنّما نعدّ لهم عدّا٢ ، ورد في تفسيره أنّ الآباء و الامّهات يعدّون سنيّه و هو تعالى يعدّ أنفاسه ، و مرّ في العنوان السابق خبر تفسير قوله تعالى : قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم .٣ .

« و كلّ متوقّع آت » قال ابن أبي الحديد : « يماثل قوله عليه السلام قول العامّة في أمثالها ( لو انتظرت القيامة لقامت ) و القول في نفسه حقّ ، لأنّ العقلاء لا يتوقّعون ما يستحيل وقوعه ، و انّما ينتظرون ما يمكن وقوعه و ما لابدّ من وقوعه ، فقد صحّ أنّ كلّ منتظر فسيأتي »٤ .

قلت : تطويله هنا أيضا بلا طائل فإن المراد بالمتوقّع الموت ، و الموت

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٢ .

 ( ٢ ) مريم : ٨٤ .

 ( ٣ ) الجمعة : ٨ .

 ( ٤ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٢ .

٣١٥

حتم آت و انما أتى عليه السلام بلفظة ( كلّ ) لأنّ المتوقع كلّ حتميّ لا يعلم ساعة وقوعه ، لا ما يمكن وقوعه ، فإنّه لا يجب وقوعه كالمطر في الشتاء و بالجملة :

كلامه عليه السلام استدلال بالعلّة و المعلول ، حتّى يلتزم بالقبول ، و هو جعله ككلام عامّي مرذول .

١٧

الحكمة ( ١٥ ) وَ قِيلَ لَهُ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ ع :

كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ وَ يَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ وَ يُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ أقول : قوله عليه السلام : « كيف يكون حال من يفنى ببقائه » في ( صناعتي أبي هلال ) : قيل لبعض الأوائل : ما كان سبب موت أخيك ، قال : كونه فأحسن ما شاء١ و قال الشاعر :

ما حال من آفته بقاؤه

نغّص عيشي كلّه فناؤه٢

و قال ابن الرومي :

لعمرك ما الدّنيا بدار إقامة

إذا زال عن نفس البصير غطاؤها

و كيف بقاء العيش فيها و انّما

ينال بأسباب الفناء بقاؤها٣

و قال محمّد بن عليّ يعني الباقر عليه السلام « مالك من عيشك إلاّ لذّة تزدلف بك إلى حمامك ، و تقرّبك من يومك ، فأيّة أكلة ليس معها غصص ، و شربة ليس معها شرق ، فتأمّل أمرك فكأنّك قد صرت الحبيب المفقود أو الخيال المخترم٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصناعتين لابن هلال العسكري : ٤٨ .

 ( ٢ ) ابن أبي الحديد ٣ : ٣٤٠ .

 ( ٣ ) الصناعتين للعسكري : ٤٩ .

 ( ٤ ) الأمالي للمفيد : ١٠ ، و البحار للمجلسي ٧٨ : ٤٥٠ ح ١٤ .

٣١٦

و قلت :

و المرء ينسى و المنايا تذكره

يميته بقاؤه فيقبره

« و يسقم بصحّته » قال المصنّف في ( مجازاته النبويّة ) في شرح قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « كفى بالسّلامة داء » هذا القول مجاز ، لأنّ السلامة على الحقيقة ليست بداء في نفسها ، و إنّما المراد الهرم و عوادي السّقم ، فحسن من هذا الوجه أن تسمّى داء إذ كانت موقعة فيه ، و مؤدّية إليه ، و قد أكثرت الشّعراء نظم هذا المعنى في أشعارهم إلاّ أنّ كلمة النبي صلّى اللّه عليه و آله أبهى من جميع ما قالوه ، و أبعد منزعا ، و أوجز في تمام ، و أكثر مع قلّة كلام ، فممّا جاء في هذا المعنى قول حميد بن ثور :

أرى بصري قد رابني بعد صحّة

و حسبك داء أن تصحّ و تسلما١

و قول لبيد بن ربيعة :

و دعوت ربّي بالسّلامة جاهدا

ليصحّني فإذا السّلامة داء٢

و قول النمر بن تولب :

يودّ الفتى طول السّلامة و الغنى

فكيف يرى طول السّلامة يفعل٣

و أني لأستحسن كثيرا الأبيات التي من جملتها هذا البيت و هي :

تغيّر منّي كلّ شي‏ء و رابني

مع الدّهر ابدالي التي أتبدّل

فضول أراها في أديمي بعدما

يكون كفاف الجسم أو هو أجمل

كأنّ مخيطا في يدي حارثيّة

صناع علت منّي به الجلد منعل

يردّ الفتى بعد اعتدال و صحّة

ينوء إذا رام القيام و يحمل

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهاية الأرب للنووي ٣ : ٦٥ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٧ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٦٧ .

٣١٧

تدارك ما قبل الشّباب و بعده

حوادث أيّام تمرّ و أغفل١

يود الفتى . .

و قال أبو العتاهية :

اسرع في نقص امرئ تمامه٢

« و يؤتى من مأمنه » أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .٣ .

١٨

الحكمة ( ١٢٢ ) و تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال عليه السلام :

كَأَنَّ اَلْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ وَ كَأَنَّ اَلْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَ كَأَنَّ اَلَّذِي نَرَى مِنَ اَلْأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ وَ نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَ وَاعِظَةٍ وَ رُمِينَا بِكُلِّ جَائِحَةٍ أقول : رواه ( تفسير القمي ) مرفوعا عنه عليه السلام٤ « قول المصنّف » .

« و تبع عليه السلام جنازة فسمع رجلا يضحك » عن الصادق عليه السلام : ( كم ممّن كثر ضحكه لاغيا ، يكثر يوم القيامة بكاؤه ، و كم ممّن كثر بكاؤه على ذنبه خائفا ، يكثر يوم القيامة في الجنّة ضحكه و سروره )٥ .

« كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، و كأن الحقّ فيها على غيرنا وجب » في

ــــــــــــ

 ( ١ ) المجازات النبوية للرضي : ٤٣١ .

 ( ٢ ) المجازات النبوية للرضي : ٤٣١ .

 ( ٣ ) النساء : ٧٨ .

 ( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٢٤٤ .

 ( ٥ ) وسائل الشيعة للعاملي ٨ : ٤٨ .

٣١٨

( الحموي ) : كان الحسن بن علي ، الملقّب بالقاضي المهذّب ، الذي اختصّ بالصّالح بن رزيك وزير المصريّين قرظه عنده القاضي عبد العزيز بن الحباب فلّما مات عبد العزيز شمت به الحسن ، و لبس في جنازته ثيابا مذهّبة فنقص بهذا السبب و استقبحوا فعله و لم يعش بعد الجليس إلاّ شهرا واحدا١ .

هذا ، و في ( الأغاني ) : انّ حمادة بنت عيسى بن علي توفيّت ، و حضر المنصور جنازتها ، فلمّا وقف على حفرتها ، قال لأبي دلامة : ما أعددت لهذه الحفرة ؟ قال : بنت عمّك حمادة بنت عيسى يجاء بها الساعة فتدفن فيها ،

فضحك المنصور حتّى غلب ، فستر وجهه ، و في ( عيون القتيبي ) : مات رجل من جند أهل الشام فحضر الحجّاج جنازته لكونه عظيم القدر و كان يلقّب سعنة فصلّى الحجاج عليه و قال لينزل قبره بعض اخوانه فنزل نفر منهم ،

فقال أحدهم و هو يسوّي عليه رحمّك اللّه أبا فلان إن كان ما علمتك لتجيد الغناء ، و تسرع ربّ الكأس ، و لقد وقعت موقع سوء لا تخرج منه إلى الدّكة ، فما تمالك الحجّاج أن ضحك فأكثر و كان لا يكثر الضّحك في جدّ و لا هزل ثمّ قال له : لا أمّ لك أهذا موضع هذا ؟ قال : أصلح اللّه الأمير فرسي حبيس لو سمعه يتغنّى : « يا لبينى أوقدي النارا » لا نتشر الأمير على سعنة و كان من أوحش خلق اللّه صورة فقال الحجّاج : إنّا للّه ، أخرجوه من القبر ثمّ قال : ما أبين حجّة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشام و لم يبق أحد حضر القبر إلاّ استفرغ ضحكا .

و حدّثني بعض السّادة : أن امرأة من العرّيفين توفيّت ، فحضر العرّيفون تشييعها فقالوا لذاكر : من زوج هذه المرأة حتى نسلّيه بعد الفراغ من دفنها ، فقال : ما أعرف لها زوجا معيّنا ، فما تمالكوا أنفسهم من الضّحك حتّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) معجم الادباء للحموي ٩ : ٤٨ .

٣١٩

اضطروا إلى الرجوع قبل الفراغ١ .

« و كأنّ الذي نرى من الأموات سفر » ( بالفتح فالسكون ) جمع سفر من ( سفر ) : خرج إلى السّفر .

« عمّا قليل إلينا راجعون » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : عجب لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم بالرّحيل و هم يلعبون٢ .

« نبوّؤهم أجداثهم » و في رواية القمّي : « ننزّلهم أجداثهم » و الأجداث : جمع الجدث ، و هو القبر٣ .

« و نأكل تراثهم » التراث : الميراث ، و أصله الوراث ، و زاد ( ابن أبي الحديد٤ و ابن ميثم٥ ) بعده « كأنّا مخلّدون بعدهم » و كذلك في المستند من خبر القمي فلا بدّ من سقوطه في ( المصرية٦ الأولى ) ، ثم هكذا في ( المصرية ) و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد )٧ و ( ابن ميثم )٨ و ( الخطية )٩ .

« قد نسينا كلّ واعظ و واعظة » هكذا في ( المصرية )١٠ و في نسخة ( ابن أبي الحديد )١١ و الظاهر الأصل في « واعظ » و « واعظة » أحدهما و الآخر كان نسخة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٢ : ٢٦٢ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٩ .

 ( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٧٠ .

 ( ٤ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ ( ١١٣ ) .

 ( ٦ ) المصرية المصححة : ٦٨٥ .

 ( ٧ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

 ( ٨ ) ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ .

 ( ٩ ) النسخة الخطية : ٣١٩ .

 ( ١٠ ) المصرية المصححة : ٦٨٥ .

 ( ١١ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

٣٢٠