• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43715 / تحميل: 5077
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

بدليّة فجمعت الطبعة المصرية بينهما فاقتصر ( ابن ميثم )١ على الأول ،

و القمّي على الثاني ، و لا معنى للجمع بينهما لأنّه لا مناسبة في أن يقال : « نسينا كلّ رجل واعظ و امرأة واعظة » ثم الظاهر أصحّيتة « واعظة » لكونها قرينة « جائحة » في الفقرة بعدها ، و المراد : كلّ صفة و خصلة واعظة .

« و رمينا بكلّ جائحة » أي : رمينا بكلّ خصلة مهلكة ، و الجائحة : الشدّة التي يحتاج المال ، أي : يستأصله من سنة أو فتنة .

هذا و في ( العيون ) : ( كان الحسن يعني البصري إذا شيّع جنازة لم ينتفع به أهله و ولده و اخوانه ثلاثا )٢ .

هذا ، و في ( ابن أبي الحديد٣ و ابن ميثم٤ و الخطية )٥ جعل ( طوبى لمن ذلّ في نفسه . ) الذي في ( المصرية )٦ بعد هذا العنوان ، جزء هذا العنوان فهو الصحيح و يشهد له مستنده خبر ( تفسير القمي ) أيضا .

١٩

الحكمة ( ١٣٠ ) و قال عليه السلام و قد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة :

يَا أَهْلَ اَلدِّيَارِ اَلْمُوحِشَةِ وَ اَلْمَحَالِّ اَلْمُقْفِرَةِ وَ اَلْقُبُورِ اَلْمُظْلِمَةِ يَا أَهْلَ اَلتُّرْبَةِ وَ يَا أَهْلَ اَلْغُرْبَةِ وَ يَا أَهْلَ اَلْوَحْشَةِ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ وَ نَحْنُ

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ بلفظ « واعظة » .

 ( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٦٢ .

 ( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٦ .

 ( ٥ ) النسخة الخطية : ٣١٩ .

 ( ٦ ) الطبعة المصرية المصححة أعطته رقما جديدا هو ( ١٢٤ ) لفصلها عمّا سبقها راجع صفحة : ٦٨٥ من الطبعة المصرية

٣٢١

لَكُمْ تَبَعٌ لاَحِقٌ أَمَّا اَلدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ وَ أَمَّا اَلْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ وَ أَمَّا اَلْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي اَلْكَلاَمِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ اَلزَّادِ اَلتَّقْوَى أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ، و ( الطبري في تاريخه ) مع اختلاف ، روى الأوّل في طيّ ذكر رجوعه عليه السلام من صفّين ، عن عبد الرحمن بن جندب قال ثم مضى عليه السلام حتّى جزنا دور بني عوف ، فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية ، فقال عليه السلام : ما هذه القبور ؟ فقال له قدامة بن عجلان الأزدي : إنّ خبّاب بن الأرت توّفي بعد مخرجك ، فأوصى أن يدفن في الظّهر ،

و كان الناس يدفنون في دورهم و أفنيتهم ، فقال عليه السلام : رحم اللّه خبّابا إلى أن قال فجاء عليه السلام حتى وقف عليهم ثم قال : « السلام عليكم يا أهل الدّيار الموحشة و المحالّ المقفرة ، من المؤمنين و المؤمنات ، و المسلمين و المسلمات ، أنتم لنا سلف و فرط ، و نحن لكم تبع ، و بكم عمّا قليل لاحقون .

اللّهم اغفر لنا و لهم ، و تجاوز عنّا و عنهم » ثم قال : « الحمد للّه الذي جعل الأرض كفاتا ، أحياء و أمواتا ، الحمد للّه الذي جعل منها خلقنا ، و فيها يعيدنا ، و عليها يحشرنا ، طوبى لمن ذكر المعاد ، و عمل للحساب ، و قنع بالكفاف ، و رضي عن اللّه بذلك » ثمّ أقبل حتّى دخل سكّة الثّوريين١ .

و مثله الثاني مع أدنى اختلاف٢ و رواه ( عقد ابن عبد ربه ) و ( بيان الجاحظ ) فقالا : « كان عليّ كرّم اللّه وجهه إذا دخل المقبرة قال : أما المنازل فقد سكنت ، و أمّا الأزواج فقد نكحت ، فهذا خبر ما عندنا فليت شعري ما عندكم ، ثم

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٣١ .

 ( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٤٥ .

٣٢٢

قال : و الذي نفسي بيده لو اذن لهم في الكلام لقالوا : انّ خير الزّاد التقوى ، و كان يقول عليه السلام إذا دخل المقبرة : « السلام عليكم أهل الدّيار الموحشة ، و المحالّ المقفرة ، من المؤمنين و المؤمنات اللّهمّ اغفر لنا و لهم ، و تجاوز بعفوك عنّا و عنهم ، ثم يقول : الحمد للّه الذي جعل الأرض كفاتا احياء و أمواتا ، و الحمد للّه الذي منها خلقنا و إليها يعيدنا و عليها يحشرنا ، طوبى لمن ذكر المعاد و عمل الحسنات و قنع بالكفاف و رضي عن اللّه عزّ و جل »١ و رواه ( الفقيه )٢ مختصرا .

قوله : « و قال عليه السلام و قد رجع من صفّين » بين دور بني عوف و سكّة الثوريّين .

« فأشرف على القبور بظاهر الكوفة » قد عرفت من رواية نصر أنّها قبور حدثت بعد شخوصه عليه السلام إلى الشام و الأوّل منها قبر خبّاب .

و في ( تفسير القمي ) : نظر عليه السلام في رجوعه من صفين إلى المقابر فقال :

« هذه كفات الأموات » أي : مساكنهم ثمّ نظر إلى بيوت الكوفة فقال : « هذه كفات الأحياء » ثم تلا قوله تعالى : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء و أمواتا٣ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم ، و ليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه و عند قبر امّه بما يدعو لهما٤ و عن عليّ بن بلال : و كان مشى إلى قبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا عليه السلام : من أتى قبر

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ١٦٥ ، و البيان و التبيين للجاحظ ٣ : ١٥٥ .

 ( ٢ ) الفقيه ١ : ١٧٩ .

 ( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٤٠٠ ، و الآية ٢٥ ، ٢٦ من سورة المرسلات .

 ( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٣٠ ح ١٠ .

٣٢٣

أخيه ثم وضع يده على القبر و قرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر١ سبع مرّات أمن يوم الفزع الأكبر٢ و عن عمرو بن أبي المقدام : مررت مع أبي جعفر عليه السلام بالبقيع فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة فوقف عليه فقال : « اللّهمّ ارحم غربته ، وصل وحدته ، و آنس وحشته ، و اسكن إليه من رحمتك ما يستغني به عن رحمة من سواك و ألحقه بمن كان يتولاّه »٣ .

« يا أهل الديار الموحشة » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام في التسليم على أهل القبور : السلام على أهل الديار من المسلمين و المؤمنين ، رحم اللّه المستقدمين منّا و المستأخرين ، و انّا إن شاء اللّه بكم لاحقون٤ .

« و المحال المقفرة » من ( أقفرت الدّار ) : خلت ، و القفر : مفازة لا نبات فيها و لا ماء .

« و القبور المظلمة يا أهل التربة و يا أهل الغربة و يا أهل الوحشة » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : ما من موضع قبر إلاّ و هو ينطق كلّ يوم ثلاث مرّات : « أنا بيت التّراب ، أنا بيت البلى ، أنا بيت الدّود و زاد في خبر آخر : أنا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران »٥ .

« أنتم لنا فرط سابق » في ( الصحاح ) : الفرط بالتحريك الذي يتقدّم الواردة فيهيّئ لهم الأرسان و الدّلاء ، و يمدر الحياض ، و يستقي لهم ، و هو فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع٦ ، يقال رجل فرط و قوم فرط ، و في الخبر :

ــــــــــــ

 ( ١ ) القدر : ١ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٩ .

 ( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٢٩ ح ٦ .

 ( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٨ .

 ( ٥ ) الكافي ٣ : ٢٤٢ ح ٣ .

 ( ٦ ) الصحاح : ( فرط ) .

٣٢٤

« أنا فرطكم على الحوض » و منه قيل للطفل الميّت : « اللّهم اجعله لنا فرطا » أي :

اجرا يتقدّمنا حتّى نرد عليه١ .

« و نحن لكم تبع لاحق » في ( الفقيه ) : في التسليم على أهل القبور : السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين ، رحم اللّه المتقدّمين منكم و المتأخّرين ، و إنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون٢ .

و في ( المعجم ) : عزّى المازني بعض الهاشميين فقال :

انّي أعزّيك لا أنّي على ثقة

من الحياة و لكن سنّة الدّين

ليس المعزّي بباق بعد ميّته

و لا المعزّى و إن عاشا إلى حين٣

و في ( الأغاني ) : خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد ، و معه عديّ بن زيد ،

فمرّوا بشجرة ، فقال عديّ : أتدري أيّها الملك ما تقول هذه الشجرة ؟ قال : لا .

قال : تقول :

ربّ ركب قد أناخوا عندنا

يشربون الخمر بالماء الزّلال

عصف الدهر بهم فانقرضوا

و كذاك الدّهر حالا بعد حال

ثم جاوز الشجرة فمرّ بمقبرة ، فقال : أتدري أيّها الملك ما تقول هذه المقبرة ؟ قال : لا قال : تقول :

أيها الرّكب المخبّون

على الأرض المجدّون

فكما أنتم كنّا

و كما نحن تكونون٤

و في ( العقد ) : قيل للرّقاشي ، و كان قد جلس بين المدينة و المقبرة : ما أجلسك هاهنا ؟ قال : « أنظر إلى هذين العسكرين ، فعسكر يقذف الأحياء

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح مادة ( فرط ) .

 ( ٢ ) الفقيه ١ : ١٧٩ .

 ( ٣ ) معجم الادباء للحموي ٧ : ١١٠ ترجمة ( بكر بن محمد ) .

 ( ٤ ) الأغاني ٢ : ٩٥ ٩٦ .

٣٢٥

و عسكر ، يلتقم الموتى »١ .

« أمّا الدّور فقد سكنت » هذه الفقرة إلى آخر العنوان جعلها المصنّف جزء كلامه عليه السلام في زيارة القبور بعد رجوعه من صفّين مع أنّها ليست في ( كتاب نصر ) و ( تاريخ الطبري ) اللّذين عرفت أنّهما مستندة ، و ( البيان ) و ( العقد ) قد عرفت أنّهما نقلا هذا مستقلاّ كذاك ، و الصواب ، كون هذا جزء كلامه عليه السلام بعد الجمل ، فروى ابن أبي شعبة في ( تحفه ) : قال جابر الأنصاري : كنّا مع أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فلمّا فرغ من قتال من قاتله أشرف علينا في آخر الليل فقال : ما أنتم فيه ؟ فقلنا : في ذمّ الدّنيا ، فقال : علام تذمّ الدّنيا يا جابر ؟ إلى أن قال :

قال : يا جابر امض معي ، فمضيت معه حتّى أتينا القبور ، فقال : يا أهل التّربة ،

و يا أهل الغربة ، أمّا المنازل فقد سكنت و امّا المواريث فقد قسّمت و أمّا الأزواج فقد نكحت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ » ثمّ أمسك عنّي مليّا ثمّ رفع رأسه ، فقال : و الذي أقلّ السماء فعلت ، و سطح الأرض فدحت ، لو أذن للقوم في الكلام لقالوا : إنّا وجدنا خير الزّاد التقوى ثمّ قال : يا جابر إذا شئت فارجع٢ .

و ممّا قلنا يظهر أنّ المصنّف جمع بين كلاميه عليه السلام بعد صفّين و بعد الجمل في عنوان الأول لكونهما في موضوع واحد .

هذا ، و قوله : « فعلت » و « فدحت » في خبر ( التحف ) الفاء فيهما فاء التعقيب و « علت » و « دحت » فعلان من العلوّ و الدّحو .

« و أمّا الأزواج فقد نكحت » و مرّ في سابع الفصل قوله عليه السلام : « و صارت أموالهم للوارثين و أزواجهم لقوم آخرين » مع شرحه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٢٣٦ .

 ( ٢ ) تحف العقول لابن شعبة الحراني : ١٨٦ .

٣٢٦

و في ( نفحة اليمن ) قيل : إنّ الهادي العبّاسي كان مغرما بجارية تسمّى غادر ، و كانت من أحسن النساء وجها و أكثرهنّ أدبا و ألطفهنّ طبعا و أطيبهنّ غناء ، فبينا هي ذات ليلة تنادمه ، و تغنّيه ، إذ تغيّر لونه و ظهر أثر الحزن عليه فقالت : ما بالك لا أراك اللّه ما تكره فقال : وقع في فكري السّاعة أنّي أموت و أنّ أخي هارون يلي الخلافة بعدي ، و إنّك تكونين معه كما أنت معي الآن فقالت : لا أبقاني اللّه بعدك أبدا و أخذت تلاطفه و تزيل هذا الخيال من خاطره ، فقال : لابدّ أن تحلفي لي أيمانا مغلّظة ألاّ تقربي إليه بعدي ، فحلفت على ذلك و أخذ عليها العهود و المواثيق ، ثمّ خرج و أرسل إلى أخيه هارون و أحلفه ألاّ يخلو بغادر ،

و أخذ عليه من المواثيق الغليظة ما أخذ عليها ، فلم يمض إلاّ شهر حتى مات الهادي ، و انتقلت الخلافة إلى هارون فطلبت الجارية فحضرت ، فأمرها بالأخذ في المنادمة ، فقالت : و كيف تصنع بتلك الأيمان و العهود ؟ فقال : قد كفّرت عنك و عن نفسي ثمّ خلا بها و وقعت من قلبه موقعا عظيما بحيث لم يكن يصبر عنها ساعة ، فبينا هي ذات ليلة نائمة في حجره إذ استيقظت مذعورة فقال : ما بالك فدتك نفسي قالت : رأيت أخاك ينشد :

أخلفت عهدي بعد ما

جاورت سكّان المقابر

و نسيتني و حنثت في

أيمانك الزّور الفواجر

و نكحت غادرة أخي

صدق الّذي سمّاك غادر

لا يهنك الألف الجديد

و لا تدر عنك الدوائر

فقال : فدتك نفسي انّما هي أضغاث أحلام ، فقالت كلاّ ثم ارتعدت و اضطربت بين يديه حتّى ماتت١ .

و في ( العيون ) ، قال المدائني : احتضر رجل من العرب و له ابن يدبّ بين

ــــــــــــ

 ( ١ ) نفحة اليمن للشرواني : ٢٤ .

٣٢٧

يديه و امّ الصبّيّ جالسة عند رأسه ، و اسم الصبّيّ معمر ، فقال :

و انّي لأخشى أن أموت فتنكحي

و يقذف في أيدي المراضع معمّر

و ترخي ستور دونه و قلائد

و يشغلكم عنه خلوق و مجمر

فما لبث أن مات ثمّ تزوّجت ثمّ صار ابنه معمر إلى ما ذكر١ .

و وهب المتوكّل لأحمد بن حمدون جارية يقال لها ( صاحب ) من جواريه ، حسنة كاملة ، و حمل كلّ ما كان لها و كان شيئا كثيرا عظيما فلمّا مات ابن حمدون تزوّجت صاحب ، قال أبو علي بن المنجّم : فرأيته في النوم و هو يقول :

أبا عليّ ما ترى العجائبا

أصبح جسمي في التّراب غائبا

و استبدلت ( صاحب ) بعدي صاحبا

و كان أبوه حمدون ينادم المعتصم ، ثم الواثق ، و كان يعاتب المتوكّل في أيّام أخيه ، و لمّا مات الواثق نادم المتوكّل ، فلما كان في بعض الأيام أمر المتوكّل بإحضار فريدة جارية أخيه الواثق مكرهة ، و دفع إليها عود فغنّت غناء كالنّدبة ، فغضب المتوكّل ، فغنّت بتحزّن و شجى ، فزاد ذلك في طيب غنائها فوجم حمدون للرقّة التي تداخلته ، فغضب المتوكّل و رأى أنّه فعل ذلك بسبب أخيه ، و كان يبغض كلّ من مال إلى أخيه ، فأمر بنفيه إلى السّند و ضربه ثلاثمائة سوط و تزوّج المتوكّل فريدة بعد ذلك٢ .

و في ( الأغاني ) و العهدة عليه أعطى عبد اللّه بن أبي بكر ، عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل حديقة على ألاّ تتزوّج بعده ، و لما مات من السهم الذي أصابه بالطائف أنشأت تقول :

ــــــــــــ

 ( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١١٥ ١١٦ .

 ( ٢ ) معجم الادباء للحموي ٢ : ٢٠٨ .

٣٢٨

فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة

عليك و لا ينفكّ جلدي أغبرا

مدى الدّهر ما غنّت حمامة أيكة

و ما طرد الليل الصباح المنوّرا

فخطبها عمر فقالت : قد كان أعطاني حديقة على ألاّ أتزوّج ، قال عمر :

فاستفتي ، فاستفتت أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام لها : ردي الحديقة على أهله ،

فتزوّجها عمر ، فلما بنى لها دعا عدّة منهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام لعمر :

مرها تستتر اكلّمها ، فاستترت فقال عليه السلام لها :

فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة

عليك و لا ينفكّ جلدي أغبرا

فقال عمر : و ما أردت إلى هذا ؟ فقال عليه السلام : و ما أرادت إلى أن تقول ما لا تفعل ؟١ قال تعالى : كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون٢ .

هذا ، و في ( زنبيل القاجاري ) : أوصى أحد تجّار البصرة إلى الشيخ عليّ بن كاشف الغطاء مصرف ثلثه ، فأنفذ الشيخ وكيله فأخذ الثلث و أوصله إليه و صرفه إلى المستحقين لكنّه نسي محى الدّين النجفي ، و كان شاعرا أديبا و كان الوكيل تزوّج بزوجة البصريّ أيضا ، فاتفق حضور الوكيل و محيى الدين في درس الشيخ ، و كان دأب الشيخ أن يعطي ( الشرايع ) من كان من الطّلاب جيّد الأدب ليقرأ مسألة ، ثم يشرح هو ، فأعطى ( الشرائع ) محي الدين ليقرأ ، فأخذ الكتاب و فتحه و قرأ إنشاء من نفسه : « مسائل ، الأولى : تركة الميّت حبوة للوصيّ ، و في زوجته تردد ، و الأشبه أنّها جعالة للوكيل » فقال الشيخ : ما تقرأ ؟ فأعاد . فضحك الطّلاّب . و فهم الشيخ مراده فأرضى خاطره٣ .

« و أمّا الأموال فقد قسمت » في ( كنايات الجرجاني ) : قال الخليل مشيرا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٨ : ٦٠ .

 ( ٢ ) الصف : ٣ .

 ( ٣ ) معتمد الدولة ، زنبيل : ٢٦١ .

٣٢٩

إلى الأيام و الليالي :

و ينكحن أزواج الغيور عدوّه

و يقسمن ما يحوي الشّحيح من الوفر١

و في ( صفّين نصر ) : سمع أمير المؤمنين عليه السلام قائلا ينشد أبيات الأسود بن يعفر في أيوان كسرى :

ما ذا أؤمّل بعد آل محرّق

تركوا منازلهم و بعد إياد٢

فقال عليه السلام : هلاّ قرأتم : كم تركوا من جنّات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين٣ و قال الحارث بن حلّزة :

بينا الفتى يسعى و يسعى له

تاح له من أمره خالج

يترك ما رقح من عيشه

يعيث فيه همج هامج

لا تكسع الشول باغبارها

إنّك لا تدري من النّاتج٤

« هذا خبر ما عندنا » « هذا » اشارة إلى ما مرّ من خبر دورهم و ازواجهم و أموالهم و ما قاله عليه السلام من أخبار الأحياء لهم هو الأكثر ، و عامّ لجميع الناس ،

و قد يخبرون موتاهم بأمور أخرى قال مهلهل في أخيه كليب الّذي يرميه بكونه زيرا لمّا طلب ثأره :

فلو نبش المقابر عن كليب

فيخبر بالذنائب أيّ زير٥

و قال آخر :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكنايات للجرجاني : ٢٣ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٢ ١٤٣ ، و كذلك في العقد الفريد ٣ : ٢٨٩ .

 ( ٣ ) الدخان : ٢٥ ٢٨ .

 ( ٤ ) لسان العرب ١٤ : ٣٢ و ١٥ : ١٢٩ .

 ( ٥ ) المصدر نفسه ٥ : ٦٥ و كذا الأصمعيات .

٣٣٠

قد كان بعدك أنباء و هنبثة

لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب١

« ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم إنّ خير الزاد التقوى » روى ( أمالي ابن الشيخ ) مسندا عن صهيب بن عباد عن جعفر بن محمد عليه السلام : أنّ عليا عليه السلام مرّ بمقبرة فسلّم ثم قال : السلام عليكم يا أهل المقبرة و التربة ، اعلموا أنّ المنازل بعدكم قد سكنت ، و أنّ الأموال بعدكم قد قسّمت ، و أنّ الأزواج بعدكم قد نكحت ، فهذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ فأجاب هاتف يسمع صوته و لا يرى شخصه : و عليك السلام يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته ، أما خبر ما عندنا فقد وجدنا ما عملنا ، و ربحنا ما قدّمنا ، و خسرنا ما خلّفنا ، فالتفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أسمعتم ؟ قالوا :

نعم قال : فتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى٢ .

و في ( الفقيه ) : وقف النبي صلّى اللّه عليه و آله على القتلى ببدر و قد جمعهم في قليب فقال : يا أهل القليب انّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا ؟ فقال المنافقون : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يكلّم الموتى ، فنظر اليهم فقال : لو اذن لهم في الكلام ، لقالوا : نعم و إنّ خير الزّاد التقوى٣ .

و في ( جمل المفيد ) بعد ذكر هزيمة أهل الجمل : ثمّ سار عليه السلام حتى وقف على كعب بن سور القاضي و هو مجدّل بين القتلى ، و في عنقه المصحف فقال عليه السلام : نحّو المصحف و ضعوه في مواضع الطّهارة ، ثم قال : أجلسوا إليّ كعبا فأجلس ، فقال : يا كعب قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا ؟ ثمّ قال : أضجعوه ، و تجاوز عليه السلام فمرّ على طلحة صريعا ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ١٥ : ١٤٤ و قد نسبه إلى الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام .

 ( ٢ ) الأمالي : ٥٥ المجلس ٢ رقم ٧٦ .

 ( ٣ ) الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٥٣٦ .

٣٣١

فقال : أجلسوه فأجلس ، فقال يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا ؟ ثمّ قال : أضجعوه ، فقال رجل من القرّاء : يا أمير المؤمنين ما كلامك ؟ هذه الهامّ قد صديت ، لا تسمع لك كلاما ، و لا تردّ جوابا ،

فقال عليه السلام : إنّهما ليسمعان كلامي ، كما سمع أصحاب القليب كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و لو اذن لهما في الجواب لرأيت عجبا١ و روى ( محاسن البرقي ) : أنّ سلمان في جمعة مرّ على مقبرة فقال : السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين و المسلمين هل علمتم أنّ اليوم جمعة ؟ فلمّا رجع و نام أتاه آت ، فقال : و عليك السلام يا أبا عبد اللّه ، تكلّمت فسمعنا ، و سلّمت فرددنا ، و قلت : هل تعلمون أنّ اليوم جمعة ؟ و قد علمنا ما يقول الطير في يوم الجمعة قال : و ما يقول ؟ قال :

يقول : ( قدّوس قدّوس ربّنا الرحمن الملك و ما يعرف عظمة ربّنا من يحلف باسمه كاذبا ) و ذكروا انّ عمر بن عبد العزيز سمع خصيا للوليد بن عبد الملك على قبره و هو يقول : يا مولاي ماذا لقينا بعدك ؟ فقال له : اما و اللّه لو اذن له في الكلام لأخبر أنّه لقي أكثر٢ .

٢٠

الحكمة ( ١٣٢ ) و قال عليه السلام :

إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَ اِجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ وَ اِبْنُوا لِلْخَرَابِ أقول : « إن للّه ملكا ينادي في كلّ يوم » ينبغي أن يحمل هذا النّداء على لسان الحال لا المقال ، و مثله ما في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ للقبر كلاما في كلّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢١٠ .

 ( ٢ ) المحاسن للبرقي ١ : ١١٩ .

٣٣٢

يوم ، يقول : أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدّود ، أنا القبر ، أنا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار ، فكلام القبر أيضا بلسان الحال١ .

« لدوا للموت » اللاّم فيه لام العاقبة كما في « للفناء » و « للخراب » في ما بعد .

قيل لرجل : لم مات فلان ؟ قال : لأنّه ولد و لكلّ سبع قوت ، و ابن آدم قوت سبع الموت ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم ،

بعث اللّه تعالى ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها ، فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتّى يدفن فيها٢ .

« و اجمعوا للفناء » و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٣ .

و قيل بالفارسية :

اندك اندك خانمان آراستن

پس بيكبار از سرش برخاستن٤

و في الخبر : أنّ ابن آدم يمثّل له ماله في آخر يوم من دنياه و أوّل يوم من عقباه ، فيقول له : إنّي و اللّه كنت عليك حريصا شحيحا فمالي عندك ؟ فيقول : خذ منّي كفنك٥ .

« و ابنوا للخراب » :

ما أنت معتبر بمن خربت

منه غداة قضى دساكره٦

قيل ليحيى البرمكيّ بعد قتل الرشيد لابنه جعفر : أمر بتخريب ديارك ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٣ : ٢٤٢ ح ٢ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٠٣ ح ٢ .

 ( ٣ ) الأنعام : ٩٤ .

 ( ٤ ) الكشكول للشيخ البهائي : ١٢٢ و ذكر في الديوان أنّه لمولوي : ٤٥ .

 ( ٥ ) الكافي ٣ : ٢٣١ ح ١ .

 ( ٦ ) لأبي العتاهية ، ذكره المسعودي في مروج الذهب ٣ : ٣٦٧ .

٣٣٣

فقال : كذلك تخرّب دياره ، فصار كما قال في قتل الأمين١

٢١

الحكمة ( ١٦٨ ) و قال عليه السلام :

اَلْأَمْرُ قَرِيبٌ وَ اَلاِصْطِحَابُ قَلِيلٌ أقول : « الأمر قريب » ، في ( مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي ) قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام : أخبرني عن واجب و أوجب ، و عجب و أعجب ، و صعب و أصعب ، و قريب و أقرب ، فقال عليه السلام :

توب ربّ الورى واجب

و ترك الذّنوب أوجب

و الدهر في صرفه عجيب

و غفلة الناس عنه أعجب

و الصبر في النائبات صعب

لكن فوت الثّواب أصعب

و كلّ ما يرتجى قريب

و الموت من ذاك أقرب٢

و في ( الكافي ) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : سئل أيّ المؤمنين أكيس ؟ فقال : أكثرهم ذكرا للموت ، و أشدّهم له استعدادا٣ .

« و الإصطحاب قليل » :

و كلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلاّ الفرقدان٤

و في الخبر : نزل جبرئيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال له : يا محمّد عش ما شئت فانّك ميّت ، و أحبب من شئت فإنّك مفارقه ، و اعمل ما شئت فإنّك لاقيه٥

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٤٩٤ .

 ( ٢ ) مطالب السؤول ابن طلحة الشافعي : ٦٢ .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٧ .

 ( ٤ ) العقد الفريد ٣ : ٩٢ ، و الكامل للمبرد : ١٢٤٠ و هو بلفظ الفرقدان .

 ( ٥ ) الكافي ٣ : ٢٥٥ ح ١٧ .

٣٣٤

٢٢

الحكمة ( ١٨٢ ) و قال عليه السلام :

اَلرَّحِيلُ وَشِيكٌ الوشيك : ما كان سرعته عجيبا ، قال الشاعر في قتل خالد بن الوليد ، مالك بن نويرة و زناه بإمرأته :

أ تقتلهم ظلما و تنكح فيهم ؟

لو شكان هذا و الدّماء تصبب١

و في ( الصحاح ) : يقال عجبت من وشك ذاك الأمر و من وشكه بفتح الواو و ضمّها و ( وشكان ذاك الأمر )٢ كذلك أيضا ، في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : عجب لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم بالرّحيل و هم يلعبون٣ .

و قيل بالفارسية : تا بار نهادى كه صداى كوچ است .

أيضا :

مرا در منزل جانان چه جاى امن چون هر دم

جرس فرياد ميدارد كه بربنديد محملها٤

٢٣

الحكمة ( ٤١٩ ) و قال عليه السلام :

مِسْكِينٌ اِبْنُ آدَمَ مَكْتُومُ اَلْأَجَلِ مَكْنُونُ اَلْعِلَلِ مَحْفُوظُ اَلْعَمَلِ تُؤْلِمُهُ اَلْبَقَّةُ وَ تَقْتُلُهُ اَلشَّرْقَةُ وَ تُنْتِنُهُ اَلْعَرْقَةُ

ــــــــــــ

 ( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٣٠٩ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( و شك ) .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٩ .

 ( ٤ ) ديوان حافظ : ١٠ .

٣٣٥

أقول : روى الفقرات الثلاث الأخيرة الدّميري في كتابه عن ( كامل ابن عدي ) عن الأصبغ عنه عليه السلام هكذا : قال عليه السلام في خطبة : ابن آدم و ما ابن آدم تؤلمه بقّة و تنتنه عرقة و تقتله شرقة١ .

« مسكين ابن آدم » تقديم الخبر للحصر لإختصاصه دون ساير الحيوانات بمجموع هذه الصفات و لأنّه عليه السلام في مقام بيان مسكنته فتقديم الخبر أهمّ .

« مكتوم الأجل » حتّى الأنبياء إذا لم يعلمهم اللّه تعالى قبل ذلك ، فمات داود عليه السلام فجأة ، خطيبا على المنبر ، و مات سليمان عليه السلام فجأة متّكئا على عصاه ناظرا في ملكه ، فأيّ مسكنة أشدّ منه و الأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى : و أجل مسمّى عنده٢ فلا يعلمه غيره و لنعم ما قيل بالفارسية :

ناگهان بانگى برآمد خواجه مرد .

« مكنون العلل » قال ابن معروف مشيرا إلى قوله عليه السلام هذا ، و قوله :

« مكتوم الأجل » :

يا بؤس للإنسان في

الدّنيا و إن نال الأمل

يعيش مكتوم العلل

فيها و مكتوم الأجل

بينا يرى في صحّة

مغتبطا قيل اعتلل

و بينما يوجد في

ها ثاويا قيل ارتحل

فأوفر الحظّ لمن

يتبعه حسن العمل

و في ( المعجم ) : كان إسحاق الموصلي يسأل اللّه أن لا يبتليه بالقولنج لما رأى من صعوبته على أبيه فأري في منامه كأنّ قائلا يقول له : قد أجيبت

ــــــــــــ

 ( ١ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٢١٨ .

 ( ٢ ) الأنعام : ٢ .

٣٣٦

دعوتك و لست تموت بالقولنج و لكن تموت بضدّه ، فأصابه ذرب ، فمات منه سنة ( ٢٣٥ ) في خلافة المتوكّل١ .

و في ( المعجم ) أيضا : حدّث يموت بن المزرع قال وجّه المتوكّل في السنّة التي قتل فيها أن يحمل إليه الجاحظ من البصرة ، فقال لمن أراد حمله :

و ما يصنع بامرى‏ء ليس بطائل ، ذي شقّ مائل ، و لغاب سائل ، و فرج بائل ، و عقل حائل٢ و قال المبرّد دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه و قلت له : كيف أنت ؟

فقال : كيف يكون من نصفه مفلوج لو حزّ بالمناشير ما شعر ، و نصفه الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه و قال لمتطبّب يشكو إليه علّته : اصطلحت هذه الأضداد على جسدي إن أكلت باردا أخذ برجلي ، و إن أكلت حارّا أخذ برأسي٣ .

« محفوظ العمل » و كلّ صغير و كبير مستطر٤ ، ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد٥ ، يومئذ يصدر النّاس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره٦ ، . و ان كان مثقال حبّة من خردل آتينا بها و كفى بنا حاسبين٧ و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلاّ أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا .٨ يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّة من خردل فتكن في صخرة أو

ــــــــــــ

 ( ١ ) معجم الادباء للحموي ٦ : ٥٣ ترجمة إسحاق الموصلي .

 ( ٢ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ١١٢ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ١٦ : ١١٢ ترجمة الجاحظ .

 ( ٤ ) القمر : ٥٣ .

 ( ٥ ) ق : ١٨ .

 ( ٦ ) الزلزال : ٦ ٨ .

 ( ٧ ) الأنبياء : ٤٧ .

 ( ٨ ) الكهف : ٤٩ .

٣٣٧

في السماوات أو في الأرض يأت بها اللّه انّ اللّه لطيف خبير١ .

« تولمه البقّة » أي : البعوضة ، روي أنّ المنصور آذاه بعوض فكلّما دفعه عنه عاد إليه ، و كان عنده الصادق عليه السلام فقال له : لم خلق اللّه هذا البعوض ؟ قال :

ليذلّ به الجبابرة مثلك .

و قال الدّميري : يقال أنّ البقّ يتولّد من النّفس الحارّ و لشدّة رغبته في الإنسان لا يتمالك إذا شمّ رائحته إلاّ رمى نفسه عليه٢ .

و قال وهب بن منبّه : لمّا أرسل اللّه تعالى البعوض على النمرود اجتمع منه في عسكره ما لا يحصى ، فانفرد النمرود عن جيشه ، و دخل بيته ، و أغلق الأبواب ، و أرخى السّتور ، و نام على قفاه مفكّرا ، فدخلت بعوضة في أنفه و صعدت إلى دماغه فعذّب بها أربعين يوما حتّى أنّه كان يضرب برأسه الأرض ، و كان أعزّ النّاس عنده من يضرب رأسه ، ثم سقطت منه كالفرخ و هي تقول كذلك يسلّط اللّه رسله على من يشاء من عباده . ثم هلك حينئذ ، قال الطبرخزي :

و بعوضة قتلت بني كنعان٣

و كان بعض الجبابرة بالعراق يأخذ من يريد قتله ، فيخرجه مجرّدا إلى بعض الآجام التي بالبطائح و يتركه فيها مكتوفا تقتله البعوض في أسرع وقت .

« و تقتله الشّرقة » ( شرق بريقه ) غصّ به ، قال عديّ بن زيد :

لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري٤

و في ( الأغاني ) : نزل يزيد بن عبد الملك ببيت رأس بالشّام و معه

ــــــــــــ

 ( ١ ) لقمان : ١٦ .

 ( ٢ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٢١٧ .

 ( ٣ ) الدميري ، حياة الحيوان ١ : ١٨٢ .

 ( ٤ ) لسان العرب ٧ : ٩٧ .

٣٣٨

حبّابة فقال : زعموا أنّه لا تصفوا عيشة لأحد يوما إلى الليل إلاّ يكّدرها شي‏ء عليه و سأجرّب ذلك ، ثمّ قال لمن معه : إذا كان غد فلا تخبروني بشي‏ء و لا تأتوني بكتاب ، و قد خلا هو و حبّابة فأتيا بما يأكلان فأكلت حبّابة رمّانة فشرقت بحبّة منها فماتت فأقام لا يدفنها ثلاثا حتّى تغيّرت و أنتنت و هو يشمّها و يرشفها فعابوا عليه ما يصنع حتّى اذن في دفنها فما مضت إلاّ خمس عشرة ليلة حتّى دفن إلى جنبها١ .

« و تنتّنه العرقة » « تنتّنه » من باب التفعيل لا الإفعال ، ففي ( الصحاح ) : نتن الشي‏ء و أنتن بمعنى ، و نتّنه : غيره ، تنتينا : جعله منتنا ، و النتن : الرائحة الكريهة٢ .

و في ( الفقيه ) : قال الصادق عليه السلام : علّة غسل الجمعة أنّ الأنصار كانت تعمل في أموالها فإذا حضروا المسجد تأذّى الناس بأرواح آباطهم و أجسادهم ، فأمرهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالغسل فجرت بذلك السّنّة٣ .

٢٤

الحكمة ( ٣٣٤ ) و قال عليه السلام :

لَوْ رَأَى اَلْعَبْدُ اَلْأَجَلَ وَ مَصِيرَهُ لَأَبْغَضَ اَلْأَمَلَ وَ غُرُورَهُ رواه ( الكافي )٤ و ( أمالي المفيد )٥ عنه هكذا : لو رأى العبد أجله و سرعته إليه لأبغض الأمل و ترك طلب الدّنيا .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٥ : ١٤٣ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( نتن ) .

 ( ٣ ) الفقيه ١ : ١١٢ ح ٢٣ .

 ( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٥٩ ح ٣٠ .

 ( ٥ ) الأمالي للمفيد : ٣٠٩ ح ٨ .

٣٣٩

و في ( بيان الجاحظ ) : وجد في حجر مكتوب : يابن آدم لو أنّك رأيت يسير ما بقى من أجلك ، لزهدت في طول ما ترجو من أملك ، و لرغبت في الزّيادة في عملك ، و لأقصرت من حرصك و حيلك ، و انّما يلقاك غدا ندمك لو قد زلّت بك قدمك و أسلمك أهلك و حشمك ، و تبرأ منك القريب ، و انصرف عنك الحبيب ، فلا أنت إلى أهلك بعائد ، و لا في عملك بزائد١ .

و في ( المعجم ) : قال فضل بن حباب أبو خليفة :

و متعب السّفر مرتاح إلى بلد

و الموت يرصده في ذلك البلد

و ضاحك المنايا فوق هامته

لو كان يعلم غيبا مات من كمد

آماله فوق ظهر النّجم شامخة

و الموت من تحت اطليه على الرّصد

من كان لم يعط علما في بقاء غد

ماذا تفكّره في رزق بعد غد٢

٢٥

الحكمة ( ٣٦ ) و قال عليه السلام :

مَنْ أَطَالَ اَلْأَمَلَ أَسَاءَ اَلْعَمَلَ أقول : رواه ( الكافي ) هكذا : ( ما أطال عبد الأمل إلاّ أساء العمل )٣ قال بعضهم :

و منتظر للموت في كلّ ساعة

يشيّد بيتا دائما و يحصّن

له حين يتلوه حقيقة موقن

و أفعاله أفعال من ليس يوقن

عيان و انكار و كالجهل علمه

بمذهبه في كلّ ما يتيقّن٤

ــــــــــــ

 ( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ٣٥ : ١٦٦ .

 ( ٢ ) الحموي ، معجم الادباء ١٦ : ٢٠٧ .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٩ ح ٣٠ .

 ( ٤ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٢٠٧ لابن أبي حازم .

٣٤٠