• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43755 / تحميل: 5080
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

أحسن من أكله ساير الأيام و يحثّ ندمائه و يضع بين أيديهم ، و يعجبون منه ،

لا يرون للحزن أثرا ، فلمّا فرغ قالوا : يابن رسول اللّه لقد رأينا عجبا ، أصبت بمثل هذا الابن و أنت كما نرى قال : و مالي لا أكون كما ترون و قد جاءني خبر أصدق الصادقين : إنّي ميت و إيّاكم ، إنّ قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم ، لم ينكروا ما يخطفه الموت منهم ، و سلّموا لأمر خالقهم عز و جل .

« و ما كنت إلاّ كقارب » قال الخليل كما في ( الصحاح ) : القارب : طالب الماء ليلا ، و لا يقال ذلك لطالب الماء نهارا قال الجوهري : و قد أقرب القوم : إذا كانت إبلهم قوارب ، فهم قابون ، و لا يقال : مقربون قال أبو عبيد : و هذا الحرف شاذ .

« ورد » الماء .

« و طالب وجد » مطلوبه ، قال الصادق عليه السلام كما في ( العيون )١ : الموت للمؤمن كأطيب ريح يشمّه فينعس لطيبه ، و ينقطع التعب و الألم كلّه عنه .

« . و ما عند اللّه خير للأبرار٢ » روى الصدوق في ( أماليه )٣ عن حبيب بن عمرو قال : دخلت على عليّ عليه السلام فقلت له : ما جرحك هذا بشي‏ء و ما بك من بأس فقال لي : يا حبيب أنا و اللّه مفارقكم الساعة فبكيت عند ذلك و بكت امّ كلثوم و كانت قاعدة عنده ، قال لها : ما يبكيك يا بنية ؟ فقالت : ذكرت يا أبه أنّك تفارقنا الساعة فبكيت عند ذلك فقال : يا بنية لا تبكي فو اللّه لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت قال حبيب فقلت : و ما ترى يا أمير المؤمنين ؟ قال : يا حبيب أرى ملائكة السماوات و النبييّن بعضهم في أثر بعض وقوفا إلى أن يتلقوني ، و هذا أخي محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس عندي يقول : أقدم فإنّ أمامك خير لك ممّا

ــــــــــــ

 ( ١ ) عيون أخبار الرضا ١٧ : ٢١٣ .

 ( ٢ ) آل عمران : ١٩٨ .

 ( ٣ ) الأمالي للصدوق : ٢٦٢ ح ٢ .

٦١

أنت فيه قال حبيب : فما خرجت من عنده حتى توفي ، فلمّا كان من الغد و أصبح الحسن عليه السلام قام خطيبا على المنبر ، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال : أيّها النّاس في هذه الليلة نزل القرآن ، و في هذه الليلة رفع عيسى ، و في هذه الليلة قتل يوشع ،

و في هذه الليلة مات أمير المؤمنين عليه السلام و اللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء و لا من يكون بعده ، و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان ليبعثه في السريّة فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، و ما ترك صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله .

و رواه ( اسد الغابة )١ إلى قوله : فإنّ أمامك خير ممّا أنت فيه عن عمرو ذي مرقال ، و الأصل واحد ، و أحدهما تحريف .

و روى الشيخان في ( أماليهما )٢ عن الأصبغ قال : لمّا ضربه عليه السلام ابن ملجم غدونا عليه ، انا و الحرث بن سويد و سويد بن غفلة و جماعة معنا ، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن عليه السلام فقال : يقول لكم أمير المؤمنين : انصرفوا إلى منازلكم فانصرف القوم غيري و اشتد البكاء من منزله ، فبكيت فخرج الحسن عليه السلام فقال : ألم أقل لكم انصرفوا ؟ فقلت : لا و اللّه يابن رسول اللّه ، ما تتابعني نفسي و لا تحملني رجلي أن أنصرف ، حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام فلبثت فدخل و لم يلبث أن خرج فقال لي : ادخل فدخلت فإذا هو عليه السلام مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف و اصفر وجهه ،

ما أدري وجهه أصفر أم العمامة ؟ فأكببت عليه فقبلته و بكيت ، فقال لي : لا تبك يا أصبغ فها و اللّه الجنّة فقلت له : جعلت فداك إنّي أعلم و اللّه أنّك تصير إلى الجنة ، و إنّما أبكي لفقداني إيّاك . .

ــــــــــــ

 ( ١ ) اسد الغابة ٤ : ٣٨ .

 ( ٢ ) الأمالي للطوسي ١ : ١٢٣ ، و الأمالي للمفيد : ٣٥١ ح ٣ المجلس ٤٢ .

٦٢

و روى١ الثاني في خبر : أنّ ابن ملجم ضربه و هو ساجد على الضربة التي كانت من عمرو ، و احتمل عليه السلام فادخل داره ، فقعدت لبابة عند رأسه و جلست امّ كلثوم عند رجليه ، ففتح عينيه فنظر إليهما فقال : الرفيق الأعلى خير مستقرا ، ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك ، ثم عرق ثم أفاق فقال : رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات .

و روى الفرحة عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال : دفن مع أبيه نوح في قبره قلت : من تولّى دفنه ؟ فقال :

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع كرام الكاتبين ، بالروح و الريحان .

و في ( مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي ) : و دخل ابن ملجم المسجد و رمى بنفسه بين النيام ، و أذّن عليّ عليه السلام و دخل المسجد فجعل ينبه من بالمسجد من النيام ، ثم صار إلى محرابه فوقف فيه و استفتح و قرأ ، فلمّا ركع و سجد سجدة ضربه على رأسه ضربة وقعت على ضربة عمرو بن عبدود . .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) نقلا مقتله عليه السلام عن جمع من أهل السير منهم محمّد بن إسحاق و هشام بن محمّد و السدي : فلمّا حصل في المحراب هجموا عليه فضربه ابن ملجم و هو يقول و من النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه٢ و هرب وردان و شبيب . .

و في ( أمالي الشيخ ، الصفحة ٢٣٢ ) و بهذا الاسناد عن السجّاد عليه السلام : لمّا ضرب عليه السلام كان مع ابن ملجم آخر وقعت ضربته على الحايط ، و أمّا ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة و هو ساجد على رأسه ، على الضربة التي كانت ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) أمالي الطوسي ١ : ١٢٣ .

 ( ٢ ) البقرة : ٢٠٧ .

٦٣

فخرج الحسن و الحسين عليهما السلام و أخذا ابن ملجم و أوثقاه ، و احتمل عليه السلام فادخل داره فقعدت لبابة عند رأسه و امّ كلثوم عند رجليه ، ففتح عينيه فنظر إليهما فقال : الرفيق الأعلى خير مستقر و أحسن مقيلا . .

و يأتي في الآتي زيادة أعثم الكوفي ، و في ( الاستيعاب )١ : فخرج عليه السلام لصلاة الصبح فبدره شبيب إلى أن قال و اختلفوا هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها ؟ و هل استخلف من أتمّ بهم الصلاة أو هو أتمّها ؟ و الأكثر أنّه استخلف جعدة ابن هبيرة فصلّى بهم تلك الصلاة .

و مرّ في العنوان الأول من الفصل خبر فضائل شهر رمضان٢ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « كأنّي بك و أنت تصلّي لربّك و قد انبعث أشقى الأولين و الآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة فخضب منها لحيتك » و هو الصحيح ،

يشهد له العقل ، فكان ابن ملجم يصف ضربته بأنّه ضرب ضربة لو ضربها أهل المشرق و المغرب لهلكوا ، و كان شحذ سيفه شهرا و سقاه السمّ شهرا ،

فلا بد أنّه احتاط لتمكنّه من ضربة كاملة ، و لو كان في الطريق كيف أمكنه ذلك ؟

قول المصنف : « قال الرضي : أقول » هكذا في ( المصرية ) و كلّه زائد لعدم وجوده في ( ابن ميثم٣ و الخطية ) و إنّما اقتصر ابن أبي الحديد على : « قال الرضي » إن شاء من نفسه .

« و قد مضى بعض هذا الكلام » من قوله « وصيتي لكم إلى قوله و غدا مفارقكم » .

« في ما تقدم من الخطب » في ( ١٤٥ ) .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٣ : ٥٩ .

 ( ٢ ) عيون أخبار الرضا ٧ ، فضائل شهر رمضان ١ : ٢٣١ ح ٥٣ ب ٢٨ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

٦٤

« إلاّ أنّ فيه ها هنا زيادة أوجبت تكريره » من قوله : « ان ابق . » .

٧

الكتاب ( ٤٧ ) و من وصيّة له عليه السلام للحسن و الحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه :

أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ أَلاَّ تَبْغِيَا اَلدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُمَا وَ لاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَ قُولاَ بِالْحَقِّ وَ اِعْمَلاَ لِلْأَجْرِ وَ كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ عَوْناً أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ص يَقُولُ صَلاَحُ ذَاتِ اَلْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ اَلصَّلاَةِ وَ اَلصِّيَامِ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْأَيْتَامِ فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَ لاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ لاَ يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلصَّلاَةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لاَ تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَ اَلتَّبَاذُلِ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلتَّدَابُرَ وَ اَلتَّقَاطُعَ لاَ تَتْرُكُوا اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ

٦٥

يَا ؟ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ؟ لاَ أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ اَلْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ ؟ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ قُتِلَ ؟ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ أَلاَ لاَ يُقْتَلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي اُنْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَ لاَ يُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ص ؟ يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ اَلْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ اَلْعَقُورِ أقول : رواه الطبري١ و الاصبهاني و الكليني و الصدوق٢ .

قال الأوّل : دعا عليه السلام حسنا و حسينا عليهما السلام فقال : اوصيكما بتقوى اللّه ،

و ألاّ تبغيا الدنيا و أن بغتكما ، و لا تبكيا على شي‏ء زوى عنكما ، و قولا الحق ،

و ارحما اليتيم ، و أغيثا الملهوف ، و اصنعا للآخرة ، و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا ، و اعملا بما في الكتاب و لا تأخذكما في اللّه لومة لائم ثم نظر إلى محمّد بن الحنفية فقال : هل حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم قال :

فإنّي اوصيك بمثله ، و اوصيك بتوقير أخويك العظيم حقّهما عليك ، فاتبع أمرهما و لا تقطع أمرا دونهما ثم قال : اوصيكما به فإنّه شقيقكما و ابن أبيكما ،

و قد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه إلى أن قال فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى أن قال قال : ثم اوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهلي بتقوى اللّه ربكم و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرقوا٣ فإنّي سمعت أبا القاسم صلّى اللّه عليه و آله يقول : إنّ صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم ، يهوّن اللّه عليكم الحساب ، اللّه اللّه في الأيتام فلا تعنوا أفواههم و لا يضيعن بحضرتكم ، و اللّه اللّه في جيرانكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٧ .

 ( ٢ ) الفقيه ٤ : ١٣٨ ١٤١ ح ٨٦٢ .

 ( ٣ ) آل عمران : ١٠٢ ١٠٣ .

٦٦

فانّهم وصيّة نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله مازال يوصي بهم حتى ظننا انّه سيورثهم ، و اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم ، و اللّه اللّه في الصلاة فانّها عمود دينكم ، و اللّه اللّه في بيت ربّكم فلا تخلّوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا ، و اللّه اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم و أنفسكم ، و اللّه اللّه في الزكاة فإنّها تطفئ غضب الرب ، و اللّه اللّه في ذريّة نبيّكم فلا يظلمنّ بين أظهركم ، و اللّه اللّه في أصحاب نبيّكم فإنّ رسول اللّه أوصى بهم ، و اللّه اللّه في الفقراء و المساكين فاشركوهم في معايشكم ، و اللّه اللّه في ما ملكت ايمانكم ثم قال : الصلاة الصلاة ، لا تخافن في اللّه لومة لائم يكفيكم من أرادكم و بغى عليكم ، و قولوا للناس كما أمركم اللّه ، و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولّى الأمر شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ، و عليكم بالتواصل و التباذل ،

و إيّاكم و التدابر و التقاطع و التفرّق و تعاونوا على البرّ و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا اللّه ان اللّه شديد العقاب١ حفظكم من أهل بيت و حفظ فيكم نبيّكم ، استودعكم اللّه و اقرأ عليكم السلام و رحمة اللّه ثم لم ينطق إلاّ بلا إله إلاّ اللّه حتى قبض ، و ذلك في شهر رمضان سنة ( ٤٠ ) إلى أن قال و قال عليه السلام يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون :

قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلنّ إلاّ قاتلي ، انظر يا حسن إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة ، و لا تمثّل بالرجل فإني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : إياكم و المثلة و لو أنّها بالكلب العقور .

و روى الثاني عن أبي مخنف عن عطية بن الحرث عن عمر بن تميم و عمرو بن أبي بكار : انّه عليه السلام لمّا ضرب جمع له أطباء الكوفة إلى أن قال في وصيته عليه السلام :

ــــــــــــ

 ( ١ ) المائدة : ٢ .

٦٧

اوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهل بيتي و من بلغه كتابي هذا بتقوى اللّه ربّنا و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرقوا١ ، فإنّي سمعت رسول اللّه يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة و الصيام و إنّ المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البيت ، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن اللّه عليكم الحساب ، اللّه اللّه في الايتام فلا تغيّرن أفواههم و لا يضيعوا بحضرتكم ، و اللّه اللّه في جيرانكم فإنّها وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مازال يوصينا بهم حتى ظننا أنّه سيورثهم ، و اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم ، و اللّه اللّه في الصلاة فإنّها عماد دينكم و اللّه اللّه في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا ، و اللّه اللّه في صيام شهر رمضان فانّه جنّة من النار ، و اللّه اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم و أنفسكم ، و اللّه اللّه في زكاة أموالكم فإنها تطفئ غضب ربكم ، و اللّه اللّه في ذرية نبيّكم فلا يظلمن بين أظهركم ، و اللّه اللّه في أصحاب نبيّكم فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوصى بهم ، و اللّه اللّه في الفقراء و المساكين فاشركوهم في معايشكم ، و اللّه اللّه في ما ملكت ايمانكم ثم قال :

الصلاة الصلاة ، لا تخافوا في اللّه لومة لائم فانّه يكفيكم من بغى عليكم و أرادكم بسوء قولوا للناس حسنا٢ كما أمركم اللّه ، و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولّى الأمر غيركم و تدعون فلا يستجاب لكم ،

عليكم بالتواصل و التباذل و التبار ، و إيّاكم و التقاطع و التفرّق و التدابر و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ١٠٢ ١٠٣ .

 ( ٢ ) البقرة : ٨٣ .

 ( ٣ ) المائدة : ٢ .

٦٨

و مثله الكليني إلاّ أنّه زاد بعد قوله « و لا يضيعوا بحضرتكم » : فقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : من عال يتيما حتى يستغني أوجب اللّه عز و جل له بذلك الجنّة ، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار .

و زاد بعد قوله « لم تناظروا » : و أدنى ما يرجع به من اللّه أن يغفر له ما قد سلف .

و زاد بعد قوله « بأموالكم و أنفسكم » : و ألسنتكم فإنّما يجاهد رجلان :

إمام هدى ، أو مطيع له مقتد بهداه .

و فيه : اللّه اللّه في ذريّة نبيّكم ، فلا يظلمنّ بحضرتكم و بين ظهرانيكم ،

و أنتم تقتدرون على الدفع عنهم .

و زاد بعد قوله « في أصحاب نبيّكم » : الذين لم يحدثوا حدثا و لم يؤوا محدثا .

و زاد بعد قوله « أوصى بهم » : و لعن المحدث منهم و من غيرهم ،

و المؤوي للمحدث .

و فيه : اللّه اللّه في النساء و ما ملكت أيمانكم فإنّ آخر ما تكلّم به نبيّكم أن قال : اوصيكم بالضعيفين : النساء و ما ملكت ايمانكم .

و فيه : فيولّى الأمر شراركم .

و في آخره : حتى قبض في ثلاث ليال من العشر الأواخر ، ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان ، ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة ، و كان ضرب ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان .

و قال الرابع١ في رسم وصية فقيهة : روى عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت وصيّة عليّ عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام ، و أشهد على

ــــــــــــ

 ( ١ ) الفقيه ٤ : ١٣٩ ١٤١ ح ٢ ب ٨٦ .

٦٩

وصيته الحسين و محمّدا و جميع ولده و رؤساء أهل بيته و شيعته ، ثم دفع إليه الكتاب و السلاح ثم قال : يا بني أمرني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن أوصي إليك ، و أن أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصى إليّ و دفع إليّ كتبه و سلاحه ، و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين ثم أقبل على ابنه الحسين عليه السلام فقال : و أمرك النبيّ أن تدفع إلى ابنك عليّ بن الحسين ثم أقبل على ابنه عليّ بن الحسين عليه السلام فقال : و أمرك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تدفع وصيّتك إلى ابنك محمّد بن عليّ ، فأقرئه من رسول اللّه و منّي السلام ثم أقبل على ابنه الحسن فقال : يا بني أنت ولي الأمر و ولي الدم ، فإن عفوت فلك و إن قتلت فضربة مكان ضربة إلى أن قال ثم إنّي اوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهل بيتي و من بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى اللّه ربّكم و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرقوا و إذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم١ فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول :

« صلاح ذات البيت أفضل من عامة الصلاة و الصيام » إلى أن قال ثم لم يزل يقول : « لا إله إلاّ اللّه » حتى قبض عليه السلام في أول ليلة من العشر الأواخر ، آخر ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان ، ليلة الجمعة لأربعين سنة مضت من الهجرة .

و رواه ( تحف العقول )٢ إلاّ أنّه قال : « كتابه إلى ابنه الحسن عليه السلام » و عن ( كشف الغمة )٣ و عن ( أمالي الزجاج ) أيضا روايته .

و روى ( المروج )٤ صدره و رواه كتاب ( المعمرون ) لأبي حاتم

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران ١٠٢ ١٠٣ .

 ( ٢ ) تحف العقول : ١٩٧ .

 ( ٣ ) كشف الغمة ٢ : ٥٧ .

 ( ٤ ) المروج ٢ : ٤٢٥ .

٧٠

السجستاني باسناده عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه ، و بآخر صدره هكذا :

اوصيكما بتقوى اللّه ، و لا تبغيا الدنيا و لا تبكيا على شي‏ء منها زوي عنكما ،

قولا الحق و ارحما اليتيم و أعينا الضايع و أضيفا الجائع ، و كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا ، و لا تأخذكم في اللّه لومة لائم .

و روى بعده باسناده عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام هكذا : و إنّي اوصيك يا حسن و جميع ولدي و من بلغه كتابي هذا بتقوى اللّه ربكم و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرّقوا فإنّي سمعت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : صلاح ذات البين أفضل من عام الصيام و الصلاة انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن اللّه عليكم الحساب ، و اللّه اللّه في الأيتام فلا تغيرن أفواههم بحضرتكم ، و اللّه اللّه في الضعيفين فإنّ آخر ما تكلّم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن قال : اوصيكم بالضعيفين خيرا ، و اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم ، و اللّه اللّه في الصلاة فإنّها عمود دينكم ، و اللّه اللّه في الزكاة فإنّها تطفئ غضب ربّكم عنكم ، و اللّه اللّه في صيام رمضان فإنّ صيامه جنّة لكم من النار ، و اللّه اللّه في الحج فإنّ بيت اللّه إذا خلا لم تناظروا ،

و اللّه اللّه في الفقراء و المساكين فشاركوهم في معايشكم و أموالكم ، عليكم يا بني بالبرّ و التواصل و التبارّ ، و إيّاكم و التقاطع و التدابر و التفرّق ، و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان١ حفظكم اللّه من أهل بيت .

و روى ذيله هكذا : و أخبرونا أنّ الحسن عليه السلام قال لابن ملجم لمّا أراد قتله : إنّ أبي قال : يا بني إيّاكم أن تخوضوا في دماء المسلمين و أن تقولوا : قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يقتلنّ فيّ إلاّ قاتلي ، و ضربة بضربة ، فإيّاك يا حسن

ــــــــــــ

 ( ١ ) المائدة : ٢ .

٧١

و المثلة ، فإنّ رسول اللّه نهى عنها و لو بالكلب العقور .

قال : قال : ابن ملجم و اللّه أن كان أبوك ما علمنا لعدلا في الرضاء و الغضب إلاّ ما كان من يوم صفّين حين حكّم في دين اللّه ، أفشكّ أبوك في دينه ؟ قال : فضربه ضربة تلقاه بخنصره فقطعها ، ثم ضربه اخرى في الموضع الذي ضرب أباه فقتله .

قول المصنف : « لمّا ضربه ابن ملجم » في ( الإرشاد )١ قال أبوبكر بن أبي عياش : لقد ضرب عليّ عليه السلام ضربة ما كان في الإسلام أعزّ منها يعني :

ضربته عمرو بن عبدود يوم الخندق و لقد ضرب عليه السلام ضربة ما ضرب في الإسلام أشأم منها يعني : ضربة ابن ملجم له عليه السلام و لو كان المصنف قال :

« بعد ضربه عند احتضاره » كان أولى ، فقد عرفت من الطبري أنّه لم ينطق بعد الوصيه إلاّ بالهيللة حتى قبض ، و كذلك من رواية ( الفقيه )٢ .

قوله عليه السلام اوصيكما بتقوى اللّه » . و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا .

و يرزقه من حيث لا يحتسب .٣ و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض .٤ ، . انّما يتقبّل اللّه من المتّقين٥ ، تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا٦ ،

و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتّقوا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد ١ : ١٠٥ .

 ( ٢ ) الفقيه ٤ : ١٣٩ ١٤١ ح ٢ ب رسم الوصية ٨٦ .

 ( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

 ( ٤ ) الأعراف : ٩٦ .

 ( ٥ ) المائدة : ٢٧ .

 ( ٦ ) مريم : ٦٣ .

٧٢

و نذر الظالمين فيها جثيّا١ .

« و أن لا تبغيا » أي : تطلبا .

« الدنيا و ان بغتكما » . و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور٢ ، . مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح .٣ أفرأيت ان متّعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون٤ .

و في الخبر : تمثّلت الدنيا للمسيح عليه السلام في زيّ امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوجت ؟ قالت : لا احصي قال : اطلّقوك ؟ قالت : لا ، بل كلاّ قتلت قال : ويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين ؟

و لنعم ما قيل بالفارسية :

چه طفل با همه با زيد بى وفايى كرد

عجبتر آنكه نگشتند ديگران استاد

أيضا :

مجو درستى عهد از جهان سست نهاد

كه اين عجوزه عروس هزار داماد است

أيضا :

بعشوه كه سپهرت دهد ز ره مرو

ترا كه گفت كه اين زال ترك دستان گفت

أيضا :

ــــــــــــ

 ( ١ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

 ( ٢ ) الحديد : ٢٠ .

 ( ٣ ) الكهف : ٤٥ .

 ( ٤ ) الشعراء : ٢٠٥ ٢٠٧

٧٣

برو از خانه گردون به در و نان مطلب

كين سيه كاسه در آخر بكشد مهمانرا

و حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة .

« و لا تأسفا على شي‏ء منها زوي عنكما » لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم .١ « ودع عنك من همومها لمّا أيقنت به من فراقها » .

« و قولا للحق » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( بالحق ) كما في ( ابن أبي الحديد٣ و ابن ميثم٤ و الخطية ) .

كنوا قوامين بالقسط شهداء للّه و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين .٥ .

و في ( الاستيعاب )٦ : قدم قيس بن خرشة القيسي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال له : ابايعك على ما جاءك من اللّه و على أن أقول بالحق فقال له : يا قيس عسى أن يمرّ بك الدهر أن يليك ولاة لا تستطيع ان تقول لهم الحق قال : لا و اللّه إلاّ وفيت .

فقال صلّى اللّه عليه و آله إذن لا يضرّك بشر قال : فكان قيس يعيب زيادا و ابنه عبيد اللّه بعده ،

فبلغ ذلك عبيد اللّه فأرسل إليه ، فقال : أنت الذي تفتري على اللّه و على رسوله ؟

فقال : لا و اللّه و لكن ان شئت أخبرتك بمن يفتري على اللّه و رسوله قال و من هو ؟ قال : من ترك العمل بكتاب اللّه و سنّة نبيه قال : و من ذلك ؟ قال : أنت و أبوك و من أمّركما قال : و أنت الذي تزعم أنّه لا يضرّك بشر ؟ قال : نعم ، قال : لتعلمنّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحديد : ٢٣ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٨٥ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٥ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ١١٩ .

 ( ٥ ) النساء : ١٣٥ .

 ( ٦ ) الاستيعاب ٣ : ٢٤٣ .

٧٤

اليوم أنّك كاذب ، إيتوني بصاحب العذاب فمال قيس عند ذلك فمات .

و قال الصادق عليه السلام : ثلاث من المنجيات : القصد في الغنى و الفقر ،

و الخوف من اللّه في السرّ و العلن ، و القول بالحق في الرضا و السخط .

أيضا : ثلاثة هم أقرب الخلائق إلى اللّه عز و جل يوم القيامة ، حتى يفرغ النّاس من الحساب : رجل لم يدعه غضبه إلى أن يحيف على من تحت يده ،

و رجل مشى بين اثنين فلم يمل من أحدهما على الآخر بشعيرة ، و رجل قال الحق في ماله و عليه .

« و اعملا للأجر » هكذا في ( المصرية١ و ابن أبي الحديد٢ و ابن ميثم )٣ و لكن في الخطية : « للآخرة » .

و المراد واحد ، فإنّ المراد بالأجر ثواب الآخرة : قال تعالى : . و إنّ الدار الآخرة لهي الحيوان .٤ ، و إنّ الآخرة هي دار القرار٥ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين٦ .

و في الخبر : إذا دعيت إلى وليمة و جنازة فأجب الجنازة ، لأنّها تذكرك الآخرة ، و لا تجب الوليمة لأنّها تذكرك الدنيا .

من أصلح أمر آخرته أصلح اللّه أمر دنياه .

أيضا : ليس ذئبان ضاريان أفسد لقطيعة غنم من حبّ مال الدنيا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٣ : ٨٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٥ .

 ( ٣ ) ابن ميثم ٥ : ١١٩ .

 ( ٤ ) العنكبوت : ٦٤ .

 ( ٥ ) غافر : ٣٩ .

 ( ٦ ) القصص : ٨٣ .

٧٥

و جاهها لدين امرئ مسلم .

« و كونا للظالم خصما » . فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء إلى أمر اللّه .١ ، و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار .٢ .

و في الخبر : أنّ قوما من بني إسرائيل ممّن آمن بموسى جاؤا إلى فرعون لينتفعوا من دنياه إلى أن يفرّج اللّه لموسى عليه السلام و أصحابه ، فبقوا عنده حتى أذن اللّه تعالى في هلاكهه و غرقه ، فركبوا خيولهم ليلحقوا بموسى فبعث اللّه تعالى ملكا ضرب وجوه خيولهم ، و ردّهم إلى فرعون حتى غرقوا معه .

و في الخبر : أنّ الصادق عليه السلام قال لعذافر : نبئت أنّك تعامل أبا أيوب و الربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة ؟ فوجم . فقال عليه السلام له :

خوّفتك بما خوّفني اللّه به٣ .

أيضا : من عذر ظالما سلّطه اللّه عليه ، و يكون شريكه في الوزر و يشهد له قوله تعالى : فعقروها٤ ، و قوله . فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين٥ .

« و للمظلوم عونا » في الخبر : ما من مؤمن يخذل أخاه و هو يقدر على نصرته إلاّ خذله اللّه في الدنيا و الآخرة .

أيضا : إغاثة المظلوم من الفرائض ، فمن لم يقدر على إغاثته فلا يحضر مشهد ظلمه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحجرات : ٩ .

 ( ٢ ) هود : ١١٣ .

 ( ٣ ) الكافي ٥ : ١٠٥ بتصرّف .

 ( ٤ ) هود : ٦٥ ، و الشعراء : ١٥٧ ، و الشمس : ١٤ .

 ( ٥ ) آل عمران : ١٨٣ .

٧٦

و في ( الكشي )١ : عن الرضا عليه السلام : أنّ حذيفة لمّا حضرته الوفاة و كان آخر الليل قال لابنته : أيّة ساعة هذه ؟ قالت : آخر الليل قال : الحمد للّه الذي بلّغني هذا المبلغ و لم اوال ظالما على صاحب حق ، و لم اعاد صاحب حقّ .

« اوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوى اللّه » كرّر عليه السلام الأمر بالتقوى لأهميّتها ، و كان عليه السلام قلّما يستقر به المنبر إلاّ أمر بها و في الخبر :

التقى رئيس الأخلاق و يكفي في أهميّتها قوله تعالى : . كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون٢ ، و قال تعالى : . إنّ الأرض يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين٣ .

« و نظم أمركم » و عنهم عليهم السلام : من أصبح لا يهتمّ بأمر المسلمين فليس منّا .

« و صلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما صلّى اللّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية٤ و ابن أبي الحديد )٥ و لكن في ( ابن ميثم٦ و الخطية ) : « جدّكما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله » و زاد ( المصرية ) : « و سلم » و ليس في غيرها .

« يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام » و كان عليه السلام يقول :

« لئن أصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين » و يكفي في أهميّته قولهم عليهم السلام : « المصلح ليس بكاذب » مع تسمية الكذب فسوقا .

و كان الصادق عليه السلام يقول للمفضّل : إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكشي : ٣٦ ح ٧٢ .

 ( ٢ ) البقرة : ١٨٣ .

 ( ٣ ) الأعراف : ١٢٨ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية ٣ : ٨٥ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٥ .

 ( ٦ ) شرح ابن ميثم ٥ : ١٢٠ .

٧٧

و عن أبي حنيفة سائق الحاج : مرّ بنا المفضّل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث ، فقال : تعالوا معي إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم ،

و قال : إنّها ليست من مالي و لكن أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام إذا نازع رجلان منّا أن أصلح بينهما من ماله .

و مرّ أنّ رواية أبي الفرج و الكليني زاد : و ان المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين .

« اللّه اللّه في الأيتام » في ( مجالس ثعلب ) : قيل : أصل اليتم : الغفلة ، و منه سميّ اليتيم لأنّه يغفل عنه .

« فلا تغبوا » قال الجوهري : فلان لا يغبنا عطاؤه ، أي : لا يأتينا يوما دون يوم ، بل يأتينا كلّ يوم .

« أفواههم » و قد عرفت أنّ في رواية أبي الفرج و الكليني : فلا تغيرن أفواههم قيل : أي لا تغيرن أفواهم بالجوع أو تكرار السؤال ، لأنّ السائل ينضب ريقه و تنشف لهواته ، فيتغيّر ريح فمه .

قلت : و الظاهر أنّ المراد بغب الأفواه : ما يعبّر عنه بالفارسية بقولهم :

« دهن آب كندن » فإنّهم إذا رأوا الأغنياء يأكلون الأطعمة اللذيذة و لا يطعمونهم ، أو يذهبون بالفواكه المتنوّعة إلى بيوتهم و لا يعطونهم منها ،

يحصل لهم تلك الحالة .

« و لا يضيعوا بحضرتكم » و في الخبر : اتي إليه عليه السلام عسل و تين من همدان و حلوا ، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى ، فأمكنهم من رؤوس الازقاق يلعقونها و هو يقسمها للناس قدحا قدحا ، فقيل له : ما لهم يلعقونها ؟ فقال عليه السلام : إنّ الامام أبو اليتامى ، و إنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء .

٧٨

و قد عرفت أنّ في رواية أبي الفرج و الكليني١ : قال عليه السلام : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله :

من عال يتيما حتى يستغني أوجب اللّه تعالى له بذلك الجنّة ، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار .

« و اللّه اللّه في جيرانكم ، فإنّها وصية نبيّكم ، مازال يوصي بهم حتى ظننا أنّه سيورّثهم » .

قال ابن أبي الحديد في خبر جابر : الجيران ثلاثة : جار له حق ، و جار له حقّان ، و جار له ثلاثة حقوق ، فصاحب الحق الواحد جار مشرك لا رحم له ،

فحقّه حق الجوار ، و صاحب الحقّين جار مسلم ليس بذي رحم ، و ذو الثلاثة جار مسلم ذو رحم ، و أدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتا قدرك أي :

شمّه إلاّ أن تقتدح له منها .

قلت : و عن الكاظم عليه السلام : كان في بني إسرائيل رجل مؤمن ، و كان له جار كافر ، فكان يرفق بالمؤمن و يوليه المعروف ، فلمّا أن مات الكافر بنى اللّه له بيتا في النار من طين ، و قيل له : هذا بما كنت تفعل في الدنيا بجارك فلان بن فلان من الرفق و توليه المعروف .

و في ( اعطاء أمان جهاد الكافي )٢ عن الصادق عن أبيه عليه السلام : قرأت في كتاب لعليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتب كتابا بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من أهل يثرب إلى أن قال إنّ الجار كالنفس غير مضار و لا آثم ، و حرمة الجار على الجار كحرمة امّه و أبيه . .

هذا ، و في ( تاريخ بغداد )٣ : لمّا رجع عبد اللّه بن طاهر ذو اليمينين من

ــــــــــــ

 ( ١ ) فقط الكليني : ٣٦٠ .

 ( ٢ ) الكافي ٥ : ٣١ ح ٥ .

 ( ٣ ) تاريخ بغداد ٩ : ٤٨٦ .

٧٩

الشام بغداد نظر إلى دخان مرتفع في جواره فقال : ما هذا الدخان ؟ قيل :

يخبزون فقال : و يحتاج جيراننا أن يتكلّفوا ذلك ؟ ثم دعا حاجبه فقال : امض و معك كاتب و احص جيراننا ممّن لا يقطعهم عنّا شارع فمضى فأحصاهم فبلغ عدد صغيرهم و كبيرهم أربعة آلاف نفس ، فأمر لكلّ واحد منهم في كلّ يوم بمنوين خبزا و منّا لحم و من التوابل في كلّ شهر عشرة دراهم ، و الكسوة في الشتاء مائة و خمسين درهما و في الصيف مائة درهم ، و كان ذلك دأبه مدّة مقامه ببغداد ، فلمّا خرج انقطعت الوظائف إلاّ الكسوة ما عاش .

و في ( فتوح البلاذري ) : أراد رجل من بني دارم بيع داره فقال : أبيعها بعشرة آلاف درهم ثمنها ، و خمسة آلاف لجوار فيروز حصين فبلغ ذلك فيروز فقال له : امسك عليك دارك و أعطاه عشرة آلاف .

و في ( عيون القتيبي )١ : بلغ ابن المقفع أنّ جارا له يبيع دارا له لدين ركبه ، و كان يجلس في ظلّ داره ، فقال : ما قمت إذن بحرمة ظلّ داره إن باعها .

فحمل إليه ثمن الدار و قال له : لا تبعها .

و في ( كنايات الجرجاني ) : الأصل في قولهم : « جار أبي داود » أنّ كعب بن مامة الايادي كان إذا جاوره رجل فمات و أراه ، و إن هلك له شاة أو بعير أخلف عليه ، فجاوره أبو داود الايادي الشاعر فصار يفعل به ذلك ، فصارت العرب حمدت جارا حسن جواره قالوا : جار أبي داود ، قال قيس بن زهير العبسي حين جاور قرط بن أبي ربيعة الكلابي :

اطوّف ما اطوّف ثم آوي

إلى جار كاجار أبي داود

« و اللّه اللّه في القرآن لا يسبقنّكم بالعمل به غيركم » و لو لا العمل لكان مثلهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) العيون للقتيبي ١ : ٣٣٩ .

٨٠