الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ0%

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 199

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76976 / تحميل: 3531
الحجم الحجم الحجم
الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

مؤلف:
العربية

بالخَلق(١) .

لقد عمل الغلاة على اتخاذ مواقف مناقضة لمباديء الإسلام الصافية مما دفع أئمة الشيعة ورجالاتها إلى البراءة منهم ومحاربتهم.

ومن خلال النظرة الفاحصة للروايات الواردة عن الإمام الرضاعليه‌السلام حول الغلاة، يمكننا تحديد موقفه منهم من خلال النقاط التالية:

أولاً: إن الغلو كان نتيجة الوضع في الأخبار:

لقد نوّهنا بأن الإمامعليه‌السلام في معرض رده للشبهات المثارة على أهل البيتعليهم‌السلام قال لإبراهيم ابن أبي محمود: «إن أعدائنا وضعوا أخبارا على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا »(٢) .

ثانياً: إن الأئمةعليهم‌السلام عباد مخلوقون وليسوا بآلهة:

لقد سدَّ إمامنا المنافذ أمام الغلاة الذين شبهوا الأئمة بالإله من خلال شبهة المعجزات، فأعلن أن الأئمة ليسوا بأكثر من عباد مخلصين اصطفاهم اللّه تعالى لدينه، وليسوا بآلهة، وأن المعجزات التي ظهرت على أيديهم هي كرامات أكرمهم اللّه تعالى بها. يتضح لنا كل ذلك من الرواية التالية: عن أبي محمد العسكري أنّ أبا الحسن الرضاعليهم‌السلام قال: «إنَّ من تجاوز بأمير المؤمنين العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضّالين. وقال أمير

__________________

(١) الملل والنحل ١: ١٥٤.

(٢) انظر: عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٧٢، ح ٦٣، باب (٢٨).

١٦١

المؤمنين عليه‌السلام : لاتتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا، وإيّاكم والغلو كغلو النّصارى، فإنّي بريء من الغالين ».

وسئلعليه‌السلام - في الرواية نفسها - عن قول الغلاة (لعنهم اللّه ) في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام : «سبحان اللّه عمّا يقول الظالمون والكافرون علوّا كبيرا!! أوليس علي كان آكلاً في الآكلين، وشاربا في الشاربين، وناكحا في الناكحين، ومحدثا في المحدثين؟ وكان مع ذلك مصلّيا خاضعا بين يدي اللّه ذليلاً، وإليه أوّاها منيبا، أفمن هذه صفته يكون إلها؟! فإن كان هذا إلها فليس منكم أحد إلاّ وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث الموصوف بها ».

ثم قالعليه‌السلام عن شبهة المعجزات التي تشبث بها الغلاة (لعنهم اللّه ): «لمّا ظهر منه (الفقر والفاقة) دلّ على أنّ من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لاتكون المعجزات فعله، فعلم بهذا أنَّ الذي أظهره من المعجزات إنّما كانت فعل القادر الذي لايشبه المخلوقين، لافعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف »(١) .

وسأله المأمون ذات يوم عن الغلاة فقالعليه‌السلام : «حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لاترفعوني فوق حقي، فان اللّه تبارك وتعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا، قال اللّه تبارك وتعالى: ( ماكان لبشرٍ أَن يُؤتيهُ اللّه الكِتبَ والحُكمَ والنُّبُوَّةَ ثُمَّ يقُولَ للنّاسِ كُونُوا عبادا لّي من دُونِ

__________________

(١) الاحتجاج ٢: ٤٥٣ - ٤٥٤، باب (٣١٤).

١٦٢

اللّه ) (١) .

وقال علي عليه‌السلام : يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي؛ محب مفرط، ومبغض مفرط، وأنا أبرأ إلى اللّه تعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حقنا كبراءة عيسى بن مريم عليه‌السلام من النصارى، قال اللّه تعالى: ( وإذ قال َ اللّه يعيسى ابنَ مريمَ ءَأنتَ قُلتَ للنَّاسِ اتَّخذُوني وأمّيَ إلهَينِ من دُونِ اللّه قالَ سُبحنَكَ مايكُونُ ليآ أَن أَقولَ ما ليسَ لي بحَقٍّ ) (٢) وقال عزوجل :( لَّن يستنكفَ المسيحُ أن يكُونَ عبدا للّه ) (٣) وقال عزوجل: ( مّا المسيحُ ابنُ مريمَ إِلاّ رسولٌ قد خلت من قبلهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صديقة كانا يأكلانِ الطَّعام ) (٤) ومعناه أنّهما كانا يتغوّطان، فمن ادعى للأنبياء ربوبية وادعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة »(٥) .

ثالثاً: تكفير الغلاة والزجر عن مخالطتهم:

وخير ما يعبر عن هذا رواية أبي هاشم الجعفريرضي‌الله‌عنه عن الإمام الرضاعليه‌السلام وقد سأله عن الغلاة، فقال بعد أن كفرهم صراحةً:

«من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوّجهم أو تزوج منهم أو آمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية اللّه عزوجل وولاية رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولايتنا أهل

__________________

(١) سورة آل عمران: ٣ / ٧٩.

(٢) سورة المائدة: ٥ / ١١٦.

(٣) سورة النساء: ٤ / ١٧٢.

(٤) سورة المائدة: ٥ / ٧٥.

(٥) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢١٧، ح ١، باب (٤٦).

١٦٣

البيت »(١) .

رابعاً: تشبيههعليه‌السلام الغلاة باليهود ونظرائهم:

عن علي بن معبد بن الحسين بن خالد الصيرفي، قال: قال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : «من قال بالتناسخ فهو كافر » ثم قالعليه‌السلام : «لعن اللّه الغلاة، ألا كانوا يهودا! ألا كانوا مجوسا! ألا كانوا نصارى! ألا كانوا قدرية! ألا كانوا مرجئة! ألا كانوا حرورية! » ثم قالعليه‌السلام : «لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم، بريء اللّه منهم »(٢) .

المبحث الثاني: موقفه من الواقفة

لقد انحرفت بالواقفة السبل من جراء الاستئثار بالأموال، وأخذوا يُلبسون أطماعهم رداء المبدئية، فقد ران زخرف الحياة على قلوبهم وتنكروا للرضاعليه‌السلام كإمام شرعي مفترض الطاعة، بمزاعم واهية نسجوها من خيالهم لتبرير استئثارهم بالحقوق، ولم تقتصر ضلالتهم على أنفسهم بل عملوا جاهدين على حرف الشيعة عن الإمام الحق وتأليبهم عليه، من خلال أسلوب «الترغيب والترهيب».

عن يونس بن عبد الرحمن، قال:

مات أبو الحسنعليه‌السلام وليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته، وكان عند زياد القندي سبعون

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢١٩، ح ٤، باب (٤٦).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢١٨، ح ٢، باب (٤٦).

١٦٤

ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.

قال: فلما رأيت ذلك وتبين الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ماعلمت تكلّمت ودعوت الناس إليه، قال: فبعثا إليَ وقالا لي: ما يدعوك إلى هذا؟! إن كنت تريد المال فنحن نغنيك! وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا لي: كفّ! فأبيت، وقلت لهم: إنا روينا عن الصادقينعليهما‌السلام أنهم قالوا: «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان، وما كنت لأدع الجهاد في أمر اللّه على كل حال. فناصباني وأضمرا لي العداوة »(١) .

لقد أسقط إمامنا القناع عن وجه الواقفة وأبطل المزاعم وقشع الشبهات التي تدثروا بها، فقد حاول الواقفة التشكيك بإمامة الرضاعليه‌السلام تحت ستار كثيف من الزيف، وسوف نقف هنا على أبرز الشبهات التي أثاروها، والردود التي أوردها عليهم الإمام الرضاعليه‌السلام من خلال النقاط التالية:

أولاً: شبهة الواقفة بأنّ الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام لم يمت

تمسك الواقفة بشبهة واهنة مفادها عدم موت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وضربوا بالأخبار المؤكدة لموتهعليه‌السلام عرض الجدار، ولم يعطوا أُذناً صاغية لكل من يُخبرهم بوفاته ولو جاءت من أقرب المقربين إليه كولده الرضاعليه‌السلام ؛ فقد كان عثمان بن عيسى، وهو الموكل من قبل الإمام الكاظمعليه‌السلام بمصر، وعنده مال كثير وست جواري، فبعث إليه أبو الحسن الرضاعليه‌السلام فيهن وفي المال، فكتب إليه: أن أباك لم يمت!، فكتب إليه

__________________

(١) علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١: ٢٧٦، ح ١، باب (١٧١).

١٦٥

الرضاعليه‌السلام : «إن أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه ».

فكتب إليه: ان لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن(١) .

قال الصدوق: لم يكن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ممن يجمع المال، ولكنه حصل في وقت الرشيد وكثر أعداؤه ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلاّ على القليل ممن يثق بهم في كتمان السر، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك، على أنها لم تكن أموال فقراء وإنما كانت أموالاً تصله بها مواليه لتكون له إكراما منهم له وبرا منهم به(٢) .

لقد تمسّك هؤلاء بشبهة ذرائعية تواصوا عليها وأشاعوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، واستخدموا لذلك أساليب وفنون:

عن علي بن رباط، قال: قلت لعلي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ان عندنا رجل يذكر أن أباكعليه‌السلام حي، وأنك تعلم من ذلك ما تعلم!! فقالعليه‌السلام : «سبحان اللّه مات رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يمت موسى بن جعفر عليه‌السلام ؟! بلى واللّه لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه (٣) ».

ولما أصرّ الواقفة على العناد واشتد أوار فتنتهم وغلا مرجلها، لعنهم الإمام الرضاعليه‌السلام ووصمهم بالكذب، وكان ينمّي وعي أصحابه ويبين لهم حقيقة الحال: عن جعفر بن محمد النوفلي، قال: أتيت الرضا وهو بقنطرة

__________________

(١) علل الشرائع ١: ٢٧٦، ح ٢، باب (١٧١).

(٢) علل الشرائع ١: ٢٧٦، ح ٢، باب (١٧١).

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٩٠، ح ٩، باب (٨).

١٦٦

اربق(١) فسلمت عليه ثم جلست وقلت: جعلت فداك ان أناسا يزعمون أن أباك حي، فقال: «كذبوا لعنهم اللّه، ولو كان حيا ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤه، ولكنه واللّه ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب عليه‌السلام »(٢) .

ثانيا: زعمهم بأن الرضاعليه‌السلام ليس له ولد

سقط الواقفة تحت حوافر الشك والريب لما وجدوا أن الإمام الرضاعليه‌السلام لم يلد له مولود مع تقدمه في السن، ولم يكن الإمام كما زعموا مسناً وإنما فارق شرخ الشباب ببضع سنين. وعلى أية حال فإن إمامنا الذي كان ينظر للغيب من وراء ستر رقيق قد رد هذه الدعوى وكشف عن أنه سيرزق ولدا يكون حجة على الخلق من بعده، وإخباره هذا الذي صدقته الأيام يعدّ أحد معاجزه الباهرة.

عن ابن أبي نجران وصفوان، قالا: حدثنا الحسين بن قياما، وكان من رؤساء الواقفة، فسألنا أن نستأذن له على الرضاعليه‌السلام ففعلنا، فلمّا صار بين يديه قال له: أنت إمام؟ قال: «نعم »، قال: إنّي أشهد اللّه أنّك لست بإمام! قال: فنكت طويلاً في الأرض منكّس الرأس ثم رفع رأسه إليه، فقال له: «ما علمك أنّي لست بإمام ؟ ».

قال: لأنّا روينا عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : «أن الإمام لايكون عقيما »، وأنت قد بلغت هذا السنَّ وليس لك ولد.

قال: فنكس رأسه أطول من المرَّة الأولى ثم رفع رأسه فقال: «اُشهد اللّه أنّه لاتمضي الأيام والليالي حتّى يرزقني اللّه ولدا منّي ».

__________________

(١) من نواحي رام هرمز في خوزستان، انظر: معجم البلدان ٢: ١٣٧.

(٢) اعلام الورى ٢: ٥٩، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٣٣، ح ٢٣، باب (٤٧).

١٦٧

قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال فوهب اللّه له أبا جعفرعليه‌السلام في أقلَّ من سنة، قال: وكان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطواف فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام فقال له: « ما لك حيّرك اللّه »، فوقف عليه بعد الدَّعوة(١) .

لقد كان الواقفة من أشد الناس عنادا للحق لأنهم لا يؤمنون بكل شيء خالف عقيدتهم ولو كان بينا كالشمس في رائعة النهار. ويكفي أنهم أنكروا عشرات الادلة والبينات والشهادات المتواترة على موت الإمام الكاظم وتشييعه وتغسيله وتكفينه ودفنهعليه‌السلام .

ومن هنا لعنهم الإمام الرضاعليه‌السلام كما لعن الغلاة من قبل يروى أنه سئل عن الواقفة، فقال: «( ملعُونونَ أَينَما ثُقفوا أُخذوا وقُتلُوا تقتيلاً * سُنَّةَ اللّه في الَّذين خلوا من قبلُ ولن تجدَ لسُنَّةِ اللّه تَبْدِيْلاً ) (٢) واللّه إن اللّه لايبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم »(٣) .

ومن الأهمية بمكان القول بأن التشيع قد انبسط في أيام إمامنا ورجع إلى إمامته أكثر الضالين بعد وفاة أبيه وجدهعليهما‌السلام ، وقد وجدنا أن بعض كبار أقطاب الواقفة قد ثابوا إلى رشدهم فاستبصروا بمجرّد مراسلتهم للإمامعليه‌السلام أو مقابلت-هم العاب-رة ل-ه، منهم: أبو نصر البزنطي(٤) ، وعبد اللّه بن المغيرة(٥) .

__________________

(١) اعلام الورى ١: ٥٧، الفصل الثالث، بحار الأنوار ٤٩: ٣٤، ح ١٣، باب (٣).

(٢) سورة الأحزاب: ٣٣ / ٦١ و ٦٢.

(٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٣٥٨.

(٤) الخرائج والجرائح ٢: ٦٦٢، ح ٥، فصل: في أعلام الإمام الرضاعليه‌السلام .

(٥) الخرائج والجرائح ١: ٣٦٠، ح ١٥، باب (٩).

١٦٨

الفصل السادس

ولاية العهد وآثارها على حياة الإمام

تعتبر ولاية العهد من أكبر وأخطر المحطات السياسية في حياة الإمام الرضاعليه‌السلام ، فقد كانت تحولاً مفاجئا في السلوك السياسي العباسي تجاه العلويين، فاجأ رجال الفكر والسياسة في زمانه وأثار موجةً من ردود الفعل المختلفة، أخذت تتسع دائرتها إلى وقتنا الحاضر، فكل من يتناول حياة الإمام الرضاعليه‌السلام يتطرق بالبحث والتحليل لهذه القضية الحساسة في الفكر السياسي الاسلامي لكونها تشكل سابقة فريدة في السلوك السياسي العباسي عندما يتنازل الحاكم للمعارضة ويعرض عليها تقاسم أعباء الحكم، حملها البعض على نحو من الجدية وأثنى على المأمون غاية الثناء، ووصفه بالتجرّد والنزاهة.

على الرغم من كونها مسرحية سياسية أجاد المأمون نسج فصولها وتوزيع أدوارها وحسن توقيتها. كما يستفاد من تصريحات ولي العهد نفسهعليه‌السلام بعيداً عن تحليلات أولئك المتأخرين، وبدورنا سوف نستعرض خلفيات ولاية العهد، والعوامل الدافعة للمأمون على تغيير السياسة القمعية العباسية تجاه العلويين عموما وشيعة أهل البيتعليهم‌السلام على وجه

١٦٩

الخصوص، ونتعرف على موقف الإمام الرضاعليه‌السلام من ولاية العهد، ومن ثم نستعرض آثارها في شهادته.

المبحث الأول: خلفيات ولاية العهد

اتبع العباسيون - منذ البداية - سياسة مخادعة مع العلويين، فقد رفعوا في أثناء صراعهم مع الأمويين شعارا تضليليا هو «الرضا من آل محمد» دون أن يحددوا مضمونه، وتمسكوا بالسرية التامة، فلم يفصحوا عن اسم الإمام حتى لايحس العلويون ولا قاعدتهم العريضة في خراسان بخروج الأمر منهم.

وبعد وصولهم للسلطة تنكر العباسيون للدعم الكبير والمساندة الواسعة التي أبداها العلويون وقاعدتهم، وفوق ذلك أذاقوهم ألوان العذاب، وعملوا على الحطّ من شأنهم، وإبعادهم عن الحياة السياسية، ووضعوا الرقابة المشددة عليهم، ومنعوا الناس من الاتصال بهم فضلاً عمن أطلوا دمه أو هلك في طواميرهم المظلمة.

وضرب المنصور العباسي المثل الأقسى في معاملة العلويين، فقد أذاقهم جميع صنوف العنف والجور والعذاب، وزج جمع منهم في سجن مظلم لا يُعرف فيه الليل من النهار حتى باتوا لايعرفون وقت الصلاة، فجزأوا القرآن الكريم خمسة أجزاء، فكانوا يصلون الصلاة على فراغ كل واحد منهم لجزئه(١) .

__________________

(١) انظر: مروج الذهب / المسعودي ٣: ٢٢٥.

١٧٠

وأمر المنصور عماله بمصادرة جميع أموالهم وبيع رقيقهم، وقد صادر بالفعل أموال بني الحسن وكثير من العلويين وبني هاشم(١) .

وأمر المنصور أيضا باحضار محمد بن إبراهيم بن الحسن المثنّى، وكان آية في بهاء وجهه وجماله، فالتفت نحوه وقال ساخرا: أنت المسمى بالديباج الأصفر؟ فقال: نعم. قال الطاغية: أما واللّه لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدا من أهل بيتك. ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت وأدخل فيها، فبنيت عليه وهو حي!(٢) .

لقد أطلق هذا الطاغية يده في استخدام القوة ضد العلويين، واتبع معهم سياسة «السيف والنطع» وخاض ضدهم حربا ليس لها هوادة ولا يخف لها أوار، فقد كمّم أفواههم وزجهم في السجون، وكان يتميز من الغيظ ضد كل علوي، فمرت الأحداث تنفث سمومها، وتبعث بلهبها لتكوي آل علي بكل ما يشيب الطفل. وكان أبو جعفر المنصور يخشى على منصبه مما وصل إليه الإمام الصادقعليه‌السلام من علو المنزلة وسمو المكانة بين المسلمين، حتى أن المنصور كان يصفه بأنه (الشجى المعترض حلقه)(٣) . وقد استدعى هذا الطاغية إمامنا الصادقعليه‌السلام إلى العراق، ليوقفه بين يديه، يريد بذلك استنقاصه أمام أعين الناس والتصغير من شأنه. ولكن ما زاده ذلك إلاّ علواً إذ كان اقبال الناس على الإمام الصادقعليه‌السلام وشدّهم الرحال إليه قد أثار مخاوف العباسيين وباتوا يلوحون بالعصا العباسية

__________________

(١) مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصبهاني: ٢٧٣.

(٢) تاريخ الطبري ٩: ٣٩٨.

(٣) انظر: تاريخ اليعقوبي ٣: ١١٧.

١٧١

لشيعته.

واتبع الهادي العباسي مع العلويين سياسة تقوم على العنف بخلاف المهدي الذي حاول استرضاء العلويين فألحّ الهادي في طلبهم (وأخافهم خوفا شديدا وقطع ما كان المهدي يجريه عليهم من الأرزاق والأعطية، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم)(١) .

ومضى الهادي إلى آخر الشوط فازداد تعطشا لدماء العلويين، فجهد على استأصال شأفة شبابهم كما حدث في كارثة «فخ» التي اقترف فيها العباسيون جرائم ضاهت ما اقترفه الأمويون في كربلاء، فقد رفعوا رؤوس العلويين على الرماح وأطافوا بأسراهم في الأقطار وتركوا جثث قتلاهم ملقاة على الأرض مبالغة منهم في التشفّي والانتقام من العلويين. الذين وقعوا تحت وطأة ظلم صارخ ووحشية مروعة، حتى قال الشاعر:

يا ليت جور بني مروان عاد لنا

وليت عدل بني العباس في النار

 يروي الطبري: أن الأسرى العلويين كانوا مقيدين في السلاسل وفي أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية الهادي بقتل الأسرى فقتلوا وصلّبوا(٢) . ويضيف المسعودي قائلاً: إنّ الجثث ظلت ثلاثة أيام دون أن توارى في الثرى حتى أكلتها الحيوانات الضارية والطيور الجارحة(٣) .

وقد رفع الطاغية هارون من وتائر الضغط على العلويين، وكان يقذفهم بالشر والشرر، ولم يترك حجرا على حجر من أجل الظفر

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٣: ٤٠٤.

(٢) تاريخ الطبري ١٠: ٢٩.

(٣) مروج الذهب / المسعودي ٣: ٣٣٦.

١٧٢

برجالهم، فاتبع - اضافة لما تقدم - آليات الإقصاء والاستبعاد والقمع، وكان نصيب الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام من ظلمه كبيرا كما أسلفنا، وعموما فقد كان العلويون يعانون الأمرّين من هارون حتى (ركنوا إلى الهدوء في أواخر عهده وطول عهد ولده الأمين، ولكن بدأت بوادر قيام حركة جديدة من حركات الشيعة في مطلع عهد المأمون)(١) .

وبالفعل فقد تزعّم محمد بن إبراهيم بن طباطبا وداعيته أبو السرايا في أواخر سنة ١٩٩ ه- حركة ثورية ضد حكم المأمون(٢) ، وفي السنة التالية تزعّم إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادقعليهما‌السلام وحركة أخرى فى اليمن ضد السلطة العباسية(٣) ، كما تمرد الحسين بن الحسين الأفطس بمكة أيضاً(٤) . واتصلت حركته بالدعوة إلى زعامة محمد بن الإمام جعفر الصادق، ولقّبه أنصاره بأمير المؤمنين(٥) .

سياسة المأمون مع العلويين:

إن تحوّل السياسة العباسية تجاه العلويين في زمن المأمون لم يتمّ صدفة ولم ينطلق من فراغ، كما لم يكن أمرا سهلاً لدقة الظروف وخطورة الاحتمالات، ولكن لهذا التحول عوامل عديدة نستطيع أن نصنفها إلى قسمين أساسيين، هما:

__________________

(١) جهاد الشيعة / الدكتورة سميرة الليثي: ٣١٩.

(٢) تاريخ الطبري ٨: ٥٢٨ - ٥٣٥.

(٣) تاريخ الطبري ٨: ٥٣٥ - ٥٣٦.

(٤) تاريخ الطبري ٨: ٥٣٦ - ٥٣٨.

(٥) تاريخ الطبري ٨: ٥٣٨ - ٥٤٠.

١٧٣

أولاً- العوامل الذاتية:

ونقصد بها تلك العوامل التي تفاعلت في نفس المأمون ودفعته إلى تغيير السياسة العباسية الظالمة تجاه العلويين. وهنا يورد المؤرخون والمحدثون عوامل عديدة محتملة كان لها دور كبير في التغيير المذكور، وهي:

١- دعوى ميول المأمون للتشيع:

يرى البعض أن منشأ هذا التحول في مسار السياسة العباسية تجاه العلويين في زمن المأمون يعود إلى ميل ديني عاطفي للمأمون تجاه العلويين، وانه كان ينظر إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام نظرة تقدير، ويرى أنه أحق بالخلافة من باقي الصحابة. ونتيجة لذلك كان يتجنب إراقة دماء العلويين، ولايريد أن يذهب مذهب أسلافه العباسيين في اضطهاد الشيعة، كما أنه كان يود التقريب بين فرعي البيت الهاشمي من علويين وعباسيين، ويضع حدا للعداء الطارى ء بين الطرفين.

يرى السيوطي أن الذي حمل المأمون على ذلك هو إفراطه في التشيع، حتى أنه هَمّ أن يخلع نفسه عن الخلافة ويسلمها للرضاعليه‌السلام ، ويروي السيوطي: أن المأمون أجاب عن سؤال وجهه أحدهم إليه عن سبب عطفه على العلويين، فقال: (انما فعلت ما فعلت لأن أبا بكر لما ولى لم يول أحدا من بني هاشم شيئا، ثم عمر، ثم عثمان كذلك، ثم ولّى عليرضي‌الله‌عنه عبد اللّه بن عباس البصرة، وعبيد اللّه اليمن، وسعيدا مكة، وقثم البحرين، وماترك أحدا منهم حتى ولاه شيئا، فكانت هذه في أعناقنا

١٧٤

حتى كافأته في ولده بما فعلت)(١) .

وذات الرأي ينقله صاحب الفخري: من أن زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس قد سألت المأمون عن سبب تحويله الخلافة من العباسيين إلى بيت علي فأجاب: (ما رأيت أحدا من أهل بيتي حين أفضى الأمر إليهم كافوه على فعله في ولده - أي في ولد العباس -، فأحببت أن اُكافيه على إحسانه)(٢) .

وقد أورد الشيخ الصدوق روايات تعزز هذا الاعتقاد وتدل على ميل المأمون للتشيع: عن سفيان بن نزار قال: كنت يوما على رأس المأمون، فقال: أتدرون من علّمني التشيع؟ فقال القوم جميعا: لا واللّه ما نعلم.

قال: علمنيه الرشيد! قيل له: وكيف ذلك، والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت!

قال: كان يقتلهم على الملك، لأن الملك عقيم(٣) . ثم روى لهم كيف أن هارون قد قام للكاظمعليه‌السلام إجلالاً وإعظاما لما دخل عليه وقبّل وجهه وعينيه وأخذ بيده حتى أجلسه صدر المجلس، وأن المأمون سأل والده هارون عن ذلك فقال: هذا إمام الناس وحجة اللّه على خلقه وخليفته على عباده وأنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، واللّه يابني انه لأحق بمقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن الخلق جميعا،

__________________

(١) تاريخ الخلفاء / السيوطي: ٣٠٧ و ٣٠٨.

(٢) الفخري في الآداب السلطانية / ابن الطقطقا: ٢٠٠.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٨٤، ح ١١ باب (٧).

١٧٥

واللّه لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم(١) .

وعن الريان بن شبيب، قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيتعليهم‌السلام واظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه. فلما رأيت أبي هارون يُكرم الكاظمعليه‌السلام قلت له: لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا مارأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار ولابني هاشم، فمن هذا الرجل؟! فقال: يابني هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمدعليهم‌السلام إن أردت العلم الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي محبّتهم(٢) .

٢ - نذر المأمون:

وهناك من يُرجع هذا التحول إلى النذر الذي قطعه المأمون على نفسه بأنه إذا ظفر بأخيه المخلوع فانه يُخرج الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب.

وهذا العهد يستدعي - بطبيعة الحال - الإحسان إلى العلويين. وفي هذا الصدد يروي الاصفهاني: أن المأمون كان خلال صراعه مع أخيه الأمين قد عاهد اللّه أن ينقل الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب، وان علي الرضا هو أفضل العلويين(٣) . ويعزز ذلك ما رواه الصدوق بأن المأمون قال: (فلما وفى اللّه تعالى بما عاهدته عليه أحببت أن أفي للّه بما عاهدته، فلم أرَ أحدا أحقّ بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا)عليه‌السلام . والشيخ الصدوق يفسر إقدام المأمون على دعوة الرضاعليه‌السلام لقبول ولاية العهد بناءً على هذا النذر(٤) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٨٤، ح ١١ باب (٧).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٨٧، ح ١٢ باب (٧).

(٣) مقاتل الطالبيين: ٥٦٣.

(٤) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٧٦ - ١٧٧، ح ٢٨ باب (٤٠).

١٧٦

٣ - دعوى حب المأمون للعفو وكراهيته للانتقام:

والبعض الآخر يُرجع هذا التحول إلى عامل نفسي، فيدّعي أن المأمون قد اشتهر بالعفو ومقت الانتقام وكان يكره إراقة الدماء، ومن دلائل ذلك معاملته السمحة للعلويين الذين ثاروا ضده، فقد عفا عن محمد بن محمد بن زيد وأسكنه دارا، كما عفا عن محمد بن جعفر الصادق واشترك في تشييع جنازته وقام بسداد ديونه(١) . كما عفا المأمون أيضا عن عبد الرحمن بن أحمد العلوي الذي أعلن الثورة في بلاد اليمن(٢) . وقد فات هؤلاء بأن المأمون قد قتل أخاه وصلب جثته، فكيف والحال هذه أن نقتنع بحبه للعفو وكرهه لإراقة الدماء؟!.

وهناك رأي مفاده أن المأمون عرف الحق لأهله وتنكر لسيرة الماضين من آبائه الذين أمعنوا في ظلم أهل البيتعليهم‌السلام قتلاً وسما وتشريدا، وذلك بناءً على رواية أوردها الصدوق عن أحمد بن محمد بن اسحاق، قال: حدثني أبي قال: لما بويع الرضاعليه‌السلام بالعهد اجتمع الناس إليه يهنئونه، فأومى إليهم فأنصتوا، ثم قال: « بسم اللّه الرحمن الرحيم، إن أمير المؤمنين عضده اللّه بالسداد ووفّقه للرشاد عرف من حقّنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمّن نفوسا فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها إذ افتقرت، مبتغيا رضا رب العالمين ..»(٣) .

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥٤١، والفخري في الآداب السلطانية: ١٦٥.

(٢) تاريخ الطبري ٧: ١٦٨ - ١٦٩.

(٣) عقيدة الشيعة الإمامية / هاشم معروف الحسني: ١٦١ و ١٦٢، والرواية في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٥٧، ح ١٧، باب (٤٠).

١٧٧

ثانيا: العوامل الموضوعية:

ان قراءة معمقة لما بين سطور أحداث تلك الفترة تكشف لنا عن تفاعل عوامل موضوعية عديدة دفعت المأمون إلى التقرب من العلويين وتنفيس الاحتقان بين البيتين العلوي والعباسي. ومن هذه العوامل:

١ - تعاطف أهل خراسان : ومن الطبيعي والحال هذه أن يأخذ المأمون هذا التعاطف بعين الاعتبار، لذلك (كانت البيعة لعلي الرضا بولاية العهد ترضي مشاعر أهل خراسان إرضاءً تاما، ولاشك أن ذلك الدافع كان في مقدمة الدوافع التي حدت بالمأمون إلى البيعة لهذا الزعيم العلوي بولاية عهده)(١) .

فهناك من يرى بأن المأمون حاول أن يتقرب إلى العلويين مدفوعا في ذلك بتأثير الفضل بن سهل الذي أشار على المأمون أن يتقرب إلى اللّه عزوجل إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلة رحمه بالبيعة بالعهد لعلي بن موسى الرضاعليه‌السلام ليمحو بذلك ماكان من أمر الرشيد فيهم، وماكان يقرر على خلافه في شيء(٢) .

وكان الرأي العام في ذلك الوقت يعتبر أمر البيعة للرضاعليه‌السلام من تدبير الفضل بن سهل: عن الريان بن الصلت قال: أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد والعامة ومن لم يحب ذلك، وقالوا: ان هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين(٣) .

__________________

(١) جهاد الشيعة / الدكتورة سميرة الليثي: ٣٥٠.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٥٨، ح ١٩، باب (٤٠).

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٦٢، ح ٢٢، باب (٤٠).

١٧٨

وهناك أخبار رواها الصدوق تعزّز هذا الاعتقاد، وتسنده إلى مصادر تاريخية متقدمة، فقد نقله الصدوق عن أبي علي الحسين بن أحمد السلامي، في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان(١) ..

ومما يدعم هذا الرأي ما رواه الصدوق من أن ذا الرياستين قال للمأمون: (ان ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضاعليه‌السلام ولا آمن السعاة والحساد وأهل البغي ..)(٢) .

وبالمقابل هناك روايات تستبعد ذلك وتتنكر لدور ذي الرياستين في احداث التحول المذكور، لكون الفضل بن سهل من صنائع البرامكة الذين ناصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام وألّبوا الحكام العباسيين عليهم، روى الصدوق: أن ذا الرياستين قد أظهر عداوة شديدة لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام وحسده على ما كان المأمون يفضّله به(٣) . وهناك شاهد آخر يصبّ في هذا الاتجاه، فقد روى الصدوق أن المأمون قد أنكر صراحةً دور الفضل بن سهل المظنون، وذلك لما بلغه أن الناس يتحدثون بذلك، قال للريان: (ويحك ياريان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة وابن خليفة قد استقامت له الرعية والقواد واستوت له الخلافة، فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟ ..لا واللّه ما كان كما يقولون)(٤) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٧٦، ح ٢٨، باب (٤٠).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٧٣ ح ٢٤، باب (٤٠).

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٦٥، ح ٢٢، باب (٤٠).

(٤) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٦٣، ح ٢٢، باب (٤٠).

١٧٩

ويمكن الجمع بين الرأيين المتعارضين باحتمال استشارة المأمون لذي الرياستين بشأن الإمام الرضا وموافقة الأخير له بعد أن رأى ميل المأمون لذلك في الظاهر، فلم يحب مخالفته، وحين استبان له الواقع أعرب عما كان يكنه من عداء لأهل البيتعليهم‌السلام .

٢ - عداء البيت العباسي للمأمون:

وهناك من تتبع المجرى العريض لهذا التطور وعد من العوامل التي دفعت المأمون إلى التقرب من البيت العلوي وشيعتهم مالمسه من عداء البيت العباسي له. يذكر الطبري من بين أحداث سنة ٢٠١ ه- ما كان (من مراودة أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة)(١) . وقد أمتنع منصور المذكور عن ذلك ولكنه قبل أن يصبح أميرا على بغداد. إلى جانب عداء ابراهيم بن المهدي وغيره من العباسيين للمأمون(٢) ، وقد أعلن أهل بغداد عصيانهم للحسن بن سهل والي المأمون على بلاد العراق(٣) .

وهذا الأمر غير صحيح لحصول تلك الأحداث بعد قتل الأمين وتقرّب المأمون إلى التشيع في الظاهر.

٣ - فشل المعالجة القمعية بحق العلويين:

قد يكون أحد العوامل السالفة الذكر أو بعضها قد أثر في نفس المأمون ودفعه إلى انتهاج سياسة جديدة مع العلويين، ولكن يبدو لنا أن القضية أعمق من ذلك بكثير، فالمأمون وقد عُرف بالحنكة السياسية

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧: ١٣٢.

(٢) انظر: تاريخ الخلفاء / السيوطي: ٢٥٠.

(٣) البداية والنهاية / ابن الاثير: ١٠: ٢٤٧.

١٨٠