بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97883
تحميل: 2380


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97883 / تحميل: 2380
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

و النّور الذي غشيك هو من بياض ثغرها و صفاءه و نقاءه فيقول وليّ اللَّه :

ايذنوا لها ، فتنزل إليه فيبتدر إليه ألف وصيف و ألف وصيفة يبشّرونها بذلك فتنزّل إليه من خيمتها و عليها سبعون حلّة منسوجة بالذّهب و الفضّة مكلّلة بالدّرّ و الياقوت و الزّبرجد صبغهن بالمسك و العنبر بألوان مختلفة يرى مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة طولها سبعين ذراعاً و عرض ما بين منكبيها عشرة أذرع فإذا دنت من ولي اللَّه أقبل الخدّام بصحائف الذهب و الفضة فيها الدرّ و الياقوت و الزبرجد فينثرونها عليها ثمّ يعانقها و تعانقه فلا يملّ و لا تملّ ،

ثمّ قال عليه السّلام : أمّا الجنان المذكورة في الكتاب فانّهنَّ جنّة عدن ، و جنّة الفردوس ،

و جنّة المأوى ، قال : و إنّ للَّه عزّ و جلّ جنانا محفوفة بهذه الجنان و إنّ المؤمن ليكون له من الجنان ما أحبّ و اشتهى يتنعّم فيهنّ كيف يشاء و إذا أراد المؤمن شيئا إنّما دعواه إذا أراد أن يقول سبحانك اللّهم فاذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلب منهم أو أمر به و ذلك قوله عزّ و جلّ دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ و تحيّتهم فيها سلام .١ ( يعني الخدّام ) و آخر دعواهم إنّ الحمدُ للَّه ربِّ العالمين٢ يعني بذلك عند ما يقضون من لذّاتهم من الجماع و الطّعام و الشراب يحمدون اللَّه عزّ و جلّ عند فراغهم و امّا قوله أُولئك لهم رِزقٌ معلومٌ٣ يعلمه الخدّام فيأتون به أولياء اللَّه قبل ان يسألوهم إيّاه و امّا قوله عزّ و جلّ فواكه و هم مكرمون٤ فانّهم لا يشتهون شيئا في الجنّة إلاّ اكرموا به٥ .

قول المصنّف : الكباسة : العذق ، الكباسة بكسر الكاف ، و العذق الّذي

____________________

( ١ ) يونس : ١٠ .

( ٢ ) يونس : ١٠ .

( ٣ ) الصافات : ٤١ .

( ٤ ) الصافات : ٤٢ .

( ٥ ) الكافي ٨ : ٩٥ ح ٦٩ .

١٢١

بمعنى الكباسة الّذي من التّمر كالعنقود من العنب ايضا بالكسر ، و امّا العذق ( بالفتح ) فالنّخلة بحملها .

١٠

من الخطبة ( ١٧١ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اِنْتَفِعُوا بِبَيَانِ اَللَّهِ وَ اِتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اَللَّهِ وَ اِقْبَلُوا بنَصِيحَةِ اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ وَ أَخَذَ عَلَيْكُمُ اَلْحُجَّةَ وَ بَيَّنَ مَحَابَّهُ مِنَ اَلْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ مِنْهَا لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ وَ تَجْتَنِبُوا هَذِهِ فَإِنَّ ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ص ؟ كَانَ يَقُولُ إِنَّ اَلْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وَ حُفَّتِ اَلنَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اَللَّهِ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي كُرْهٍ وَ مَا مِنْ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اَللَّهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ اَلنَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْ‏ءٍ مَنْزِعاً وَ إِنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى وَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ اَلْمُؤْمِنَ لاَ يُمْسِي وَ لاَ يُصْبِحُ إِلاَّ وَ نَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ فَلاَ يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَ مُسْتَزِيداً لَهَا فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ وَ اَلْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ قَوَّضُوا مِنَ اَلدُّنْيَا تَقْوِيضَ اَلرَّاحِلِ وَ طَوَوْهَا طَيَّ اَلْمَنَازِلِ أقول : قوله عليه السّلام : « انتفعوا ببيان اللَّه » قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المُكذّبين هذا بيانٌ للنّاس و هدىً و موعظةٌ للمتّقين١ ، هو الذي ينزِّل على عبده آياتٍ بيّناتٍ ليخرجكم من الظّلمات إلى النُّور و إنّ اللَّه بكم لرؤفٌ رحيم٢ ، يا أيها الذين آمنوا لا

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٣٧ ١٣٨ .

( ٢ ) الحديد : ٩ .

١٢٢

تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات ان كنتم تعقلون١ .

« و اتّعظوا بمواعظ اللَّه » إنّ اللَّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكّرون٢ ،

و اقبلوا بنصيحة اللَّه ، هكذا في ( المصرية الاولى )٣ ، و في ( ابن أبي الحديد ) و غيره : « و اقبلوا نصيحة اللَّه »٤ و هو الصّحيح .

و في ( المصباح ) : نصحت لزيد أنصح له نصحا و نصيحة ، هذه اللّغة الفصيحة و عليها قوله تعالى إن أردت أن أنصح لكم٥ و في لغة يتعدّى بنفسه و هو الاخلاص و الصّدق في المشورة و العمل٦ .

و في ( الصحاح ) : نصحتك نصحا و نصحة و الاسم النصيحة .٧ .

و قبول نصيحة الناصح من الواجبات العقليّة و كان الأنبياء يقولون لاممهم : انّا لكم ناصحون أمينون .

« فإنّ اللَّه قد أعذر اليكم بالجليّة » في ( الصحاح ) : الجليّة الخبر اليقين .٨ .

و ما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولاً٩ ، إنّا هديناه السبيل إمّا

____________________

( ١ ) آل عمران : ١١٨ .

( ٢ ) النحل : ٩٠ .

( ٣ ) الطبعة المصرية المصححة بلا ( ب ) : ٣٧٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦ ح ١٧٧ .

( ٥ ) هود : ٣٤ .

( ٦ ) المصباح المنير : « نصح » : ٣١٤ .

( ٧ ) الصحاح : ( نصح ) .

( ٨ ) الصحاح : ( جلى ) .

( ٩ ) الاسراء : ١٥ .

١٢٣

شاكراً و إمّا كفوراً١ .

« و أخذ عليكم الحجّة » في ( الصحاح ) : الحجّة : البرهان .٢ .

لئلاّ يكون للنّاس على اللَّه حجّةٌ بعد الرُّسل .٣ ، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ و يحيى من حيّ عن بيّنةٍ .٤ .

« و بين محابّة من الأعمال و مكارهة منها » و قضى ربُّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه و بالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقلّ لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولاً كريماً٥ إلى أن قال : و آت ذا القربى حقّه و المسكين و ابن السبيل و لا تبذِّر تبذيراً٦ إلى أن قال : و لا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك و لا تبسطها كلَّ البسط فتقعد ملوماً محسوراً٧ إلى أن قال : و لا تقربوا الزِّنى إنّه كان فاحشةً و ساء سبيلاً و لا تقتلوا النّفس التي حرّم اللَّه إلاّ بالحقّ و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنّه كان منصوراً و لا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه و أوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولاً و أوفوا الكيل إذا كِلتم وزِنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرٌ و أحسن تأويلاً و لا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إنَّ السّمع و البصر و الفؤاد كُلُّ أولئك كان عنه مسئولاً و لا تمشِ في الأرض مرحاً إنّك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولاً كلّ ذلك كان سيّئه عند ربِّك

____________________

( ١ ) الدهر : ٣ .

( ٢ ) الصحاح : ( حجج ) .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

( ٤ ) الأنفال : ٤٢ .

( ٥ ) الاسراء : ٢٣ .

( ٦ ) الاسراء : ٢٦ .

( ٧ ) الاسراء : ٢٩ .

١٢٤

مكروهاً١ ، إنّ اللَّه يحبّ التّوّابين و يحبّ المتطهِّرين٢ ، و سارعوا إلى مغفرة من ربِّكم و جنّةٍ عرضها السماوات و الأرض أعدّت للمُتّقين الّذين ينفقون في السّراء و الضّرّاء و الكاظمين الغيظ و العافين عن النّاس و اللَّه يحبّ المحسنين و الّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبِهم و من يغفر الذّنوب إلاّ اللَّه و لم يصرّوا على ما فعلوا و هم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربِّهم و جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نِعم أجر العاملين٣ ، و كأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ فما و هنوا لِما أصابهم في سبيل اللَّه و ما ضعفوا و ما استكانوا و اللَّه يحبُّ الصّابرين و ما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا و ثبّت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين فأتاهم اللَّه ثواب الدُّنيا و حسن ثواب الآخرة و اللَّه يحبُّ المحسنين٤ ، بلى من أوفى بعهده و اتّقى فإنّ اللَّه يحبّ المتّقين٥ ،

فاذا عزمت فتوكّل على اللَّه إنّ اللَّه يحبّ المتوكّلين٦ ، و إن حكمتَ فاحكم بينهم بالقِسط إنَّ اللَّه يحبّ المقسطين٧ ، إنَّه لا يحبُّ المستكبرين٨ ،

و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنّه لا يحبُّ المسرفين٩ ، لا تحرّموا طيّبات

____________________

( ١ ) الاسراء : ٣٢ ٣٨ .

( ٢ ) البقرة : ٢٢٢ .

( ٣ ) آل عمران : ١٣٣ ١٣٦ .

( ٤ ) آل عمران : ١٤٦ ١٤٨ .

( ٥ ) آل عمران : ٧٦ .

( ٦ ) آل عمران : ١٥٩ .

( ٧ ) المائدة : ٤٢ .

( ٨ ) النحل : ٢٣ .

( ٩ ) الأعراف : ٣١ .

١٢٥

ما أحلّ اللَّه لكم و لا تعتدوا إنّ اللَّه لا يحبُّ المعتدين١ ، ادعوا ربّكم تضرّعاً و خفيةً إنّه لا يحبُّ المعتدين و لا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها و ادعوه خوفاً و طمعاً إنَّ رحمة اللَّه قريبٌ من المحسنين٢ ، إذ قال له قومه لا تفرح إنّ اللَّه لا يحبُّ الفرحين و ابتغ في ما آتاك اللَّه الدّار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدُّنيا و احسن كما أحسن اللَّه إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إنّه لا يحبّ المفسدين٣ ، إنَّ اللَّه لا يحبّ كلّ خوّانٍ كفور .٤ و اللَّه لا يحبُّ كلّ كفّارٍ أثيم٥ ، و لا تُصعِّر خدّك للناس و لا تمش فيي الأرض مرحاً انّ اللَّه لا يحبّ كلّ مختالٍ فخور و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك إنَّ أنكر الأصوات لصوت الحمير٦ ، ان اللَّه لا يحبُّ من كان مختالاً فخوراً الّذين يبخلون و يأمرون النّاس بالبخل و يكتمون ما آتاهم اللَّه من فضله و اعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً و الّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس و لا يؤمنون باللَّه و لا باليوم الآخر و من يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً٧ .

« لتتّبعوا هذه » قل ان كنتم تحبّون اللَّه فاتّبعوني يحببكم اللَّه و يغفر لكم ذنوبكم .٨ .

« و تجتنبوا هذه » إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم

____________________

( ١ ) المائدة : ٨٧ .

( ٢ ) الأعراف : ٥٥ ٥٦ .

( ٣ ) القصص : ٧٦ ٧٧ .

( ٤ ) الحج : ٣٨ .

( ٥ ) البقرة : ٢٧٦ .

( ٦ ) لقمان : ١٨ ١٩ .

( ٧ ) النساء : ٣٧ ٣٨ .

( ٨ ) آل عمران : ٣١ .

١٢٦

و يدخلكم مدخلاً كريماً١ .

« فإنَّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يقول حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النار بالشهوات » :

روى ( سنن أبي داود ) : أنّ اللَّه تعالى لمّا خلق الجنّة قال لجبرئيل : اذهب فانظر إليها فذهب فنظر فقال أي ربّ و عزّتك لا يسمع بها أحد إلاّ دخلها ، ثمّ حفّها بالمكاره ، و قال لجبريل : اذهب فانظر إليها فذهب فنظر فقال : أي ربّ و عزّتك لقد خشيت ألاّ يدخلها أحد فلّما خلق النّار قال يا جبريل : اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها فقال : و عزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، فحفّها بالشّهوات ثمّ قال له : اذهب فانظر إليها فنظر فقال و عزّتك لقد خشيت ألا يبقى أحدا إلاّ دخلها٢ .

و من المكاره : الصّوم لكونه كفّا عن الطعام الشراب و النساء ، حتّى سمّي الصبر و فسّر في قوله تعالى و استعينوا بالصّبر و الصّلاة٣ بالصّوم .

و في ( زيادات صوم المقنعة ) : قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله : دخلت الجنّة فرأيت أكثر أهلها الّذين يصومون ثلاثة أيام في كلّ شهر فقلت : كيف خصّ به الأربعاء و الخميسان فقال : إنّ من قبلنا من الامم كان إذا نزل عليهم العذاب انزل في هذه الأيام فصام النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله الأيّام المخوفة٤ .

و في الخبر : الصوم جنّة من النار٥ .

____________________

( ١ ) النساء : ٣١ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٢ : ٤٢٢ ح ٤٧٤٤ .

( ٣ ) البقرة : ٤٥ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٨٩ ح ٢ .

( ٥ ) المصدر نفسه ٢ : ١٩ ح ٥ .

١٢٧

و روي نصر بن مزاحم في ( صفيّنه ) : أنّ أبا عرفاء جبلة بن عطيّة الذّهلي قال للحصين : هل لك أن تعطيني رايتك أحملها فيكون لك ذكرها و يكون لي أجرها فقال له الحصين : و ما غناي عن أجرها مع ذكرها قال له : لا غناء لك عن ذلك أعيرها عنك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك فعلم انّه يريد أن يستقتل قال :

فما شئت فأخذ الراية أبو عرفاء فقال : يا أهل هذه الرّاية انّ عمل الجنّة كره كلّه و انّ عمل النّار خفّ كلّه و انّ الجنّة لا يدخلها إلاّ الصابرون الذين صبّروا أنفسهم على فرائض اللَّه و أمره و ليس شي‏ء ممّا افترض اللَّه على العباد أشدّ من الجهاد و هذا أفضل الأعمال ثوابا و إذا رأيتموني قد شددت فشدّوا ، و يحكم أما تشتاقون إلى الجنّة ؟ أما تحبّون أن يغفر اللَّه لكم ؟ قال فقاتل حتّى قتل١ .

و روى ابن بابويه في ( عيونه ) عن محمّد بن يحيى الصّولي عن جدّته أم أبيه المسمّاة بغدر قال : قالت لي : اشتريت مع عدّة جوار من الكوفة و كنت من مولّداتها فحملنا إلى المأمون فكنّا في داره في جنّة من الأكل و الشرب و الطّيب و كثرة الدّنانير فوهبني المأمون للرضا عليه السّلام فلّما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النّعيم و كانت علينا قيّمة تنبّهنا من اللّيل و تأخذنا بالصلاة و كان ذلك من أشدّ شي‏ء علينا فكنت أتمنّى الخروج من داره إلى أن وهبني لجدّك عبد اللَّه بن العباس فلما صرت إلى منزله كنت كأنّي قد ادخلت الجنّة و كان الرّضا عليه السّلام يصلّي الغداة في أوّل الوقت ثمّ يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس٢ .

« و اعلموا انّه ما من طاعة اللَّه شي‏ء إلاّ يأتي في كره » العبادة ثقيلة على الإنسان كما انّها في ميزان العمل ثقيلة .

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٣٠٤ .

( ٢ ) عيون أخبار الرضا للصدوق ٢ : ١٧٧ ح ٣ .

١٢٨

« و ما من معصية اللَّه شي‏ء إلاّ يأتي في شهوة » المعصية على الإنسان خفيفة كما انّها في ميزان العمل كذلك .

« فرحم اللّه رجلا نزع عن شهوته » في ( الصحاح ) : نزع عن الأمر نزوعا :

انتهى عنه ، و نزعت الشي‏ء من مكان : قلعته .١ .

و قول ابن أبي الحديد : نزع شهوته أي : قلع ، خلط٢ .

« و قمع هوى نفسه » في ( الصحاح ) : قمعته و أقمعته بمعنى ، أي : قهرته و أذللته .٣ و أمّا من خاف مقام ربِّه و نهى النّفس عن الهوى فانّ الجنّة هي المأوى٤ .

« فإنَّ هذه النّفس أبعد شي‏ء منزعا » قال ابن أبي الحديد : منزعا أي :

مذهبا٥ .

قلت : إنّ الجوهري و ان قال ( نزع إلى أبيه في الشَّبه ) أي : ذهب . إلاّ ان مورده في ما تعدّى نزع بالى و هنا متعدّ بعن في التّقدير لقوله عليه السّلام قبله « نزع عن شهوته » و مع عن بمعنى الانتهاء و قال تعالى إنّ النفس لأمّارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربّي .٦ .

« و انّها لا تزال تنزع إلى معصية في هوى » في ( الصحاح ) : نزع إلى أهله ينزع نزاعا أي : اشتاق و بعير نازع و ناقة نازع إذا حنّت إلى أوطانها و مرعاها .٧ .

____________________

( ١ ) الصحاح : ( نزع ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد : ١٠ : ١٧ .

( ٣ ) الصحاح : ( قمع ) .

( ٤ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٧ .

( ٦ ) يوسف : ٥٣ .

( ٧ ) الصحاح : ( نزع ) .

١٢٩

قال ابن أبي الحديد : و من الكلام المرويّ عنه عليه السّلام و يروى عن غيره :

« أيّها النّاس انّ هذه النّفوس طلعه فألاّ تقذعوها تنزع بكم إلى شرّ غاية » و قال الشاعر :

و ما النّفس إلاّ حيث يجعلها الفتى

فان اطمعت تاقت و إلاّ تسلّت١

« و اعلموا عباد اللَّه انّ المؤمن لا يمسي و لا يصبح إلاّ و نفسه ظنون عنده » قال ابن أبي الحديد : الظّنون البئر الّتي لا يدرى فيها ماء أم لا .٢ .

قلت : كأنّه جعل كلامه عليه السّلام مجاز أو استعارة و تشبيه النّفس ببئر قال لكنّه كما ترى و الصواب : كون المعنى حقيقة و انّ المراد انّ المؤمن سيّي‏ء الظّنّ بنفسه قال الجوهري : الظّنون الرجل السّيّي‏ء الظنّ٣ .

« فلا يزال زاريا عليها » في ( الصحاح ) : قال أبو عمرو ( الزّاري ) على الإنسان الذي لا يعدّه شيئا و ينكر عليه فعله٤ .

« و مستزيدا لها » إنَّ الّذين هم من خشية ربِّهم مشفقون و الّذين هم بآيات ربِّهم يؤمنون و الّذين هم بربِّهم لا يشركون و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبم وجِلةٌ انّهم إلى ربِّهم راجعون اُولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٥ .

« فكونوا كالسّابقين قبلكم و الماضين أمامكم » أولئك الّذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النّبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين أولئك الّذين هداهم اللَّه فبهداهم اقتده .٦ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٨ .

( ٣ ) الصحاح : ( ظنن ) .

( ٤ ) الصحاح : ( زرأ ) .

( ٥ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

( ٦ ) الأنعام : ٨٩ ٩٠ .

١٣٠

« قوّضوا من الدُّنيا تقويض الرّاحل » في ( الصحاح ) : قوّضت البناء تقويضا نقضته من غير هدم١ .

« و طووها طيّ المنازل » في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام ، قال لهشام بن الحكم : إنّ العقلاء زهدوا في الدّنيا و رغبوا في الآخرة ، لأنّهم علموا أنّ الدُّنيا طالبة و مطلوبة و أنّ الآخرة طالبة مطلوبة فمن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفي منها رزقه و من طلب الدّنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته ، يا هشام إنّ العاقل نظر إلى الدّنيا و إلى أهلها فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقّة ، و نظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقّة ، فطلب المشقة أبقاها٢ .

١١

من الخطبة ( ١٧٨ ) وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا اَلْجِلْدِ اَلرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى اَلنَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ اَلدُّنْيَا فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ اَلشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَ اَلْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَ اَلرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى اَلنَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ أَيُّهَا اَلْيَفَنُ اَلْكَبِيرُ اَلَّذِي قَدْ لَهَزَهُ اَلْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا اِلْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ اَلنَّارِ بِعِظَامِ اَلْأَعْنَاقِ وَ نَشِبَتِ اَلْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ اَلسَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اَللَّهَ مَعْشَرَ اَلْعِبَادِ وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي اَلصِّحَّةِ قَبْلَ اَلسُّقْمِ وَ فِي اَلْفُسْحَةِ قَبْلَ اَلضِّيقِ فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ

____________________

( ١ ) الصحاح : ( قوض ) .

( ٢ ) الكافي ١ : ٢٠ ح ١٢ .

١٣١

رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَ اِسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لاَ تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اَللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ٥ ١١ ٤٧ : ٧ ١ وَ قَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا اَلَّذِي يُقْرِضُ اَللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ١ ١٣ ٥٧ : ١١ ٢ فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اِسْتَنْصَرَكُمْ وَ لَهُ جُنُودُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ وَ اِسْتَقْرَضَكُمْ وَ لَهُ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيدُ أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ١٧ ١٩ ١١ : ٧ فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اَللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَ أَزَارَهُمْ مَلاَئِكَتَهُ وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَ صَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اَللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اَللَّهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ ١٩ ٢٩ ٥٧ : ٢١ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعانُ ١٥ ١٧ ١٢ : ١٨ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ وَ هُوَ حَسْبِي وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ ١٧ ١٩ ٣ : ١٧٣ أقول : قوله عليه السّلام « و اعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار » في دعاء كميل مشيرا إلى عذابه تعالى : و هذا ما لا تقوم له السماوات و الأرض ،

فكيف بي و أنا عبدك الضعيف الذّليل الحقير المسكين المستكين .

و قال تعالى : فما أصبرهم على النّار١ .

« فارحموا نفوسكم » عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم .٢ .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٥ .

( ٢ ) المائدة : ١٠٥ .

١٣٢

« فانّكم قد جرّبتموها في مصائب الدُّنيا » في دعاء كميل : ( و أنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدُّنيا و عقوباتها و ما يجري فيها من المكاره على أهلها ) .

« أ فرأيتم » هكذا في ( المصرية )١ و الصواب : « فرأيتم » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٢ .

« جزع أحدكم من الشوكة تصيبه » في ( المصباح ) : شوك الشّجر معروف ،

الواحدة شوكة٣ .

« و العثرة تدميه » في ( الصحاح ) : العثرة : الزّلّة٤ ، و أدميته أنا و دمّيته تدمية : إذا ضربته حتّى خرج الدّم .

« و الرّمضاء تحرقه » في ( الصحاح ) : الرّمض : شدّة وقع الشمس على الرّمل و غيره ، و الأرض رمضان .٥ .

في ( الطبري ) في خلع المعتزّ : فجرّوا برجله فأقاموه في الشمس في الدّار في وقت شديد الحرّ فجعل يرفع قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الّذي قد أقيم فيه و بعضهم يلطمه و هو يتّقي بيده و جعلوا يقولون اخعلها٦ .

« فكيف إذا كان بين طابقين من نار » قال ابن أبي الحديد : الطّابق بالفتح

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٣٩٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٢٣ و ابن ميثم ٣ : ٢٩٩ و الخطية : ١٦٥ .

( ٣ ) المصباح المنير للفيتوري : ٣٢٧ « شوك » .

( ٤ ) الصحاح : ( عثر ) .

( ٥ ) الصحاح : ( رمض ) .

( ٦ ) تاريخ الامم للطبري ٧ : ٥٢٦ .

١٣٣

الآجرة الكبيرة و هو فارسي معرّب١ .

قلت : أخذ ما قاله عن ( الصحاح ) ، و قال في ( القاموس ) : الطابق كهاجر ،

و صاحب الآجر الكبير كالطّاباق و العضو أو نصف الشّاة و ظرف يطبخ فيه معرَّب ( تابه ) جمعه طوابق و طوابيق٢ .

و قال في ( النّهاية ) في حديث عمران بن حصين : إنّ غلاما أبق له فقال :

لأقطعنّ منه طابقا إن قدرت عليه ، أي : عضوا قال ثعلب : الطّابق و الطابق :

العضو من أعضاء الإنسان كاليد و نحوها ، و منه حديث عليّ عليه السّلام : انّما أمر في السّارق بقطع طابقه ( أي : يده ) و حديثه الآخر : فخبزت خبزا و شويت طابقا من شاة .٣ .

و قال في ( الجمهرة ) : و كلّ شي‏ء طوبق بعضه على بعض فالأعلى طبق الأسفل و السماوات الطّباق بعضهنّ فوق بعض .٤ .

و من كلام الأخير يعلم أنّ المراد بين طبقتين من نار و لا معنى لما قاله ابن أبي الحديد بين آجرتين من نار كما عرفت من ثعلب أنّه يجوز فيه الكسر أيضا٥ ، فكلامه عليه السّلام مساوق لقوله تعالى : يوم يغشاهم العذاب من فوقهم و من تحت أرجلهم .٦ .

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى فالّذين كفروا قُطّعت لهم ثيابٌ من نارٍ يصبّ من فوق رؤسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم و الجلود و لهم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٢٤ .

( ٢ ) الصحاح : ( طبق ) و القاموس : « الطبق » .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١١٤ .

( ٤ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٣٥٨ « ط ب ق » .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٢٤ .

( ٦ ) العنكبوت : ٥٥ .

١٣٤

مقامع من حديد كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أُعيدوا فيها و ذوقوا عذاب الحريق١ ، قال : تشويه النّار فتسترخي شفته السّفلى حتّى تبلغ سرّته و تتقلّص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه و روي عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام : خوّفني فانّ قلبي قد قسا فقال : انّ جبرئيل جاء إلى النّبي صلَّى اللَّه عليه و آله و هو قاطب و قد كان يجي‏ء قبل هو متبسّم فقال له النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله :

جئتني اليوم قاطبا قال : قد وضعت منافخ النّار فقال : و ما منافخ النّار ؟ قال : انّ اللَّه تعالى أمر بالنّار فنفخ عليها ألف عام حتّى أبيضّت و نفخ عليها ألف عام حتّى احمرّت ثمّ عليها ألف عام حتّى اسودّت فهي سوداء مظلمة و لو انّ قطرة من الضّريع قطرت في شراب أهل الدّنيا لمات أهلها من نتنها و لو انّ حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدّنيا لذابت من حرّها و لو انّ سربالا من سرابيل أهل النّار علّق بين السماء و الأرض لمات أهل الأرض من ريحه إلى أن قال : انّ جهنّم إذا دخلوها هو و افيها مسيرة سبعين عاما إلى أن قال : فاذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد و اعيدوا في دركها هذه حالهم و هو قوله تعالى كُلّما أرادوا أن يخرجوا منها مِن غمّ أُعيدوا فيها و ذوقوا عذاب الحريق٢ ثمّ تبدّل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم .٣ .

« ضجيع حجر » هو كما قالوا : اشارة إلى قوله تعالى وقودها النّاس و الحجارة .٤ قالوا المراد بالحجارة حجارة الكبريت٥ .

____________________

( ١ ) الحج : ١٩ ٢٢ .

( ٢ ) الحج : ٢٢ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٨٠ .

( ٤ ) البقرة : ٢٤ .

( ٥ ) تفسير القمّي ٢ : ٨٠ .

١٣٥

« و قرين شيطان » قالوا : اشارة إلى قوله تعالى و من يعش عن ذكر الرّحمن نُقيّض له شيطاناً فهو له قرينٌ١ ، قال قرينه ربَّنا ما أطغيته و لكن كان في ظلالٍ بعيدٍ٢ .

و في ( تفسير القمّي ) في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى و إذا النّفوسُ زُوِّجت٣ أما أهل الجنّة فزوّجوا الخيّرات الحسان ،

و امّا أهل النّار فمع كلّ انسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين و المنافقين بالشّياطين فهم قرناء٤ .

« ا علمتم انّ مالكا اذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه » في ( الصحاح ) : حطمته حطما أي : كسرته و الحطمة اسم من أسماء جهنّم و هي النّار لأنّها تحطّم ما يلقى فيها .٥ .

و نادوا يا مالك ليقض علينا ربُّك قال إنّكم ماكثون٦ ، كلاّ ليُنبذَنَّ في الحطمة و ما أدراك ما الحطمة نار اللَّه الموقدة الّتي تطّلِعُ على الأفئدة انّها عليهم مؤصدةٌ في عمدٍ ممدّدةٍ٧ .

و في ( تفسير القمّي ) : إذا مدّت العمد عليهم أكلت و اللَّه الجلود٨ .

في ( عرائس الثّعلبي ) : كان زكريا إذا أراد أن يعظ بني اسرائيل التفت يمينا و شمالا فاذا رأى يحيى لم يذكر جنّة و لا نارا فجلس يوما يعظ بني

____________________

( ١ ) الزخرف : ٣٦ .

( ٢ ) ق : ٢٧ .

( ٣ ) التكوير : ٧ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ٢٠٧ .

( ٥ ) الصحاح : مادة « حطم » .

( ٦ ) الزخرف : ٧٧ .

( ٧ ) الهمزة : ٤ ٩ .

( ٨ ) تفسير القمي ٢ : ٤٤٢ .

١٣٦

اسرائيل و أقبل يحيى قد لفّ رأسه بعباءة و جلس في غمار القوم فالتفت زكريا يمينا و شمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول حدّثني حبيبي جبرئيل عن اللَّه عزّ و جلّ : إنّ في جهنّم جبل يقال له السّكران و في أصل ذاك الجبل واد يقال له الغضبان خلق لغضب الرّحمن و في ذلك الوادي جبّ قامته مائة عام فيه توابيت من نار و فيها صناديق من نار و ثياب من نار و أغلال من نار فرفع يحيى رأسه و قال و اغفلتاه عن السّكران و عن غضب الرّحمان ثمّ خرج هائما على وجهه .١ .

« و اذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعا من زجرته » و أعتدنا لمن كذَّب بالسّاعة سعيراً إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيّظاً و زفيراً و إذا اُلقوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً و ادعوا ثبوراً كثيراً٢ ، إذا اُلقوا فيها سمعوا لها شهيقاً و هي تفور تكادُ تميّز من الغيظ .٣ .

و في ( تفسير القمّي ) عن الباقر عليه السّلام قال : لمّا نزل و جيي‏ء يومئذٍ بجنّم يومئذٍ يتذكّر الإنسان و أنّى له الذّكرى٤ سئل عنه النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله فقال :

أخبرني الرّوح الأمين انّ اللَّه تعالى إذا جمع الأوّلين و الآخرين أتى بجهنّم تقاد بألف زمام لكلّ زمام الف ملك من الغلاظ الشّداد لها هدّة و غضب و زفير و شهيق و انّها لتزفر الزّفرة فلو لا انّ اللَّه أخّرهم للحساب لأهلكت الجميع ثمّ يخرج منها عنق فيحيط بالخلايق٥ .

____________________

( ١ ) عرائس المجالس للثعلبي : ٣٧٨ .

( ٢ ) الفرقان : ١١ ١٤ .

( ٣ ) الملك : ٧ ٨ .

( ٤ ) الفجر : ٢٣ .

( ٥ ) تفسير القمي ٢ : ٤٢١ .

١٣٧

« أيُّها اليفن الكبير » في ( الصحاح ) : اليفن : الشيخ الكبير١ ، قال الأعشى :

و ما أن أرى الدّهر في ما مضى

يغادر من شارف أو يفن٢

« الّذي قد لهزه القتير » في ( الصحاح ) : لهزه القتير أي : خالطه الشّيب ،

و اللّهز : الضّرب بجيمع اليد في الصّدر مثل اللّكز عن أبي عبيدة .٣ .

و ممّا قيل في الشّيب و كونه بريد الموت قول بعضهم ( الموت ساحل و الشّيب سفينة تقرب من السّاحل )٤ و قول الشاعر :

سألت من الأطبّة ذات يوم

طبيبا عن مشيبي قال بلغم

فقلت له على غير احتشام

لقد أخطأت في ما قلت بل غم٥

و قال محمود الورّاق ( الشيّب غمام قطره الغمّ )٦ و قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر :

هذا غمام للرّدى

و دمع عيني مطرة٧

و قال ابن دريد :

من لاح في عارضيه القتير

فقد أتاه بالبلى نذير

ثم إلى ذي العزّة المصير

و قال النّظامي بالفارسية :

ز پنبه شد بناگوشت كفن پوش

هنوز اين پنبه بيرون نارى از گوش٨

و قال البهائي أيضا :

____________________

( ١ ) الصحاح : ( يفن ) .

( ٢ ) الصحاح : ( يفن ) .

( ٣ ) الصحاح : ( لهز ) .

( ٤ ) الطرائف للمقدسي : ١٤١ .

( ٥ ) الطرائف للمقدسي : ١٤١ .

( ٦ ) الطرائف للمقدسي : ١٤١ .

( ٧ ) الطرائف للمقدسي : ١٤١ .

( ٨ ) أورده البهائي في الكشكول ٣ : ٢١٨ .

١٣٨

در سياهيّت سفيدى شد پديد

يعنى از ره قاصد مرگت رسيد١

و قال البحتري :

يرفضّ عن ساطع المشيب كما

أرفضّ دخان الضّرام عن لهبه٢

أيضا :

نظرت اليّ الأربعون فأصرخت

مشيبي و هزّت للحنوّ قناتي

و في ( الجمهرة ) : قال الرّاجز :

الآن إذ لاح بك القتير

و الأمس قد صار له شكير٣

و الشّكير شعر ضعيف ينبت خلال الشيب ، و عنه عليه السّلام :

بلال الشّيب في فوديك نادى

بأعلى الصّوت حيّ على الرّواح٤

و للبحتري :

و من يطلع شرف الاربعين

يحيى من الشّيب زورا غريبا٥

« كيف أنت » خصّه بالخطاب لأنّ اليفن أقرب إلى المآب و أشدّ في الحساب ، فعن الصادق عليه السّلام انّ العبد لفي فسحة من أمره ما بينه و بين أربعين سنة ، فاذا بلغ أربعين أوحى عزّ و جلّ إلى ملكيه انّي قد عمّرت عبدي عمرا فغلّظا عليه و شدّدا و اكتبا عليه قليل عمله و كثيره و صغيره و كبيره٦ .

« إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق » أي : جعلت النّار لكونها طوقا على عظام الأعناق كاللّحم لها ، و قال تعالى إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى

____________________

( ١ ) لا وجود له في الديوان .

( ٢ ) ديوان البحتري ١ : ١٩٥ يمدح أبا عيسى بن صاعد .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٣٩٤ ، و الشعر لرؤبة .

( ٤ ) الديوان المنسوب لأمير المؤمنين عليه السّلام : ٥٣ .

( ٥ ) ديوان البحتري ، يمدح الفتح بن خاقان ١ : ٥٨ .

( ٦ ) الكافي ٨ : ١٠٨ ج ٨٤ .

١٣٩

الأذقان فهم مقمحون١ .

« و نشبت الجوامع » في ( الصحاح ) : نشب الشي‏ء في الشي‏ء ( بالكسر ) نشوبا أي : علق فيه و الجامعة الغلّ لأنّها تجمع اليدين إلى العنق٢ .

« حتّى أكلت لحوم السّواعد » اختلف أهل اللّغة في معنى السّاعد ، ففي ( الجمهرة ) و ( الصحاح ) : ساعدا الإنسان : عضداه٣ ، و في ( القاموس ) ساعداك :

ذراعاك٤ ، و في ( المغرب ) : السّواعد جمع ساعد و هو من اليد ما بين المرفق و الكتف ثمّ سمّي بها ما يلبس عليها من حديد أو صفر أو ذهب٥ ، و في ( المصباح ) السّاعد من الإنسان ما بين المرفق و الكتف و هو مذكّر سمّي ساعدا لأنّه يساعد الكفّ في بطشها و عملها و السّاعد هو العضد و الجمع السّواعد .٦ .

في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى : لها سبعة أبوابٍ لكلِّ بابٍ منهم جزءٌ مقسوم٧ ، بلغني و اللَّه ما أعلم انّ اللَّه تعالى جعل جهنّم سبع درجات أعلاها الحجّة يقوم أهلها على الصّفا منها تغلي أدمغتهم فيها كغلي القدر بما فيها ، و الثانية : لظى نزّاعة للشّوى تدعو من أدبر و تولّى و جمع فأوعى ،

و الثّالثة : سقر لا تبقي و لا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر و الرّابعة :

الحطمة و منها يثور شرر كالقصر كأنّه جمالة صفر تدّق من صار إليها مثل

____________________

( ١ ) يس : ٨ .

( ٢ ) الصحاح : ( نشب ) .

( ٣ ) الصحاح : ( سعد ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ٣٦٨ « سعد » .

( ٥ ) المغرب في ترتيب المعرب المطرزي ١ : ٢٥٢ « سعد » .

( ٦ ) المصباح المنير للفيتوري : ٣٣٤ « سعد » .

( ٧ ) الفقيه للصدوق ١ : ٧٥ ح ١٧٧٤ .

١٤٠