بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97920
تحميل: 2381


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97920 / تحميل: 2381
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

باللّيل و ساربٌ بالنّهار له معقّباتٌ من بين يديه و من خلفه يحفظونه من أمر اللَّه .١ .

و روى ( امالي المفيد ) عن الحجّاج بن التميمي قال :

اذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل

خلوت و لكن قل عليّ رقيب٢

« و إنّ غدا من اليوم قريب » . و لتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد .٣ ، انّهم يرونه بعيداً و نراه قريباً٤ ، كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّة أو ضحاها٥ ، و يوم تقوم السّاعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون٦ .

« يذهب اليوم بما فيه و يجيى‏ء الغد لاحقا به » قال تعالى : و قال الّذي آمن يا قوم اتّبعونِ أهدكم سبيل الرّشاد يا قوم انّما هذه الحياة الدُّنيا متاعٌ و إنّ الآخرة هي دار القرار٧ « فكأنّ كلّ امرى‏ء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته » و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّةٍ و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٨ ، « و مخطّ حفرته » في ( الصّحاح ) المخطّ بالكسر عود يخطّ به٩ .

« فياله من بيت وحدة و منزل وحشة و مفرد غربة » روى الكافي عن الصادق عليه السّلام قال ما من موضع قبر إلاّ و هو ينطق كلّ يوم ثلاث مرّات أنا بيت التّراب أنا بيت

____________________

( ١ ) الرعد : ٨ ١١ .

( ٢ ) الأمالي للمفيد : ٣١٦ ح ٨ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ .

( ٤ ) المعارج : ٦ ٧ .

( ٥ ) النازعات : ٤٦ .

( ٦ ) الروم : ٥٥ .

( ٧ ) فاطر : ٣٨ ٣٩ .

( ٨ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٩ ) الصحاح : ( خطط ) .

١٨١

البلى أنا بيت الدّود أنا القبر أنا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار١ « و كأنّ الصّيحة قد أتتكم » في ( ٤٩ ) يس ما ينظرون إلاّ صيحةً واحدةً تأخذهم و هم يخصّمون فلا يستطيعون توصيةً و لا إلى أهلهم يرجعون و نفخ في الصّور فاذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرّحمان و صدق المرسلون إن كانت إلاّ صيحةً واحدةً فاذا هم جميعٌ لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفسٌ شيئاً و لا تجزون إلاّ ما كنتم تعملون٢ « و السّاعة قد غشيتكم » قال تعالى : اقتربت السّاعة و انشقّ القمر٣ ، هل أتاك حديث الغاشية وجوهٌ يومئذٍ خاشعةٌ عاملةٌ ناصبةٌ تصلى ناراً حاميةً تسقى من عينٍ آنيةٍ ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريع لا يسمن و لا يغني من جوعٍ وجوهٌ يومئذٍ ناعمةٌ لسعيها راضية في جنّةٍ عالية لا تسمع فيها لاغيةً فيها عينٌ جاريةٌ فيها سررٌ مرفوعة و أكوابٌ موضوعة و نمارق مصفوفةٌ و زرابيّ مبثوثة٤ .

و روى ( أمالي المفيد ) : أنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله كان يذكر السّاعة و قيامها حتّى كأنّه منذر جيش يقول صبّحتكم السّاعة مسّتكم الساعة ثمّ يقول بعثت أنا و السّاعة كهاتين ( و يجمع بين سبّابتيه )٥ .

« و برزتم لفصل القضاء » قال تعالى : إنّ الّذين آمنوا و الذين هادوا و الصّابئين و النّصارى و المجوس و الّذين أشركوا إنّ اللَّه يفصل بينهم يوم

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٤٢ ح ٢ .

( ٢ ) يس : ٤٩ ٥٤ .

( ٣ ) القمر : ١ .

( ٤ ) الغاشية : ١ ١٦ .

( ٥ ) الأمالي للمفيد : ٢١١ ح ١ .

١٨٢

القيامة إنّ اللَّه على كلّ شي‏ء شهيد١ ، إنّ ربَّك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون٢ « قد زاحت عنكم الأباطيل » في ( الصّحاح ) : ( زاح الشّي‏ء يزيح زيحا ) أي بعد و ذهب و الباطل ضدّ الحقّ و الجمع أباطيل على غير قياس كأنّهم جمعوا أبطيلا٣ . .

قال تعالى : و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون٤ ، فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروجٍ من سبيل٥ ، و للّذين كفروا بربِّهم عذابُ جهنّم و بئس المصير إذا القوا فيها سمعوا لها شهيقاً و هي تفور تكاد تَميّز من الغيظ كلّما اُلقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا و قلنا ما نزّل اللَّه من شي‏ء إن أنتم إلاّ في ضلالٍ كبيرٍ و قالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السّعير٦ .

« و اضمحلّت عنكم العلل » فسّر الخوئي تبعا و ابن ميثم العلل بالأمراض النفسانيّة و هو عليل فانّ المراد بها المعاذير الباطلة٧ ، قال تعالى يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللّعنة و لهم سوء الدّار٨ ، يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنّما تجزون ما كنتم تعملون٩ ، فيومئذٍ لا ينفع الّذين ظلموا

____________________

( ١ ) الحج : ١٧ .

( ٢ ) السجدة : ٢٥ .

( ٣ ) الصحاح : ( زحح ) .

( ٤ ) الأنعام : ٢٤ .

( ٥ ) غافر : ١١ .

( ٦ ) الملك : ٦ ١١ .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٠ .

( ٨ ) غافر : ٥٢ .

( ٩ ) التحريم : ٧ .

١٨٣

معذرتهم و لا هم يستعتبون١ .

و روى المفيد في ( أماليه ) عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى . فللّه الحجّة البالغة .٢ : قال عليه السّلام : إذا كان يوم القيامة قال تعالى للعبد أكنت عالما ؟ فان قال نعم قال له أفلا عملت ؟ و ان قال كنت جاهلا قال أفلا تعلّمت حتّى تعمل فيخصمه ، قال فتلك الحجّة البالغة على خلقه٣ .

« و استحقّت بكم الحقائق » في الصّحاح الحاقّة القيامة سمّيت بذلك لأنّ فيها حواقّ الامور٤ الخ قال تعالى الحاقّةُ ما الحاقّة و ما أدراك ما الحاقّة٥ ، يوم يقوم الروح و الملائكة صفّاً لا يتكلّمون إلاّ مَن أذن له الرّحمان و قال صواباً ذلك اليوم الحقّ فمن شاء اتّخذ الى ربِّه مآباً إنّا أنذرناكم عذاباً قريباً يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه و يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً٦ « و صدرت بكم الأمور مصادرها » قال تعالى يومئذٍ يصدر النّاس اشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره من يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره٧ « فاتّعظوا بالعبر » أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم و لدار الآخرة خيرٌ للّذين اتّقوا أفلا تعقلون حتّى إذا استيأس الرُّسل و ظنّوا انّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنّجي من نشاء و لا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم

____________________

( ١ ) الروم : ٥٧ .

( ٢ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٣ ) الأمالي للمفيد : ٢٣٧ ح ٦ .

( ٤ ) الصحاح : ( حوق ) .

( ٥ ) الحاقة : ١ ٣ .

( ٦ ) النبأ : ٣٨ ٤٠ .

( ٧ ) الزلزال : ٦ ٨ .

١٨٤

عبرةٌ لأولي الألباب .١ .

« و اعتبروا بالغير » عن محمّد بن عبد الرّحمان الهاشميّ قال : دخلت على أمي يوم الأضحى فرأيت عندها امرأة في أثواب دنسة فقالت لي امّي : أتعرف هذه ؟ قلت : لا قالت : هي امّ جعفر البرمكيّ فسلّمت عليها و قلت لها : حدّثيني ببعض أمركم قالت : اذكر لك جملة فيها عبرة لمن اعتبر لقد هجم عليّ مثل هذا اليوم و على رأسي أربعمائة وصيفة و أنا أزعم انّ ابني جعفرا عاق لي و قد أتيتكم اليوم أسألكم جلد شاتين بشعار و دثار٢ « و انتفعوا بالنّذر » حكمةٌ بالغةٌ فما تغن النّذر٣ ، و قال تعالى مشيرا الى غرق قوم نوح و لقد تركناها آيةً فهل من مُدّكرٍ فكيف كان عذابي و نذر و لقد يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُدّكرٍ٤ .

١٤

الخطبة ( ٢١٨ ) و من كلام له عليه السّلام : عند تلاوتة يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَريمِ٥ :

أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّةً وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ يَا أَيُّهَا اَلْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ وَ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ وَ مَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ أَ مَا مِنْ دَائِكَ بُلُولٌ أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمِكَ يَقَظَةٌ أَ مَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ فَلَرُبَّمَا تَرَى اَلضَّاحِيَ مِنْ حَرِّ اَلشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ

____________________

( ١ ) يوسف : ١٠٩ ١١١ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨٣ .

( ٣ ) القمر : ٥ .

( ٤ ) القمر : ١٥ ١٧ .

( ٥ ) الانفطار : ٦ .

١٨٥

أَوْ تَرَى اَلْمُبْتَلَى بِأَلَمٍ يُمِضُّ جَسَدَهُ فَتَبْكِي رَحْمَةً لَهُ فَمَا صَبَّرَكَ عَلَى دَائِكَ وَ جَلَّدَكَ عَلَى مُصَابِكَ وَ عَزَّاكَ عَنِ اَلْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِكَ وَ هِيَ أَعَزُّ اَلْأَنْفُسِ عَلَيْكَ وَ كَيْفَ لاَ يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ نِقْمَةٍ وَ قَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ اَلْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَةٍ وَ مِنْ كَرَى اَلْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَةٍ وَ كُنْ لِلَّهِ مُطِيعاً وَ بِذِكْرِهِ آنِساً وَ تَمَثَّلْ فِي حَالِ تَوَلِّيكَ عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ يَدْعُوكَ إِلَى عَفْوِهِ وَ يَتَغَمَّدُكَ بِفَضْلِهِ وَ أَنْتَ مُتَوَلٍّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَتَعَالَى مِنْ قَوِيٍّ مَا أَكْرَمَهُ وَ تَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيفٍ مَا أَجْرَأَكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ أَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ مُقِيمٌ وَ فِي سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ وَ لَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَيْنٍ فِي نِعْمَةٍ يُحْدِثُهَا لَكَ أَوْ سَيِّئَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ أَوْ بَلِيَّةٍ يَصْرِفُهَا عَنْكَ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ اَلصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي اَلْقُوَّةِ مُتَوَازِيَيْنِ فِي اَلْقُدْرَةِ لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِمٍ عَلَى نَفْسِكَ بِذَمِيمِ اَلْأَخْلاَقِ وَ مَسَاوِئِ اَلْأَعْمَالِ وَ حَقّاً أَقُولُ مَا اَلدُّنْيَا غَرَّتْكَ وَ لَكِنْ بِهَا اِغْتَرَرْتَ وَ لَقَدْ كَاشَفَتْكَ اَلْعِظَاتِ وَ آذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ وَ لَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ اَلْبَلاَءِ بِجِسْمِكَ وَ اَلنَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ أَصْدَقُ وَ أَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ أَوْ تَغُرَّكَ وَ لَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ وَ صَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ وَ لَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِي اَلدِّيَارِ اَلْخَاوِيَةِ وَ اَلرُّبُوعِ اَلْخَالِيَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ وَ بَلاَغِ مَوْعِظَتِكَ بِمَحَلَّةِ اَلشَّفِيقِ عَلَيْكَ وَ اَلشَّحِيحِ بِكَ وَ لَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً وَ مَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا مَحَلاًّ وَ إِنَّ اَلسُّعَدَاءَ بِالدُّنْيَا غَداً هُمُ اَلْهَارِبُونَ مِنْهَا اَلْيَوْمَ إِذَا رَجَفَتِ اَلرَّاجِفَةُ وَ حَقَّتْ بِجَلاَئِلِهَا اَلْقِيَامَةُ وَ لَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَكٍ أَهْلُهُ وَ بِكُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ وَ بِكُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ فَلَمْ يَجْرِ فِي عَدْلِهِ

١٨٦

وَ قِسْطِهِ يَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِي اَلْهَوَاءِ وَ لاَ هَمْسُ قَدَمٍ فِي اَلْأَرْضِ إِلاَّ بِحَقِّهِ فَكَمْ حُجَّةٍ يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَةٌ وَ عَلاَئِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِكَ مَا يَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ وَ تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ وَ خُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لاَ تَبْقَى لَهُ وَ تَيَسَّرْ لِسَفَرِكَ وَ شِمْ بَرْقَ اَلنَّجَاةِ وَ اِرْحَلْ مَطَايَا اَلتَّشْمِيرِ أقول : قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام قاله عند تلاوته يا أيّها الإنسان ما غرّك بربِّك الكريم هي الآية السادسة من سورة الانفطار و بعدها الذي خلقك فسوّاك فعدلك في أيّ صورةٍ ما شاء ركّبك١ قال ابن أبي الحديد لقائل ان يقول لو قال بربّك العزيز أو المنتقم أو نحو ذلك كان أولى لأنّ للإنسان المعاتب أن يقول غرّني كرمك أو ما وصفت به نفسك و جواب هذا :

ان يقال انّ مجموع الصّفات صار كشي‏ء واحد و هو الكريم الّذي خلقك فسوّاك فعدلك في أيّ صورة ما شاء ركّبك و المعنى ما غرّك بربّ هذه صفته و هذا شأنه و هو قادر على أن يجعلك في أيّ صورة شاء فما الّذي يؤمنك من أن يمسخك في صورة القردة و الخنازير و نحوها من الحيوانات العجم و معنى الكريم هاهنا الفيّاض على الموادّ بالصّور و من هذه صفته ينبغي أن يخاف منه تبديل الصورة٢ . .

و قال الشيخ في ( تبيانه ) : يا أيّها الإنسان خطاب بجميع النّاس من المكلّفين يقول تعالى لكلّ واحد منهم ما غرّك بربِّك الكريم أي أيّ شي‏ء غرّك بخالقك حتّى عصيته في ما أمرك به و نهاك عنه و الغرور ظهور أمر يتوهّم به جهلاً الأمان من المحذور تقول غرّه غروراً و اغترّه اغتراراً ، قال الحارث بن حلزة ( لم يغرركم غروراً و لكن رفع الال جمعهم و الضحاء ) و الكريم القادر

____________________

( ١ ) الانفطار : ٧ ٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٠ .

١٨٧

على التكرّم من غير مانع و من هذه صفته لا يجوز الاغترار به لأنّ تكرّمه على ما تقتضيه الحكمة من مجازاة المحسن باحسانه و المسيى‏ء باسائته و قيل غرّه جهله الوجه في طول الامهال١ .

« ادحض مسؤول حجّة » في ( الصحاح ) : مكان دحض و دحض أيضا بالتحريك زلق و دحضت حجّته دحوضا بطلت٢ . .

إنّما حذف عليه السّلام المبتدء لمعلوميّته من تلاوة الآية فواضح انّ المراد الانسان المخاطب و المعاتب منه تعالى و انّما حكم عليه السّلام بكونه ادحض مسئول حجّة لأنّ له تعالى الحجّة البالغة بإرسال الرّسل و انزال الكتب .

« و أقطع مغترّ معذرة » قال تعالى : لا تعتذروا اليوم إنّما تجزون ما كنتم تعملون٣ ، يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم و لهم اللّعنة و لهم سوء الدار٤ .

« لقد أبرح جهالة بنفسه » في ( الجمهرة ) : جاء فلان بالبرح اذا جاء بالأمر العظيم و مثل للعرب اذا استعظمها الشي‏ء قالوا : « احدى بنات برح شرك على رأسك » و برح بي هذا الأمر اذا غلظ عليّ و اشتدّ٥ الى أن قال و للعرب كلمتان عند الرّمي اذا أصاب قالوا مرحى و اذا أخطأ قالوا برحى٦ .

و قال الجوهري : يقال هذا الأمر أبرح من هذا أي أشدّ و قتلوهم أبرح قتل و لقيت منه برحا بارحا أي شدّة و أذى قال :

____________________

( ١ ) تفسير البيان للطوسي ١٠ : ٢٩١ .

( ٢ ) الصحاح : ( دحض ) .

( ٣ ) التحريم : ٧ .

( ٤ ) غافر : ٥٢ .

( ٥ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٢٧٤ ( ب ح ر ) .

( ٦ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٢٧٤ ( ب ح ر ) .

١٨٨

أجدّك هذا عمرك اللَّه كلّما

دعاك الهوى برح لعينيك بارح

و لقد منه بنات برح و بنى برح و لقيت منه البرحين و البرحين بكسر الباء و ضمّها أي الشدائد و الدّواهي١ . .

قال ابن أبي الحديد جهالة منصوب على التميّز و قال القطب الرّاوندي :

مفعول به أي جلب جهالة الى نفسه و ليس بصحيح و أبرح لا يتعدّى هاهنا انّما يتعدّى في موضعين أبرحته أي أعجبه و أبرح زيد عمروا أي : أكرمه و أعظمه٢ . .

و تبعه ( ابن ميثم ) و الخوئي في كون جهالة تميزا٣ .

قلت : كونه تميزا أيضا غير معلوم بل الظاهر كونه مفعولا له أي أتى بالشّدّة لنفسه للجهالة و يمكن أن يكون مفعولا به كما قال القطب بأن يكون معنى أبرح أعظم أي أكبر جهالة بنفسه و امّا ما قاله من انّ ابرح انّما يتعدّى في موضعين فالأصل في كلامه قول ( الصّحاح ) و أبرحه أي أعجبه يقال ما أبرح هذا الأمر قال الأعشى :

أقول لها حين جدّ الرّحيل

ابرحت ربّا و أبرحت جارا

أي : أعجبت و بالغت و أبرحه أيضا بمعنى أكرمه و أعظمه٤ . .

إلاّ انّ البيت قد نقله ( الجمهرة ) هكذا :

تقول ابنتي حين جدّ الرّحيل

فأبرحت ربا و أبرحت جارا٥

و على نقله يكون الخطاب في أبرحت و ابرحت من بنت الأعشى له و على

____________________

( ١ ) الصحاح : ( برح ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٣٨ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٧٤ ، و الخوئي ١٤ : ٢٧١ .

( ٤ ) الصحاح : ( برح ) .

( ٥ ) الجمهرة : ٢٧٥ ، و الشعر للأعشى يمدح فيه قيس بن معد ، ديوان الأعشى : ٧٤ .

١٨٩

ما نقله ( الصّحاح ) بالعكس و ( الصّحاح ) قال أي أعجبت و بالغت و ( الجمهرة ) قال : أي أكرمت و عظّمت فيكون الأصل في المعنيين البيت و البيت أصله غير معلوم كما انّ ما قالاه في المعنى غير مفهوم من المقام « يا أيُّها الإنسان ما جرأك على ذنبك و ما غرّك بربِّك و ما أنسك بهلكة نفسك » قال ابن أبي الحديد أنّسك بالتّشديد و روى آنسك بالمدّ . .

قلت : و الأصل في الفقرات الثلاث بعد قوله تعالى : ما غرّك بربِّك الكريم قوله تعالى : فما أصبرهم على النّار١ « أما من دائك بلول » في ( الصّحاح ) : بلّ الرّجل من مرضه و أبلّ اذا برى‏ء٢ « أم ليس من نومك » هكذا في ( المصرية )٣ و الصّواب : ( من نومتك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٤ « يقظة » لنعم ما قال الحافظ الشيرازي بالفارسية :

تا كى مى صبوح و شكر خواب صبحدم

بيدار گرد هان كه نماند اعتبار عمر٥

« أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك » و هي أولى بالرّحم لأنّها أعزّ الأنفس عند الإنسان « فربّما ترى الضّاحي من حرّ الشّمس فتظلّه » هكذا في ( المصريّتين )٦ : « الضّاحي من حرّ الشّمس » و نقل ابن أبي الحديد و ابن ميثم :

« الضّاحي بحرّ الشمس »٧ و هو الصحيح ، فالضّاحي البارز و لا يقال البارز

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٠ ، و الآية ١٧٥ من سورة البقرة .

( ٢ ) الصحاح : ( بلل ) .

( ٣ ) المصرية المصححة (( نومتك )) : ٤٩١ .

( ٤ ) ابن أبي الحديد : (( نومك )) ١١ : ٢٣٩ ، و كذلك ابن ميثم في ٤ : ٧٤ ، أما الخطية : ٢١٨ (( نومتك )) .

( ٥ ) ورد الشعر في الديوان بتغيير في بعض الألفاظ مع الحفاظ على المعنى : ٢٦٣ .

( ٦ ) المصرية المصححة : ٤٠٩١ .

( ٧ ) راجع بند ( ٧ ) من الصفحة ٥٠٢ .

١٩٠

من حرّ الشمس بل البارز بحرّه .

في ( الصّحاح ) ضحيت بالكسر عرقت و ضحيت أيضا للشّمس ضحاء ممدود اذا برزت و ضحيت بالفتح مثله و المستقبل أضحى من اللّغتين جميعا ،

و في الحديث انّ ابن عمر رأى رجلا محرما قد استظلّ فقال اضح لمن أحرمت هكذا ؟ يرويه المحدّثون بفتح الألف و كسر الحاء من أضحيت قال الأصمعي انّما هو إضح بكسر الألف و فتح الحاء من ضحيت أضحى لأنّه انّما أمره بالبروز للشّمس و منه قوله تعالى و انّك لا تظمؤ فيها و لا تضحى١ .

« أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له » في ( الصحاح ) : أمضّني الجرح إذا أوجعك و فيه لغة اخرى مضّني الجرح و لم يعرفها الأصمعي و قال :

ثعلب تقول : قد أمضّني الجرح و كان من مضى يقول مضّني بغير ألف الخ و في الجمهرة مضّة الشي‏ء يمضّه مضّا و أمضّه إمضاضا اذا بلغ من قلبه و كان أبو عمرو بن العلا يقول ( مضّني ) كلام قديم قد ترك و كأنّه أراد انّ ( امضّني ) هو المستعمل .٢ .

« فما صبّرك على دائك » في ( المصباح ) : صبّرت بالتثقيل حمّلته على الصّبر بوعد الأجر٣ « و جلّدك بمصابك » هكذا في ( المصرية )٤ و الصّواب :

( على مصابك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و في ( الخطيّة ) : « على مصائبك » و قال ابن أبي الحديد و روي : « و جلّدك على مصائبك »٥ . .

____________________

( ١ ) الصحاح ( ضحا ) ، و الآية ١١٩ من سورة طه .

( ٢ ) الصحاح : ( مضض ) .

( ٣ ) المصباح المنير للفيتوري : ٤٠٠ ( صبر ) .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة بلفظ ( على مصابك ) : ٤٩١ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد رواه على شكلين ( مصابك ) و ( مصائبك ) راجع ١١ : ٢٤١ ، أما شرح ابن ميثم ٤ : ٧٥ فذكر لفظ ( بمصابك ) ، أما الخطية : ٢١٨ فذكر ( مصائبك ) .

١٩١

في ( الصّحاح ) : الجلد الصّلابة و الجلادة تقول منه جلد الرّجل بالضّمّ فهو جلد و جليد١ و أصابته مصيبة فهو مصاب ، و المصاب الإصابة قال :

أسليم انّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحيّة ظلم٢

« و عزّاك عن البكاء على نفسك » في ( الصّحاح ) : العزاء الصّبر يقال عزيته تعزية فتعزّى٣ « و هي أعزّ الأنفس عليك » ذكروا انّ محتضرا أفاق فرأى امرأته و ولده يبكون عليه فقال لامرأته : لم تبكين ؟ قالت : لأنّك كنت لي قيّما و بعدك أصير أيّما فقال لولده : لم تبكون ؟ فقالوا : لأنّك كنت ممدّ معاشنا و معدّ رياشنا و أثاثنا و فراشنا فقال لهم : قوموا عنّي و دعوني أبكي بنفسي على نفسي فانّكم تبكون على أنفسكم لا عليّ « و كيف لا يوقظك خوف بيات نقمة » في ( الصحاح ) :

بيّت العدوّ أي أوقع بهم ليلا و الاسم البيات٤ . .

في ( الكافي ) : كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : لا تبدين عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة و لا يأمن البيات من عمل السيّئات٥ .

و في سورة الأعراف أ فأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً و هم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً و هم يلعبون أفامنوا مكر اللَّه فلا يأمن مكر اللَّه إلاّ القوم الخاسرون٦ و في سورة الاسراء و اذا مسّكم الضُّرُّ في البحر ضلَّ من تدعون إلاّ إيّاه فلّما نجّاكم إلى البرِّ أعرضتم و كان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرِّ أو يرسل عليكم

____________________

( ١ ) الصحاح : ( جلد ) .

( ٢ ) الصحاح : ( صوب ) .

( ٣ ) الصحاح : ( عزا ) .

( ٤ ) الصحاح : ( بيت ) .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٥ .

( ٦ ) الأعراف : ٩٧ ٩٩ .

١٩٢

حاصباً ثمّ لا تجدوا لكم وكيلاً أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارةً اُخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الرّيح فيغرقكم بما كفرتم ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً١ .

« و قد تورّطت بمعاصيه مدارج سطواته » في ( الصّحاح ) : قال أبو عبيد أصل الورطة أرض مطمئنة لا طريق فيها و أورطه و ورّطه توريطاً أي أوقعه في الورطة فتورّط هو فيها٢ و المدرجة المذهب و المسلك قال ساعدة الهذلي يصف سيفا :

ترى أثره في صفحتيه كأنّه

مدارج شبثان لهنّ هميم٣

و السّطو القهر بالبطش و السّطوة المرّة الواحدة و الجمع السّطوات . .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : تعوّذوا باللَّه تعالى من سطوات اللَّه باللّيل و النّهار قال أبو اسامة قلت له : و ما سطوات اللَّه ، قال : الأخذ على المعاصي٤ ،

« فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة » في ( الصّحاح ) : الفترة : الإنكسار و الضعف ، و عزمت على كذا عزما و عزما ( بالضّمّ ) و عزيما اذا أردت فعله و قطعت عليه٥ . .

و الفترة داء دويّ و العزيمة شفاء جليّ ، و منشأ ترك الواجبات و ارتكاب المحرّمات داء الفترة ، قال تعالى : و لقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزماً٦ ، كما انّ السّبب في تجرّي العوام على الفجور فترة الخواصّ في الأمر و الزّجر « و من كرى الغفلة في ناظرك بيقظة » في ( الصّحاح ) : الكرى : النعاس

____________________

( ١ ) الاسراء : ٦٧ ٦٩ .

( ٢ ) الصحاح : ( ورط ) .

( ٣ ) الصحاح : ( درج ) .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٦ .

( ٥ ) الصحاح : ( فتر ) .

( ٦ ) طه : ١١٥ .

١٩٣

تقول منه كرى الرّجل بالكسر كرى فهو كر و امرأة كريه على فعلة قال :

لا يشتملّ و لا يكرى مجالسها

و لا يملّ من النّجوى مناجيها١

و الناظر في المقلة السّواد الأصغر الّذي فيه انسان العين « و كن للَّه مطيعا » و من يطع اللَّه و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً٢ « و بذكره انسا » ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب٣ « و تمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك » تمثّل أي :

اجعل ذلك ممثّلا عندك « يدعوك الى عفوه » و يعفو عن السيّئات .٤ .

« و يتغمّدك بفضله » في ( الصحاح ) : الغمد غلاف السيف و تغمّده اللَّه برحمته غمره بها٥ « و أنت متولّ عنه الى غيره » في ( مصباح الشيخ ) في أدعية نوافل ليالي القدر بعد السّتين منها : فلم أر مولى كريما أصبر على عبد لئيم منك عليّ ياربّ إنّك تدعوني فأولّي عنك و تتحبّب إليّ فأتبغّض اليك و تتودّد إليّ فلا أقبل منك كأنّ لي التّطوّل عليك فلم يمنعك ذلك من الرّحمة بي و الاحسان إليّ و التفضّل عليّ بجودك و كرمك . .

و مثله دعاء كلّ ليلة منه المعروف بالافتتاح « فتعالى من قويّ ما أكرمه » عالم الغيب و الشّهادة الكبير المتعال٦ « و تواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته » تواضعت هنا للتعجّب كتعالى أي : هو تعالى أيّ متعال قويّ مع ذاك الكرم و أنت أيها الإنسان أيّ وضيع ضعيف مع هذه الجرأة « و أنت في كنف ستره مقيم » في ( الصّحاح ) : الكنف بالتّحريك الجانب و الكنيف حظيرة

____________________

( ١ ) الصحاح : ( كرا ) .

( ٢ ) الأحزاب : ٧١ .

( ٣ ) الرعد : ٢٨ .

( ٤ ) الشورى : ٢٥ .

( ٥ ) الصحاح : ( غمد ) .

( ٦ ) الطوسي ، مصباح المتهجدين ، و الآية ٩ : من سورة الرعد .

١٩٤

الساتر و يسمّى الترس كنيفا لأنّه يستر و منه قيل للمذهب كنيف و الكنيف حظيرة من شجر يجعل للابل١ . .

روى ( الخصال ) عن أبي جعفر عليه السّلام يقول تعالى : يا ابن آدم تطوّلت عليك بثلاث سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك و أوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا٢ « و في سعة فضله متقلّب » . و أسبغ عليكم نعمه ظاهرةً و باطنةً .٣ .

« فلم يمنعك فضله و لم يهتك عنك ستره » روي عنه عليه السّلام : لو تكاشفتم ما تدافنتم و في ( الكافي ) عن أبي الحسن عليه السّلام : انّ للَّه تعالى منادياً ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه من معاصي اللَّه فلو لا بهائم رتّع ، و صبيّة رضّع ، و شيوخ ركّع ،

لصبّ عليكم صبّا ترضّون به رضّا٤ .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : ما من عبد إلاّ و عليه أربعون جنّة حتّى يعمل أربعين كبيرة فاذا عمل أربعين كبيرة انكشف عنه الجنن فيوحي تعالى اليهم ان استروا عبدي بأجنحتكم فيستره الملائكة بأجنحتها فما يدع شيئا من القبيح إلاّ قارفه حتّى يمتدح الى الناس بفعله القبيح فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلاّ ركبه و انّا لنستحيي ممّا يصنع فيوحى اللَّه تعالى اليهم ان ارفعوا بأجنحتكم عنه فاذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينهتك ستره في السّماء و ستره في الأرض فتقول الملائكة : يا ربّ هذا عبدك قد بقى مهتوك السّتر فيوحي تعالى اليهم لو كان للَّه فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا

____________________

( ١ ) الصحاح : ( كنف ) .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ١٣٦ ح ١٥٠ .

( ٣ ) لقمان : ٢٠ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

١٩٥

أجنحتكم عنه١ « بل لم تخل من لطفه مطرف عين » مطرف عين أي طرفة عين و في الصّحاح الطّرف العين و لا يجمع لأنّه في الأصل مصدر فيكون واحدا و جماعة قال تعالى و لا يرتد اليهم طرفهم .٢ و طرف بصره يطرف طرفا اذا أطبق أحد جفنيه على الآخر الواحدة من ذلك طرفة يقال أسرع من طرفة عين٣ . .

« في نعمة يحدثها لك أو سيّئة يسترها عليك أو بليّة يصرفها عنك » « في نعمة » متعلّق بقوله « من لطفه » ، و في ( الخصال ) عن أبي جعفر عليه السّلام : العبد بين ثلاثة بلاء و قضاء و نعمة فعليه من البلاء من اللَّه الصّبر فريضة و عليه في القضاء من اللَّه التّسليم فريضة و عليه في النّعمة من اللَّه عز و جل الشّكر فريضة٤ .

« فما ظنّك به لو أطعته » و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء و الأرض .٥ « و أيم اللَّه » في ( الصحاح ) : أيمن اللَّه اسم وضع للقسم و ربّما حذفوا منه النّون و قالوا : أيم اللَّه و ايم اللَّه بكسر الهمزة و ربّما حذفوا منه الياء و قالوا : ام اللَّه و ربّما أبقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا م اللَّه ثم يكسرونها لانها صارت حرف واحدا فيشبهونها بالباء فيقولون م اللَّه و ربّما قال من اللّه بضمّ الميم و النّون و من اللَّه بفتحهما و من اللّه بكسرهما و قال أبو عبيد و كانوا يحلفون باليمين يقولون يمين اللّه لا أفعل ثمّ يجمع اليمين على أيمن ثمّ حلفوا به فقالوا أيمن اللّه لأفعلنّ كذا فهذا هو الأصل في ايمن اللّه ثمّ كثر

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٨١ ح ٩ .

( ٢ ) إبراهيم : ٤٣ .

( ٣ ) الصحاح : ( طرف ) .

( ٤ ) الخصال للصدوق : ٨٦ ح ١٨ .

( ٥ ) الأعراف : ٩٦ .

١٩٦

هذا في كلامهم و خفّف على ألسنتهم حتّى حذفوا منه النّون١ . « لو أنّ هذه الصّفة » أي تولّيك و اقباله « كانت في متّفقين في القوّة » كملكين مثلين أو سوقتين متكافيين « متوازيين في القدرة » قال ابن أبي الحديد : و روى ( متوازنين ) بالنون٢ « لكنت أوّل حاكم على نفسك بذميم الأخلاق و مساوي الأعمال » في ( الصحاح ) : ساءه يسوءه سوء بالفتح و مسائة و مسائية نقيض سرّه و الاسم السّوء بالضّمّ تقول رجل سوء بالإضافة و رجل السوء قال الأخفش و لا يقال الرّجل السّوء و يقال الحقّ اليقين و حقّ اليقين لأنّ السّوء ليس بالرّجل و اليقين هو الحقّ و لا يقال هذا رجل السّوء بالضّمّ ابن السكيت سؤت به ظنّا و أسأ به الظّنّ يثبتون الألف إذا جاؤا بالألف و اللاّم ، قال سيبويه سألت الخليل عن سؤته سوائيه فقال هي فعالية بمنزلة علانية و الّذين قالوا سوايه حذفوا الهمزة و أصله الهمز و سألته عن مسائيه فقال مقلوبة و أصلها مساوئه فكرهوا الواو مع الهمزة و الّذين قالوا مسايه حذفوا الهمزة تخفيفا و قولهم الخيل تجري على مساوئها أي انّها و ان كانت بها أوصاب و عيوب فانّ كرمها يحملها على الجري٣ .

« و حقّا أقول ما الدّنيا غرّتك و لكن بها اغتررت » يعني عليه السّلام انّ اسناد الغرّ الى الدّنيا بأنّ الدّنيا غرّت فلانا اسناد مجازيّ و حقيقته انّ النّاس يغترّون بها فيقال مجازا انّ الدّنيا غرّتهم و مثل هذا المجاز كثير في الكلام كقوله تعالى و لقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجنّ و الإنس .٤ .

و في الحقيقة ما ذرأهم لجهنّم بل ليعبدوه و يدخلهم جنّته إلاّ انّهم لمّا

____________________

( ١ ) الصحاح : ( يمن ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٠ .

( ٣ ) الصحاح : ( سوأ ) .

( ٤ ) الأعراف : ١٧٩ .

١٩٧

يعملون أعمالا يؤديّهم الى جهنّم فكأنّهم ذرئوا لها و كقوله تعالى فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وَ حَزَناً .١ ، و ما التقطوه لذلك إلاّ انّه لمّا أدّى الى ذلك كأنّهم التقطوه لذلك و كقولهم ( لدوا للموت و ابنوا للخراب ) « و لقد كاشفتك العظات » قال تعالى : و لقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدَّكِرٍ٢ قال ابن أبي الحديد : العظات منصوب على حذف الخافض ، أي : كاشفتك بالعظات و روى العظات بالرّفع على انّه فاعل و روى كاشفتك الغطاء ، قلت الوجه النّصب لأنّ قوله بعد « و آذنتك » أي : الدّنيا ، يدلّ على انّ المراد هنا أيضا انّ الدّنيا كاشفة بمواعظها الحاليّة التي فوق المقاليّة لأنّ في المقال يجي‏ء الكذب و لا يجي‏ء في الحال٣ .

و في ( الصّحاح ) : كاشفة بالعداوة أي : باداه بها٤ « و اذنتك على سواء » الأصل فيه قوله تعالى : فإن تولّوا فقل آذنتكم على سواء٥ في ( الصحاح ) تقول آذنته اذا أصبت اذنه و آذنتك بالشي‏ء أعلمتكه٦ و السّواء العدل قال تعالى : فانبذ إليهم على سواءٍ .٧ « و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك و النّقص في قوّتك أصدق و أوفى من أن تكذّبك أو تغرّك » إنّما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس و الأنعام حتّى اذا أخذت الأرض زخرفها و ازّينت و ظنّ أهلها انّهم قادرون عليها اتاها أمرنا

____________________

( ١ ) القصص : ٨ .

( ٢ ) القمر : ٥١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٠ .

( ٤ ) الصحاح : ( كشف ) .

( ٥ ) الأنبياء : ١٠٩ .

( ٦ ) الصحاح : ( أذن ) .

( ٧ ) الأنفال : ٥٨ .

١٩٨

ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يتفكّرون١ .

« و لربّ ناصح لها عندك متّهم و صادق من خبرها مكذّب » طبيعة الإنسان اتّهام ناصحه إذا نصحه بما لم يوافق هواه و يكذّب المخبر اذا لم يخبره بما يهواه ، ذكر ( الطبري ) في غزوة بدر : أنّ المسلمين أصابوا قبل التقاء الجيشين رواية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجّاج و عريض غلام بني العاص فأتوا بهما النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و النبيّ قائم يصلّى فسألوهما فقالا نحن سقاة قريش بعثونا لنسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما و رجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فلمّا اذ لقوهما قالا : نحن لأبي سفيان فتركوهما ثمّ سلّم النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله فقال : اذا صدقاكم ضربتموهما و اذا كذباكم تركتموها صدقا و اللَّه انّهما لقريش٢ .

« و لئن تعرّفتها في الدّيار الخاوية » في ( الصحاح ) : قوله تعالى : فتلك بيوتهم خاوية٣ أي خالية و يقال ساقطة كما قال . فهي خاويةٌ على عروشها .٤ أي ساقطة على سقوفها٥ « و الربوع الخالية » في ( الصحاح ) :

الرّبع الدّار بعينها حيث كانت و جمعها رباع و ربوع و ارباع و أربع و الرّبع المحلّة٦ .

في ( ذيل الطبري ) في ( الشعبي ) قال محمّد بن أبي أميّة أصاب اليمن

____________________

( ١ ) يونس : ٢٤ .

( ٢ ) الطبري ٢ : ١٤٢ .

( ٣ ) النمل : ٥٢ .

( ٤ ) الحج : ٤٥ .

( ٥ ) الصحاح : ( خوا ) .

( ٦ ) الصحاح : ( ربع ) .

١٩٩

مطر فجحف السّيل موضعا فأبدى عن أزج عليه باب من حجارة فكسر الغلق فاذا بهوّ عظيم فيه سرير من ذهب و اذا عليه رجل طوله اثنى عشر شبرا و عليه جباب من و شي منسوجة بالذّهب و الى جنبه محجن من ذهب على رأسه ياقوتة حمراء و إذا رجل أبيض الرأس و اللّحية له ضفران و الى جنبه لوح مكتوب فيه بالحمرانية : باسمك اللّهمّ ربّ حمير انا حسّان بن عمرو القيل إذ لا قيل إلاّ اللّه عشت بأمل و متّ بأجل أيام و خزهيد هلك فيه اثنى عشر ألف قيل و كنت آخرهم و أتيت جبل ذي شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني »١ .

« لتجدنّها من حسن تذكيرك و بلاغ موعظتك بمحلّة الشفيق عليك » في ( المصباح ) : اشفقت من كذا حذرت و أشفقت على الصّغير عنوت و عطفت٢ .

و في ( الصحاح ) : أشفقت فأنا مشفق و شفيق٣ . .

في ( صفين نصر بن مزاحم ) في شخوص أمير المؤمنين عليه السّلام : ثمّ مضى نحو ساباط حتى انتهى الى مدينة نهر سير و اذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك ينظر الى آثار كسرى و هو يتمثّل بقول ابن يعقوب التميمي :

جرت الرّياح على مكان ديارهم

فكأنّهم كانوا على ميعاد

فقال علي عليه السّلام أفلا قلت : كم تركوا من جنّاتٍ و عيونٍ و زورعٍ و مقامٍ كريم و نعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين٤ انّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين انّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية ،

____________________

( ١ ) ذيل التاريخ للطبري ٨ : ١٢٣ .

( ٢ ) المصباح المنير للفيتوري : ٣٨٢ ( شفق ) .

( ٣ ) الصحاح : ( شفق ) .

( ٤ ) الدخان : ٢٥ ٢٩ .

٢٠٠