بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97873
تحميل: 2380


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97873 / تحميل: 2380
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

عيب و لا نقص فيه . و تبعه باقي الشّراح١ و هو كما ترى .

« و فضّل حرمة المسلم على الحرم كلّها قال ابن أبي الحديد لفظ الخبر النبويّ حرمة المسلم فوق كلّ حرمة دمه و عرضه و ماله٢ .

قلت : و روى ابن سعد في ( طبقاته ) عن نبيط بن شريح الأشجعي قال انّي لرديف أبي في حجّة الوداع إذ تكلّم النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله فقمت على عجز الرّاحلة و وضعت رجلي على عاتقي أبي فسمعته يقول أيّ يوم أحرم ؟ قالوا هذا اليوم قال فأيّ شهر أحرم قالوا هذا الشهر قال فأيّ بلد أحرم ؟ قالوا هذا البلد قال فانّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا هل بلّغت ؟ قالوا اللّهمّ نعم قال اللّهمّ اشهد اللّهمّ اشهد اللّهمّ اشهد٣ .

و روى خبر آخر بمضمونه و في أوّله وقف يوم النحر بين الجمرات ،

و في آخره ثمّ ودّع النّاس ، فقالوا هذه حجّة الوداع٤ .

و خبر آخر و زاد في ذيله ألا لا ترجعنّ بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض٥ .

« و شدّ بالإخلاص و التوحيد حقوق المسلمين في معاقدها » في ( الصحاح ) شدّه أي : أوثقه يشُدّه يشده أيضا و هو من النّوادر ، قال الفرّاء ما كان على فعلت من ذوات التضعيف غير واقع فانّ يفعل منه مكسور العين مثل عففت أعفّ و ما كان واقعا مثل رددت و مددت فانّ يفعل منه مضموم إلاّ ثلاثة أحرف جاءت نادرة و هي شدّه يشُدّه يشده و علّه يعلّه و يعلّه من العلل و هو الشّرب الثاني و نمّ الحديث و ينُمّه و ينِّمه٦ و قال عقدت البيع و الحبل و العهد ، و المعاقد

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٨٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٨٩ .

( ٣ ) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ١٣٢ طبع ( ليدن ) .

( ٤ ) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ١٣٢ طبع ( ليدن ) .

( ٥ ) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ١٣٢ طبع ( ليدن ) .

( ٦ ) الصحاح : ( شدد ) .

٢٢١

مواضع العقد . .

و الظّاهر انّ المراد بالإخلاص و التوحيد كلمة الاسلام الموجب لحقن المال و الدّم قال تعالى و لا تقولوا لمن ألقى اليكم السّلام لستَ مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدُّنيا .١ قال القمّي لمّا رجع النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله من غزاة خبير بعث اسامة بن زيد في خيل الى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم الى الاسلام و كان رجل منهم يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى فلّما أحسّ بخيل النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله جمع أهله و ماله في ناحية الجبل فأقبل يقول اشهد ان لا إله إلاّ اللَّه و انّ محمّدا رسول اللَّه فمرّ به اسامة بن زيد فطعنه فقتله فلما رجع الى النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال له قتلت رجلا شهد ألاّ إله إلاّ اللَّه و انّي رسوله فقال انما قالها تعوّذا من القتل فقال صلَّى اللَّه عليه و آله أفلا كشفت الغطاء عن قلبه لا ما قاله بلسانه قبلت و لا ما كان في نفسه علمت فحلف بعد ذلك اسامة الاّ يقتل أحدا شهد ألاّ إله إلاّ اللَّه و انّ محمّدا رسوله فتخلّف عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حروبه لذلك ،

فأنزل تعالى في ذلك و لا تقولوا لمن ألقى اليكم السّلام لستَ مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدُّنيا فعند اللَّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنَّ اللَّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللَّه كان بما تعملون خبيراً٢ .

« فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده إلاّ بالحقّ » قالوا و هو نظير قوله تعالى و لا تقتلوا النّفس التي حرّم اللَّه إلاّ بالحقّ٣ .

« و لا يحلّ أذى المسلم إلاّ بما يجب » قال تعالى و جزاء سيّئةٍ سيئةٌ مثلها .٤ ، و الحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما

____________________

( ١ ) النساء : ٩٤ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ١٤٨ .

( ٣ ) الأنعام : ١٥١ .

( ٤ ) الشورى : ٤٠ .

٢٢٢

اعتدى عليكم و اتّقوا اللَّه و اعلموا انّ اللَّه مع المتّقين١ .

« بادروا أمر العامّة و خاصّة أحدكم و هو الموت » قال ابن أبي الحديد أمر بمبادرة الموت و سمّاه الواقعة العامّة لأنّه يعمّ الحيوان كلّه ثمّ سمّاه خاصّة أحدكم لأنّه و ان كان عامّاً إلاّ انّ له مع كلّ انسان خصوصيّة زائدة على ذلك العموم . .

قلت : تفسيره في غاية البعد بل الظاهر من قوله عليه السّلام « بادروا أمر العامّة » المبادرة في أمر عامّة المسلمين بإصلاح شؤونهم و قضاء حوائجهم٢ .

و في الخبر : ليس منّا من لم يهتمّ بأمور المسلمين٣ .

قوله هنا : « فإنَّ النّاس أمامكم و انّ الساعة تحدوكم من خلفكم » و قوله في الاولى ، « فإنَّ الغاية أمامكم و إنّ وراءكم السّاعة تحدوكم » الأصل فيهما واحد قطعا و في أحدهما تصحيف و نقله في ( الخصائص ) : « فخلفكم السّاعة تحدوكم »٤ .

و قال ابن أبي الحديد في قوله هنا : « فانّ النّاس أمامكم » و روى : « فانّ البأس أمامكم »٥ يعني الفتنة .

قلت : لو صحّ البأس بالباء من أين انّ المراد به الفتنة ؟ و لعلّ المراد به العذاب فيكون مساوقا لقوله : « فانّ الغاية أمامكم » و قال ابن ميثم في قوله :

« فانّ الغاية أمامكم » الغاية : الثّواب و العقاب و يحتمل ارادة الموت به ، و قال الرّاوندي : يعني انّ الجنّة و النّار خلفكم و معنى ورائكم السّاعة أي : قدّامكم ،

____________________

( ١ ) البقرة : ١٩٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٨٩ .

( ٣ ) الرواية كما في الكافي ٢ : ١٦٣ و نقلها المجلسي في البحار ٧٤ : ٣٣٧ : « من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم » .

( ٤ ) الخصائص : ١١٢ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٠ .

٢٢٣

و لقائل أن يقول امّا الوراء بمعنى القدّام فقد ورد و لكن ما ورد امام بمعنى خلف و لا سمعنا ذلك . .

قلت : امام ضدّ وراء فكما اعترف بأنّ وراء يجيى‏ء بمعنى القدّام لذكر الصّحاح له لابدّ انّ امام أيضا يجيي‏ء بمعنى الخلف و التّحقيق انّهما ضدّان و ليس لكلّ منهما إلاّ معنى واحد إلاّ انّهما لما كانا أمرين اعتباريّين يصحّ التّعبير في شي‏ء واحد بكليهما فيمكن أن نقول انّ الجنّة و النار قدّامنا و ان نقول انّهما خلفنا فمن حيث نسير اليهما بأعمالنا و أعمارنا فهما قدّامنا و من حيث انّا في الدّنيا و هما في القيامة فهما خلفنا كما ان الساعة اي القيامة كذلك إلاّ انّه لو أراد الاعتراض على الرّاوندي لكان الاعتراض على قوله وراءكم يعني قدّامكم أولى لأنّ قوله تحدوكم قرينة على انّ المراد بوراء الخلف فانّ الحادي للإبل يكون خلفه قال الجوهري الحد و سوق الإبل و الغناء لها . فاذا شبّهت بالحادي لابدّ أن تكون من خلف و حينئذ فامام بمعناه الأصلي فقد لوحظ سير النّاس اليهما و على ما في أصل الثّانية « فانّ النّاس أمامكم » فلا يصحّ اعتبار غير القدّام و لعلّه الأنسب بالفقرتين بعد لا سيّما الثانية « فانّما ينتظر بأوّلكم آخركم » .

« تخفّفوا تلحقوا » في ( كشكول البهائي ) عن ( المحاسن ) : وقع حريق في المدائن فأخذ سلمان سيفه و مصحفه و خرج من الدّار ، و قال هكذا ينجو المخفّون١ .

و في ( الاستيعاب ) : دخل قوم على سلمان و هو أمير المدائن و هو يعمل الخوص فقيل له : لم تعمل هذا و أنت أمير يجري عليك رزق ؟ فقال : انّي أحبّ أن

____________________

( ١ ) الكشكول للبهائي ١ : ٣٢٣ .

٢٢٤

آكل من عمل يدي١ .

و في ( ذيل الطبري ) عن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف و كان على ثلاثين ألفا من النّاس يخطب في عباية يفترش و يلبس فضلها و كان اذا خرج عطاه أمضاه و أكل من سفيف يده٢ .

و روى ( الكافي ) عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام انّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ثمّ قال سأضرب لك مثلا انّما مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في أحديهما فلم ير فيها شيئا فقال اسربوها و نظر في الاخرى فاذا هي موقرة فقال احبسوها٣ .

و عن سعدان عنه عليه السّلام : أنّ اللَّه تعالى يلتفت يوم القيامة الى فقراء المؤمنين شبيها بالمعتذر اليهم فيقول و عزّتي ما افقرتكم في الدّنيا من هوان بكم عليّ و لترون ما أصنع بكم اليوم فمن زوّدكم في دار الدّنيا معروفا فخذوا بيده و ادخلوه الجنّة فيقول رجل منهم يا ربّ انّ أهل الدّنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء و لبسوا الثياب اللّيّنة و أكلوا الطعام و سكنوا الدّور و ركبوا المشهور من الدوّاب فاعطني مثل ما أعطيتهم فيقول تعالى و لكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدّنيا منذ كانت الدّنيا الى ان انقضت الدّنيا سبعون ضعفا٤ .

و عن هشام عنه عليه السّلام اذا كان يوم القيامة قام عنق من النّاس حتّى يأتوا باب الجنّة فيقال لهم من أنتم ؟ فيقولون نحن الفقراء فيقال لهم اقبل الحساب ؟

____________________

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٢ : ٦٣٥ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ، ذيل التاريخ ٨ : ٣٣ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ١ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٦١ ح ٩ .

٢٢٥

فيقولون : ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه فيقول تعالى صدقوا ، ادخلوا الجنّة١ « فانّما ينتظر بأوّلكم آخركم » ليس تفريعا على خصوص ( تخفّفوا تلحقوا ) بل على ( و انّ وراءكم السّاعة تحدوكم ) ( و ان السّاعة تحدوكم من خلفكم ) خصوصا أو مع ( تخفّفوا تلحقو ) ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام عجبا لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم بالرّحيل و هم يلعبون٢ .

و عنه عليه السّلام قال : أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها و يقولون ربّنا أقم لنا السّاعة و انجز لنا ما وعدتنا و الحق آخرنا بأوّلنا٣ .

قال : و أرواح المشركين في النّار يعذّبون يقولون ربّنا لا تقم لنا السّاعة و لا تنجز لنا ما وعدتنا و لا تلحق آخرنا بأوّلنا٤ .

« اتّقوا اللَّه في عباده و بلاده » في سورة القصص آية ( ٨٣ ) تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتّقين ،

و فرعون ذي الأوتاد الّذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم ربِّك سوط عذابٍ إنَّ ربّك لبالمرصاد٥ .

إنّكم مسؤلون حتّى عن البقاع » روى ( الكافي ) : أنّ أبا الحسن عليه السّلام اشترى دارا و أمر مولى له أن يتحوّل إليها و قال انّ منزلك ضيّق فقال قد أحدث هذه الدّار أبي فقال عليه السّلام ان كان أبوك أحمق ينبغي أن تكون مثله٦ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٦٤ ح ١٩ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٤٤ ح ٤ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٤٥ ح ١ .

( ٥ ) الفجر : ١٠ ١٤ .

( ٦ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٩ .

٢٢٦

و عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله من بات على سطح غير محجّر فأصابه شي‏ء فلا يلومنّ إلاّ نفسه١ .

و عن أبي جعفر عليه السّلام وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام إنّ الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين٢ الى أن قال فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها الى الامام من أهل بيتي و له ما أكل منها فان تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها و أحياها فهو أحقّ بها من الّذي تركها .٣ .

« و البهائم » روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال : للدّابّة على صاحبها ستّة حقوق ، لا يحمّلها فوق طاقتها و لا يتّخذ ظهرها مجلسا يتحدّث عليه و يبدأ بعلفها اذا نزل و لا يمسّها و لا يضربها في وجهها فانّها تسبّح و يعرض عليها الماء اذا مرّ به٤ .

و عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله اضربوها على النّفار و لا تضربوها على العثار٥ .

« و أطيعوا اللَّه و لا تعصوه » و من يطع اللَّه و الرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللَّه عليهم من النبيّين و الصّديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من اللَّه و كفى به عليماً٦ ، و من يعص اللَّه و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها و له عذابٌ مهين٧ .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠٧ ح ١ .

( ٢ ) الأعراف : ١٢٨ .

( ٣ ) الكافي ٦ : ٥٣٠ ح ٢ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٦ : ٥٣٧ ح ١ .

( ٥ ) المصدر نفسه ٦ : ٥٣٨ ح ٧ .

( ٦ ) النساء : ٦٩ ٧٠ .

( ٧ ) النساء : ١٤ .

٢٢٧

« و اذا رأيتم الخير فخذوا به و اذا رأيتم الشّرّ فاعرضوا عنه » فاستبقوا الخيرات الى اللَّه مرجعكم جميعاً فيُنبّئكم بما كنتم فيه تختلفون١ ، فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره٢ .

قول المصنّف « قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ليس الكلام من المصنف بل الشرّاح فليس في ( الخطيّة ) أصلاً و في ( ابن ميثم ) « قال السّيّد » و في ابن أبي الحديد : « قال الرضي » .

أقول : هكذا في ( المصرية ) و الصّواب : ( و أقول ) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم .

« انّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام اللّه سبحانه » و في ( الخطيّة ) : « تعالى » .

و بعد كلام رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) و بعد كلام النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و في ابن ميثم و كلام رسوله صلَّى اللَّه عليه و آله .

« بكلّ كلام لمال به راجحا » يعني لو وضع كلامه صلَّى اللَّه عليه و آله في كفّة ميزان و كلام كلّ أحد غير اللَّه و رسوله في كفّة اخرى لمال هذا الكلام به راجحا أي أشالت كفّة كلامه عليه السّلام لكفّة كلام غيره و رفعتها ، شبّه كلامه عليه السّلام و كلام غيره بمتاعين وضعا في كفّتين .

« و برّز عليه سابقا » برّز بالتشديد قال في ( الصّحاح ) : برّز الرّجل فاق على أصحابه و كذلك الفرس إذا سبق .٣ .

شبّه كلامه عليه السّلام و كلام غيره بفرسين تسابقا و انّ كلامه عليه السّلام السّابق في المضمار .

____________________

( ١ ) المائدة : ٤٨ .

( ٢ ) الزلزال : ٧ ٨ .

( ٣ ) الصحاح : ( برز ) .

٢٢٨

« فما سمع كلام أقلّ منه مسموعا و لا أكثر محصولا » أي : أقلّ لفظا و أكثر معنى نظير قول النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله خير الأمور أوسطها .

« و ما أبعد غورها من كلمة » أي : يبعد الوصول الى قعرها ، شبّه كلامه عليه السّلام ببحر بعيد القعر لا يوصل اليه ، و في ( الصّحاح ) غور كلّ شي‏ء قعره١ .

« و انقع نطفتها من حكمة » في ( الصحاح ) نقع الماء العطش نقعا و نقوعا أي : سكّنه و يقال شرب حتّى نقع أي : شفى غليله و النّطفة الماء الصّافي قلّ أو كثر٢ .

« و قد نبّهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها و شرف جوهرها »٣ ،

قال ابن ميثم : و ما أقلّ هذه الكلمة و أكثر نفعها و أعظم قدرها و أبعد غورها و أسطع نورها٤ .

١٧

الخطبة ( ٤١ ) و من كلام له عليه السّلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اِثْنَانِ اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى وَ طُولُ اَلْأَمَلِ فَأَمَّا اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ اَلْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ اَلْأَمَلِ فَيُنْسِي اَلْآخِرَةَ أَلاَ وَ إِنَّ اَلدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ اَلْإِنَاءِ اِصْطَبَّهَا صَابُّهَا أَلاَ وَ إِنَّ اَلْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ اَلْآخِرَةِ وَ لاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ اَلدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ

____________________

( ١ ) الصحاح : ( غور ) .

( ٢ ) الصحاح : ( نقع ) .

( ٣ ) الخصائص للرضي : ١١٢ .

( ٤ ) شرح شرح ابن ميثم ١ : ٣٣٠ .

٢٢٩

سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ إِنَّ اَلْيَوْمَ عَمَلٌ وَ لاَ حِسَابَ وَ غَداً حِسَابٌ وَ لاَ عَمَلَ قال الشريف : أقول الحذاء السريعة و من النّاس من يرويه جذاء .

أقول : رواه نصر بن مزاحم في أوّل كتابه ( صفين ) مع زيادات روى عن عمر ابن سعد الأسدي عن الحارث بن حضيرة عن عبد الرّحمن بن عبيد بن أبي الكنود و غيره قالوا لمّا قدم عليّ عليه السّلام من البصرة الى الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ستّ و ثلاثين استقبله أهل الكوفة و فيهم قرّآئهم و أشرافهم فدعوا له بالبركة و قالوا له أين تنزل أتنزل القصر ؟

فقال لا و لكن أنزل الرّحبة فنزلها و أقبل حتّى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين ثمّ صعد المنبر فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله ثمّ قال امّا بعد يا أهل الكوفة فانّ لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدّلوا و تغيّروا دعوتكم الى الحقّ فأجبتم و بدئتم بالمنكر فغيّرتم الاّ انّ فضلكم في ما بينكم و بين اللَّه فامّا في الأحكام و القسمة فأنتم أسوة من أجابكم و دخل فيما دخلتم فيه الاّ انّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ و امّا طول الأمل فينسي الآخرة إلاّ انّ الدّنيا قد ترحلّت مدبرة و الآخرة قد ترحلّت مقبلة و لكلّ واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل الحمد للَّه الذي نصر وليّه١ . .

و رواه المفيد في ( أماليه ) مرّتين الأولى في مجلسه ( ٢٣ ) باسناد له ذكره في أوّله عن عليّ بن مهزيار عن عاصم عن فضيل الرّسّان عن يحيى بن عقيل قال : قال عليّ عليه السّلام : انّما أخاف عليكم اثنتين اتّباع الهوى و طول الأمل فامّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ و امّا طول الأمل فينسي الآخرة ارتحلت الآخرة مقبلة

____________________

( ١ ) وقعة صفّين لابن مزاحم : ٣ .

٢٣٠

و ارتحلت الدّنيا مدبرة و لكل بنون فكونوا من بني الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل١ .

و رواه في مجلسه ( ٤١ ) عن الجعابي عن محمّد بن الوليد عن عنبر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الطّفيل قال سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول انّ أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل و اتّباع الهوى فامّا طول الأمل فينسي الآخرة و امّا اتباع الهوى فيصدّ عن الحقّ ألا و انّ الدّنيا قد تولّت مدبرة و الآخرة قد أقبلت مقبلة و لكلّ واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدُّنيا فانّ اليوم عمل و لا حساب و الآخرة حساب و لا عمل٢ .

و رواه الكليني في ( كافيه ) في باب اتّباع الهوى عن الحسين بن محمّد عن المعلّى بن محمّد عن الوشا عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن يحيى بن عقيل قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام انّما أخاف عليكم اثنتنان اتّباع الهوى و طول الأمل امّا اتّباع الهوى فانّه يصدّ عن الحقّ و أمّا طول الأمل فانّه ينسي الآخرة٣ .

و رواه ( الخصال ) مثله مسندا عن سليم٤ .

و رواه الكليني في ( روضته ) عن القمّي عن أبيه بن حمّاد عن عيسى عن ابراهيم بن عثمان عن سليم بن قيس قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام ثم قال ألا انّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان اتّباع الهوى و طول الأمل اما اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة الى أن قال و لا تكونوا من أبناء الدُّنيا فانّ اليوم عمل و لا حساب و انّ غدا حساب و لا عمل و انّما بدء وقوع

____________________

( ١ ) الأمالي للمفيد : ٢٠٧ ح ٤١ و : ٣٤٥ ح ١ .

( ٢ ) الأمالي للمفيد : ٢٠٧ ح ٤١ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٣١ ح ٣ .

( ٤ ) الخصال : ٥١ ح ٦٣ .

٢٣١

الفتن أهواء تتّبع١ . .

و مثله في ( كتاب سليم بن قيس ) و رواه ( تحف العقول ) جزء خطبة الدّيباج الى قوله : « و طول الأمل »٢ .

و عن ( مناقب ابن الجوزي ) خطبة تعرف بالبالغة : روى ابن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال شهدت أمير المؤمنين كرّم اللَّه وجهه و هو يخطب فقال بعد أن حمد اللَّه تعالى و صلّى على رسوله : أيّها النّاس انّ اللَّه تعالى أرسل اليكم رسولا ليربح به عليكم و يوقظ به غفلتكم و انّ أخوف ما أخاف اتّباع الهوى و طول الأمل امّا اتّباع الهوى فيصدّكم عن الحقّ و امّا طول الأمل فينسيكم الآخرة ألا و انّ الدّنيا قد ترحّلت مدبرة و انّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة و لكلّ واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا فانّ اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل و اعلموا انّكم ميّتون و مبعوثون من بعد الموت و محاسبون على أعمالكم٣ فلا تغرّنّكم الحياوةُ الدُّنيا و لا يَغُّرنّكم باللَّه الغرور٤ . .

و ممّا نقلنا من أسانيده يعمل تواتره و لكن رواه ( الخصال ) باسنادين عاميين عن جابر عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و لا غرو فانّ الأصل في كلامهما واحد .

قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) و الصّواب٥ :

( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٦ .

____________________

( ١ ) الكافي ٨ : ٥٨ ح ٢١ .

( ٢ ) ابن شعبة الحراني : ١٥٢ ١٥٣ ، و كتاب سليم بن قيس : ٣٠ .

( ٣ ) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٧٧ : ٢٩٧ .

( ٤ ) لقمان : ٣٣ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ١٤٦ ، و الخطية : ٣٣ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣١٨ ح ٤٢ ، و شرح ابن ميثم ( و من كلام له ) ٢ : ١٠٦ ح ٤١ ، و الخطية : ٣٣ .

٢٣٢

قوله عليه السّلام « أيُّها النّاس إنَّ أخوف ما أخاف عليكم إثنان » هكذا في ( المصريّتين ) و في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ، و الخوئي « إثنتان »١ و هو الصحيح ، فانّ القاعدة في مثله التأنيث لأنّ المراد خصلتان و خلّتان قال :

و قالوا لنا ثنتان لابدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل٢

و قد صرّح بالخلّتين في رواية سليم .

هذا ، و قال عليه السّلام انّهما أخوف ما يخاف على النّاس لأنّ هلاك أكثرهم بهما « إتّباع الهوى » و لو اتّبع الحقُّ أهواءهم لفسدت السّماوات و الأرض و من فيهنّ .٣ ، . و لئن اتّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من اللَّه من وليّ و لا نصيرٍ٤ ، . و لئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذاً لمن الظالمين٥ ، . قُل لا اتّبع أهواءكم قد ضللت إذاً و ما أنا من المهتدين٦ ، قل فأتوا بكتابٍ من عند اللَّه هو أهدى منهما اتّبعه ان كنتم صادقين فان لم يستجيبوا لك فاعلم انّما يتّبعون أهواءهم و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدىً من اللَّه إنّ اللَّه لا يهدي القوم الظالمين٧ ، أفمن كان على بيّنةٍ من ربِّه كمن زُيّن له سوء عمله و اتّبعوا أهواءهم٨ ، . أولئك

____________________

( ١ ) المصرية المصححة بلفظ ( اثنتان ) : ١٤٦ ، و شرح ابن ميثم ( إثنان ) ٢ : ١٠٦ ، و شرح ابن أبي الحديد و الخطية كما ذكر .

( ٢ ) العين للفراهيدي ١ : ٢٥٣ .

( ٣ ) المؤمنون : ٧١ .

( ٤ ) البقرة : ١٢٠ .

( ٥ ) البقرة : ١٤٥ .

( ٦ ) الأنعام : ٥٦ .

( ٧ ) القصص : ٤٩ ٥٠ .

( ٨ ) محمّد : ١٤ .

٢٣٣

الّذين طبع اللَّه على قلوبهم و اتّبعوا أهواءهم١ .

« و طول الأمل » ذرهم يأكلوا و يتمتّعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون٢ ، « فاما اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ » قال تعالى لداود يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقِّ و لا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللَّه .٣ ، و قال لنبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتّبعها و لا تتّبع أهواء الّذين لا يعلمون إنّهم لن يغنوا عنك من اللَّه شيئاً و إن الظالمين بعضهم أولياء بعضٍ و اللَّه وليّ المتّقين٤ .

قال ابن أبي الحديد اذا تأمّلت هلاك من هلك من المتكلّمين كالمجبرة و المرجئة مع ذكائهم و فطنتهم و اشتغالهم بالعلوم عرفت انّه لا سبب لهلاكهم إلاّ هوى الأنفس و حبّهم الانتصار للمذهب الّذي قد ألفوه و قد راسوا بطريقه و قد صارت لهم الاتباع و التلامذة و أقبلت الدّنيا عليهم و عدّهم السّلاطين علماء و رؤساء فيكرهون نقض ذلك كلّه و إبطاله فيحبّون الانتصار لتلك المذاهب و الآراء التي نشأوا عليها و عرفوا بها و وصلوا الى ما و صلوا بطريقها و يخافون الانتقال عن المذهب و ان يشتفي منهم الخصوم و يقرعهم الاعداء و من أنصف علم انّ الّذي ذكرناه حقّ و ما زال الهوى مرديا قتّالا و لهذا قال سبحانه و نهى النّفس عن الهوى .٥ ، و قال صلَّى اللَّه عليه و آله ثلاث مهلكات شحّ مطاع و هوى متّبع و اعجاب

____________________

( ١ ) محمّد : ١٦ .

( ٢ ) الحجر : ٣ .

( ٣ ) ص : ٢٦ .

( ٤ ) الجاثية : ١٨ ١٩ .

( ٥ ) النازعات : ٤٠ .

٢٣٤

المرء بنفسه١ .٢ .

قلت : و في ذيل الخطبة على رواية سليم و انّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكام تبتدع يخالف فيها حكم اللَّه يتولّى فيها رجال رجالا . .

« و امّا طول الأمل فينسي الآخرة » و نسيان الآخرة موجب لمفاسد كثيرة قال تعالى إنَّ الّذين يضلّون عن سبيل اللَّه لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا يوم الحساب٣ ، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا .٤ ، فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء و أخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون٥ .

« ألا و انّ الدُّنيا قد ولّت حذّاء » قال الخوئي حذّاء حال٦ .

قلت : بل الظاهر كونه مفعول مطلق فانّ الأصل ولّت تولية حذّاء أي سريعة و قد عدّوا من أمثلة المفعول المطلق قولهم اشتمل الصّمّاء و رجع القهقرى .

قال ابن أبي الحديد في الحديث المرفوع أيّها النّاس انّ الأعمال تطوى و الاعمار تفنى و الأبدان تبلى في الثّرى و ان اللّيل و النّهار يتراكضان تراكض الفرقدين يقرّبان كلّ بعيد و يخلقان كلّ جديد و في ذلك ما ألهى عن الأمل و اذكرك بحلول الأجل٧ .

____________________

( ١ ) الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٢٣٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣١٩ .

( ٣ ) ص : ٢٦ .

( ٤ ) الأعراف : ٥١ .

( ٥ ) الأعراف : ١٦٥ .

( ٦ ) الخوئي ٤ : ٢٠٢ ( ٤٢ ) .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٢٠ .

٢٣٥

« فلم يبق منها إلاّ صبابة كصباة الإناء اصطبّها صابّها » في ( الصّحاح ) :

صببت الماء فانصبّ أي سكبته فانسكب و الصّبابة بالضّمّ البقيّة من الماء في الإناء .١ .

و في ( الجمهرة ) : و الاناء واحد الآنية ممدود الّذي يجعل فيه الطّعام و غيره مثل رداء و أردية٢ .

و في ( الصحاح ) : الاناء معروف و جمعه آنية و جمع الآنية الأواني مثل سقاء و أسقية و اساق٣ و مثله القاموس٤ .

هذا ، و قوله عليه السّلام « اصطبّها صابّها » الضميران راجعان الى الاناء فلابدّ من تأنيثه و ارجاعهما الى صبابة بأن يقال صبّب الصّبابة و يراد صبّ الاناء بعيد فاستعمال الجمهرة و الصحاح للإناء مذكّرا في غير محلّه و كيف كان فحيث أنّا بعد مجيئنا الى الدّنيا يكون كلّ نفس نتنفّسه قدّمنا الى مسافة الآخرة و الأعمار قصير طويلها و هو الأقل في أفراد البشر فكيف بقصيرها و هو الأكثر يكون الأمر كما قال عليه السّلام من كون ما بقى من أعمارنا و دنيانا كقطرات ماء بقيت في إناء صبّها صاب .

« ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت » و حيث انّ من مات تقوم قيامته و الموت في غاية القرب منّا فالآخرة قد أقبلت الينا و لو أريد بالآخرة السّاعة فهي أيضا في غاية القرب منّا ، قال تعالى كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّةً أوضحاها٥ ،

« فكونوا من أبناء الآخرة » حيث انّها الحياة الباقية .

____________________

( ١ ) الصحاح : ( صبب ) .

( ٢ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٢٥٠ ( ن أوى ) .

( ٣ ) الصحاح : ( أنا ) .

( ٤ ) قاموس المحيط للفيروز آبادي : ١٦٢٧ ( أنى ) .

( ٥ ) النازعات : ٤٦ .

٢٣٦

« و لا تكونوا أبناء » هكذا في ( المصرية ) و الصّواب : ( من أبناء ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )١ .

« الدّنيا » حيث إنّها كنبات أرض حصل من ماء أنزل من السّماء ثمّ بعد أيّام يكون كأن لم يغن بالأمس و في الخبر : اذا دعيتم الى وليمة و جنازة فأجيبوا الجنازة لأنّها تذكّر الآخرة و لا تجيبوا الوليمة لأنّها تذكّركم الدّنيا٢ .

إنّما الحياة الدّنيا متاع و ان الآخرة هي دار القرار٣ .

« فإن كلّ ولد سيلحق بامّه يوم القيامة » هكذا في ( المصريتين )٤ و كذا في نسخة ( ابن أبي الحديد ) لكن في ( ابن ميثم و الخوئي )٥ : « فانّ كلّ ولد سيلحق بأبيه يوم القيامة » .

هذا ، و في الخبر : أنّ كلّ الناس في القيامة يدعون بأسماء امّهاتهم إلاّ شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام فيدعون بأسماء آبائهم لطيب ولادتهم٦ .

« و ان اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل » في ( كشكول البهائي ) عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله يفتح للعبد يوم القيامة لكلّ يوم من أيّام عمره أربع و عشرون خزانة عدد ساعات الليل و النّهار فخزانة يجدها مملوّة نورا و سرورا فيناله عند مشاهدتها من الفرح و السرور ما لو وزّع على أهل النّار لأدهشهم عن الاحساس بألم النّار و هي السّاعة التي أطاع فيها ربّه ثمّ يفتح له خزانة اخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة فيناله عند مشاهدتها من الجزع و الفزع ما لو قسّم

____________________

( ١ ) المصرية ١٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ١٠٧ متماثلتان ، و شرح ابن أبي الحديد : ( من ) ٢ : ٣١٨ و الخطية ( من ) : ٣٣ .

( ٢ ) الكافي ١ : ١٦٩ ح ٤٩٠ بدل الوليمة العرائس .

( ٣ ) غافر : ٣٩ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ١٤٦ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣١٨ ، و كذلك شرح ابن ميثم ٢ : ١٠٧ .

( ٦ ) المحاسن للبرقي : ١٤١ ، و نقله المجلسي في البحار ٧ : ٢٤٠ .

٢٣٧

على أهل الجنّة لنغّص عليهم نعيمها و هي السّاعة التي عصى فيها ربّه ثمّ يفتح له خزانة اخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسرّه و لا ما يسوءه و هي السّاعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشي‏ء من مباحات الدّنيا فيناله من الغبن و الأسف على فواتها ما لا يوصف حيث كان متمكّنا من أن يملئها حسنات و من هذا قوله تعالى . ذلك يوم التّغابن١ .

و في ( الطبري ) في يوم الطّفّ قال أبو مخنف : و جاء عباس بن أبي شبيب الشاكري و معه شوذب مولى شاكر فقال يا شوذب ما في نفسك أن تصنع قال ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله حتّى أقتل قال ذلك الظّنّ بك امّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبد اللَّه عليه السّلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه و حتّى أحتسبك انا فانّه لو كان معي السّاعة أحد أنا أولى به منّي بك يسّرني أن يتقدّم بين يديّ حتّى احتسبه فانّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه فانّه لا عمل بعد اليوم و انّما هو الحساب٢ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) عن الضّحاك المشرقي : قال العباس بن عليّ عليه السّلام لأخيه من أبيه و امه عبد اللَّه بن علي عليه السّلام : تقدّم بين يديّ حتّى أراك قتيلا و احتسبك٣ . .

قال الشريف « أقول الحذّاء السّريعة و من النّاس من يرويه جذّاء » هكذا في ( المصرية ) و فيه سقط و تحريف و الصّواب ما نقله ( ابن أبي الحديد و الخوئي )٤ هكذا : « قوله عليه السّلام حذاء الحذّاء السّريعة و من الناس من يرويه ( جذّاء ) بالجيم و الذّال أي انقطع درّها و خيرها » و مثلهما ( الخطيّة ) لكن بدون

____________________

( ١ ) الكشكول للبهائي ٢ : ١٧٢ ، و الآية ٩ من سورة التغابن .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٣٨ .

( ٣ ) مقاتل الطالبيين للأصفهاني : ٥٤ .

( ٤ ) المصرية : ١٤٦ ، و ابن أبي الحديد ٢ : ٣١٨ و الخطية : ٣٣ .

٢٣٨

قوله : قوله عليه السّلام الحذّاء »١ .

و من الغريب عدم بيان في ( ابن ميثم ) رأسا٢ .

ثم الحذّاء بالحاء و المعجمة و الجذّاء بالجيم و المهملة مشدّد ان من الحذذ و الجدد .

و امّا قول المصنّف « الحذّاء السّريعة » فقال ابن دريد حذّ الشي‏ء يحذّه حذّا اذا قطعه قطعا سريعا و الحذذ خفّة و سرعة و قطاة حذّاء سريعة الطيران و ناقة حذّاء سريعة خفيفة و في خطبة عتبة بن غزوان انّ الدّنيا قد أدبرت حذّاء أي سريعة الأدبار و قالوا قطاة حذّاء : قليلة ريش الذّنب الخ و امّا قوله ( و من النّاس من يروي جذّاء بالجيم ) فلم ينحصر الاختلاف بين الحذاء و الجذاء بالحاء و الجيم ) بفقرة الخطبة فمثلها قولهم اليمين الحذّاء و اليمين الجذّاء و رحم حذّاء و رحم جدّاء٣ .

قال في ( الصحاح ) : اليمين : الحذّاء التي يحلف صاحبها بسرعة و من قال بالجيم يذهب الى انّه جذّها جذّ العير الصليانة و رحم حذّاء و جذّاء عن الفراء اذا لم توصل٤ . . .

و اما قوله « أي انقطع درّها و خيرها » ففي ( الصحاح ) امرأة جدّاء صغيرة الثّدي و فلاة جدّاء لا ماء بها قال ابن السّكيت النعجة التي ذهب لبنها من عيب٥ .

____________________

( ١ ) الخطية : ٣٣ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٠٧ ذكرها بشكل آخر .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٩٦ ( ح ذ ذ ) .

( ٤ ) الصحاح : ( حذذ ) .

( ٥ ) الصحاح : ( جدد ) .

٢٣٩

١٨

الحكمة ( ٣٧٠ ) و روى أنّه عليه السّلام قلّما اعتدل به المنبر إلاّ قال أمام خطبته :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِتَّقُوا اَللَّهَ فَمَا خُلِقَ اِمْرُؤٌ عَبَثاً فَيَلْهُوَ وَ لاَ تُرِكَ سُدًى فَيَلْغُوَ وَ مَا دُنْيَاهُ اَلَّتِي تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَفٍ مِنَ اَلْآخِرَةِ اَلَّتِي قَبَّحَهَا سُوءُ اَلنَّظَرِ عِنْدَهُ وَ لاَ اَلْمَغْرُورُ اَلَّذِي ظَفِرَ مِنَ اَلدُّنْيَا بِأَعْلَى هِمَّتِهِ كَالْآخَرِ اَلَّذِي ظَفِرَ مِنَ اَلْآخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِهِ أقول « و روى انّه قلّما اعتدل به المنبر إلاّ قال أمام الخطبة » هكذا في ( المصرية )١ ، و الصّواب : « خطبته » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٢ .

و روي أيضا أنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله كلّما خطب قال في آخر خطبته « طوبى لمن طاب خلقه و طهرت سجيّته و صلحت سريرته و حسنت علانيته و انفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من قوله و انصف الناس من نفسه »٣ .

و في ( الحلية ) في شعبه عن عبد اللَّه أي : ابن مسعود قال : كان النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله يعلمنا خطبة الى أن قال ثم يقرأ : يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه حق تقاته و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون٤ .

يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ .٥ الآية ، يا

____________________

( ١ ) المصرية المصححة : ٧٤٣ ح ٣١٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠٠ ( ٣٧٦ ) ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢٤ .

( ٣ ) الكافي : ٢ : ١٤٤ ح ١ .

( ٤ ) حليلة الأولياء لأبو نعيم ٧ : ٣٨ ، و الآية ١٠٢ من سورة آل عمران .

( ٥ ) النساء : ١ .

٢٤٠