بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 110408 / تحميل: 3564
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بشئ من امرك، فخذ هاهنا، فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وسار الحسينعليه‌السلام وسار الحرّ في أصحابه يسايره وهو يقول له: يا حسين اني اذكّرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال له الحسينعليه‌السلام : ( أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخوفه ابن عمه وقال:أين تذهب؟ فانّك مقتول ؛ فقال:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرّجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وباعد(١) مجرما

فإن عشت لم اندم وان متّ لم ألم

كفى بك ذلا ان تعيش وترغما »

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسينعليه‌السلام في ناحية أخرى، حتى انتهوا الى عذيب الهجانات(٢) .

ثمّ مضى الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به، فاذا هو بفسطاط مضروب فقال: ( لمن هذا؟ ) فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، فقال:( ادعوه اليّ ) فلما أتاه الرّسول قال له: هذا الحسين بن عليّ يدعوك، فقال عبيد الله: انّا لله وانّا اليه راجعون، والله ماخرجت من الكوفة الّا كراهية أن يدخلها الحسين وانا بها، والله ما اريد ان اراه ولا يراني ؛ فأتاه الرّسول فأخبره فقام الحسين عليه

__________________

(١) في هامش (ش) و (م): وخالف.

(٢) عذيب الهجانات: موضع في العراق قرب القادسية (معجم البلدان ٤: ٩٢ ).

٨١

السّلامُ فجاءَ حتّى دخلَ عليه فسلّمَ وجلسَ، ثمّ دعاه إِلى الخروج معَه، فأعادَ عليه عُبيدُ اللهِّ بن الحرِّ تلكَ المقالةَ واستقاله ممّا دعاه إِليه، فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : « فإِن لم تنصرْنا فاتّقِ اللّهَ أن تكونَ ممّن يُقاتلُنا؛ واللّهِ لا يسمعُ واعيتَنا(١) أحدٌ ثمّ لا ينصرُنا إلاّ هلكَ » فقالَ: أمّا هذا فلا يكونُ أبداً إِن شاءَ اللّهُ ؛ ثمّ قامَ الحسينُعليه‌السلام من عندِه حتّى دخلَ رحله.

ولمّا كانَ في اخرِ ألليلِ أمرَ فتيانَه بالاستقاءِ منَ الماءِ، ثمّ أمرَ بالرّحيلِ، فارتحلَ من قصرِ بني مُقاتلٍ، فقالَ عُقبةُ بنُ سمعانَ: سِرْنا معَه ساعةً فخفقَ وهوعلى ظهرِفرسِه خفقةً ثمّ انتبهَ، وهو يقولُ: «إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ، والحمدُ للّهِ ربِّ العالمينَ » ففعلَ ذلكَ مرّتينِ أو ثلاثاً، فأقبلَ إِليه ابنُه علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام على فرسٍ فقالَ: ممَّ حمدتَ الله واسترجعتَ؟ فقاَل: «يا بُنَيَّ، إِنِّي خفقتُ خَفقةً فعَنَّ لي فارسٌ علىَ فرسٍ وهو يقولُ: القومُ يسيرونَ، والمنايا تسيرُ إِليهمِ، فعلمتُ أَنّها أَنفسُنا نُعِيَتْ إِلينا» فقالَ له: يا أبَتِ لا أراكَ اللهُّ سوءاً، ألسنا على الحقِّ؟ قالَ: «بلى، والّذي إِليه مرجعُ العبادِ » قال: فإِنّنا إِذاً لا نبالي أَن نموتَ مُحِقِّينَ ؛ فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «جزاكَ اللّه من ولدٍ خيرَ ما جزى وَلداً عن والدِه ».

فلما أصبح نزل فصلّى الغداة، ثم عجّل الرّكوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديدا امتنعوا عليه، فارتفعوا فلم

__________________

(١) الواعية: الصارخة. « الصحاح - وعى - ٦: ٢٥٢٦ ».

٨٢

يزالوا يتياسرونَ كذاك حتّى انتهَوا إِلى نينَوى - المكانِ الّذي نزلَ به الحسينُعليه‌السلام - فإِذا راكبٌ على نجيبِ له عليه السِّلاحُ متنكِّبٌ قوساً مقبلٌ منَ الكوفةِ، فوَقَفُوا جميعاً ينتظَرونَه(١) فلمّا انتهى إِليهم سلّمَ على الحرِّ وأصحابِه ولم يسلِّمْ على الحسينِ وأصحابِه، ودفعَ إِلى الحرِّ كتاباً من عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ فإِذا فيه:

أمّا بعدُ فَجَعْجِعْ(٢) بالحسينِ حينَ يَبلُغُكَ كتابي ويقدمُ عليكَ رسولي، ولا تُنْزِلْه(٣) إِلاّ بالعراءِ في غيرِ حصنٍ وعلى غيرِماءٍ، فقد أمرتُ رسولي أن يَلزَمَك ولا يفُارِقَكَ حتّى يأْتيني بإِنفاذِكَ أمري، والسّلامُ.

فلمّا قرأ الكتابَ قالَ لهم الحرُ: هذا كتابُ الأَميرِ عُبيدِاللهِّ يأْمرُني أَن أُجَعْجِعَ بكم في المكانِ الّذي يأْتي كتابُه، وهذا رسولُه وقد أمرَه أَلاّ يفارقَني حتّى أُنَفّذَ أَمْرَه.

فنظرَ يزيد بنُ المهاجرِ الكنانيّ(٤) - وكانَ معَ الحسينِعليه‌السلام - إلى رسولِ ابن زيادٍ فعرفَه فقالَ له يزيدُ: ثَكلَتْكَ أُمُّكَ، ماذا جئتَ فيه؟ قالَ: أَطعتُ إِمامي ووفيتُ ببيعتي، فقالَ له ابنُ المهاجرِ: بل عصيتَ ربَّكَ وأطعتَ إِمامَكَ في هلاكِ نفسِكَ وكسبتَ العارَ والنّارَ، وبئسَ الإمامُ إِمامكَ، قالَ اللّهُ عزَّ من قائلٍ

__________________

(١) في هامش «ش»: ينظرونه.

(٢) في الصحاح - جعجع - ٣: ١١٩٦: كتب عبيدالله بن زياد الى عُمربن سعد: أن جعجع بحسين. قال الأصمعي: يعني احبسه، وقال ابن الاعرابي: يعني ضيّق عليه.

(٣) في « ش » و « م»: تتركه، وما في المتن من هامشهما.

(٤) في هامش « ش » و «م»: الكندي.

٨٣

 ( وَجَعَلنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُوْنَ إِلىَ النًارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصرُوْنَ ) (١) فإِمامُكَ منهم.

وأخذَهم الحرُّ بالنُّزولِ في ذلكَ المكانِ على غيرماءٍ ولا قريةٍ، فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : « دَعْنا - ويحك - ننزل في هذه القريةِ أوهذه - يعني نينَوَى والغاضِريّةَ - أو هذه - يعني شِفْنَةَ(٢) - » قالَ: لا واللّهِ ما أستطيعُ ذلكَ، هذا رجل قد بُعِثَ اليّ عيناً عليّ، فقالَ له زُهَيرُ بنُ القَيْنِ: إِنِّي واللّهِ ما أراه يكونُ بعدَ هذا الّذي تَرَوْنَ إِلا أَشدَّ ممّا تَرَوْنَ، يا ابنَ رسولِ اللّهِ، إِنّ قتالَ هؤلاءِ السّاعةَ أهونُ علينا من قتالِ من يأْتينا بعدَهم، فلعَمْري لَيَاْتيَنا بعدَهم ما لا قِبلَ لنا به، فقالَ الحسينعليه‌السلام : «ما كنتُ لأَبدأهم بالقتالِ » ثمّ نزل ؛ وذلكَ يومَ الخميسِ وهو اليوم(٣) الثّاني منَ المحرّمِ سنةَ إِحدى وستَينَ.

فلمّا كانَ منَ الغدِ قدمَ عليهم عُمَرُبنُ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ منَ الكوفةِ في أربعةِ آلافِ فارسٍ، فنزلَ بنينوى وبعثَ إِلى الحسينِعليه‌السلام ( عُروةَ بنَ قَيْسٍ )(٤) الأحمسيّ فقالَ له: ائتِهِ فسَلْه ما الّذي جاءَ بكَ؟ وماذا تريدُ؟

وكانَ عُروةُ ممّن كتبَ إلى الحسينِعليه‌السلام فاستحيا منه أن ياْتيَه، فعرضَ ذلكَ على الرؤَساءِ الّذينَ كاتبوه، فكلّهم

__________________

(١) القصص ٢٨: ٤١.

(٢) في هامش « ش » و «م»: شفَيّنة، شُفيّة. وكأنها شفاثا. في هامش «م» نسخة اُخرى:

(٣) في« م» و « ش»: يوم، وما في المتن من «ح » وهامش « ش».

(٤) انظر ص ٣٨ هامش (١) من هذا الكتاب.

٨٤

أبى ذلكَ وكرِهَه، فقامَ إِليه كَثيرُبنُ عبدِاللهِّ الشَّعْبِيّ وكانَ فارساً شُجاعاً لا يَرُدُّ وجهَه لشيءٌ فقالَ: أنا أذهبُ إِليه، وواللّهِ لئن شئتَ لأفْتكنَّ به ؛ فقالَ له عُمَرُ: ما أُريدُ أن تَفتكَ به، ولكنِ ائتِه فسَلْه ما الّذي جاءَ بك؟

فاقبلَ كثيرٌ إِليه، فلمّا رآه أبو ثمامةَ الصّائديُّ قالَ للحسينِعليه‌السلام : أصلَحَكَ اللهّ يا أَبا عبدِاللهِّ، قد جاءَكَ شرُّ أهلِ الأرضِ، وأجرؤهم على دم، وأفتكُهم(١) . وقامَ إِليه فقالَ له: ضَعْ سيفَكَ، قالَ: لا ولا كرامة، إِنّما أنا رسولٌ، فإِن سمعتم منِّي بلّغتُكم ما أرْسِلْتُ به إِليكم، وان أبَيتم انصرفتُ عنكم، قالَ: فإِنِّي آخذُ بقائِمِ سيفِكَ، ثمّ تكلّم بحاجتِكَ، قالَ: لا واللهِّ لا تمسَّه، فقالَ له: أخبرْني بما جئتَ به وأَنا أُبلِّغهُ عنكَ، ولا أدعُكَ تدنو منه فإِنّكَ فاجرٌ ؛ فاستَبّا وانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأخبرَه الخبرَ.

فدعا عمرُقُرّةَ بنَ قيسٍ الحنظليّ فقالَ له: ويحَكَ يا قُرّةُ، القَ حسيناً فسَلْه ما جاءَ به وماذا يريد؟ فأتاه قُرّةُ فلمّا رآه الحسينُ مقبلاً قالَ: «أتعرفونَ هذا؟» فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرِ: نعم، هذا رجلٌ من حنظلةِ تميم، وهو ابنُ أُختِنا، وقد كنتُ أعرَفه بحسنِ الرٌأي، وما كنتُ أراه يشهَدُ هذا المشهدَ. فجاءَ حتّى سلَّمَ على الحسينِعليه‌السلام وأبلغَه رسالةَ عمرِ بنِ سعدٍ إِليه، فقالَ له الحسينُ: «كَتبَ إِليَّ أهلُ مِصْرِكم هذا أن اقدم، فأمّا إِذ كرهتموني فأنا أنصرفُ عنكم » ثمّ قالَ حبيبُ بنُ مُظاهِر: ويحَكَ يا قُرّةً أينَ ترجعُ؟! إلى القوم الظّالمينَ؟! انْصُرْ هذا الرّجلَ الّذي بآبائه أيّدَكَ اللّهُ بالكرامةِ، فقالَ له قُرّةُ: أَرجعُ إِلى صاحبي

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: وأجرأُه على دم وأفتكه.

٨٥

بجواب رسالتِه، وأرى رأيي. قالَ: فانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأَخبرَه الخبرَ؛ فَقالَ عمرُ: أرجو أن يعافيَني اللهُ من حربه وقتالِه ؛ وكتبَ إِلى عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ:

بسم اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمَ، أمّا بعدُ: فإِنِّي حينَ نزلتُ بالحسينِ بعثتُ إِليه رسلي، فسألتُه عمّا اقْدَمَه، وماذا يطلبُ؟ فقالَ: كتبَ إِليَّ أَهْلُ هذه البلادِ، واتتْني رُسُلُهم يسألونَني القدومَ ففعلتُ، فأمّا إِذ كرهوني وبدا لهم غيرُما أتَتْني به رُسُلُهم، فأَنا منصرفٌ عنهم.

قالَ حسّانُ بنُ قائدٍ العَبْسيّ: وكنتُ عندَ عُبيدِاللهِّ حينَ أَتاه هذا الكتابُ، فلمّا قرأه قالَ:

ألآنَ إِذْ عَلِقَتْ مَخَالبنَا بِهِ

يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ

 وكتبَ إِلى عمربن سعدٍ:

أمّا بعدُ: فقد بلغَني كتابُكَ وفهمتُ ما ذكرتَ، فاعرِضْ على الحسينِ أَن يُبايعَ ليزيدَ هو وجميعُ أصحابه، فإِذا فعلَ هو ذلكَ رأينا رأيَنا، والسّلامُ.

فلمّا وردَ الجوابُ على عمر بن سعدٍ قالَ: قد خشيتُ ألاّ يَقبلَ ابنُ زيادٍ العافيةَ.

ووردَ كتابُ ابنِ زيادٍ في الأثرِ إلى عمر بن سعدٍ: أن حُلْ بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ فلا يَذوقوا منه قطرةً، كما صُنعَ بالتّقيِّ الزّكيِّ عُثمان بن عفَّان. فبعثَ عمرُبنُ سعدٍ في الوقتِ عَمْرَو بنَ الحجّاجِ في خمسمائةِ فارس، فنزلوا على الشّريعةِ وحالوا بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ أن يَستَقُوا منه قطرةً، وذلكَ قبلَ قتل الحسين بثلاثةِ

٨٦

أيّامٍ، ونادى عبدُاللّه بن الحُصين(١) الأزديّ - وكانَ عِدادُه في بَجيلةً - بأعلى صوته: يا حسينُ، ألا تنظرُإِلى الماءِ كأنّه كَبدُ السّماءِ، واللّهِ لا تَذُوقونَ منه قطرةً واحدةً حتّى تموتوا عطشاً؛ فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «اللّهمَّ اقْتًلْهُ عَطَشاً ولا تَغْفِرْله أبداً».

قالَ حميدُ بنُ مسلمٍ: واللّهِ لَعُدْتُه بعدَ ذلكَ في مرضِه، فواللّهِ الّذي لا إِلهَ غيرُه، لقد رأيتُه يَشرَبُ الماءَ حتّى يَبغَرَ(٢) ثمّ يقيئه، ويصيحُ: العطشَ العطش، ثمّ يعودُ فيشرَبُ الماءَ حتّى يَبْغَرَثم يقيئه ويتلَظّى عَطَشاً، فما زالَ ذلكَ دأبه حتّى (لَفَظَ نفسَه )(٣) .

ولمّا رأى الحسينُ نزولَ العساكرِ مع عمرِ بن سعدٍ بنينوى ومدَدَهم لقتالِه أنفذَ إِلى عمر بن سعدٍ: «انِّي أُريدُ أن ألقاكَ(٤) » فاجتمعا ليلاً فتناجيا طويلاً، ثمّ رجعَ عمرُ بنُ سعدٍ إِلى مكانِه وكتبَ إِلى عُبيَدِاللهِّ بن زيادٍ:

أمّا بعدُ: فإِنّ اللّهَ قد أطْفأ النّائرةَ وجَمَعَ الكلمةَ وأَصَلحَ أَمرَ الأمّةِ، هذا حسينٌ قد أَعطاني أن يرجِعَ إِلى المكانِ الّذي أتى منه أو أن يسيرَ إِلى ثَغرٍ منَ الثُّغورِ فَيكونَ رجلاًَ منَ المسلمينَ، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أَن يأَتيَ أميرَ المؤمنينَ يزيدَ فيضعَ يدَه في يدِه، فيرى فيما بينَه وبينَه رأيَه، وفي هذا[لكم](٥) رضىً وللأمّةِ صلاحٌ.

__________________

(١) في «م» وهامش « ش »: حِصْن.

(٢) بغر: كثر شربه للماء، انظر «العين - بغر - ٤: ٤١٥».

(٣) في هامش « ش »: مات.

(٤) في هامش « ش » بعده اضافة: واجتمع معك.

(٥) ما بين المعقوفين اثبتناه من تأريخ الطبري ٥: ٤١٤، والكامل لابن الأثير ٤: ٥٥

٨٧

فلمّا قرأ عُبيدُاللّهِ الكتابَ قالَ: هذا كتابُ ناصحٍ مشفق على قومِه. فقامَ إِليه شِمْرُ بنُ ذي الجَوْشنِ فقالَ: أتَقبلُ هذا منه وقد نزلَ بأرًضِكَ والى جنبكَ؟ واللّهِ لئن رحلَ من بلادِكَ ولم يَضَعْ يدَه في يدِكَ، لَيكونَنَّ أولى بالقَوّةِ ولتكونَنَّ أولى بالضَّعفِ والعجز، فلا تُعْطِه هذه المنزلةَ فإِنّها منَ الوَهْنِ، ولكن لِينَزِلْ على حُكمِكَ هو وأصحابُه، فان عاقبْتَ فأنت (أَولى بالعقوبةِ )(١) وإن عفَوْتَ كانَ ذلكَ لك.

قالَ له ابنُ زيادٍ: نِعْمَ ما رأيتَ، الرأيُ رأيُك، اخْرجُ، بهذا الكتاب إِلى عُمَر بن سعدٍ فلْيَعْرِضْ على الحسينِ وأصحابه النًّزولَ على حُكْمِي، فإِن فَعَلوا فليَبْعَثْ بهم إِليّ سِلماً، وأن هم أًبَوْا فليقاتلْهم، فإِن فَعَلَ فاسمعْ له وأطِعْ، واِن أبى أن يقاتِلَهم فأنتً أَميرُ الجيشِ، واضرِبْ عُنقَه وابعثْ إِليَّ برأسِه.

وكتبَ إِلى عمر بن سعدٍ:انِّي لم أبعثْكَ إِلى الحسينِ لتكفَّ عنه ولا لتُطاوِلَه ولا لتمنّيَه السّلامةَ والبقاءَ ولا لتَعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعاً، انظرْ فإِن نزلَ حسينٌ وأصحابُه على حكمي واستسلموا فابعثْ بهم إِليَّ سِلْماً، وِان أبوْا فازحَفْ إِليهم حتّى تقتُلَهم وتُمثِّلَ بهم، فإِنّهم لذلكَ مستحقُّونَ، وِان قُتِلَ الحسينُ فأوْطئ الخيلَ صدرَه وظهرَه، فإِنّه عاتٍ ظلومٌ، وليس أَرى أنّ هذا يَضُرُّ بعدَ الموتِ شيئاً، ولكنْ عليّ قولٌ قد قلتُه: لوقتلتُه لفعلتُ هذا به، فإِن أنتَ مضيتَ لأَمرِنا فيه جزَيْناكَ جزاءَ السّامعِ المطيعِ، وإن أبيتَ فاعتزلْ عَمَلَنا وجُنْدَنا، وخلِّ

__________________

والنسخ خالية منه.

(١) في هامش «ش»: وليّ العقوبة.

٨٨

بينَ شمرِ بنِ ذي الجوشنِ وبينَ العسكرِ فإِنّا قد أمرناه بأمرنا، والسّلام.

فأقبلَ شمرٌ بكتاب عًبيدِاللّهِ إِلى عمربن سعدٍ، فلمّا قدمَ عليه وقرأَه قالَ له عمرُ: ما لَكَ ويْلَكَ؟! لا قَرَّبَ اللّهُ دارَكَ، قَبَّح اللهُ ما قَدِمْتَ به عليّ، واللّهِ إِنِّي لاظنُّكَ أنّكَ نهيتَه(١) أن يَقْبَلَ ما كتبتُ به إِليه، وأفسدتَ علينا أمْرنَا، قد كنّا رَجَوْنا أن يصلحَ، لا يستسلمُ واللّهِ حسينٌ، إِنَّ نفسَ أبيه لبَيْنَ جنبَيْه. فقالَ له شمرٌ: أخبِرني ما أَنتَ صانعٌ، أتمضِي لأَمرِ أميرِكَ وتقاتلُ عدوٌه؟ ِوألاّ فخلِّ بيني وبينَ الجندِ والعسكر؛ قالَ: لا، لا واللّهِ ولاكَرامةَ لكَ، ولكنْ أنا أتولىّ ذلكَ، فدونَكَ فكُنْ أنتَ على الرَّجّالةِ. ونهضَ عمرُبنُ سعدٍ إِلى الحسينِ عشيّةَ الخميسِ لتسعٍ مضَيْنَ منَ المحرّمِ.

وجاءَ شِمرٌ حتّى وقفَ على أصحاب الحسينِعليه‌السلام فقالَ: أينَ بَنُو أُختِنا؟ فخرجَ إِليه العبّاسُ وجَعْفَرٌ(٢) وعثمانُ بنوعليِّ بنِ أبي طالب عليه وعليهم السّلامُ فقالوا: ماتريدً؟ فقلَ: أنتم يابني أُختي امِنونَ ؛ فقالتْ له الفِتْيةُ: لَعَنَكَ اللهّ ولَعَنَ أمانَكَ، أتؤمِنُنَا(٣) وابنُ رسولِ اللّهِ لا أمانَ له؟!

ثمّ نادى عمرُ بنُ سعدٍ: يا خيلَ اللّهِ اركبي وأبشري، فركِبَ النّاس ثمّ زحفَ نحوَهمِ بعد العصرِ، وحسينٌعليه‌السلام جالسٌ أمامَ بيتِه مُحتب بسيفِه، إِذ خفقَ برأسِه على ركبتَيْه، وسمعَتْ أُختُه

__________________

(١) في هامش «ش»، و « م»: ثنيته.

(٢) في هامش «ش»: وعبدالله، وفوقه مكتوب: لم يكن في نسخة الشيخ.

(٣) في «م» وهامش «ش»: تؤمنَنا.

٨٩

الصّيحةَ(١) فدنَتْ من أَخيها فقالت: يا أخي أما تسمعُ الأصواتَ قدِ اقتربتْ؟ فرفعَ الحسينُعليه‌السلام رأسَه فقالَ: «إِنِّي رأيتُ رسولَ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله السّاعةَ في المنام(٢) فقالَ لي: إِنّكَ تَرُوحً إِلينا» فلطمتْ أُختُه وجهَها ونادتْ بالويلِ، فقَالَ لها: «ليسَ لكِ الويلُ يا أُخيَّةُ، اسكتي رحمَكِ اللّهُ » وقالَ له العبّاسُ بنُ عليٍّ رحمةُ اللّهِ عليه: يا أخي أتاكَ القومُ، فنهضَ ثمّ قالَ: «يا عبّاسُ، اركَبْ - بنفسي أنتَ يا أخي - حتّى تَلْقاهم وتقولَ لهم: ما لكم وما بَدا لكم؟ وتسألَهم عمّا جاءَ بهم ».

فأتاهم العبّاسُ في نحوٍ من عشرينَ فارساً، منهم(٣) زُهَيرُ بن القَيْنِ وحبيبُ بنُ مظاهِرٍ، فقالَ لهم العبّاسُ: ما بدا لكم وما تريدونَ؟ قالوا: جاءَ أًمرُ الأميرِأَن نَعْرضَ عليكم أن تنزلوا على حكمِه أَو نناجِزَكم ؛ قالَ: فلا تعجلوا حتّىَ أَرجعَ إِلى أبي عبدِاللهِّ فأعرِضَ عليه ما ذكرتم، فوقفوا وقالوا: الْقَه فأعْلِمْه، ثمّ الْقَنا بما يقولُ لكَ. فانصرفَ العباسُ راجعاً يركضُ إِلى الحسينِعليه‌السلام يخبرُه الخبرَ، ووقفَ أَصحابُه يخاطِبونَ القومَ ويَعِظُونَهم ويكفّونَهم عن قتاَلِ الحسينِ.

فجاءَ العبّاسُ إِلى الحسينِعليه‌السلام فأخبرَه بما قالَ القومُ، فقالَ: «ارجعْ إِليهم فإِنِ استطعتَ أَن تُؤَخِّرَهم إِلى الغُدْوَةِ(٤) وتَدْفَعَهم

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: الضجّة.

(٢) في «م» وهامثر «ش»: منامي.

(٣) في «م» وهامش «ش»: فيهم.

(٤) في «م» وهامش « ش »: غدوة.

٩٠

عنّا العشيّةَ، لعلّنا نصلِّي لربِّنا الليلةَ وندعوه ونستغفرُه، فهو يَعلمُ أَنَي قد أُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِه والدُّعاءَ والاستغفارَ».

فمضى العبّاسُ إِلى القوم ورجعَ من عندِهم ومعَه رسولٌ من قبَل عمر بن سعدٍ يقول: إِنّا قد أجَّلناكم إِلى غدٍ، فإِنِ استسلمتم سرَّحْناكم إلى أميرِنا عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ، وإِن أَبيتم فلسنا تاركيكم، وانصرفَ.

فجمعَ الحسينعليه‌السلام أَصحابَه عندَ قربِ المساءِ. قالَ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَعليه‌السلام : «فدنوتُ منه لأَسْمَعَ ما يقولُ لهم، وأَنا إِذ ذاك مريضٌ، فسمعتُ أَبي يقولُ لأصحابِه: أُثني على اللهِّ أَحسنَ الثّناءِ، وأَحمده على السّرّاءِ والضّرّاءِ، اللّهمَّ إِنِّي أحْمَدُكَ على أن أكرمْتَنا بالنُّبُوّةِ وعَلّمتنَا القرآنَ وفَقَّهْتَنَا في الدِّينِ، وجعلت لنا أسماعاً وأَبصاراً وأَفئدةً، فاجعلْنا منَ الشّاكرينَ.

أَمّا بعدُ: فإِنِّي لا أَعلمُ أَصحاباً أَوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أَهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أوصلَ من أَهلِ بيتي فجزاكم اللّهُ عنَي خيراً، أَلا وإِنَي لأَظنَّ أَنّه اخرُ(١) يومٍ لنا من هؤلاءِ، أَلا وإِنّي قد أَذنت لكم فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منِّي ذِمامٌ، هذا الليلُ قد غشِيَكم فاتّخِذوه جَملاً.

فقالَ له إِخوتُه وابناؤه وبنوأخيه وابنا عبدِاللهِّ بنِ جعفرٍ: لِمَ نفعلُ ذلكَ؟! لنبقى بعدَكَ؟! لا أَرانا اللهُّ ذلكَ أبداً. بدأهم بهذا القولِ العبّاس بنُ عليٍّ رضوانُ اللهِّ عليه واتّبعتْه الجماعةُ عليه فتكلّموا بمثله ونحوِه.

__________________

(١) في «ش» و «م»: لأَظن يوماً. وما اثبتناه من «ح ».

٩١

فقالَ الحسينُعليه‌السلام : يا بني عقيلٍ، حَسْبُكم منَ القتلِ بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد اذِنْتُ لكم. قالوا: سبحانَ اللهِ، فما يقولُ النّاسُ؟! يقولونَ إِنّا تركْنا شيخَنا وسيِّدَنا وبني عمومتنا - خيرِ الأعمامِ - ولم نرْمِ معَهم بسهِمٍ، ولم نطعنْ معَهم برُمحٍ، ولم نضْرِبْ معَهم بسيفٍ، ولا ندري ما صنعوا، لا واللّهِ ما نفعلُ ذلكَ، ولكنْ ( تَفْدِيكَ أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا )(١) ، ونقاتل معَكَ حتّى نَرِدَ موردَكَ، فقَبحَ الله العيشَ بعدَكَ.

وقامَ إِليه مسلمُ بنُ عَوْسَجةَ فقالَ: أنُخلِّي(٢) عنكَ ولمّا نُعذِرْإِلى اللهِ سبحانَه في أداءِ حقِّكَ؟! أما واللهِّ حتّى أطعنَ في صُدورِهم برمحي، وأضربَهم بسيفي ما ثبتَ قائمهُ في يدي، ولو لم يكنْ معي سلاحٌ أُقاتلُهم به لقَذَفْتهم بالحجارةِ، واللهِّ لا نُخلِّيكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنْ قد حَفِظْنا غيبةَ رسولِ اللّهِ(٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكَ، واللّهِ لوعلمتُ أنِّي أُقْتَلُ ثمّ أحيا ثم أُحرقُ ثم أحيا ثم أُذَرَّى، يُفعَلُ ذلكَ بي سبعينَ مرة ما فارقتُكَ حتّى ألقى حِمامي دونَكَ، فكيفَ لا أفعلُ ذلكَ ِوانّما هي قَتْلةٌ واحدةُ ثمّ هي الكَرامةُ الّتي لا انْقِضاءَ لها أبداً.

وقامَ زُهَيرُ بنُ القَيْن البجليّ - رحمةُ اللهِّ عليهِ - فقالَ: واللهِ لوَددْتُ أنِّي قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ ثمّ قُتِلْت حتّى أًقتلَ هكذا ألفَ مرّةٍ، وأَنّ الله تعالى يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِكَ، وعن أنفُسِ هؤلاء الفِتْيانِ من أهل بيتِكَ.

__________________

(١) كذا في «م» وهامش «ش»، وفي «ش»:(نُفدّيك أنفسنا وأموالنا وأهلينا).

(٢) في «م» وهامش «ش»: أنحن نخلي.

(٣) في هامش «ش»: رسوله.

٩٢

وتكلّمَ جماعةُ أصحابه(١) بكلام يُشبهُ بَعضُه بعضاً في وجهٍ واحدٍ، فجزّاهم الحسينُعليه‌السلام خيراً وَانصرفَ إلى مضِربه(٢) ».

قالَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : «اِنيّ لَجالسٌ في تلكَ العشيّةِ الّتي قُتِلَ أبي في صبيحتِها، وعندي عمّتي زينبُ تمرّضني، إِذِ اعتزلَ أبي في خباءٍ له وعندَه جُويْنٌ مولى أبي ذرٍّ الغفار وهويُعالجُ سيفَه ويُصلِحُه وأبي يقولُ:

يَادَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ

كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصِيْلِ

مِنْ صَاحِبٍ أوْ طَالِبِ قَتِيْلِ

وَالدَّهْرُ لا يَقْنَعُ بالْبَدِيْل

وانَّمَا الأمْرُ إِلى الجَلِيْلِ

وَكلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيْلِيْ

 فأعادَها مرّتينِ أو ثلاثاً حتّى فهِمْتُها وعَرفْتُ ما أرادَ، فخنقَتْني العَبْرةُ فردَدْتُها ولزمتُ السُّكوتَ، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزلَ، وأمّا عمّتي فإنهّا سَمِعَتْ ماسَمِعْتُ وهيَ امرأةٌ ومن شاْنِ النساءِ الرّقّةُ والجَزعُ، فلم تَملِكْ نفسَها أنْ وَثَبَتْ تجرُّثوبَها(٣) وأنّها لَحاسرة، حتّى انتهتْ إِليه فقالتْ: وا ثكْلاه! ليتَ الموتَ أعدمَني الحياةَ، اليومَ ماتْتْ أُمِّي فاطمةُ وأبي عليّ وأخي الحسنُ، يا خليفةَ الماضِي وثِمالَ الباقي. فنظرَ إِليها الحسينُعليه‌السلام فقالَ لها: يا أُخيَّةُ لا يذْهِبَنَ حلمَكِ الشّيطانُ، وتَرَقْرَقَتْ عيناه بالدُموعِ وقالَ: لو تُرِكَ القَطَا لَنامَ(٤) ؛ فقالتْ: يا ويلتاه!

__________________

(١) في هامش «ش»: من أصحابه.

(٢) المضرب: الفسطاط أو الخيمة «القاموس المحيط - ضرب ١: ٩٥».

(٣) في «م» وهامش «ش»: ذيولها.

(٤) يضرب مثلاًَ للرجل يُستثار فيُظْلَم. انُظر جمهرة الامثال للعسكري ٢: ١٩٤ / ١٥١٨.

٩٣

أفتُغتصبُ نفسُكَ اغتصاباً؟! فذاكَ أقْرَحُ لِقَلبي وأشدَّ على نفسي. ثمّ لطمتْ وجهَها وهَوَتْ إلى جيبِها فشقّتْه وخرتْ مغشيّاً عليها.

فقامَ إِليها الحسينُعليه‌السلام فصبّ على وجهها الماءَ وقالَ لها: يا أُختاه! اتّقي اللهَّ وتعَزَيْ بعزاءِ اللّهِ، واعْلمي أنّ أهَلَ الأرضِ يموتونَ وأهلَ السّماءِ لا يَبْقَوْنَ، وأنَّ كلَّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجهَ اللهِّ الّذي خلقَ ألخلقَ بقدرتهِ، ويبعثُ الخلقَ ويعودونَ، وهو فردٌ وحدَه، أبي خيرٌ منِّي، وأُمِّي خيرٌ منِّي، وأخي خيرٌ منِّي، ولي ولكلِّ مسلمٍ برسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسوةٌ. فعزّاها بهذا ونحوِه وقالَ لها: يا أُخيّةُ إِنِّي أقسمتُ فأبِرِّي قَسَمي، لا تَشُقِّي عليَّ جيبأً، ولا تَخْمشي(١) عليَّ وجهاً، ولا تَدْعِي عليٌ بالويلِ والثّبورِ إِذا أنا هلكتُ. ثمّ جاءَ بها حتّى أجلسَها عنديّ.

ثمّ خرجَ إِلى أصحابه فأمرَهم أَن يُقَرِّبَ بعضُهم بيوتَهم من بعضٍ، وأن يُدخِلوا الأطنابَ بعضها في بعضٍ، وأن يكونوا بينَ البيوتِ، فيستقبلونَ القومَ من وجهٍ واحدٍ والبيوتُ من ورائهم وعن أيْمانِهم وعن شمائِلهم قد حَفّتْ بهم إلاّ الوجهَ الّذي يأْتيهم منه عدوُّهم.

ورجعَعليه‌السلام إِلى مكانِه فقامَ الليلَ كلَّه يُصلّي ويستغفرُ ويدعو ويتضرّعُ، وقامَ أصحابُه كذلكَ يُصَلًّونَ ويدعونَ ويستغفرونَ »(٢) .

__________________

(١) خمش وجهه: خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه. «القاموس - خمش - ٢: ٢٧٣».

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٤٢٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥: ١، ٢.

٩٤

قالَ الضحّاكُ بنُ عبدِاللهِّ: ومرَّ بنا خيلٌ لابنِ سعدٍ يحرسُنا، وِانَّ حسيناً لَيقرأ:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا أنَّمَا نُمْليْ لَهُمْ خَيْرٌ لانفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْليْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوْا إِثْمَاً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِين * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِيْن عَلَى مَا أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّب ) (١) فسمعَها من تلكَ الخيلِ رجلٌ يُقالُ له عبداللهّ بن سُميرٍ(٢) ، وكانَ مَضحاكاً وكانَ شجاعاً بطلاًَ فارساً فاتكاً شريفاً فقالَ: نحن وربِّ الكعبةِ الطّيِّبونَ، مُيِّزْنا منكم. فقالَ له بَرِيرُ بنُ خُضيرٍ: يا فاسقُ أَنتَ يجعلُكَ اللهُّ منَ الطّيِّبينَ؟! فقالَ له: من أنتَ ويلَكَ؟ قال: أنا بَرِيرُ بنُ خُضَيْرِ، فتسابّا(٣) .

وأصبحَ الحسيُن بنُ عليّعليهما‌السلام فعبّأَ أصحابَه بعدَ صلاةِ الغداةِ، وكانَ معَه اثنان وثلاثونَ فارساً واربعونَ راجلاًَ، فجعلَ زُهيرَ بنَ القينِ في مَيْمَنةِ أصحابِه، وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في مَيْسَرةِ أصحابه، وأعطى رايتَه العبّاسَ أخاه، وجعلوا البيوتَ في ظهورِهم، وأمرَ بحَطًبِ وقَصَبٍ كانَ من وراءِ البيوتِ أَن يُتركَ في خَنْدَقٍ كانَ قد حُفِرَ هناكَ وَأن يُحرَقَ بالنّارِ، مخافةَ أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبحَ عمرُ بنُ سعدٍ في ذلكَ اليوم وهو يومُ الجمعةِ وقيلَ يومُ السّبتِ، فعبّأ أصحابَه وخرجَ فيمن معَه منً النّاسِ نحوَ الحسينِعليه‌السلام وكانَ على مَيْمَنَتهِ عَمرُو بنُ الحجّاجِ، وعلى مَيْسَرتَه شِمرُ بنُ ذي الجوشنِ، وعلى الخيلِ عُروةُ بنُ قَيْسٍ، وعلى الرّجّالةِ شَبَثُ بنُ رِبعيّ،

__________________

(١) ال عمران ٣: ١٧٨ - ١٧٩.

(٢) في «م» وهامش «ش»: سميرة.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٤٢١، مفصلاً نحوه، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥: ٣.

٩٥

واعطى الرّايةَ دُرَيداً(١) مولاه.

فروِيَ عن عَليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدينَعليه‌السلام أنّه قالَ: «لمّا صبّحتِ الخيلُ الحسينَ رَفَعَ يديه وقالَ: اللّهَمّ أنتَ ثِقَتي في كلِّ كَرْبِ، ورجائي في كلِّ شدّةٍ(٢) وأنتَ لي في كلِّ أمر نزلَ بي ثقةٌ وعُدَّة، كمَ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فيه الفؤادُ، وتَقِلُّ فيه الحيلةُ، ويخذُلُ فيه الصّديقُ، ويَشمَتُ فيه العدوُّ، أنزلتُه بكَ وشكوتُه إِليكَ رغبةً منِّي إِليكَ عمَّن سواكَ، ففرَّجْتَه وكشفْتَه، وأنتَ وليُّ كلِّ نعمةٍ، وصاحبُ كلِّ حسنةٍ، ومُنتهَى كلِّ رغبةٍ»(٣) .

قالَ: وأقبلَ القومُ يَجولونَ حولَ بيوتِ الحسينِعليه‌السلام فيَروْنَ الخندقَ في ظهورِهم والنّار تَضْطَرِمُ في الحَطَب والقَصب الّذي كانَ أُلقِيَ فيه، فنادى شمرُ بنُ ذي الجوشنِ عليه الَلعنةُ بأعلَى صوته: يا حسينُ أتعجّلتَ النّارَ قبلَ يوم القيامةِ؟ فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «مَنْ هذا؟ كأنّه شمرُ بنُ ذي الجَوشنِ » فقالوا له: نعم، فقالَ له: «يا ابنَ راعيةِ المِعْزَى، أنتَ أولى بها صلِيّاً».

ورَامَ مسلمُ بنُ عَوسَجَةَ أنِ يرميَه بسهمٍ فمنعَه الحسينُ من ذلكَ، فقالَ له: دعْني حتّى أرميَه فإنّ الفاسقَ من عظماءِ الجبّارينَ، وقد أمكنَ اللّهُ منه. فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «لا تَرْمِه، فإِنِّي أكرهُ أن أبدأهم ».

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»نسختان: ١ / دُوَيداً، ٢ / ذوَيداً. وكذا في المصادر.

(٢) في هامش «ش»: شديدة.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٤٢٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥: ٤.

٩٦

ثمّ دعا الحسينُ براحلتهِ فركبَها ونادى بأَعلى صوته: «يا أهلَ ألعراقِ » - وجُلّهم يسمعونَ - فقالَ: «أَيًّها النّاسُ اسمعَوا قَوْلي ولا تَعجَلوا حتّى أَعِظَكم بما يَحقُّ لكم عليّ وحتّى أعْذِرَ إِليكم، فإِن أعطيتموني النّصفَ كنتم بذلكَ أسعدَ، وان لم تُعْطُوني النّصفَ من أنفسِكم فأجمعوا رأيَكم ثمّ لا يَكنْ أمرُكم عليكم غُمّةً ثمّ اقضوا إِليَّ ولا تنظِرونَ، إِنَّ وَلِيّي اللّهُ الّذي نزّلَ الكتابَ وهو يتولّى الصّالحينَ ». ثم حَمدَ اللّهَ وأثنى عليه وذَكَرَ اللهَّ بما هو أهلُه، وصَلّى على النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ملائكةِ اللّهِ وأَنبيائه، فلم يُسْمَعْ متكلِّمٌ قطُّ قبلَه ولا بعدَه أبلغ في منطقٍ منه، ثمّ قالَ:

«أمّا بعدُ: فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجِعوا إِلى أنفسِكم وعاتِبوها، فانظروا هل يَصلُح لكم قتلي وانتهاكُ حرمتي؟ ألست ابنَ بنتِ نبيِّكم، وابنَ وصيِّه وابن عمِّه وأَوّل المؤمنينَ المصدِّقِ لرسولِ اللّهِ بما جاءَ به من عندِ ربِّه، أَوَليسَ حمزةً سيدُ الشُهداءِ عمِّي، أَوَليسَ جعفر الطّيّارُ في الجنّةِ بجناحَيْنِ عَمِّي، أوَلم يَبْلُغْكم(١) ما قالَ رسولُ اللهِ لي ولأخي: هذان سيِّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ؟! فان صدَّقتموني بما أقولُ وهو الحقُّ، واللّهِ ما تعمّدْتُ كذِباً منذُ عَلِمْتُ أنّ اللهَّ يمقُتُ عليه أهلَهُ، وإِن كذّبتموني فإِنّ فيكم (مَنْ لو )(٢) سأَلتموه عن ذلكَ أخْبَركم، سَلوُا جابرَ بنَ عبدِاللّهِ الأَنصاريّ وأبا سعيدٍ الخُدْريّ وسَهْلَ بن سعدٍ الساعديّ وزيدَ بنَ أرقَمَ وأنسَ بنَ مالكٍ، يُخْبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالةَ من رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله لي

__________________

(١) في هامش «ش» اوما بلغكم.

(٢) في «م» وهامش «ش»: مَن إن.

٩٧

ولأخي، أمَا في هذا ( حاجز لكم )(١) عن سَفْكِ دمي؟! ».

فقالَ له شمرُ بنُ ذي الجوشن: هو يَعْبدُ اللّهَ على حَرْفٍ إِن كانَ يدري (ما تقولُ )(٢) فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ: واللّهِ إِنِّي لأراكَ تَعْبُدُ اللّهَ على سبعينَ حرفاً، وأنا أشهدُ أنّكَ صادقٌ ما تدري ما يقول، قد طبَعَ اللّهُ على قلبِكَ.

ثمّ قالَ لهم الحسينُعليه‌السلام : «فإِن كنتم في شكٍّ من هدْا، أفتشكّونَ أَنِّي ابن بنتِ نبيِّكمْ! فواللّهِ ما بينَ المشرقِ والمغرب ابن بنتِ نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيرِكم، ويحكم أتَطلبوني بقتيلِ منكم قَتلتُه، أومالٍ لكم استهلكتُه، أو بقِصاصِ جراحةٍ؟!» فأخَذوا لا يُكلِّمونَه، فنادى: «يا شَبَثَ بنَ ربْعيّ، يا حَجّارَ بنَ أَبجرَ، يا قيسَ بنَ الأشْعَثِ، يا يزيدَ بن الحارثِ، ألم تكتبوا إِليّ أنْ قد أيْنَعَتِ الثِّمارُ واخضَرَّ الجَنابُ، وانمّا تَقدمُ على جُندٍ لكَ مُجَنَّدٍ؟!» فقالَ له قيسُ بنُ الأَشعثِ: ما ندري ما تقولُ، ولكنِ انْزِلْ على حُكمِ بني عمِّكَ، فإِنّهم لن يُرُوْكَ إلا ما تُحِبُّ. فقالَ له الحسينُ «لا واللهِّ لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل، ولا أَفِرُّ فِرارَ العبيدِ(٣) ». ثمّ نادى: «يا عبادَ اللهِ، إِنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم أن ترجمون، أعوذُ بربِّي وربِّكم من كلِّ مُتكبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بيومِ الحسابِ ».

ثمّ إنّه أناخَ راحلتَه وأمرَ عُقبةَ بنَ سَمْعانَ فعقلَها، وأَقبلوا

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: حاجز يحجزكم.

(٢) هكذا في النسخ الخطية، لكن الصحيح: ما يقول، وهوموافق لنقل الطبري والكامل.

(٣) في «م»: العبد، وفي «ش»: مشوشة، وهي تحتمل الوجهين، وفي نسخة العلامة المجلسي: العبيد.

٩٨

يزحفونَ نحوَه، فلمّا رأى الحرُّ بنُ يزيدَ أَنّ القومَ قد صمَّمُوا على قتالِ الحسينِعليه‌السلام قالَ لعمر بن سعدٍ: أيْ عُمَر(١) ، أمُقاتِلٌ أنتَ هذا الرّجلَ؟ قالَ: إِيْ واللّهِ قتالاً أيْسَرُه أَن تَسقطَ الرُّؤوسُ وتَطيحَ الأَيدي، قالَ: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قالَ عمر: أما لو كانَ الأمرُ إِليَّ لَفعلتُ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى.

فأقبلَ الحرُّحتّى وقفَ منَ النّاسِ موقفاً، ومعَه رجلٌ من قومِه يُقالُ له: قُرّةُ بنُ قَيْسٍ، فقالَ: يا قُرّةُ هل سقيتَ فرسَكَ اليومَ؟ قالَ: لا، قالَ: فما تُريدُ أن تَسقِيَه؟ قالَ قُرّةُ: فظننتُ واللّهِ أنّه يُريد أَن يَتنحّى فلا يشهدَ القتالَ، ويكرهُ(٢) أن أَراه حينَ يَصنعُ ذلكَ، فقلتُ له: لم أسقِه وأَنا منطلق فأسقيه، فاعتزلَ ذلكَ المكان الّذي كانَ فيه، فواللّهِ لوأَنّه أطْلَعَني على الّذي يُريدُ لخرجتُ معَه إِلى الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام ؛ فأخذَ يَدنو منَ الحسينِ قليلاً قليلاً، فقالَ له المهاجرُ بنُ أوسٍ: ما تُريدُ يا ابنَ يزيدَ، أتريدُ أن تَحملَ؟ فلم يُجبْه وأخَذَهُ مثلُ الأفْكَلِ - وهي الرِّعدةُ - فقالَ له المهاجرُ: إِنّ أمْرَكَ لَمُريبٌ، واللهِّ ما رأيتُ منكَ في موقفٍ قطُّ مثلَ هذا، ولو قيلَ لي: مَنْ أشجعُ أَهلِ الكوفِة ما عَدَوْتُكَ، فما هذا الّذي أرى منكَ؟! فقالَ له الحرُّ: إِنِّي واللّه أُخيِّرُ نفسي بينَ الجنَّةِ والنّارِ، فواللّهِ لا أختارُ على الجنّةِ شيئاً ولو قُطًّعْتُ وحُرِّقْت.

ثمّ ضربَ فرسَه فلحِقَ بالحسينِعليه‌السلام فقالَ له: جُعِلْتُ فِداكَ - يا ابنَ رسولِ اللهِّ - أَنا صاحبُكَ الّذي حبستُكَ عنِ

__________________

(١) في هامش «ش»: يا عمر.

(٢) في «م» وهامش «ش»: فَكَرِه.

٩٩

الرُّجوع، وسايرْتُكَ في الطَريقِ، وجَعْجَعْتُ بكَ في هذا المكانِ، وما ظننتُ انَّ القومَ يَرُدُّونَ عليكَ ماعَرَضْتَه عليهم، ولايَبلُغونَ منكَ هذه المنزلَة، واللهِّ لو علمتُ أنّهم يَنتهونَ بكَ إِلى ما أرى ما رَكِبْتُ منكَ الّذي رَكِبْتُ، وِانِّي تائبٌ إِلى اللهِ تعالى ممّا صنعتُ، فترى لي من ذلكَ توبةً؟ فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «نَعَمْ، يتوبُ اللّهُ عليكَ فانزِلْ » قالَ: فأنا لكَ فارساً خيرٌ منِّي راجلاً، أقُاتِلهُم على فرسي ساعةً، والى النُّزول ما يَصيرُ اخرُ أمري. فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «فاصنعْ - يَرحمَكَ اللهُّ - ما بدا لكَ ».

فاستقدمَ أمامَ الحسينِعليه‌السلام ثمّ أنشأ رجلٌ من أصحاب الحسينِعليه‌السلام يقولُ:

لَنِعْمََ الْحُرُّ حُرّ بَنِيْ رِيَاح

وَحُرّ عِنْد َمُخْتَلَفِ الرِّمَاحِ

وَنِعْمَ الْحُرُّ إِذْ نَادَى حُسَينٌ

وَجَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ

 ثمّ قالَ(١) : يا أهلَ الكوفةِ، لأمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ، أدَعَوْتُم هذا العبدَ الصّالحَ حتّى إِذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتُم أنّكم قاتلو أنفسِكم دونَه ثمّ عَدَوْتُم عليه لِتقتلوه، أمسكتم بنفسِه وأخذتم بكظمِه(٢) ، وأحَطْتم به من كلِّ جانبِ لتِمنعوه التّوجُّهَ في بلادِ اللّهِ العريضةِ، فصارَ كالأسير في أَيديكم لاَ يَملكُ لِنفسِه نفعاً ولا يَدفعُ عنها ضَرّاً(٣) ، وحَلأتمُوه(٤) ونساءه وصِبْيتَه وأهله عن ماءِ الفراتِ

__________________

(١) اي الحر عليه الرحمة.

(٢) يقال: اخذت بكظمه أي بمخرج نفسه «الصحاح - كظم - ٥: ٢٠٢٣».

(٣) في «م» وهامش «ش»: ضرراً.

(٤) حلأه عن الماء: طرده ولم يدعه يشرب «الصحاح - حلأ - ١:٤٥».

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

و في ( كامل الجزري ) : كان نصير أبو موسى بن نصير على حرس معاية فلّما صار معاية إلى صفّين لم يسر معه فقال له ما يمنعك من المسير معي و يدي عندك معروفة فقال لا أشكرك بكفر من هو أولى بالشّكر منك و هو اللَّه عزّ و جلّ فسكت عنه معاوية١ .

و في ( المروج ) انّ معاوية سأل صعصعة عن أهل الكوفة و أهل البصرة و أهل الحجاز و عن مضر و ربيعة ، فأجابه ثمّ أمسك معاوية فقال له سل و إلاّ أخبرتك بمما تحيد عنه قال و ما ذاك يا ابن صوحان ، قال أهل الشام ، قال فاخبرني عنهم قال أطوع النّاس لمخلوق و أعصاهم للخالق عصاة الجبّار و خلفة الأشرار فعليهم الدّمار و لهم سوء الدّار ، الخ و فيه انّه أجابه عن أهل الحجاز بأنّهم أسرع النّاس الى فتنة و أضعفهم عنها غير انّ لهم ثباتا في الدّين و تمسّكا بعروة اليقين يتّبعون الأئمة الأبرار و يخلعون الفسقة الفجّار فقال معاوية من البررة و الفسقة ؟ فقال يا ابن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع عليّ و أصحابه من الأبرار و أنت و أصحابك من أولئك فقال له معاوية و اللَّه يا ابن صوحان انّك لحامل مديتك منذ أزمان إلاّ انّ حلم ابن أبي سفيان يردّ عنك٢ .

و فيه : أنّ عليّا عليه السّلام لمّا شايع أبا ذرّ و زجر مروان لمّا كفّه و قد كان عثمان أمره أن لا يدع أحدا يشيّع أباذر قال عثمان من يعذرني من عليّ ، ردّ رسولي عمّا و جهته له و فعل كذا و اللَّه لنعطينه حقّه فلما رجع عليّ عليه السّلام استقبله الناس و قالوا له : إنّ عثمان عليك غضبان لتشييعك أبا ذرّ فقال عليه السّلام :

غضب الخيل على اللّجام ثمّ جاء الى عثمان فقال له : ما حملك على ما صنعت

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ٤ : ٥٣٩ .

( ٢ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ٤٠ .

٣٠١

بمروان و رددت أمري ؟ فقال عليه السّلام أما مروان فانّه استقبلني بردّتي فرددته عن ردّي و امّا أمرك فلم أردّه قال أو لم يبلغك انّي قد نهيت النّاس عن أبي ذرّ و تشييعه فقال عليه السّلام أو كلّما أمرتنا به من شي‏ء يرى طاعة اللَّه ، و الحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك ، تاللَّه لا نفعل١ . .

و هذا المعنى أمر عقليّ كما أنّه لنقل قطعي و هو دليل وجوب العصمة في الامام و إلاّ لزم أن يكون تشييع مثل أبي ذرّ لنهي عثمان عنه حراما ، لهذا في ( الطّبري ) : لمّا خرج ابراهيم بن المهدي على المأمون في سنة ( ٢٠٢ ) قام سهل بن سلامة المطوّعي و دعا النّاس الى العمل بالكتاب و السّنّة و ألاّ طاعة لمخلوق في معصية الخالق فاجتمع اليه عامّة أهل بغداد و كان كلّ من أجابه الى ذلك عمل على باب داره برجا بجصّ و آجر و نصب عليه السلاح و المصاحف٢ .

و فيه : أنّ يزيد بن الوليد خطب بعد قتل الوليد بن يزيد فقال : إنّي و اللَّه ما خرجت اشرا و لا بطرا و لا حرصا على الدّنيا و لا رغبة في الملك و ما بي إطراء لنفسي إنّي لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربّي ، و لكنّي خرجت غضبا للَّه و لرسوله و دينه داعيا إلى اللَّه و كتابه و سنّة نبيّه لمّا هدمت معالم الهدى و اطفى‏ء نور أهل التّقوى و ظهر الجبّار العنيد المستحلّ لكلّ حرمة و الرّاكب لكلّ بدعة . أيُّها النّاس انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و لا وفاء لمخلوق بنقض عهد الخالق انّما الطّاعة طاعة اللَّه و أطيعوا المخلوق بطاعة اللَّه٣ .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٥٠ ٣٥١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٧ : ١٤٦ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٧٠ .

٣٠٢

١٠

الحكمة ( ٣٢٤ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا مَعَاصِيَ اَللَّهِ فِي اَلْخَلَوَاتِ فَإِنَّ اَلشَّاهِدَ هُوَ اَلْحَاكِمُ و كلّ شي‏ء فعلوه في الزّبر و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ مستطر »١ ، . .

و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضراً . »٢ ، يستخفون من النّاس و لا يستخفون من اللَّه و هو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول و كان اللَّه بما يعملون محيطا٣ ،

يعلم السّر و أخفى٤ ، يعلم خائنة الأعين و ما تُخفي الصدور٥ .

و مرّ في ( ٢٢ ) من التوحيد قوله عليه السّلام يعلم عجيج الوحوش في الفلوات و معاصي العباد في الخلوات و اختلاف النّينان في البحار الغامرات و تلاطم الماء بالرّياح العاصفات٦ .

هذا ، و في ( المروج ) : ورد على الرّشيد يوما كتاب صاحب البريد بخراسان و يحيى بن يديه يذكر أنّ الفضل بن يحيى تشاغل بالصّيد و اللّذّات عن النّظر في أمور الرّعيّة ، فلّما قرأه رمى به الى يحيى و قال له : اقرأ هذا و اكتب اليه كتابا يردعه عن مثل هذا فمدّ يده الى دواة الرّشيد و كتب الى الفضل على ظهر كتاب الرّشيد : قد انتهى الى الخليفة ما أنت عليه من التّشاغل

____________________

( ١ ) القمر : ٥٢ ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) النساء : ١٠٨ .

( ٤ ) طه : ٧ .

( ٥ ) غافر : ١٩ .

( ٦ ) مر في الجزء ١ من هذا الكتاب .

٣٠٣

بالصّيد و مداومة اللّذّات عن النّظر في أمور الرعيّة ما أنكره فعاود بما هو أزين بك و كتب أسفله هذه الأبيات :

انصب نهارا في طلب العلى

و اصبر على فقد لقاء الحبيب

حتّى اذا اللّيل بدا مقبلا

و استترت فيه وجوب العيوب

فبادر اللّيل بما تشتهي

فانّما الليل نهار الأريب

كم من فتى تحسبه ناسكا

يستقبل اللّيل بأمر عجيب

ألقى عليه اللّيل استاره

فبات في لهو و عيش خصيب

و لذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كلّ عدو و رقيب

فلّما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق المسجد نهارا الى أن انصرف عن عمله١ .

« فانّ الشاهد هو الحاكم » في ( تاريخ بغداد ) : قيل لأبي العتاهية : ما الّذي صرفك عن قول الغزل الى قول الزّهد ؟ قال لمّا قلت :

اللَّه بيني و بين مولاتي

أهدت لي الصّدّ و الملالات

منحتها مهجتي و خالصتي

و كان هجرانها مكافاتي

هيّمني حبّها و صيّرني

أحدوثة في جميع جاراتي

رأيت في المنام في تلك الليلة كأنّ آتيا أتاني فقال : ما أصبت أحدا تدخله بينك و بين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلاّ اللَّه تعالى فانتبهت مذعورا و تبت الى اللَّه تعالى من قول الغزل٢ .

و في ( مصباح الشيخ ) : تدعوا بعد الوتر بدعاء الحزين : أناجيك يا موجود في كلّ مكان لعلّك تسمع نداي فقد عظم جرمي و قلّ حيائي مولاي

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٦٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٦ : ٢٥٠ .

٣٠٤

يا مولاي أيّ الأهوال أتذكّر و أيّها أنسى و لو لم يكن إلاّ الموت لكفى كيف و ما بعد الموت أعظم و أدهى مولاي يا مولاي حتّى متى إلى متى أقول لك العتبى مرّة بعد اخرى ثمّ لا تجد عندي صدقا و لا وفاء فياغوثاه ثم و اغوثاه بك يا اللّه من هوى قد غلبني و من دنيا قد تزيّنت لي و من نفس أمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي ، مولاي إن كنت رحمت مثلي فارحمني و ان كنت قبلت مثلي فاقبلني يا قابل السّحرة اقبلني يا من لم أزل أتعرّف منه الحسنى يا من يغذيني بالنّعم صباحا و مساء إرحمني يوم آتيك فردا شاخصا اليك بصري مقلّدا عملي قد تبرّأ جميع الخلق منّي نعم و أبي و امّي و من كان له كدّي و سعيي فإن لم ترحمني فمن يرحمني و من يؤنس في القبر وحشتي و من ينطق لساني اذا خلوت بعملي و سألتني عمّا أنت أعلم به منّي فان قلت نعم فأين المهرب من عدلك و إن قلت لم أفعل قلت ألم أكن الشّاهد عليك فعفوك عفوك يا مولاي قبل سرابيل القطران عفوك عفوك يا مولاي قبل أن تغلّ الأيدي الى الأعناق يا أرحم الراحمين١ .

هذا ، و في ( وزراء الجهشياري ) : تنازع الفضل بن الربيع و جعفر بن يحيى يوما بحضرة الرّشيد فقال جعفر للفضل : يا لقيط فقال الفضل للرّشيد :

إشهد ، فقال جعفر للرّشيد : تراه عند من يقيمك هذا الجاهل شاهدا و أنت حاكم الحكّام٢ .

____________________

( ١ ) مصباح المتهجد للطوسي ١ : ١٦٣ ح ١١٧ .

( ٢ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٢١٦ .

٣٠٥

١١

الحكمة ( ١٢٩ ) و قال عليه السّلام :

عِظَمُ اَلْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ اَلْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ لأنّه لا حول لأحد و لو كان ملك الملوك إلاّ بمشيّته ، و في السّير : انّ ذا القرنين لمّا فرغ من عمل السّدّ انطلق على وجهه فبينا يسير هو و جنوده إذ مرّ على شيخ يصلّي فوقف عليه بجنوده حتّى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين : كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي ، قال : كنت أناجي من هو أكثر منك جنودا و أعزّ سلطانا و أشدّ قوّة و لو صرفت وجهي اليك لا أدرك حاجتي قبله ، فقال له ذو القرنين : هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و استعين بك على بعض أمري ؟ قال : نعم ، ان ضمنت لي أربع خصال ، نعيما لا يزول ،

و صحّة لا سقم فيها ، و شبابا لا هرم فيه ، و حياة لا موت فيها ، فقال له ذو القرنين : و أيّ مخلوق يقدر على هذه الخصال ، فقال الشّيخ : فانّي مع من يقدر عليها و يملكها و إيّاك١ .

و في الخبر : أنّ عبد الملك كان يطوف بالبيت و عليّ بن الحسين عليه السّلام يطوف بين يديه و لا يلتفت اليه و لم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه ، فقال : من هذا الّذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت الينا فقيل هذا عليّ بن الحسين عليهما السّلام فجلس مكانه و قال : ردّوه إليّ فردّوه فقال له : انّي لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إليّ ؟ فقال عليه السّلام : انّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه ، و أفسد أبي عليه بذلك آخرته ، فان أحببت أن تكون مثله فكن ، فقال : كلاّ ، و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا ، فجلس و بسط رداءه و قال : اللّهمّ أره حرمة أوليائك عندك فاذا

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ١٢ : ١٧٥ .

٣٠٦

رداؤه مملوّ درّا يكاد شعاعها يخطف الأبصار و قال له : من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج الى دنياك ؟ ثمّ قال : اللّهمّ خذها فلا حاجة لي فيها١ .

١٢

الحكمة ( ٣٣٠ ) و قال عليه السّلام :

أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ أَلاَّ تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله يقول تعالى : يا ابن آدم إن نازعك بصرك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تنظر و ان نازعك لسانك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تتكلّم و ان نازعك فرجك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تأت حراما ، و في دعاء عرفه ( عصيتك بعيني و لو شئت لأعميتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بسمعي و لو شئت لأصممتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بيدي و لو شئت و عزّتك لكنعتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك برجلي و لو شئت لجذمتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بفرجي و لو شئت لعقمتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بجميع جوارحي و لم يكن جزاؤك هذا منّي٢ .

و ورد انّ ملك ابراهيم عليه السّلام لمّا أراد أن يمدّ يده الى امرأته ساره دعا عليه فيبست يده٣ .

و انّ سراقة بن مالك الكناني الّذي بعثته قريش في طلب النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله لمّا هاجر ساخت قوائم فرسه و هو القائل لأبي جهل :

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٤٦ : ١٢٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ٢١٩ ح ٢٧٠ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ١ : ١٤٨ و هو فرعون مصر .

٣٠٧

أباحكم و اللَّه لو كنت شاهدا

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت و لم تشكك بأنّ محمّدا

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه١

و الرّجل ان كان عنيّنا فلامرأته الفسخ ، و المرأة ان كانت رتقاء أو عفلاء أو قرناء كان للرّجل الفسخ .

هذا ، و قال ابن ابي الحديد قال الصّابي في رسالته الى سبكتكين من عزّ الدّولة بختيار : ليت شعري بأيّ قدم تواقفنا و راياتنا خافقة على رأسك و مماليكنا عن يمينك و شمالك و خيلك موسومة باسمائنا تحتك و ثيابنا محوكة في طرازنا على جسدك و سلاحنا المشحوذ لأعدائنا في يدك٢ . .

١٣

الحكمة ( ٢٩٠ ) و قال عليه السّلام :

لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اَللَّهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ يَجِبُ أَلاَّ يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ أقول : و رواه ابن الجوزي في ( مناقبه ) ثمّ قال و من هاهنا أخذ القائل قيل انّها له عليه السّلام و قيل انّها للمهلّبي :

هب البعث لم يأتنا رسله

و جاحمة النّار لم تضرم

أليس من الواجب المستحقّ

حياء العباد من المنعم٣

و مثله سبطه في ( تذكرته )٤ لكن بدون النّسبة الى المهلّبي .

و عنه عليه السّلام قال لرجل ان كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل من رزقه و ان كنت

____________________

( ١ ) تاريخ اليعقوبي لابن واضح ٢ : ٤٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤٢ .

( ٣ ) البحار للمجلسي ٧٨ : ٦٩ ح ٢١ .

( ٤ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤٤ .

٣٠٨

و اليت عدوّه فاخرج من ملكه و ان كنت غير قانع بقضاه و قدره فاطلب ربّا سواه .

هذا و في ( المعجم ) : قال السيّرافي لخراسانيّ سأله عن المسكر ، لو كان المسكر حلالا في كتاب اللَّه و سنّة رسوله لكان يجب على العاقل تركه بحجّة العقل فانّ شاربه محمول على كلّ معصية مدفوع الى كلّ بليّة مذموم عند كلّ ذي عقل و مروّة يحيله عن مراتب العقلاء و الفضلاء و الادباء و يجعله من جملة السّفهاء و مع ذلك فيضرّ بالدّماغ و الكبد و الذّهن و يولد القروح في الجوف و يسلب شاربه ثوب الصّلاح و المروّة و المهابة حتّى يصير بمنزلة المخبط الخريق و المثبئج يقول بغير فهم و يأمر بغير علم و يضحك من غير عجب و يبكي من غير سبب و يخضع لعدوّه و يصول على وليّه و يعطي من لا يستحقّ العطيّة و يمنع من يستوجب الصّلة و يبذّر في الموضع الّذي يحتاج فيه ان يمسك و يمسك في الموضع الذي يحتاج فيه أن يبذّر يصير حامده ذامّا و أفعاله ملاما عبده لا يوقّره و أهله لا تقربه و ولده يهرب منه و أخوه يفزع منه يتمرّغ في قيئه و يتقلّب في سحله و يبول في ثيابه و ربّما قتل قريبه و شتم نسيبه و طلّق امرأته و كسر آلة البيت و لفظ بالخنى و قال كلّ غليظة و فحش يدعو عليه جاره و يزري به أصحابه عند اللَّه ملوم و عند النّاس مذموم و ربّما يستولي عليه في حال سكره مخايل الهموم فيبكي دما و يشقّ جيبه حزنا و ينسى القريب و يتذكّر البعيد و الصبيان يضحكون منه و النّسوان يفتعلن النّوادر عليه و مع ذلك فبعيد من اللَّه قريب من الشيطان قد خالف الرّحمن في طاعة الشيطان و تمكّن من ناصيته و زيّن في عينه اتيان الكبائر و ركوب الفواحش و استحلال الحرام و إضاعة الصّلاة و الحنث في الايمان سوى ما

٣٠٩

حلّ به عند الإفاقة من النّدامة و يستوجب من عذاب اللَّه يوم القيامة١ .

و كيف و قد توعّد تعالى حتّى قال لنبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله قل انّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيم٢ ، و قال إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيّظا و زفيراً و اذا القوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً و ادعوا ثبوراً كثيراً٣ ، و قال كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .٤ .

١٤

الحكمة ( ١٠٥ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ اَللَّهَ اِفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَ حَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَ نَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَ سَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَ لَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا « انّ اللَّه افترض عليكم الفرائض » هكذا في ( المصرية )٥ و الصواب ( فرائض ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٦ .

« فلا تضيّعوها » في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام : أنّ الصّلاة اذا ارتفعت في أوّل وقتها رجعت الى صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك اللَّه و اذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها و هي سوداء

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ٨ : ١٦٧ ١٦٩ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥ .

( ٣ ) الفرقان : ١٢ ١٤ .

( ٤ ) النساء : ٥٦ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ٦٨٠ ح ١٠٦ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٤ بلفظ ( الفرائض ) و الخطية : ٣١٧ .

٣١٠

مظلمة تقول ضيّعتني ضيّعك اللَّه١ .

و قال تعالى بعد ذكر جمع من أنبيائه فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً٢ و فسّر قوله تعالى و الّذين هم عن صلاتهم ساهون٣ بالتضّييع .

و في الخبر : من ضيّع صلاته حشر مع قارون و هامان و عنهم عليهم السّلام :

أعبد النّاس من أقام الفرائض٤ .

« و حدّ لكم حدودا فلا تعتدوها » أي : فلا تتعدّوها قال تعالى بعد ذكر ميراث الزّوجين و كلالة الامّ تلك حدود اللَّه و من يطع اللَّه و رسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك هو الفوز العظيم و من يعص اللَّه و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها و له عذابٌ مهين٥ .

و قال بعد ذكر طلاق الأزواج للرجعة . لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ و لا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنةٍ و تلك حدود اللَّه و من يتعدّ حدود اللَّه فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ اللَّه يحدث بعد ذلك أمراً٦ .

و قال في خلع الأزواج فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللَّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللَّه فلا تعتدوها و من يتعدّ حدود اللَّه فأولئك هم الظّالمون٧ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٤ .

( ٢ ) مريم : ٥٩ .

( ٣ ) الماعون : ٥ .

( ٤ ) الفقيه ٤ : ٣٩٤ ح ٥٨٤٠ .

( ٥ ) النساء : ١٣ ١٤ .

( ٦ ) الطلاق : ١ .

( ٧ ) البقرة : ٢٢٩ .

٣١١

« و نهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها » و في نسخة ( ابن ميثم ) « فلا تنهتكوها »١ و على الأوّل افتعال من النّهك و على الثاني انفعال من الهتك و قال الجوهري الهتك خرق السّتر عمّا وراءه و قد هتكه فانهتك و قال انتهاك الحرمة تناولها بما لا يحلّ ، قال تعالى يا أيُّها الذين آمنوا إنّما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تُفلحون إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدّكم عن ذكر اللَّه و عن الصّلاة فهل أنتم منتهون٢ ، و قال تعالى انتهوا خيراً لكم٣ .

« و سكت لكم عن أشياء و لم يدعها » أي : لم يتركها .

« نسيانا فلا تتكلّفوها » يا أيُّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و إن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفى اللَّه عنها و اللَّه غفورٌ حليمٌ قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين٤ .

١٥

الحكمة ( ٣٨٣ ) و قال عليه السّلام :

اِحْذَرْ أَنْ يَرَاكَ اَللَّهُ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ وَ يَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ فَتَكُونَ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ وَ إِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ وَ إِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : من همّ بخير فليعجّله و لا يؤخّره فإنّ

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٤ ح ٩٧ .

( ٢ ) المائدة : ٩٠ ٩١ .

( ٣ ) النساء : ١٧١ .

( ٤ ) المائدة : ١٠١ .

٣١٢

العبد ربّما عمل العمل فيقول تعالى : قد غفرت لك و لا أكتب عليك شيئا أبدا ،

و من همّ بسيّئة فلا يعملها فانّه ربّما عمل العبد السّيئة فيراه الرّب سبحانه فيقول و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعدها أبدا١ .

و عنه عليه السّلام : من أشدّ ما فرض اللَّه على خلقه ذكره كثيرا لا أعني سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر و ان كان منه و لكن ذكر اللَّه عند ما أحلّ و حرّم فان كان طاعة عمل بها و ان كان معصية تركها٢ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى فما أصبرهم على النّار٣ ، أي : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون انّه يصيّرهم الى النّار٤ .

« فتكون من الخاسرين » و العصر إنّ الإنسان لفي خُسرٍ إلاّ الّذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحقِّ و تواصوا بالصبر٥ ، إستحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللَّه أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون٦ ، أفأمنوا مكر اللَّه فلا يأمن مكر اللَّه إلاّ القوم الخاسرون٧ ، يا أيُّها الذين آمنوا لا تُلهِكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللَّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون٨ .

« و اذا قويت فاقو على طاعة اللَّه و اذا ضعفت فاضعف عن معصية اللَّه » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : اذا كان يوم القيامة يقوم عنق من النّاس فيأتون

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ١٣٧ ح ٤ .

( ٣ ) البقرة : ١٧٥ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٢ .

( ٥ ) العصر : ١ ٣ .

( ٦ ) المجادلة : ١٩ .

( ٧ ) الأعراف : ٩٩ .

( ٨ ) المنافقون : ٩ .

٣١٣

باب الجنّة فيضربون فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصّبر كنّا نصبر على طاعة اللَّه و نصبر عن معاصي اللَّه فيقول تعالى صدقوا ادخلوهم الجنّة١ .

و هو قوله تعالى . إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب٢ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى و لمن خاف مقام ربِّه جنّتان٣ : من علم انّ اللَّه تعالى يراه و يسمع ما يقوله و يفعله من خير و شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربِّه و نهى النّفس عن الهوى٤ .

١٦

الحكمة ( ١٧٠ ) و قال عليه السّلام :

تَرْكُ اَلذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ أقول ما في ( المصرية )٥ : ( ( من طلب المعونة ) ) تحريف .

في ( مطالب سؤول ابن طلحة الشّافعي ) : سئل عليّ عليه السّلام عن واجب و أوجب فقال عليه السّلام « توب ربّ الورى واجب عليهم و تركهم للذّنوب أوجب »٦ .

و وجه ما ذكره عليه السّلام معلوم فانّ ارتكاب الذّنب كاستعمال السّمّ و التوبة كاستعمال التّرياق لدفعه فقد لا يتيسّر استعماله و قد لا يكون مؤثّرا لشدّة السّمّ .

و روى ( روضة الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال : كان عابد في

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ١١٩ ح ٤ .

( ٢ ) الزمر : ١٠ .

( ٣ ) الرحمن : ٤٦ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ١ .

( ٥ ) الطبعة المصرية المصححة كما ذكر المصنف : ٦٩٨ ( ١٧٠ ) .

( ٦ ) مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : ٦٢ .

٣١٤

بني اسرائيل لم يقارف من أمر الدّنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع اليه جنوده فقال من لي بفلان ؟ فقال : بعضهم أنا له فقال من أين تأتيه ؟ قال من ناحية النّساء ، قال : لست له ، لم يجرّب النساء ، فقال له آخر فأنا له ، فقال من أين تأتيه ؟ قال من الشّرب و اللّذات قال : لست له ، ليس هذا هو قال آخر : فأنا له ، قال من أين تأتيه ؟ قال من ناحية البرّ قال : انطلق فأنت صاحبه فانطلق الى موضع الرّجل فأقام حينا يصلّي و كان الرّجل ينام و الشيطان يصلّي لا ينام و الرّجل يستريح و الشّيطان لا يستريح ،

فتحوّل اليه الرّجل و قد تقاصرت اليه نفسه و استصغر عمله ، فقال يا عبد اللَّه بأي شي‏ء قويت على ذلك ؟ فلم يجبه ثم أعاد فقال : يا عبد اللَّه اني أذنبت ذنبا و أنا تائب منه فاذا ذكرت الذّنب قويت على الصّلاوة قال فاخبرني بذنبك حتّى أعمل و أتوب و أقوى على الصّلاة قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغيّة فأعطها درهمين و نل منها قال و من أين لي درهمان و ما أدري ما الدّرهمان فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين ، فناوله إيّاهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه فسأل عن منزل فلانة البغيّة فأرشده النّاس و ظنّوا أنّه جاء يعظها فجاء اليها فرمى اليها بالدّرهمين و قال : قومي فقامت و دخلت منزلها و قالت : ادخل ، و قالت : انّك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فاخبرني بخبرك فاخبرها فقالت يا عبد اللَّه انّ ترك الذّنب أهون من طلب التّوبة ، و ليس كلّ من طلب التّوبة وجدها و انّما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثّل لك فانصرف فانّك لا ترى شيئا فانصرف١ . .

____________________

( ١ ) الكافي ٨ : ٣٨٤ ح ٥٨٤ .

٣١٥

١٧

الحكمة ( ٢٣٧ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلتُّجَّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ في الخبر : أنّ عيسى عليه السّلام مرّ بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم و تغيّرت ألوانهم فقال ما الّذي أرى بكم ؟ قالوا الخوف من النّار قال : حقّ على اللَّه أن يؤمن من يخافه ، ثمّ مرّ على ثلاثة آخرين فاذا هم أشدّ نحولا و تغيّرا فقال : ما الّذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا الشّوق الى الجنّة فقال : حقّ على اللَّه تعالى أن يعطي من رجاه ثمّ مرّ على ثلاثة آخرين فاذا هم أشدّ نحولا و على وجوههم مثل المرائي من النّور فقال ما الّذي بلغ بكم ؟ قالوا : حبّ اللَّه عز و جلّ فقال ثلاثا أنتم المقرّبون١ .

و في الخبر : انّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله نظر الى مصعب بن عمير مقبلا و عليه إهاب كبش قد تمنطق به فقال : انظروا الى الرّجل الّذي قد نوّر اللَّه قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطّعام و الشّراب فدعاه حبّ اللَّه و رسوله الى ما ترون٢ .

و عابدته عليه السّلام كانت عبادة الأحرار فكان عليه السّلام يقول لم أعبده خوفا و لا طمعا و لكنّي وجدته أهلا للعبادة فعبدته٣ .

و عنه عليه السّلام أيضا : الجلوس في المسجد عندي أحبّ من الجلوس في

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٥٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٥٦ .

( ٣ ) المصدر نفسه ١٠ : ١٥٧ .

٣١٦

الجنّة لأنّ في الأوّل رضا ربّي و في الثّاني رضاي١ .

و في مناجاة شعبان : « الهي و الحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا و عن سواك منحرفا و منك خائفا مراقبا »٢ .

و في دعاء كميل : « و هبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر على فراقك »٣ .

و في الثامنة من المناجاة ( ١٥ ) : « فأنت لا غيرك مرادي و لك لا سواك سهري و سهادي و لقاءك قرّة عيني و وصلك منى نفسي و اليك شوقي و في محبّتك ولهي و الى هواك صبابتي و رضاك بغيتي و رؤيتك حاجتي و جوارك طلبي و قربك غاية سؤلي و في مناجاتك روحي و راحتي و عندك دواء علّتي و شفاء غلّتي و برد لوعتي و كشف كربتي فكن أنيسي في وحشتي و مقيل عثرتي و غافر زلّتي و قابل توبتي و مجيب دعوتي و وليّ عصمتي و مغني فاقتي و لا تقطعني عنك و لا تبعدني منك يا نعيمي و يا دنياي و آخرتي »٤ .

و في الثانية عشرة : الهي ما ألذّ خواطر الالهام بذكرك على القلوب و ما أحلى المسير اليك بالأوهام في مسالك الغيوب و ما أطيب طعم حبّك و ما أعذب شرب قربك فاعذنا من طردك و ابعادك و اجعلنا من أخصّ عارفيك . .

و في ( ١٣ ) : الهي بك هامت القلوب الوالهة و على معرفتك جمعت العقول المتباينة فلا تطمئنّ القلوب إلاّ بذكراك و لا تسكن النّفوس إلاّ عند رؤياك أنت المسبّح في كلّ مكان و المعبود في كلّ زمان و الموجود في كلّ أوان و المدعوّ بكلّ لسان و المعظّم في كلّ جنان استغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك و من كلّ

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٥٦ ح ١ .

( ٢ ) مفاتيح الجنان للقمي : ٢٨٨ .

( ٣ ) مفاتيح الجنان للقمي : ١١٧ .

( ٤ ) مفاتيح الجنان للقمي ، المناجات الشعبانية .

٣١٧

راحة بغير أنسك و من كلّ سرور بغير قربك و من كلّ شغل بغير طاعتك١ .

هذا ، و ( في المناقب ) سأل رسول ملك الرّوم أبابكر عن رجل لا يرجو الجنّة و لا يخاف النّار و لا يخاف اللَّه و لا يركع و لا يسجد و يأكل الميتة و الدّم و يحبّ الفتنة و يبغض الحقّ و يشهد بما لا يرى ، فلم يجبه أبو بكر و قال له عمر :

ازددت كفرا الى كفرك ، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال عليه السّلام : هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنّة و لا يخاف النّار و لكن يخاف اللَّه و يرجوه و لا يخاف اللَّه من جوره و انّما يخاف من عدله و لا يركع و لا يسجد في صلاة الجنازة و يأكل الجراد و السّمك و هما ميتة و يأكل الكبد ، و هو الدّم و يشهد بالجنّة و النّار ، و هو لم يرهما و يحبّ ولده ، و الولد فتنة ، و يبغض الموت ،

و الموت حقّ٢ .

١٨

الحكمة ( ٣٨٢ ) و قال عليه السّلام :

لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ « لا تقل ما لا تعلم » لأنّه من الكذب ، و في ( أدب ابن المقفّع ) : أكثر النّاس كذبا من يحدّث بما يسمع و لا يبالي ممّن سمع و ذلك مفسدة للصّدق و مزراة بالرّاي فان استطعت ألاّ تخبر بشي‏ء إلاّ و أنت به مصدّق و ألاّ يكون تصديقك إلاّ ببرهان فافعل٣ .

____________________

( ١ ) مفاتيح الجنان للقمي ، المناجاة الشعبانية .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٨٠ .

( ٣ ) الأدب الكبير و الأدب الصغير لابن مقفع : ٩٠ ( بتصرف ) .

٣١٨

« بل لا تقل كلّ ما تعلم » فالغيبة أيضا من القول بما يعلم و من علم من رجل أو امرأة غير معروفين بالفجور و لم تكمل الشّهود الأربعة فقال ذلك ، يكون قاذفا مستحقّا للحدّ ، قال تعالى و الّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون١ .

« فان اللَّه فرض » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب ( فانّ اللَّه سبحانه قد فرض ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة » و لا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً٤ .

تمّت بخير و الحمد للَّه أوّلا و آخرا

____________________

( ١ ) النور : ٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٧٤٨ ح ٣٨٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٢٣ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٤ ، بدون لفظ ( سبحانه ) .

( ٤ ) الاسراء : ٣٦ .

٣١٩

الفصل الاربعون في الاسلام و الكفر و الايمان و النفاق

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607