بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97862
تحميل: 2379


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97862 / تحميل: 2379
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

١

من الخطبة ( ١٧١ ) من خطبة له عليه السّلام :

اَلْعَمَلَ اَلْعَمَلَ ثُمَّ اَلنِّهَايَةَ اَلنِّهَايَةَ وَ اَلاِسْتِقَامَةَ اَلاِسْتِقَامَةَ ثُمَّ اَلصَّبْرَ اَلصَّبْرَ وَ اَلْوَرَعَ اَلْوَرَعَ إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ وَ إِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ وَ إِنَّ لِلْإِسْلاَمِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى غَايَتِهِ وَ اُخْرُجُوا إِلَى اَللَّهِ بِمَا اِفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ بَيَّنَ لَكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ وَ حَجِيجٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَنْكُمْ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْقَدَرَ اَلسَّابِقَ قَدْ وَقَعَ وَ اَلْقَضَاءَ اَلْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ وَ إِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اَللَّهِ وَ حُجَّتِهِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اَلَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اَللَّهُ ثُمَّ اِسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ اَلْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ اَلَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ١ ٢١ ٤١ : ٣٠ وَ قُلْتُمْ رَبُّنَا اَللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ وَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَ عَلَى اَلطَّرِيقَةِ اَلصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ ثُمَّ لاَ تَمْرُقُوا مِنْهَا وَ لاَ تَبْتَدِعُوا فِيهَا وَ لاَ تُخَالِفُوا

٣٢١

عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ اَلْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اَللَّهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَ تَهْزِيعَ اَلْأَخْلاَقِ وَ تَصْرِيفَهَا وَ اِجْعَلُوا اَللِّسَانَ وَاحِداً وَ لْيَخْزُنِ اَلرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اَللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ وَ اَللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ وَ إِنَّ لِسَانَ اَلْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ وَ إِنَّ قَلْبَ اَلْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لِأَنَّ اَلْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَ إِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ وَ إِنَّ اَلْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لاَ يَدْرِي مَا ذَا لَهُ وَ مَا ذَا عَلَيْهِ وَ لَقَدْ قَالَ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَ لاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ فَمَنِ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اَللَّهَ تَعَالَى وَ هُوَ نَقِيُّ اَلرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ أَمْوَالِهِمْ سَلِيمُ اَللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ وَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ اَلْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ اَلْعَامَ مَا اِسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ وَ يُحَرِّمُ اَلْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ وَ أَنَّ مَا أَحْدَثَ اَلنَّاسُ لاَ يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَ لَكِنَّ اَلْحَلاَلَ مَا أَحَلَّ اَللَّهُ وَ اَلْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اَللَّهُ فَقَدْ جَرَّبْتُمُ اَلْأُمُورَ وَ ضَرَّسْتُمُوهَا وَ وُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ ضُرِبَتِ لَكُمْ اَلْأَمْثَالُ وَ دُعِيتُمْ إِلَى اَلْأَمْرِ اَلْوَاضِحِ فَلاَ يَصَمُّ عَنْ ذَلِكَ إِلاَّ أَصَمُّ وَ لاَ يَعْمَى عَنْ ذَلِكَ إِلاَّ أَعْمَى وَ مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اَللَّهُ بِالْبَلاَءِ وَ اَلتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ اَلْعِظَةِ وَ أَتَاهُ اَلتَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ وَ يُنْكِرَ مَا عَرَفَ فَإِنَّ اَلنَّاسَ رَجُلاَنِ مُتَّبِعٌ شِرْعَةً وَ مُبْتَدِعٌ بِدْعَةً لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّةٍ وَ لاَ ضِيَاءُ حُجَّةٍ « العمل العمل ثم النهاية النهاية » أي : نهاية العمل و هي الجنّة كلوا و اشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون١ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون

____________________

( ١ ) الطور : ١٩ .

٣٢٢

سلام عليكم أدخلوا الجنّة بما كنتم تعملون١ لمثل هذا فليعمل العاملون٢ .

« و الاستقامة الاستقامة » و أن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .٣ و هذا صراط ربك مستقيماً .٤ .

« ثم الصبر الصبر » أي : على الطاعات و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنّة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا و على ربهم يتوكلون٥ .

« و الورع الورع » أي : عن المعاصي و المحرّمات .

و في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال تعالى : يا ابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع الناس و عن الصادق عليه السّلام يقول : ليس من شيعتنا من لا تتحدّث المخدَّرات بورعه في خدورهنَّ ، و ليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق اللّه أورع منه .

« ان لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم » نهايتنا الآخرة ، و انتهاؤنا إليها العمل لها ، قال مؤمن آل فرعون لقومه : يا قوم ان هذه الحياة الدنيا متاع و ان الآخرة هي دار القرار٦ .

« و ان لكم علما » بالتحريك و هو العلامة .

« فاهتدوا إلى علمكم » قالوا : كان ابرهة بن الرائش ، من ملوك اليمن أول من

____________________

( ١ ) النحل : ٣٢ .

( ٢ ) الصافات : ٦١ .

( ٣ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٤ ) الانعام : ١٢٦ .

( ٥ ) لعنكبوت : ٥٨ ٥٩ .

( ٦ ) المؤمن : ٣٩ .

٣٢٣

ضرب المنار على طريقه ، في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع .

قال : ابن أبي الحديد أراد عليه السّلام بعلمهم الذي يجب عليهم الاهتداء إليه نفسه .

قلت : لأنّه تواتر عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إذا وقع بين أمته اختلاف ، يجب عليهم الرجوع إليه كما تواتر عنه صلَّى اللَّه عليه و آله أنّه عليه السّلام على الحق ، و الحق يدور معه .

« و ان للاسلام غاية » أي : حدودا .

« فانتهوا إلى غايته » و لا تتعدّوا حدوده ، تلك حدود اللَّه فلا تعتدوها و من يتعدَّ حدود اللَّه فأولئك هم الظالمون١ و من يعصِ اللَّهَ و رسوله و يتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها و له عذابٌ مهينٌ٢ .

« و أخرجوا إلى اللَّه بما » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطّيّة ) ( ممّا ) و في ( ابن ميثم ) ( فيما ) .

« افترض عليكم من حقِّه » يا أَيُّها الذين آمنوا اتَّقوا اللَّه حقَّ تُقاتِه ، و لا تموتنَّ إلاّ و أنتم مُسلمون٣ .

« و بيّن لكم من وظائفه » يا أهل الكتاب قد جائكم رسولُنا يبيّنُ لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشيرٍ و لا نذيرٍ فقد جائكم بشير و نذير .٤ .

« أنا شهيد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( شاهد ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) .

« لكم و حجيج يوم القيامة عنكم » و نزعنا من كلّ أُمة شهيداً فقلنا هاتوا

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٢٩ .

( ٢ ) النساء : ١٤ .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٤ ) المائدة : ١٩ .

٣٢٤

برهانكم فَعلِموا أن الحقَّ للَّه و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون١ و يوم نبعث من كلّ أُمة شهيداً ، ثم لا يُؤْذن للذين كفروا و لا هم يُستعتبون٢ و يوم نبعثُ في كلّ أُمة شهيداً عليهم من أنفسهم و جئنا بك شهيداً على هؤلاء .٣ .

و في تفسير القمي ، في قوله تعالى : يوم ندعو كلَّ أُناس بإمامهم .٤ ينادى يوم القيامة مناد ليقم أبو بكر و شيعته ، و عمر و شيعته ، و عثمان و شيعته ، و علي و شيعته .

و في الاختصاص المنسوب إلى المفيد ، عن الأصبغ ، قال : أمرنا أمير المؤمنين عليه السّلام بالمسير إلى المدائن من الكوفة ، فسرنا يوم الأحد و تخلّف عمرو بن حريث في سبعة نفر ، فخرجوا إلى مكان بالحيرة ، يسمّى الخورنق ،

فقالوا : نتنزّه ، فإذا كان يوم الأربعاء خرجنا ، فلحقنا عليا قبل أن يجمع ، فبيناهم يتغدّون ، إذ خرج عليهم ضبّ فصادوه ، فأخذه عمرو ، فنصب كفّه ، فقال : بايعوا هذا ، هذا أمير المؤمنين ، فبايعه السبعة و عمرو ثامنهم ، و ارتحلوا ليلة الأربعاء ،

فقدموا المدائن يوم الجمعة و أمير المؤمنين عليه السّلام يخطب و لم يفارق بعضهم بعضا ، كانوا جميعا حتى نزلوا على باب المسجد فلما دخلوا نظر اليهم عليه السّلام فقال : أيّها الناس ان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله أسرّ إليّ ألف حديث ، في كلّ حديث ألف باب ، لكلّ باب الف مفتاح و أني سمعت اللَّه يقول : يوم ندعو كلَّ أناس بإمامهم . و اني أقسم لكم باللَّه ليبعثنَّ يوم القيامة ثمانية نفر بإمامهم ، و هو ضبّ ،

و لو أردت أن أسمّيهم لفعلت قال الأصبغ : فلقد رأيت عمرو بن حريث يتنفَّط مثل السعفة رعبا .

____________________

( ١ ) القصص : ٧٥ .

( ٢ ) النحل : ٨٤ .

( ٣ ) النحل : ٨٩ .

( ٤ ) الاسراء : ٧١ .

٣٢٥

« ألا و ان القدر السابق قد وقع ، و القضاء الماضي قد تورد » أي : ورد قليلا قليلا .

قال ابن أبي الحديد يعني عليه السّلام بالقدر السابق ، و القضاء الماضي خلافته عليه السّلام .

قلت : بل الظاهر إرادته عليه السّلام حدوث الخوارج ، روى ( سنن أبي داود ) ، عن أبي سعيد الخدري ، و أنس بن مالك ، قالا : ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال : سيكون في أمتي اختلاف و فرقة يحسنون القيل ، و يسيئون الفعل ، يقرأون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين ، كما يمرق السهم من الرمية ، هم شرّ الخلق ،

طوبى لمن قاتلهم و قتلوه ، يدعون إلى كتاب اللَّه ، و ليسوا منه في شي‏ء .

« و اني متكلّم بعدة اللَّه » في ( الصحاح ) قالوا : في الخير الوعد و العدة و في الشر الايعاد و الوعيد .

« و حجّته » أي : برهانه .

« قال اللَّه تعالى : ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزَّل عليهِمُ الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون١ الآية في سورة فصِّلت ، و بعدها نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسُكم و لكم فيها ما تدّعون نزلاً من غفورٍ رحيمٍ٢ .

« و قد قلتم ربنا اللَّه فاستقيموا على كتابه » و لا تكونوا كالذين حكى اللَّه تعالى هجرهم كتابه حتى يشكو نبيّهم منهم يوم القيامة في قوله تعالى :

و قال الرسولُ يا ربِّ إِنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً٣ .

____________________

( ١ ) فصِّلت : ٣٠ .

( ٢ ) فصلت : ٣١ ٣٢ .

( ٣ ) الفرقان : ٣٠ .

٣٢٦

« و على منهاج أمره » أي : طريقه الواضح .

« و على الطريقة الصالحة من عبادته » قال تعالى : ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتَّبعها ، و لا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون١ .

« ثمّ لا تمرقوا » قال الجوهري : مرق السهم من الرمية : خرج من الجانب الآخر ، و به سمّيت الخوارج مارقة لقول النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يمرقون من الدين ، كما يمرق السهم من الرمية .

« منها » أي : من الطريقة الصالحة .

« و لا تبتدعوا فيها » بالادخال في الدين ما ليس منه .

« و لا تخالفوا عنها » . فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم٢ .

« فان أهل المروق منقطع بهم عند اللَّه » قال الجوهري : فلان منقطع به إذا عجز عن سفره ، بأن ذهبت نفقته أو قامت عليه راحلته أو أتاه أمر لا يقدر على أن يتحرّك .

عن غارات الثقفي سأل ابن الكوّاء عليّا عليه السّلام عن قوله تعالى : قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا٣ فقال عليه السّلام هم كفرة أهل الكتاب فان أولاهم كانوا في حق فابتدعوا في دينهم و أشركوا بربهم ، و هم يجتهدون في العبادة يحسبون أنّهم على شي‏ء ثم رفع صوته و قال : و ما أهل النهروان غدا منهم ببعيد .

« ثم إيّاكم و تهزيع » في الجمهرة الهزع الاضطراب ، يقال : تهزّع الرمح إذا

____________________

( ١ ) الجاثية : ١٨ .

( ٢ ) النور : ٦٣ .

( ٣ ) الكهف : ١٠٣ ١٠٤ .

٣٢٧

اضطرب ، و اهتزّ ، و يقال هزعت الشي‏ء هزعا إذا كسرته و كذلك هزعته تهزيعا .

« الأخلاق و تصريفها » كما كان الزبير ، فكان كما وصفه عمر ، مؤمن الرضا كافر الغضب يوما انسان و يوما شيطان .

« و اجعلوا اللسان واحدا » في الخبر ، قال عز و جل لعيسى عليه السّلام ليكن لسانك في السّر و العلانية واحدا .

« و ليخزن » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و ليختزن ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) .

« الرجل لسانه » في الخبر ما من شي‏ء أحق بطول السجن من اللسان .

« فان هذا اللسان جموح بصاحبه » كفرس جموح ، أخذ الاختيار من راكبه قال الشاعر :

خلعت عذاري جامحا ما يردّني

عن البيض أمثال الدمى زجر زاجر

« و اللَّه ما أرى عبدا يتقى تقوى تنفعه حتى يخزن » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « يختزن » كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) .

« لسانه » عن الصادق عليه السّلام نجاة المؤمن في حفظ لسانه .

و عن السجاد عليه السّلام لسان ابن آدم يشرف كلّ يوم على جوارحه ، فيقول :

كيف أصبحتم ، فيقولون بخير ان تركتنا ، و يقولون : اللَّه اللَّه فينا ، و يناشدونه و يقولون انما نثاب بك و نعاقب بك .

و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يجي‏ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانا له في قفاه و آخر من قدامه يلهبان نارا حتى يلهبا جسده ، ثم يقال : هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيامة .

« و ان لسان المؤمن من وراء قلبه و ان قلب المنافق من وراء لسانه » قال ابن أبي الحديد فان قلت المسموع ( لسان العاقل من وراء قلبه و قلب الأحمق من

٣٢٨

وراء لسانه ) فكيف نقله إلى المؤمن و المنافق ثم أجاب بأنّه ، قلَّ ان يكون المنافق إلاّ أحمق ، و قلّ ان يكون العاقل إلاّ مؤمنا ، فلأكثرية ذلك استعمل لفظ المؤمن و أراد العاقل .

قلت : فقرة ( لسان العاقل ) و فقرة ( لسان الأحمق ) أيضا من كلامه عليه السّلام مذكور في قصار النهج لكنّ ذلك في مقام و هذا في مقام و ليس الأمر كما قال من أنّه قلّ ان يكون المنافق إلاّ أحمق بل قلّ ان يكون المنافق أحمق كيف و أكثر المنافقين دهاة و انما مراده عليه السّلام ان المؤمن لسانه من وراء قلبه لا يتكلم لسانه إلاّ بما شهد قلبه انّه ليس مخلا بدينه ، و المنافق لا يراعي الدين إنما يراعي دنياه ، و اما الأحمق فلا يراعي دنياه أيضا ، و قد شرح عليه السّلام الفقرتين بعد قوله .

« لأنَّ المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبّره في نفسه فان كان خيرا » « أي : غير مخلّ بدينه » .

« أبداه » « أي : أظهره و لفظ به » .

« و ان كان شرّا و اراه » أي : أخفاه ، و أبقاه في صدره .

« و ان المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له و ماذا عليه » أي : في أمر دينه ، و أما بالنسبة إلى دنياه فلا يقول إلاّ ما و يميت دينه لاحياء دنياه و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون إلاّ أنّهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون١ .

« و لقد قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية ) و ليست كلمة ( و سلَّم ) في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه » فان الركن الأول من الايمان اعتقاد القلب .

____________________

( ١ ) البقرة : ١١ ١٢ .

٣٢٩

« و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه » أي : لا يفهم استقامة قلبه إلاّ من استقامة لسانه لمّا مر ان لسانه لا يلفظ بشي‏ء إلاّ بعد مشاورة قلبه .

« فمن استطاع منكم أن يلقى اللَّه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( ان يلقى اللَّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« و هو نقي الراحة » أي : الكف .

« من دماء المسلمين و أموالهم ، سليم اللسان من أعراضهم ، فليفعل » قال تعالى : الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن و هم مهتدون١ و قال عزَّ اسمه : يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى اللَّه بقلبٍ سليمٍ .

و في الطبري كان ربيعة بن أمية بن خلف صرّخ بقول النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في حجّة الوداع فقال أيها الناس ان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله يقول : هل تدرون أي : شهر هذا ؟ فقالوا الشهر الحرام فقال يقول لكم ان اللَّه قد حرّم عليكم دمائكم و أموالكم أن تلقوا ربّكم كحرمة شهركم هذا ، ثم قال ان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله يقول لكم هل تدرون أي : بلد هذا ، فيقولون البلد الحرام فيقول قال لكم ان اللَّه حرّم عليكم دماءكم و أموالكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة بلدكم هذا ، فقال أيّها الناس يقول لكم رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله أتدرون أي يوم هذا ، فقالوا يوم الحجّ الأكبر فقال يقول لكم ان اللَّه قد حرّم عليكم دمائكم و أموالكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا .

« و اعلموا عباد اللَّه ان المؤمن يستحلّ العام ما استحل عاما أول و يحرّم العام ما حرّم عاما أوّل » قال الجوهري إذا جعلت أوّل صفة لم تصرفه ، و إذا لم تجعله صفة تقول ( لقيته عاما أولا ) قال ابن السكيت : و لا تقل عام الأول و قال اختلف

____________________

( ١ ) الانعام : ٨٢ .

٣٣٠

في أول هل هو أفعل و أصله ( أوئل ) ، أو فوعل ، و أصله ( وول ) .

في مختلف حديث ابن قتيبة ، جاء رجل من أهل المشرق ، إلى أبي حنيفة بكتاب و هو بمكة ، فعرضه عليه ، و كان جمعه ممّا سمعه منه عاما أوّل ، فرجع أبو حنيفة عمّا فيه كلّه ، فوضع الرجل التراب على رأسه ، ثم قال يا معشر الناس أتيت هذا الرجل عاما أوّل فأفتاني بهذا الكتاب ، فاهرقت به الدماء ،

و أنكحت به الفروج ثم رجع عنه العام ، ثم قال لأبي حنيفة كيف هذا فقال كان رأيا رأيته ، فرأيت العام غيره ، قال فتأمنني أن لا ترى من قابل شيئا آخر قال لا أدري فقال الرجل لكني أدري ان عليك لعنة اللَّه .

« و ان ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئا ممّا حرّم عليكم و لكن الحلال ما أحلّ اللَّه و الحرام ما حرّم اللَّه » لمّا أجبر الخوارج أمير المؤمنين عليه السّلام على منع الأشتر لقتال معاوية بعد رفع المصاحف ، فكف ، و رجع إليهم ، قال لهم أمهلوني عدو الفرس فأني قد طمعت في النصر ، فقالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك ، فقال لهم الأشتر حدّثوني عنكم ، و قد قتل أماثلكم ، و بقى أراذلكم ، متى كنتم محقين ، فقتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم في النار إذن أن صرتم محقين بترك قتالهم ، الخ ، .

« فقد جرّبتم الامور و ضرستموها » أي : عضضتموها باضراسكم ، و ميّزتم بين لينها و شديدها .

« و وعظتم بمن كان قبلكم » قال تعالى : و لقد علمتم الذين أعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالاً لمّا بين يديها و ما خلفها و موعظة للمتقين١ .

« و ضربت لكم الأمثال » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و ضربت الأمثال

____________________

( ١ ) البقرة : ٦٥ ٦٦ .

٣٣١

لكم » كما في ( ابن ميثم و الخطّية و إبن أبي الحديد ) .

مثل الذين اتخذوا من دون اللَّه أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا و ان أوهن البيوت لَبيتُ العنكبوت لو كانوا يعلمون١ . يا أيها الناس انما بغيكم على أنفسكم متاعَ الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون إنما مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نباتُ الأرض ممّا يأكلُ الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرضُ زخرُفَها وَ ازَّيِّنَت و ظنَّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأَن لم تَغنَ بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يتفكَّرون .

« و دعيتم إلى الأمر الواضح » لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيِّ فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و اللَّه سميع عليم٢ و اللَّه يدعو إلى دار السلامِ و يهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم٣ .

« فلا يصم عن ذلك إلاّ أصم و لا يعمى عن ذلك إلاّ أعمى » قال تعالى : أ فلَم يسيروا في الأرض فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمَى الأبصار و لكن تعمَى القلوب التي في الصدور٤ .

« و من لم ينفعه اللَّه بالبلاء و التجارب لم ينتفع بشي‏ء من العظة » فان بعض الناس كما قال تعالى : و لو أننا نزَّلنا إليهم الملائكة و كلّمهُمُ الموتى و حشرنا عليهم كلَّ شي‏ء قُبُلا ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللَّه . . و كما قال عز و جل :

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٤١ .

( ٢ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٣ ) يونس : ٢٥ .

( ٤ ) الحج : ٤٦ .

٣٣٢

و لو ردّوا العادوا لمّا نُهوا عنه .١ فمثله كيف ينتفع بشي‏ء .

« و أتاه التقصير » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( النقص ) كما في ( ابن ميثم و الخوئي و ابن ابي الحديد ) .

« من امامه » أي : قدّامه .

« حتى يعرف ما أنكر » يعني يبلغ اتيان النقص إليه من قدّامه بحد بصير ،

قائلا بعرفان ما أنكر ، كالخوارج الذين كانوا منكرين لمعاوية و وجوب جهاده فصاروا عارفين به قائلين بحرمة الحرب معه .

« و ينكر ما عرف » فأنكروا أمير المؤمنين عليه السّلام و قد كانوا عارفين بوجوب جهاد أعدائه ، فقالوا له : لو لم تجب إلى التحكيم ، لنقتلنَّك .

« فان الناس رجلان متبع شرعة » تكون سببا لحياته ، و الشرعة الشريعة .

« و مبتدع بدعة » تؤدى به إلى الهلكة و عن الباقر عليه السّلام أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأيا فيحب عليه ، و يبغض عليه .

و عن الصادق عليه السّلام من مشى إلى صاحب بدعة فوقره ، فقد مشى في هدم الاسلام .

« ليس معه من اللَّه برهان سنَّة و لا ضياء حجّة » قال تعالى : و من يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى و يتّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نُصْله جهنم و ساءت مصيرا٢ أفمن كان على بيّنةٍ من ربه كمن زيّن له سوء عمله و اتبعوا أهواءهم٣ .

____________________

( ١ ) الانعام : ٢٨ .

( ٢ ) النساء : ١١٥ .

( ٣ ) محمد : ١٤ .

٣٣٣

٢

من الحكمة ( ١٢٥ ) و قال عليه السّلام :

لَأَنْسُبَنَّ اَلْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي اَلْإِسْلاَمُ هُوَ اَلتَّسْلِيمُ وَ اَلتَّسْلِيمُ هُوَ اَلْيَقِينُ وَ اَلْيَقِينُ هُوَ اَلتَّصْدِيقُ وَ اَلتَّصْدِيقُ هُوَ اَلْإِقْرَارُ وَ اَلْإِقْرَارُ هُوَ اَلْأَدَاءُ وَ اَلْأَدَاءُ هُوَ اَلْعَمَلُ أقول رواه ( الكافي ) و ( معاني الأخبار ) مع زيادة و اختلاف فروى الأول عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي مرفوعا قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي و لا ينسبه أحد بعدي إلاّ بمثل ذلك ،

ان الإسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين ، و اليقين هو التصديق ، و التصديق هو الاقرار ، و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداء ، ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ، و لكن أتاه من ربه فأخذه ، ان المؤمن يرى يقينه في عمله ، و الكافر يرى انكاره في عمله فوالذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم ، فاعتبروا إنكار الكافرين و المنافقين بأعمالهم الخبيثة .

و روى الثاني عنه عن أبيه عن محمّد بن يحيى بن غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ، قال أمير المؤمنين عليه السّلام لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي و لا ينسبه أحد بعدي ، الإسلام هو التسليم ، و التسليم هو التصديق ، و التصديق هو اليقين ، و اليقين هو الاداء ، و الاداء هو العمل ان المؤمن أخذ دينه من ربه ، و لم يأخذه عن رأيه ، أيُّها الناس دينكم دينكم تمسّكوا به ، لا يزيلنكم و لا يردَّنكم أحد عنه ، لأن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره ، لأن السيئة فيه تغفر ، و الحسنة في غيره لا تقبل .

« لأنسبن الاسلام » أي : الإسلام الحقيقي ، و إلاّ فالاسلام الظاهري عبارة

٣٣٤

عن مجرّد الإقرار .

« نسبة لم ينسبها » هكذا نقله المصنف و عليه فالضمير راجع إلى النسبة و الأظهر نقل الكليني و الصدوق ، ( لم ينسبه ) كما مر فيكون الضمير راجعا الإسلام .

« أحد قبلي » قد عرفت أن الكليني و الصدوق زادا ، ( و لا ينسبه أحد بعدي ) كما عرفت زيادة الأول ( الا بمثل ذلك ) و عليه ، فيحتمل رجوع الاستثناء ( قبلي ) أيضا .

« الاسلام هو التسليم » كما هو سلم و سلامة ، قال تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة .١ و قال صلَّى اللَّه عليه و آله ( المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه ) .

قال الصادق عليه السّلام لو أن قوما عبدوا اللَّه تعالى وحده ، و أقاموا الصلاة ،

و آتوا الزكاة ، و حجّوا البيت ، و صاموا شهر رمضان ، ثم قالوا لشي‏ء صنعه اللَّه تعالى ، أو النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ألا صنع بخلاف الذي صنع ، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ، ثم تلا فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليماً٢ ، ثم قال عليه السّلام فعليكم بالتسليم .

« و التسليم هو اليقين » هكذا نقل المصنف ، و الكليني و قد عرفت أن الصدوق نقله ( و التسليم هو التصديق ) و الظاهر أصحّيّته كما لا يخفى .

و كيف كان فروى ( الكافي ) أن أناسا أتوا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بعد ما أسلموا فقالوا أيؤخذ الرجل منّا بما كان عمل في الجاهلية ؟ فقال صلَّى اللَّه عليه و آله من حسن

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٠٨ .

( ٢ ) النساء : ٦٥ .

٣٣٥

إسلامه ، و صحّ يقين إيمانه لم يأخذه تعالى بما عمل في الجاهلية ، و من سخف اسلامه : و لم يصحّ يقين ايمانه يأخذه اللَّه بالأول و الاخر .

« و اليقين هو التصديق » قد عرفت أن ( المعاني ) رواه ، ( و التصديق هو اليقين ) .

و هو الأصح لأن التصديق يستلزم اليقين ، دون العكس ، قال تعالى مشيرا إلى آياته : و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً .١ .

« و التصديق هو الاقرار » قد عرفت اختلاف المعاني مع المتن في هذه الفقرة و ما بعدها أيضا .

و كيف كان ففي الطبري ، في قصة يهود بني قريظة و حصر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لهم ، قال كعب بن أسد لهم يا معشر اليهود ، انّه قد نزل بكم من الأمر ما ترون ،

و اني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيّها شئتم ، قالوا ما هي ؟ قال نتابع هذا الرجل و نصدقه ، فو اللَّه لقد تبيّن لكم أنّه لنبي مرسل ، و انّه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنوا على دمائكم و أموالكم و ابنائكم و نسائكم ، قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا .

« و الاقرار هو الاداء و الاداء هو العمل » قد عرفت ان ( الكافي ) بدّله بقوله « و الاقرار هو العمل ، و العمل هو الاداء » و ان ( المعاني ) بدله بقوله ( و اليقين هو الاداء ، و الاداء هو العمل ) .

و كيف كان فروى ( الكافي ) أن محمد بن مارد قال لأبي عبد اللَّه عليه السّلام : روي لنا أنك قلت ( إذا عرفت فاعمل ما شئت ) فقال : قد قلت ذلك ،

قال و ان زنوا أو سرقوا ، أو شربوا ، فقال عليه السّلام انا للَّه و إنّا إليه راجعون ، أخذنا بالعمل ، و وضع عنهم ، انما قلت ( إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير ، أو

____________________

( ١ ) النمل : ١٤ .

٣٣٦

كثيره ، فانّه يقبل منك ) .

٣

من الخطبة ( ١٠٢ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي شَرَعَ اَلْإِسْلاَمَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ وَ أَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ وَ نُوراً لِمَنِ اِسْتَضَاءَ بِهِ وَ فَهْماً لِمَنْ عَقَلَ وَ لُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ تَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ وَ عِبْرَةً لِمَنِ اِتَّعَظَ وَ نَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ وَ ثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ وَ رَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ وَ جُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ فَهُوَ أَبْلَجُ اَلْمَنَاهِجِ وَ أَوْضَحُ اَلْوَلاَئِجِ مُشْرَفُ اَلْمَنَارِ مُشْرِقُ اَلْجَوَادِّ مُضِي‏ءُ اَلْمَصَابِيحِ كَرِيمُ اَلْمِضْمَارِ رَفِيعُ اَلْغَايَةِ وَ جَامِعُ اَلْحَلْبَةِ وَ مُتَنَافِسُ اَلسُّبْقَةِ شَرِيفُ اَلْفُرْسَانِ اَلتَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ وَ اَلصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ وَ اَلْمَوْتُ غَايَتُهُ وَ اَلدُّنْيَا مِضْمَارُهُ وَ اَلْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ وَ اَلْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ أقول رواه الشيخان في أماليهما ، و رواه ( الكافي ) في باب بعد ( باب نسبه الاسلام ) عن القمي عن أبيه و العطار عن الأشعري عن البرقي جميعا عن ابن محبوب عن يعقوب السراج ، عن أبي جعفر عليه السّلام و بأسانيد عن الأصبغ ،

قال خطبنا أمير المؤمنين عليه السّلام في داره ، أو القصر ، ثم أمر فكتب في كتاب و قرى‏ء على الناس ، و روى غيره أن ابن الكواء سأله عليه السّلام عن صفة الإسلام و الايمان و الكفر و النفاق ، فقال أما بعد فان اللَّه تعالى شرع الاسلام ، و سهّل شرائعه لمن ورده ، و أعز أركانه لمن حاربه ، و جعله عزّا لمن تولاّه ، و سلما لمن دخله و هدى لمن ائتمّ به ، و زينة لمن تجلّله ، و عذرا من انتحله ، و عروة لمن

٣٣٧

اعتصم به و حبلا لمن استمسك به ، و برهانا لمن تكلّم به ، و نورا لمن استضاء به ، و شاهدا لمن خاصم به ، و فلجا لمن حاجّ به ، و علما لمن وعاه ، و حديثا لمن روى ، و حكما لمن قضى ، و حلما لمن جرّب ، و لباسا لمن تدبّر ، و فهما لمن تفطّن ، و يقينا لمن عقل ، و بصيرة لمن عزم ، و آية لمن توسَّم ، و عبرة لمن اتّعظ ،

و نجاة لمن صدق ، و تؤدة لمن أصلح ، و زلفى لمن اقترب ، و ثقة لمن توكّل ،

و رجاء لمن فوّض ، و سبقة لمن أحسن ، و خيرا لمن سارع ، و جنّة لمن صبر ،

و لباسا لمن اتقى ، و ظهيرا لمن رشد و كهفا لمن آمن ، و أمنة لمن سلم ، و رجاء لمن صدق ، و غنى لمن قنع ، فذلك الحقّ سبيله الهدى ، و مأثرته المجد ، و صفته الحسنى ، فهو أبلغ المناهج ، مشرق المنار ، ذاكي المصباح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحلبة ، سريع السبقة ، أليم النقمة كامل العدّة ، كريم الفرسان ،

فالايمان منهاجه ، و الصالحات مناره ، و الفقه مصابيحه ، و الدنيا مضماره ،

و الموت غايته ، و القيامة حلبته ، و الجنة سبقته و النار نقمته و التقوى عدّته ،

و المحسنون فرسانه ، فبالايمان يستدل على الصالحات ، و بالصالحات يعمّر الفقه ، و بالفقه يرهب الموت و بالموت تختم الدنيا ، و بالدنيا تجوز القيامة ،

القيامة تزلف الجنة ، و الجنّة حسرة أهل النار ، و النار موعظة للمتّقين ، و التّقوى سنخ الايمان و نقله ( الخوئي ) أيضا .

و روى الأوّلان عن المرزباني ، عن أحمد بن سليمان الطوسي عن الزبير ابن بكّار ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن قبيصة ، عن جابر الأسدي قال قام رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسأله عن الايمان ، فقام خطيبا ، فقال : الحمد للَّه الذي شرع الاسلام فسهّل شرائعه ، و اعزّ أركانه على من حاربه ، و جعله عزّا لمن والاه ، و سلما لمن دخله و برهانا لمن تكلّم به ، و نورا لمن استضاء به ،

و شاهدا لمن خاصم به ، و فلجا لمن حاجّ به و علما لمن وعاه ، و حديثا لمن رواه .

٣٣٨

و حكما لمن قضى به ، و حلما لمن جرّب ، و لبّا لمن تدبّر ، و فهما لمن فطن ، و يقينا لمن عقل ، و بصيرة لمن عزم ، و آية لمن توسّم ، و عزة لمن اتّعظ ، و نجاة لمن صدق ، و مودة من اللّه لمن أصلح ، و زلفى لمن ارتقب ، و ثقة لمن توكّل ، و راحة لمن فوّض ، و جنة لمن صبر ، الحقّ سبيله ، و الهدى صفته ، و الحسنى مأثرته ،

فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار ، مضي‏ء المصابيح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحلبة ، متنافس السبقة ، كريم الفرسان ، التصديق منهاجه ،

و الصالحات مناره ، و الفقه مصابيحه ، و الموت غايته ، و الدنيا مضماره ،

و القيامة حلبته ، و الجنة سبقته ، و النار نقمته ، و التقوى عدّته و المحسنون فرسانه ، فبالايمان يستدلّ على الصالحات ، الخ مثل ( الكافي ) لكن في آخره ،

و بالقيامة تزلف الجنّة للمتقين و تبرز الجحيم للغاوين .

و رواه ( تحف عقول ) لإبن أبي شعبة الحلبي ، فقال : قال عليه السّلام ان اللّه ابتدأ الأمور ، فاصطنع لنفسه ما شاء ، و استخلص منها ما أحبّ ، فكان ممّا أحبّ ، أنّه ارتضى الايمان ، فاشتقه فنحله من أحبّ من خلقه ثم بيّنه ، فسهّل شرائعه لمن ورده ، و أعزّ أركانه على من جانبه ، و جعله عزّاً لمن والاه ، و أمنا لمن دخله ،

و هدى لمن ائتم به ، و زينة لمن تحلّى به ، و دينا لمن انتحله ، و عصمة لمن اعتصم به ، و حبلا لمن استمسك به ، و برهانا لمن تكلّم به ، و شرفا لمن عرفه ،

و حكمة لمن نطق به ، و نورا لمن استضاء به ، و حجّة لمن خاصم به ، و فلجا لمن حاجّ به ، و علما لمن وعى ، و حديثا لمن روى ، و حكما لمن قضى ، و حلما لمن حدّث ، و لبّا لمن تدبر ، و فهما لمن تفكر ، و يقينا لمن عقل ، و بصيرة لمن عزم ،

و آية لمن توسّم ، و عبرة لمن اتعظ ، و نجاة لمن آمن به ، و مودة من اللَّه لمن صلح ، و زلفى لمن ارتقب ، و ثقة لمن توكّل ، و راحة لمن فوّض ، و صبغة لمن أحسن ، و خيرا لمن سارع ، و جنة لمن صبر و لباسا لمن اتقى و تطهيرا لمن

٣٣٩

رشد ، و أمنة لمن سلم ، و روحا للصادقين ، فالايمان أصل الحق ، سبيله الهدى ،

و صفته الحسنى ، و مأثرته المجد ، فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار ، مضي‏ء المصابيح رفيع الغاية ، و الموت غايته ، و الدنيا مضماره ، و القيامة حلبته ،

و الجنة سبقته ، و النار نقمته ، و التقوى عدته ، و المحسنون فرسانه ، فبالايمان يستدل على الصالحات ، و بالصالحات يعمر الفقه ، و بالفقه يرهب الموت ،

و بالموت تختّم الدنيا ، و بالدنيا تحذر الآخرة ، و بالقيمة تزلف الجنّة ، و الجنة حسرة أهل النار ، و النار موعظة التقوى ، و التقوى سنخ الاحسان ، و التقوى غاية لا يهلك من تبعها ، و لا يندم من يعمل بها ، لأن بالتقوى فاز الفائزون ،

و بالمعصية خسر الخاسرون ، فليزدجر أولوا النهى ، و ليتذكر أهل التقوى .

« الحمد للَّه الذي شرع الاسلام » شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا و الذي أوحينا إليك ، و ما وصّينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرّقوا فيه .١ .

« فسهّل شرائعه » جمع الشريعة مشرعة الماء و هي مورد الشاربة ، . .

ما جعل عليكم في الدينِ من حرجٍ ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمينَ من قبل .٢ و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بعثت على الشريعة السمحة السهلة ، روى الخصال في عنوان ( وضع اللَّه تعالى الاسلام على سبعة أسهم ) عن عمّار بن الأحوص قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام ان عندنا أقواما يقولون بأمير المؤمنين عليه السّلام ،

و يفضّلونه على الناس كلّهم و ليس يصفون ما نصف من فضلكم انتولاّهم ؟

فقال لي نعم في الجملة أليس عند اللَّه ما لم يكن عند رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله و لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله عند اللَّه ما ليس لنا و عندنا ما ليس عندكم و عندكم ما ليس

____________________

( ١ ) الشورى : ١٣ .

( ٢ ) الحج : ٧٨ .

٣٤٠