بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97853
تحميل: 2379


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97853 / تحميل: 2379
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

« جعل اللَّه فيه منتهى رضوانه » و من أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه للَّه .١ ، . فله أجره عند ربه و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون٢ و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه٣ و من أحسن قولاً ممّن دعا إلى اللَّه و عمل صالحاً و قال انني من المسلمين .٤ بلى من أسلم وجهه للَّه و هو محسن فله أجره عند ربه و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون٥ . هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين .٦ و لكن إذا أكمل بالولاية فقال تعالى بعد إنزال الولاية :

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً .٧ .

« و ذروة دعائمه » أي : أعلى أعمدته و الضمير في ( دعائمه ) راجع إليه تعالى كما في ( رضوانه ) و الاضافة فيه بمعنى اللام و مثله قوله .

« و سنام طاعته » و الأصل في السنام سنام الابل .

« فهو » أي : الاسلام .

« عند اللَّه وثيق الأركان » أي : محكمها . فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و اللَّه سميع عليم٨ .

« رفيع البنيان » الاسلام يعلو و لا يعلى عليه .

____________________

( ١ ) النساء : ١٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ١١٢ .

( ٣ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٤ ) فصّلت : ٣٣ .

( ٥ ) البقرة : ١١٢ .

( ٦ ) الحج : ٧٨ .

( ٧ ) المائدة : ٣ .

( ٨ ) البقرة : ٢٥٦ .

٣٨١

و في ( الاسد ) قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في ابن بنته زينب علي بن أبي العاص و كان مسترضعا في بني غاضرة و كان أبوه يومئذ مشركا فضمّه إليه من شاركني في بنيي فانا أحق به منه و ايما كافر شارك مسلما في شي‏ء فالمسلم أحقّ به منه .

« مضي‏ء النيران » أفمن شرح اللَّه صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللَّه أولئك في ضلال مبين١ .

« عزيز السلطان » لقد نصركم اللَّه في مواطن كثيرة .٢ .

و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآويكم و أيّدكم بنصره .٣ إنّا فتحنا لكن فتحا مبينا٤ إذا جاء نصر اللَّه و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجاً٥ .

« مشرف المنار » أي : عاليه .

« معوز » من ( أعوزه الشي‏ء ) إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه .

« المثار » من ( اثار الصيد ) هيجه قال :

أثار الليث في عريس غيل

له الويلات ممّا يستثير

« فشرّفوه و اتّبعوه و أدّوا إليه حقّه وضعوه مواضيعه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( مواضعه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان انّه لكم عدو

____________________

( ١ ) الزمر : ٢٢ .

( ٢ ) التوبة : ٢٥ .

( ٣ ) الانفال : ٢٦ .

( ٤ ) الفتح : ١ .

( ٥ ) النصر : ١ ٢ .

٣٨٢

مبين١ يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل اللَّه يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين٢ .

٨

الحكمة ( ٣١٠ ) قال عليه السّلام :

لاَ يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اَللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ أقول : الأصل فيه ما رواه المسعودي في ( مروجه ) مرفوعا ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) مسندا قال الأول أنّ سائلا وقف على باب عليّ عليه السلام فقال للحسن عليه السّلام قل لامك تدفع إليه درهما ، فقال انما عندنا ستة دراهم للدقيق فقال عليه السّلام « لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده » ثم أمر للسائل بالستة الدراهم كلّها فما برح عليه السّلام حتى مر به رجل يقود بعيرا ، فاشتراه منه بمائة و أربعين درهما و انسأ أجله ثمانية أيام ، فلم يحل أجله حتى مر به رجل و البعير معقول فقال بكم هذا ؟ فقال بمأتي درهم ، فقال قد أخذته ، فوزن له الثمن فدفع منه مائة و أربعين درهما للذي ابتاعه منه ،

و دخل بالستين الباقية على فاطمة عليها السّلام فسألته من أين هي فقال عليه السلام هذه تصديق لمّا جاء به أبوك صلَّى اللَّه عليه و آله من جاء بالحسنة فله عَشْرُ أمثالها٣ .

و روى الثاني مسندا عن أبي أراكة ، جاء سائل إلى علي عليه السّلام فقال لبعض ولده إذهب إلى أمك ، و قل لها هات ذاك الدرهم الذي عندك فمضى ثم عاد ، و قال قالت خبأناه للدقيق ، فقال إذهب و ائتني به ، فأتاه به فدفعه إلى السائل و قال :

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٠٨ .

( ٢ ) الحجرات : ١٧ .

( ٣ ) الانعام : ١٦٠ .

٣٨٣

« لا يصدق ايمان عبد حتى يكون بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده » فبينا هو يتحدّث إذ مر به رجل يبيع جملا ، فاشتراه منه بمائة درهم ، ثم باعه بمأتين فدفع المائة إلى ولده ، و قال له إذهب بها إلى امك و قل لها ، هذا ما وعدنا اللَّه على لسان نبيه .

« لا يصدق ايمان عبد حتى يكون بما في يد اللَّه » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط فزاد ( ابن أبي الحديد و الخطّية ) ( سبحانه ) و كذا ( ابن ميثم ) ، لكن في ( الخطّية ) ( تعالى ) .

« أوثق منه بما في يده » لكونه لازم الايمان بكونه رازقا ، و انّه لو لا حفظ اللَّه لسلب ما في يده و قيل لأبي حازم ما مالك ؟ قال ما لان الثقة بما عند اللَّه و اليأس ممّا في أيدي الناس .

و ورد عن عترته عليهم السّلام ما يقرب من كلامه عليه السّلام و علائم أخر فعن الصادق عليه السّلام « لا يجد الرجل حلاوة الايمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا . ، ثم قال حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا ، و ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ، و لا بتحريم الحلال ، بل الزهد في الدنيا الا يكون بما في يدك أوثق منه بما في يد اللَّه عز و جل .

و عن الرضا عليه السّلام لا يكون المؤمن مؤمنا ، حتى يكون فيه ثلاث خصال سنّة من ربّه ، و سنّة من نبيّه ، و سنّة من وليه ، فاما السنّة من ربه ، فكتمان سرّه ،

قال جل جلاله : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسولٍ١ و أما السنّة من نبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله فمداراة الناس قال تعالى : خذ العفو و أمر بالعُرف و اعرض عن الجاهلين٢ و أما السنة من وليّه ، فالصبر في

____________________

( ١ ) الجن : ٢٦ ٢٧ .

( ٢ ) الاعراف : ١٩٩ .

٣٨٤

البأساء و الضراء ، يقول تعالى : . و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس اولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتّقون١ .

و عنهم عليهم السّلام من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غضّ بصره لم يرتد إليه طرفه حتى يعقبه اللَّه ايمانا يجد طعمه .

٩

الحكمة ( ٤٥٨ ) و قال عليه السّلام :

عَلاَمَةُ اَلْإِيمَانِ أَنْ تُؤْثِرَ اَلصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى اَلْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَ أَلاَّ يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ وَ أَنْ تَتَّقِيَ اَللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ « الايمان » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ، « علامة الايمان » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« ان تؤثر » أي : تختار .

« الصدق حيث يضرّك في دنياك » .

« على الكذب ، حيث ينفعك » فيها كما ان علامة المريض الذي له شعور ان يؤثر الدواء المرّ على الطعام الحلو .

و كيف لا و قد قال تعالى : انما يفتري الكذِبَ الذينَ لا يؤمنون .٢ .

و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يكون المؤمن جبانا و بخيلا و لا يكون كاذبا .

و في ( الكافي ) عن الأصبغ ، قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا يجد عبد طعم الايمان ، حتى يترك الكذب هزله و جدّه .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

( ٢ ) النحل : ١٠٥ .

٣٨٥

و عن أبي جعفر عليه السّلام كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول لولده اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير ، في كلّ جد و هزل ، فان الرجل ، إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير ، و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ما زال العبد يصدق حتى يكتبه اللَّه صدّيقا ، و لا يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللَّه كذّابا .

و عنه عليه السّلام ان الكذب هو خراب الايمان ، و ان اللَّه تعالى جعل للشرّ أقفالا ،

و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، و الكذب شرّ من الشراب .

و عنه عليه السّلام ان أوّل من يكذب الكذّاب اللَّه ثم الملكان اللذان معه ، ثم هو يعلم أنّه كاذب .

و عن الصادق عليه السّلام أن ممّا أعان اللّه به على الكذابين النسيان و قال عيسى عليه السّلام من كثر كذبه ذهب بهاؤه .

و قال عليه السّلام لأبي بصير ، ان العبد ليصدق حتى يكتب عند اللَّه من الصادقين ، و يكذب حتى يكتب عند اللَّه من الكاذبين ، فإذا صدق قال تعالى صدق و برّ ، و إذا كذب قال تعالى كذب و فجر .

و يكفي في فضل الصدق قوله تعالى : . و كونوا مع الصادقين١ و قول الصادق عليه السّلام ان اللَّه تعالى ، لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث و اداء الامانة إلى البر و الفاجر ، و بعث عليه السّلام إلى عبد اللَّه بن أبي يعفور انظر ما بلغ به علي عليه السّلام عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فألزمه ان عليا عليه السّلام انما بلغ ما بلغ بصدق الحديث ،

و اداء الامانة ، و قال عليه السّلام لفضيل بن يسار ان الصادق أوّل من يصدقه هو اللَّه عز و جل .

و في ( تاريخ بغداد ) ، كان لربعي بن خراش العبسي ابنان عاصيان في زمن الحجّاج ، فقيل للحجاج ان أباهما لم يكذب كذبة قط لو أرسلت إليه فسألته

____________________

( ١ ) التوبة : ١١٩ .

٣٨٦

عنهما ، فأرسل إليه ، أين ابناك ؟ فقال : هما في البيت ، فقال الحجاج قد عفونا عنك بصدقك .

و في ( السير ) أن الحجاج أمر بقتل أحد الأسارى من أصحاب ابن الأشعث ، فقال : لا تقتلني ، فلي عندك يد ، قال : ما هي ؟ قال : سبّك ابن الأشعث يوما ، و أنا دافعت عنك ، قال : هل لك شاهد ؟ قال : نعم فلان رجل آخر من أسارى ابن الأشعث فقال له : هل دافع عني ؟ قال : نعم ، قال : فأنت أيضا دافعت ؟

قال لا : قال لم ؟ قال : لأني كنت أبغضك و أسر بسبك فقال الحجاج عفوت عن الأول بدفاعه عني ، و عفوت عنك بصدقك في بغضي ، و ممّا يقرب من قوله عليه السّلام ( ان تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك ) قولهم ( عليك بالصدق و ان جر عليك المغارم ، و إيّاك و الكذب و ان ساق عليك المغانم ) .

هذا : و من الأكاذيب الهزلية ، ما في ( كامل المبرد ) ( قال تكاذب اعرابيان ،

فقال أحدهما خرجت مرة على فرس لي فإذا بظلمة شديدة فيممتها حتى وصلت إليها ، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه فما زلت أحمل بفرسي عليها حتى انبهتها فانجابت فقال الآخر لقد رميت ظبيا مرّة بسهم فعدل الظبي يمنة فعدل السهم يمنة خلفه ، فتياسر الظبي فتياسر السهم خلفه ، ثم علا الظبي فعلا السهم خلفه ، فانحدر الظبي ، فانحدر السهم خلفه حتى أخذه .

« و ان لا يكون في حديثك فضل عن عملك » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( عن علمك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) قال تعالى : و لا تقفُ ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئُولا١ .

و عن الباقر عليه السّلام ( من أفتى الناس بغير علم و لا هدى لعنته ملائكة

____________________

( ١ ) الاسراء : ٣٦ .

٣٨٧

الرحمة و ملائكة العذاب و عليه وزر من عمل بفتياه فان قيل ان ( عن عملك ) أيضا صحيح لأنّه في معنى قوله تعالى كبُرَ مقتاً عند اللَّه أن تقولوا ما لا تفعلون١ .

قلت : بل لا معنى له لأن ( عملك ) يدل على وقوع عمل منه .

« و ان تتقي اللَّه في حديث غيرك حتى لا يكون فيه غيبته و ما يسوؤه لو سمعه » .

قال تعالى : . لا يغتب بعضكم بعضاً أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه٢ .

و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يا معشر من أسلم بلسانه ، و لم يسلم بقلبه ، لا تتبعوا عثرات المسلمين ، فانّه من يتّبع عثرات المسلمين يتّبع اللَّه عثراته ، و من تتبع اللَّه عثراته يفضحه .

و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه ، و قال الصادق عليه السّلام من قال في مؤمن ما رأته عيناه ، و سمعته أذناه فهو من الذين قال تعالى فيهم : ان الذين يحبّون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم .٣ .

١٠

الحكمة ( ٣٠٩ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا ظُنُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اَلْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ

____________________

( ١ ) الصف : ٣ .

( ٢ ) الحجرات : ١٢ .

( ٣ ) النور : ١٩ .

٣٨٨

أقول : الأصل فيه قول النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه » .

و روى محمد بن بابويه ، في معاني أخباره ، عن محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة ، قلت لجعفر بن محمّد عليه السّلام في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها ،

فقال ان شئت أخبرتك قبل أن تسألني و ان شئت فسل ، قلت و بأي شي‏ء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي ؟ فقال بالتوسم و التفرس أما سمعت قول اللَّه تعالى ان في ذلك لآيات للمتوسّمين١ .

و قول النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه » فقلت له فاخبرني بمسألتي ، قال أردت أن تسألني عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لم لم يطق حمله علي عليه السّلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوّته و شدّته ، و ما ظهر منه ،

من قلع باب خيبر ، و الرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا و كان لا يطيق حمله أربعون رجلا ، فقلت له عن هذا أردت و اللَّه أن أسألك فاخبرني فقال : ان عليّا عليه السّلام بالنبي صلَّى اللَّه عليه و آله تشرّف و به ارتفع و به وصل إلى ان اطفأ نار الشرك ،

و أبطل كلّ معبود من دون اللَّه عز و جل و لو علاه النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لحطّ الأصنام لكان بعلي عليه السّلام مرتفعا و شريفا و لو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ألا ترى ان عليا عليه السّلام قال لمّا علوت ظهر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها أما علمت ان المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة و انبعاث فرعه من أصله .

و قد قال علي عليه السّلام « أنا من أحمد كالضوء من الضوء » أما علمت ان محمّدا و عليّا صلَّى اللَّه عليه و آله كانا نورين بين يدي اللَّه تعالى قبل خلق الخلق بألفي عام ،

و ان الملائكة لمّا رأت ذلك النور ، رأت له أصلا قد تشعّب منه شعاع لامع فقالت

____________________

( ١ ) الحجر : ٧٥ .

٣٨٩

إلهنا ، ما هذا النور ؟ فقال تعالى : هذا نور من نوري ، اصله نبوة و فرعه امامة اما النبوة فلمحمّد عبدي ، و اما الإمامة فلعلي حجّتي و وليي ، و لولاهما ما خلقت خلقي ، أما علمت ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله رفع يد علي عليه السّلام بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض ابطيه ، فجعله مولى المسلمين و امامهم و قد احتمل الحسن و الحسين يوم حظيرة بني النجّار ، فلمّا قال له بعض أصحابه ناولني أحدهما قال نعم الراكبان هما و أبوهما خير منهما .

و ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي بأصحابه ، فأطال سجدة من سجداته ، فلما سلّم قيل له قد أطلت هذه السجدة ، فقال : « ان ابني ارتحلني ، فكرهت ان اعاجله حتى ينزل » .

و انما أراد بذلك رفعهم و تشريفهم فالنبي صلَّى اللَّه عليه و آله امام نبي ، و علي عليه السّلام امام ليس بنبي ، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبّوة فقلت له زدني يا بن رسول اللَّه فقال انّك لأهل للزيادة ، ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله حمل عليا عليه السّلام على ظهره ، يريد بذلك أنّه أبو ولده ، و امامة الائمة من صلبه ، كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء ،

و اراد أن يعلم بذلك أصحابه أنّه تحوّل الجدب خصبا .

قلت له : زدني فقال : احتمله ليعلم قومه انّه هو الذي يخفف عن ظهر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ما عليه من الدين و العدات و الاداء عنه من بعده .

قلت له : زدني فقال : احتمله ليعلم بذلك انّه قد احتمله ، و ما حمل إلاّ لأنّه معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة و صوابا ، و قد قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لعلي عليه السّلام : ان اللَّه تعالى حمّلني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي و ذلك قوله تعالى ليغفر لك اللَّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر .١ و لمّا أنزل تعالى :

____________________

( ١ ) الفتح : ٢ .

٣٩٠

عليكم أنفسكم .١ قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله أيّها الناس عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم ، و علي نفسي و أخي ، أطيعوا عليّا ، فانّه مطهّر معصوم لا يضلّ و لا يشقى ، ثم تلا هذه الآية قل اطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل و عليكم ما حملتم ، و ان تطيعوه تهتدوا و ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين٢ .

ثم قال جعفر بن محمد عليه السّلام لو أخبرتك أيّها الأمير ، بما في حمل النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله عليّا عليه السّلام عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها لقلت ان جعفر بن محمد مجنون ، فحسبك من ذلك ما قد سمعت فقمت إليه و قبّلت رأسه و قلت . اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته٣ .

و روى خبر حمل النبي صلَّى اللَّه عليه و آله له عليه السّلام لحط الأصنام الخطيب و في خبره ،

ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لمّا حمله و نهض به صعد عليه السّلام علي الكعبة و تنحى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فألقى علي عليه السّلام صنمهم و نزل٤ .

قلت : و يمكن أن يقال ان اصعاده بدون إنزاله للدلالة على انّه كالكعبة له العلو ، و ليس له حط و نزول أصلا .

١١

الحكمة ( ٣٣٣ ) و قال عليه السّلام في صفة المؤمن :

اَلْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَيْ‏ءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ

____________________

( ١ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٢ ) النور : ٥٤ .

( ٣ ) الانعام : ١٢٤ .

( ٤ ) الخطيب الخوارزمي في مناقب أمير المؤمنين : الباب الحادي عشر : ٥٤ ( طبع حجري ) ١٣١١ خط محمد باقر ، كربلاء .

٣٩١

شَيْ‏ءٍ نَفْساً يَكْرَهُ اَلرِّفْعَةَ وَ يَشْنَأُ اَلسُّمْعَةَ طَوِيلٌ غَمُّهُ بَعِيدٌ هَمُّهُ كَثِيرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ اَلْخَلِيقَةِ لَيِّنُ اَلْعَرِيكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ اَلصَّلْدِ وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ اَلْعَبْدِ أقول الأصل فيه رواية مجاهد عن ابن عباس على ما في تذكرة سبط ابن الجوزي قال وصف أمير المؤمنين عليه السّلام المؤمن فقال :

« حزنه في قلبه ، و بشره في وجهه ، أوسع الناس صدرا ، و أرفعهم قدرا يكره الرفعة ، و لا يحب السمعة ، طويل غمّه ، بعيد همّه ، كثير صمته مشغول بما ينفعه ، شكور صبور ، قلبه بذكر اللَّه معمور ، سهل الخليقة لين العريكة » .

و في رواية ( الكافي ) جعله جزء خطبة همّام الآتية في ( ١٣ ) .

« المؤمن بشره في وجهه » كما كان عليه السّلام نفسه كذلك حتى عابه فاروقهم الفظ ذو الحوزة الخشناء بذلك و سمّى بشره دعابة فقال لابن عباس في الشورى كما في ( تاريخ اليعقوبي ) أترى صاحبكم لها موضعا ؟ قال له ابن عباس و انى يبعد من ذلك مع فضله و سابقته و قرابته و علمه ، فقال هو و اللَّه كما ذكرت و لو وليهم لحملهم على منهج الطريق و المحجّة الواضحة إلاّ ان فيه الدعابة في المجلس ، و استبداد الرأي ، و التبكيت للناس مع حداثة السن فقال له ابن عباس هلا استحدثتم سنة يوم الخندق قلت و في خبر آخر : انّه قال له :

هلاّ استحدثتم سنه يوم أخذ البراءة من صاحبك .

و في ( المناقب ) كان علي عليه السّلام بشره دائم ، و ثغره باسم ، غيث لمن رغب ،

و غياث لمن رهب ، مآل الآمل و ثمال الأرامل١ .

و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لبني عبد المطلب انّكم لن تسعوا الناس بأموالكم

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١١٥ مؤسسة انتشارات علاّمة ، قم .

٣٩٢

فالقوهم بطلاقة الوجه و حسن البشر .

« و حزنه في قلبه » كما كان عليه السّلام كذلك ففي ( مروج المسعودي ) ، استسقى علي عليه السّلام يوم الجمل ، فاتى بعسل و ماء فحسا منه حسوة و قال هذا الطائفي و هو غريب البلد فقال عبد اللَّه بن جعفر ما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟ قال انّه و اللَّه ما حلا بصدر عمك شي‏ء قط من أمر الدنيا .

و فيه في وروده عليه السّلام البصرة قال المنذر بن الجارود لمّا قدم علي عليه السّلام البصرة ، دخل ممّا يلي الطف ، فأتى الزاوية فخرجت انظر إليه إلى أن قال : ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السّلام في أوّله راية كبيرة يقدمهم رجل كانما كسر و جبر قلت : من هؤلاء ؟ قيل : هذا علي بن أبي طالب عليه السّلام و هذان الحسن و الحسين عن يمينه و شماله ، و هذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى و هذا الذي خلفه عبد اللَّه بن جعفر و هؤلاء ولد عقيل و غيرهم من فتيان بني هاشم و هؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين و الأنصار فساروا حتى نزلوا الزاوية فصلّى أربع ركعات و عفر خديه على التراب و قد خالط ذلك دموعه ثم رفع يديه يدعو : اللّهم ربّ السماوات و ما أظلّت ، و الأرضين و ما أقلّت ، و ربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، و أعوذ بك من شرّها ، اللّهم انزلنا فيها خير منزل و أنت خير المنزلين ، اللّهم هؤلاء القوم ، قد خلعوا طاعتي ، و بغوا عليّ و نكثوا بيعتي ، اللّهم احقن دماء المسلمين الخ .

« أوسع شي‏ء صدرا ، و أذلّ شي‏ء نفسا » في ( تاريخ بغداد ) قال ابن ميمون سألت ذا النون عن الصوفي فقال : من إذا نطق ابان نطقه عن الحقائق و إن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق١ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله جالسا في المسجد ،

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه في ترجمة « ذو النون المصري » راجع ( تاريخ بغداد ) ٨ : ٣٩٣ ٣٩٧ رقم الترجمة ( ٤٤٩٧ ) .

٣٩٣

فجاءت جارية لبعض الأنصار ، فأخذت بطرف ثوبه ، فقام لها النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فلم تقل شيئا و لم يقل صلَّى اللَّه عليه و آله لها شيئا ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ففي الرابعة أخذت هدبة و رجعت ، فقال لها الناس فعل اللَّه بك حبست النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ثلاث مرات ، لا تقولين شيئا فما حاجتك ؟ قالت ان لنا مريضا فأرسلني أهلي لأخذ هدبة من ثوبه يستشفي بها فاستحييت أن أقول له حتى أخذتها في الرابعة .

و في الخبر مرّت امرأة بذيه على النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و هو يأكل جالسا على الحضيض فقالت يا محمّد ، انّك تأكل أكل العبد و تجلس جلوسه ، فقال لها النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و أي عبد أعبد مني .

و عن الصادق عليه السّلام أوحى اللَّه تعالى إلى موسى ، أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال يا رب لم ؟ قال اني قلبت عبادي ظهر البطن فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك ، انّك إذا صلّيت وضعت خدّك على التراب .

« يكره الرفعة » تلك الدار الآخرة نجعلُها للذين لا يريدون عُلوّاً في الأرضِ و لا فساداً و العاقبة للمتقين١ .

و في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع هذا في أوّلها و ذاك في آخرها ، أسرع فيها من حب الدنيا و الشرف في دين المؤمن .

« و يشنأ » أي : يبغض .

« السمعة » لأن عباداته خالصة لوجه اللَّه تعالى و يحبّ بقاءها على الخلوص ، و من ذكر عبادته خفية لواحد ينقص أجره من الخفاء إلى الجهر ،

فإذا ذكرها لاثنين تكون كالرياء بلا أجر .

« طويل غمّه » للنجاة من النار .

« بعيد همّه » لتحصيل الجنّة .

____________________

( ١ ) القصص : ٨٣ .

٣٩٤

« كثير صمته » في ( الخبر ) ان الصمت باب من أبواب الحكمة و انّه دليل على كلّ خير ، و كان العابد من بني اسرائيل ، لا يتعبّد حتى يصمت عشر سنين .

و عن الباقر عليه السّلام انما شيعتنا الخرس ، و قال المسيح عليه السّلام لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللَّه ، فان الذين يكثرون الكلام في غير ذكر اللَّه قلوبهم قاسية ، و لكن لا يعلمون .

و في ( الخبر ) ، ان رجلا قال للنبي صلَّى اللَّه عليه و آله أوصني ثلاث مرات في كلّ مرة يقول له : احفظ لسانك حتى قال له في الثالثة : ويحك و هل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم .

و عن الصادق عليه السّلام في حكمة آل داود ( على العاقل ان يكون عارفا بزمانه مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ) .

« مشغول وقته » في ( الخبر ) ، للمؤمن ثلاث ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، و ساعة يرمّ معاشه ، و ساعة يخلي بين نفسه و لذّتها في ما يحلّ و يجمل ،

و ليس للعاقل أن يكون شاخصا ، إلاّ في ثلاث : مرمة لمعاش ، أو خطوة في معاد ، أو لذّة في غير محرّم .

« شكور » في ( الخبر ) ، كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في سفر يسير على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات ، فقالوا له صنعت شيئا لم تصنعه ، فقال استقبلني جبرئيل فبشّرني ببشارات من اللَّه فسجدت شكرا للَّه لكلّ بشرى سجدة و كان صلَّى اللَّه عليه و آله ورد عليه أمر يسرّه قال : الحمد للَّه على هذه النعمة و إذا ورد عليه أمر يغتم به ، قال : الحمد للَّه على كلّ حال .

و عن الباقر عليه السّلام كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله عند عايشة في ليلتها فقالت له : لم تتعب نفسك ، و قد غفر اللَّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر ، فقال لها ألا أكون عبدا شكورا ؟

٣٩٥

« صبور » لكون الصبر من الايمان ، بمنزلة الرأس من الجسد .

و عن يونس بن يعقوب أمرني أبو عبد اللَّه عليه السّلام ان آتي المفضل و أعزيه باسماعيل و قال اقرى‏ء المفضل السّلام و قال له انا قد أصبنا باسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا ، انّا أردنا أمرا و أراد اللَّه تعالى أمرا فسلمنا لأمر اللَّه تعالى .

« مغمور » استعارة عن الانغماس في الماء .

« بفكرته » لأن الفكرة ، توجب العبرة و العبرة توجب الفوز و السعادة ،

و في ( الخبر ) ، سئل الصادق عليه السّلام عمّا روى « ان تفكّر ساعة خير من قيام ليلة » كيف ؟ قال : يمر بالخربة فيقول اين ساكنوك أين بانوك ، و عنه عليه السّلام أفضل العبادة ادمان التفكّر في اللَّه و في قدرته .

و في ( الكافي ) عن علي عليه السّلام « نبّه بالتفكر قلبك ، و جاف عن الليل جنبك ،

و اتق اللَّه ربك » و كان عليه السّلام يقول التفكّر يدعو إلى البرّ .

« ضنين بخلته » بضم الخاء ، فلا يتخذ خليلا لنفسه إلاّ من وثق بديانته و أمانته و عفته ، فقالوا ( عن المرء لا تسأل و سل عن خليله ) .

« سهل الخليقة لين العريكة » أي : الطبيعة .

عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله المؤمن هيِّن ليِّن ، كالجمل الألف ان قيِّد انقاد و ان أنيخ على صخرة استناخ .

« نفسه أصلب » أي : أشدّ .

« من الصلد » أي : الحجر الصلب الايبس .

عن الباقر عليه السّلام المؤمن أصلب من الجبل ، الجبل يستقل منه ، و المؤمن لا يستقل من دينه شي‏ء و عن الصادق عليه السّلام مر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بقوم يربعون حجرا ،

فقال : ما هذا ؟ قالوا : نعرف بذلك أشدّنا ، و أقوانا ، فقال صلَّى اللَّه عليه و آله : ألا أخبركم بأشدّكم ، و أقواكم قالوا : بلى ، قال : أشدّكم و أقواكم الذي إذا رضى لم يدخله

٣٩٦

رضاه في إثم ، و لا باطل ، و إذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق ، و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحق .

« و هو أذل من العبد » عن الصادق عليه السّلام كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يجلس جلسة العبيد ، و يضع يده على الأرض ، و يأكل بثلاثة أصابع ، لا كالجبارين باصبعين .

و في ( العيون ) عن الرضا عليه السّلام قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله خمس لا أدعهن حتى الممات ، الأكل على الحضيض مع العبد ، و ركوبي الحمار موكفا ، و حلبي العنز بيدي ، و لبسي الصوف ، و التسليم على الصبيان ، لتكون سنّة من بعدي و لبعضهم :

تراه مكينا و هو للهو ماقت

به عن حديث القوم ما هو شاغله

و أزعجه علم عن الجهل كلّه

و ما عالم شيئا كمن هو جاهله

عبوس من الجهّال حين يراهم

فليس له منهم خدين يهازله

تذكر ما يلقى من العيش اجلا

فاشغله عن عاجل العيش آجله

١٢

الخطبة ( ١٨٤ ) و من كلام له عليه السّلام :

فَمِنَ اَلْإِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي اَلْقُلُوبِ وَ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ اَلْقُلُوبِ وَ اَلصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ اَلْمَوْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حَدُّ اَلْبَرَاءَةِ قول المصنف :

و من كلام له عليه السّلام هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) .

« فمن الايمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب » و هم الذين قال تعالى فيهم :

٣٩٧

الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر اللَّه ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب١ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي٢ .

و كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام : « الايمان مخالط لحمك و دمك كما هو مخالط لحمي و دمي » .

« و منه ما يكون عواري » جمع العاريّة بالتشديد ، قال الجوهري كانها منسوبة إلى العار ، لأن طلبها عار و عيب و ينشد ، « انما أنفسنا عاريّة ،

و العواري قصاران ترد » .

« بين القلوب و الصدور » في ( الكافي ) قال عيسى شلقان : كنت قاعدا فمرّ أبو الحسن موسى عليه السّلام و معه بهيمة فقلت يا غلام ، ما ترى ما يصنع أبوك ؟

يأمرنا بالشي‏ء ثم ينهانا عنه ، أمرنا أن نتولّى أبا الخطاب ، ثم أمرنا أن نلعنه ،

و نتبرأ منه ، فقال عليه السّلام و هو غلام ، ان اللَّه خلق خلقا للايمان ، لا زوال له ، و خلق خلقا بين ذلك أعارهم الايمان يسمّون المعارين ، إذا شاء سلبهم ، و كان أبو الخطاب ممّن أعير الايمان ، فدخلت على أبيه عليه السّلام فأخبرته بما قلت له و ما قال لي فقال انّه نبعة نبوة » هذا و قال ابن ميثم ابن ابي الحديد في نسخة الرضي بخطه ، و نسخ كثيرة انما ذكر قسمان مستقرا في القلوب و عواري بين القلوب و الصدور ، و لكن نقل ابن أبي الحديد في النسخة التي شرح عليها الكتاب ثلاثة فزاد بينهما ، « و منه ما يكون عواري في القلوب » و قال في شرح الثلاثة الأول : ايمان عن برهان ، و الثاني ايمان عن جدل ، و الثالث ايمان عن تقليد .

____________________

( ١ ) الرعد : ٢٨ .

( ٢ ) الفجر : ٢٧ ٣٠ .

٣٩٨

قلت : حيث انّه تفرّد به و لم يوافقه عليه حتى الكيدري كما في تقديم خطبة همّام و خطب أخرى يعلم ان الثاني كان حاشية اجتهادية من بعض المحشين خلطت بالمتن في نسخة ابن أبي الحديد مع ان القول بكون ما في القلب عارية ركيك .

و بعد كون الايمان ثابتا و عارية .

« فإذا كانت لكم براءة من أحد ، فقفوه ، حتى يحضره الموت فعند ذلك » أي :

حضور الموت .

« يقع حد البراءة » منه و يعلم كون ايمانه غير مستقر .

في ( الكافي ) عن إسحاق بن عمّار ، قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام ان اللَّه تعالى جبل النبيين على نبوّتهم ، فلا يرتدُّون أبدا ، و جبل الأوصياء على وصاياهم ، فلا يرتدُّون أبدا ، و جبل بعض المؤمنين على الايمان فلا يرتدّون أبدا و منهم من أعير الايمان عاريّة فإذا هو دعا و ألح في الدعاء مات على الايمان .

و ممّا يشهد لوجوب الوقف في البراءة إلى موته ان كثيرا من السعداء يمشون في طريق الأشقياء و بالعكس ثم يرجع كلّ منهما إلى أصله .

١٣

الخطبة ( ١٨٨ ) و من خطبة له عليه السّلام يصف فيها المتّقين :

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يُقَالُ لَهُ ؟ هَمَّامٌ ؟ كَانَ رَجُلاً عَابِداً فَقَالَ لَهُ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ صِفْ لِيَ اَلْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتَثَاقَلَ ع عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا ؟ هَمَّامُ ؟ اِتَّقِ اَللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَ إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا وَ اَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ١ ٩ ١٦ : ١٢٨

٣٩٩

فَلَمْ يَقْنَعْ ؟ هَمَّامٌ ؟ بِهَذَا اَلْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى ؟ اَلنَّبِيِّ ص ؟ ثُمَّ قَالَ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ اَلْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ اَلدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ اَلْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ اَلصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ اَلاِقْتِصَادُ وَ مَشْيُهُمُ اَلتَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى اَلْعِلْمِ اَلنَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي اَلْبَلاَءِ كَالَّذِي نُزِّلَتْ فِي اَلرَّخَاءِ وَ لَوْ لاَ اَلْأَجَلُ اَلَّذِي كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى اَلثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ اَلْعِقَابِ عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَ اَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ اَلنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ اَلدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اَللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى

٤٠٠