بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97841
تحميل: 2378


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97841 / تحميل: 2378
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

و لا تشيموا بارقها ، في الصحاح ( شمت البرق ) : إذا نظرت إلى سحابته أين تمطر١ .

« و لا تستمعوا ناطقها في ( ابن أبي الحديد ) و غيره ( و لا تسمعوا ناطقها ) فهو الصحيح و المعنى أبلغ .

« و لا تجيبوا ناعقها » من نعق الرّاعي بغنمه : صاح بها قال الأخطل :

انعق بضانك يا جرير فانّما « و لا تستضيئوا باشراقها » أي : اضاءتها و تلألؤها .

« و لا تفتنوا بأعلاقها » قال ابن أبي الحديد : الاعلاق جمع علق و هو الشي‏ء النفيس٢ .

قلت : بل مطلق المتاع و لو الخسيس و تخصيصه بالنفيس و هم الأصل فيه الجوهري فقال : العلق بالكسر النفيس من كلّ شي‏ء يقال علق مضنّة أي : ما يضنّ به٣ .

فكلامه كما ترى في معنى العلق النفيس ، لأنّه يقال علق نفيس يضنّ به صاحبه ، ثمّ أيّ نفائس للدنيا حتى يقول عليه السّلام : لا تفتنوا بنفائسها ، و انّما لها أمتعة مموّهة .

« فإن برقها خالب » هو تعليل لقوله عليه السّلام « و لا تشيموا بارقها » و البرق الخلب الّذي لا غيث فيه كأنّه خادع قال الجوهري و منه قيل لمن يعد و لا ينجز انّما أنت كبرق خلّب ، قال : و يقال ( برق خلب ) بالإضافة٤ .

قلت : و الأصل التوصيف كما في قوله ( لم يكن معروفك برقا خلّبا ، إن خير

____________________

( ١ ) الصحاح : ( شيم ) .

( ٢ ) الصحاح : ( علق ) .

( ٣ ) الصحاح : ( علق ) .

( ٤ ) الصحاح : ( خلب ) .

٢١

البرق ما الغيث معه .

« و نطقها كاذب » تعليل لقوله عليه السّلام « و لا تسمعوا ناطقها » و ما الحياة الدُّنيا إلاّ متاع الغرور١ .

« و أموالها محروبة و أعلاقها مسلوبة » هما معا تعليل لقوله عليه السّلام « و لا تفتنوا بأعلاقها » و حرب المال إذا أخذ و ترك صاحبه بلا شي‏ء ، قال تعالى و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٢ هذا و كأنّه سقط تعليل قوله عليه السّلام « و لا تجيبوا ناعقها » و قوله عليه السّلام « و لا تستضيئوا باشراقها » من النّسّاخ و لعلّ الأوّل ( و نعقها من الذّئاب ) و الثاني ( و ضياؤها ظلمة ) .

« ألا و هي المتصدّية العنون » في ( الصحاح ) : تصدّى له : أي تعرّض ، و هو الذي يستشرقه ناظرا إليه٣ .

و عنّ : أي عرض و اعترض ، شبّهها عليه السّلام بمرأة بغيّ تتصدّى للرجال و تعرض نفسها عليهم و لا تبقى عند أحد منهم فقالوا : الدّنيا كعروس مجلوّة تسرّ خطّابها و هي لهم قاتلة ، الدنيا قحبة فيوما عند عطّار و يوما عند بيطار٤ .

« و الجامحة الحرون » الفرس الجامح : الّذي لا يملكه راكبه ، و الفرس الحرون : الذي لا ينقاد ، شبّهها عليه السّلام بفرس شموس لا ينقاد لصاحبه ، و قيل بالفارسية :

بر ابلق زمانه سوار استى الحذر

زين اسب سركش بد چشم بد لگام

و قال شاعر :

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٢ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٣ ) الصحاح : ( صدى ) .

( ٤ ) الطرائف للمقدسي : ١٠ .

٢٢

لقد قال فيها الواصفون و أكثروا

و عندي لها وصف لعمري صالح

سلاف قصاراه ذعاف و مركب

شهيّ إذا استلذذته فهو جامح١

« و المائنة الخؤون » المين : الكذب ، شبّهها عليه السّلام بمرأة تكذب مع زوجها في حبّه ، و تخونه في التمكين من غيره ، قال ابن بسّام :

يا عجبا منها و من شأنها

عدوّة للنّاس معشوقة٢

و قيل بالفارسيّة :

مجو درستى عهد از جهان سست نهاد

كه اين عجوزه عروس هزار داماد است٣

« و الجحود الكنود » في ( الصّحاح ) : جحد الرجل بالكسر فهو جحد إذا كان ضيّقا قليل الخير٤ .

و كند ، أي : كفر النّعمة فهو كنود و امرأة كنود أيضا ، شبّهها عليه السّلام بمرأة تجحد احسان زوجها إليها و تكفر نعمته عندها و للنّساء تخصّص في هذا الوصف .

« و العنود الصّدود » في ( الأساس ) : رجل عنيد : يعرف الحقّ فيأباه فيكون منه في شق ، من العند و هو الجانب ، و رجل عنود : يحلّ وحده ، لا يخالط النّاس ،

قال :

و مولى عنود الحقته جريرة

و قد تلحق المولى العنود الجرائر٥

و الصدّ : الاعراض .

____________________

( ١ ) الطرائف للمقدسي : ١٠ .

( ٢ ) المصدر نفسه : ٩ .

( ٣ ) ديوان حافظ : ٢٧ .

( ٤ ) الصحاح : ( جحد ) .

( ٥ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٣١٤ ( ع ن د ) .

٢٣

« و الحيود الميود » حاد عن الشي‏ء مال عنه و ماد الشي‏ء : أي تحرّك و اضطرب ، قال البحتري في محبوبته :

فكم في الدّجى من فرحة بلقائها أي : في النّوم

و من ترحة بالبين منها لدى الفجر

إذا اللّيل أعطانا من الوصل بلغة

ثنتنا تباشير النّهار إلى الهجر١

« حالها انتقال » قال ابن أبي الحديد : يجوز أن يعني به أنّ سجيّتها انتقال ،

و يجوز أن يعني به أنّه و إن كان ، إنّما الموجود من الزّمان هو الحاضر لأنّ الماضي و المستقبل لا وجود لهما الآن إلاّ أنّ الذي يحكم عليه العقلاء بالحضور ، أيضا ليس بحاضر بل هو سيّال متغيّر٢ ، و قال باقي الشرّاح قريبا منه .

قلت : قرأوا قوله عليه السّلام « حالها » بتخفيف اللاّم من الحول فوقعوا في أوهام و انّما هو « حالّها » بتشديد اللاّم من الحلول ، و الحلول ضدّ الانتقال أراد عليه السّلام أن يثبت لكل صفة من الدنيا أثر ضدّها فقال عليه السّلام « حلولها انتقال » ،

و يشهد ذلك قوله عليه السّلام بعد « و وطأتها زلزال ، و عزّها ذلّ ، و جدّها هزل ، و علوّها سفل » فترى حمل عليه السّلام على كلّ صفة منها ضدّها و أين كلامه عليه السّلام ممّا قال هذا الزّمان الحاضر ثابت أو سيّال ، ثم حمل ( الانتقال ) على الحال إمّا مبالغة و امّا كان الأصل ( على الانتقال ) .

« و وطأتها زلزال » قال ابن أبي الحديد : الوطأة كالضّغطة و منه قوله صلّى اللَّه عليه و آله :

( اللّهمّ أشدد و طأتك على مضر ) ، و أصلها موضع القدم و الزّلزال : الشدّة

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ٢١١ يمدح المعتز .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١٢٣ .

٢٤

العظيمة ، و قال الراوندي : ( يريد أنّ سكونها حركة من قولك ( وطؤ الشي‏ء ) أي :

صار وطيئا ذا حال ليّنة و موضع وطي أي : وثير ) و هذا خطأ لأنّ المصدر من ذلك ( وطآءة ) بالمدّ و هنا ( وطأة ) ساكن الطاء فأين أحدهما من الآخر١ .

قلت : بل الحقّ مع الرّاوندي من كون المراد من كون ( وطأة الدنيا زلزالا ) ( ان سكونها حركة ) فانّه عليه السّلام في مقام أن يثبت لكلّ صفة منها في الظّاهر ضدّها في الباطن كما عرفت و قوله : الوطأة كالضغطة و منه قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم اللّهمّ اشدد و طأتك على مضر ، و هم تبع فيه الجوهري كقوله : ( و أصلها موضع القدم ) فانّ الأصل في الوطأة وضع القدم ، و انّما موضع القدم ( الموطأ ) قال تعالى و لا يطؤون موطأ يغيظ الكفّار .٢ ، و منشأ و هم الجوهري في قوله « الوطأة موضع القدم و هو أيضا كالضغطة ، و في الحديث : ( اللّهمّ اشدد وطأتك على مضرّ )٣ جعله معنى : أشدد وطأتك ، جملة الموطأة منفردا نظير جعله معنى ( علق مضنة ) للعلق منفردا ، و لا ريب أنّ ( وطأتها ) في كلامه عليه السّلام من ( صار الشي‏ء وطيئا ) كما قال الراوندي ، لما عرفت من شهادة السياق و هل رأى ابن أبي الحديد ( الوطأة ) بسكون الطاء في خطّه عليه السّلام أو سمعه من لفظه ،

و إنّما رأى خطّ النسّاخ ، و في الخطّ يكتبان على شكل واحد و لم يضع النّاسخ المدّ .

« و عزّها ذل » أهل الدّنيا لم يصيروا ذوي عزّة قطّ فإنّما العزّة للَّه و لرسوله و للمؤمنين ، و انّما قد يصيرون ذوي اقتدار في صورة أهل العزّة ، و سريعا يسلب عنهم مع أنّهم في حال اقتدارهم أذلاّء لكونهم

____________________

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) التوبة : ١٢٠ .

( ٣ ) الصحاح : ( وطأ ) .

٢٥

منقطعين عن اللَّه تعالى .

« وجدّها هزل » قالت بنت النعمان بن المنذر :

فبيّنا نسوس الناس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف١

« دار حرب و سلب و نهب و عطب » أي : هلاك ، قالوا : يسار الدّهر في الأخذ أسرع من يمينه في البذل ، لا يعطي بهذه إلاّ ارتجع بتلك ، و لا يؤمن يومه و يخاف غده و يرضع ثديه و يخرج يده٢ .

« أهلها على ساق و سياق » قال الشاعر :

و ما النّاس إلاّ مثل سيّقة العدا

ان استقدمت نحر و ان جبأت عقر

و ما النّاس في شي‏ء من الدّهر و المنى

و ما النّاس إلاّ سيّقات المقادر

« و لحاق » بالأموات .

« و فراق » من الأحياء قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لابنته فاطمة عليها السّلام : ( إنّك أوّل أهل بيتي لحوقا بي ) و قال لأزواجه : ( أطو لكنّ يدا أسرعكنّ بي لحوقا )٣ فكانت زينب بنت جحش .

و في دعاء المقابر : أنتم لنا فرط و انّا انشاء اللَّه بكم لاحقون٤ .

و قال تعالى : كلاّ إذا بلغت التّراقي و قيل من راق و ظنّ انّه الفراق و التفّت السّاق بالسّاق إلى ربِّك يومئذ المساق٥ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٥٣ .

( ٢ ) لم نعثر عليه .

( ٣ ) المجلسي في البحار عن النهاية ١٨ : ١١٤ ، و في النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٩٤ ( يد ) .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٥ .

( ٥ ) القيامة : ٢٦ ٣٠ .

٢٦

« قد تحيّرت مذاهبها » كالّذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا .١ .

« و أعجزت مهاربها » و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشدّ منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص٢ .

« و خابت مطالبها » قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّيها٣ ،

و استفتحوا و خاب كلّ جبار عنيد٤ ، و قال الشاعر :

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة

و ما هي إن غرّت قرونا بطائل٥

« فاسلمتهم المعاقل » و المعقل : الملجأ ، قال تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ .٦ .

« و لفظتهم المنازل » من قولهم لفظت الشي‏ء من فمي أي : رميته .

« و أعيتهم » من داء عياء : صعب لا دواء له ، كأنّه أعيى الأطباء .

« المحاول » من ( حاولت الشي‏ء ) : طلبته بحيلة .

« فمن ناج معقور » أي : مجروح ، قالوا : انحدر أبو العيناء مع ثمانين نفرا في زورق من بغداد إلى البصرة فغرقوا و نجا ، تعلّق بطلال الزّورق فلّما دخل البصرة٧ مات .

« و لحم مجزور » في ( الصحاح ) : جزر السّباع : اللحّم الذي تأكله السباع٨ .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٧١ .

( ٢ ) ق : ٣٦ .

( ٣ ) الشمس : ٩ ١٠ .

( ٤ ) إبراهيم : ١٥ .

( ٥ ) منسوب لأمير المؤمنين عليه السّلام في الديوان : ١٢٤ .

( ٦ ) النساء : ٧٨ .

( ٧ ) مروج الذهب ٤ : ٢٣٥ .

( ٨ ) الصحاح : ( جزر ) .

٢٧

و في ( المروج ) : أصيب كفّ عبد الرحمن بن عتاب من مقتولي الجمل مع عايشة بمنى ألقاها عقاب و فيها خاتم نقشه ( عبد الرحمن بن عتاب ) و كان اليوم الذي وجد فيه الكفّ بعد يوم الجمل بثلاثة أيّام و قطع على خطام جمل عايشة سبعون يدا من بني ضبّة معهم كعب بن سور القاضي متقلّدا مصحفا ،

كلّما قطع يد واحد منهم قام آخر و قال : أنا الغلام الضّبيّ١ .

« و شلو مذبوح » في ( الصحاح ) : الشّلو العضو من أعضاء اللحم٢ .

و الظاهر أنّه هنا بمعنى البقيّة من قولهم « بقيت أشلاء من تميم » : بقايا .

« و دم مسفوح » أي : مسفوك .

في ( خلفاء ابن قتيبة ) : كتب عبد الملك إلى الحجّاج يأمره بالمسير إلى العراق و يحتال لقتلهم فتوجّه و معه ألفا رجل من مقاتلة أهل الشام ، و تحرّى دخول البصرة يوم الجمعة في حين أوان الصّلاة و أمر من معه أن يتفرّقوا على أبواب المسجد على كلّ باب مائة رجل بأسيافهم تحت أرديتهم و عهد إليهم إن إذا سمعتم الجلبة داخل المسجد فلا يخرجنّ أحد من باب المسجد حتّى يسبقه رأسه إلى الأرض و كان المسجد له ثمانية عشر بابا فبدر ألف و ثمانمائة على كلّ باب مائة و جلسوا مرتدين و دخل الحجّاج و بين يديه مائة و خلفه مائة كلّ منهم مرتد بردائه و سيفه ، قد أفضى به إلى داخل إزاره و قال لهم : إنّي إذا دخلت فسأكلّم القوم في خطبتي و سيحصبوني ، فاذا رأيتموني وضعت عمامتي على ركبتي فضعوا أسيافكم ، فلمّا دخل المسجد و قد حانت الصلاة صعد المنبر ، و قال : إنّ الخليفة ولاّني مصركم و قسمة فيئكم ،

و إنصاف مظلومكم ، و إمضاء الحكم على ظالمكم ، و أخبركم أنّه قلّدني حين

____________________

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧١ .

( ٢ ) الصحاح : ( شلا ) .

٢٨

توليتي بسيفين : سيف رحمة ، و سيف نقمة ، فأمّا سيف الرحمة فسقط منّي في الطريق ، و امّا سيف النقمة فهو هذا و سلّ سيفه فحصبه النّاس ، فلمّا أكثروا عليه خلع عمامته فوضعها على ركبته ، فجعل السّيوف تبري الرقاب ، فلما سمع الخارجون الكائنون على الأبواب وقيعة الدّاخلين و تسارع الناس إلى الخروج تلقوهم بالسّيوف فارجعوا الناس إلى جوف المسجد ، و لم يتركوا خارجا يخرج من المسجد فقتل منهم بضعا و سبعين ألفا حتّى سالت الدماء إلى باب المسجد و إلى السّكك١ .

« و عاض على يديه » من النّدامة و يوم يعضُّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلا يا ليتني لم اتّخذ فلاناً خليلاً لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني و كان الشّيطان للإنسان خذولا٢ .

« و صافق بكفيّه » في ( الصحاح ) : الصّفق : الضّرب الذي يسمع له صوت ،

و التّصفيق باليد : التصويت بها٣ .

« و مرتفق بخدّيه » أي : جعل خدّيه على مرفقه .

« و زار على رأيه » قال أبو عمرو : الزّاري على آخر : الّذي لا يعدّه شيئا و ينكر عليه فعله٤ .

في ( المروج ) : جرح عبد الملك بن مروان في الجمل طلحة في جبهته و رماه أبوه مروان في أكحله .

قلت : انتقاما لعثمان و كانوا جميعا في عسكر عايشة ، فوقع طلحة صريعا و سمع و هو يقول :

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ( الامامة و السياسة ) ٢ : ٣٢ .

( ٢ ) الفرقان : ٢٧ ٢٩ .

( ٣ ) الصحاح : ( صفق ) .

( ٤ ) الصحاح : ( زرى ) : ٢٣٦٧ .

٢٩

ندمت ندامة وضلّ حلمي

و لهفي ثمّ لهف أبي و أمّي

ندمت ندامة الكسعي لمّا

طلبت رضا بني حزم بزعمي١

« و راجع عن عزمه » رجع الزّبير لمّا ذكّره أمير المؤمنين عليه السّلام قول النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله له بقتاله معه عليه السّلام ظلما و ترك العسكرين .

« و قد أدبرت الحيلة » حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعون لعلّي أعمل صالحا في ما تركت كلاّ انّها كلمةٌ هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون٢ « و أقبلت العيلة » في ( الصحاح ) : قتله غيلة : إذا ذهب به إلى موضع خدعة فقتله٣ .

« و لات حين مناص » اقتباس من الآية في سورة ( ص ) كم أهلكنا قبلهم من قرن فنادوا و لات حين مناص٤ قال أبو عبيد ( لات ) هي ( لا ) و ( التّاء ) انّما زيدت في ( حين ) و ان كتبت مفردة ، فقال أبو وحزة : ( العاطفون تحين ما من عاطف ) ، و قال المورج : بل زيدت في لا كما تزاد في ( ربّ )٥ و ( ابن ميثم ) قلت :

و هو أصحّ لكتابتها مفردة و لوجودها مع عدم ( حين ) في قوله : ( هنّت و لات هنّت ) و ( المناص ) التأخّر أي : ليس ذاك الوقت وقت تأخّر و فرار .

« هيهات هيهات » ذكر الجوهري ( هيهات ) في ( هيه ) و قال : انّها كلمة تبعيد ،

و أقول : و كأنّه لا تستعمل إلاّ مكرّرة كما في كلامه عليه السّلام بتصديق ابن أبي الحديد و كما في قول الشاعر :

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٦٥ .

( ٢ ) المؤمنون : ٩٩ ١٠٠ .

( ٣ ) الصحاح : ( غيل ) .

( ٤ ) الصحاح : ( ليت ) : ٢٦٥ سورة ص : ٣ .

( ٥ ) الصحاح : ( ليت ) : ٢٦٦ .

٣٠

فهيهات هيهات العقيق و أهله

و هيهات خلّ بالعقيق تحاوله١

و كما في قول آخر ، في وصف إبل قطعت بلادا و صارت في القفار :

يصبحن في القفر اتاويات

هيهات من مصحبها هيهات

هيهات ( حجر ) من ( صنيعات )

كسر التاء في ( هيهات ) امّا لضرورة الشعر ، و امّا لكونه لغة فيه جعلا له كنون التثنية و كما في قول آخر : ( أيهات منك الحياة ايهاتا )٢ جعل فيه الهاء ألفا و جعل الثاني اسما معربا مصدرا .

« قد فات ما فات و ذهب ما ذهب » و لن يؤخّر اللَّه نفسا إذا جاء أجلها و اللَّه خبير بما تعملون٣ .

« و مضت الدنيا لحال بالها » قال ابن أبي الحديد : حال بالها ، أي : إن خيرا و إن شرّا .

قلت : و الأحسن أن يقال المراد لحال قلبها و إرادتها كقولك : ( ما يخطر فلان ببالي ) .

« فما بكت عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين »٤ الآية المقتبسة في سورة الدّخان في فرعون و قومه و قبلها كم تركوا من جنّات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين٥ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١١٦ .

( ٢ ) لسان العرب ١٥ : ١٨٥ .

( ٣ ) المنافقون : ١١ .

( ٤ ) الدخان : ٢٩ .

( ٥ ) الدخان : ٢٥ ٢٨ .

٣١

٣٨

الحكمة ( ٢٢٨ ) و قال عليه السّلام :

مَنْ أَصْبَحَ عَلَى اَلدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اَللَّهِ سَاخِطاً وَ مَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّهُ وَ مَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ وَ مَنْ قَرَأَ ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ فَمَاتَ فَدَخَلَ اَلنَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيَاتِ اَللَّهِ هُزُواً وَ مَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ اَلدُّنْيَا اِلْتَاطَ مِنْهَا بِثَلاَثٍ هَمٍّ لاَ يُغِبُّهُ وَ حِرْصٍ لاَ يَتْرُكُهُ وَ أَمَلٍ لاَ يُدْرِكُهُ « من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء اللَّه ساخطا » في ( الكافي ) :

قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : يا معشر المساكين طيبوا نفسا و اعطوا الرّضا من قلوبكم يثبكم اللَّه على فقركم ، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم١ .

« و من أصبح يشكوا مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربّه » هكذا في ( المصرية )٢ ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة )٣ بدل « فقد أصبح يشكو ربّه » : « فانّما يشكو ربّه » .

في ( الكافي ) : إنّ رجلا شكا إلى الصادق عليه السّلام مصيبة أصيب بها فقال عليه السّلام له : ان تصبر تؤجر ، و إلاّ يمض عليك قدر اللَّه الذي قدّر عليك و أنت مأزور٤ .

« و من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه » في ( الكافي ) : مرّ عيسى عليه السّلام على قرية مات أهلها و طيرها و دوابها ، فقال : أما إنَّهم لم يموتوا إلاّ

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٦٢ ح ١٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة ( فقد أصبح ) : ٧٠٨ ح ٢٢٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٢ خ ٢٢٤ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٢٥ ح ١٠ .

٣٢

بسخط و إلاّ لتدافنوا إلى أن قال بعد ذكر نداء عيسى عليه السّلام لهم و جواب أحدهم له قال عيسى عليه السّلام : كيف كان حبّكم للدنيا ؟ قال : كحبّ الصبيّ لامّه ، إذا أقبلت علينا سررنا و إذا أدبرت علينا حزنّا و بكينا .١ .

و التواضع للغنيّ إنّما ذمّه لو كان لغناه ، و امّا لو كان لأخلاقه و تقواه فلا .

« و من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممّن كان يتّخذ آيات اللَّه هزوا » في ( الجمهرة ) : كانت قل يا أيُّها الكافرون و قل هو اللَّه أحد تسمّيان في صدر الإسلام المقشقشتين لأنّهما ابرأتا من النفاق٢ .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال محمّد بن علي المادرائي : كنت اجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخا عند قبره يقرأ ملازما للقبر ثمّ إنّي لم أره مدّة ثمّ رأيته بعد ذلك فقلت له : لست الّذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون و أنت تقرأ عليه ؟ فقال : بلى قد كان وليّنا ، و كان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكلّ فأحببت أن اقرأ عنده و أصله بالقرآن قلت : لم انقطعت عنه ؟ فقال : رأيته في النّوم و قال لي : أحبّ أن لا تقرأ عندي ، فكأنّي أقول له لأيّ سبب ؟ فقال : ما تمرّ بي آية إلاّ قرعت بها ، و قيل لي : أما سمعت هذه ؟٣ « و من لهج » أي : ولع و حرص .

« قلبه بحبّ الدنيا التاط » أي : لصق قلبه .

« منها بثلاث » هكذا في ( المصرية )٤ و قلبه ، زائدة لتقدّمه و لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد ) و غيره .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٦ ح ١١ .

( ٢ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ٤٤ .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٣ : ٨١ رقم ١٠٦٢ .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة : ٧٠٨ .

٣٣

« همّ لا يغبّه »١ أي : لا يكون له فترة و انقطاع ، بل له دوام و اتّصال ، قال الصادق عليه السّلام : مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ كلّما ازدادت على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّا٢ .

« و حرص لا يتركه و أمل لا يدركه » قال الصادق عليه السّلام : مثل الدّنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله٣ .

٣٩

الحكمة ( ٢٨٦ ) و قال عليه السّلام :

مَا قَالَ اَلنَّاسُ لِشَيْ‏ءٍ طُوبَى لَهُ إِلاَّ وَ قَدْ خَبَّأَ لَهُ اَلدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ قال تعالى في قارون فخرج على قومه في زينته قال الّذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم و قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللَّه خيرٌ لمن آمن و عمل صالحاً و لا يُلقّاها إلاّ الصّابرون فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللَّه و ما كان من المنتصرين و أصبح الّذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون و يكانَّ اللَّه يبسط الرِّزق لمن يشاء من عباده و يقدر لو لا ان منَّ اللَّه علينا لخسف بنا و يكانّه لا يفلح الكافرون٤ .

و في ( الأغاني ) : أنّ مطيع بن اياس اضطّر إلى بيع جارية له بالرّيّ لمّا خرج منها ، فلّما وصل إلى حلوان نظر إلى نخلتين هناك فقال :

اسعداني يا نخلتي حلوان

و ابكيا من ريب هذا الزّمان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٢ ، مع وجود اللفظ كذلك شرح ابن ميثم في ٥ : ٣٥٦ ح ٢١٣ اللفظ موجود .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٢٠ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٠٥ ح ٢٤ .

( ٤ ) القصص : ٧٩ ٨٢ .

٣٤

و اعلما انّ ريبه لم يزل

يفرّق بين الالاّف و الجيران

و لعمري لو ذقتما ألم الفرقة

أبكا كما الّذي أبكاني

أسعداني و ايقنا انّ نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

ثم روى أنّ المنصور اجتاز بالنخلتين و كانت إحداهما على الطريق فأراد قطعها فأنشد قول مطيع :

و اعلما ما بقيتما انّ نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

فقال : لا و اللَّه ما كنت ذلك النّحس الّذي يفرّق بينهما .

ثمّ روى أنّ المهدي قال : قد أكثر الشعراء في نخلتي حلوان فهممت أن آمر بقطعهما ، فبلغ قوله المنصور فكتب إليه أعيذك أن تكون النحس الّذي تلقاهما .

و روي أنّ الرّشيد لمّا خرج إلى طوس ، هاج به الدّم بحلوان ، فأشار عليه الطبيب بأكل جمّار ، فأحضر دهقان حلوان ، و طلب منه جمّارا فأعلمه أنّ بلده ليس بها نخل و لكن على العقبة نخلتان ، فمر بقطع إحديهما فقطعت ، فأتي بجمارتها ، فأكل منها و راح فلمّا انتهى إلى العقبة ، نظر إلى إحدى النخلتين مقطوعة و الاخرى قائمة و إذا على القائمة مكتوب :

أسعداني يا نخلتي حلوان

و ابكيا لي من ريب هذا الزّمان

أسعداني و ايقنا ان نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

فاغتمّ ، و قال : يعزّ عليّ أن أكون نحسكما ، و لو كنت سمعت بهذا الشعر ما قطعت هذه النخلة و لو قتلني الدّم١ .

و في ( تاريخ بغداد ) : ولّى عمر بن أبي عمر الأزدي من آل حماد بن زيد ،

القضاء بمدينة السّلام في حياة أبيه نيابة عنه ثمّ أقر بعده إلى آخر عمره في

____________________

( ١ ) الأغاني ١٣ : ٣٣١ ٣٣٠ .

٣٥

( ١٧ ) سنة و ( ٢٠ ) يوما ، قال المعافى بن زكريا : كنت أحضر مجلسه يوم النّظر ،

فحضرت أنا و جماعة من أهل العلم يوما في الموضع الذي جرت العادة بجلوسنا فيه ننتظره حتى يخرج ، فدخل أعرابي فجلس بقربنا ، فجاء غراب فقعد على نخلة في الدّار ، و صاح ثمّ طار فقال الأعرابي : هذا الغراب يقول إنّ صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام ، فصحنا عليه و زبرناه ، فقام و انصرف ، و احتسب خروج القاضي و إذا قد خرج إلينا الغلام و قال : القاضي يستدعيكم ، فقمنا إليه و إذا به متغيّر اللون مغتمّ ، فقال : انّي رأيت البارحة في المنام شخصا يقول :

منازل آل حمّاد بن زيد

على أهليك و النّعم السلام

فضاق لذلك صدري ، فدعونا له و انصرفنا فلّما كان اليوم السابع دفن ،

كان ذلك في سنة ( ٣٢٨ )١ .

و في ( وزراء الجهشياري ) : خلا جعفر البرمكي يوما بندمائه في منزله فتمضّخ بالخلوق و لبس الحرير ، و فعل بندمائه مثل ذلك و تقدّم إلى حاجبه بحفظ الناب إلاّ من عبد الملك بن نجران ، كاتبه فوقع في اذن الحاجب ( عبد الملك ) فقط و بلغ عبد الملك بن صالح العبّاسي مقام جعفر في منزله فركب إليه فوجّه الحاجب إلى جعفر « قد حضر عبد الملك » فقال يؤذن له و هو يظنّه ابن نجران فدخل عبد الملك بن صالح في سواده فلّما رآه جعفر اسوّد وجهه و كان عبد الملك لا يشرب النبيذ و كان ذلك سبب موجدة الرّشيد عليه لأنّه كان يلتمس ندامه فيأبى عليه فوقف عبد الملك على ما رأى من جعفر فدعا غلامه فناوله سواده و قلنسوته و أقبل حتى وقف على باب المجلس فقال ( افعلوا بنا ما فعلتم بأنفسكم ) فدنا منه خادم فألبسه حريرة و جاء فجلس و دعا بطعام ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ١١ : ٢٣٢ .

٣٦

فأكله و دعا بنبيذ فأتوه برطل فشربه ، و قال لجعفر و اللَّه ما شربته قبل اليوم فليخفّف عنّي فدعا له برطليّة جعلت بين يديه و جعل كلّما فعل ذلك شيئا سرّى عن جعفر فلّما أراد الإنصراف قال له جعفر : سل حاجتك ، فما تحيط مقدرتي بمكافأة ما كان منك ، فقال : إنّ في قلب الرّشيد عليّ هنة فتسأله الرّضا عنّي ،

فقال : قد رضي عنك ، قال : و عليّ أربعة آلاف درهم تقضي عنّي قال : انّها عندي حاضرة ، و لكن اجعلها من مال الخليفة ، فانّها أنبل لك ، قال : و ابراهيم ابني أحبّ أن أشدّ ظهره بصهر من أولاد الخليفة ، قال : قد زوّجه الخليفة ( العالية ) قال :

و يحبّ أن يخفق لواء على رأسه ، قال : قد ولاّه مصر ، قال إبراهيم بن المهدي أخو الرّشيد و كان من ندمائه تعجّبنا من إقدام جعفر من غير استئذان و قلنا : لعلّه أن يجاب إلى مال من الحوائج فكيف التّزويج ، فلّما كان من الغدّ وقفنا على باب الرّشيد و دخل جعفر فلم يلبث أن دعى بأبي يوسف القاضي و محمّد بن الحسن مع ابراهيم بن عبد الملك و قد خرج ابراهيم و قد خلع عليه ،

و زوّج و حملت البدر إلى منزل عبد الملك ، و خرج علينا جعفر و أشار علينا باتباعه ، و قال : تعلّقت قلوبكم بأوّل الحديث من أمر عبد الملك فأحببتم آخره ،

و إنّي لمّا دخلت على الخليفة ابتدأت القصّة ، كيف كان من أوّلها إلى آخرها ؟

فجعل يقول ( أحسن و اللَّه ) حتّى إذا أتممت خبره ، قال ما صنعت به فأخبرت فجعل يقول ( أحسنت أحسنت ) و فيه أيضا : حكي أنّ الرشيد قام عن مجلسه يريد الدخول إلى بعض حجر قصره ، و إنّ جعفر أسرع فرفع له السّتر و إنّ الرشيد جعل يتأمّل عنقه تأمّلا شديدا فرآه جعفر و هو يتأمّل ، فقال : ما متأمّل الخليفة ؟ قال : حسن عنقك و حسن موقع الجرّبان معرّب كريبان منه فقال :

لا و اللَّه ما تأمّلت إلاّ موضع سيفك ، فقال له : أعيذك باللَّه من هذا القول و اعتنقه و قبّله ، ثمّ قال الرّشيد للفضل بن الرّبيع بعد قتل جعفر و ذكر له هذا الخبر

٣٧

قاتل اللَّه جعفرا ما تأمّلت عنقه إلاّ لموضع السيف منه ، و لم يزل الرّشيد مع جعفر في حاله إلى أن ركب مستهلّ صفر سنة ( ١٨٧ ) إلى الصّيد و جعفر يسايره و انصرف ممسيا إلى القصر الذي كان ينزله بالأنبار ، و هو معه فضمّه إليه و قال : لو لا أنّي أريد الجلوس الليلة مع النساء لم افارقك ، فصار جعفر إلى منزله ، و واصل الرّشيد الرّسل إليه بالألطاف إلى وجه السّحر ، ثم هجم عليه مسرور الخادم فضرب عنقه ، و نصب رأسه و قطّعت جثّته بنصفين و صلبا على الجسرين١ .

٤٠

الحكمة ( ٢٩٧ ) و قال عليه السّلام :

مَا أَكْثَرَ اَلْعِبَرَ وَ أَقَلَّ اَلاِعْتِبَارَ عن الصادق عليه السّلام : كان أكثر عبادة أبي ذر التفكّر و الاعتبار .

و للجنيدي في قتل ( حسنك الأمير ) :

أبدى لك الدّهر في أحواله عبرا

لو كنت يوما بما تلقاه معتبرا

انظر بعين النّهى في حسنك لترى

سحاب كلّ بلاء أرضه مطرا

صلب و رجم و خير الرّأس بعدهما

من يقهر النّاس في سلطانه قهرا

و في ( أخبار حكماء القفطي ) : كان أبو البركات هبة اللَّه بن ملكا وقف على كتب المتقدّمين و المتأخّرين في الطّبّ و صنّف فيها كتابا سمّاه ( المعتبر ) و هو أحسن كتاب صنّفه فيه ، و كان الأطباء في وقته يسألونه عن مسائل من الأمراض فيجيب عنها ، فيسطرون ذلك عنه إلى أن صار مؤلّفا يتناقلونه بينهم ،

و نقل عنه معالجة عجيبة لذي سعال و قال : و لم يزل سعيدا إلى أن قلب له

____________________

( ١ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٢٣٤ بتصرف .

٣٨

الدّهر ظهر المجن ، فلما أسنّ عمى و طرش و برص و تجذّم ، و لمّا أحسَّ بالموت أوصى أن يكتب على قبره : ( هذا قبر أوحد الزّمان أبي البركات ذي العبر صاحب المعتبر )١ .

و في ( الحلية ) عن أبي عبد اللَّه السّجزي : العبرة أن تجعل كلّ حاضر غائبا ، و الفكرة أن تجعل كلّ غائب حاضرا٢ .

٤١

الحكمة ( ٤٣١ ) و قال عليه السّلام :

اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ طَالِبٌ وَ مَطْلُوبٌ فَمَنْ طَلَبَ اَلدُّنْيَا طَلَبَهُ اَلْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا وَ مَنْ طَلَبَ اَلْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا في ( الكافي ) : أوحى تعالى إلى الدّنيا أن أتعبي من خدمك و اخدمي من خدمني٣ .

أيضا عنه عليه السّلام : أما إن زهد الزّاهد في هذه الدّنيا لا ينقصه ممّا قسم اللَّه تعالى له فيها ، و ان حرص الحريص على عاجل زهرة الحياة الدّنيا لا يزيده فيها ، فالمغبون من حرم حظّه من الآخرة٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : قال تعالى : و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدّنيا ، إلاّ جعلت غناه في نفسه و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .

____________________

( ١ ) أخبار الحكماء للقفطي : ٢٢٦ .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١٠ : ٣٥٦ .

( ٣ ) في الفقيه و ليس الكافي ، راجع من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٦٣ ح ٥٧٦٢ باب ٢ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٦ .

٣٩

هذا ، و في ( الكشي ) : أتى عمّار يوم صفّين بلبن فضحك ، و قال : قال لي النبيّ صلى اللَّه عليه و آله : آخر شراب تشربه من الدّنيا مذقة من لبن حتى تموت .

و في خبر آخر : آخر زادك من الدّنيا ضياح من لبن١ .

٤٢

الحكمة ( ٣٠٣ ) و قال عليه السّلام :

اَلنَّاسُ أَبْنَاءُ اَلدُّنْيَا وَ لاَ يُلاَمُ اَلرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّهِ في ( طرائف المقدسي ) : قيل لعلي عليه السّلام : ألا ترى حرص النّاس على الدّنيا فقال عليه السّلام : هم ابناؤها ، فأخذ هذا المعنى محمّد بن وهب الحميري فقال :

نراع لذكر الموت ساعة ذكره

و نعترض الدّنيا فنلهو و نلعب

و قد ضمّت الدّنيا إليّ صروفها

و خاطبني أعجامها و هو معرب

و لكنّنا منها خلقنا لغيرها

و ما كنت منه فهو شي‏ء محبّب٢

و في ( حياة حيوان الدميري ) : قيل لجعفر الصادق عليه السّلام : ما بال الناس في الغلا يزداد جوعهم بخلاف العادة في الرّخص ؟ فقال : لأنّهم خلقوا من الأرض و هم بنوها ، فاذا اقحطت قحطوا و إذا أخصبت أخصبوا٣ .

« و لا يلام الرّجل على حبّ امّه » في ( القاموس ) : أمّ حباب الدّنيا ، و قال عمر بن أبي ربيعة :

ألام على حبّي كأنّي سننته

و قد سنّ هذا الحبّ من قبل جرهم٤

و عن الشّعبي : ما أعلم لنا و للدّنيا إلاّ قول كثير :

____________________

( ١ ) رجال الكشي للطوسي : ٣٣ ٣٤ رقم ٦٤ .

( ٢ ) الطرائف للمقدسي : ٨ .

( ٣ ) لم نعثر عليه في حيوان الدميري و لكنه مروي في البحار في ٧٨ : ٢٠٥ .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ٩١ ( الحب ) .

٤٠