بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 97847
تحميل: 2378


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 97847 / تحميل: 2378
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

و ان كان فيه عمر فقال له عمر : و بم علمت ذلك ؟ فقال وليته أمس فولاّك اليوم .

و في ( الطبري ) بعد ذكر بيعة عبد الرحمن بن عوف لعثمان قال علي عليه السّلام لعبد الرحمن حبوته حبو دهر ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل ، و اللّه المستعان على ما تصفون و اللّه ما وليت عثمان إلاّ ليرد الأمر إليك و اللّه كلّ يوم هو في شان .

« ان سألوا الحفوا » أي : الحوا و في ( الأساس ) : « يجوز أن يكون الحاف السائل من ( الحف ظفره ) استأصله » .

و هو صفة ذم قال تعالى : . لا يسألون الناس الحافاً .١ .

« و ان عذلوا » أي : لاموا .

« كشفوا » قيل أي : إذا عذلك أحدهم كشف عيوبك في ذلك العذل و جبهك بها .

« و ان حكموا أسرفوا » في ( الأغاني ) ، قال إبراهيم الموصلي : كنّا يوما عند الهادي و عنده ابن جامع و معاذ بن الطبيب و كان أوّل يوم دخل علينا معاذ و كان حاذقا بالأغاني عارفا بأقدمها فقال الهادي : من اطربني منكم فله حكمه فغناه ابن جامع فلم يحركه و فهمت غرضه في الأغاني فقال هات يا إبراهيم فغنيّته :

سليمى اجمعت بينا

فأين نقولها اينا٢

فطرب حتى قام من مجلسه و رفع صوته و قال : أعد فأعدت فقال : هذا غرضي فاحتكم فقلت : حايط عبد الملك و عينه الخرارة ، فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنّهما جمرتان ، و قال : يا ابن اللخناء أردت أن تسمع العامة أنّك

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٢ ) الأغاني لأبو الفرج الاصفهاني ١٨ : ٣٢٧ .

٥٨١

أطربتني و اني حكمتك فاقطعتك اما و اللّه لو لا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك لضربت الذي فيه عيناك ثم أطرق هنيئة فرأيت ملك الموت بيني و بينه ينتظر أمره ثم دعا إبراهيم الحرّاني فقال : خد بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال فليأخذ منه ما شاء فأدخلني و قال : كم تأخذ ؟ قلت مائة بدرة ،

قال : دعني أوامره فعلمت ما أراد فقلت : سبعين لي و ثلاثين لك ، و قال الآن جئت بالحق فشانك فانصرفت بسبعمائة ألف .

« قد أعدوا لكل حق باطلا » في ( تفسير القمي ) : ان قوما من الأنصار من بني أبيرق ، أخوة ثلاثة كانوا منافقين بشير و بشر و مبشر فنقبوا على عم قتادة بن النعمان و كان قتادة بدريا و أخرجوا طعاما كان أعدّه لعياله و سيفا و درعا فشكاهم قتادة إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال بنو أبيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل و كان مؤمنا فبلغه ذلك فأخذ سيفه و خرج عليهم فقال : يا بني أبيرق أترمونني بالسرقة و أنتم أولى بها مني و أنتم المنافقون تهجون النبي صلّى اللَّه عليه و آله و تنسبونه إلى قريش لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم فداروه و قالوا : ارجع انّك بري‏ء من ذلك و مشوا إلى رجل من رهطهم يقال له اسيد بن عروة و كان منطيقا بليغا فمشى إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال : ان قتادة عمد إلى أهل بيت منّا أهل شرف و حسب فرماهم بالسرقة و اتهمهم بما ليس فيهم فاغتم النبي صلّى اللَّه عليه و آله لذلك ،

و جاء إليه قتادة فعاتبه النبي صلّى اللَّه عليه و آله فاغتم من ذلك و رجع إلى عمه ، و قال ليتني متّ و لم أكلّم النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقد كلّمني بما كرهته فقال عمّه اللَّه المستعان فأنزل تعالى في ذلك لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اللَّه و لا تكن للخائنين خصيما١ .

____________________

( ١ ) النساء : ١٠٥ .

٥٨٢

« و لكلّ قائم مائلا » له عن القيام في مجالس ثعلب قال معاوية لعتبة يوم الحكمين يا أخي أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه و نشر أذنيه و لو قدر أن يتكلّم بها فعل و غفلة أصحابه مجبورة بفطنته و هي ساعتنا الطولى فاكفنيه قال عتبة بجهدي قال فقعدت بجنب ابن عباس فلمّا أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه بالحديث فقرع يدي و قال ليست ساعة حديث فأظهرت غضبا ، و قلت : يا ابن عباس ان ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا و قد و اللَّه تقدّم فيك العذر و كثر منها الصبر ، ثم اقذعته فجأش بي مرجله و ارتفعت أصواتنا فجاء القوم فأخذوا بأيدينا فنحوه عني و نحوني عنه فجئت فقربت من عمرو بن العاص فرماني بمؤخر عينه أي ما صنعت ؟ فقلت له : كفيتك التقواله ، فحمحم كما تحمحم الفرس للشعير .

و في ( الطبري ) استعمل معاوية عبد اللَّه بن عمرو بن العاص على الكوفة فأتاه المغيرة و قال له استعملت ابن عمرو بن العاص على الكوفة و هو على مصر فتكون أنت بين لحيي الأسد فعزله عنها و استعمل المغيرة على الكوفة و بلغ عمرو بن العاص ما قال المغيرة لمعاوية فدخل عليه فقال له اجعلت المغيرة على الكوفة ؟ قال : نعم قال : أجعلته على الخراج ؟ قال : نعم ، قال :

تستعمل المغيرة على الخراج فيغتال المال فيذهب به فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئا استعمل على الخراج من يخافك و يتقيك فعزل المغيرة عن الخراج و استعمله على الصلاة فلقى المغيرة عمرا فقال له أنت المشير على معاوية بما أشرت به في عبد اللَّه ؟ قال : نعم هذه بتلك .

و في ( عيون القتيبي ) قدم معاوية من الشام و عمرو بن العاص من مصر على عمر فأقعدهما بين يديه و جعل يسألهما عن أعمالهما إلى ان اعترض عمرو في حديث معاوية فقال له معاوية أعليّ تعيب و إليّ تقصد هلم

٥٨٣

حتى أخبر الخليفة عن عملك و تخبره عن عملي قال عمرو فعلمت انّه بعملي أبصر مني بعمله و ان عمر لا يدع أوّل هذا الحديث حتى يأتي على آخره فأردت أن أفعل شيئا أقطع به ذلك فرفعت يدي فلطمت معاوية فقال عمر تاللَّه يا معاوية الطمه رجلا اسفه منك ما رأيت فقال معاوية ان لي أميرا لا أقضي الأمور دونه فأرسل عمر إلى أبي سفيان فأتاه ثم قص عليه ما جرى بين عمرو و معاوية فقال : ألهذا بعثت إلى أخيه و ابن عمه و قد أتى غير كبير و قد وهبت له ذلك .

« و لكل حي قاتلا » في ( الطبري ) كان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد عظم شأنه بالشام و مال إليه أهلها لمّا كان عندهم من آثار أبيه و لغنائه عنهم في أرض الروم حتى خافه معاوية و خشي على نفسه منه لميل الناس إليه ، فأمر ابن اثال ان يحتال في قتله و ضمن له ان هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش و أن يولّيه جباية خراج حمص فلمّا قدم عبد الرحمن حمص منصرفا من بلاد الروم دس إليه ابن اثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات .

و فيه بعد ذكر فساد مصر على عهد محمد بن أبي بكر قال علي عليه السّلام لمالك الأشتر انت لها ، فتهيأ مالك للخروج و أتت معاوية عيونه فأخبروه فعظم ذلك عليه و قد كان قد طمع في مصر فعلم ان الأشتر ان قدمها كان أشدّ عليه من محمّد بن أبي بكر فبعث إلى الجايستار رجل من أهل الخراج ان الاشتر قدولّي مصر فان أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت فاحتل له بما قدرت عليه فخرج الجايستار حتى أتى قلزم و أقام به و خرج الاشتر من العراق فلمّا انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار ، و قال : هذا منزل و هذا طعام و علف و أنا رجل من أهل الخراج فنزل به الأشتر حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سمّا فسقاه إيّاه ، فلمّا شربها مات رحمه اللَّه .

٥٨٤

و أقبل معاوية يقول لأهل الشام : ان عليّا وجّه الأشتر إلى مصر فادعوا اللَّه أن يكفيكموه ، فكانوا كلّ يوم يدعون عليه و أقبل الذي سقاه إلى معاوية فأخبره بمهلكه فقام معاوية خطيبا و قال كانت لعلي يدان يمينان قطعت احداهما يعني عمّارا يوم صفين و قطعت الاخرى يعني الأشتر اليوم .

و في ( مقاتل ) أبي الفرج أرسل معاوية إلى ابنة الاشعث اني مزوجك يزيد ابني على ان تسمّي الحسن بن علي و بعث إليها بمائة ألف درهم الخ و فيه أيضا ان معاوية أراد البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شي‏ء أثقل عليه من أمر الحسن بن علي عليهما السّلام و سعد بن أبي وقاص ، فدسّ إليهما سمّا فماتا منه الخ سمّ الحسن عليه السّلام لأنّه شرط له ان يرجع الأمر بعده إلى أهله ، و أما سعد فسمّه لأن عمر كان جعله من ستة الشورى فكان يقوم في قبال معاوية لذلك .

« و لكل باب مفتاحا » في ( الطبري ) بلغ المغيرة و هو أمير على الكوفة ان زيادا ينتظر أن تجي‏ء امارته على الكوفة فخرج إلى معاوية فسأله ان يعزله ،

و ان يقطع له منازل بقرقيسا بين ظهري قيس فلمّا سمع بذلك معاوية خاف بائقته ، و قال له : لترجعن إلى عملك فأبى عليه فلم يزده ذلك إلاّ تهمة فردّه إلى عمله ، قال عيينة العجلي : فطرقنا المغيرة ليلا و اني لفوق القصر أحرسه فلمّا قرع الباب أنكرناه فلمّا خاف أن ندلي عليه حجرا تسمّى لنا فنزلت إليه فرحبت به و سلّمت عليه فتمثل :

بمثلي فاذعري يا ام عمرو

إذا ما هاجني السفر النعور

و قال : إذهب إلى ابن سمية فرحله حتى لا يصبح الا من وراء الجسر فخرجنا فأتينا زيادا فأخرجناه حتى طرحناه من وراء الجسر قبل أن يصبح .

« و لكلّ ليل مصباحا » في الطبري قال : أشياخ من ثقيف دخل المغيرة على

٥٨٥

معاوية ، فقال معاوية ، حين نظر إليه :

انما موضع سرّ المرء ان باح

بالسر أخوه المنتصح

فاذا بحت بسرّ فالى

ناصح يسره أو لا تبح

فقال : ان تستودعني تستودع ناصحا شفيقا ورعا وثيقا فما ذاك ؟ قال ذكرت زيادا و اعتصامه بأرض فارس و امتناعه بها فلم أنم ليلتي فأراد المغيرة أن يطأطى‏ء من زياد فقال : ما زياد هناك ؟ فقال معاوية « بئس الوطء العجز » زياد داهية العرب و معه الأموال متحصن بقلاع فارس يدبّر و يربص الحيل ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت فإذا هو قد أعاد على الحرب .

فقال المغيرة أتأذن لي في إتيانه ؟ قال : نعم و تلطف له فأتى المغيرة زيادا فقال زياد حين بلغه قدوم المغيرة : ما قدم إلاّ لأمر ثم اذن له فدخل عليه و هو في بهوله مستقبل الشمس فقال زياد : ( أفلح رائد ) فقال : إليك ينتهي الخبر أبا المغيرة ان معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك و لم يكن تعلم أحد يمد يده إلى هذا الأمر غير الحسن بن علي عليه السّلام و قد بايع معاوية فخذ لنفسك فيها التوطين فيستغني عنك معاوية ، قال : زياد اشر عليّ و ارم الغرض الأقصى ،

و دع عنك الفضول فان المستشار مؤتمن ، فقال المغيرة : ( في مخض الرأي بشاعة و لا خير في المذيق ) أرى ان تصل حبلك بحبله و نشخص إليه قال : أرى و يقضي اللَّه .

و فيه أيضا قدم زياد على معاوية فسأله عن أموال فارس فقال : دفعتها في ارزاق و اعطيات و حمالات و بقيت بقية أودعتها قوتا فمكث بذلك يردده و كتب زياد كتبا إلى قوم منهم شعبة بن قلعم : « قد علمتم ما لي عندكم من الأمانة فتدبروا كتاب اللَّه أنّا عرضنا السماوات و الأرض و الجبال الآية فاحتفظوا بما قبلكم و سمى في الكتب بالمبلغ الذي أقرّ به معاوية و دسّ

٥٨٦

الكتب مع رسوله و أمره أن يعرض لبعض من يبلغ ذلك معاوية فتعرّض رسوله حتى انتشر ذلك و أخذ فأتى به معاوية ، فقال معاوية لزياد : لئن لم تكن مكرت بي ان هذه الكتب من حاجتي فقرأها فاذا هي بمثل ما أقربه فقال معاوية : أخاف ان تكون مكرت بي فصالحني على ما شئت فصالحه على شي‏ء ممّا ذكره انّه عنده فحمله .

و فيه أيضا كان عبد الرحمن بن أبي بكرة يلي ما كان لزياد بالبصرة فبلغ معاوية ان لزياد أموالا عند عبد الرحمن و خاف زياد على أشياء له كانت في يد عبد الرحمن فكتب إليه يأمره باحرازها و بعث معاوية إلى المغيرة لينظر في أموال زياد فقدم المغيرة فأخذ عبد الرحمن فقال : لئن كان أساء إلى أبيك لقد أحسن زياد قلت : أشار إلى إقامة أبي بكرة شهادته على زنا المغيرة محصنا و تلجلج زياد باشارة عمر حتى دفع عن المغيرة الرجم .

فكتب المغيرة إلى معاوية اني لم أصب في يد عبد الرحمن شيئا يحل لي أخذه ، فكتب إليه معاوية ان عذبه ، فعذّبه إذ كان معاوية قد كتب إليه و أراد أن يعذر و يبلغ معاوية فقال له : احتفظ بما أمرني به عمك فألقى على وجهه حريرة و نضحها بالماء فكانت تلتزق بوجهه فغشى عليه ، ففعل ذلك ثلاث مرات ثم خلاّه و كتب إلى معاوية اني عذبته فلم أصب عنده شيئا فحفظ لزياد يده عنده أي في عدم شهادته .

و في صفين نصر بعد ذكر بعث معاوية قبل صفين إلى عمرو بن العاص و قدومه عليه و لمّا دخل عمرو عليه قال له معاوية طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس فيها ورد و لا صدر قال : و ما ذاك ؟ قال : ان محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو و أصحابه و هو من آفات هذا الدين أي دين الدعوة إلى أخذ ثأر عثمان الذي كان رأس مال معاوية و ان قيصر زحف

٥٨٧

بجماعة الروم الي ليغلب على الشام ، و منها ان عليّا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلي قال : ليس كلّ ما ذكرت عظيما اما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه ان تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به ، و ان فاتك لا يضرّك ، و أما قيصر فاهد له من وصفاء الروم و وصائفها و آنية الذهب و الفضة و سلمه الموادعة فانّه إليها سريع .

و أما علي فلا و اللَّه يا معاوية ما تستوي العرب بينك و بينه إلى أن قال قال عمرو معاوية : فما تجعل لي أن شايعتك على حربه و أنت تعلم ما فيه من الوزر و الخطر ؟ قال حكمك قال : مصر طعمة فتلكأ عليه ثم أعطاه و كتب له بها كتابا فقال له عمرو : امض الرأي الأول فبعث معاوية مالك بن هبيرة الكندي في طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله و بعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه .

ثم قال له عمرو : رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي و هو عدوّ لجرير البجلي الذي أرسله علي إليك لبيعته فأرسل إليه و وطّن له ثقاتك فليفشوا في الناس ان عليّا قتل عثمان و ليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فانها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب و ان تعلق بقلبه لم يخرجه شي‏ء أبدا إلى أن قال بعد ذكر عمل معاوية بما قال له عمرو دخل شرحبيل على معاوية و قال له : أبى الناس إلاّ أن عليا قتل عثمان و اللَّه لئن بايعت له لنخرجنّك من الشام أو لنقتلنك ، قال معاوية : ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلاّ رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية ان شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق و ان الشام كلّه مع شرحبيل .

و فيه أيضا بعد ذكر ليلة الهرير ان عليّا عليه السّلام قام خطيبا و قال قد بلغ الأمر بكم و بعدوّكم ما قد رأيتم ، و لم يبق منهم إلاّ آخر نفس و ان الامور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأوّلها ، و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم

٥٨٨

ما بلغنا ، و انا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى اللّه تعالى فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص و قال له : انما هي الليلة حتى يغدو علينا ( علي ) بالفيصل فما ترى ؟ قال : أرى ان رجالك لا يقومون لرجاله ، و لست مثله ، هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء ، و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم و أهل الشام لا يخافون عليّا إن ظفر بهم ، و لكن الق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا و ان ردوه اختلفوا ، ادعهم إلى كتاب اللّه حكما في ما بينك و بينهم فانك بالغ به حاجتك في القوم فاني لم أزل أؤخر هذا الأمر لحاجتك إليه فعرف ذلك معاوية فقال : صدقت .

« يتوصلون إلى الطمع باليأس » في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول تعالى ( ويل للذين يختالون الدنيا بالدين ) .

و عنه صلّى اللَّه عليه و آله سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم ، و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمّهم اللَّه بعقاب .

« ليقيموا به أسواقهم » من الوقفة .

في ( العقد ) ( مثل في الرياء ) قال وهب بن منبه نصب رجل من بني إسرائيل فخا فجاءت عصفورة فنزلت عليه فقالت مالي أراك منحنيا ؟ قال :

لكثرة صلاتي انحنيت قالت : فمالي أرى عظامك بادية ؟ قال : لكثرة صيامي قالت : فمالي أرى هذا الصوف عليك ؟ قال : لزهادتي في الدنيا قالت : فما هذه العصا عندك ؟ قال : اتوكأ عليها و أقضي حوائجي ، قالت فما هذه الحبة في يدك ؟ قال : قربان ان مربي مسكين ناولته إيّاها ، قالت : فاني مسكينة قال فخذيها فدنت فقبضت على الحبة فإذا الفخ في عنقها فجعلت تقول ( قعي قعي ) تفسيره لا غرني ناسك مراء بعدك أبدا .

٥٨٩

« و ينفقوا به أعلاقهم » أي : أمتعتهم قال في ( الجمهرة ) : « العلق الثوب و نحوه تقول هذا علق حسن و هذا علق سوء و علق نفيس و علق خسيس » .

و توهم الجوهري فاحشا و أغرب في الاستدلال ، فقال ( و العلق بالكسر النفيس من كلّ شي‏ء يقال ( علق مضنه ) أي ما يضن به الخ فانّه استند في كون معنى العلق المتاع النفيس بقولهم : ( علق مضنه ) فانّه نظير ان تقول معنى ( رجل ) حسن لأنّك تقول رجل حسن .

و من الغريب أن الفيروز آبادي مع تهالكه على تغليطه لم يتفطن فتبعه في الوهم كما ان النهاية أيضا تبعه ، فقال : معنى حديث حذيفة ( ما بال هؤلاء الذين يسرقون أعلاقنا ) أي نفائس أموالنا و لم يتفطن انّه معنى غلط فان الناس ينكرون سرقة مطلق أموالهم و أمتعتهم لا خصوص نفائسها و نظير كلامه عليه السّلام قول البختري في مدح الفتح بن خاقان :

كفى رايه الجلي و القى سماحه

نفاقا على علق من الشعر كاسد

و قوله في مدح أبي الصقر :

نفق الشعر بعد ما كان علقا

فاحش الرخص مكسدين تجارة

كما ان ابن أبي الحديد و ابن ميثم تبعا الجوهري و لم يتفطنا انّه يصير معنى كلامه عليه السّلام ليروجوا نفائس أمتعتهم و ليس للمنافق متاع نفيس و المتاع النفيس لا يكسد حتى يروج و تبعه الخوئي أيضا لكن أوّل كلامه عليه السّلام غلطا ،

فقال العلق النفيس من كلّ شي‏ء أي ترويج ما لديهم من متاع الضلال الذي يزعمون انّه متاع نفيس الخ فانّه من قبيل ما قيل بالفارسية

( لفظ ميگوئى

و معنى ز خدا ميطلبى )

« و يصفون فيوهمون » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فيموهون ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) من موّهت الشي‏ء طليته بفضة أو

٥٩٠

ذهب و تحت ذلك نحاس أو حديد .

لمّا قال معاوية ( ان الهاشمي إذا لم يكن سخيّا فليس بهاشمي ،

و المخزومي إذا لم يكن بتائه فليس بمخزومي ، و الاموي إذا لم يكن حليما فليس باموي ) بلغ ذلك الحسن عليه السّلام فقال أراد معاوية بكلامه ذاك أن يبذل الهاشميون كلّ ما عندهم فيفتقرون و يتيه المخزوميون فيبغضهم الناس و يحلم الامويون فيحبّهم الناس .

و في وزراء الجهشياري مر معاوية بسعد في طريق مكة بعد صلاة الصبح و معه أهل الشام فوقف و سلّم عليه فلم يرد سعد عليه السلام فقال معاوية لأهل الشام أتدرون من هذا ؟ هذا سعد صاحب رسول اللَّه لا يتكلّم حتى تطلع الشمس فبلغ سعدا ذلك فقال : ما كان ذلك مني و اللَّه على ما قال و لكني كرهت أن أكلمه .

« قد هونوا » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ( قد هيئوا ) .

« الطريق » لنيل مقاصدهم .

في ( كامل ) المبرد كان ( معاوية ) إذا أتاه عن بطريق من بطارقة الروم كيدا احتال له و كاتبه حتى يغري به ملك الروم فكانت رسله تأتيه فتخبره بأن هناك بطريقا يؤذي الرسل و يطعن عليهم و يسيى‏ء عشرتهم ، فقال معاوية أي شي‏ء في عمل المسلمين أحب إليه ؟ فقيل له : الخفاف الحمر و دهن البان ، فألطفه بهما ، ثم عرفت رسله باعتياده ثم كتب إليه كتابا كانه جواب كتاب منه يعلمه فيه ، انّه وثق بما وعده به من نصره و خذلان ملك الروم ، و أمر الرسول بأن يتعرّض لأن يظهر على الكتاب فلمّا ذهبت رسله في أوقاتها رجعت إليه قال : ما حدث هناك ؟ قالوا فلان البطريق رأيناه مصلوبا ، فقال

٥٩١

معاوية و أنا أبو عبد الرحمن .

« و أضلعوا » قال ابن دريد : ( اضلع الرجل بالشي‏ء ) إذا أطاق حمله .

« المضيق » في ( الطبري ) قال قبيصة الأسدي لو أن المغيرة جعل في مدينة لا يخرج من أبوابها كلّها إلاّ بالغدر لخرج منها .

« فهم لمة » قال الجوهري في ( لمى ) ( لمة ) الرجل تربه و شكله .

« الشيطان » في الخبر عن جابر : تمثّل إبليس أربع صور تصور : يوم قبض النبي صلّى اللَّه عليه و آله في صورة المغيرة بن شعبة ، فقال أيها الناس لا تجعلوها كسرانية و لا قيصرانية و سعوها تتسع ، فلا تردوها في بني هاشم فينتظر بها الحبالى الخبر .

« و حمة النيران » قال الجوهري في ( حمم ) .

« الحمة بالضم السواد و حمة الحر معظمه و أما حمة العقرب أي سمّها فهي مخففة الميم و الهاء عوض » و جعله ابن أبي الحديد بالتخفيف من حمة العقرب و لا معنى لسم النيران فلابد انّه بالتشديد بمعنى شدّة حرّها قال تعالى : . فما أصبرهم على النار١ .

هذا و قالوا أتى امرؤ القيس حارث بن أسوم اليشكري و اخويه قتادة و أبا شريح فقال امرؤ القيس : يا حارث اجز

« أ حار ترى بريقا هب و هنا »

فقال الحارث : «

كنار مجوس تستعر استعارا

فقال قتادة :

أرقت له و نام أبو شريح

إذا ما قلت قد هدأ استطارا

فقال أبو شريح :

كأن هزيره يوراء غيث

عشار و وله لاقت عشارا

فقال الحارث أيضا :

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٥ .

٥٩٢

فلمّا ان علا شرجي أضاخ وهبت

أعجاز ريقه فحارا

فقال قتادة أيضا :

فلم يترك ببطن الشر ظبيا

و لم يترك لقاعته حمارا

فقال امرؤ القيس : اني لأعجب من بيتكم هذا كيف لا يحترق من جودة بيتكم ، فسمّوا بني النار يومئذ .

هذا ، و روى ( أمالي الشيخ ) مسندا عنه عليه السّلام قال لرجل من شيعته : اجهد ألا يكون لمنافق عندك يد فان المكافي ( عنكم ط ) اللَّه عز و جل بجنته و محمّد صلّى اللَّه عليه و آله بشفاعته ، و الحسن و الحسين بحوض جدّهما١ .

٢٨

الحكمة ( ٧٩ ) خُذِ اَلْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ فَإِنَّ اَلْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ اَلْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ اَلْمُؤْمِنِ و الحكمة ( ٨٠ ) و قال عليه السّلام :

اَلْحِكْمَةُ ضَالَّةُ اَلْمُؤْمِنِ فَخُذِ اَلْحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنْ أَهْلِ اَلنِّفَاقِ أقول : رواه ( أمالي الشيخ ) عن أبي المفضل عن عبيد اللَّه بن الحسين العلوي النصيبي عن الجواد عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام هكذا : ( الهيبة خيبة و الفرصة خلسة و الحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها و لو عند المشرك تكونوا أحق بها و أهلها ) .

و روي عنه عن جعفر بن محمد العلوي الحسني عن أحمد بن عبد المنعم الصيداوي عن حمّاد بن عثمان عن حمران بن أعين عن السجاد عليه السّلام

____________________

( ١ ) الأمالي للشيخ الطوسي : ٥٨٧ ، المجلس ٢٥ حديث ١٢١٦ طبع مؤسسة البعثة ايران .

٥٩٣

عنه عليه السّلام ان الكلمة من الحكمة لتلجلج في صدر المنافق نزاعا إلى مظانها حتى يلفظ بها فيسمعها المؤمن فيكون أحقّ بها و أهلها فيلفقها .

« خذ الحكمة » يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذّكر إلاّ أولوا الألباب١ .

و في ( الخصال ) : تبع حكيم حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات ، فلمّا لحق به قال له : يا هذا ما أرفع من السماء ، و أوسع من الأرض ، و أغنى من البحر ، و أقسى من الحجر ، و أشدّ حرارة من النار ، و أشدّ بردا من الزمهرير ،

و أثقّل من الجبال الراسيات ؟ فقال له : يا هذا ، الحق أرفع من السماء ، و العدل أوسع من الأرض ، و غنى النفس أغنى من البحر ، و قلب الكافر أقسى من الحجر ، و الحريص الجشع أشدّ حرارة من النار ، و اليأس من روح اللَّه تعالى أبرد من الزمهرير ، و البهتان على البري‏ء أثقل من الجبال الراسيات .

هذا و في ( عيون ابن قتيبة ) ، قال بزرجمهر لأهل الحبس : سلوا الملك ان يرزقكم مكان الادم الاترج ليكون القشر لطيبكم و لحمته لفاكهتكم ، و الحماض لصباغكم ، و الحب لدهنكم فكان ذلك أوّل ما عرفت من حكمته .

« اني » أي : أين .

« كانت » و لا تتركها و لو كانت من عدوك .

و في ( المروج ) : كان إبراهيم بن المدبر مع محله في العلم و الأدب و المعرفة سي‏ء الرأي في أبي تمام ، و يحلف انّه لا يحسن شيئا فقال له محمد بن أبي الأزهر : ما تقول في قوله ؟ :

غدا الشيب مختطا بفوديّ خطة

سبيل الردى منها إلى النفس مهيع

فو اللَّه لكأني أغريته به حتى سبّه و لعنه قال : فقلت إذا فعلت ذلك فقد

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٦٩ .

٥٩٤

حدثني عمر بن أبي الحسين الطوسي أن أباه وجّه به إلى ابن الأعرابي يقرأ عليه أشعار هذيل فمرت بنا أراجيز فأنشدته ارجوزة لأبي تمام لم أنسبها إليه و هي :

عاذل عذلته من عذله

فظن اني جاهل ، من جهله

الخ فقال لابنه : اكتبها فكتبها على ظهر كتاب من كتبه فقلت له جعلت فداك انها لأبي تمام فقال ، خرّق خرّق قال المسعودي : و هذا من ابن المدبر قبيح لأن الواجب أن لا يدفع احسان محسن عدوا كان أو صديقا ، و ان تؤخذ الفائدة من الوضيع و الرفيع فقد روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال : الحكمة ضالة المؤمن فخذ ضالتك و لو من أهل الشرك و قد ذكر عن بزرجمهر و كان من حكماء الفرس انّه قال : أخذت من كلّ شي‏ء أحسن ما فيه حتى من الكلب و الهرة و الخنزير و الغراب ، قيل ما أخذت من الكلب ؟ قال : ألفه لأهله ، و ذبّه عن صاحبه قيل فما أخذت من الغراب ؟ قال : شدّة حذره قيل فمن الخنزير ؟ قال :

بكوره في حوائجه ، قيل : فمن الهرة ؟ قال : حسن نغمتها و تملقها لأهلها عند المسألة و من عاب مثل هذه الأشعار التي ترتاح لها القلوب و تحرّك بها النفوس و تصغي إليها الأسماع و تشحذ لها الأذهان و يعلم كلّ من له قريحة ،

و فضل و معرفة ان قائلها قد بلغ في الإجادة أبعد غاية و أقصى نهاية فانما غض من نفسه و طعن على معرفته و اختياره .

« فان الحكمة انما تكون في صدر المنافق فتلجلج » أي : تدار و تردد .

« في صدره حتى تخرج » من صدره .

« فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن » قالوا : خرج ابن المبارك مرابطا فبينما يمشي في أزقة المصيصة إذ لقى سكران قد رفع عقيرته يتغنى و يقول :

أذلني الهوى و أنا الذليل

و ليس إلى الذي أهوى سبيل

٥٩٥

فأخذ برنامجا من كمه ، فكتب البيت فقيل له : أتكتب شعرا سمعته من سكران ؟ فقال : أما سمعتم المثل ؟ « ربّ جوهرة في مزبلة » قالوا نعم ، قال فهذه جوهرة في مزبلة .

قول المصنف في الثاني « و قال عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم الخطّية ) ( و قال عليه السّلام في مثل ذلك ) و يشهد له المقام .

قوله عليه السّلام « الحكمة ضالّة المؤمن فخذ الحكمة و لو من أهل النفاق » قد عرفت ان المسعودي رواه ( الحكمة ضالّة المؤمن فخذ ضالتك و لو من أهل الشرك ) و رواه ( التحف ) : ( و الحكمة ضالة المؤمن فليطلبها و لو في أيدي أهل الشر )١ .

قال ابن أبي الحديد خطب الحجاج فقال : ( ان اللَّه أمرنا بطلب الآخرة و كفانا مؤنة الدنيا ، فليتنا كفينا مؤنة الآخرة و أمرنا بطلب الدنيا ) فسمعها الحسن فقال هذه ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق .

قال : و كان سفيان الثوري يعجبه كلام أبي حمزة الخارجي و يقول ضالة المؤمن على لسان المنافق « تقوى اللَّه أكرم سريرة و تفضل ذخيرة ،

منها ثقة الواثق ، و عليها مقة الوامق ، ليعمل كلّ امرى‏ء في مكان نفسه و هو رخي البال ، طويل السبب و ليعرف ممد يده و موضع قدمه ، و ليحذر الزلل و العلل المانعة من العمل ، رحم اللَّه عبدا آثر التقوى ، و استشعر شعارها و اجتنى ثمارها ، باع دار الفناء بدار الأبد الدنيا كروضة تونق مرعاها ،

و تعجب من رآها تمج عروقها الثرى ، و تنطف فروعها بالندى ، حتى إذا بلغ الشعب اناه ، و انتهى الزبرج منتهاه ، ضعف العمود و ذوي العود ، و تولّى من الزمان ما لا يعود ، فحتت الرياح الورق ، و فرّقت ما كان اتسق ، فأصبحت

____________________

( ١ ) تحف العقول لابن شعبة الحراني : ٢٠١ .

٥٩٦

هشيما ، و أمست رميما .

قلت : و يمكن أن يجعل من مصاديق كلامه عليه السّلام قول زياد بن أبيه ، لو ان لي ألف درهم و لي بعير أجرب لقمت عليه قيام من لا يملك غيره ، و لو ان عندي عشرة دراهم لا أملك غيرها و لزمني حق لوضعتها فيه .

هذا ، و في الكشي قال أبو عمر البزاز : قال الشعبي لي ذات يوم و كان إذا راح إلى القضاء و رجع جلس عندي ان لك عندي حديثا أحدثك به ، فقلت ما زال لي ضالة عندك ؟ فقال : لي لا أم لك فأي ضالة تقع لك عندي و أبى أن يحدّثني يومئذ ثم سألته بعد فقال : سمعت الحرث الأعور يقول : أتيت عليّا عليه السّلام ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاء بك ؟ فقلت : حبّك و اللَّه ، فقال : اما انّه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحبّ و لا يموت عبد يبغضني فخر نفسه حتى يراني حيث يكره .

ثم قال : قال لي الشعبي بعد اما ان حبّه لا ينفعك ، و بغضه لا يضرّك .

٢٩

الحكمة ( ٤٣ ) و قال عليه السّلام في ذكر خبّاب بن الأرتّ :

رَحِمَ اَللَّهُ ؟ خَبَّابَ بْنَ اَلْأَرَتِّ ؟ فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً وَ هَاجَرَ طَائِعاً وَ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضِيَ عَنِ اَللَّهِ وَ عَاشَ مُجَاهِداً و الحكمة ( ٤٤ ) و قال عليه السّلام :

طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ اَلْمَعَادَ وَ عَمِلَ لِلْحِسَابِ وَ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضِيَ عَنِ اَللَّهِ أقول هكذا في ( المصرية ) ، جعلهما عنوانين ، و الصواب جعلهما واحدا

٥٩٧

مع زيادة ( و قنع بالكفاف و رضي عن اللَّه ) في الأول كزيادة ( و قال ) في الثاني كما يشهد لذلك كلّه ابن ميثم و ابن أبي الحديد و ( الخطّية ) و مستنده .

ثم الأصل فيه ما رواه صفين نصر بن مزاحم في خبر رجوعه عليه السّلام عن صفين عن عبد الرحمن بن جندب بعد جوازه عليه السّلام النخيلة ، و رؤيتهم بيوت الكوفة ، و لقائه عليه السّلام عبد اللَّه بن وديعة الأنصاري و سؤاله عن قول الناس في أمره عليه السّلام ( ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف ، فاذا نحن عن ايماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال عليه السّلام ما هذه القبور ؟ فقال له : قدامة بن عجلان الأزدي ان خباب بن الأرت توفى بعد مخرجك ، فأوصى ان يدفن في الظهر و كان الناس يدفنون في دورهم و أفنيتهم فدفن الناس إلى جنبه فقال عليه السّلام : ( رحم اللَّه خبابا قد أسلم راغبا و هاجر طائعا و عاش مجاهدا ، و ابتلى في جسده أحوالا ، و لن يضيع اللَّه أجر من أحسن عملا ) ، إلى أن قال : طوبى لمن ذكر المعاد و عمل للحساب و قنع بالكفاف و رضي عن اللَّه بذلك ) و رواه تاريخ ( الطبري )١ قول المصنف : في ذكر خباب بن الأرت » خباب بتشديد الباء و الارت بتشديد التاء ، قال البلاذري : قال الواقدي : كان الأرت الكن إذا تكلّم بالعربية فسمي الارت ، قال : كان في ما يقول ولده من سعد بن زيد مناة بن تميم وقع عليه سباع فصار إلى ام أنمار بنت سبأ فاعتقته الخ لكن غيره قال : ان خبابا نفسه وقع عليه سبأ .

قال ابن أبي الحديد ( مات خباب سنة ( ٣٧ ) و قيل : ( ٣٩ ) بعد أن شهد مع علي عليه السّلام صفين و النهروان و صلّى عليه علي عليه السّلام ) و مثله ابن ميثم فقال :

( و مات خباب بعد انصرافه عليه السّلام من صفين بالكوفة ، و هو أوّل من قبره عليه السّلام بها .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٣ : ١٠٨ ، طبع دار الكتب العلمية بيروت .

٥٩٨

قلت قد عرفت من رواية نصر بن مزاحم انّه لم يشهد صفين و انّه مات قبل انصرافه و انما الأصل في وهم ابن أبي الحديد استيعاب ابن عبد البر و في و هم الثاني معارف ابن قتيبة و أما قول البلادري قال الواقدي : توفي خباب بالكوفة سنة ( ٣٧ ) و هو ابن ( ٧٣ ) و صلّى عليه علي عليه السّلام منصرفه من صفين ) فأعم و يمكن حمل قوله ( و صلّى عليه ) على ان المراد وقوفه على قبره منصرفه و الترحم عليه و السلام عليه حسبما تضمنه خبره و قال ابن قتيبة :

علي عليه السّلام أوّل من قبره بظهر الكوفة مع ان البلادري روى انّه نفسه وصّى ابنه بدفنه بالظهر فدفنه ابنه به .

قوله عليه السّلام « يرحم اللَّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الأحسن ( رحم اللَّه ) كما في ( ابن أبي الحديد ) و في خبر مستنده .

« خباب بن الارت » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( خبابا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« فلقد أسلم راغبا » روى أنساب البلاذري انّه أسلم سادس ستة و مع بني مظعون و أبي سلمة بن عبد الأسد قبل دخول دار الأرقم .

« و هاجر طائعا » في أنساب البلاذري لمّا هاجر النبي صلّى اللَّه عليه و آله و هاجر خباب نزل هو و المقداد على كلثوم بن الهدم ، فلم يبرحا منزله حتى توفي قبل بدر بيسير ، فتحولا على سعد بن عبادة فلم يزالا عنده حتى فتحت قريظة و آخا النبي صلّى اللَّه عليه و آله بين خباب و جبر بن عتيك الأوسي .

« و عاش مجاهدا » قال البلاذري : لم يتخلّف خباب عن مشهد من مشاهد النبي صلّى اللَّه عليه و آله .

ثم قد عرفت ان رواية نصر زادت في وصفه عليه السّلام له ( و ابتلى في جسده أحوالا ) روى ( أنساب البلادري ) عن الشعبي قال : اعطوهم ما أرادوا حين

٥٩٩

عذبوا إلا خبابا فجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف حتى ذهب ماء متنه و عن قيس بن أبي حازم : دخلنا على خباب نعوده و قد اكتوى في بطنه سبعا و قال : لو لا ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت بالموت .

و عن أبي صالح قال : كان خباب قينا و كان قد أسلم فكان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يألفه و يأتيه فأخبرت بذلك مولاته فكانت تأخذ الحديدة و قد أحمتها فتضعها على رأسه ، فشكا ذلك إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال : اللّهم انصر خبابا فاشتكت مولاته و هي أم أنمار رأسها فكانت تعوي مع الكلاب فقيل لها اكتوي فكان خباب يأخذ الحديدة قد أحماها فكان يكوي بها رأسها .

و عن خباب قد أوقد المشركون لي نارا ثم سلقوني فيها ثم وضع رجل رجله على صدري فما أتيت الأرض إلاّ بظهري ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص .

« طوبى لمن ذكر المعاد ، و عمل للحساب » لأنّه هيأ أسباب فلاحه و في أسباب نزول الواحدي مسندا عن خباب قال فينا نزلت و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه .١ ، الآية كنّا ضعفاء عند النبي صلّى اللَّه عليه و آله بالغداة و العشي يعلّمنا القرآن و الخير و كان يخوفنا بالجنّة و النار و ما ينفعنا و بالموت و البعث .

فجاء الأقرع بن حابس التميمي و عيينة بن حصن الفزاري فقالا إنّا من أشراف قومنا و إنّا نكره أن يرونا معهم فأطردهم إذا جالسناك قال نعم قالوا لا نرضى حتى تكتب بيننا كتابا فأتى بأديم و دواة فنزلت الآيات .

و في أنساب البلاذري أيضا مسندا عن خباب قال كنت قينا و كان لي

____________________

( ١ ) الانعام : ٥٢ .

٦٠٠