بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 110401 / تحميل: 3564
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الفردوس هم فيها خالدون١ .

٥

من الخطبة ( ١٧٨ ) وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اَللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ٢٩ ٣٤ ٦٥ : ٢ مِنَ اَلْفِتَنِ وَ نُوراً مِنَ اَلظُّلَمِ وَ يُخَلِّدْهُ فِيمَا اِشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَ يُنْزِلْهُ مَنْزِلَةَ اَلْكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارٍ اِصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ظِلُّهَا عَرْشُهُ وَ نُورُهَا بَهْجَتُهُ وَ زُوَّارُهَا مَلاَئِكَتُهُ وَ رُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ أقول : قوله عليه السّلام : « و اعلموا انّ من يتّق اللَّه يجعل له مخرجا من الفتن » قال تعالى و من يتّق اللَّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب .٢ ،

و من يتّقِ اللَّه يجعل له من أمره يسراً٣ ، و من يتّق اللَّه يكفّر عنه سيّئاته و يعظم له أجراً٤ ، قال أنا يوسف و هذا أخي قد مَنَّ اللَّه علينا إنّه من يتّق و يصبر فإنَّ اللَّه لا يضيع أجر المحسنين٥ .

« و نورا من الظلم » قال تعالى اللَّه وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النور .٦ ، و قال تعالى هو الّذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظُّلمات إلى النّور و كان بالمؤمنين رحيما٧ .

« و يخلّده في ما اشتهت نفسه » جنّاتُ عدنٍ التي وعد الرّحمن عباده

____________________

( ١ ) المؤمنون : ١٠ ١١ .

( ٢ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٣ ) الطلاق : ٤ .

( ٤ ) الطلاق : ٥ .

( ٥ ) يوسف : ٩٠ .

( ٦ ) البقرة : ٢٥٧ .

( ٧ ) الأحزاب : ٤٣ .

٨١

بالغيب انّه كان وعدهُ مأتياً لا يسمعون فيها لغواً إلاّ سلاماً و لهم رِزقهم فيها بكرةً و عشيّاً١ ، إنَّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها و هم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الّذي كنتم توعدون٢ ، إنّ الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدّنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون نُزلا من غفور رحيم٣ ،

الأخِلاّء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلاّ المتّقين يا عبادي لا خوفٌ عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون الّذين آمنوا بآياتنا و كانوا مسلمين ادخلوا الجنّة أنتم و أزواجكم تحبرون يُطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ و أكوابٍ و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين و أنتم فيها خالدون و تلك الجنّة الّتي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهةٌ كثيرةٌ منها تأكلون٤ ، على سررٍ موضونةٍ متّكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون بأكوابٍ و أباريق و كأسٍ من معينٍ لا يصدّعون عنها و لا ينزفون و فاكهةٍ ممّا يتخيّرون و لحم طيرٍ ممّا يشتهون و حورٌ عينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءً بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغواً و لا تأثيماً إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً٥ ، إنّ المتّقين في جنّاتٍ و نعيمٍ فاكهين بما آتاهم ربّهم و وقاهم ربُّهم عذاب الجحيم كلوا و اشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون متّكئين على

____________________

( ١ ) مريم : ٦١ ٦٢ .

( ٢ ) الأنبياء : ١٠١ ١٠٣ .

( ٣ ) فصّلت : ٣٠ ٣٢ .

( ٤ ) الزخرف : ٦٧ ٧٣ .

( ٥ ) الواقعة : ١٥ ٢٦ .

٨٢

سررٍ مصفوفةٍ و زوّجناهم بحورٍ عين . و أمددناهم بفاكهة و لحمٍ ممّا يشتهون يتنازعون فيها كأساً لا لغوٌ فيها و لا تأثيمٌ١ .

« و ينزله منزلة » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( منزل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٣ .

« الكرامة عنده » قال تعالى نُزلاً من غفورٍ رحيم٤ ، تحيّتهم يوم يلقونه سلام و أعدّ لهم أجراً كريماً٥ .

« في دار اصطنعها لنفسه » تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتّقين٦ ، تلك الجنّة التي نورثُ من عبادنا من كان تقيّا٧ .

« ظلّها عرشه » قالوا كلامه عليه السّلام هذا يدلّ على انّ الجنّة فوق السماوات السّبع و تحت العرش .

« و نورها بهجته » اللَّه نور السماوات و الأرض .٨ .

« و زوّارها ملائكته » قال تعالى . إنّما يتذكّر أولوا الألباب الّذين يوفون بعهد اللَّه و لا ينقضون الميثاق و الّذين يصلون ما أمر اللَّه به أن يوصل و يخشون ربّهم و يخافون سوء الحساب و الّذين صبروا ابتغاء وجه ربِّهم و أقاموا الصّلاة و انفقوا ممّا رزقناهم سرّاً و علانيةً و يدرؤون بالحسنة

____________________

( ١ ) الطور : ١٧ ٢٣ .

( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة « و ينزله منزل » : ٣٩٥ ح ١٧٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١١٦ ح ( ١٨٤ ) ، و ابن ميثم : « ينزل منزلة » ٤ : ٣٩٨ ، كذلك الخطية : ١٦٥ .

( ٤ ) فصّلت : ٣٢ .

( ٥ ) الأحزاب : ٤٤ .

( ٦ ) القصص : ٨٣ .

( ٧ ) مريم : ٦٣ .

( ٨ ) النور : ٣٥ .

٨٣

السّيئة أولئك لهم عقبى الدّار جنّات عدن يدخلونها و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذُرِّياتهم و الملائكة يدخلون عليهم من كُلّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار١ .

« و رفقاؤها رسله » قال تعالى و من يطع اللَّه و الرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللَّه عليهم من النبيّين و الصّدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا٢ .

٦

الحكمة ( ٢٨٠ ) و قال عليه السّلام :

مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ اَلسَّفَرِ اِسْتَعَدَّ أي : استعدّ بقدر بعده قال تعالى يا أيُّها الّذين آمنوا اتَّقوا اللَّه و لتنظرْ نفسٌ ما قدّمت لغدٍ و اتّقوا اللَّه إنّ اللَّه خبير بما تعملون و لا تكونوا كالّذين نسوا اللَّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون٣ ، كلاّ إذا دُكّت الأرض دكّاً دكّاً و جاء ربُّك و الملك صفّاً صفّاً و جي‏ء يومئذٍ بجهنّم يومئذٍ يتذكّر الإنسان و أنّى له الذّكرى يقولُ يا ليتني قدّمت لحياتي فيومئذ لا يُعذّب عذابه أحدٌ و لا يوثق وثاقه أحدٌ يا أيّتها لنفس المطمئنة ارجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيّةً فادخلي في عبادي و ادخلي جنَّتي٤ .

____________________

( ١ ) الرعد : ١٩ ٢٤ .

( ٢ ) النساء : ٦٩ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ ١٩ .

( ٤ ) الفجر : ٢١ ٣٠ .

٨٤

٧

الخطبة ( ٢٧ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَ إِنَّ اَلْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلاَعٍ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْيَوْمَ اَلْمِضْمَارَ وَ غَداً اَلسِّبَاقَ وَ اَلسَّبَقَةُ اَلْجَنَّةُ وَ اَلْغَايَةُ اَلنَّارُ أَ فَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَ لاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلاَ وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي اَلرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي اَلرَّهْبَةِ أَلاَ وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلاَ وَ إِنَّهُ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ اَلْحَقُّ يَضُرُّهُ اَلْبَاطِلُ وَ مَنْ لَمْ يَسْتَقِمْ بِهِ اَلْهُدَى يَجُرُّ بِهِ اَلضَّلاَلُ إِلَى اَلرَّدَى أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَ دُلِلْتُمْ عَلَى اَلزَّادِ وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ اِثْنَتَانِ اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى وَ طُولُ اَلْأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا مِنَ اَلدُّنْيَا مَا تُحْرِزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً أقول : لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزّهد في الدّنيا ، و يضطرّ إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام ، و كفى به قاطعا لعلائق الآمال ، و قادحا زناد الإتّعاظ و الإزدجار و من أعجبه قوله عليه السّلام : « ألا و إنّ اليوم المضمار ، و غدا السّباق ،

و السّبقة الجنّة ، و الغاية النّار » فانّ فيه مع فخامة اللّفظ ، و عظم قدر المعنى ،

و صادق التمثيل ، و واقع التشبيه ، سرّا عجيبا ، و معنى لطيفا ، و هو قوله عليه السّلام « و السّبقة الجنّة و الغاية النّار » ، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، و لم يقل : « السبقة النّار » كما قال : « السّبقة الجنّة » لأنّ الاستباق انّما يكون إلى أمر محبوب ، و غرض مطلوب ، و هذه صفة الجنّة و ليس هذا المعنى موجودا في

٨٥

النّار ، نعوذ باللَّه منها فلم يجز أن يقول : و السّبقة النّار » بل قال : « و الغاية النّار » لأنّ الغاية قد ينتهي إليها من لا يسّره الانتهاء إليها ، و من يسرّه و لا يصلح أن يعبّر بها عن الأمرين معا ، فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل ، قال تعالى . قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار١ و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال ( سبقتكم ) بسكون الباء إلى النّار ، فتأمّل ذلك فباطنه عجيب ، و غوره بعيد ، و كذلك أكثر كلامه عليه السّلام و في بعض النّسخ : و قد جاء في رواية اخرى « و السّبقة الجنّة » بضمّ السّين و السّبقة عندهم : اسم لما يجعل للسّابق إذا سبق من مال أو عرض ، و المعنيان متقاربان ، لأنّ ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم و إنّما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود .

أقول : هذه الخطبة رواها ابن قتيبة في ( خلفائه ) و الجاحظ في ( بيانه ) و إبراهيم الثقفي في ( غاراته ) و محمّد بن بابويه في ( فقيهه ) و ابن أبي شعبة في ( تحفه ) و محمّد بن محمّد بن النّعمان في ( إرشاده ) و المسعودي في ( مروجه ) مع اختلاف و زيادة و نقص .

قال الأول : ذكروا أنّ البيعة لمّا تمّت له عليه السّلام بالمدينة : خرج إلى المسجد فصعد المنبر إلى أن قال قال عليه السّلام : و اعلموا أنّ الدّنيا قد أدبرت و الآخرة قد أقبلت ألا و إنّ المضمار اليوم و السّبق غدا ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ،

ألا إنّ الأمل يسهي القلب و يكذب الوعد و يأتي بغفلة و يورث حسرة فهو غرور و صاحبه في عناء فافزعوا إلى قوام دينكم و اتمام صلاتكم و أداء زكاتكم و النصيحة لإمامكم و تعلّموا كتاب اللَّه و أصدقوا الحديث عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدّوا الأمانات إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب اللَّه

____________________

( ١ ) إبراهيم : ٣٠ .

٨٦

و ارهبوا عذابه و اعملوا الخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدّم الخير١ .

و قال الثاني : و خطب عليه السّلام فقال : أمّا بعد فانّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بوداع و إنّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطّلاع و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا ،

ألا و إنّكم في أيّام أمل من ورائه أجل فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله و لم يضرّه أمله ، و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أمله ألا فاعملوا للَّه في الرغبة كما تعملون له في الرّهبة ،

ألا و انّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لا كالنّار نام هاربها ، ألا و إنّه من لم ينفعه الحقّ يضرّه الباطل و من لم يستقم بالهدى يجرّ به الضّلال ، ألا و إنّكم قد أمرتم بالظعن و دللتم و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل و مثله الأخير مع أدنى اختلاف٢ .

و قال الثالث : كما نقل ( البحار ) عن عبد الرحمن بن نعيم عن أشياخ قومه أنّ عليّا عليه السّلام كان كثيرا ما يقول في خطبته : أيّها النّاس انّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت أهلها بوداع و انّ الآخرة قد أقبلت و آذنت باطّلاع ألا و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا ، ألا و إنّ السَّبق الجنّة و الغاية النّار ، ألا و إنّكم في أيّام مهل من وراءه أجل يحثّه العجل فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضرّه أمله ، ألا و إنّ الأمل يسهي القلب و يكذب الوعد و يكثر الغفلة و يورث الحسرة فاعزبوا عن الدّنيا كأشدّ ما أنمت عن شي‏ء تعزبون فإنّها من ورود صاحبها منها في غطاء معنى و أفزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصّلاة لوقتها و اداء الزكاة لحلّها و التضرّع إلى اللَّه و الخشوع له وصلة الرّحم و خوف المعاد و اعطاء السائل و إكرام الضّيف ، و تعلّموا القرآن و اعملوا به و اصدقوا الحديث

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء « الإمامة و السياسة » لابن قتيبة : ٥٠ ٥١ و قد ذكر الشطر الأخير من الخطبة .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٥٢ ٥٣ .

٨٧

و آثروه و اوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدّوا الأمانة إذا أئتمنتم و ارغبوا في ثواب اللَّه و خافوا عقابه فانّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لا كالنّار نام هاربها ، فتزوّدوا من الدّنيا ما تحرزوا به أنفسكم غدا من النّار ، و اعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير١ .

و قال الرابع : خطب عليه السّلام يوم الفطر إلى أن قال ألا أنّ الدّنيا قد تنكّرت و أدبرت و أحلولت و آذنت بوداع ألا و إنّ الآخرة قد رحلت فأقبلت و أشرفت و أذنت باطّلاع ألا و انّ المضمار اليوم و السّباق غدا ، ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، أ فلا تائب من خطيئته قبل يوم منيّته ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه و فقره جعلنا اللَّه و إيّاكم ممّن يخافه و يرجو ثوابه .٢ .

و قال الخامس : خطبته عليه السّلام المعروفة بالدّيباج الحمد للَّه فاطر الخلق ،

و فالق الإصباح ، ( إلى أن قال ) و اعلموا عباد اللَّه ، أنّ الأمل يذهب العمل ، و يكذب الوعد ، و يحثّ على الغفلة ، و يورث الحسرة ، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور و انّ صاحبه مأزور فاعملوا في الرغبة و الرّهبة ، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا و اجمعوا معها رغبة ، فإنّ اللَّه قد تأذّن للمسلمين بالحسنى ، و لمن شكر بالزّيادة ، فإنّي لم أر مثل الجنّة ، نام طالبها ، و لا كالنّار نام هاربها ، و لا أكثر مكتسبا ممّن كسبه ليوم تذخر فيه الذّخائر و تبلى فيه السرائر ، و إنّ من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل ، و من لا يستقم به الهدى تضرّه الضّلالة ، و من لا ينفعه اليقين يضرّه الشك ، و إنّكم قد أمرتم بالظّعن و ددلتم على الزاد ، ألا إنّ أخوف ما أتخوّف عليكم اثنان طول الأمل و اتّباع الهوى ، ألا و انّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بانقلاع ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت و آذنت باطّلاع ، ألا و إنّ المضمار

____________________

( ١ ) الثقفي ، الغارات ٢ : ٦٣٣ و ذكره المجلسي في البحار ٧٨ : ٣٥ .

( ٢ ) الفقيه ١ : ٥١٤ ح ٥١٦ ( ١٤٨٢ ) .

٨٨

اليوم و السّباق غدا ، ألا و انّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، ألا و إنّكم في أيّام مهل من وراءه أجل يحثّه عجل فمن أخلص للَّه عمله في أيّامه قبل حضور أجله ،

نفعه عمله و لم يضرّه أمله ، و من لم يعمل في أيّام مهله ضرّه أمله و لم ينفعه عمله ، عباد اللَّه افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصّلاة لوقتها ، و إيتاء الزكاة لحينها ، و التّضرّع و الخشوع ، و صلة الرّحم ، و خوف المعاد ، و إعطاء السائل و إكرام الضّعيفة ، و الضعيف و تعلّم القرآن و العمل به ، و صدق الحديث ،

و الوفاء بالعهد ، و أداء الأمانة إذا أئتمنتم ، و ارغبوا في ثواب اللَّه و ارهبوا عذابه ،

و جاهدوا في سبيل اللَّه بأموالكم و أنفسكم ، و تزوّدوا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم ، و اعملوا بالخير يوم يفوز بالخير ، من قدّم الخير أقول قولي و أستغفر اللَّه لي و لكم١ .

و قال السادس عليه السّلام : أمّا بعد ، أيّها النّاس : فإنّ الدّنيا قد آدبرت و أذنت بوداع و انّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطّلاع ، ألا و إنّ المضمار اليوم و غدا السباق و السبقة الجنّة و الغاية النّار ، ألا و انّكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثّه عجل ، فمن أخلص للَّه عمله لم يضرّه أمله و من أبطأ به عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أمله ، ألا فاعملوا في الرّغبة و الرّهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا اللَّه و اجمعوا معها رهبة ، و إن نزلت بكم رهبة فاذكروا اللَّه و اجمعوا معها رغبة ، فإنّ اللَّه قد تأذّن للمحسنين بالحسنى ، و لمن شكره بالزّيادة ، و لا كسب خير من كسب ليوم تذخر فيه الذّخائر و تجمع فيه الكبائر و تبلى فيه السّرائر ، و إنّي لم أر مثل الجنّة نام طالبها ، و لا مثل النّار نام هاربها ، ألا و إنّه من لا ينفعه اليقين يضرّه الشّك و من لا ينفعه حاضر لبّه و رأيه

____________________

( ١ ) الإرشاد للمفيد ١ : ٢٢٩ .

٨٩

فغائبه عنه أعجز ألا و انّكم قد أمرتم بالظّعن و دللتم على الزّاد .١ .

و قال السابع : كان عليه السّلام يقول : الدّنيا دار صدق لمن صدقها و دار عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزوّد منها ، الدّنيا مسجد أحبّاء اللَّه ، و مصلّى ملائكته ، و مهبط وحيه ، و متجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها و قد آذنت ببينها ، و نادت بفراقها ، و نعت نفسها و أهلها و مثّلت لهم ببلائها البلاء ، و شوّقت بسرورها إلى السرور راحت بفجيعة و ابتكرت بعافية ترغيبا و تخويفا فذمّها رجال غبّ الندامة و حمدها آخرون غبّ المكافاة ذكّرتهم فذكروا تصاريفها و صدقتهم فصدّقوا حديثها فيا أيها الذامّ للدّنيا المغتر بغرورها .٢ .

و ممّا ذكرنا من مدارك الخطبة ظهر لك ما في قول ابن ميثم بعد العنوان « هذا من الخطبة الّتي في أوّلها : ( الحمد للَّه غير مقنوط من رحمته ) و ستجيى‏ء بعد ، و إنّما قدّمه الرّضيّ عليها لما سبق من اعتذاره في خطبة الكتاب ، من أنّه لا يراعى التّتالي و النسق في كلامه عليه السّلام .٣ فمن أين ، إنّ الرّضي لم يأخذه إلاّ ممّا قال ؟ و هو رواية الصّدوق ، و من أين إنّه لم يأخذه من ( بيان الجاحظ ) أو ( مروج المسعودي ) بل الأخذ منهما مقطوع لأقربيّة عنوانه إليهما ، كما انّ عدم الأخذ من رواية الصّدوق مقطوع ، لخلوّ روايته عن كثير ممّا في العنوان و اختلاف كثير من ألفاظه معها كما إنّ قوله ( لما سبق من اعتذاره . ) غلط فإنّ الرّضيّ لم يقل إنّ ما يختاره لا يراعي فيه النسق و إنّما قال انّه ليس ملتزما بنقل جميع الخطبة من خطبة عليه السّلام أو الكتاب من كتبه أو كلام آخر من حكمه

____________________

( ١ ) تحف العقول لابن شعبة : ١٤٩ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤١٩ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٤١ ح ٢٧ .

٩٠

و أدبه ، لأنّ غرضه منها ما في غاية البلاغة فيختار من خطبة واحدة و كتاب واحد و كلام آخر فصولا غير متّسقة يفرّق بينها بلفظ ( و منها و منها ) كما عرفت في أوّل الكتاب بمعنى انّه يحذف من البين فيخرج الكلام من موضوع إلى موضوع آخر لا أنّه في ما يختار يؤخّر المقدّم و يقدّم المؤخّر كما توهّم ، ثمّ يمكن رفع اختلاف نقله جزء الوصيّة بالعشرة كما في ( الخلفاء ) أو جزء الخطبة في الفطر كما في ( الفقيه ) أو جزء الدّيباج كما في ( التّحف ) أو مستقلا كما في غيره انّ الثقفي كما عرفت قال : روى انّه عليه السّلام كان كثيرا ما يقول في خطبته الفقرات فالظّاهر أنّه عليه السّلام في بعض المقامات اقتصر عليها و في بعضها جعلها جزء باقي اغراضه .

« أما بعد ، فإنّ الدّنيا قد أدبرت و أذنت بوداع » في ( الصحاح ) : آذنتك بالشي‏ء أعلمتكه و آذن و تأذّن بمعنى ، كما يقال أيقن و تيقّن .١ .

و قد عرفت أنّ ( التّحف ) بدّل قوله « بوداع » بقوله « بانقلاع » .

« و إنَّ الآخرة قد أشرفت » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( قد أقبلت و أشرفت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٣ .

« باطّلاع » في ( الصحاح ) : أشرفت عليه : اطلعت عليه من فوق ، و قال اطّلعت على باطن أمره : انتقلت ، يقال أين مطّلع هذا الأمر أي : مأتاه و هو موضع الإطّلاع من إشراف إلى انحدار و في الحديث ( من هول المطلع ) شبّه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك .٤ .

يمكن أن يريد عليه السّلام بإدبار الدّنيا و إقبال الآخرة لكلّ شخص فانّ

____________________

( ١ ) الصحاح : ( أذن ) .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ١٢٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩١ ح ٢٨ و النسخة الخطية : ٢٤ كما ذكر العلاّمة قدّس سرّه ، أما ابن ميثم فكالمصرية ٢ : ٣٩ .

( ٤ ) الصحاح : ( شرف ) .

٩١

الإنسان من ساعة تولّد كلّما تنفّس نفسا يدبر من دنياه و يقبل إلى آخرته التي تحصل له بالموت و يمكن أن يريد بهما الدّنيا و الآخرة الكلّيتين فبمضيّ كلّ يوم تدبر الدّنيا و تقبل الآخرة .

« ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق » هكذا في جميع نسخ النّهج ، و قد عرفت انّ جميع مدارك العنوان من القتيبي و الثّقفي و الجاحظ و المسعودي و ابن بابويه و المفيد و الحلبي متّفقة على تقديم المضمار و السّباق على اليوم و غدا فهو الصحيح و المصنّف و هم و يأتي عين اللّفظ من حذيفة و نظيره من النبي صلّى اللَّه عليه و آله بالتّقديم و في ( الصحاح ) : تضمير الفرس ان يعلفه حتّى يسمن ثمّ تردّه إلى القوت و ذلك في أربعين يوما و هذه المدّة تسمّى المضمار و الموضع الّذي تضمر فيه الخيل أيضا مضمار الخ و السّباق مصدر سابق كالمسابقة ،

قال ابن أبي الحديد : المضمار منصوب لأنّه اسم انّ و اليوم ظرف و موضعه رفع لأنّه خبر انّ ، و غدا السّباق على هذا الوجه١ ، و يجوز الرفع في الموضعين على ان تجعلهما خبر أنّ بأنفسهما . .

و مراده كما ترى أنّ المضمار و السّباق منصوبان معّينا لكونهما أسمى انّ و امّا اليوم و غدا و ان كانا خبري انّ و خبرها مرفوع لكن يجوز نصبهما على الظّرفية و يكونان في موضع رفع و يجوز رفعهما لفظا باسقاطهما عن الظّرفيّة و لم يتفطّن ابن ميثم و الخوئي لمراده٢ ، فقالا : ورد المضمار و السّباق مرفوعين و منصوبين . .

ثمّ لا وجه لرفع المضمار و السّباق لكونهما مسندا عنهما كما لا وجه لإلغاء الظّرفيّة لأنّ المضمار ليس عين اليوم بل فيه كما انّ السّباق ليس عين

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٩٣ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢ .

٩٢

الغد بل فيه و على ما قلنا من نقل غير المصنّف له بلفظ « إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا » لا مجال لاحتمال ما قالوا ، و كيف كان فالأصل في كلامه عليه السّلام قوله تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربِّكم و جنّة عرضها كعرض السّماء و الأرض أعدّت للّذين آمنوا باللَّه و رسله ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء و اللَّه ذو الفضل العظيم١ ، فاستبقوا الخيرات اينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعا .٢ ، فاستبقوا الخيرات إلى اللَّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون٣ .

و روى الخطيب عن أبي عبد الرحمن السّلمي قال جمّعت مع حذيفة بالمدائن فسمعته يقول : إن اللَّه تعالى يقول اقتربت السّاعة و انشقّ القمر٤ ألا و انّ القمر انشقّ على عهد النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و انّ السّاعة اقتربت ، ألا انّ المضمار اليوم و السّبق غدا قال فقلت لأبي غدا تجري الخيل قال انّك لغافل أما سمعته يقول السّابق من سبق إلى الجنّة .٥ .

و قالوا استقبل رجل عامر بن عبد قيس في يوم حلبه فسأله من سبق ؟

فقال المقرّبون و قريب من كلامه عليه السّلام هذا ما روي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله ( ألا و انّ العواري اليوم و الهبات غدا )٦ .

هذا ، و في ( المروج ) : كانت العرب ترسل خيلها عشرة عشرة أو أسفل

____________________

( ١ ) الحديد : ٢١ .

( ٢ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٣ ) المائدة : ٤٨ .

( ٤ ) القمر : ١ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٠ : ٢٠٢ .

( ٦ ) أورده المجلسي في البحار ٧٨ : ٦٠ ناسبا إيّاه الى الامام علي عليه السّلام من مجموعة الكلمات التي جمعها الجاحظ للإمام علي عليه السّلام .

٩٣

و القصب تسعة و لا يدخل الحجر المحجّر من الخيل إلاّ ثمانية و هذه اسماؤها الأوّل المجلى لأنّه جلى عن صاحبه ما كان فيه من الكرب و الشّدة و قال الفرّاء لأنّه يجلي عن وجه صاحبه و الثّاني المصلّى لأنّه وضع جحفلته على قطاة المجلى و هي صلاة و الصّلاة عجب الذّنب بعينه و الثّالث المسلّى لأنّه كان شريكا في السّبق و كانت العرب تعدّ من كلّ ما يحتاج ثلاثة أو لأنّه سلّى عن صاحبه بعض همّه بالسّبق و الرّابع التّالي سمّى بذلك لأنّه تلا هذا المسلّى في حال دون غيره و الخامس المرتاح و هو المفتعل من الرّاحة لأنّ في الرّاحة خمس أصابع لا يعد منها غيرهنّ فلمّا كان الخامس مثل خامسة الأصابع و هي الخنصر سمّي مرتاحا ، و سمّي السّادس حظيّا لأنّ له حظّا و سمّي السابع العاطف لدخوله الحجرة لأنّه قد عطف بشي‏ء و ان قلّ و حسن إذ كان قد دخل المحجور و سمّي الثامن المؤمّل على القلب و التفّأل كما سمّوا الفلاة مفازة و اللّديغ سليما و كنّوا الحبشيّ أبا البيضاء و نحو ذلك ، أي : انّه يؤمّل و ان كان خائبا لأنّه قرب من بعض ذوات الحظوظ ، و التّاسع اللّطيم لأنّه لو رام الحجرة للطم ، و العاشر السّكيت لأنّ صاحبه يعلوه خشوع و ذلّة و يسكت حزنا و عيّا و كانوا يجعلون في عنق السّكيت حبلا و يحملون عليه قردا و يدفعون للقرد سوطا فيركضه القرد ليعيّر بذلك صاحبه .

إذا أنت لم تسبق و كنت مخلّفا

سبقت إذا لم تدع بالقرد و الحبل

و ان تك حقّا بالسّكيت مخلّفا

فتورث مولاك المذمّة بالنّبل

أمّا ذكره النّبل فانّ بعضهم كان يفعل ذلك ، ينصب فرسه ثمّ يرميه بالنّبل حتّى يتعجّف و قد كان فعل ذلك النّعمان بفرسه النّهب١ .

« و السَّبقة الجنّة و الغاية النّار » المفهوم من قول المصنّف بعد ( و لم يقل

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢١٧ .

٩٤

السّبقة النّار كما قال السّبقة الجنّة لأنّ الاستباق انّما يكون إلى أمر محبوب ) انّه جعل السّبقة بالفتح مصدرا لأنّه فسّرها بالاستباق مع انّ المصدر السّبق بدون الهاء و يشكل ان يجيى‏ء مع الهاء بمعناه بل لا يعلم كونه مع الهاء بغير الضّمّ و قد جعل كونها بالضّمّ رواية اخرى و معناها ما قال و هو المعين لأنّه ذكرها بعد السّباق جزاء له .

و في ( بلاغات أحمد بن أبي طاهر ) : كانت السّبقة عند بني اميّة مائة ناقة حمراء و لا يمنعون أحدا قاد إليهم فرسا فأرسل الوليد بن عبد الملك في الحلبة العظمى فلّما مدّت الحبال في صدور الخيل جاءت عجوز من بني نمير تقود فرسا لها و عليها غرارة و هي تقول :

فتاتنا المنسوبة الكريمة

ميمونة الطّلعة لا مشومة

ثمّ قالت للوليد : ادخل فرسي ، قال : أدخلوها قال : ما هذه الغرارة على عنقك قالت : فيها عقل السّبقة ، قال : انّك لو اثقة بفرسك ، قالت : ثقتي بهذه صيّرني تحت هذه ، قال : فجاءت فرسها سابقة فأخذت المائة قال : فالنّسل من خيلها معروف يقال لها خيل العجوز١ .

« أ فلا تائب من خطيئته قبل منيّته » استدلّ له بقوله تعالى انّما التوبة على اللَّه للّذين يعملون السوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب اللَّه عليهم و كان اللَّه عليماً حكيماً٢ ، و ليست التّوبة للذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن .٣ .

و في ( الصحاح ) : منى له ، أي : قدّر ، و المنيّة : الموت لأنّها مقدّرة٤ .

____________________

( ١ ) بلاغات النساء لابن أبي طاهر : ٢٢٢ .

( ٢ ) النساء : ١٧ .

( ٣ ) النساء : ١٨ .

( ٤ ) الصحاح : ( منا ) .

٩٥

« ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه » قد عرفت أنّ في رواية القتيبي١ و الثقفي٢ ، و الحلبي٣ ذكر عليه السّلام العمل فقال كما هو لفظ الأوّل : « فافزعوا إلى قوام دينكم و اتمام صلاتكم و إداء زكاتكم و النصيحة لإمامكم . » قال تعالى و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق و أكن من الصالحين و لن يؤخّر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها و اللَّه خبيرٌ بما تعملون٤ ، ان تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللَّه و إن كنت لمن السّاخرين٥ ، أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين٦ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كان لنعمان بن منذر يومان يوم بؤس ، و يوم نعيم ، و كان إذا ركب يوم بؤسه يقتل من يلقاه و يغري بدمه الغريّين ، و أتاه عبيد بن الأبرص الشّاعر يمتدحه يوم بؤسه و لم يعلم أنّه يوم بؤسه فقتله٧ .

« ألا و إنّكم في أيّام أمل من وراءه أجل » اعلموا انّما الحياة الدّنيا لعبٌ و لهوٌ و زينةٌ و تفاخرٌ بينكم و تكاثرٌ في الأموال و الأولاد كمثل غيث أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتريه مصفرّاً ثم يكون حُطاماً .٨ .

« فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضرره أجله » هكذا في نسخ النهج و في المدارك المتقدّمة « و لم يضرره أمله » لكن ليس في

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة : ٥٠ ٥١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٦٣٣ .

( ٣ ) الحلبي « المقصود ابن شعبة الحراني » في تحف العقول : ١٤٩ .

( ٤ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٥ ) الزمر : ٥٦ .

( ٦ ) الزمر : ٥٨ .

( ٧ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٤٩ .

( ٨ ) الحديد : ٢٠ .

٩٦

( الخلفاء ) و ( الفقيه ) الفقرة رأسا .

« و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أجله » هنا أيضا في ( البيان ) و ( المروج ) و ( التحف ) و ( الإرشاد ) : « و ضرّه أمله » فهو الصحيح .

و في الخبر عن الرّضا عليه السّلام :

انّك في دار لها مدّة

يقبل فيها عمل العامل

ألا ترى الموت محيطا بها

يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذّنب بما تشتهي

و تأجل التوبة في قابل

و الموت يأتي أهله بغتة

ما ذاك فعل الحازم العاقل١

« ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة » مدح تعالى أنبيائه فقال فيهم : انّهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغباً و رهباً و كانوا لنا خاشعين٢ ، و ذمّ اناسا لا يعرفونه إلاّ في الرّهبة فقال و إذا مسّ الإنسان الضُّرُّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّهُ كذلك زُيّن للمسرفين ما كانوا يعملون٣ .

« ألا و انّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لا كالنّار نام هاربها » قال المبرّد : قال النّابغة الذّبياني لمّا هدّده النّعمان بن المنذر :

و عيد أبي قابوس في غير كنهه

أتاني و دوني راكس فالضّواجع

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

يسهّد من نوم العشاء سليمها

كحلي النّساء في يديه قعاقع

____________________

( ١ ) عيون أخبار الرضا للصدوق ٢ : ١٧٦ ، و نقله المجلسي في بحاره ٤٩ : ١١٠ .

( ٢ ) الأنبياء : ٩٠ .

( ٣ ) يونس : ١٢ .

٩٧

تناذرها الرّاقون من سوء سمّها

تطلّقه طورا و طورا تراجع١

و قال ابن قتيبة : لمّا سخط عبد الملك على الحجّاج تمثّل بقول النّابغة :

نبئت انّ أبا قابوس أو عدني

و لا قرار على زأر من الأسد٢

و في ( الأغاني ) حضر الجحّاف عند عبد الملك و الأخطل حاضر في مجلسه ينشد :

ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر

بقتلي أصبت من سليم و عامر

فقال له الجحّاف :

نعم سوف نبكيهم بكلّ مهنّد

و نبكي عميرا بالرّماح الخواطر

ثمّ قال له : ظننت يابن النصرانيّة انّك لم تكن لتجترى‏ء عليّ ، و لو رأيتني لك مأسورا و أوعده فما برح الأخطل حتّى حمّ فقال له عبد الملك : أنا جارك منه قال هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه نائما فجعل عبد الملك يضحك٣ .

و في ( الأغاني ) : بلغ عبد الصّمد بن المعذّل شعر للحمدوي فقال : أنا له ففزع الحمدوي و قال :

هيهات أن أجد السبيل إلى الكرى

و ابن المعذّل من مزاحي حارد٤

فرضي عنه .

هذا ، و في ( البلاذري ) : كان عبيد اللَّه بن الحرّ الجعفي محبوسا عند مصعب بن الزبير فكلّمه الأحنف بن قيس فأطلقه فقال للأحنف : ما أدري ما أكافئك به الاّ أن أقتلك فتدخل الجنّة و أدخل النّار فضحك الأحنف و قال : لا

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد : ٨٥٥ ، طبعة الحلبي .

( ٢ ) النابغة الذبياني : ٣٦ يمدح النعمان ، و ابن قتيبة في الشعر و الشعراء : ٤٠ تمثل به الحجاج .

( ٣ ) الأغاني ١٢ : ٢٠٠ .

( ٤ ) الأغاني ١٣ : ٢٣٦ .

٩٨

حاجة لي في مكافأتك يا ابن أخي١ .

« ألا و إنّه من لم ينفعه الحقّ يضرره الباطل » أنزل من السّماء ماءً فسالت أو ديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبداً رابياً و مِمّا يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب اللَّه الحق و الباطل فامّا الزّبد فيذهب جفاءً و أمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللَّه الأمثال٢ .

« و من لم يستقم به الهدى يجرّ به الضّلال الى الرّدى » يجرّ بتشديد الرّاء من الجرّ كما في ( الخطية و ابن أبي الحديد )٣ و في ( المصرية الاولى )٤ يجر بتخفيفها مع كسرها من الجري بالجيم و الرّاء و امّا ( البيان )٥ و ( المروج )٦ فحيث ليس فيهما كلمة ( إلى الرّدى ) يمكن أن يقرأ ما فيهما مع كلمة ( به ) كلمة واحدة من الخزي بالخاء و الزّاي و في ( الصحاح ) : ردى بالكسر ، أي : هلك٧ .

« ألا و انّكم قد أمرتم بالظّعن » ( بتسكين العين و فتحها ) قال الجوهري : ظعن أي : سار ظعنا و ظعنا بالتّحريك و قرى‏ء بهما قوله تعالى٨ يوم ظعنكم .٩ قال تعالى يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا اللَّه و لتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ .١٠ .

« و دللتم على الزّاد » أي : في هذا السفر و هو التّقوى .

____________________

( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ : ٢٨٨ ، مطبعة المثنى بغداد .

( ٢ ) الرعد : ١٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩١ « يجر » و الخطيّة : ٢٤ مع التشديد .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة : ١٢٥ « يجر » أيضا .

( ٥ ) البيان للجاحظ ٢ : ٥٣ .

( ٦ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤١٩ .

( ٧ ) الصحاح : ( ردى ) .

( ٨ ) الصحاح : ( ظعن ) .

( ٩ ) النحل : ٨٠ .

( ١٠ ) الحشر : ١٨ .

٩٩

« و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى » فلا تتّبعوا الهوى ان تعدلوا .١ ، و قال تعالى في من انسلخ من آياته و لكنّه أخلد إلى الأرض و اتّبع هواه فمثله كمثل الكلب .٢ ، و قال تعالى و لا تطع من أغفلنا قلبه عنه ذكرنا و اتّبع هواه و كان أمره فرطا٣ ، فان لم يستجيبوا لك فاعلم انّما يتّبعون أهوائهم و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدىً من اللَّه إن اللَّه لا يهدي القوم الظالمين٤ .

« و طول الأمل » ذرهم يأكلوا و يتمتّعوا و يلههم الأمل فسوف يعلمون٥ .

« تزوّدوا من الدنيا ما تحرزون أنفسكم به غدا » هكذا في ( المصرية )٦ و الصواب : « فتزوّدوا في الدّنيا من الدُّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و كذا الخطية٧ .

و في ( المصباح ) : أحرزت الشي‏ء احرازا ضممته و منه قولهم : أحرز قصب السّبق إذا سبق إليها فضمّها دون غيره .٨ .

عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ضلّ إذا اهتديم إلى اللَّه مرجعكم جميعاً .٩ .

____________________

( ١ ) النساء : ١٣٥ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٦ .

( ٣ ) الكهف : ٢٨ .

( ٤ ) القصص : ٥٠ .

( ٥ ) الحجر : ٣ .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ١٢٦ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩١ ، و ابن ميثم كالمصرية ٢ : ٤٠ ، و الخطية كما ذكر المصنف : ٢٥ .

( ٨ ) المصباح المنير للفيتوري : ١٢٩ « الحرز » .

( ٩ ) المائدة : ١٠٥ .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

٨ - فصل:

في بيان ظهور آياته في الاخبار بالغائبات

وفيه: ستة أحاديث

٢٢٦ / ١ - عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه ، قال: قلت لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلم، وهو متوجه إلى البصرة: يا أمير المؤمنين، إنّك في نفر يسير، فلو تنحّيت حتّى يلحق بك الناس. فقال: « يجيئكم من غد في فجكم هذا، من ناحية الكوفة ثلاثة كراديس، في كلّ كردوس خمسة آلاف وستمائة وخمس وستون رجلاً ».

قال: قلت: ما أصابني والله أعظم من [ تلك ] الضيقة.

قال: فلمّا أن صلّيت الفجر قلت لغلامي: اسرج لي. قال: فتوجّهت نحو الكوفة، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فسرت نحوها، فلمّا أن دنوت منهم صيح بي: من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس؛ فكفوا، فقلت لهم: لمن هذه الراية؟ قالوا: لفلان. قلت: كم أنتم؟ فقالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلا.

قال: فمضوا، ومضيت على وجهي، فإذا أنا بغبرة قد ارتفعت، قال: فدنوت منهم، فصيح بي: من أنت؟ فقلت: أنا ابن عبّاس.

__________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ١٨٧ نحوه. وعنه مدينة المعاجز: ١٤١ و ٣٩٨.

٢٦١

فأمسكوا، فقلت: لمن هذه الراية؟ قالوا: لربيعة. فقلت: من رئيسها؟ قالوا: زيد بن صوحان العبديّ. فقلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً.

قال: فمضوا، ومضيت على وجهي، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فأخذت نحوها، فصيح بي من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس. فسكتوا عنّي، فقلت: لمن هذه الراية؟ فقالوا: لفلان، رئيسها الأشتر، قال: قلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً.

فرجعت إلى العسكر، فقال لي أمير المؤمنين: « من أين أقبلت؟ » فأخبرته، وقلت له: إنّي لمّا سمعت مقالتك اغتممت، مخافة أن يجيء الأمر على خلاف ما قلت.

قال: فقال: « نظفر بهؤلاء القوم غداً إن شاء الله تعالى، ثمّ نقسّم مالهم فيصيب كلّ رجل منا خمسمائة ».

قال: فلمّا أن كان من الغد أمرهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن لا يحدثوا شيئاً حتّى يكون المبتدأ منهم، فأقبلوا يرمون رجال أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأتوه، فقال لهم: « ما رأيت أعجب منكم! تأمروني بالحرب والملائكة لم تنزل بعد؟! ».

فلمّا كان الزوال دعا بدرع رسول الله (ص) فلبسها وصبها عليه، ثمّ أقبل على(١) القوم، فهزمهم الله تعالى، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه للخزان: « اقسموا المال على الناس خمسمائة خمسمائة » فقسّموها، ففضل من المال ألفا درهم، فقال للخازن: « أي شيء بقي عندك؟ » فقال: ألفا درهم.

فقال: « أعطيت الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية خمسمائة

__________________

(١) في ر، ع: ثمّ قاتل.

٢٦٢

خمسمائة، وعزلت لي خمسمائة؟ » قال: لا.

قال: « فهذه لنا » فلم تزدد(١) درهم، ولم تنقصن درهم.

٢٢٧ / ٢ - عن عليّ بن النعمان، ومحمّد بن سنان، رفعاه إلى أبي عبد الله صلوات الله عليه، قال: « إنّ عائشة قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل، حتّى ابعثه إليه. فأتيت برجل، فمثل بين يديها، فرفعت رأسها وقالت: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قال لها: كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي فَضُرِبتُ ضربة بالسيف، فيسبق السيف الدم.

ثمّ قالت: فأنت له، فاذهب بكتابي هذا، فادفعه إليه، ظاعناً رأيته أو مقيماً، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً على بغلة رسول الله (ص) متنكباً قوسه، معلقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنّهم طيور صواف.

ثمّ قالت له: إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تتناول(٢) منه شيئاً فإنّ فيه السحر فمضيت واستقبلته راكباً، فناولته الكتاب ففض خاتمه، ثمّ قرأه وقال: « هذا والله ما لا يكون » فثنى رجله ونزل، فأحدق به أصحابه، ثمّ قال: أسألك، قال: نعم. قال: « وتجيبني » قال: نعم.

قال: « أنشدك بالله، هل قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل؟ » قال: نعم. « فأتيت بك، فقالت لك: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قلت: كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي وأضرب بالسيف ضربة فيسبق السيف الدم؟ »

__________________

(١) في ص: يبق.

٢ - بصائر الدرجات: ٢٦٣ / ٤، الخرائج والجرائح ٢: ٧٢٤ / ٢٨، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٦٠، مدينة المعاجز: ١١٦ / ٣١٢، اثبات الهداة ٢: ٤٣٤ / ١٠٠.

(٢) في ر، ك، م: تبغي.

٢٦٣

ثمّ قال: « أنشدك بالله، أقالت لك اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعناً كان أو مقيماً، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً بغلة رسول الله (ص)، متنكباً قوسه، معلقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنهم طير صواف؟ » قال: اللهم نعم.

قال: « أنشدك بالله، هل قالت لك: إن عرض عليك طعامه وشرابه، فلا تتناول(١) منه شيئاً، فإنّ فيه السحر؟ » قال: اللّهم نعم.

قال: « أفمبلغ أنت عني؟ » قال: اللّهمّ نعم، فإنّي قد أتيتك وما على وجه الأرض خلق أبغض إليَّ منك، وأنا الساعة ما على وجه الأرض خلق أحبّ إليّ منك، فمرني بما شئت.

قال: « ادفع إليها كتابي، وقل لها: ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك بلزوم بيتك، فخرجت تترددين في العساكر. وقل لطلحة والزبير: ما أنصفتما الله ولا رسوله حيث خلّفتما حلائلكما في بيوتكما وأخرجتما حليلة رسول الله (ص) ».

فجاء بكتابه حتّى طرحه إليها(٢) ، وبلّغها رسالته، ثمّ رجع إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأصيب بصفين، فقالت: ما نبعث إليه أحد إلاّ أفسده علينا.

٢٢٨ / ٣ - عن صعصعة بن صوحان العبديّ، قال: لمّا قاتل أبو بكر مسيلمة. وأسرت الحنفية، وجيء بها إلى المدينة، ووقفت بين يدي أبي بكر.

٢٢٩ / ٤ - وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله

__________________

(١) في ر، ك، م: تبغي.

(٢) في ر، ك، م: عندها.

٣ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٨٩، عن دعبل الخزاعي مفصلاً، مدينة المعاجز: ٣٥٠ / ٨٩.

٤ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٨٩، عن دعبل الخزاعي مفصلاً، مدينة المعاجز: ٣٥٠ / ٨٩.

٢٦٤

عنه ذلك أيضاً، في حديث طويل، وأنا أذكر منه نقاوته: فقال: لمّا وقفت دنا إليها طلحة والزبير فطرحا عليها ثوبهما، فلمّا رأت ذلك قامت وقالت: لست بعريانة فتكسواني فقيل لها: إنّهما يتزايدان عليك، فأيّهما زاد عليك أخذك من السبي. قالت: لا يكون ذلك أبداً، ولا يملكني، ولا يكون لي بعل إلاّ من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خروجي من بطن أمّي.

فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، وورد عليهم ما بهر عقولهم، وبقوا في دهشة، فقال أبو بكر: مالكم ينظر بعضكم إلى بعض؟ فقال الزبير: لقولها الذي سمعت، جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت، وقد داخلها الفزع فلا تلوموها إذ قالت ما لا تحصله.

قالت: والله ما داخلني الفزع ولا الجزع، وما قلت إلاّ حقاً ولا نطقت إلاّ فصلاً وما كذبت ولا كذّبت. فأخذ أبو بكر وعمر يتحاوران الكلام وأخذ ثوبه من طرحه عليها، وجلست ناحية من القوم، فجاء أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وآله فوقف ونظر إليها، ثمّ ناداها: « يا خولة » فوثبت فقالت: لبيك.

قال: « لمّا كانت أمّك حاملاً بك، وضربها الطلق، واشتدّ بها الأمر دعت الله وقالت: اللّهمّ سلّمني من هذا الولد(١) سالماً كان أو هالكاً؛ وسبقت الدعوة لك بالنجاة، فناديت من تحتها: لا إله إلاّ الله، يا أمّاه لم تدعين عليَّ وعمّا قليل سيملكني سيّد، يكون لي منه ولد؟! فكتبت أمّك ذلك الكلام في لوح نحاس، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلمّا كانت تلك الليلة التي قبضت فيها أمّك أوصت إليك بذلك، فلمّا كان في وقت سبيك أخذت اللوح وشددتيه على عضدك

__________________

(١) في ع: المولود.

٢٦٥

الأيمن؛ هاتي اللوح فأنا صاحبه، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمه ( محمّد ) ».

قال: فأخرجته، فأخذه أبو بكر ودفعه إلى عمر(١) حتّى قرأه عليهم، فلمّا قرأ بكت طائفة، وحركت أخرى، واهتدت(٢) إليه، فما خالف ما في اللوح كلام عليّ صلوات الله عليه حرفاً وقالوا بأجمعهم: صدق الله، وصدق رسوله إذ قال: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ».

فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، بارك الله لك فيها.

وفي الحديث طول، وأنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد تزوّجها وأمهرها، ولم يطأها بملك اليمين.

٢٣٠ / ٥ - عن عبد الله بن عبّاس، قال: جلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأخذ البيعة بذي قار، وقال: « يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون » فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، ويفسد الأمر علينا، حتّى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعاً وتسعين رجلاً، ثمّ انقطع مجيء القوم. فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا متفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّى دنا، وإذا هو رجل عليه قباء صوف، ومعه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: امدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وعلى ما تبايعني؟ »

__________________

(١) في هامش ر، ك: عثمان.

(٢) في ر، م: واهتزت.

٥ - ارشاد المفيد: ١٦٦، الخرائج والجرائح ١: ٣٠٠، ارشاد القلوب: ٢٢٤، باختصار، إعلام الورى: ١٧٠، رجال الكشي ١: ٣١٥ / ١٥٦، اثبات الهداة ٢: ٤٥٢ / ١٦٧، مدينة المعاجز: ١٤١ ح ملحق ح ٣٩٧.

٢٦٦

قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله على يديك.

فقال: « ما اسمك؟ » فقال: أويس القرني قال: « أنت أويس القرني؟ » قال: نعم.

قال: « الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول الله (ص) أنّي أدرك رجلاً من أمّته يقال له ( أويس القرني ) يكون من حزب الله وحزب رسوله، يموت على الشهادة، ويدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر » قال ابن عباس: فسرى ذلك عنّي.

٢٣١ / ٦ - عن سويد بن غفلة، قال: إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة قد مات بها، فاستغفر له. فقال أمير المؤمنين: « إنّه لم يمت، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز » فقام رجل من تحت المنبر فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنّي لك شيعة، وإنّي لك محب!. فقال: « ومن أنت؟ » قال: أنا حبيب بن جماز: قال: « إياك أن تحملها، ولتحملنها، فتدخل بها من هذا الباب » وأومى بيده إلى باب الفيل، فلمّا مضى أمير المؤمنين، ومضى الحسن بن عليّ من بعده صلوات الله عليهم، وكان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان من ظهوره، بعث ابن زياد لعنه الله عمر بن سعد إلى الحسين صلوات الله عليه، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته(١) وحبيب بن جماز صاحب رايته، فسار بها حتّى دخل

__________________

٦ - بصائر الدرجات: ٣٩٨ / ١١، الاختصاص: ٢٨٠، الخرائج والجرائح ٢: ٧٤٥ / ٦٣، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٧٠، ارشاد القلوب: ٢٢٥، اعلام الورى: ١٧٥، الهداية الكبرى: ١٦١، شرح نهج البلاغة ٢: ٢٨٦، ارشاد المفيد: ١٩٠، مدينة المعاجز: ١١٩ ح ٣١٩.

(١) في هامش ر، ص، ع: ميمنته.

٢٦٧

المسجد من باب الفيل.

وحديث رشيد الهجري وميثم التمار مشهور عند عامّة الأصحاب، فلا نذكره.

وكذلك حديث حبيب بن عبد الله الأزديّ في أخبار أصحاب النهروان.

وحديث الإخبار عن كربلاء، والإشارة إلى موضع القتال ومصارع الرجال، وغير ذلك.

وقد اقتصرنا على طرف من آياته صلوات الله عليه، وقليلٍ من معجزاته.

٢٦٨

٩ - فصل:

في بيان ظهور آياته في أشياء شتى

وفيه: اثنا عشر حديثاً

٢٣٢ / ١ - عن رزين الأنماطيّ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه، عن أبيه، عن آبائه،عليهم‌السلام : « أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه دخل الكوفة فأقام بها أياماً، فبينما هو يدور في طرقها، فإذا هو بيهوديّ قد وضع يده على رأسه، وهو يقول: معاشر الناس، أفبحكم الجاهلية تحكمون، وبه تأخذون، وطريقاً لا تحفظون. فدعا به أمير المؤمنين صلوات الله عليه فوقف بين يديه، وقال له: « ما حالك يا أخا اليهود؟ » فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي رجل تاجر خرجت من ساباط المدائن ومعي ستون حماراً، فلمّا حضرت موضع كذا أخذ ما كان معي اختطافاً، ولا أدري أين ذهب بها.

فقال أمير المؤمنين: « لن يذهب منك شيء؛ يا قنبر اسرج لي فرسي »(١) فأسرج له فرسه، فلمّا ركبه قال: « يا قنبر، ويا أصبغ بن نباتة، خذا بيدي اليهوديّ وانطلقا به أمامي » فانطلقا به حتّى صارا إلى الموضع الذي ذكره فخطَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بسوطه خطة،

__________________

١ - عنه في مدينة المعاجز: ٤٩ / ٩٥.

(١) في في ر، ش، ص، ع، ك: دابتي.

٢٦٩

فقال لهم: « قوموا في وسط هذه الخطة، ولا تجاوزوها فتخطفكم الجنّ ».

ثمّ قنع فرسه واقتحم في الصحراء وقال: « والله معاشر ولد الجنّ من ولد الحارث بن السيّد - وهو إبليس - إن لم تردّوا عليه أحمره لنخلعن ما بيننا وبينكم من العهد والميثاق، ولأضربنكم بأسيافنا حتّى تفيئوا إلى أمر الله ». فإذا أنا بقعقعة اللجم، وصهيل الخيل، وقائل يقول: الطاعة لله ولرسوله ولوصيه. ثمّ انحدر في الصحراء ستون حمارا بأحمالها، لم يذهب منها شيء، فأدّاها إلى اليهوديّ.

فلمّا دخل الكوفة قال له اليهودي: ما اسم محمّد ابن عمك في التوراة؟ وما اسمك فيها؟ وما اسم ولديك؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: « سل استرشاداً ولا تسأل تعنتاً، عليك بكتاب التوراة، اسم محمّد فيها طاب طاب، واسمي ايليا، واسم ولديَّ شبر وشبير ».

فقال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك وصيه من بعده، وأنّ ما جاء به وجئت به حق.

٢٣٣ / ٢ - عن عمّار بن الحضرميّ، عن زاذان(١) أبي عمرو أنّ رجلاً حدّث عليّاً صلوات الله عليه وآله بحديث، فقال: « ما أراك إلاّ كذبتني » فقال: « لم أفعل. فقال: « أدعو الله عليك إن كنت كذبتني » قال: ادع. فدعا عليه، فما برح حتّى أعمى الله عينيه.

٢٣٤ / ٣ - عن عباد بن عبد الله الأسديّ، قال: سمعت عليّاً

__________________

٢ - عنه في مدينة المعاجز: ١٣٩ / ٣٩٢.

(١) زاذان، اختلف في كنيته على أقوال: أبو عمرة، أبو عمروة، وفي ك: أبو عمير، راجع « معجم رجال الحديث ٧: ٢١٢ ».

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٣٢ نحوه، مدينة المعاجز: ١٣٨ / ٣٨٦، شرح النهج لابن أبي الحديد ٢: ٢٨٧، صدر الرواية.

٢٧٠

صلوات الله عليه يقول - وهو في الرحبة -: « أنا عبد الله وأخو رسول الله، ولا يقولها بعدي إلاّ كاذب »(١) .

قال: فقام رجل من غطفان وقال: أنا أقول كما قال هذا الكاذب، أنا عبد الله وأخو رسول الله فخنق(٢) مكانه.

٢٣٥ / ٤ - قال أبو جعفر محمّد بن عمر الجرجانيّ: حدّثني ابن البواب، عن الحسن بن زيد، وحدّثنيه ابن أبي السلميّ، قال: قال: إن ابن أبي غاضية طلبنا نشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله فهربت، فبعث إليّ محمّد بن صفوان - من ولد أبي خلف الجمحيّ - أن أعرني بغلتك. فقلت: لئن أعرتك بغلتي إنّي لكم شبه.

قال: فمشى - والله - على رجليه أربعة أميال، فوافى خالداً عامل هشام بن عبد الملك على المدينة فشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله على المنبر، فقال لابن صفوان: قم يا ابن صفوان. فقام وصعد مرقاة من المنبر، ثمّ استقبل القبلة بوجهه وقال: اللّهمّ من كان يسب عليّاً لترة(٣) يطلبها عنده، أو لذحل(٤) فإنّي لا أسبه إلاّ فيك ولقد كان صاحب القبر يأتمنه وهو يعلم أنّه خائن.

وكان في المسجد رجل فغلبته عينه، فرأى أنّ القبر انفرج(٥) ، وخرجت منه كف قائل يقول: إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله(٦) ، وإن

__________________

(١) في هامش ر، ع، ك: كافر.

(٢) في ش، ص، ع، م: فمسخ.

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٢٣، مختصراً، مدينة المعاجز: ١٣٨ / ٨٧.

(٣) الترة: التبعة أو الثأر « النهاية - وتر - ٥: ١٤٩، لسان العرب - وتر - ٥: ٢٧٤ ».

(٤) الذحل: الثأر، وقيل: العداوة والحقد « لسان العرب - ذحل - ١١: ٢٥٦ ».

(٥) في م: انفتح.

(٦) في ع: فلعنك الله.

٢٧١

كنت كاذبا فأعماك الله.

فنزل الجمحيّ من المنبر فقال لابنه، وهو جالس إلى ركن البيت: قم. فقام إليه فقال: أعطني يدك أتكئ عليها. فمضى به إلى المنزل.

فلمّا خرجا من المسجد نحو المنزل قال لابنه: هل نزل بالناس شرّ وغشيهم ظلمة؟ قال: كيف ذلك؟ قال: لأنّي لا أبصار شيئاً.

قال: ذلك والله بجرأتك على الله، وقولك الكذب على منبر رسول الله (ص). فما زال أعمى حتّى مات، لعنة الله عليه.

٢٣٦ / ٥ - عن أنس، قال: كنت عند رسول الله (ص) أنا وأبو بكر وعمر في ليلة ظلماء مكفهرة، فقال (ص): « ائتوا باب عليّ » فأتيناه(١) فنقر أبو بكر الباب نقراً خفياً، فخرج عليّ صلوات الله عليه وآله متأزرا بإزار من صوف، مرتديا بمثله، في كفّه سيف رسول الله (ص)، فقال لنا: « أحدث حدث؟ » فقلنا: خير، أمرنا رسول الله (ص) أن نأتي بابك، وهو بالأثر.

فإذا قد أقبل رسول الله (ص) فقال: « يا عليّ » قال: « لبيك ».

قال: « أخبر أصحابي بما أصابك البارحة ». قال عليّ: « يا رسول الله إنّي لاستحيي » فقال رسول الله (ص): « إنّ الله لا يستحيي من الحقّ ».

فقال عليّ صلوات الله عليه وآله: « يا رسول الله، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة، وطلبت في البيت ماءً فلم أجده، فبعثت الحسن

__________________

٥ - مناقب المغازلي: ٩٤، مناقب الخوارزمي: ٢١٦، مثله، الطرائف: ٨٥ / ١٢٠، مصباح الأنوار: ١٦٥ / ٣٥، غاية المرام: ٦٣٧، وعنه معالم الزلفى: ٤١٠ ح ٩١.

(١) في ص، ك: اطلبوا عليّاً فخرجنا إليه.

٢٧٢

كذا والحسين كذا، فأبطا عليّ، فاستلقيت على قفاي، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت: قم يا عليّ وخذ السطل؛ واغتسل، وإذا أنا بسطل مملوء من الماء، وعليه منديل من سندس، فأخذت السطل، واغتسلت، ومسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء، فأصابت قطرة منه هامتي، فوجدت بردها على فؤادي ».

فقال النبيّ (ص): « بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت وخادمك جبرئيل، أمّا الماء فمن نهر الكوثر، وأمّا السطل والمنديل فمن الجنّة، كذا أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ».

٢٣٧ / ٦ - عن أحمد بن عمّارة، عن عبد الله بن عبد الجبّار، قال: أخبرني مولاي وسيّدي الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، قال: « كنت مع أبي على شاطئ الفرات، فنزع قميصه وغاص في الماء، فجاء موج فأخذ القميص، فخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام وإذا بهاتف يهتف: يا أمير المؤمنين، خذ ما عن يمينك. فإذا منديل فيه قميص ملفوف، فأخذ القميص ولبسه، فسقطت من جيبه رقعة، مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، هدية من الله العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب، هذا قميص هارون بن عمران( كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ) (١) ».

٢٣٨ / ٧ - عن الحسين بن عبد الرحمن التمّار، قال: انصرفت

__________________

٦ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٢٩، مائة منقبة: ٩٦، مدينة المعاجز: ١٦ / ١٤، إثبات الهداة ٢: ٤٦٠ / ٢٠١.

(١) سورة الدخان / الآية: ٢٨.

٧ - تأويل الآيات ٢: ٨٣٧ / ٥، عنه مدينة المعاجز ١١٠ ح ٢٩٣.

٢٧٣

عن مجلس بعض الفقهاء، فمررت بسليمان الشاذكونيّ، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من مجلس فلان العالم. قال: فما قوله؟ قلت: شيئاً من مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقال: والله لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشي.

قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطّاب فضجّ أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر ومعه أهل المدينة إلى المصلى يدعون الله تعالى ليسكن عنهم الرجفة، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وعزم أهلها بالنقلة عنها، قال عمر انطلقوا بنا إلى أبي الحسن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله. فمضى إليه ودخل عليه ومعه أهل المدينة، فلمّا بصر به قال: يا أبا الحسن، أما ترى إلى قبور البقيع ورجفتها، حتّى قد تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وقد عزم أهلها بالنقلة عنها، والخروج منها؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: « عليّ بمائة من أصحاب رسول الله (ص) » فجاؤوا بهم، فاختار من المائة عشرة، فجعلهم خلفه، وجعل التسعين خلفهم، ودعا سلمان، وأبا ذر، والمقداد بن الأسود الكنديّ، وعمّاراً فجعلهم أمامه، فلم يبق بالمدينة بنت عاتق إلاّ خرجت إلى البقيع، حتّى إذا توسطه ضرب الأرض برجله، وقال: « مالك مالك مالك » ثلاثاً فسكنت الرجفة، وقال أمير المؤمنين: « صدق حبيبي رسول الله (ص)، فلقد أنبأني بهذا الخبر، وبهذا اليوم، وباجتماع الناس له ».

٢٣٩ / ٨ - في كلام آخر عن التمّار، رفعه بإسناده، قال: كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مع بعض أصحابه في مسجد الكوفة، فقال له رجل: بأبي أنت وأمّي، إنّي لأتعجب من هذه الدنيا

__________________

٨ - بصائر الدرجات: ٣٩٥ / ٣، الاختصاص: ٢٧٠.

٢٧٤

التي في أيدي هؤلاء القوم(١) ، وليست عندكم؟! فقال: « أترى أنّا نريد الدنيا ولا نعطاها؟ ».

ثمّ قبض قبضة من الحصى، فإذا هي جواهر، فقال: « ما هذا؟ » قال: هذا من أجود الجواهر. فقال: « لو أردنا هذا لكان، ولكنا لم نرد » ثمّ رمى بالحصى فعاد كما كان.

٢٤٠ / ٩ - عن الحسن البصريّ، قال: أتانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله - وكنت يومئذ غلاماً قد أيفعت - فدخل منزله - في حديث طويل - ثمّ خرج وتبعه الناس، فلمّا صار إلى الجبانة نزل واكتنفه الناس، فخطَّ بسوطه خطة، فأخرج منها ديناراً، ثمّ خطَّ خطة أخرى فأخرج منها ديناراً آخر، حتّى أخرج منها ثلاثة دنانير، فقلّبها في يده حتّى أبصارها الناس، ثمّ ردّها وغرسها بابهامه، ثمّ قال: « ليليك بعدي محسن أو مسيء ».

ثمّ ركب بغلة رسول الله (ص) وانصرف إلى منزله، وأخذنا العلامة(٢) وصرنا إلى الموضع حتّى إذا بلغنا الرشح(٣) فلم نصب شيئا، فقلنا للحسن: ما ترى ذلك من أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال: « أمّا أنا فلا أرى أن كنوز الأرض تسير إلاّ لمثله ».

٢٤١ / ١٠ - عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ، عمّن رواه، قال: إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلّم أراد أن يبعث بمال إلى البصرة، فعلم بذلك رجل من أصحابه، فقال في نفسه: لو أتيته فسألته

__________________

(١) في ص: الناس، وفي ر: الفلاح.

٩ - بصائر الدرجات: ٣٩٥ / ٤، الاختصاص: ٢٧١.

(٢) في المخطوطات: الفلاح، وما أثبتناه من المصادر.

(٣) الرشح: أي وصلوا في الحفر إلى الماء في قعر الأرض.

١٠ - بصائر الدرجات: ٢٦٠ / ٢٠ نحوه.

٢٧٥

أن يبعث معي بهذا المال، فإذا دفعه إليّ أخذت طريق الكرخة(١) فذهبت به.

فأتاه وقال: بلغني أنّك تريد أن تبعث بمال إلى البصرة؟ قال: « نعم » قال: فادفعه إليّ فأبلغه، واجعل لي ما تجعل لمن تبعثه. فقد عرفت صحبتي.

قال: فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه: « خذ طريق الكرخة »(٢) .

٢٤٢ / ١١ - حدّث أبو مهاجر زيد بن رواحة العبديّ، قال: دخلت الكوفة بعد موت الحجّاج فدخلت المسجد الجامع وأنا أقول: الحمد لله الذي أخلى منه الديار والآثار، وجعل مصيره إلى النار؛ فسمعني رجل كان هناك جالساً إلى بعض سواري المسجد، فقال لي: يا رجل، خف الله تعالى على نفسك، واحبس على لسانك، فإنّك في أرض مسبعة، وأوطان موحشة، فإن يك خائناً فقد هلك، وإن يك حامداً فقد ملك.

قال: فأنست به وجلست إليه فتحدّثنا ساعة، ورأيت جماعة منكبة على رجل وهو يحدّثهم، وهم يسمعون منه، ويكتبون عنه، فقلت لصاحبي: من هذا الرجل؟ فقال: رجل شهد مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه البصرة وصفّين والنهروان، والناس يسمعون منه، ويأخذون عنه، وهو رجل له أصل وشرف ولب وعقل.

فقلت له: هل لك أن تدنو منه، فلعلنا نسمع منه شيئاً ننتفع به. قال: نعم. فدنونا منه، فإذا هو يحدِّث عن أمير المؤمنين صلوات الله

__________________

(١، ٢) في المخطوطات: المكرخة، وما أثبتناه من المصادر.

والكرخة: مدينة بخوزستان عامرة صغيرة، انظر « أحسن التقاسيم: ٣٦، ٣١٢ ».

١١ - مدينة المعاجز: ٩٨ / ٢٥١، ذيله الرواية.

٢٧٦

عليه، ويقول: سمعت، ورأيت؛ فاغتنمت(١) ، وأقبلت عليه، وأمهلته حتّى انفضَّ عنه أكثر من كان عنده، وقلت له: أنا رجل من أهل البصرة، خرجت لطلب العلم، وأحببت أن أسمع منك شيئاً أحدِّث به عنك.

فقال: يا أهل البصرة، ما أجرأ الناس على الله تعالى وعلى رسوله (ص)، وعلى هتك الدين وفتنة المسلمين! ألا بشر عليكم أهل الغدر والنكث، بتوثبكم على أهل الحقّ والصدق، وإنّ أوّل الفتنة في هذا الدين من بين أفنيتكم وأنديتكم ولمّا ضربت بجرانها وكنانها، تراغى إليها الأكابر، واصطلى بها الأصاغر، فأذكوا شواظَّها، وألكوا في دلاظها(٢) ، حتّى إذا عمّهم عارها وشنارها رماها الله تعالى بأمير المؤمنينعليه‌السلام وسيّد الوصيّين وأخي رسول ربّ العالمين، فأقشع به عنكم الإفك، وجلى به عنكم الشرك، وقتل به أهل النكث والإفك، وقامت به حجّة الحق، وما كنتم بررة راشدين، ولا جهلة مسترشدين، ولقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير، واستحببتم العمى على الهدى، فبعداً للقوم الظالمين.

قال: فأمسكت عنه حتّى فرغ من كلامه، ثمّ قلت: أيّها الشيخ، لقد عممت أهل البصرة، وقد كان فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والسعيد والشقي، ولقد نصر الله تعالى وليّه ودينه منهم بقوم كما قال الله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٣) قد كشف الله لهم عن قلوبهم وأبصارهم حتّى

__________________

(١) في ر، ك: فاغتمدت، وفي م، وهامش ك: فاغتممت.

(٢) وألكوا في دلاظها: المراد أنهم لاكوا هذه الفتنة وعلكوها، انظر لسان العرب ٧ / ٤٤٤ مادة ( دلظ )، وج ١٠ / ٣٩١ ( الك )، وفي بعض النسخ: أفكوا. والمراد: تقلبوا أو احترقوا في نار هذه الفتنة. انظر لسان العرب: ١٠: ٣٩١ ( أفك ).

(٣) سورة ق الآية: ٣٧.

٢٧٧

عرفوا الحقّ من الباطل، والمحق من المبطل، فجاهدوا في الله مع وليّه حقّ الجهاد.

قال: صدقت ولقد كان معنا منهم يومئذ قوم صبروا ونصروا، فمن أنت؟ قلت: أنا رجل من عبد القيس. فقال: أهلاً بك ومرحباً، بأبي قومك ويومك. ثمّ أدناني وقرّبني، وأقبل عليّ، ثمّ قال لي: والله، لأحدّثنك بما تقرّ به عينك، وتقوى به بصيرتك، ويزداد به إيمانك.

ثمّ قال: قم بنا، وأخذ بيدي إلى منزله، وأكرمني، وأحسن ضيافتي، وقال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: « قيّدوا العلم بالكتابة » وقام، وأخرج صحيفة من جلد أبيض، فيه كتابة فقرأ عليَّ: « حدّثني ربيعة بن سالم الهمدانيّ، قال: لمّا كان اليوم الذي قتل فيه عمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه وكان ابتدأنا من صفين حرباً وطعناً، فاستندت إلى قفة(١) كانت هناك، وأشرفت على الناس، وقد تزحزحوا عن مقاماتهم، وهم يتكفؤون تكفؤ السفينة بأهلها، فمن بين متقدّم لقتال، ومتأخر عن كلال، ما يسمع إلاّ صهيل الخيل، وغمغمة الرجال، وقعقعة اللجم، واصطكاك القنا باختلافها، وخفق الرايات، وقد أخذ العدو الماء، وحفظ الموارد، والناس معطشون، وقد مدّت الخيل أعناقها ولجمها، وعضت على الشكائم، وقلقلت في مواقفها، وقهقرت على أكفالها، وصهلت لأوجالها، وتداعى الناس بآبائهم ( واعتزوا بأنسابهم )(٢) والناس ملتفون، والنساء على المطايا خلال الصفوف يُحرضنّ الرجال على القتال، وقراء القرآن يتلون ما ذكره الله تعالى في كتابه من فضل الجهاد والمجاهدين والصبر عند مواقف الصدق، وقد سمحوا بالأنفس والأموال كأن قد عاينوا الثواب، واستيقنوا

__________________

(١) القفة: الشجرة اليابسة البالية. « النهاية - ٤: ٦١ ».

(٢) في هامش ر: واعتزلوا نسائهم.

٢٧٨

المآب، وأقبلت قبيلة همدان برايتها مع سعيد بن قيس كأنّها سحابة مودقة.

قال ربيعة: فاتكيت على رمحي، ورفعت(١) طرفي إلى السّماء، وقلت في نفسي: يا ربّ، هذا أخو نبيّك ووصيّه، وأحبّ الخلق(٢) إليه، وأزلفهم لديه، وأقربهم منه، وأنصرهم له، وأعلمهم بالدّين، وأنصحهم للمسلمين، وأهداهم للحقّ، وأعلمهم بالكتاب، وأعملهم به، وبما يأتي ويذر، فثبّت كلمته، وقصهم على دعوته، إنّ هذا الأمر ما يرد بهذا الخلق، ولله الخلق والأمر، يصيب برحمته من يشاء، اللهمّ وقد ضعفت عن حمل ذلك، فافتح اللهم لي ما تثبّت به قلبي، وتشرح به صدري، وتطلق به لساني، وتذهب به نزغ الشيطان الرجيم، وهمزه وكيده ووسوسته وخيله ورجله.

قال ربيعة: فلمّا استتم الدعاء إذا أنا بمقرعة بين كتفي، فالتفت فإذا أنا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وهو على بغلة رسول الله (ص) وبيده عنزة(٣) رسول الله (ص)، وكأنّ وجهه كدائرة القمر إذا أبدر، فقال لي: « يا ربيعة، لشد ما جزعت، إنّما الناس رائح ومقيم، فالرائح من يحببه هذا اللقاء إلى جنّة المأوى، وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنّة عرضها كعرض السّماء والأرض، أعدّت للمتقين؛ والمقيم بين اثنين: إمّا نعم مقلّة، أو فتنة مضلّة، يا ربيعة، حيّ على معرفة ما سألت ربا »

ومَرَّ يفري الأرض فرياً واتبعته حتّى خرج عن العسكر، وجازه بميل أو نحوه، وثنى رجله عن البغلة، ونزل وخر على الأرض للدُّعاء، يقلّب كفّيه بطناً وظهراً، فما ردّ يده حتّى نشأت قطعة سحابة كأنّها

__________________

(١) في ر: رجعت.

(٢) في ص، ع: الناس.

(٣) العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر. « النهاية ٣: ٣٠٨ ».

٢٧٩

هقل(١) نعام تدب بين(٢) السماء والأرض، حتّى أظلّتنا، فما عدا ظلّها مركبنا، حتّى(٣) هطلت بشيء كأفواه القرب، وشرب فرسي. من تحت حافره، وملأت مزادي، وارتويت، ورويت، فرسي، ثمّ عاد فركب بغلته، وعادت السحابة من حيث جاءت، وعدت إلى العسكر، فتركني وانغمس في الناس.

٢٤٣ / ١٢ - عن عاصم بن شريك، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام منزل عائشة، فنادى: « يا فضة، ائتينا بشيء من ماء نتوضأ به، » فلم يجبه أحد، ونادى ثلاثاً، فلم يجبه أحد، فولّى عن الباب يريد منزل الموفقة السعيدة الحوراء الإنسية فاطمةعليها‌السلام ، فإذا هو بهاتف يهتف ويقول: يا أبا الحسن دونك الماء فتوضأ به. فإذا هو بإبريق من ذهب مملوء ماء عن يمينه، فتوضأ، ثمّ عاد الإبريق إلى مكانه، فلمّا نظر إليه رسول الله (ص) قال: « يا عليّ ما هذا الماء الذي أراه يقطر كأنّه الجمان(٤) ؟ ».

قال: « بأبي أنت وأمّي، أتيت منزل عائشة فدعوت فضة تأتينا بماء للوضوء ثلاثاً فلم يجبني أحد، فوليت، فإذا أنا بهاتف يهتف وهو يقول: يا عليّ دونك الماء. فالتفت فإذا أنا بإبريق من ذهب مملوء ماء ».

فقال: « يا عليّ تدري من الهاتف؟ ومن أين كان الإبريق؟ »

__________________

(١) الهقل: الغني من النعام. « القاموس المحيط - هقل - ٤: ٧١ ».

(٢) في م: بدت من.

(٣) في ر: ثم.

١٢ - أمالي الصدوق: ١٨٧ نحوه؛ مائة منقبة لابن شاذان: ٩٩ منقبة ٤٢ نحوه، عنه معالم الزلفى: ٤١١، ومدينة المعاجز: ٩٦ ح ٢٤٦.

(٤) الجمانة: حبّة تعمل من الفضة كالدرّة، وجمعها جمان. « الصحاح ٥: ٢٠٩٢ ».

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607