الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 126921
تحميل: 4078


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126921 / تحميل: 4078
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأخضر المنقطع من النار، و النحاس الدخان و قال الراغب: هو اللهب بلا دخان و المعنى ظاهر.

و قوله:( فَلا تَنْتَصِرانِ ) أي لا تتناصران بأن ينصر بعضكم بعضاً لرفع البلاء و التخلّص عن العناء لسقوط تأثير الأسباب و لا عاصم اليوم من الله.

قوله تعالى: ( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ) أي كانت حمراء كالدهان و هو الأديم الأحمر.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ ) الآية و ما يتلوها من الآيات إلى آخر السورة تصف الحساب و الجزاء تصف حال المجرمين و الخائفين مقام ربّهم و ما ينتهي إليه.

ثمّ الآية تصف سرعة الحساب و قد قال تعالى:( وَ اللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ) النور: 39.

و المراد بيومئذ يوم القيامة، و السؤال المنفيّ هو النحو المألوف من السؤال، و لا ينافي نفي السؤال في هذه الآية إثباته في قوله:( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) الصافّات: 24 و قوله:( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) الحجر: 92، لأنّ اليوم ذو مواقف مختلفة يسأل في بعضها، و يختم على الأفواه في بعضها و تكلّم الأعضاء، و يعرف بالسيماء في بعضها.

قوله تعالى: ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ ) في مقام الجواب عن سؤال مقدّر كأنّه قيل: فإذا لم يسألوا عن ذنبهم فما يصنع بهم؟ فاُجيب بأنّه يعرف المجرمون بسيماهم إلخ، و لذا فصلت الجملة و لم يعطف، و المراد بسيماهم علامتهم البارزة في وجوههم.

و قوله:( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ ) الكلام متفرّع على المعرفة المذكورة، و النواصي جمع ناصية و هي شعر مقدّم الرأس، و الأقدام جمع قدم، و قوله:( بِالنَّواصِي ) نائب فاعل يؤخذ.

و المعنى: - لا يسأل أحد عن ذنبه - يعرف المجرمون بعلامتهم الظاهرة في وجوههم فيؤخذ بالنواصي و الأقدام من المجرمين فيلقون في النار.

١٢١

قوله تعالى: ( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ - إلى قوله -آنٍ ) مقول قول مقدّر أي يقال يومئذ هذه جهنّم الّتي يكذّب بها المجرمون، و قال الطبرسيّ: و يمكن أنّه لمّا أخبر الله سبحانه أنّهم يؤخذون بالنواصي و الأقدام قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه جهنّم الّتي يكذّب بها المجرمون من قومك فسيردونها فليهن عليك أمرهم. انتهى.

و الحميم الماء الحارّ، و الآني الّذي انتهت حرارته و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) شروع في وصف حال السعداء من الخائفين مقام ربّهم، و المقام مصدر ميميّ بمعنى القيام مضاف إلى فاعله، و المراد قيامه تعالى عليه بعمله و هو إحاطته تعالى و علمه بما عمله و حفظه له و جزاؤه عليه قال تعالى:( أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) الرعد: 33.

و يمكن أن يكون المقام اسم مكان و الإضافة لاميّة و المراد به مقامه و موقفه تعالى من عبده و هو أنّه تعالى ربّه الّذي يدبّر أمره و من تدبير أمره أنّه دعاه بلسان رسله إلى الإيمان و العمل الصالح و قضى أن يجازيه على ما عمل خيراً أو شرّاً هذا و هو محيط به و هو معه سميع بما يقول بصير بما يعمل لطيف خبير.

و الخوف من الله تعالى ربّما كان خوفاً من عقابه تعالى على الكفر به و معصيته، و لازمه أن يكون عبادة من يعبده خوفاً بهذا المعنى يراد بها التخلّص من العقاب لا لوجه الله محضاً و هو عبادة العبيد يعبدون مواليهم خوفاً من السياسة كما أنّ عبادة من يعبده طمعاً في الثواب غايتها الفوز بما تشتهيه النفس دون وجهه الكريم و هي عبادة التجّار كما في الروايات و قد تقدّم شطر منها.

و الخوف المذكور في الآية( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ) ظاهره غير هذا الخوف فإنّ هذا خوف من العقاب و هو غير الخوف من قيامه تعالى على عبده بما عمل أو الخوف من مقامه تعالى من عبده فهو تأثّر خاصّ ممّن ليس له إلّا الصغار و الحقارة تجاه ساحة العظمة و الكبرياء، و ظهور أثر المذلّة و الهوان و الاندكاك قبال العزّة و الجبروت المطلقين.

و عبادته تعالى خوفاً منه بهذا المعنى من الخوف خضوع له تعالى لأنّه الله ذو

١٢٢

الجلال و الإكرام لا لخوف من عقابه و لا طمعاً في ثوابه بل فيه إخلاص العمل لوجهه الكريم، و هذا المعنى من الخوف هو الّذي وصف الله به المكرمين من ملائكته و هم معصومون آمنون من عقاب المخالفة و تبعة المعصية قال تعالى:( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ) النحل: 50.

فتبيّن ممّا تقدّم أنّ الّذين أشار إليهم بقوله:( وَ لِمَنْ خافَ ) أهل الإخلاص الخاضعون لجلاله تعالى العابدون له لأنّه الله عزّ اسمه لا خوفاً من عقابه و لا طمعاً في ثوابه، و لا يبعد أن يكونوا هم الّذين سمّوا سابقين في قوله:( وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً - إلى أن قال -وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) الواقعة: 11.

و قوله:( جَنَّتانِ ) قيل: إحداهما منزله و محلّ زيارة أحبابه له و الاُخرى منزل أزواجه و خدمه، و قيل: بستانان بستان داخل قصره و بستان خارجه، و قيل: منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر ليكمل به التذاذه، و قيل: جنّة لعقيدته و جنّة لعمله، و قيل: جنّة لفعل الطاعات و جنّة لترك المعاصي، و قيل: جنّة جسمانيّة و جنّة روحانيّة و هذه الأقوال - كما ترى - لا دليل على شي‏ء منها.

و قيل: جنّة يثاب بها و جنّة يتفضّل بها عليه، و يمكن أن يستشعر ذلك من قوله تعالى:( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ) ق: 35، على ما مرّ في تفسيره.

قوله تعالى: ( ذَواتا أَفْنانٍ ) ذواتاً تثنية ذات، و( أَفْنانٍ ) إمّا جمع فنّ بمعنى النوع و المعنى: ذواتاً أنواع من الثمار و نحوها، و إمّا جمع فنن بمعنى الغصن الرطب اللّين و المعنى: ذواتاً أغصان ليّنة أشجارهما.

قوله تعالى: ( فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ ) و قد اُبهمت العينان و فيه دلالة على فخامة أمرهما.

قوله تعالى: ( فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ ) أي صنفان قيل: صنف معروف لهم شاهدوه في الدنيا و صنف غير معروف لم يروه في الدنيا، و قيل: غير ذلك، و لا دلالة في الكلام على شي‏ء من ذلك.

قوله تعالى: ( مُتَّكِئِينَ عَلى‏ فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ) إلخ، الفرش جمع فراش، و

١٢٣

البطائن جمع بطانة و هي داخل الشي‏ء و جوفه مقابل الظهائر جمع ظهارة، و الإستبرق الحرير الغليظ قال في المجمع: ذكر البطانة و لم يذكر الظهارة لأنّ البطانة تدلّ على أنّ لها ظهارة و البطانة دون الظهارة فدلّ على أنّ الظهارة فوق الإستبرق، انتهى.

و قوله:( وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ ) الجنا الثمر المجتنى و( دانٍ ) اسم فاعل من الدنوّ بمعنى القرب أي ما يجتنى من ثمار الجنّتين قريب.

قوله تعالى: ( فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ ) إلى آخر الآية ضمير( فِيهِنَّ ) للفرش و جوّز أن يرجع إلى الجنان فإنّها جنان لكلّ واحد من أولياء الله منها جنّتان، و الطرف جفن العين، و المراد بقصور الطرف اكتفاؤهنّ بأزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

و قوله:( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ ) الطمث الافتضاض و النكاح بالتدمية، و المعنى: لم يمسسهنّ بالنكاح إنس و لا جانّ قبل أزواجهنّ.

قوله تعالى: ( كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ ) أي في صفاء اللون و البهاء و التلألؤ.

قوله تعالى: ( هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ) استفهام إنكاريّ في مقام التعليل لما ذكر من إحسانه تعالى عليهم بالجنّتين و ما فيهما من أنواع النعم و الآلاء فيفيد أنّه تعالى يحسن إليهم هذا الإحسان جزاء لإحسانهم بالخوف من مقام ربّهم.

و تفيد الآية أنّ ما اُوتوه من الجنّة و نعيمها جزاء لأعمالهم و أمّا ما يستفاد من بعض الآيات أنّهم يعطون فضلاً وراء جزاء أعمالهم فلا تعرّض في هذه الآيات لذلك إلّا أن يقال: الإحسان إنّما يتمّ إذا كان يربو على ما أحسن به المحسن إليه فإطلاق الإحسان في قوله:( إِلَّا الْإِحْسانُ ) يفيد الزيادة.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) ضمير التثنية للجنّتين الموصوفتين في الآيات السابقة و معنى.( مِنْ دُونِهِما ) أي أنزل درجة و أحطّ فضلاً و شرفاً منهما و إن كانتا شبيهتين بالجنّتين السابقتين في نعمهما و آلائهما، و قد تقدّم أنّ الجنّتين السابقتين لأهل الإخلاص الخائفين مقام ربّهم فهاتان الجنّتان لمن دونهم من المؤمنين العابدين لله سبحانه خوفاً من النار أو طمعاً في الجنّة و هم أصحاب اليمين.

١٢٤

و قيل: معنى( مِنْ دُونِهِما ) بالقرب منهما، و يستفاد من السياق حينئذ أنّ هاتين الجنّتين أيضاً لأهل الجنّتين المذكورتين قبلاً بل ادّعى بعضهم أنّ هاتين الجنّتين أفضل من السابقتين و الصفات المذكورة فيهما أمدح.

و أنت بالتدبّر فيما قدّمناه في معنى لمن خاف مقام ربّه و ما يستفاد من كلامه تعالى أنّ أهل الجنّة صنفان: المقرّبون أهل الإخلاص و أصحاب اليمين تعرف قوّة الوجه السابق.

قوله تعالى: ( مُدْهامَّتانِ ) الادهيمام من الدهمة اشتداد الخضرة بحيث تضرب إلى السواد و هو ابتهاج الشجرة.

قوله تعالى: ( هِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ‏ ) أي فوّارتان تخرجان من منبعهما بالدفع.

قوله تعالى: ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ ) المراد بالفاكهة و الرّمان شجرتهما بقرينة النخل.

قوله تعالى: ( فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ) ضمير( فِيهِنَّ ) للجنان باعتبار أنّها جنّتان من هاتين الجنّتين، و قيل: مرجع الضمير الجنّات الأربع المذكورة في الآيات، و قيل: الضمير للفاكهة و النخل و الرّمان.

و أكثر ما يستعمل الخير في المعاني كما أنّ أكثر استعمال الحسن في الصور، و على هذا فمعنى خيرات حسان أنّهنّ حسان في أخلاقهنّ حسان في وجوههنّ.

قوله تعالى: ( حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ) الخيام جمع خيمة و هي الفسطاط، و كونهنّ مقصورات في الخيام أنّهنّ مصونات غير مبتذلات لا نصيب لغير أزواجهنّ فيهن.

قوله تعالى: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ ) تقدّم معناه.

قوله تعالى: ( مُتَّكِئِينَ عَلى‏ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ ) في الصحاح: الرفرف ثياب خضر تتّخذ منها المجالس. انتهى. و قيل: هي الوسائد، و قيل: غير ذلك، و الخضر جمع أخضر صفة لرفرف، و العبقريّ قيل: الزرابيّ، و قيل: الطنافس، و قيل:

١٢٥

الثياب الموشّاة، و قيل: الديباج.

قوله تعالى: ( تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ ) ثناء جميل له تعالى بما امتلأت النشأتان الدنيا و الآخرة بنعمه و آلائه و بركاته النازلة من عنده برحمته الواسعة، و بذلك يظهر أنّ المراد باسمه المتبارك هو الرحمن المفتتحة به السورة، و التبارك كثرة الخيرات و البركات الصادرة.

فقوله:( تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ) تبارك الله المسمّى بالرحمن بما أفاض هذه الآلاء.

و قوله:( ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ ) إشارة إلى تسميه بأسمائه الحسنى و اتّصافه بما يدلّ عليه من المعاني الوصفيّة و نعوت الجلال و الجمال، و لصفات الفاعل ظهور في أفعاله و أثر فيها يرتبط به الفعل بفاعله فهو تعالى خلق الخلق و نظم النظام لأنّه بديع خالق مبدئ فأتقن الفعل لأنّه عليم حكيم و جازى أهل الطاعة بالخير لأنّه ودود شكور غفور رحيم و أهل الفسق بالشرّ لأنّه منتقم شديد العقاب.

فتوصيف الربّ - الّذي اُثنى على سعة رحمته - بذي الجلال و الإكرام للإشارة إلى أنّ لأسمائه الحسنى و صفاته العليا دخلاً في نزول البركات و الخيرات من عنده، و أنّ نعمه و آلاءه عليها طابع أسمائه الحسنى و صفاته العليا تبارك و تعالى.

( بحث روائي)

في المجمع: و قد جاء في الخبر: يحاط على الخلق بالملائكة و بلسان من نار ثمّ ينادون:( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ - إلى قوله -يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ ) .

أقول: و روي هذا المعنى عن مسعدة بن صدقة عن كليب عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في الكافي، بإسناده عن داود الرّقيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) قال: من علم أنّ الله يراه و يسمع ما يقول و يعلم ما يعمله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف

١٢٦

مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و ابن منيع و الحكيم في نوادر الاُصول و النسائيّ و البزار و أبو يعلى و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن المنذر و الطبرانيّ و ابن مردويه عن أبي الدرداء: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ هذه الآية( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) فقلت: و إن زنى و إن سرق يا رسول الله؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثانية( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) فقلت: و إن زنى و إن سرق؟ فقال: نعم و إن رغم أنف أبي الدرداء.

أقول: الرواية لا تخلو من شي‏ء فإنّ الخوف من مقامه تعالى لا يجامع هذه الكبائر الموبقة، و قد روي عن أبي الدرداء نفسه ما يدفع هذه الرواية ففي الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن يسار مولى لآل معاوية عن أبي الدرداء: في قوله:( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) قال: قيل: يا أبا الدرداء و إن زنى و إن سرق؟ قال: من خاف مقام ربّه لم يزن و لم يسرق.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( قاصِراتُ الطَّرْفِ ) قال: الحور العين يقصر الطرف عنها من ضوء نورها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قوله:( قاصِراتُ الطَّرْفِ ) قال: لا ينظرن إلّا إلى أزواجهنّ.

و في المجمع في قوله تعالى:( كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ ) في الحديث أنّ المرأة من أهل الجنّة يرى مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة من حرير.

أقول: و هذا المعنى وارد في عدّة روايات.

و في تفسير العيّاشيّ، بإسناده عن عليّ بن سالم قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: آية في كتاب الله مسجّلة. قلت: و ما هي؟ قال: قول الله عزّوجلّ:( هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ) جرى في الكافر و المؤمن و البرّ و الفاجر، و من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، و ليس المكافأة أن يصنع كما صنع حتّى يربى فإن صنعت

١٢٧

كما صنع كان له الفضل بالابتداء.

و في المجمع في قوله:( هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ) جاءت الرواية من أنس بن مالك قال: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية فقال: هل تدرون ما يقول ربّكم؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: فإنّ ربّكم يقول: هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلّا الجنّة؟

و في تفسير القمّيّ في الآية قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالمعرفة إلّا الجنّة.

أقول: الرواية مرويّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و قد أسندها في التوحيد إلى جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - و لفظها -: إنّ الله عزّوجلّ قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلّا الجنّة. و أسندها في العلل، إلى الحسن بن عليّعليهما‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - و اللفظ -: هل جزاء من قال: لا إله إلّا الله إلّا الجنّة؟

و روي الرواية بألفاظها المختلفة في الدرّ المنثور، بطرق مختلفة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قوله: أنعمت عليه، إشارة إلى أنّ إحسان العبد بالحقيقة إحسان من الله إليه.

و في المجمع في قوله تعالى:( وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) عن العلاء بن سيابة عن أبي عبداللهعليه‌السلام : قلت له: إنّ الناس يتعجّبون منّا إذا قلنا: يخرج قوم من النار فيدخلون الجنّة فيقولون لنا فيكونون مع أولياء الله في الجنّة؟ فقال يا عليّ إنّ الله يقول:( وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) ما يكونون مع أولياء الله.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي موسى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قوله:( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) و قوله:( وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) قال: جنّتان من ذهب للمقرّبين و جنّتان من ورق لأصحاب اليمين.

أقول: و الروايتان تؤيّدان ما قدّمناه في تفسير الآيتين.

و فيه، أخرج الطبرانيّ و ابن مردويه عن أبي أيّوب قال: سألت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله:( مُدْهامَّتانِ ) قال: خضراوان.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده إلى يونس بن ظبيان عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله

١٢٨

تعالى:( نَضَّاخَتَانِ ) قال: تفوران.

و فيه،: في قوله:( فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ) قال: جوار نابتات على شطّ الكوثر كلّما أخذت منها نبتت مكانها اُخرى.

و في المجمع في قوله:( خَيْراتٌ حِسانٌ ) أي نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه. روته اُمّ سلمة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الفقيه، قال الصادقعليه‌السلام : الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا و هنّ أجمل من الحور العين.

و في روضة الكافي، بإسناده عن الحلبيّ قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ) قال: هنّ صوالح المؤمنات العارفات.

أقول: و في انطباق الآية بالنظر إلى سياقها على مورد الروايتين إبهام.

١٢٩

( سورة الواقعة مكّيّة و هي ستّ و تسعون آية)

( سورة الواقعة الآيات 1 - 10)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ( 1 ) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ( 2 ) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ( 3 ) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ( 4 ) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ( 5 ) فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا ( 6 ) وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ( 7 ) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 8 ) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 9 ) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 )

( بيان)

تصف السورة القيامة الكبرى الّتي فيها بعث الناس و حسابهم و جزاؤهم فتذكر أوّلاً شيئاً من أهوالها ممّا يقرب من الإنسان و الأرض الّتي يسكنها فتذكر تقليبها للأوضاع و الأحوال بالخفض و الرفع و ارتجاج الأرض و انبثاث الجبال و تقسّم الناس إلى ثلاثة أزواج إجمالاً ثمّ تذكر ما ينتهي إليه حال كلّ من الأزواج السابقين و أصحاب اليمين و أصحاب الشمال.

ثمّ تحتجّ على أصحاب الشمال المنكرين لربوبيّته و للبعث المكذّبين بالقرآن الداعي إلى التوحيد و الإيمان بالبعث. ثمّ تختم الكلام بذكر الاحتضار بنزول الموت و انقسام الناس إلى ثلاثة أزواج.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) وقوع الحادثة هو حدوثها، و الواقعة صفة توصف بها كلّ حادثة، و المراد بها ههنا واقعة القيامة و قد اُطلقت إطلاق الأعلام كأنّها لا تحتاج إلى موصوف مقدّر و لذا قيل: إنّها من أسماء القيامة في القرآن كالحاقّة

١٣٠

و القارعة و الغاشية.

و الجملة( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) مضمّنة معنى الشرط و لم يذكر جزاء الشرط إعظاماً له و تفخيماً لأمره و هو على أيّ حال أمر مفهوم ممّا ستصفه السورة من حال الناس يوم القيامة، و التقدير نحو من قولنا: فاز المؤمنون و خسر الكافرون.

قوله تعالى: ( لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) قال في المجمع: الكاذبة مصدر كالعافية و العاقبة. انتهى. و عليه فالمعنى: ليس في وقعتها و تحقّقها كذب، و قيل: كاذبة صفة محذوفة الموصوف و التقدير: ليس لوقعتها قضيّة كاذبة.

قوله تعالى: ( خافِضَةٌ رافِعَةٌ ) خبران مبتداهما الضمير الراجع إلى الواقعة، و الخفض خلاف الرفع و كونها خافضة رافعة كناية عن تقليبها نظام الدنيا المشهود فتظهر السرائر و هي محجوبة اليوم و تحجب و تستر آثار الأسباب و روابطها و هي ظاهرة اليوم و تذلّ الأعزّة من أهل الكفر و الفسق و تعزّ المتّقين.

قوله تعالى: ( إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ) الرجّ تحريك الشي‏ء تحريكاً شديداً إشارة إلى زلزلة الساعة الّتي يعظّمها الله سبحانه في قوله:( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ ) الحجّ: 1، و قد عظّمها في هذه الآية حيث عبّر عنها برجّ الأرض ثمّ أكّد شدّتها بتنكير قوله:( رَجًّا ) أي رجّاً لا يوصف شدّته. و الجملة بدل أو بيان لقوله:( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) .

قوله تعالى: ( وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) عطف على( رُجَّتِ ) و البسّ الفتّ و هو عود الجسم بدقّ و نحوه أجزاء صغاراً متلاشية كالدقيق، و قيل: البسّ هو التسيير فهو في معنى قوله:( وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ ) النبأ: 20.

و قوله:( فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) الهباء قيل: هو الغبار و قيل: هو الذرّة من الغبار الظاهر في شعاع الشمس الداخل من كوّة، و الانبثاث التفرّق، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ) الزوج بمعنى الصنف و الخطاب لعامّة البشر.

قوله تعالى: ( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) متفرّع على ما قبلها تفرّع

١٣١

البيان على المبيّن، فهذه الآية و الآيتان بعدها بيان للأزواج الثلاثة.

و الميمنة من اليمن مقابل الشؤم، فأصحاب الميمنة أصحاب السعادة و اليمن مقابل أصحاب المشأمة أصحاب الشقاء و الشؤم، و ما قيل: إنّ المراد بالميمنة اليمين، أي ناحية اليمين لأنّهم يؤتون كتابهم بيمينهم و غيرهم يؤتونه بشمالهم يردّه مقابلة أصحاب الميمنة بأصحاب المشأمة، و لو كان كما قيل لقيل أصحاب الشمال و هو ظاهر.

و ما في قوله:( ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) استفهامية و مبتدأ خبره( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) ، و المجموع خبر لقوله:( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) و في الاستفهام إعظام لأمرهم و تفخيم لشأنهم.

قوله تعالى: ( وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ) المشأمة مصدر كالشؤم مقابل اليمين، و الميمنة و المشأمة السعادة و الشقاء.

قوله تعالى: ( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) الّذي يصلح أن يفسّر به السابقون الأوّل قوله تعالى:( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ) فاطر 32، و قوله:( وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) البقرة: 148، و قوله:( أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ ) المؤمنون: 61.

فالمراد بالسابقين - الأوّل - في الآية السابقون بالخيرات من الأعمال، و إذا سبقوا بالخيرات سبقوا إلى المغفرة و الرحمة الّتي بإزائها كما قال تعالى:( سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ ) الحديد: 21، فالسابقون بالخيرات هم السابقون بالرحمة و هو قوله:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) .

و قيل: المراد بالسابقون الثاني هو الأوّل على حدّ قوله:

أنا أبوالنجم و شعري شعري

و قوله:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) مبتدأ و خبر، و قيل: الأوّل مبتدأ و الثاني تأكيد، و الخبر قوله:( أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) .

و لهم في تفسير السابقين أقوال اُخر فقيل: هم المسارعون إلى كلّ ما دعا الله إليه، و قيل: هم الّذين سبقوا إلى الإيمان و الطاعة من غير توان، و قيل: هم الأنبياءعليهم‌السلام

١٣٢

لأنّهم مقدّموا أهل الأديان، و قيل: هم مؤمن آل فرعون و حبيب النجّار المذكور في سورة يس و عليّعليه‌السلام السابق إلى الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو أفضلهم و قيل: هم السابقون إلى الهجرة، و قيل: هم السابقون إلى الصلوات الخمس، و قيل: هم الّذين صلّوا إلى القبلتين، و قيل: هم السابقون إلى الجهاد، و قيل غير ذلك.

و القولان الأوّلان راجعان إلى ما تقدّم من المعنى، و الثالث و الرابع ينبغي أن يحملاً على التمثيل، و الباقي كما ترى إلّا أن يحمل على نحو من التمثيل.

( بحث روائي)

في الخصال، عن الزهريّ قال: سمعت عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول: من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات، و الله ما الدنيا و الآخرة إلّا ككفّتي ميزان فأيّهما رجح ذهب بالآخر ثمّ تلا قوله عزّوجلّ:( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) يعني القيامة( سَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ ) خفضت و الله بأعداء الله في النار( رافِعَةٌ ) رفعت و الله أولياء الله إلى الجنّة.

و في تفسير القمّيّ:( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) قال: القيامة هي حقّ، و قوله:( خافِضَةٌ ) قال: بأعداء الله( رافِعَةٌ ) لأولياء الله( إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ) قال: يدقّ بعضها على بعض( وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ) قال: قلعت الجبال قلعاً( فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) قال: الهباء الّذي في الكوّة من شعاع الشمس.

و قوله:( وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ) قال: يوم القيامة( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) الّذين سبقوا إلى الجنّة.

أقول: قوله: الّذين سبقوا إلى الجنّة تفسير للسابقون الثاني.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال: الهباء المنبثّ(1) رهج الذرّات و الهباء المنثور غبار الشمس الّذي تراه

____________________

(1) الرهج بفتحتين و بفتح فسكون ما أثير من الغبار.

١٣٣

في شعاع الكوّة.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس: في قوله:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون، و حبيب النجّار الّذي ذكر في يس و عليّ بن أبي طالب، كلّ رجل منهم سابق اُمّته و عليّ أفضلهم سبقاً.

و في المجمع، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: السابقون أربعة: ابن آدم المقتول، و سابق اُمّة موسى و هو مؤمن آل فرعون، و سابق اُمّة عيسى و هو حبيب و السابق في اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

أقول: و روي هذا المعنى في روضة الواعظين، عن الصادقعليه‌السلام .

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى ابن عبّاس قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله عزّوجلّ:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) فقال: قال لي جبرئيل: ذلك عليّ و شيعته، هم السابقون إلى الجنّة المقرّبون من الله بكرامته لهم.

و في كمال الدين، بإسناده إلى خيثمة الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث: و نحن السابقون السابقون و نحن الآخرون.

و في العيون، في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار المجموعة بإسناده عن عليّعليه‌السلام قال:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) فيّ نزلت.

و في المجمع في الآية: و قيل: إلى الصلوات الخمس:. عن عليّعليه‌السلام .

أقول: الوجه حمل جميع هذه الأخبار على التمثيل كما تقدّم.

١٣٤

( سورة الواقعة الآيات 11 - 56)

أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( 11 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 12 ) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ( 13 ) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ( 14 ) عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ( 15 ) مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ( 16 ) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ( 17 ) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ( 18 ) لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ ( 19 ) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ( 20 ) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ( 21 ) وَحُورٌ عِينٌ ( 22 ) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ( 23 ) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 24 ) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ( 25 ) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ( 26 ) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ( 27 ) فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ( 28 ) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ( 29 ) وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ( 30 ) وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ ( 31 ) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ( 32 ) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ( 33 ) وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ( 34 ) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً ( 35 ) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ( 36 ) عُرُبًا أَتْرَابًا ( 37 ) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ( 38 ) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ( 39 ) وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ( 40 ) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ( 41 ) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ( 42 ) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ( 43 ) لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ( 44 ) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ ( 45 ) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ( 46 ) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا

١٣٥

لَمَبْعُوثُونَ ( 47 ) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ( 48 ) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ( 49 ) لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( 50 ) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ( 51 ) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ( 52 ) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ( 53 ) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ( 54 ) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ( 55 ) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ( 56 )

( بيان)

الآيات تفصّل ما ينتهي إليه حال كلّ واحد من الأزواج الثلاثة يوم القيامة.

قوله تعالى: ( أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) الإشارة باُولئك إلى السابقين، و( أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) مبتدأ و خبر، و الجملة استئنافيّة، و قيل: خبر لقوله:( وَ السَّابِقُونَ ) ، و قيل: مبتدأ خبره في جنّات النعيم، و أوّل الوجوه الثلاثة أوجه بالنظر إلى سياق تقسيم الناس إلى ثلاثة أزواج أوّلاً ثمّ تفصيل ما ينتهي إليه أمر كلّ منهم.

و القرب و البعد معنيان متضائفان تتّصف بهما الأجسام بحسب النسبة المكانيّة ثمّ توسّع فيهما فاعتبرا في غير المكان من الزمان و نحوه، يقال: الغد قريب من اليوم و الأربعة أقرب إلى الثلاثة من الخمسة، و الخضرة أقرب إلى السواد من البياض ثمّ توسّع فيهما فاعتبرا في غير الأجسام و الجسمانيّات من الحقائق.

و قد اعتبر القرب وصفاً له تعالى بما له من الإحاطة بكلّ شي‏ء، قال تعالى:( وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) البقرة: 186، و قال:( وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ) الواقعة: 85، و قال:( وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق: 16. و هذا المعنى أعني كونه تعالى أقرب إلى الشي‏ء من نفسه أعجب ما يتصوّر من معنى القرب، و قد أشرنا إلى تصويره في تفسير الآية.

١٣٦

و اعتبر القرب أيضاً وصفاً للعباد في مرحلة العبوديّة و لمّا كان أمراً اكتسابيّاً يستعمل فيه لفظ التقرّب فالعبد يتقرّب بصالح العمل إلى الله سبحانه و هو وقوعه في معرض شمول الرحمة الإلهيّة بزوال أسباب الشقاء و الحرمان، و الله سبحانه يقرّب العبد بمعنى إنزاله منزلة يختصّ بنيل ما لا يناله من دونه من إكرامه تعالى و مغفرته و رحمته، قال تعالى:( كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) المطفّفين: 21، و قال:( وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) المطفّفين: 28.

فالمقرّبون هم النمط الأعلى من أهل السعادة كما يشير إليه قوله:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) و لا يتمّ ذلك إلّا بكمال العبوديّة كما قال:( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) النساء: 172، و لا تكمل العبوديّة إلّا بأن يكون العبد تبعاً محضاً في إرادته و عمله لمولاه لا يريد و لا يعمل إلّا ما يريده و هذا هو الدخول تحت ولاية الله فهؤلاء هم أولياء الله.

و قوله:( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) أي كلّ واحد منهم في جنّة النعيم فالكلّ في جنّات النعيم، و يمكن أن يراد به أنّ كلّاً منهم في جنّات النعيم لكن يبعّده قوله في آخر السورة:( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ ) .

و قد تقدّم غير مرّة أنّ النعيم هي الولاية و أنّ جنّة النعيم هي جنّة الولاية و هو المناسب لما تقدّم آنفاً أنّ المقرّبين هم أهل ولاية الله.

قوله تعالى: ( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) الثلّة - على ما قيل - الجماعة الكثيرة، و المراد بالأوّلين الاُمم الماضون للأنبياء السابقين، و بالآخرين هذه الاُمّة على ما هو المعهود من كلامه تعالى في كلّ موضع ذكر فيه الأوّلين و الآخرين معاً و منها ما سيأتي من قوله:( أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى‏ مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) فمعنى الآيتين: هم أي المقرّبون جماعة كثيرة من الاُمم الماضين و قليل من هذه الاُمّة.

و بما تقدّم يظهر أنّ قول بعضهم: إنّ المراد بالأوّلين و الآخرين أوّلوا هذه الاُمّة و آخروها غير سديد.

١٣٧

قوله تعالى: ( عَلى‏ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ ) الوضن النسج و قيل: نسج الدرع و إطلاقه على نسج السرر استعارة يراد بها إحكام نسجها.

و قوله:( مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ) حال من الضمير العائد إلى المقرّبين و الضمير للسرر، و قوله:( مُتَقابِلِينَ ) حال آخر منه أو من ضمير( مُتَّكِئِينَ ) و تقابلهم كناية عن بلوغ اُنسهم و حسن عشرتهم و صفاء باطنهم فلا ينظرون في قفاء صاحبهم و لا يعيبونه و لا يغتابونه.

و المعنى: هم أي المقرّبون مستقرّون على سرر منسوجة حال كونهم متّكئين عليها حال كونهم متقابلين.

قوله تعالى: ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) الولدان جمع ولد و هو الغلام، و طوافهم عليهم كناية عن خدمتهم لهم، و المخلّدون من الخلود بمعنى الدوام أي باقون أبداً على هيئتهم من حداثة السنّ، و قيل من الخلد بفتحتين و هو القرط، و المراد أنّهم مقرّطون بالخلد.

قوله تعالى: ( بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) الأكواب جمع كوب و هو الإناء الّذي لا عروة له و لا خرطوم، و الأباريق جمع إبريق و هو الإناء الّذي له خرطوم، و قيل: عروة و خرطوم معاً، و الكأس معروف، قيل: أفرد الكأس لأنّها لا تسمّى كأساً إلّا إذا كانت ممتلئة، و المراد بالمعين الخمر المعين و هو الظاهر للبصر الجاري.

قوله تعالى: ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يُنْزِفُونَ ) أي لا يأخذهم صداع لأجل خمار يحصل من الخمر كما في خمر الدنيا و لا يزول عقلهم بالسكر الحاصل منها.

قوله تعالى: ( وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) الفاكهة و الطير معطوفان على قوله:( بِأَكْوابٍ ) ، و المعنى: يطوف عليهم الولدان بفاكهة ممّا يختارون و بلحم طير ممّا يشتهون.

و لا يستشكل بما ورد في الروايات أنّ أهل الجنّة إذا اشتهوا فاكهة تدلّى إليهم غصن شجرتها بما لها من ثمرة فيتناولونها، و إذا اشتهوا لحم طير وقع مقليّاً مشويّاً في أيديهم فيأكلون منها ما أرادوا ثمّ حيي و طار.

١٣٨

و ذلك لأنّ لهم ما شاؤا و من فنون التنعّم تناول ما يريدونه من أيدي خدمهم و خاصّة حال اجتماعهم و احتفالهم كما أنّ من فنونه تناولهم أنفسهم من غير توسيط خدمهم فيه.

قوله تعالى: ( وَ حُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) مبتدأ محذوف الخبر على ما يفيده السياق و التقدير و لهم حور عين أو و فيها حور عين و الحور العين نساء الجنّة و قد تقدّم معنى الحور العين في تفسير سورة الدخان.

و قوله:( كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) أي اللؤلؤ المصون المخزون في الصدف لم تمسّه الأيدي فهو منته في صفائه.

قوله تعالى: ( جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) قيد لجميع ما تقدّم و هو مفعول له، و المعنى: فعلنا بهم ما فعلنا ليكون جزاء لهم قبال ما كانوا يستمرّون عليه من العمل الصالح.

قوله تعالى: ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً ) اللغو من القول ما لا فائدة فيه و لا أثر يترتّب عليه، و التأثيم النسبة إلى الإثم أي لا يخاطب أحدهم صاحبه بما لا فائدة فيه و لا ينسبه إلى الإثم إذ لا إثم هناك، و فسّر بعضهم التأثيم بالكذب.

قوله تعالى: ( إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً ) استثناء منقطع من اللغو و التأثيم، و القيل مصدر كالقول، و( سَلاماً ) بيان لقوله:( قِيلًا ) و تكراره يفيد تكرّر الوقوع، و المعنى: إلّا قولاً هو السلام بعد السلام.

قيل: و يمكن أن يكون( سَلاماً ) مصدراً بمعنى الوصف و صفة لقيلاً، و المعنى: إلّا قولاً هو سالم.

قوله تعالى: ( وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ) شروع في تفصيل ما انتهى إليه حال أصحاب الميمنة و في تبديله من أصحاب اليمين يعلم أنّ أصحاب اليمين و أصحاب الميمنة واحد و هم الّذين يؤتون كتابهم بيمينهم. و الجملة استفهاميّة مسوقة لتفخيم أمرهم و التعجيب من حالهم و هي خبر لقوله:( وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ) .

١٣٩

قوله تعالى: ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) السدر شجرة النبق، و المخضود ما قطع شوكة فلا شوك له.

قوله تعالى:( وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ ) الطلح شجر الموز، و قيل: ليس بالموز بل شجر له ظلّ بارد رطب، و قيل: شجرة اُمّ غيلان لها أنوار طيّبة الرائحة، و نضد الأشياء جعل بعضها على بعض، و المعنى: و في شجر موز منضود الثمر بعضه على بعض من أسفله إلى أعلاه.

قوله تعالى: ( وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ ) قيل: الممدود من الظلّ هو الدائم الّذي لا تنسخه شمس فهو باق لا يزول، و الماء المسكوب هو المصبوب الجاري من غير انقطاع.

قوله تعالى: ( وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ ) أي لا مقطوعة في بعض الأزمان كانقطاع الفواكه في شتاء و نحوه في الدنيا، و لا ممنوعة التناول لمانع من قبل أنفسهم كسأمة أو شبع أو من خارج كبعد المكان أو شوكة تمنع القطف أو غير ذلك.

قوله تعالى: ( وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) الفرش جمع فراش و هو البساط، و المرفوعة العالية، و قيل: المراد بالفرش المرفوعة النساء المرتفعات قدراً في عقولهنّ و جمالهنّ و كمالهنّ و المرأة تسمّى فراشاً، و يناسب هذا المعنى قوله بعد:( إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ) إلخ.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً ) أي إنّا أوجدناهنّ و أحدثناهنّ و ربّيناهنّ أحداثاً و تربية خاصّة، و فيه تلويح إلى أنّهنّ لا يختلف حالهنّ بالشباب و الشيب و صباحة المنظر و خلافها، و قوله:( فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً ) أي خلقناهنّ عذارى كلّما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكاراً.

و قوله:( عُرُباً أَتْراباً ) العرب جمع عروب و هي المتحنّنة إلى زوجها أو الغنجة أو العاشقة لزوجها، و الأتراب جمع ترب بالكسر فالسكون بمعنى المثل أي إنّهنّ أمثال أو أمثال في السنّ لأزواجهنّ.

قوله تعالى: ( لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) يتّضح

١٤٠