الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 126925
تحميل: 4078


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126925 / تحميل: 4078
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و قيل: إنّ( لِئَلَّا ) في( لِئَلَّا يَعْلَمَ ) زائدة و ضمير( يَقْدِرُونَ ) لأهل الكتاب، و المعنى: إنّما وعدنا المؤمنين بما وعدنا لأن يعلم أهل الكتاب القائلون: إنّ من آمن منّا بكتابكم فله أجران و من لم يؤمن فله أجر واحد لإيمانه بكتابنا، إنّهم لا يقدرون على شي‏ء من فضل الله إن لم يؤمنوا، هذا و لا يخفى عليك ما فيه من التكلّف.

و قوله:( وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) معطوف على( ألا يعلم) ، و المعنى: إنّما وعدنا بما وعدنا لأنّ كذا كذا و لأنّ الفضل بيد الله و الله ذو الفضل العظيم.

و في الآية أقوال و احتمالات اُخر لا جدوى في إيرادها و البحث عنها.

( بحث روائي)

عن جوامع الجامع، روي: أنّ جبرئيل نزل بالميزان فدفعه إلى نوحعليه‌السلام و قال: مر قومك يزنوا به.

و في الاحتجاج، عن عليّعليه‌السلام في حديث و قال:( وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) فإنزاله ذلك خلقه إيّاه.

و في المجمع، عن ابن مسعود قال: كنت رديف رسول الله على الحمار فقال: يا ابن اُمّ عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانيّة؟ فقلت: الله و رسوله أعلم. فقال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسىعليه‌السلام يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرّات فلم يبق منهم إلّا القليل.

فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا و لم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرّق في الأرض إلى أن يبعث الله النبيّ الّذي وعدنا به عيسى يعنون محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتفرّقوا في غيران(1) الجبال و أحدثوا رهبانيّة فمنهم من تمسّك بدينه، و منهم من كفر. ثمّ تلا هذه الآية( وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ) إلى آخرها.

ثمّ قال: يا ابن اُمّ عبد أ تدري ما رهبانيّة اُمّتي؟ قلت: الله و رسوله أعلم. قال:

____________________

(1) جمع غار.

٢٠١

الهجرة و الجهاد و الصلاة و الصوم و الحجّ و العمرة.

و في الكافي، بإسناده عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : لقد آتى الله‏ أهل الكتاب خيراً كثيراً. قال: و ما ذاك؟ قلت: قول الله عزّوجلّ:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ - إلى قوله -أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) قال: فقال: آتاكم الله كما آتاهم ثمّ تلا:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) يعني إماماً تأتمّون به.

و في المجمع، عن سعيد بن جبير: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعفراً في سبعين راكباً إلى النجّاشي يدعوه فقدم عليه و دعاه فاستجاب له و آمن به فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته و هم أربعون رجلاً: ائذن لنا فنأتي هذا النبيّ فنسلم به.

فقدموا مع جعفر فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قالوا: يا نبيّ الله إنّ لنا أموالاً و نحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فأنزل الله فيهم:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ - إلى قوله -وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) فكانت النفقة الّتي واسوا بها المسلمين.

فلمّا سمع أهل الكتاب ممّن لم يؤمن به قوله:( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين أمّا من آمن منّا بكتابنا و كتابكم فله أجران، و من آمن منّا بكتابنا فله أجر كاُجوركم فما فضلكم علينا؟ فنزل قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ ) الآية، فجعل لهم أجرين و زادهم النور و المغفرة ثمّ قال:( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ) .

٢٠٢

( سورة المجادلة مدنيّة و هي اثنتان و عشرون آية)

( سورة المجادلة الآيات 1 - 6)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا  إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( 1 ) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ  إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ  وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا  وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( 2 ) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا  ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ  وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 3 ) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا  فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا  ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ  وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ  وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 4 ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ  وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( 5 ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا  أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ  وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 6 )

( بيان‏)

تتعرّض السورة لمعان متنوّعة من حكم و أدب و صفة فشطر منها في حكم الظهار و النجوى و أدب الجلوس في المجالس و شطر منها يصف حال الّذين يحادّون الله و رسوله، و الّذين يوادّون أعداء الدين و يصف الّذين يتحرّزون من موادّتهم من المؤمنين

٢٠٣

و يعدّهم وعداً جميلاً في الدنيا و الآخرة.

و السورة مدنيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَ اللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ) إلخ، قال في المجمع: الاشتكاء إظهار ما بالإنسان من مكروه، و الشكاية إظهار ما يصنعه به غيره من المكروه. قال: و التحاور التراجع و هي المحاورة يقال: حاوره محاورة أي راجعه الكلام و تحاوراً. انتهى.

الآيات الأربع أو الستّ نزلت في الظهار و كان من أقسام الطلاق عند العرب الجاهليّ كان الرجل يقول لامرأته: أنت منّي كظهر اُمّي فتنفصل عنه و تحرم عليه مؤبّدة و قد ظاهر بعض الأنصار من امرأته ثمّ ندم عليه فجاءت امرأته إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسائله فيه لعلّها تجد طريقاً إلى رجوعه إليها و تجادلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك و تشتكي إلى الله فنزلت الآيات.

و المراد بالسمع في قوله:( قَدْ سَمِعَ اللهُ ) استجابة الدعوة و قضاء الحاجة من باب الكناية و هو شائع و الدليل عليه قوله:( تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللهِ ) الظاهر في أنّها كانت تتوخّى طريقاً إلى أن لا تنفصل عن زوجها، و أمّا قوله:( وَ اللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ) فالسمع فيه بمعناه المعروف.

و المعنى: قد استجاب الله للمرأة الّتي تجادلك في زوجها - و قد ظاهر منها - و تشتكي غمّها و ما حلّ بها من سوء الحال إلى الله و الله يسمع تراجعكما في الكلام إنّ الله سميع للأصوات بصير بالمبصرات.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ) إلخ، نفي لحكم الظهار المعروف عندهم و إلغاء لتأثيره بالطلاق و التحريم الأبديّ بنفي اُمومة الزوجة للزوج بالظهار فإنّ سنّة الجاهليّة تلحق الزوجة بالاُمّ بسبب الظهار فتحرم على زوجها حرمة الاُمّ على ولدها حرمة مؤبّدة.

فقوله:( ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ) أي بحسب اعتبار الشرع بأن يلحقن شرعاً بهنّ بسبب الظهار فيحرمن عليهم أبداً ثمّ أكّده بقوله:( إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ) أي ليس

٢٠٤

اُمّهات أزواجهنّ إلّا النساء اللّاتي ولدنهم.

ثمّ أكّد ذلك ثانياً بقوله:( وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً ) بما فيه من سياق التأكيد أي و إنّ هؤلاء الأزواج المظاهرين ليقولون بالظهار منكراً من القول ينكره الشرع حيث لم يعتبره و لم يسنّه، و كذباً باعتبار أنّه لا يوافق الشرع كما لا يطابق الخارج الواقع في الكون فأفادت الآية أنّ الظهار لا يفيد طلاقاً و هذا لا ينافي وجوب الكفّارة عليه لو أراد المواقعة بعد الظهار فالزوجيّة على حالها و إن حرمت المواقعة قبل الكفّارة.

و قوله:( وَ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) لا يخلو من دلالة على كونه ذنباً مغفوراً لكن ذكر الكفّارة في الآية التالية مع تذييلها بقوله:( وَ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ربّما دلّ على أنّ المغفرة مشروطة بالكفّارة.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) إلخ، الكلام في معنى الشرط و لذلك دخلت الفاء في الخبر لأنّه في معنى الجزاء و المحصّل: أنّ الّذين ظاهروا منهنّ ثمّ أرادوا العود لما قالوا فعليهم تحرير رقبة.

و في قوله:( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) دلالة على أنّ الحكم في الآية لمن ظاهر ثمّ أراد الرجوع إلى ما كان عليه قبل الظهار و هو قرينة على أنّ المراد بقوله:( يَعُودُونَ لِما قالُوا ) إرادة العود إلى نقض ما أبرموه بالظهار.

و المعنى: و الّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يريدون أن يعودوا إلى ما تكلّموا به من كلمة الظهار فينقضوها بالمواقعة فعليهم تحرير رقبة من قبل أن يتماسّا.

و قيل: المراد بعودهم لما قالوا ندمهم على الظهار، و فيه أنّ الندم عليه يصلح أن يكون محصّل المعنى لا أن يكون معنى الكلمة( يَعُودُونَ لِما قالُوا ) .

و قيل: المراد بعودهم لما قالوا رجوعهم إلى ما تلفّظوا به من كلمة الظهار بأن يتلفّظوا بها ثانياً و فيه أنّ لازمه ترتّب الكفّارة دائماً على الظهار الثاني دون الأوّل و الآية لا تفيد ذلك و السنّة إنّما اعتبرت تحقّق الظهار دون تعدّده.

٢٠٥

ثمّ ذيّل الآية بقوله:( ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) إيذاناً بأنّ ما أمر به من الكفّارة توصية منه بها عن خبره بعملهم ذاك، فالكفّارة هي الّتي يرتفع بها ما لحقهم من تبعة العمل.

قوله تعالى: ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) إلى آخر الآية خصلة ثانية من الكفّارة مترتّبة على الخصلة الاُولى لمن لا يتمكّن منها و هي صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا، و قيّد ثانياً بقوله:( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) لدفع توهّم اختصاص القيد بالخصلة الاُولى.

و قوله:( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) بيان للخصلة الثالثة فمن لم يطق صيام شهرين متتابعين فعليه إطعام ستّين مسكيناً و تفصيل الكلام في ذلك كلّه في الفقه.

و قوله:( ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ) أي ما جعلناه من الحكم و افترضناه من الكفّارة فأبقينا علقة الزوجيّة و وضعنا الكفّارة لمن أراد أن يرجع إلى المواقعة جزاء بما أتى بسنّة من سنن الجاهليّة كلّ ذلك لتؤمنوا بالله و رسوله و ترفضوا أباطيل السنن.

و قوله:( وَ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) حدّ الشي‏ء ما ينتهي إليه و لا يتعدّاه و أصله المنع، و المراد أنّ ما افترضناه من الخصال أو ما نضعها من الأحكام حدود الله فلا تتعدّوها بالمخالفة و للكافرين بما حكمنا به في الظهار أو بما شرعناه من الأحكام بالمخالفة و المحادّة عذاب أليم.

و الظاهر أنّ المراد بالكفر ردّ الحكم و الأخذ بالظهار بما أنّه سنّة مؤثّرة مقبولة، و يؤيّده قوله:( ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ) أي تذعنوا بأنّ حكم الله حقّ و أنّ رسوله صادق أمين في تبليغه، و قد أكّده بقوله:( وَ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) إلخ، و يمكن أن يكون المراد بالكفر الكفر في مقام العمل و هو العصيان.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَ رَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) إلخ، المحادّة الممانعة و المخالفة، و الكبت الإذلال و الإخزاء.

٢٠٦

و الآية و الّتي تتلوها و إن أمكن أن تكونا استئنافاً يبيّن أمر محادّة الله و رسوله من حيث تبعتها و أثرها لكن ظاهر السياق أن تكونا مسوقتين لتعليل ذيل الآية السابقة الّذي معناه النهي عن محادّة الله و رسوله، و المعنى: إنّما أمرناكم بالإيمان بالله و رسوله و نهيناكم عن تعدّي حدود الله و الكفر بها لأنّ الّذين يحادّون الله و رسوله بالمخالفة اُذلّوا و اُخزوا كما اُذلّ و اُخزى الّذين من قبلهم.

ثمّ أكّده بقوله:( وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ) أي لا ريب في كونها منّا و في أنّ رسولنا صادق أمين في تبليغها، و للكافرين بها الرادّين لها عذاب مهين مخز.

قوله تعالى: ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ) ظرف لقوله:( وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) أي لهم أليم العذاب في يوم يبعثهم الله و هو يوم الحساب و الجزاء فيخبرهم بحقيقة جميع ما عملوا في الدنيا.

و قوله:( أَحْصاهُ اللهُ وَ نَسُوهُ ) الإحصاء الإحاطة بعدد الشي‏ء من غير أن يفوت منه شي‏ء، قال الراغب: الإحصاء التحصيل بالعدد يقال: أحصيت كذا، و ذلك من لفظ الحصا، و استعمال ذلك فيه من حيث إنّهم كانوا يعتمدونه في العدّ كاعتمادنا فيه على الأصابع. انتهى.

و قوله:( وَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) تعليل لقوله:( أَحْصاهُ اللهُ ) و قد مرّ تفسير شهادة الله على كلّ شي‏ء في آخر سورة حم السجدة.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن ماجة و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقيّ عن عائشة قالت: تبارك الّذي وسع سمعه كلّ شي‏ء إنّي لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة و يخفى عليّ بعضه و هي تشتكي زوجها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هي تقول: يا رسول الله أكل شبابي و نثرت له بطني حتّى إذا كبر سنّي و انقطع ولدي ظاهر منّي اللّهمّ إنّي أشكو إليك فما برحت حتّى نزل جبرئيل بهذه الآيات( قَدْ سَمِعَ

٢٠٧

اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ) و هو أوس بن الصامت.

أقول: و الروايات من طرق أهل السنّة في هذا المعنى كثيرة جدّاً، و اختلفت في اسم المرأة و اسم أبيها و اسم زوجها و اسم أبيه و الأعرف أنّ اسمها خولة بنت ثعلبة و اسم زوجها أوس بن الصامت الأنصاريّ و أورد القمّيّ إجمال القصّة في رواية، و له رواية اُخرى ستوافيك.

و في المجمع: في قوله تعالى:( وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) فأمّا ما ذهب إليه أئمّة الهدى من آل محمّدعليهم‌السلام فهو أنّ المراد بالعود إرادة الوطء و نقض القول الّذي قاله فإنّ الوطء لا يجوز له إلّا بعد الكفّارة، و لا يبطل حكم قوله الأوّل إلّا بعد الكفّارة.

و في تفسير القمّيّ، حدّثنا عليّ بن الحسين قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد عن حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ امرأة من المسلمات أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ فلاناً زوجي و قد نثرت له بطني و أعنته على دنياه و آخرته لم تر منّي مكروهاً أشكوه إليك. قال: فيم تشكونيه؟ قالت: إنّه قال: أنت عليّ حرام كظهر اُمّي و قد أخرجني من منزلي فانظر في أمري. فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل الله تبارك و تعالى كتاباً أقضي فيه بينك و بين زوجك و أنا أكره أن أكون من المتكلّفين، فجعلت تبكي و تشتكي ما بها إلى الله عزّوجلّ و إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و انصرفت.

قال: فسمع الله تبارك و تعالى مجادلتها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زوجها و ما شكت إليه، و أنزل الله في ذلك قرآناً( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها - إلى قوله -وَ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) .

قال: فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المرأة فأتته فقال لها: جيئي بزوجك، فأتته فقال له: أ قلت لامرأتك هذه: أنت حرام عليّ كظهر اُمّي؟ فقال: قد قلت لها ذلك. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أنزل الله تبارك و تعالى فيك و في امرأتك قرآناً و قرأ:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ - إلى قوله -إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ،

٢٠٨

فضمّ إليك امرأتك فإنّك قد قلت منكراً من القول و زوراً، و قد عفي الله عنك و غفر لك و لا تعد.

قال: فانصرف الرجل و هو نادم على ما قال لامرأته، و كره الله عزّوجلّ ذلك للمؤمنين بعد و أنزل الله:( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) يعني لما قال الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر اُمّي.

قال: فمن قالها بعد ما عفي الله و غفر للرجل الأوّل فإنّ عليه( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) يعني مجامعتها( ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) قال: فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا. ثمّ قال:( ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) قال: هذا حدّ الظهار. الحديث.

أقول: الآية بما لها من السياق و خاصّة ما في آخرها من ذكر العفو و المغفرة أقرب انطباقاً على ما سيق من القصّة في هذه الرواية، و لا بأس بها من حيث السند أيضاً غير أنّها لا تلائم ظاهر ما في الآية من قوله:( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) .

٢٠٩

( سورة المجادلة الآيات 7 - 13)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا  ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ  إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 7 ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ  حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا  فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ  وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 ) إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ  وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 10 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ  وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 11 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً  ذَٰلِكَ خَيْرٌ

٢١٠

لَّكُمْ وَأَطْهَرُ  فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 12 ) أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ  فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ  وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 13 )

( بيان)

آيات في النجوى و بعض آداب المجالسة.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) الاستفهام إنكاريّ، و المراد بالرؤية العلم اليقينيّ على سبيل الاستعارة، و الجملة تقدّمه يعلّل بها ما يتلوها من كونه تعالى مع أهل النجوى مشاركاً لهم في نجواهم.

قوله تعالى: ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ) إلى آخر الآية النجوى مصدر بمعنى التناجي و هو المسارّة، و ضمائر الإفراد لله سبحانه، و المراد بقوله:( رابِعُهُمْ ) و( سادِسُهُمْ ) جاعل الثلاثة أربعة و جاعل الخمسة ستّة بمشاركته لهم في العلم بما يتناجون فيه و معيّته لهم في الاطّلاع على ما يسارّون فيه كما يشهد به ما احتفّ بالكلام من قوله في أوّل الآية:( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ) إلخ، و في آخرها من قوله:( إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) .

و قوله:( وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ ) أي و لا أقلّ ممّا ذكر من العدد و لا أكثر ممّا ذكر، و بهاتين الكلمتين يشمل الكلام عدد أهل النجوى أيّاً مّا كان أمّا الأدنى من ذلك فالأدنى من الثلاثة الاثنان و الأدنى من الخمسة الأربعة، و أمّا الأكثر فالأكثر من خمسة الستّة فما فوقها.

و من لطف سياق الآية ترتّب ما اُشير إليه من مراتب العدد: الثلاثة و الأربعة و الخمسة و الستّة من غير تكرار فلم يقل: من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم و لا أربعة إلّا

٢١١

هو خامسهم و هكذا.

و قوله:( إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) المراد به المعيّة من حيث العلم بما يتناجون به و المشاركة لهم فيه.

و بذلك يظهر أنّ المراد بكونه تعالى رابع الثلاثة المتناجين و سادس الخمسة المتناجين معيّته لهم في العلم و مشاركته لهم في الاطّلاع على ما يسارّون لا مماثلته لهم في تتميم العدد فإنّ كلّاً منهم شخص واحد جسمانيّ يكوّن بانضمامه إلى مثله عدد الاثنين و إلى مثليه الثلاثة و الله سبحانه منزّه عن الجسميّة بري‏ء من المادّيّة.

و ذلك أنّ مقتضى السياق أنّ المستثنى من قوله:( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ) إلخ، معنى واحد و هو أنّ الله لا يخفى عليه نجوى فقوله:( إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ) ( إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ) في معنى قوله:( إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ) و هو المعيّة العلميّة أي أنّه يشاركهم في العلم و يقارنهم فيه أو المعيّة الوجوديّة بمعنى أنّه كلّما فرض قوم يتناجون فالله سبحانه هناك سميع عليم.

و في قوله:( أَيْنَ ما كانُوا ) تعميم من حيث المكان إذ لمّا كانت معيّته تعالى لهم من حيث العلم لا بالاقتران الجسمانيّ لم يتفاوت الحال و لم يختلف باختلاف الأمكنة بالقرب و البعد فالله سبحانه لا يخلو منه مكان و ليس في مكان.

و بما تقدّم يظهر أيضاً أنّ ما تفيده الآية من معيّته تعالى لأصحاب النجوى و كونه رابع الثلاثة منهم و سادس الخمسة منهم لا ينافي ما تقدّم تفصيلاً في ذيل قوله تعالى:( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) المائدة: 73، من أنّ وحدته تعالى ليست وحدة عدديّة بل وحدة أحديّة يستحيل معها فرض غير معه يكون ثانياً له فالمراد بكونه معهم و رابعاً للثلاثة منهم و سادساً للخمسة منهم أنّه عالم بما يتناجون به و ظاهر مكشوف له ما يخفونه من غيرهم لا أنّ له وجوداً محدوداً يقبل العدّ يمكن أن يفرض له ثان و ثالث و هكذا.

و قوله:( ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ) أي يخبرهم بحقيقة ما عملوا من عمل و منه نجواهم و مسارّتهم.

٢١٢

و قوله:( إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) تعليل لقوله:( ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ ) إلخ، و تأكيد لما تقدّم من علمه بما في السماوات و ما في الأرض، و كونه مع أصحاب النجوى.

و الآية تصلح أن تكون توطئة و تمهيداً لمضمون الآيات التالية و لا يخلو ذيلها من لحن شديد يرتبط بما في الآيات التالية من الذمّ و التهديد.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ) إلى آخر الآية سياق الآيات يدلّ على أنّ قوماً من المنافقين و الّذين في قلوبهم مرض من المؤمنين كانوا قد أشاعوا بينهم النجوى محادّة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين يتناجون بينهم بالإثم و العدوان و معصية الرسول و ليؤذوا بذلك المؤمنين و يحزنون و كانوا يصرّون على ذلك من غير أن ينتهوا بنهي فنزلت الآيات.

فقوله:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ) ذم و توبيخ غيابيّ لهم، و قد خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يخاطبهم أنفسهم مبالغة في تحقير أمرهم و إبعاداً لهم عن شرف المخاطبة.

و المعنى: أ لم تنظر إلى الّذين نهوا عن التناجي بينهم بما يغمّ المؤمنين و يحزنهم ثمّ يعودون إلى التناجي الّذي نهوا عنه عود بعد عودة، و في التعبير بقوله:( يَعُودُونَ ) دلالة على الاستمرار، و في العدول عن ضمير النجوى إلى الموصول و الصلة حيث قيل:( يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ) و لم يقل يعودون إليها دلالة على سبب الذمّ و التوبيخ و مساءة العود لأنّها أمر منهيّ عنه.

و قوله:( يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ) المقابلة بين الاُمور الثلاثة: الإثم و العدوان و معصية الرسول تفيد أنّ المراد بالإثم هو العمل الّذي له أثر سيّئ لا يتعدّى نفس عامله كشرب الخمر و الميسر و ترك الصلاة ممّا يتعلّق من المعاصي بحقوق الله، و العدوان هو العمل الّذي فيه تجاوز إلى الغير ممّا يتضرّر به الناس و يتأذّون ممّا يتعلّق من المعاصي بحقوق الناس، و القسمان أعني الإثم و العدوان جميعاً من معصية الله، و معصية الرسول مخالفته في الاُمور الّتي هي جائزة في نفسها لا أمر و لا نهي من الله فيها لكن الرسول أمر بها أو نهى عنها لمصلحة الاُمّة بما له ولاية اُمورهم

٢١٣

و النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما نهاهم عن النجوى و إن لم يشتمل على معصية.

كان ما تقدّم من قوله:( الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ) ذمّاً و توبيخاً لهم على نفس نجواهم بما أنّها منهي عنها مع الغضّ عن كونها بمعصية أو غيرها: و هذا الفصل أعني قوله:( وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ) ذمّ و توبيخ لهم بما يشتمل عليه تناجيهم من المعصية بأنواعها و هؤلاء القوم هم المنافقون و مرضى القلوب كانوا يكثرون من النجوى بينهم ليغتمّ بها المؤمنون و يحزنوا و يتأذّوا.

و قيل: المنافقون و اليهود كان يناجي بعضهم بعضا ليحزنوا المؤمنين و يلقوا بينهم الوحشة و الفزع و يوهنوا عزمهم لكن في شمول قوله:( الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ) لليهود خفاء.

و قوله:( وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ ) فإنّ الله حيّاة بالتسليم و شرع له ذلك تحيّة من عندالله مباركة طيّبة و هم كانوا يحيّونه بغيره. قالوا: هؤلاء هم اليهود كانوا إذا أتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا: السام عليك - و السام هو الموت - و هم يوهمون أنّهم يقولون: السلام عليك، و لا يخلو من شي‏ء فإنّ الضمير في( جاؤُكَ ) و( حَيَّوْكَ ) للموصول في قوله:( الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ) و قد عرفت أنّ في شموله لليهود خفاء.

و قوله:( وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ ) معطوف على( حَيَّوْكَ ) أو حال و ظاهره أنّ ذلك منهم من حديث النفس مضمرين ذلك في قلوبهم، و هو تحضيض بداعي الطعن و التهكّم فيكون من المنافقين إنكاراً لرسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طريق الكناية و المعنى: أنّهم يحيّونك بما لم يحيّك به الله و هم يحدّثون أنفسهم بدلالة قولهم ذلك - و لو لا يعذّبهم الله به - على أنّك لست برسول من الله و لو كنت رسوله لعذّبهم بقولهم.

و قيل: المراد بقوله:( وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ) يقولون فيما بينهم بتحديث بعض منهم لبعض و لا يخلو من بعد.

٢١٤

و قد ردّ الله عليهم احتجاجهم بقولهم:( لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ ) بقوله:( حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) أي إنّهم مخطؤن في نفيهم العذاب فهم معذّبون بما اُعدّ لهم من العذاب و هو جهنّم الّتي يدخلونها و يقاسون حرّها و كفى بها عذاباً لهم.

و كأنّ المنافقين و من يلحق بهم لمّا لم ينتهوا بهذه المناهي و التشديدات نزل قوله تعالى:( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا ) الآيات الأحزاب: 61.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ) إلخ، لا يخلو سياق الآيات من دلالة على أنّ الآية نزلت في رفع الخطر و قد خوطب فيها المؤمنون فاُجيز لهم النجوى و اشترط عليهم أن لا يكون تناجياً بالإثم و العدوان و معصية الرسول و أن يكون تناجياً بالبرّ و التقوى و البرّ و هو التوسّع في فعل الخير يقابل العدوان، و التقوى مقابل الإثم ثمّ أكّد الكلام بالأمر بمطلق التقوى بإنذارهم بالحشر بقوله:( وَ اتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّمَا النَّجْوى‏ مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) إلخ، المراد بالنجوى - على ما يفيده السياق - هو النجوى الدائرة في تلك الأيّام بين المنافقين و مرضى القلوب و هي من الشيطان فإنّه الّذي يزيّنها في قلوبهم ليتوسّل بها إلى حزنهم و يشوّش قلوبهم ليوهمهم أنّها في نائبة حلّت بهم و بليّة أصابتهم.

ثمّ طيّب الله سبحانه قلوب المؤمنين بتذكيرهم أنّ الأمر إلى الله سبحانه و أنّ الشيطان أو التناجي لا يضرّهم شيئاً إلّا بإذن الله فليتوكّلوا عليه و لا يخافوا ضرّه و قد نصّ سبحانه في قوله:( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق: 3 أنّه يكفي من توكّل عليه، و استنهضهم على التوكّل بأنّه من لوازم إيمان المؤمن فإن يكونوا مؤمنين

٢١٥

فليتوكّلوا عليه فهو يكفيهم. و هذا معنى قوله:( وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَ عَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ ) إلخ، التفسّح الاتّساع و كذا الفسح، و المجالس جمع مجلس اسم مكان، و الاتّساع في المجلس أن يتّسع الجالس ليسع المكان غيره و فسح الله له أن يوسّع له في الجنّة.

و الآية تتضمّن أدباً من آداب المعاشرة، و يستفاد من سياقها أنّهم كانوا يحضرون مجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلسون ركاماً لا يدع لغيرهم من الواردين مكاناً يجلس فيه فاُدّبوا بقوله:( إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا ) إلخ، و الحكم عامّ و إن كان مورد النزول مجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المعنى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا قيل لكم توسّعوا في المجالس ليسع المكان معكم غيركم فتوسّعوا وسّع الله لكم في الجنّة.

و قوله:( وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) يتضمّن أدباً آخر، و النشوز - كما قيل - الارتفاع عن الشي‏ء بالذهاب عنه، و النشوز عن المجلس أن يقوم الإنسان عن مجلسه ليجلس فيه غيره إعظاماً له و تواضعاً لفضله.

و المعنى: و إذا قيل لكم قوموا ليجلس مكانكم من هو أفضل منكم في علم أو تقوى فقوموا.

و قوله:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) لا ريب في أنّ لازم رفعه تعالى درجة عبد من عباده مزيد قربه منه تعالى، و هذا قرينة عقلية على أنّ المراد بهؤلاء الّذين اُوتوا العلم العلماء من المؤمنين فتدلّ الآية على انقسام المؤمنين إلى طائفتين: مؤمن و مؤمن عالم، و المؤمن العالم أفضل و قد قال تعالى:( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) الزمر: 9.

و يتبيّن بذلك أنّ ما ذكر من رفع الدرجات في الآية مخصوص بالّذين اُوتوا

٢١٦

العلم و يبقى لسائر المؤمنين من الرفع الرفع درجة واحدة و يكون التقدير يرفع الله الذين آمنوا منكم درجة و يرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات.

و في الآية من تعظيم أمر العلماء و رفع قدرهم ما لا يخفى. و أكد الحكم بتذييل الآية بقوله:( وَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) .

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) إلخ، أي إذا أردتم أن تناجوا الرسول فتصدّقوا قبلها.

و قوله:( ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ ) تعليل للتشريع نظير قوله:( وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) البقرة: 184، و لا شكّ أنّ المراد بكونها خيراً لهم و أطهر أنّها خير لنفوسهم و أطهر لقلوبهم و لعلّ الوجه في ذلك أنّ الأغنياء منهم كانوا يكثرون من مناجاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يظهرون بذلك نوعاً من التقرّب إليه و الاختصاص به و كان الفقراء منهم يحزنون بذلك و ينكسر قلوبهم فاُمروا أن يتصدّقوا بين يدي نجواهم على فقرائهم بما فيها من ارتباط النفوس و إثارة الرحمة و الشفقة و المودّة و صلة القلوب بزوال الغيظ و الحنق.

و في قوله:( ذلِكَ ) التفات إلى خطاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين خطابين للمؤمنين و فيه تجليل لطيف لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث إنّ حكم الصدقة مرتبط بنجواهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الالتفات إليه فيما يرجع إليه من الكلام مزيد عناية به.

و قوله:( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أي فإن لم تجدوا شيئاً تتصدّقون به فلا يجب عليكم تقديمها و قد رخّص الله لكم في نجواه و عفي عنكم إنّه غفور رحيم فقوله:( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) من وضع السبب موضع المسبّب.

و فيه دلالة على رفع الوجوب عن المعدمين كما أنّه قرينة على إرادة الوجوب في قوله:( فَقَدِّمُوا ) إلخ، و وجوبه على الموسرين.

قوله تعالى: ( أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) إلخ، الآية ناسخة لحكم الصدقة المذكور في الآية السابقة، و فيه عتاب شديد لصحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين حيث إنّهم تركوا مناجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفاً من بذل المال بالصدقة فلم يناجه أحد

٢١٧

منهم إلّا عليّعليه‌السلام فإنّه ناجاه عشر نجوات كلّما ناجاه قدّم بين يدي نجواه صدقة ثمّ نزلت الآية و نسخت الحكم.

و الإشفاق الخشية، و قوله:( أَنْ تُقَدِّمُوا ) إلخ، مفعوله و المعنى: أ خشيتم التصدّق و بذل المال للنجوى، و احتمل أن يكون المفعول محذوفاً و التقدير أ خشيتم الفقر لأجل بذل المال.

قال بعضهم: جمع الصدقات لما أنّ الخوف لم يكن في الحقيقة من تقديم صدقة واحدة لأنّه ليس مظنّة الفقر بل من استمرار الأمر و تقديم صدقات.

و قوله:( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ) إلخ، أي فإذ لم تفعلوا ما كلّفتم به و رجع الله إليكم العفو و المغفرة فأثبتوا على امتثال سائر التكاليف من إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة.

ففي قوله:( وَ تابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) دلالة على كون ذلك منهم ذنباً و معصية غير أنّه تعالى غفر لهم ذلك.

و في كون قوله:( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) إلخ، متفرّعاً على قوله:( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ) إلخ، دلالة على نسخ حكم الصدقة قبل النجوى.

و في قوله:( وَ أَطِيعُوا اللهَ وَ رَسُولَهُ ) تعميم لحكم الطاعة لسائر التكاليف بإيجاب الطاعة المطلقة، و في قوله:( وَ اللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) نوع تشديد يتأكّد به حكم وجوب طاعة الله و رسوله.

( بحث روائي)

في المجمع: و قرأ حمزة و رويس عن يعقوب( ينتجون) و الباقون( يَتَناجَوْنَ ) و يشهد لقراءة حمزة قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّعليه‌السلام - لمّا قال له بعض أصحابه: أ تناجيه دوننا -؟: ما أنا انتجيته بل الله انتجاه.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و عبد بن حميد و البزّار و ابن المنذر و الطبرانيّ و ابن مردويه و البيهقيّ في شعب الإيمان بسند جيّد عن ابن عمر: أنّ اليهود كانوا

٢١٨

يقولون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سام عليك يريدون بذلك شتمه ثمّ يقولون في أنفسهم:( لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ ) فنزلت هذه الآية( وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ ) .

و فيه، أخرج عبدالرزّاق و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عبّاس: في هذه الآية قال: كان المنافقون يقولون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سام عليك فنزلت.

أقول: و هذه الرواية أقرب إلى التصديق من سابقتها لما تقدّم في تفسير الآية، و في رواية القمّيّ في تفسيره أنّهم كانوا يحيّونه بقولهم: أنعم صباحاً و أنعم مساء، و هو تحيّة أهل الجاهليّة.

و في المجمع: في قوله تعالى:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) و قد ورد أيضاً في الحديث أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فضل العالم على الشهيد درجة، و فضل الشهيد على العابد درجة، و فضل النبيّ على العالم درجة، و فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، و فضل العالم على سائر الناس كفضلي على أدناهم: رواه جابر بن عبدالله.

أقول: و ذيل الرواية لا يخلو من شي‏ء فإنّ ظاهر رجوع الضمير في( أدناهم) إلى الناس اعتبار مراتب في الناس فمنهم الأعلى و منهم المتوسّط، و إذا كان فضل العالم على سائر الناس و فيهم الأعلى رتبة كفضل النبيّ على أدنى الناس كان العالم أفضل من النبيّ و هو كما ترى.

اللّهمّ إلّا أن يكون أدنى بمعنى الأقرب و المراد بأدناهم أقربهم من النبيّ و هو العالم كما يلوح من قوله:( و فضل النبيّ على العالم درجة) فيكون المفاد أنّ فضل العالم على سائر الناس كفضلي على أقربهم منّي و هو العالم.

و في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن منصور و ابن راهويه و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و الحاكم و صحّحه عن عليّ قال: إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي و لا يعمل بها بعدي آية النجوى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلّما ناجيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدّمت بين يدي نجواي درهما ثمّ نسخت فلم يعمل

٢١٩

بها أحد فنزلت( أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) الآية.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) قال: قدّم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بين يدي نجواه صدقة ثمّ نسخها بقوله:( أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) .

أقول: و في هذا المعنى روايات اُخر من طرق الفريقين.

٢٢٠