الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 126943
تحميل: 4078


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126943 / تحميل: 4078
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قوله تعالى:( أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فإنّهم إذا كان لهم إله غير الله كان هو الخالق لهم و المدبّر لأمرهم فاستغنوا بذلك عن الله سبحانه و استجابة دعوة رسوله و نصرهم إلههم و دفع عنهم عذاب الله الّذي أوعد به المكذّبين و أنذرهم به رسوله.

و قوله:( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) تنزيه له تعالى أن يكون له شريك كما يدّعون، و ما في قوله:( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) مصدريّة أي سبحانه عن شركهم.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) الكسف بالكسر فالسكون القطعة، و المركوم المتراكم الواقع بعضه على بعض.

و المعنى: أنّ كفرهم و إصرارهم على تكذيب الدعوة الحقّة بلغ إلى حيث لو رأوا قطعة من السماء ساقطاً عليهم لقالوا سحاب متراكم ليست من آية العذاب في شي‏ء فهو كقوله:( وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا ) الحجر: 15.

٢١

( سورة الطور الآيات 45 - 49)

فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ( 45 ) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ( 46 ) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( 47 ) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا  وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ( 48 ) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ( 49 )

( بيان)

الآيات تختم السورة و تأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك اُولئك المكذّبين و شأنهم و لا يتعرّض لحالهم، و أن يصبر لحكم ربّه و يسبّح بحمده، و في خلالها مع ذلك تكرار إيعادهم بما أوعدهم به في أوّل السورة من عذاب واقع ليس له من دافع، و تضيف إليه الإيعاد بعذاب آخر دون ذلك للّذين ظلموا.

قوله تعالى: ( فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ) ( ذَرْهُمْ ) أمر بمعنى اتركهم و هو فعل لم يستعمل من تصريفاته إلّا المستقبل و الأمر، و( يُصْعَقُونَ ) من الإصعاق بمعنى الإماتة و قيل: من الصعق بمعنى الإماتة.

لمّا أنذر سبحانه المكذّبين لدعوته بعذاب واقع لا ريب فيه ثمّ ردّ جميع ما تعلّل به أو يفرض أن يتعلّل به اُولئك المكذّبون، و ذكر أنّهم في الإصرار على الباطل بحيث لو عاينوا أوضح آية للحقّ أوّلوه و ردّوه، أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتركهم و شأنهم، و هو تهديد كنائيّ بشمول العذاب لهم و حالهم هذه الحال.

و المراد باليوم الّذي فيه يصعقون يوم نفخ الصور الّذي يصعق فيه من في السماوات

٢٢

و الأرض و هو من أشراط الساعة قال تعالى:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ) الزمر: 68.

و يؤيّد هذا المعنى قوله في الآية التالية:( يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ ) فإنّ انتفاء إغناء الكيد و النصر من خواصّ يوم القيامة الّذي يسقط فيه عامّة الأسباب و الأمر يومئذ لله.

و استشكل بأنّه لا يصعق يوم النفخ إلّا من كان حيّاً و هؤلاء ليسوا بأحياء يومئذ و الجواب أنّه يصعق فيه جميع من في الدنيا من الأحياء و من في البرزخ من الأموات و هؤلاء إن لم يكونوا في الدنيا ففي البرزخ.

على أنّه يمكن أن يكون ضمير( يُصْعَقُونَ ) راجعاً إلى الأحياء يومئذ، و التهديد إنّما هو بالعذاب الواقع في هذا اليوم لا بالصعقة الّتي فيه.

و قيل: المراد به يوم بدر و هو بعيد، و قيل: المراد به يوم الموت، و فيه أنّه لا يلائم السياق الظاهر في التهديد بما وقع في أوّل السورة و هو عذاب يوم القيامة لا عذاب يوم الموت.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) لا يبعد أن يكون المراد به عذاب القبر، و قوله:( وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) مشعر بأنّ فيهم من يعلم ذلك لكنّه يصرّ على كفره و تكذيبه عناداً و قيل: المراد به يوم بدر لكنّ ذيل الآية لا يلائمه تلك الملاءمة.

قوله تعالى: ( وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) عطف على قوله:( فَذَرْهُمْ ) و ظاهر السياق أنّ المراد بالحكم حكمه تعالى في المكذّبين بالإمهال و الإملاء و الطبع على قلوبهم، و في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو إلى الحقّ بما فيه من الأذى في جنب الله فالمراد بقوله:( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) إنّك بمرئى منّا نراك بحيث لا يخفى علينا شي‏ء من حالك و لا نغفل عنك ففي تعليل الصبر بهذه الجملة تأكيد للأمر بالصبر و تشديد للخطاب.

و قيل: المراد بقوله:( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) أنّك في حفظنا و حراستنا فالعين مجاز عن الحفظ، و لعلّ المعنى المتقدّم أنسب للسياق.

٢٣

قوله تعالى: ( وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ ) الباء في( بِحَمْدِ ) للمصاحبة أي سبّح ربّك و نزّهه حال كونه مقارناً لحمده.

و المراد بقوله:( حِينَ تَقُومُ ) قيل هو القيام من النوم، و قيل: هو القيام من القائلة، فهو صلاة الظهر، و قيل: هو القيام من المجلس، و قيل: هو كلّ قيام، و قيل: هو القيام إلى الفريضة و قيل: هو القيام إلى كلّ صلاة، و قيل: هو الركعتان قبل فريضة الصبح سبعة أقوال كما ذكره الطبرسيّ.

و قوله:( وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) أي من الليل فسبّح ربّك فيه، و المراد به صلاة الليل، و قيل: المراد صلاتاً المغرب و العشاء الآخرة.

و قوله:( وَ إِدْبارَ النُّجُومِ ) قيل: المراد به وقت إدبار النجوم و هو اختفاؤها بضوء الصبح، و هو الركعتان قبل فريضة الصبح، و قيل: المراد فريضة الصبح، و قيل: المراد تسبيحه تعالى صباحاً و مساءً من غير غفلة عن ذكره.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال: لصلاة الليل( فَسَبِّحْهُ ) قال: صلاة الليل.

أقول: و روي هذا المعنى في مجمع البيان، عن زرارة و حمران و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

و فيه، بإسناده عن الرضاعليه‌السلام قال: أدبار السجود أربع ركعات بعد المغرب و إدبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح.

أقول: و روي ذيله في المجمع، عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام ، و القمّيّ، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام .

و قد ورد من طرق أهل السنّة في عدّة من الروايات: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قام من مجلسه سبّح الله و حمده و يقول: إنّه كفّارة المجلس‏ لكنّها غير ظاهرة في كونها تفسيراً للآية.

٢٤

( سورة النجم مكّيّة و هي اثنان و ستّون آية)

( سورة النجم الآيات 1 - 18)

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ( 1 ) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ( 2 ) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ( 3 ) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ( 4 ) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ( 5 ) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ( 6 ) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ( 7 ) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ( 8 ) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ( 9 ) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ( 10 ) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ( 11 ) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ( 12 ) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ( 13 ) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ( 14 ) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ( 15 ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ( 16 ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ( 17 ) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ( 18 )

( بيان)

غرض السورة تذكير الاُصول الثلاثة: وحدانيّته تعالى في ربوبيّته و المعاد و النبوّة فتبدأ بالنبوّة فتصدّق الوحي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تصفه ثمّ تتعرّض للوحدانيّة فتنفي الأوثان و الشركاء أبلغ النفي ثمّ تصف انتهاء الخلق و التدبير إليه تعالى من إحياء و إماتة و إضحاك و إبكاء و إغناء و إقناء و إهلاك و تعذيب و دعوة و إنذار، و تختم الكلام بالإشارة إلى المعاد و الأمر بالسجدة و العبادة.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها و لا يصغي إلى قول بعضهم بكون بعض آياتها أو كلّها مدنيّة، و قد قيل: إنّها أوّل سورة أعلن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقراءتها فقرأها على المؤمنين و المشركين جميعاً، و من غرر الآيات فيها قوله تعالى:( وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ ) و قوله:( وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ]‏.

٢٥

و ما أوردناه من الآيات هي الفصل الأوّل من فصول السورة الثلاثة و هي الآيات اللّاتي تصدّق الوحي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تصفه، لكن هناك روايات مستفيضة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ناصّة على أنّ المراد بالآيات ليس بيان صفة كلّ وحي بل بيان وحي المشافهة الّذي أوحاه الله سبحانه إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج فالآيات متضمّنة لقصّة المعراج و ظاهر الآيات لا يخلو من تأييد لهذه الروايات و هو المستفاد أيضاً من أقوال بعض الصحابة كابن عبّاس و أنس و أبي سعيد الخدريّ و غيرهم على ما روي عنهم و على ذلك جرى كلام المفسّرين و إن اشتدّ الخلاف بينهم في تفسير مفرداتها و جملها.

قوله تعالى: ( وَ النَّجْمِ إِذا هَوى) ظاهر الآية أنّ المراد بالنجم هو مطلق الجرم السماويّ المضي‏ء و قد أقسم الله في كتابه بكثير من خلقه و منها عدّة من الأجرام السماويّة كالشمس و القمر و سائر السيّارات، و على هذا فالمراد بهوىّ النجم سقوطه للغروب.

و قيل: المراد بالنجم القرآن لنزوله نجوماً، و قيل: الثريّا، و قيل: الشعري، و قيل: الشهاب الّذي يرمى به شياطين الجنّ لأنّ العرب تسمّيه نجماً، و للهوىّ ما يناسب لكلّ من هذه الأقوال من المعنى، لكن لفظ الآية لا يساعد على شي‏ء من هذه المعاني.

قوله تعالى: ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى) الضلال الخروج و الانحراف عن الصراط المستقيم، و الغيّ خلاف الرشد الّذي هو إصابة الواقع، قال الراغب: الغيّ جهل من اعتقاد فاسد، و ذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً و لا فاسداً و قد يكون من اعتقاد شي‏ء فاسد، و هذا النحو الثاني يقال له غي، قال تعالى:( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى) . انتهى. و المراد بالصاحب هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المعنى: ما خرج صاحبكم عن الطريق الموصل إلى الغاية المطلوبة و لا أخطأ في اعتقاده و رأيه فيها، و يرجع المعنى إلى أنّه لم يخطئ لا في الغاية المطلوبة الّتي هي السعادة الإنسانيّة و هو عبوديّته تعالى، و لا في طريقها الّتي تنتهي إليها.

قوله تعالى: ( وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏ ) المراد بالهوى هوى النفس و رأيها، و النطق و إن كان مطلقاً ورد عليه النفي و كان مقتضاه نفي الهوى عن

٢٦

مطلق نطقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّه لمّا كان خطاباً للمشركين و هم يرمونه في دعوته و ما يتلو عليهم من القرآن بأنّه كاذب متقوّل مفتر على الله سبحانه كان المراد بقرينة المقام أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ينطق فيما يدعوكم إلى الله أو فيما يتلوه عليكم من القرآن عن هوى نفسه و رأيه بل ليس ذلك إلّا وحياً يوحى إليه من الله سبحانه.

قوله تعالى: ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) ضمير( عَلَّمَهُ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو للقرآن بما هو وحي أو لمطلق الوحي و المفعول الآخر لعلّمه محذوف على أيّ حال و التقدير علّم النبيّ الوحي أو علّم القرآن أو الوحي إيّاه.

و المراد بشديد القوى - على ما قالوا - جبريل و قد وصفه الله بالقوّة في قوله:( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) التكوير: 20، و قيل: المراد به هو الله سبحانه.

قوله تعالى: ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) المرّة بكسر الميم الشدّة، و حصافة العقل و الرأي و بناء نوع عن المرور و قد فسّرت المرّة في الآية بكلّ من المعاني الثلاثة مع القول بأنّ المراد بذي مرّة جبريل، و المعنى: هو أي جبريل ذو شدّة في جنب الله أو هو ذو حصافة في عقله و رأيه، أو هو ذو نوع من المرور بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو في الهواء.

و قيل: المراد بذو مرّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ذو شدّة في جنب الله أو ذو حصافة في عقله و رأيه أو ذو نوع من المرور عرج فيه إلى السماوات.

و قوله:( فَاسْتَوى) بمعنى استقام أو استولى و ضمير الفاعل راجع إلى جبريل و المعنى: فاستقام جبريل على صورته الأصليّة الّتي خلق عليها على ما روي أنّ جبريل كان ينزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صور مختلفة، و إنّما ظهر له في صورته الأصليّة مرّتين أو المعنى: فاستولى جبريل بقوته على ما جعل له من الأمر.

و إن كان الضمير للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالمعنى فاستقام و استقرّ.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) الاُفق الناحية قيل: المراد بالاُفق الأعلى ناحية الشرق من السماء لأنّ اُفق المشرق فوق المغرب في صعيد الأرض لا في الهواء و هو كما ترى و الظاهر أنّ المراد به اُفق أعلى من السماء من غير اعتبار كونه اُفقاً شرقيّاً.

٢٧

و ضمير هو في الآية راجع إلى جبريل أو إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الجملة حال من ضمير( فَاسْتَوى) .

قوله تعالى: ( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ) الدنوّ القرب، و التدلّي التعلّق بالشي‏ء و يكنّى به عن شدّة القرب، و قيل: الامتداد إلى جهة السفل مأخوذ من الدلو.

و المعنى: على تقدير رجوع الضميرين لجبريل: ثمّ قرب جبريل فتعلّق بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعرج به إلى السماوات، و قيل: ثمّ تدلّى جبريل من الاُفق الأعلى فدنا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعرج به.

و المعنى: على تقدير رجوع الضميرين إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمّ قرب النبيّ من الله سبحانه و زاد في القرب.

قوله تعالى: ( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قال في المجمع: القاب و القيب و القاد و القيد عبارة عن مقدار الشي‏ء انتهى. و القوس معروفة و هي آلة الرمي، و يقال قوس على الذراع في لغة أهل الحجاز على ما قيل.

و المعنى: فكان البعد قدر قوسين أو قدر ذراعين أو أقرب من ذلك.

و قيل: القاب ما بين مقبض القوس و سيتها ففي الكلام قلب و المعنى: فكان قابي قوس، و اعترض عليه بأنّ قابي قوس و قاب قوسين واحد فلا موجب للقلب.

قوله تعالى: ( فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى) ضمير أوحى في الموضعين لجبريل على تقدير رجوع الضمائر السابقة إلى جبريل، و المعنى: فأوحى جبريل إلى عبدالله و هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أوحى، قيل: و لا ضير في رجوع الضمير إليه تعالى من عدم سبق الذكر لكونه في غاية الوضوح. أو الضمائر الثلاث لله و المعنى: فأوحى الله بتوسّط جبريل إلى عبده ما أوحى أو الضمير الأوّل لجبريل و الثاني و الثالث لله و المعنى فأوحى جبريل ما أوحى الله إليه إلى عبدالله.

و الضمائر الثلاث كلّها لله على تقدير رجوع الضمائر السابقة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المعنى: فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، و هذا المعنى أقرب إلى الذهن من المعنى السابق الّذي لا يرتضيه الذوق السليم و إن كان صحيحاً.

٢٨

قوله تعالى: ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) الكذب خلاف الصدق يقال: كذب فلان في حديثه، و يقال: كذبه الحديث بالتعدّي إلى مفعولين أي حدّثه كذباً، و الكذب كما يطلق على القول و الحديث الّذي يلفظه اللسان كذلك يطلق على خطاء القوّة المدركة يقال: كذبته عينه أي أخطأت في رؤيتها.

و نفي الكذب عن الفؤاد إنّما هو بهذا المعنى سواء اُخذ الكذب لازماً و التقدير ما كذب الفؤاد فيما رأى أو متعدّياً إلى مفعولين، و التقدير ما كذب الفؤاد - فؤاد النبيّ - النبيّ ما رآه أي إنّ رؤية فؤاده فيما رآه رؤية صادقة.

و على هذا فالمراد بالفؤاد فؤاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ضمير الفاعل في( ما رَأى‏ ) راجع إلى الفؤاد و الرؤية رؤيته.

و لا بدع في نسبة الرؤية و هي مشاهدة العيان إلى الفؤاد فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشهوديّ وراء الإدراك بإحدى الحواسّ الظاهرة و التخيّل و التفكّر بالقوى الباطنة كما أنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى و ليست هذه المشاهدة العيانيّة إبصاراً بالبصر و لا معلوماً بفكر، و كذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع و نشمّ و نذوق و نلمس و نشاهد أنّنا نتخيّل و نتفكّر و ليست هذه الرؤية ببصر أو بشي‏ء من الحواسّ الظاهرة أو الباطنة فإنّا كما نشاهد مدركات كلّ واحدة من هذه القوى بنفس تلك القوّة كذلك نشاهد إدراك كلّ منها لمدركها و ليس هذه المشاهدة بنفس تلك القوّة بل بأنفسنا المعبّر عنها بالفؤاد.

و ليس في الآية ما يدلّ على أنّ متعلّق الرؤية هو الله سبحانه و أنه لمرئي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل المرئيّ هو الاُفق الأعلى و الدنوّ و التدلّي و أنّه اُوحى إليه فهذه هي المذكورة في الآيات السابقة و هي آيات له تعالى، و يؤيّد ذلك ما ذكره تعالى في النزلة الاُخرى من قوله:( ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) .

على أنّها لو دلّت على تعلّق الرؤية به تعالى لم يكن به بأس فإنّها رؤية القلب و رؤية القلب غير رؤية البصر الحسّيّة الّتي تتعلّق بالأجسام و يستحيل تعلّقها به تعالى و قد قدّمنا كلاماً في رؤية القلب في تفسير سورة الأعراف الآية 143.

٢٩

و ما قيل: إنّ ضمير( ما رَأى‏ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المعنى: ما قال فؤادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رآه ببصره لم أعرفك و لو قال ذلك لكان كاذباً لأنّه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، و محصّله أنّ فؤاده صدّق بصره فيما رآه.

و كذا ما قيل: إنّ المعنى أنّ فؤاده لم يكذّب بصره فيما رآه بل صدّقه و اعتقد به، و يؤيّده قراءة من قرأ( ما كَذَبَ ) بتشديد الذال.

ففيه أنّ الّذي يعطيه سياق الآيات تأييده تعالى صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يدّعيه من الوحي و رؤية آيات الله الكبرى، و لو كان ضمير( ما رَأى) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان محصّل معنى الآية الاحتجاج على صدق رؤيته باعتقاده ذلك بفؤاده و هو بعيد من دأب القرآن و هذا بخلاف ما لو رجع ضمير( ما رَأى) إلى الفؤاد فإنّ محصّل معناه تصديقه تعالى لفؤاده فيما رآه و يجري الكلام على السياق السابق الأخذ من قوله:( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) إلخ.

فإن قلت: إنّه تعالى يحتجّ في الآية التالية( أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى‏ ) برؤيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صدقه فيما يدّعيه فليكن مثله الاحتجاج باعتقاد فؤاده بما يراه بعينه.

قلت: ليس قوله:( أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى) مسوقاً للاحتجاج برؤيته على صدقه بل توبيخ على مماراتهم إيّاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمر يراه و يبصره و مجادلتهم إيّاه فيه، و المماراة و المجادلة إنّما تصحّ - لو صحّت - في الآراء النظريّة و الاعتقادات الفكريّة و أمّا فيما يرى و يشاهد عياناً فلا معنى للمماراة و المجادلة فيه، و هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما كان يخبرهم بما يشاهده عياناً لا عن فكر و تعقّل.

قوله تعالى: ( أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى‏ ) الاستفهام للتوبيخ و الخطاب للمشركين و الضمير للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و المماراة الإصرار على المجادلة، و المعنى: أ فتصرّون في جدالكم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذعن بخلاف ما يدّعيه و يخبركم به و هو يشاهد ذلك عياناً.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) النزلة بناء مرّة من النزول فمعناه

٣٠

نزول واحد، و تدلّ الآية على أنّ هذه قصّة رؤية في نزول آخر و الآيات السابقة تقصّ نزولاً آخر غيره.

و قد قالوا: إنّ ضمير الفاعل المستكنّ في قوله( رَآهُ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ضمير المفعول لجبريل، و على هذا فالنزلة نزول جبريل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعرج به إلى السماوات، و قوله:( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ ) ظرف للرؤية لا للنزلة، و المراد برؤيته رؤيته و هو في صورته الأصليّة.

و المعنى: أنّه نزل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلة اُخرى و عرج به إلى السماوات و تراءى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند سدرة المنتهى و هو في صورته الأصليّة.

و قد ظهر ممّا تقدّم صحّة إرجاع ضمير المفعول إليه تعالى و المراد بالرؤية رؤية القلب و المراد بنزلة اُخرى نزلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند سدرة المنتهى في عروجه إلى السماوات فالمفاد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل نزلة اُخرى أثناء معراجه عند سدرة المنتهى فرآه بقلبه كما رآه في النزلة الأولى.

قوله تعالى: ( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‏ ) السدر شجر معروف و التاء للوحدة و المنتهى - كأنّه - اسم مكان و لعلّ المراد به منتهى السماوات بدليل كون الجنّة عندها و الجنّة في السماء، قال تعالى:( وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ ) الذاريات: 22.

و لا يوجد في كلامه تعالى ما يفسّر هذه الشجرة، و كأنّ البناء على الإبهام كما يؤيّده قوله بعد:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) و قد فسّر في الروايات أيضاً بأنّها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم و ستمرّ ببعض هذه الروايات.

و قوله:( عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏ ) أي الجنّة الّتي يأوي إليها المؤمنون و هي جنّة الآخرة فإنّ جنّة البرزخ جنّة معجّلة محدودة بالبعث، قال تعالى:( فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى‏ نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة: 19، و قوله:( فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى -‏ إلى أن قال -فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) النازعات: 41 و هي في السماء على ما يدلّ

٣١

عليه قوله تعالى:( وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ ) الذاريات: 22 و قيل: المراد بها جنّة البرزخ.

و قوله:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) غشيان الشي‏ء الإحاطة به، و( ما ) موصولة و المعنى: إذ يحيط بالسدرة ما يحيط بها، و قد أبهم تعالى هذا الّذي يغشى السدرة و لم يبيّن ما هو كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ ) الزيغ الميل عن الاستقامة، و الطغيان تجاوز الحدّ في العمل، و زيغ البصر إدراكه المبصر على غير ما هو عليه، و طغيانه إدراكه ما لا حقيقة له، و المراد بالبصر بصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المعنى: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبصر ما أبصره على غير صفته الحقيقيّة و لا أبصر ما لا حقيقة له بل أبصر غير خاطئ في إبصاره.

و المراد بالإبصار رؤيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقلبه لا بجارحة العين فإنّ المراد بهذا الإبصار ما يعنيه بقوله:( وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) المشير إلى مماثلة هذه الرؤية لرؤية النزلة الاُولى الّتي يشير إليها بقوله:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى) فافهم و لا تغفل.

قوله تعالى: ( لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‏ ) ( مِنْ ) للتبعيض، و المعنى: اُقسم لقد شاهد بعض الآيات الكبرى لربّه، و بذلك تمّ مشاهدة ربّه بقلبه فإنّ مشاهدته تعالى بالقلب إنّما هي بمشاهدة آياته بما هي آياته فإنّ الآية بما هي آية لا تحكي إلّا ذا الآية و لا تحكي عن نفسه شيئاً و إلّا لم تكن من تلك الجهة آية.

و أمّا مشاهدة ذاته المتعالية من غير توسّط آية و تخلّل حجاب فمن المستحيل ذلك قال تعالى:( وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طه: 110.

٣٢

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ ) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِذا هَوى) لمّا اُسري به إلى السماء و هو في الهويّ.

أقول: و روي تسميتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنجم بإسناده عن أبيه عن الحسين بن خالد عن الرضاعليه‌السلام ، و هو من البطن.

و في الكافي، عن القمّيّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : قول الله عزّوجلّ:( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ ) ( وَ النَّجْمِ إِذا هَوى) و ما أشبه ذلك؟ قال: إنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء، و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.

أقول: و في الفقيه، عن عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني: مثله.

و في المجمع، و روت العامّة عن جعفر الصادق أنّه قال: إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل من السماء السابعة ليلة المعراج و لمّا نزلت السورة اُخبر بذلك عتبة بن أبي لهب فجاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و طلّق ابنته و تفل في وجهه و قال: كفرت بالنجم و ربّ النجم، فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه و قال: اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك.

فخرج عتبة إلى الشام فنزل في بعض الطريق و ألقى الله عليه الرعب فقال لأصحابه أنيموني بينكم ليلاً ففعلوا فجاء أسد فافترسه من بين الناس.

أقول: ثمّ أورد الطبرسيّ شعر حسّان في ذلك، و روي في الدرّ المنثور، القصّة بطرق مختلفة.

و في الكافي، بإسناده إلى هشام و حمّاد و غيره قالوا: سمعنا أباعبداللهعليه‌السلام يقول: حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدّي و حديث جدّي حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أميرالمؤمنين و حديث أميرالمؤمنين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول الله عزّوجلّ.

٣٣

و في تفسير القمّيّ، بإسناده إلى ابن سنان في حديث: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : و ذلك أنّه يعني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب الخلق إلى الله تعالى و كان بالمكان الّذي قال له جبرئيل لمّا اُسري به إلى السماء: تقدّم يا محمّد فقد وطأت موطئاً لم يطأه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل، و لو لا أنّ روحه و نفسه كان من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، و كان من الله عزّوجلّ كما قال الله عزّوجلّ:( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ ) أي بل أدنى.

و في الاحتجاج، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام في حديث طويل: أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

أقول: و قد ورد هذا المعنى في كثير من روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا اُسري بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقترب من ربّه فكان قاب قوسين أو أدنى. قال: أ لم تر إلى القوس ما أقربها من الوتر؟

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و ابن مردويه عن ابن عبّاس: في قوله:( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ) قال: هو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دنا فتدلّى إلى ربّه عزّوجلّ.

و في المجمع، و روي مرفوعاً عن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قوله:( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قال: قدر ذراعين أو أدنى من ذراعين.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال: وحي مشافهة.

و في التوحيد، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل قال: سألت أباالحسنعليه‌السلام هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه عزّوجلّ؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أ ما سمعت الله عزّوجلّ يقول:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ؟ لم يره بالبصر و لكن رآه بالفؤاد.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن محمّد بن كعب القرظيّ عن بعض أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قالوا: يا رسول الله هل رأيت ربّك؟ قال: لم أره بعيني و رأيته بفؤادي مرّتين ثمّ تلا( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ) .

٣٤

أقول: و روى هذا المعنى النسائيّ عن أبي ذرّ - على ما في الدرّ المنثور - و لفظه: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه بقلبه و لم يره ببصره.

و عن صحيح مسلم، و الترمذيّ و ابن مردويه عن أبي ذرّ قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل رأيت ربّك؟ فقال: نورانيّ أراه.

أقول: ( نوراني) منسوب إلى النور على خلاف القياس كجسمانيّ في النسبة إلى جسم، و قرئ( نور إنّي أراه) بتنوين الراء و كسر الهمزة و تشديد النون ثمّ ياء المتكلّم، و الظاهر أنّه تصحيف و إن اُيّد برواية اُخرى‏ عن مسلم في صحيحة و ابن مردويه عن أبي ذرّ: أنّه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل رأيت ربّك؟ فقال: رأيت نوراً.

و كيف كان فالمراد بالرؤية رؤية القلب فلا الرؤية رؤية حسّيّة و لا النور نور حسّيّ.

و في الكافي، بإسناده عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن اُدخله إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام. إلى قوله: قال أبوقرّة: فإنه يقول:( وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فقال أبوالحسنعليه‌السلام : إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى حيث قال:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) يقول: ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأى فقال:( لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) و آيات الله غير الله.

أقول: الظاهر أنّ كلامهعليه‌السلام مسوق لإلزام أبي قرّة حيث كان يريد إثبات رؤيته تعالى بالعين الحسّيّة فألزمه بأنّ الرؤية إنّما تعلّقت بالآيات و آيات الله غير الله و لا ينافي ذلك كون رؤية الآيات بما هي آياته رؤيته و إن كانت آياته غيره، و هذه الرؤية إنّما كانت بالقلب كما مرّت عدّة من الروايات في هذا المعنى.

و في تفسير القمّيّ، حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتهيت إلى سدرة المنتهى و إذا الورقة منها تظلّ اُمّة من الاُمم فكنت من ربّي كقاب قوسين أو أدنى.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و ابن جرير عن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٣٥

انتهيت إلى السدرة فإذا نبقها مثل الجراد، و إذا ورقها مثل آذان الفيلة فلمّا غشيها من أمر الله ما غشيها تحوّلت ياقوتاً و زمرداً و نحو ذلك.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده إلى إسماعيل الجعفيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل: فلمّا انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلّف عنه جبرئيل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في هذا الموضع تخذلني؟ فقال: تقدّم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغاً لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربّي و حال بيني و بينه السبحة.

قلت: و ما السبحة جعلت فداك؟ فأومى بوجهه إلى الأرض و أومأ بيده إلى السماء و هو يقول: جلال ربّي جلال ربّي ثلاث مرّات.

أقول: السبحة الجلال كما فسّر في الرواية، و السبحة ما يدلّ على تنزّهه تعالى من خلقه و مرجعه إلى المعنى الأوّل، و محصّل ذيل الرواية أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى ربّه برؤية آياته.

و فيه في قوله تعالى:( وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ ) قال: في السماء السابعة.

و فيه،: في قوله تعالى:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) قال: لمّا رفع الحجاب بينه و بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غشي نور السدرة.

أقول: و في المعاني السابقة روايات اُخرى و قد تقدّم في أوّل تفسير سورة الإسراء روايات جامعة لقصّة معراجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و قد نقلنا هناك في ذيل الروايات الاختلاف في كيفيّة معراجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان في المنام أو في اليقظة و على الثاني بجسمه و روحه معاً أو بروحه فحسب، و نقلنا عن صاحب المناقب أنّ الإماميّة ترى أنّ إسراءه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بالروح و الجسم معاً على ما تدلّ عليه آية الإسراء، و أمّا من المسجد الأقصى إلى السماوات فقد قال قوم بكونه بالروح و الجسم معاً أيضاً و وافقهم كثير من الشيعة و مال بعضهم إلى كونه بالروح و مال إليه بعض المتأخّرين.

و لا ضير في القول به لو أيّدته القرائن الحافّة بالآيات و الروايات غير أنّ من

٣٦

الواجب حينئذ أن يحمل قوله تعالى:( عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) على جنّة البرزخ ليحمل كونها عندها على نحو من التعلّق كما ورد أنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار، أو توجّه الآية بما لا ينافي كون العروج في السماوات روحيّاً.

و أمّا كون الإسراء في المنام فقد تقدّم في تفسير آية الإسراء أنّه ممّا لا ينبغي أن يلتفت إليه.

و أمّا تطبيق الإسراء إلى السماوات على تسييرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلاً في الكواكب الاُخرى غير الأرض من منظومتنا الشمسيّة أو في منظومات اُخرى غير منظومتنا أو في مجرّات اُخرى غير مجرّتنا فممّا لا يلائمه الأخبار الواردة في تفصيل القصّة البتّة بل و لا محصّل مضامين الآيات المتقدّمة.

٣٧

( سورة النجم الآيات 19 - 32)

أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ ( 19 ) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ( 20 ) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ ( 21 ) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ( 22 ) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ  إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ  وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ ( 23 ) أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ ( 24 ) فَلِلَّـهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَىٰ ( 25 ) وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ( 26 ) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَىٰ ( 27 ) وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ  إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ  وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ( 28 ) فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( 29 ) ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ ( 30 ) وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ( 31 ) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ  إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ  هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ  فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ  هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ( 32 )

٣٨

( بيان)

شطر من آيات الفصل الثاني من الفصول الثلاثة في السورة تتعرّض لأمر الأوثان و عبادتها بدعوى أنّها ستشفع لهم و الردّ عليهم أبلغ الردّ، و فيها إشارة إلى أمر المعاد و هو مقصد الفصل الثالث.

قوله تعالى: ( أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) لمّا سجّل في الآيات السابقة صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنّه وحي يوحى إليه و ترتّب عليه حقّيّة النبوّة المبنيّة على التوحيد و نفي الشركاء، فرّع عليه الكلام في الأوثان: اللّات و العزّى و مناة و هي عند المشركين تماثيل للملائكة بدعوى أنّهم إناث أو بعضها للملائكة و بعضها للإنسان كما قاله بعضهم و نفي ربوبيّتها و اُلوهيّتها و استقلال الملائكة الّذين هم أرباب الأصنام في الشفاعة و اُنوثيّتهم و أشار إلى حقائق اُخرى تنتج المعاد و جزاء الأعمال.

و اللّات و العزّى و مناة أصنام ثلاث كانت معبودة لعرب الجاهليّة، و قد اختلفوا في وصف صورها، و في موضعها الّذي كانت منصوبة عليه، و في من يعبدها من العرب، و في الأسباب الّتي أوجبت عبادتهم لها، و هي أقوال متدافعة لا سبيل إلى الاعتماد على شي‏ء منها، و المتيقّن منها ما أوردناه.

و المعنى: إذا كان الأمر على ما ذكرناه من حقّيّة الدعوة و صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعوى الوحي و الرسالة من عندالله سبحانه فأخبروني عن اللّات و العزّى و مناة الّتي هي ثالثة الصنمين و غيرهما - و هي الّتي تدّعون أنّها أصنام الملائكة الّذين هم بنات الله على زعمكم -.

قوله تعالى: ( أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى‏ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى‏ ) استفهام إنكاريّ مشوب بالاستهزاء، و قسمة ضيزى أي جائرة غير عادلة.

و المعنى: إذا كان كذلك و كانت أرباب هذه الأصنام من الملائكة بنات الله، و أنتم لا ترضون لأنفسكم إلّا الذكر من الأولاد فهل لكم الذكر و لله سبحانه الاُنثى من الأولاد؟ تلك القسمة إذاً قسمة جائرة غير عادلة - استهزاء -.

٣٩

قوله تعالى: ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) إلخ، ضمير( هِيَ ) للّات و العزّى و مناة أو لها بما هي أصنام، و ضمير( سَمَّيْتُمُوها ) للأسماء و تسمية الأسماء جعلها أسماء، و المراد بالسلطان البرهان.

و المعنى: ليست هذه الأصنام الآلهة إلّا أسماء جعلتموها أسماء لها أنتم و آباؤكم ليست لهذه الأسماء وراءها مصاديق و مسمّيات ما أنزل الله معها برهاناً يستدلّ به على ربوبيّتها و اُلوهيّتها.

و محصّل الآية الردّ على المشركين بعدم الدليل على اُلوهيّة آلهتهم.

و قوله:( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) ما موصولة و الضمير العائد إليها محذوف أي الّذي تهواه النفس، و قيل: مصدريّة و التقدير هوى النفس و الهوى الميل الشهوانيّ للنفس و الجملة مسوقة لذمّهم في اتّباع الباطل و تأكيد لما تقدّم من أنّه لا برهان لهم على ذلك.

و يؤكّده قوله:( وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) و الجملة حاليّة.

و المعنى: إن يتّبع هؤلاء المشركون في أمر آلهتهم إلّا الظنّ و ما يميل إليه أنفسهم شهوة يتّبعون ذلك و الحال أنّه قد جاءهم من الله و هو ربّهم الهدى و هي الدعوة الحقّة أو القرآن الّذي يهديهم إلى الحقّ.

و الالتفات في الآية من الخطاب إلى الغيبة للإشعار بأنّهم أحطّ فهماً من أن يخاطبوا بهذا الكلام على أنّهم غير مستعدّين لأنّ يخاطبوا بكلام برهانيّ و هم أتباع الظنّ و الهوى.

قوله تعالى: ( أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى ) أم منقطعة و الاستفهام إنكاريّ، و الكلام مسوق لنفي أن يملك الإنسان ما يتمنّاه بمجرّد أنّه يتمنّاه أي ليس يملك الإنسان ما يتمنّاه بمجرّد أنّه يتمنّاه حتّى يملك المشركون ما يتمنّونه بهوى أنفسهم من شفاعة الملائكة الّذين هم أرباب أصنامهم و بنات لله بزعمهم أو يملكوا اُلوهيّة آلهتهم بمجرّد التمنّي.

و في الكلام تلويح إلى أنّهم ليس لهم للدلالة على صحّة اُلوهيّة آلهتهم أو

٤٠