الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 199972
تحميل: 4972


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199972 / تحميل: 4972
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قوله تعالى: ( وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً ) المعصرات السحب الماطرة و قيل: الرياح الّتي تعصر السحب لتمطر و الثجّاج الكثير الصبّ للماء، و الأولى على هذا المعنى أن تكون( مِنَ ) بمعنى الباء.

قوله تعالى: ( لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً ) أي حبّاً و نباتاً يقتات بهما الإنسان و سائر الحيوان.

قوله تعالى: ( وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً ) معطوف على قوله:( حَبًّا ) و جنّات ألفاف أي ملتفّة أشجارها بعضها ببعض.

قيل: إنّ الألفاف جمع لا واحد له من لفظه.

( بحث روائي‏)

في بعض الأخبار: أنّ النبأ العظيم عليّعليه‌السلام و هو من البطن.

عن الخصال، عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: قال أبوبكر: يا رسول الله أسرع إليك الشيب. قال: شيّبتني هود و الواقعة و المرسلات و عمّ يتساءلون.

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) قال: يمهّد فيها الإنسان( وَ الْجِبالَ أَوْتاداً ) أي أوتاد الأرض.

و في نهج البلاغة، قالعليه‌السلام : و وتّد بالصخور ميدان أرضه.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ) قال: يلبس على النهار.

أقول: و لعلّ المراد به أنّه يخفي ما يظهره النهار و يستر ما يكشفه.

و فيه: في قوله تعالى:( وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً ) قال: الشمس المضيئة( وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ) قال: من السحاب( ماءً ثَجَّاجاً ) قال: صبّاً على صبّ.

و عن تفسير العيّاشيّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام :( عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ ) بالياء يمطرون.

٢٦١

ثمّ قال: أ ما سمعت قوله:( وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً ) .

أقول: المراد أنّ( يَعْصِرُونَ ) بضمّ الياء بصيغة المجهول و المراد به أنّهم يمطرون و استشهادهعليه‌السلام بقوله:( وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ) دليل على أنّهعليه‌السلام أخذ المعصرات بمعنى الممطرات من أعصرت السحابة إذا أمطرت.

و روى العيّاشيّ مثل الحديث عن عليّ بن معمر عن أبيه عن أبي عبداللهعليه‌السلام و روى القمّيّ في تفسيره،: مثله عن أميرالمؤمنين.

٢٦٢

( سورة النبإ الآيات 17 - 40)

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ( 17 ) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ( 18 ) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ( 19 ) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ( 20 ) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ( 21 ) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا ( 22 ) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ( 23 ) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا ( 24 ) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ( 25 ) جَزَاءً وِفَاقًا ( 26 ) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ( 27 ) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ( 28 ) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ( 29 ) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ( 30 ) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ( 31 ) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ( 32 ) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ( 33 ) وَكَأْسًا دِهَاقًا ( 34 ) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ( 35 ) جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ( 36 ) رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ( 37 ) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ( 38 ) ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا ( 39 ) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ( 40 )

٢٦٣

( بيان‏)

تصف الآيات يوم الفصل الّذي أخبر به إجمالاً بقوله:( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) ثمّ تصف ما يجري فيه على الطاغين و المتّقين، و تختتم بكلمة في الإنذار و هي كالنتيجة.

قوله تعالى: ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ) قال في المجمع: الميقات منتهى المقدار المضروب لحدوث أمر من الاُمور و هو من الوقت كما أنّ الميعاد من الوعد و المقدار من القدر، انتهى.

شروع في وصف ما تضمّنه النبأ العظيم الّذي أخبر بوقوعه و هدّدهم به في قوله:( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) ثمّ أقام الحجّة عليه بقوله:( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) إلخ، و قد سمّاه يوم الفصل و نبّه به على أنّه يوم يفصل فيه القضاء بين الناس فينال كلّ طائفة ما يستحقّه بعمله فهو ميقات و حدّ مضروب لفصل القضاء بينهم و التعبير بلفظ( كانَ ) للدلالة على ثبوته و تعيّنه في العلم الإلهيّ على ما ينطق به الحجّة السابقة الذكر، و لذا أكّد الجملة بإنّ.

و المعنى: إنّ يوم فصل القضاء الّذي نبؤه نبأ عظيم كان في علم الله يوم خلق السماوات و الأرض و حكّم فيها النظام الجاري حدّاً مضروباً ينتهي إليه هذا العالم فإنّه تعالى كان يعلم أنّ هذه النشأة الّتي أنشأها لا تتمّ إلّا بالانتهاء إلى يوم يفصل فيه القضاء بينهم.

قوله تعالى: ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ) قد تقدّم الكلام في معنى نفخ الصور كراراً، و الأفواج جمع فوج و هي الجماعة المارّة المسرعة على ما ذكره الراغب.

و في قوله:( فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ) جري على الخطاب السابق الملتفت إليه قضاءً لحقّ الوعيد الّذي يتضمّنه قوله:( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) و كأنّ الآية ناظرة إلى قوله تعالى:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) إسراء: 71.

٢٦٤

قوله تعالى: ( وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً ) فاتّصل به عالم الإنسان بعالم الملائكة.

و قيل: التقدير فكانت ذات أبواب، و قيل: صار فيها طرق و لم يكن كذلك من قبل، و لا يخلو الوجهان من تحكّم فليتدبّر.

قوله تعالى: ( وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً ) السراب هو الموهوم من الماء اللّامع في المفاوز و يطلق على كلّ ما يتوهّم ذا حقيقة و لا حقيقة له على طريق الاستعارة.

و لعلّ المراد بالسراب في الآية هو المعنى الثاني.

بيان ذلك: أنّ تسيير الجبال و دكّها ينتهي بالطبع إلى تفرّق أجزائها و زوال شكلها كما وقع في مواضع من كلامه تعالى عند وصف زلزلة الساعة و آثارها إذ قال:( وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً ) الطور: 10 و قال:( وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ) الحاقّة: 14، و قال:( وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا ) المزّمّل: 14، و قال:( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) القارعة: 5، و قال:( وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ) الواقعة: 5، و قال:( وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ ) المرسلات: 10.

فتسيير الجبال و دكّها ينتهي بها إلى بسّها و نسفها و صيرورتها كثيباً مهيلاً و كالعهن المنفوش كما ذكره الله تعالى و أمّا صيرورتها سراباً بمعنى ما يتوهّم ماءً لامعاً فلا نسبة بين التسيير و بين السراب بهذا المعنى.

نعم ينتهي تسييرها إلى انعدامها و بطلان كينونتها و حقيقتها بمعنى كونها جبلاً فالجبال الراسيات الّتي كانت ترى حقائق ذوات كينونة قويّة لا تحرّكه العواصف تتبدّل بالتسيير سراباً باطلاً لا حقيقة له، و نظيره من كلامه تعالى قوله في أقوام أهلكهم و قطع دابرهم،( فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ ) سبأ: 19 و قوله:( فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ ) المؤمنون: 44، و قوله في الأصنام( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) النجم: 23.

٢٦٥

فالآية بوجه كقوله تعالى:( وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ) النمل: 88 - بناء على كونه ناظراً إلى صفة زلزلة الساعة -.

قوله تعالى: ( إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً ) قال في المفردات: الرصد الاستعداد للترقّب - إلى أن قال - و المرصد موضع الرصد قال تعالى:( وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) و المرصاد نحوه لكن يقال للمكان الّذي اختصّ بالرصد قال تعالى:( إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً ) تنبيهاً على أنّ عليها مجاز الناس، و على هذا قوله تعالى:( وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ) انتهى.

قوله تعالى: ( لِلطَّاغِينَ مَآباً ) الطاغون الملتبّسون بالطغيان و هو الخروج عن الحدّ، و المآب اسم مكان من الأوب بمعنى الرجوع، و العناية في عدّها مآباً للطاغين أنّهم هيّئوها مأوى لأنفسهم و هم في الدنيا ثمّ إذا انقطعوا عن الدنيا آبوا و رجعوا إليها.

قوله تعالى: ( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) الأحقاب الأزمنة الكثيرة و الدهور الطويلة من غير تحديد.

و هو جمع اختلفوا في واحده فقيل: واحده حقب بالضمّ فالسكون أو بضمّتين، و قد وقع في قوله تعالى:( أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ) الكهف: 60، و قيل: حقب بالفتح فالسكون و واحد الحقب حقبة بالكسر فالسكون قال الراغب: و الحقّ أنّ الحقبة مدّة من الزمان مبهمة. انتهى.

و حدّ بعضهم الحقب بثمانين سنة أو ببضع و ثمانين سنة و زاد آخرون أنّ السنة منها ثلاثمائة و ستّون يوماً كلّ يوم يعدل ألف سنة، و عن بعضهم أنّ الحقب أربعون سنة و عن آخرين أنّه سبعون ألف سنة إلى غير ذلك و لا دليل من الكتاب يدلّ على شي‏ء من هذه التحديدات و لم يثبت من اللغة شي‏ء منها.

و ظاهر الآية أنّ المراد بالطاغين المعاندون من الكفّار و يؤيّده قوله ذيلاً:( إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ) .

و قد فسّروا( أَحْقاباً ) في الآية بالحقب بعد الحقب فالمعنى حال كون الطاغين

٢٦٦

لابثين في جهنّم حقباً بعد حقب بلا تحديد و لا نهاية فلا تنافي الآية ما نصّ عليه القرآن من خلود الكفّار في النار.

و قيل: إنّ قوله:( لا يَذُوقُونَ فِيها ) إلخ صفة( أَحْقاباً ) و المعنى لابثين فيها أحقاباً هي على هذه الصفة و هي أنّهم لا يذوقون فيها برداً و لا شراباً إلّا حميماً و غسّاقاً، ثمّ يكونون على غير هذه الصفة إلى غير النهاية.

و هو حسن لو ساعد السياق.

قوله تعالى: ( لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً ) ظاهر المقابلة بين البرد و الشراب أنّ المراد بالبرد مطلق ما يتبرّد به غير الشراب كالظلّ الّذي يستراح إليه بالاستظلال فالمراد بالذّوق مطلق النيل و المسّ.

قوله تعالى: ( إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً ) الحميم الماء الحارّ شديد الحرّ، و الغسّاق صديد أهل النار.

قوله تعالى: ( جَزاءً وِفاقاً - إلى قوله -كِتاباً ) المصدر بمعنى اسم الفاعل و المعنى يجزون جزاء موافقاً لما عملوا أو بتقدير مضاف أي جزاءً ذا وفاق أو إطلاق الوفاق على الجزاء للمبالغة كزيد عدل.

و قوله:( إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ) أي تكذيباً عجيباً يصرّون عليه، تعليل يوضح موافقة جزائهم لعملهم، و ذلك أنّهم لم يرجوا الحساب يوم الفصل فأيسوا من الحياة الآخرة و كذّبوا بالآيات الدالّة عليها فأنكروا التوحيد و النبوّة و تعدّوا في أعمالهم طور العبوديّة فنسوا الله تعالى فنسيهم و حرّم عليهم سعادة الدار الآخرة فلم يبق لهم إلّا الشقاء و لا يجدون فيها إلّا ما يكرهون، و لا يواجهون إلّا ما يتعذّبون به و هو قوله:( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً ) .

و في الآية أعني قوله:( جَزاءً وِفاقاً ) دلالة على المطابقة التامّة بين الجزاء و العمل فالإنسان لا يريد بعمله إلّا الجزاء الّذي بإزائه و التلبّس بالجزاء تلبّس بالعمل بالحقيقة قال تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) التحريم: 7.

٢٦٧

و قوله:( وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً ) أي كلّ شي‏ء و منه الأعمال ضبطناه و بينّاه في كتاب جليل القدر فالآية في معنى قوله تعالى:( وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) يس: 13.

أو المراد و كلّ شي‏ء حفظناه حال كونه مكتوباً أي في اللوح المحفوظ أو في صحائف الأعمال، و جوّز أن يكون الإحصاء بمعنى الكتابة أو الكتاب بمعنى الإحصاء فإنّ الإحصاء و الكتابة يتشاركان في معنى الضبط و المعنى كلّ شي‏ء أحصيناه إحصاء أو كلّ شي‏ء كتبناه كتاباً.

و الآية على أيّ حال متمّم للتعليل السابق، و المعنى الجزاء موافق لأعمالهم لأنّهم كانوا على حال كذا و كذا و قد حفظناها عليهم فجزيناهم بها جزاءً وفاقاً.

قوله تعالى: ( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً ) تفريع على ما تقدّم من تفصيل عذابهم مسوق لإيئاسهم من أن يرجو نجاة من الشقوة و راحة ينالونها.

و الالتفات إلى خطابهم بقوله:( فَذُوقُوا ) تقدير لحضورهم ليخاطبوا بالتوبيخ و التقريع بلا واسطة.

و المراد بقوله:( فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً ) أنّ ما تذوقونه بعد عذاب ذقتموه عذاب آخر فهو عذاب بعد عذاب و عذاب على عذاب فلا تزالون يضاف عذاب جديد إلى عذابكم القديم فاقنطوا من أن تنالوا شيئاً ممّا تطلبون و تحبّون.

و الآية لا تخلو من ظهور في كون المراد بقوله:( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) الخلود دون الانقطاع.

قوله تعالى: ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً - إلى قوله -كِذَّاباً ) الفوز الظفر بالخير مع حصول السلامة - على ما قاله الراغب - ففيه معنى النجاة و التخلّص من الشرّ و الحصول على الخير، و المفاز مصدر ميميّ أو اسم مكان من الفوز و الآية تحتمل الوجهين جميعاً.

و قوله:( حَدائِقَ وَ أَعْناباً ) الحدائق جمع حديقة و هي البستان المحوّط، و الأعناب جمع عنب و هو ثمر شجرة الكرم و ربّما يطلق على نفس الشجرة.

٢٦٨

و قوله:( وَ كَواعِبَ ) جمع كاعب و هي الفتاة الّتي تكعّب ثدياها و استدار مع ارتفاع يسير، و الترائب جمع ترب و هي المماثلة لغيرها من اللذات.

و قوله:( وَ كَأْساً دِهاقاً ) أي ممتلئة شراباً مصدر بمعنى اسم الفاعل.

و قوله:( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً ) أي لا يسمعون في الجنّة لغواً من القول لا يترتّب عليه أثر مطلوب و لا تكذيباً من بعضهم لبعضهم فيما قال فقولهم حقّ له أثره المطلوب و صدق مطابق للواقع.

قوله تعالى: ( جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ) أي فعل بالمتّقين ما فعل حال كونه جزاء من ربّك عطيّة محسوبة فقوله:( جَزاءً ) حال و كذا( عَطاءً ) و( حِساباً ) بمعنى اسم المفعول صفة لعطاء، و يحتمل أن يكون عطاء تمييزاً أو مفعولاً مطلقاً.

قيل: إضافة الجزاء إلى الربّ مضافاً إلى ضميرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشريف له، و لم يضف جزاء الطاغين إليه تعالى تنزّهاً منه تعالى فليس يغشاهم شرّ إلّا من عند أنفسهم قال تعالى:( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) الأنفال: 51.

و وقوع لفظ الحساب في ذيل جزاء الطاغين و المتّقين معاً لتثبيت ما يلوّح إليه يوم الفصل الواقع في أوّل الكلام.

قوله تعالى: ( رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ ) بيان لقوله:( رَبِّكَ ) اُريد به أنّ ربوبيّته تعالى عامّة لكلّ شي‏ء و أنّ الربّ الّذي يتّخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّاً و يدعو إليه ربّ كلّ شي‏ء لا كما كان يقول المشركون: إنّ لكلّ طائفة من الموجودات ربّاً و الله سبحانه ربّ الأرباب أو كما كان يقول بعضهم: إنّه ربّ السماء.

و في توصيف الربّ بالرحمن - صيغة مبالغة من الرحمة - إشارة إلى سعة رحمته و أنّها سمة ربوبيّة لا يحرم منها شي‏ء إلّا أن يمتنع منها شي‏ء بنفسه لقصوره و سوء اختياره فمن شقوة هؤلاء الطاغين أنّهم حرّموها على أنفسهم بالخروج عن طور العبودية.

قوله تعالى: ( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً ) وقوع صدر الآية في سياق قوله:

٢٦٩

( رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ ) - و شأن الربوبيّة هو التدبير و شأن الرحمانيّة بسط الرحمة - دليل على أنّ المراد بخطابه تعالى تكليمه في بعض ما فعل من الفعل بنحو السؤال عن السبب الداعي إلى الفعل كأن يقال: لم فعلت هذا؟ و لم لم تفعل كذا؟ كما يسأل الفاعل منّا عن فعله فتكون الجملة( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ) في معنى قوله تعالى:( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ ) الأنبياء: 23 و قد تقدّم الكلام في معنى الآية.

لكن وقوع قوله:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) بعد قوله:( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ) الظاهر في اختصاص عدم الملك بيوم الفصل مضافاً إلى وقوعه في سياق تفصيل جزاء الطاغين و المتّقين منه تعالى يوم الفصل يعطي أن يكون المراد به أنّهم لا يملكون أن يخاطبوه فيما يقضي و يفعل بهم باعتراض عليه أو شفاعة فيهم لكنّ الملائكة - و هم ممّن لا يملكون منه خطاباً - منزّهون عن وصمة الاعتراض عليه تعالى و قد قال فيهم:( عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: 27 و كذلك الروح الّذي هو(1) كلمته و قوله، و قوله(2) حقّ، و هو تعالى (3) الحقّ المبين و الحقّ لا يعارض الحقّ و لا يناقضه.

و من هنا يظهر أنّ المراد بالخطاب الّذي لا يملكونه هو الشفاعة و ما يجري مجراها من وسائل التخلّص من الشرّ كالعدل و البيع و الخلّة و الدعاء و السؤال قال تعالى:( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ ) البقرة: 254، و قال:( وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ ) البقرة: 123، و قال:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) هود: 105.

و بالجملة قوله:( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ) ضمير الفاعل في( لا يَمْلِكُونَ ) لجميع المجموعين ليوم الفصل من الملائكة و الروح و الإنس و الجنّ كما هو المناسب

____________________

(1) النحل: 40.

(2) الأنعام: 73.

(3) النور: 25.

٢٧٠

للسياق الحاكي عن ظهور العظمة و الكبرياء دون خصوص الملائكة و الروح لعدم سبق الذكر و دون خصوص الطاغين كما قيل لكثرة الفصل، و المراد بالخطاب الشفاعة و ما يجري مجراها كما تقدّم.

و قوله:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) ظرف لقوله:( لا يَمْلِكُونَ ) و قيل: لقوله:( لا يَتَكَلَّمُونَ ) و هو بعيد مع صلاحية ظرفيّته لما سبقه.

و المراد بالروح المخلوق الأمريّ الّذي يشير إليه قوله تعالى:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85.

و قيل: المراد به أشراف الملائكة، و قيل حفظة الملائكة و قيل: ملك موكّل على الأرواح. و لا دليل على شي‏ء من هذه الأقوال.

و قيل: المراد به جبريل، و قيل: أرواح الناس و قيامها مع الملائكة صفّاً إنّما هو بين النفختين قبل أن تلج الأجساد، و قيل: القرآن و المراد من قيامه ظهور آثاره يومئذ من سعادة المؤمنين به و شقاوة الكافرين.

و يدفعها أنّ هذه الثلاثة و إن اُطلق على كلّ منها الروح في كلامه تعالى لكنّه مع التقييد كقوله:( وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) الحجر: 29، و قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) الشعراء: 193، و قوله:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) النحل: 102، و قوله:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا ) مريم: 17، و قوله:( وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) الشورى: 52 و الروح في الآية الّتي نحن فيها مطلق، على أنّ في القولين الأخيرين تحكّماً ظاهراً.

و( صَفًّا) حال من الروح و الملائكة و هو مصدر اُريد به اسم الفاعل أي حال كونهم صافّين، و ربّما استفيد من مقابلة الروح للملائكة أنّ الروح وحده صفّ و الملائكة جميعاً صفّ.

و قوله:( لا يَتَكَلَّمُونَ ) بيان لقوله:( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ) و ضمير الفاعل لأهل الجمع من الروح و الملائكة و الإنس و الجنّ على ما يفيده السياق.

و قيل: الضمير للروح و الملائكة، و قيل: للناس و وقوع( لا يَمْلِكُونَ ) بما مرّ

٢٧١

من معناه و( لا يَتَكَلَّمُونَ ) في سياق واحد لا يلائم شيئاً من القولين.

و قوله:( إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ ) بدل من ضمير الفاعل في( لا يَتَكَلَّمُونَ ) اُريد به بيان من له أن يتكلّم منهم يومئذ بإذن الله فالجملة في معنى قوله:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) هود: 105 على ظاهر إطلاقه.

و قوله:( وَ قالَ صَواباً ) أي قال قولاً صواباً لا يشوبه خطأ و هو الحقّ الّذي لا يداخله باطل، و الجملة في الحقيقة قيد للإذن كأنّه قيل: إلّا من أذن له الرحمن و لا يأذن إلّا لمن قال صواباً فالآية في معنى قوله تعالى:( وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف: 86.

و قيل:( إِلَّا مَنْ أَذِنَ ) إلخ استثناء ممّن يتكلّم فيه و المراد بالصواب التوحيد و قول لا إله إلّا الله و المعنى لا يتكلّمون في حقّ أحد إلّا في حقّ شخص أذن له الرحمن و قال ذلك الشخص في الدنيا صواباً أي أقرّ بالوحدانيّة و شهد أن لا إله إلّا الله فالآية في معنى قوله تعالى:( وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) الأنبياء: 28.

و يدفعه أنّ العناية الكلاميّة في المقام متعلّقة بنفي أصل الخطاب و التكلّم يومئذ من كلّ متكلّم لا بنفي التكلّم في كلّ أحد مع تسليم جواز أصل التكلّم فالمستثنون هم المتكلّمون المأذون لهم في أصل التكلّم من دون تعرّض لمن يتكلّم فيه.

( كلام فيما هو الروح في القرآن‏)

تكرّرت كلمة الروح - و المتبادر منه ما هو مبدأ الحياة - في كلامه تعالى و لم يقصرها في الإنسان أو في الإنسان و الحيوان فحسب بل أثبتها في غيرهما كما في قوله:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا ) مريم: 17، و قوله:( وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) الشورى: 52 إلى غير ذلك فللروح مصداق في الإنسان و مصداق في غيره.

و الّذي يصلح أن يكون معرّفاً لها في كلامه تعالى ما في قوله:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85 حيث أطلقها إطلاقاً و ذكر معرّفاً لها أنّها

٢٧٢

من أمره و قد عرّف أمره بقوله:( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) يس: 83 فبيّن أنّه كلمة الإيجاد الّتي هي الوجود من حيث انتسابه إليه تعالى و قيامه به لا من حيث انتسابه إلى العلل و الأسباب الظاهريّة.

و بهذه العناية عدّ المسيحعليه‌السلام كلمة له و روحاً منه إذ قال:( وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ ) النساء: 171 لمّا وهبه لمريمعليها‌السلام من غير الطرق العاديّة و يقرب منه في العناية قوله تعالى:( إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران: 59.

و هو تعالى و إن ذكرها في أغلب كلامه بالإضافة و التقيد كقوله:( وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) الحجر 29، و قوله:( وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) السجدة: 9، و قوله:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا ) مريم: 17، و قوله:( وَ رُوحٌ مِنْهُ ) النساء: 171 و قوله:( وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) البقرة: 87 إلى غير ذلك إلّا أنّه أوردها في بعض كلامه مطلقة من غير تقييد كقوله:( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) القدر: 4 و ظاهر الآية أنّها موجود مستقلّ و خلق سماويّ غير الملائكة، و نظير الآية بوجه قوله تعالى:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المعارج: 4.

و أمّا الروح المتعلّقة بالإنسان فقد عبّر عنها بمثل قوله:( وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) ( وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) و أتي بكلمة( مِنْ ) الدالّة على المبدئيّة و سمّاه نفخاً و عبّر عن الروح الّتي خصّها بالمؤمنين بمثل قوله:( وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) المجادلة: 22 فأتى بالباء الدالّة على السببيّة و سمّاه تأييداً و تقوية، و عبّر عن الروح الّتي خصّها بالأنبياء بمثل قوله:( وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) البقرة: 87 فأضاف الروح إلى القدس و هو النزاهة و الطهارة و سمّاه أيضاً تأييداً.

و بانضمام هذه الآيات إلى مثل آية سورة القدر يظهر أنّ نسبة الروح المضافة الّتي في هذه الآيات إلى الروح المطلقة المذكورة في سورة القدر نسبة الإفاضة إلى المفيض

٢٧٣

و الظلّ إلى ذي الظلّ بإذن الله.

و كذلك الروح المتعلّقة بالملائكة من إفاضات الروح بإذن الله، و إنّما لم يعبّر في روح الملك بالنفخ و التأييد كالإنسان بل سمّاه روحاً كما في قوله تعالى:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا ) ، و قوله:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) النحل: 102، و قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) الشعراء: 193 لأنّ الملائكة أرواح محضة على اختلاف مراتبهم في القرب و البعد من ربّهم، و ما يتراءى من الأجسام لهم تمثّلات كما يشير إليه قوله تعالى:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ) مريم: 17 و قد تقدّم الكلام في معنى التمثّل في ذيل الآية بخلاف الإنسان المخلوق مؤلّفاً من جسم ميت و روح حيّة فيناسبه التعبير بالنفخ كما في قوله( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) الحجر: 29.

و كما أوجب اختلاف الروح في خلق الملك و الإنسان اختلاف التعبير بالنفخ و عدمه كذلك اختلاف الروح من حيث أثرها و هو الحياة شرفاً و خسّة أوجب اختلاف التعبير بالنفخ و التأييد و عدّ الروح ذات مراتب مختلفة باختلاف أثر الحياة.

فمن الروح الروح المنفوخة في الإنسان قال:( وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) .

و من الروح الروح المؤيّد بها المؤمن قال:( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) المجادلة: 22 و هي أشرف وجوداً و أعلى مرتبة و أقوى أثراً من الروح الإنسانيّة العامّة كما يفيده قوله تعالى و هو في معنى هذه الآية:( أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ) الأنعام: 122 فقد عدّ المؤمن حيّاً ذا نور يمشي به و هو أثر الروح و الكافر ميتاً و هو ذو روح منفوخة فللمؤمن روح ليست للكافر ذات أثر ليس فيه.

و من ذلك يظهر أنّ من مراتب الروح ما هو في النبات لما فيه من أثر الحياة يدلّ على ذلك الآيات المتضمّنة لإحياء الأرض بعد موتها.

و من الروح الروح المؤيّد بها الأنبياء قال:( وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) البقرة: 87 و سياق الآيات يدلّ على كون هذه الروح أشرف و أعلى مرتبة من غيرها ممّا في الإنسان.

٢٧٤

و أمّا قوله:( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) المؤمن: 15، و قوله:( وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) الشورى: 52 فيقبل الانطباق على روح الإيمان و على روح القدس و الله أعلم.

و قد تقدّم بعض ما ينفع من الكلام في المقام في ذيل هذه الآيات الكريمة.

قوله تعالى: ( ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ) إشارة إلى يوم الفصل المذكور في السورة الموصوف بما مرّ من الأوصاف و هو في الحقيقة خاتمة الكلام المنعطفة إلى فاتحة السورة و ما بعده أعني قوله:( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ مَآباً ) إلخ فضل تفريع على البيان السابق.

و الإشارة إليه بالإشارة البعيدة للدلالة على فخامة أمره و المراد بكونه حقّاً ثبوته حتماً مقضيّاً لا يتخلّف عن الوقوع.

قوله تعالى: ( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ مَآباً ) أي مرجعاً إلى ربّه ينال به ثواب المتّقين و ينجو به من عذاب الطاغين، و الجملة كما أشرنا إليه تفريع على ما تقدّم من الإخبار بيوم الفصل و الاحتجاج عليه و وصفه، و المعنى إذا كان كذلك فمن شاء الرجوع إلى ربّه فليرجع.

قوله تعالى: ( ا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً ) إلخ المراد به عذاب الآخرة، و كونه قريباً لكونه حقّاً لا ريب في إتيانه و كلّ ما هو آت قريب.

على أنّ الأعمال الّتي سيجزي بها الإنسان هي معه أقرب ما يكون منه.

و قوله:( يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) أي ينتظر المرء جزاء أعماله الّتي قدّمتها يداه بالاكتساب، و قيل: المعنى ينظر المرء إلى ما قدّمت يداه من الأعمال لحضورها عنده قال تعالى:( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) آل عمران: 30.

و قوله:( يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) أي يتمنّى من شدّة اليوم أن لو كان تراباً فاقداً للشعور و الإرادة فلم يعمل و لم يجز.

٢٧٥

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ و قوله:( وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً ) قال: تفتح أبواب الجنان، و قوله:( وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً ) قال: تصير الجبال مثل السراب الّذي يلمع في المفازة.

و فيه،: و قوله:( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) قال: الأحقاب السنين و الحقب سنة و السنة عددها ثلاثمائة و ستّون يوماً و اليوم كألف سنة ممّا تعدّون.

و في المجمع، روى نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يخرج من النار من دخلها حتّى يمكث فيها أحقاباً و الحقب بضع و ستّون سنة و السنة ثلاثمائة و ستّون يوماً كلّ يوم كألف سنة ممّا تعدّون فلا يتّكلنّ أحد على أن يخرج من النار.

أقول: و أورد الرواية في الدرّ المنثور، و فيها ثمانون مكان ستّون و لفظ آخرها، قال ابن عمر: فلا يتّكلنّ أحد إلخ، و أورد أيضاً رواية اُخرى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ الحقب أربعون سنة.

و فيه، و روى العيّاشيّ بإسناده عن حمران قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن هذه الآية فقال: هذه في الّذين يخرجون من النار، و روي عن الأحول مثله.

و في تفسير القمّيّ و قوله:( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً ) قال: يفوزون، قوله:( وَ كَواعِبَ أَتْراباً ) قال: جوار و أتراب لأهل الجنّة، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في قوله:( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً ) قال: هي الكرامات( وَ كَواعِبَ أَتْراباً ) أي الفتيات النواهد.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ في العظمة و ابن مردويه عن ابن عبّاس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الروح جند من جنود الله ليسوا بملائكة لهم رؤس و أيد و أرجل ثمّ قرأ:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) قال: هؤلاء جند و هؤلاء جند.

٢٧٦

أقول: و قد تقدّمت الرواية في ذيل الآيات المشتملة على الروح عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الروح خلق أعظم من جبرائيل و ميكائيل، و تقدّمت الرواية أيضاً عن عليّعليه‌السلام : أنّ الروح غير الملائكة و استدلّعليه‌السلام عليه بقوله تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) الآية.

نعم في رواية القمّيّ عن حمران أنّه ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل و كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو مع الأئمّةعليهم‌السلام ، و لعلّ المراد بالملك مطلق الموجود السماويّ أو هو من وهم بعض الرواة في النقل بالمعنى و لا دليل على انحصار الموجودات الأمريّة السماويّة في الملائكة بل الدليل على خلافه كما يستفاد من قوله تعالى لإبليس حين أبى عن السجود لآدم و قد سجد له الملائكة كلّهم أجمعون:( يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ) ص: 75 و قد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في تفسير الآية.

و في اُصول الكافي، بإسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال قلت:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ ) الآية قال نحن و الله المأذون لهم يوم القيامة و القائلون صواباً. قلت: ما تقولون إذا تكلّمتم؟ قال: نمجّد ربّنا و نصلّي على نبيّنا و نشفع لشيعتنا و لا يردّنا ربّنا الحديث.

أقول: و رواه في المجمع، عن العيّاشيّ مرفوعاً عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و الرواية من قبيل ذكر بعض المصاديق فهناك شفعاء اُخر من الملائكة و الأنبياء و المؤمنين مأذون لهم في التكلّم، و هناك شهداء من الاُمم مأذون لهم في التكلّم على ما ينصّ عليه القرآن و الحديث.

٢٧٧

( سورة النازعات مكّيّة و هي ستّ و أربعون آية)

( سورة النازعات الآيات 1 - 41)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ( 1 ) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ( 2 ) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ( 3 ) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ( 4 ) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ( 5 ) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ( 6 ) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ( 7 ) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ( 8 ) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ( 9 ) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ( 10 ) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً ( 11 ) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ( 12 ) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ( 13 ) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ( 14 ) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ( 15 ) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ( 16 ) اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ( 17 ) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ( 18 ) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ ( 19 ) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ ( 20 ) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ( 21 ) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ ( 22 ) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ( 23 ) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ( 24 ) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ ( 25 ) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ( 26 ) أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ( 27 ) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ( 28 ) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ( 29 ) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ( 30 ) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( 31 ) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ( 32 ) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ( 33 ) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ( 34 ) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ ( 35 )

٢٧٨

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ( 36 ) فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ( 37 ) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( 38 ) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ( 39 ) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ( 40 ) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ( 41 )

( بيان‏)

في السورة أخبار مؤكّد بوقوع البعث و القيامة، و احتجاج عليه من طريق التدبير الربوبيّ المنتج أنّ الناس سينقسمون يومئذ طائفتين أصحاب الجنّة و أصحاب الجحيم و تختتم السورة بالإشارة إلى سؤالهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن وقت قيام الساعة و الجواب عنه.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) اختلف المفسّرون في تفسير هذه الآيات الخمس اختلافاً عجيباً مع اتّفاقهم على أنّها إقسام، و قول أكثرهم بأنّ جواب القسم محذوف، و التقدير اُقسم بكذا و كذا لتبعثنّ.

فقوله:( وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً ) قيل: المراد بها ملائكة الموت تنزع الأرواح من الأجساد، و( غَرْقاً ) مصدر مؤكّد بحذف الزوائد أي إغراقاً و تشديداً في النزع.

و قيل: المراد بها الملائكة الّذين ينزعون أرواح الكفّار من أجسادهم بشدّة، و قيل: هو الموت ينزع الأرواح من الأبدان نزعاً بالغاً.

و قيل: المراد بها النجوم تنزع من اُفق لتغيب في اُفق أي تطلع من مطالعها لتغرب في مغاربها، و قيل: المراد بها القسيّ تنزع بالسهم أي تمدّ بجذب وترها إغراقاً في المدّ فالإقسام بقسيّ المجاهدين في سبيل الله أو بالمجاهدين أنفسهم، و قيل: المراد بها الوحش تنزع إلى الكلإ.

و قوله:( وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً ) النشط الجذب و الخروج و الإخراج برفق و سهولة

٢٧٩

و حلّ العقدة، قيل: المراد بها الملائكة الّذين يخرجون الأرواح من الأجساد، و قيل المراد بها خصوص الملائكة يخرجون أرواح المؤمنين من أجسادهم برفق و سهولة، كما أنّ المراد بالنازعات غرقاً الملائكة الّذين ينزعون أرواح الكفّار من أجسادهم.

و قيل: هم الملائكة الّذين ينشطون أرواح الكفّار من أجسادهم، و قيل: المراد بها أرواح المؤمنين أنفسهم، و قيل: هي النجوم تنشط و تذهب من اُفق إلى اُفق، و قيل: هي السهام تنشط من قسيّها في الغزوات، و قيل: هو الموت ينشط و يخرج الأرواح من الأجساد، و قيل: هي الوحش تنشط من قطر إلى قطر.

و قوله:( وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً ) قيل: المراد بها الملائكة تقبض الأرواح فتسرع بروح المؤمن إلى الجنّة و بروح الكافر إلى النار، و السبح الإسراع في الحركة كما يقال للفرس سابح إذا أسرع في جريه، و قيل: المراد بها الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلّونها من الأبدان سلاً رفيقاً ثمّ يدعونها حتّى يستريح كالسابح بالشي‏ء في الماء يرمي، و قيل: هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، و قيل: هي النجوم تسبح في فلكها كما قال تعالى:( وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) .

و قيل: هي خيل الغزاة تسبح في عدوها و تسرع، و قيل: هي المنايا تسبح في نفوس الحيوان، و قيل: هي السفن تسبح في المياه، و قيل: السحاب، و قيل: دوابّ البحر.

و قوله:( فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً ) قيل المراد بها مطلق الملائكة لأنّها سبقت ابن آدم بالخير و الإيمان و العمل الصالح، و قيل ملائكة الموت تسبق بروح المؤمن إلى الجنّة و بروح الكافر إلى النار، و قيل الملائكة القابضون لروح المؤمن تسبق بها إلى الجنّة، و قيل، ملائكة الوحي تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، و قيل أرواح المؤمنين تسبق إلى الملائكة الّذين يقبضونها شوقاً إلى لقاء الله سبحانه، و قيل هي النجوم تسبق بعضها بعضاً في السير، و قيل هي خيل الغزاة تسبق بعضها بعضاً في الحرب، و قيل: هي المنايا تسبق الآمال.

و قوله:( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) قيل: المراد بها مطلق الملائكة المدبّرين للاُمور، كذا فسّر الأكثرون حتّى ادّعى بعضهم اتّفاق المفسّرين عليه، و قيل المراد بها

٢٨٠