الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 199926
تحميل: 4971


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199926 / تحميل: 4971
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الجنّة من الحور و الغلمان و غيرهم و هذا هو الّذي يفيده السياق، و قيل: المراد به عشيرته المؤمنون ممّن يدخل الجنّة، و قيل المراد فريق المؤمنين و إن لم يكونوا من عشيرته فالمؤمنون إخوة. و الوجهان لا يخلوان من بعد.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ) الظرف منصوب بنزع الخافض و التقدير من وراء ظهره، و لعلّهم إنّما يؤتون كتبهم من وراء ظهورهم لردّ وجوههم على أدبارهم كما قال تعالى:( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها ) النساء: 47.

و لا منافاة بين إيتاء كتابهم من وراء ظهورهم و بين إيتائهم بشمالهم كما وقع في قوله تعالى:( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ) الحاقّة: 25 و سيأتي في البحث الروائيّ التالي ما ورد في الروايات من معنى إيتاء الكتاب من وراء ظهورهم.

قوله تعالى: ( فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ) الثبور كالويل الهلاك و دعاؤهم الثبور قولهم: وا ثبوراه.

قوله تعالى: ( وَ يَصْلى‏ سَعِيراً ) أي يدخل ناراً مؤجّجة لا يوصف عذابها، أو يقاسي حرّها.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ) يسرّه ما يناله من متاع الدنيا و تنجذب نفسه إلى زينتها و ينسيه ذلك أمر الآخرة و قد ذمّ تعالى فرح الإنسان بما يناله من خير الدنيا و سمّاه فرحاً بغير حقّ قال تعالى بعد ذكر النار و عذابها:( ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) المؤمن: 75.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أي لن يرجع و المراد الرجوع إلى ربّه للحساب و الجزاء، و لا سبب يوجبه عليهم إلّا التوغّل في الذنوب و الآثام الصارفة عن الآخرة الداعية إلى استبعاد البعث.

قوله تعالى: ( بَلى‏ إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ) ردّ لظنّه أي ليس الأمر كما ظنّه بل يحور و يرجع، و قوله:( إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ) تعليل للردّ المذكور فإنّ الله

٣٦١

سبحانه كان ربّه المالك له المدبّر لأمره و كان يحيط به علماً و يرى ما كان من أعماله و قد كلّفه بما كلّف و لأعماله جزاء خيراً أو شرّاً فلا بدّ أن يرجع إليه و يجزي بما يستحقّه بعمله.

و بذلك يظهر أنّ قوله:( إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ) من إعطاء الحجّة على وجوب المعاد نظير ما تقدّم في قوله:( إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ ) الآية.

و يظهر أيضاً من مجموع هذه الآيات التسع أنّ إيتاء الكتب و نشر الصحف قبل الحساب كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى:( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) إسراء: 14.

ثمّ الآيات كما ترى تخصّ إيتاء الكتاب من وراء الظهر بالكفّار فيقع الكلام في عصاة المؤمنين من أصحاب الكبائر ممّن يدخل النار فيمكث فيها برهة ثمّ يخرج منها بالشفاعة على ما في الأخبار من طرق الفريقين فهؤلاء لا يؤتون كتابهم من وراء ظهورهم لاختصاص ذلك بالكفّار و لا بيمينهم لظهور الآيات في أنّ أصحاب اليمين يحاسبون حساباً يسيراً و يدخلون الجنّة، و لا سبيل إلى القول بأنّهم لا يؤتون كتاباً لمكان قوله تعالى:( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) الآية المفيد للعموم.

و قد تخلّص بعضهم عن الإشكال بأنّهم يؤتون كتابهم باليمين بعد الخروج من النار.

و فيه أنّ ظاهر الآيات إن لم يكن صريحها أنّ دخول النار أو الجنّة فرع مترتّب على القضاء المترتب على الحساب المترتّب على إيتاء الكتب و نشر الصحف فلا معنى لإيتاء الكتاب بعد الخروج من النار.

و احتمل بعضهم أن يؤتوا كتابهم بشمالهم و يكون الإيتاء من وراء الظهر مخصوصاً بالكفّار كما تفيده الآيات.

و فيه أنّ الآيات الّتي تذكر إيتاء الكتاب بالشمال - و هي الّتي في سورة الواقعة و الحاقّة و في معناها ما في سورة الإسراء أيضاً - تخصّ إيتاء الكتاب بالشمال بالكفّار

٣٦٢

و يظهر من مجموع الآيات أنّ الّذين يؤتون كتابهم بشمالهم هم الّذين يؤتونه من وراء ظهورهم.

و قال بعضهم من الممكن أن يؤتوا كتابهم من وراء ظهورهم و يكون قوله:( فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) من قبيل وصف الكلّ بصفة بعض أجزائه.

و فيه أنّ المقام لا يساعد على هذا التجوّز فإنّ المقام مقام تمييز السعداء من الأشقياء و تشخيص كلّ بجزائه الخاصّ به فلا مجوّز لإدغام جمع من أهل العذاب في أهل الجنّة.

على أنّ قوله:( فَسَوْفَ يُحاسَبُ ) إلخ وعد جميل إلهيّ و لا معنى لشموله لغير مستحقّيه و لو بظاهر من القول.

نعم يمكن أن يقال: إنّ اليسر و العسر معنيان إضافيّان و حساب العصاة من أهل الإيمان يسير بالإضافة إلى حساب الكفّار المخلّدين في النار و لو كان عسيراً بالإضافة إلى حساب المتّقين.

و يمكن أيضاً أن يقال إنّ قسمة أهل الجمع إلى أصحاب اليمين و أصحاب الشمال غير حاصرة كما يدلّ عليه قوله تعالى:( وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) الواقعة: 11 فمدلول الآيات خروج المقرّبين من الفريقين، و مثلهم المستضعفون كما ربّما يستفاد من قوله تعالى:( وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) التوبة: 106.

فمن الجائز أن لا يكون تقسيم أهل الجمع إلى أصحاب اليمين و أصحاب الشمال تقسيماً حاصراً لجميعهم بل تخصيصاً لأهل الجنّة من المتّقين و أهل الخلود في النار بالذكر بتوصيفهم بإيتاء الكتاب باليمين و بالشمال لمكان الدعوة إلى الإيمان و التقوى و نظير ذلك ما في سورة المرسلات من ذكر يوم الفصل ثمّ بيان حال المتّقين و المكذّبين فحسب و ليس ينحصر الناس في القبيلين، و نظيره ما في سورة النبإ و النازعات و عبس و الانفطار، و المطفّفين و غيرها فالغرض فيها ذكر اُنموذج من أهل الإيمان و الطاعة و أهل الكفر

٣٦٣

و التكذيب و السكوت عمّن سواهم ليتذكّر أنّ السعادة في جانب التقوى و الشقاء في جانب التمرّد و الطغوى.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ) الشفق الحمرة ثمّ الصفرة ثمّ البياض الّتي تحدث بالمغرب أوّل الليل.

قوله تعالى: ( وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ ) أي ضمّ و جمع ما تفرّق و انتشر في النهار من الإنسان و الحيوان فإنّها تتفرّق و تنتشر بالطبع في النهار و ترجع إلى مأواها في الليل فتسكن.

و فسّر بعضهم( وسق ) بمعنى طرد أي طرد الكواكب من الخفاء إلى الظهور.

قوله تعالى: ( وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) أي اجتمع و انضمّ بعض نوره إلى بعض فاكتمل نوره و تبدّر.

قوله تعالى: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) جواب القسم و الخطاب للناس و الطبق هو الشي‏ء أو الحال الّذي يطابق آخر سواء كان أحدهما فوق الآخر أم لا و المراد به كيف كان المرحلة بعد المرحلة يقطعها الإنسان في كدحه إلى ربّه من الحياة الدنيا ثمّ الموت ثمّ الحياة البرزخيّة ثمّ الانتقال إلى الآخرة ثمّ الحياة الآخرة ثمّ الحساب و الجزاء.

و في هذا الإقسام - كما ترى - تأكيد لما في قوله:( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ ) الآية و ما بعده من نبإ البعث و توطئة و تمهيد لما في قوله:( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) من التعجيب و التوبيخ و ما في قوله:( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ ) إلخ من الإنذار و التبشير.

و في الآية إشارة إلى أنّ المراحل الّتي يقطعها الإنسان في مسيره إلى ربّه مترتّبة متطابقة.

قوله تعالى: ( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) الاستفهام للتعجيب و التوبيخ و لذا ناسب الالتفات الّذي فيه من الخطاب إلى الغيبة كأنّه لمّا رأى أنّهم لا يتذكّرون بتذكيره و لا يتّعظون بعظته أعرض عنهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخاطبه بقوله:( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) إلخ.

٣٦٤

قوله تعالى: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَ اللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ ) ( يُكَذِّبُونَ ) يفيد الاستمرار، و التعبير عنهم بالّذين كفروا للدلالة على علّة التكذيب، و الإيعاء كما قيل جعل الشي‏ء في وعاء.

و المعنى: أنّهم لم يتركوا الإيمان لقصور في البيان أو لانقطاع من البرهان لكنّهم اتّبعوا أسلافهم و رؤساءهم فرسخوا في الكفر و استمرّوا على التكذيب و الله يعلم بما جمعوا في صدورهم و أضمروا في قلوبهم من الكفر و الشرك.

و قيل: المراد بقوله:( وَ اللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ ) أنّ لهم وراء التكذيب مضمرات في قلوبهم لا يحيط بها العبارة و لا يعلمها إلّا الله، و هو بعيد من السياق.

قوله تعالى: ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) التعبير عن الإخبار بالعذاب بالتبشير مبنيّ على التهكّم، و الجملة متفرّعة على التكذيب.

قوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) استثناء منقطع من ضمير( فَبَشِّرْهُمْ ) و المراد بكون أجرهم غير ممنون خلوّه من قول يثقل على المأجور.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) قال: يوم القيامة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ قال تنشقّ السماء من المجرّة.

و في تفسير القمّيّ: في قوله:( وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ ) قال: تمدّ الأرض فتنشقّ فيخرج الناس منها.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم بسند جيّد عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: تمدّ الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ثمّ لا يكون لابن آدم منها إلّا موضع قدميه.

و في الاحتجاج، عن عليّعليه‌السلام في حديث قال و الناس يومئذ على صفات و منازل فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً و ينقلب إلى أهله مسروراً، و منهم الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب لأنّهم لم يلبسوا من أمر الدنيا بشي‏ء و إنّما الحساب هناك على من

٣٦٥

يلبس بها ههنا، و منهم من يحاسب على النقير و القطمير و يصير إلى عذاب السعير.

و في المعاني، بإسناده عن ابن سنان عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ محاسب معذّب فقال له قائل: يا رسول الله فأين قول الله عزّوجلّ:( فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) قال: ذلك العرض يعني التصفّح.

أقول: و روي في الدرّ المنثور، عن البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و غيرهم عن عائشة: مثله.

و في تفسير القمّيّ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) فهو أبوسلمة عبدالله بن عبدالأسود بن هلال المخزوميّ و هو من بني مخزوم،( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ) فهو أخوه الأسود بن عبدالأسود المخزوميّ فقتله حمزة بن عبدالمطّلب يوم بدر.

و في المجمع: في قوله تعالى:( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) و قيل: معناه شدّة بعد شدّة حياة ثمّ موت ثمّ بعث ثمّ جزاء: و روي ذلك مرفوعاً.

و عن جوامع الجامع، في الآية عن أبي عبيدة: لتركبنّ سنن من كان قبلكم من الأوّلين و أحوالهم: و روي ذلك عن الصادقعليه‌السلام .

٣٦٦

( سورة البروج مكّيّة و هي اثنتان و عشرون آية)

( سورة البروج الآيات 1 - 22)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( 1 ) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ( 2 ) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ( 3 ) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ( 4 ) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ( 5 ) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ( 6 ) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ( 7 ) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( 8 ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 9 ) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ( 10 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ( 11 ) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ( 12 ) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ( 13 ) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ( 14 ) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ( 15 ) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ( 16 ) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ( 17 ) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ( 18 ) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ( 19 ) وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ( 20 ) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ( 21 ) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ( 22 )

٣٦٧

( بيان‏)

سورة إنذار و تبشير فيها وعيد شديد للّذين يفتنون المؤمنين و المؤمنات لإيمانهم بالله كما كان المشركون من أهل مكّة يفعلون ذلك بالّذين آمنوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيعذّبونهم ليرجعوا إلى شركهم السابق فمنهم من كان يصبر و لا يرجع بلغ الأمر ما بلغ، و منهم من رجع و ارتدّ و هم ضعفاء الإيمان كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ ) العنكبوت: 10، و قوله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ ) الحجّ: 11.

و قد قدّم سبحانه على ذلك الإشارة إلى قصّة أصحاب الاُخدود، و فيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله تعالى، و أتبعها بالإشارة إلى حديث الجنود فرعون و ثمود و فيه تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوعد النصر و تهديد للمشركين.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) البروج جمع برج و هو الأمر الظاهر و يغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين و يسمّى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجاً و هو المراد في الآية لقوله تعالى:( وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) الحجر: 17، فالمراد بالبروج مواضع الكواكب من السماء.

و بذلك يظهر أنّ تفسير البروج بالبروج الاثني عشر المصطلح عليها في علم النجوم غير سديد.

و في الآية إقسام بالسماء المحفوظة بالبروج، و لا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصّة ثمّ الوعيد و الوعد و سنشير إليه.

قوله تعالى: ( وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) عطف على السماء و إقسام باليوم الموعود و هو يوم القيامة الّذي وعد الله القضاء فيه بين عباده.

٣٦٨

قوله تعالى: ( وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ ) معطوفان على السماء و الجميع قسم بعد قسم على ما اُريد بيانه في السورة و هو - كما تقدّمت الإشارة إليه - الوعيد الشديد لمن يفتن المؤمنين و المؤمنات لإيمانهم و الوعد الجميل لمن آمن و عمل صالحاً.

فكأنّه قيل: اُقسم بالسماء ذات البروج الّتي يدفع الله بها عنها الشياطين إنّ الله يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين و أوليائهم من الكافرين، و اُقسم باليوم الموعود الّذي يجزي فيه الناس بأعمالهم، و اُقسم بشاهد يشهد و يعاين أعمال اُولئك الكفّار و ما يفعلونه بالمؤمنين لإيمانهم بالله و اُقسم بمشهود سيشهده الكلّ و يعاينونه إنّ الّذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات، إلى آخر الآيتين.تين.

و من هنا يظهر أنّ الشهادة في( شاهِدٍ ) و( مَشْهُودٍ ) بمعنى واحد و هو المعاينة بالحضور، على أنّها لو كانت بمعنى تأدية الشهادة لكان حقّ التعبير( و مشهود عليه) لأنّها بهذا المعنى إنّما تتعدّى بعلى.

و على هذا يقبل( شاهِدٍ ) الانطباق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشهادته أعمال اُمّته ثمّ يشهد عليها يوم القيامة، و يقبل( مَشْهُودٍ ) الانطباق على تعذيب الكفّار لهؤلاء المؤمنين و ما فعلوا بهم من الفتنة و إن شئت فقل: على جزائه و إن شئت فقل: على ما يقع يوم القيامة من العقاب و الثواب لهؤلاء الظالمين و المظلومين، و تنكير( مَشْهُودٍ ) و( وَ شاهِدٍ ) على أيّ حال للتفخيم.

و لهم في تفسير شاهد و مشهود أقاويل كثيرة أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كقول بعضهم إنّ الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، و القول بأنّ الشاهد يوم النحر و المشهود يوم عرفة، و القول بأنّ الشاهد يوم عرفة و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد الملك يشهد على بني آدم و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد الّذين يشهدون على الناس و المشهود الّذين يشهد عليهم.

و القول بأنّ الشاهد هذه الاُمّة و المشهود سائر الاُمم، و القول بأنّ الشاهد أعضاء بني آدم و المشهود أنفسهم و القول بأنّ الشاهد الحجر الأسود و المشهود الحاجّ و القول بأنّ الشاهد الأيّام و اللّيالي و المشهود بنو آدم، و القول بأنّ الشاهد الأنبياء و المشهود

٣٦٩

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و القول بأنّ الشاهد هو الله و المشهود لا إله إلّا الله.

و القول بأنّ الشاهد الخلق و المشهود الحقّ، و القول بأنّ الشاهد هو الله و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد آدم و ذرّيّته و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد يوم التروية و المشهود يوم عرفة، و القول بأنّها يوم الإثنين و يوم الجمعة، و القول بأنّ الشاهد: المقرّبون و المشهود علّيّون، و القول بأنّ الشاهد هو الطفل الّذي قال لاُمّه في قصّة الاُخدود: اصبري فإنّك على الحقّ و المشهود الواقعة، و القول بأنّ الشاهد الملائكة المتعاقبون لكتابة الأعمال و المشهود قرآن الفجر إلى غير ذلك من أقوالهم.

و أكثر هذه الأقوال - كما ترى - مبنيّ على أخذ الشهادة بمعنى أداء ما حمّل من الشهادة و بعضها على تفريق بين الشاهد و المشهود في معنى الشهادة و قد عرفت ضعفه، و أنّ الأنسب للسياق أخذها بمعنى المعاينة و إن استلزم الشهادة بمعنى الأداء يوم القيامة، و أنّ الشاهد يقبل الانطباق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كيف لا؟ و قد سمّاه الله تعالى شاهداً إذ قال:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ) الأحزاب: 45، و سمّاه شهيداً إذ قال:( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ) الحجّ: 78، و قد عرفت معنى شهادة الأعمال من شهدائها فيما مرّ.

ثمّ إنّ جواب القسم محذوف يدلّ عليه قوله:( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) إلى تمام آيتين، و يشعر به أيضاً قوله:( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) إلخ و هو وعيد الفاتنين و وعد المؤمنين الصالحين و أنّ الله يوفقهم على الصبر و يؤيّدهم على حفظ إيمانهم من كيد الكائدين أن أخلصوا كما فعل بالمؤمنين في قصّة الاُخدود.

قوله تعالى: ( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) إشارة إلى قصّة الاُخدود لتكون توطئة و تمهيداً لما سيجي‏ء من قوله:( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا ) إلخ و ليس جواباً للقسم البتّة.

و الاُخدود الشقّ العظيم في الأرض، و أصحاب الاُخدود هم الجبابرة الّذين خدّوا اُخدوداً و أضرموا فيها النار و أمروا المؤمنين بدخولها فأحرقوهم عن آخرهم

٣٧٠

نقماً منهم لإيمانهم.

فقوله:( قُتِلَ ) إلخ دعاء عليهم و المراد بالقتل اللعن و الطرد.

و قيل: المراد بأصحاب الاُخدود المؤمنون و المؤمنات الّذين اُحرقوا فيه، و قوله:( قُتِلَ ) إخبار عن قتلهم بالإحراق و ليس من الدعاء في شي‏ء. و يضعّفه ظهور رجوع الضمائر في قوله:( إِذْ هُمْ عَلَيْها ) و( هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ ) و( ما نَقَمُوا ) إلى أصحاب الاُخدود، و المراد بها و خاصّة بالثاني و الثالث الجبابرة الناقمون دون المؤمنين المعذّبين.

قوله تعالى: ( النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ ) بدل من الاُخدود، و الوقود ما يشعل به النار من حطب و غيره، و في توصيف النار بذات الوقود إشارة إلى عظمة أمر هذه النار و شدّة اشتعالها و أجيجها.

قوله تعالى: ( إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ) أي في حال اُولئك الجبابرة قاعدون في أطراف النار المشرفة عليها.

قوله تعالى: ( وَ هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) أي حضور ينظرون و يشاهدون إحراقهم و احتراقهم.

قوله تعالى: ( وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ ) النقم بفتحتين الكراهة الشديدة أي ما كرهوا من اُولئك المؤمنين إلّا إيمانهم بالله فأحرقوهم لأجل إيمانهم.

قوله تعالى: ( الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) أوصاف جارية على اسم الجلالة تشير إلى الحجّة على أنّ اُولئك المؤمنين كانوا على الحقّ في إيمانهم مظلومين فيما فعل بهم لا يخفى حالهم على الله و سيجزيهم خير الجزاء، و على أنّ اُولئك الجبابرة كانوا على الباطل مجترين على الله ظالمين فيما فعلوا و سيذوقون وبال أمرهم.

و ذلك أنّه تعالى هو الله العزيز الحميد أي الغالب غير المغلوب على الإطلاق و الجميل في فعله على الإطلاق فله وحده كلّ الجلال و الجمال فمن الواجب أن يخضع

٣٧١

له و أن لا يتعرّض لجانبه، و إذ كان له ملك السماوات و الأرض فهو المليك على الإطلاق له الأمر و له الحكم فهو ربّ العالمين فمن الواجب أن يتّخذ إلهاً معبوداً و لا يشرك به أحد فالمؤمنون به على الحقّ و الكافرون في ضلال.

ثمّ إنّ الله - و هو الموجد لكلّ شي‏ء - على كلّ شي‏ء شهيد لا يخفى عليه شي‏ء من خلقه و لا عمل من أعمال خلقه و لا يحتجب عنه إحسان محسن و لا إساءة مسي‏ء فسيجزي كلّاً بما عمل.

و بالجملة إذ كان تعالى هو الله المتّصف بهذه الصفات الكريمة كان على هؤلاء المؤمنين أن يؤمنوا به و لم يكن لاُولئك الجبابرة أن يتعرّضوا لحالهم و لا أن يمسّوهم بسوء.

و قال بعض المفسّرين في توجيه إجراء الصفات في الآية: إنّ القوم إن كانوا مشركين فالّذي كانوا ينقمونه من المؤمنين و ينكرونه عليهم لم يكن هو الإيمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة، و إن كانوا معطّلة فالمنكر عندهم ليس إلّا إثبات معبود غير معهود لهم لكن لمّا كان مآل الأمرين إنكار المعبود الحقّ الموصوف بصفات الجلال و الإكرام عبّر بما عبّر بإجراء الصفات عليه تعالى.

و فيه غفلة عن أنّ المشركين و هم الوثنيّة ما كانوا ينسبون إلى الله تعالى إلّا الصنع و الإيجاد. و أمّا الربوبيّة الّتي تستتبع التدبير و الاُلوهيّة الّتي تستوجب العبادة فكانوا يقصرونها في أربابهم و آلهتهم فيعبدونها دون الله سبحانه، فليس له تعالى عندهم إلّا أنّه ربّ الأرباب و إله الآلهة لا غير.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ) الفتنة المحنة و التعذيب،( و الَّذِينَ فَتَنُوا ) إلخ عامّ يشمل أصحاب الاُخدود و مشركي قريش الّذين كانوا يفتنون من آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين و المؤمنات بأنواع من العذاب ليرجعوا عن دينهم.

قال في المجمع: يسأل فيقال: كيف فصّل بين عذاب جهنّم و عذاب الحريق و هما واحد؟ اُجيب عن ذلك بأنّ المراد لهم أنواع العذاب في جهنّم سوى الإحراق

٣٧٢

مثل الزّقّوم و الغسلين و المقامع و لهم مع ذلك الإحراق بالنار انتهى.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ) وعد جميل للمؤمنين يطيّب به نفوسهم كما أنّ ما قبله وعيد شديد للكفّار الفاتنين المعذّبين.

قوله تعالى: ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) الآية إلى تمام سبع آيات تحقيق و تأكيد لما تقدّم من الوعيد و الوعد، و البطش - كما ذكره الراغب - تناول الشي‏ء بصولة.

و في إضافة البطش إلى الربّ و إضافة الربّ إلى الكاف تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتأييد و النصر، و إشارة إلى أنّ لجبابرة اُمّته نصيباً من الوعيد المتقدّم.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ ) المقابلة بين المبدئ و المعيد يعطي أنّ المراد بالإبداء البدء، و الافتتاح بالشي‏ء، قالوا: و لم يسمع من العرب الإبداء لكن القراءة ذلك و في بعض القراءات الشاذّة يبدأ بفتح الياء و الدال.

و على أيّ حال فالآية تعليل لشدّة بطشه تعالى و ذلك أنّه تعالى مبدئ يوجد ما يريده من شي‏ء إيجاداً ابتدائياً من غير أن يستمدّ على ذلك من شي‏ء غير نفسه، و هو تعالى يعيد كلّ ما كان إلى ما كان و كلّ حال فاتته إلى ما كانت عليه قبل الفوت فهو تعالى لا يمتنع عليه ما أراد و لا يفوته فائت زائل و إذ كان كذلك فهو القادر على أن يحمل على العبد المتعدّي حدّه، من العذاب ما هو فوق حدّه و وراء طاقته و يحفظه على ما هو عليه ليذوق العذاب قال تعالى:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ) فاطر: 36.

و هو القادر على أن يعيد ما أفسده العذاب إلى حالته الاُولى ليذوق المجرم بذلك العذاب من غير انقطاع قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) النساء: 56.

و بهذا البيان يتّضح:

أوّلاً: أنّ سياق قوله:( إِنَّهُ هُوَ ) إلخ يفيد القصر أي إنّ إبداع الوجود

٣٧٣

و إعادته لله سبحانه وحده إذ الصنع و الإيجاد ينتهي إليه تعالى وحده.

و ثانياً: أنّ حدود الأشياء إليه تعالى و لو شاء أن لا يحدّ لم يحدّ أو بدّل حدّاً من آخر فهو الّذي حدّ العذاب و الفتنة في الدنيا بالموت و الزوال و لو لم يشأ لم يحدّ كما في عذاب الآخرة.

و ثالثاً: أنّ المراد من شدّة البطش - و هو الأخذ بعنف - أن لا دافع لأخذه و لا رادّ لحكمه كيفما حكم إلّا أن يحول بين حكمه و متعلّقه حكم آخر منه يقيّد الأوّل.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) أي كثير المغفرة و المودّة ناظر إلى وعد المؤمنين كما أنّ قوله:( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ) إلخ ناظر إلى وعيد الكافرين.

قوله تعالى: ( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) العرش عرش الملك، و ذوالعرش كناية عن الملك أي هو ملك له أن يتصرّف في مملكته كيفما تصرّف و يحكم بما شاء و المجيد صفة من المجد و هو العظمة المعنوية و هي كمال الذات و الصفات، و قوله:( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) أي لا يصرفه عمّا أراده صارف لا من داخل لضجر و كسل و ملل و تغيّر إرادة و غيرها و لا من خارج لمانع يحول بينه و بين ما أراد.

فله تعالى أن يوعد الّذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات بالنار و يعد الّذين آمنوا و عملوا الصالحات بالجنّة لأنّه ذو العرش المجيد و لن يخلف وعده لأنّه فعّال لما يريد.

قوله تعالى: ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ ) تقرير لما تقدّم من شدّة بطشه تعالى و كونه ملكاً مجيداً فعّالاً لما يريد، و فيه تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تطييب لنفسه الشريفة بالإشارة إلى حديثهم، و معنى الآيتين ظاهر.

قوله تعالى: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ) لا يبعد أن يستفاد من السياق كون المراد بالّذين كفروا هم قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الآية إضراب عمّا تقدّم من الموعظة و الحجّة من حيث الأثر، و المعنى لا ينبغي أن يرجى منهم الإيمان بهذه الآيات البيّنات فإنّ الّذين كفروا مصرّون على

٣٧٤

تكذيبهم لا ينتفعون بموعظة أو حجّة.

و من هنا ظهر أنّ المراد بكون الّذين كفروا في تكذيب أي بظرفيّة التكذيب لهم إصرارهم عليه.

قوله تعالى: ( وَ اللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ) وراء الشي‏ء الجهات الخارجة منه المحيطة به. إشارة إلى أنّهم غير معجزين لله سبحانه فهو محيط بهم قادر عليهم من كلّ جهة، و فيه أيضاً تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و عن بعضهم أنّ في قوله:( مِنْ وَرائِهِمْ ) تلويحاً إلى أنّهم اتّخذوا الله وراءهم ظهريّا، و هو مبنيّ على أخذ وراء بمعنى خلف.

قوله تعالى: ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) إضراب عن إصرارهم على تكذيب القرآن، و المعنى ليس الأمر كما يدّعون بل القرآن كتاب مقروّ عظيم في معناه غزير في معارفه في لوح محفوظ عن الكذب و الباطل مصون من مسّ الشياطين.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن( السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) فقال: الكواكب، و سئل عن( الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً ) فقال: الكواكب. قيل:( بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) فقال: قصور.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و الترمذيّ و ابن أبي الدنيا في الاُصول و ابن جرير و ابن المنذر و ابن حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة و اليوم المشهود يوم عرفة و الشاهد يوم الجمعة. الحديث.

أقول: و روي مثله بطرق اُخرى عن أبي مالك و سعيد بن المسيّب و جبير بن مطعم عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لفظ الأخير: الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة.

٣٧٥

و روي هذا اللفظ عن عبدالرزّاق و الفاريابيّ و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن عليّ قال: اليوم الموعود يوم القيامة، و الشاهد يوم الجمعة، و المشهود يوم النحر.

و في المجمع، روي: أنّ رجلاً دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا رجل يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: فسألته عن الشاهد و المشهود فقال: نعم الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته عن ذلك فقال: أمّا الشاهد فيوم الجمعة و أمّا المشهود فيوم النحر.

فجزتهما إلى غلام كأنّ وجهه الدينار و هو يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود فقال: نعم أمّا الشاهد فمحمّد و أمّا المشهود فيوم القيامة أ ما سمعت الله سبحانه يقول:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ) و قال:( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) .

فسألت عن الأوّل فقالوا: ابن عبّاس، و سألت عن الثاني فقالوا: ابن عمرو، و سألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي.

أقول: و الحديث مرويّ بطرق مختلفة و ألفاظ متقاربة و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ ما ذكرهعليه‌السلام أظهر بالنظر إلى سياق الآيات، و إن كان لفظ الشاهد و المشهود لا يأبى الانطباق على غيره أيضاً بوجه.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) قال: كان سببه أنّ الّذي هيّج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس و هو آخر من ملك من حمير تهوّد و اجتمعت معه حمير على اليهوديّة و سمّى نفسه يوسف و أقام على ذلك حيناً من الدهر.

ثمّ اُخبر أنّ بنجران بقايا قوم على دين النصرانيّة و كانوا على دين عيسى و حكم الإنجيل، و رأس ذلك الدين عبد الله بن بريامن فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم و يحملهم على اليهوديّة و يدخلهم فيها فسار حتّى قدم نجران فجمع من كان

٣٧٦

بها على دين النصرانيّة ثمّ عرض عليهم دين اليهوديّة و الدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم و عرض عليهم و حرص الحرص كلّه فأبوا عليه و امتنعوا من اليهوديّة و الدّخول فيها و اختاروا القتل.

فاتّخذ لهم اُخدوداً و جمع فيه الحطب و أشعل فيه النار فمنهم من اُحرق بالنار و منهم من قتل بالسيف و مثل بهم كلّ مثلة فبلغ عدد من قتل و اُحرق بالنار عشرين ألفاً و أفلت منهم رجل يدعى دوش ذو ثعلبان على فرس له ركضة، و اتّبعوه حتّى أعجزهم في الرمل، و رجع ذو نواس إلى صنيعه في جنوده فقال الله:( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ - إلى قوله -الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) .

و في المجمع، و روى سعيد بن جبير قال: لمّا انهزم أهل إسفندهان قال عمر بن الخطّاب: ما هم يهود و لا نصارى و لا لهم كتاب و كانوا مجوساً فقال عليّ بن أبي طالب: بلى قد كان لهم كتاب رفع.

و ذلك أنّ ملكاً لهم سكر فوقع على ابنته - أو قال: على اُخته - فلمّا أفاق قال لها: كيف المخرج ممّا وقعت فيه؟ قالت: تجمع أهل مملكتك و تخبرهم أنّك ترى نكاح البنات و تأمرهم أن يحلّوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخدّ لهم اُخدوداً في الأرض، و أوقد فيه النيران و عرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار، و من أجاب خلّى سبيله.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن عبد بن حميد عنهعليه‌السلام .

و عن تفسير العيّاشيّ، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أرسل عليّعليه‌السلام إلى اُسقفّ نجران يسأله عن أصحاب الاُخدود فأخبره بشي‏ء فقالعليه‌السلام : ليس كما ذكرت و لكن ساُخبرك عنهم:

إنّ الله بعث رجلاً حبشيّاً نبيّاً و هم حبشيّة فكذّبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه فأسروه و أسروا أصحابه ثمّ بنوا له حيراً ثمّ ملؤه ناراً ثمّ جمعوا الناس فقالوا: من كان على ديننا و أمرنا فليعتزل، و من كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر فلمّا هجمت هابت و

٣٧٧

رقّت على ابنها فنادى الصبيّ: لا تهابي و ارميني و نفسك في النار فإنّ هذا و الله في الله قليل، فرمت بنفسها في النار و صبيّها، و كان ممّن تكلّم في المهد.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن عبدالله بن نجي عنهعليه‌السلام ، و روي أيضاً عن ابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن نجي عنهعليه‌السلام قال: كان نبيّ أصحاب الاُخدود حبشيّاً.

و روي أيضاً عن ابن أبي حاتم و ابن المنذر من طريق الحسن عنهعليه‌السلام في قوله تعالى:( أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) قال: هم الحبشة.

و لا يبعد أن يستفاد أنّ حديث أصحاب الاُخدود وقائع متعدّدة وقعت بالحبشة و اليمن و العجم و الإشارة في الآية إلى جميعها و هناك روايات تقصّ القصّة مع السكوت عن محلّ وقوعها.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) قال: اللوح المحفوظ له طرفان طرف على يمين العرش على جبين إسرافيل فإذا تكلّم الربّ جلّ ذكره بالوحي ضرب اللّوح جبين إسرافيل فنظر في اللّوح فيوحي بما في اللّوح إلى جبرئيل.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبوالشيخ و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله لوحاً من درّة بيضاء دفّتاه من زبرجدة خضراء كتابه من نور يلحظ إليه في كلّ يوم ثلاث مائة و ستّين لحظة يحيي و يميت و يخلق و يرزق و يعزّ و يذلّ و يفعل ما يشاء.

أقول: و الروايات في صفة اللوح كثيرة مختلفة و هي على نوع من التمثيل.

٣٧٨

( سورة الطارق مكّيّة و هي سبع عشرة آية)

( سورة الطارق الآيات 1 - 17)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ( 1 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ( 2 ) النَّجْمُ الثَّاقِبُ ( 3 ) إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ( 4 ) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( 7 ) إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( 8 ) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ( 9 ) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ( 10 ) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ( 11 ) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ( 12 ) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ( 13 ) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ( 14 ) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ( 15 ) وَأَكِيدُ كَيْدًا ( 16 ) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ( 17 )

( بيان‏)

في السورة إنذار بالمعاد و تستدلّ عليه بإطلاق القدرة و تؤكّد القول في ذلك، و فيها إشارة إلى حقيقة اليوم، و تختتم بوعيد الكفّار.

و السورة ذات سياق مكّيّ.

قوله تعالى: ( وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) الطرق في الأصل - على ما قيل - هو الضرب بشدّة يسمع له صوت و منه المطرقة و الطريق لأنّ السابلة تطرقها بأقدامها ثمّ شاع استعماله في سلوك الطريق ثمّ اختصّ بالإتيان ليلاً لأنّ الآتي بالليل في الغالب يجد الأبواب مغلقة فيطرقها و يدقّها ثمّ شاع الطارق

٣٧٩

في كلّ ما يظهر ليلاً، و المراد بالطارق في الآية النجم الّذي يطلع بالليل.

و الثقب في الأصل بمعنى الخرق ثمّ صار بمعنى النيّر المضي‏ء لأنّه يثقب الظلام بنوره و يأتي بمعنى العلوّ و الارتفاع و منه ثقب الطائر أي ارتفع و علا كأنّه يثقب الجوّ بطيرانه.

فقوله:( وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ ) إقسام بالسماء و بالنجم الطالع ليلاً، و قوله:( وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ ) تفخيم لشأن المقسم به و هو الطارق، و قوله:( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) بيان للطارق و الجملة في معنى جواب استفهام مقدّر كأنّه لمّا قيل: و ما أدراك ما الطارق؟ سئل فقيل: فما هو الطارق؟ فاُجيب، و قيل: النجم الثاقب.

قوله تعالى: ( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ) جواب للقسم و لمّا بمعنى إلّا و المعنى ما من نفس إلّا عليها حافظ، و المراد من قيام الحافظ على حفظها كتابة أعمالها الحسنة و السيّئة على ما صدرت منها ليحاسب عليها يوم القيامة و يجزي بها فالحافظ هو الملك و المحفوظ العمل كما قال تعالى:( وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونََ ) الانفطار: 12.

و لا يبعد أن يكون المراد من حفظ النفس حفظ ذاتها و أعمالها، و المراد بالحافظ جنسه فتفيد أنّ النفوس محفوظة لا تبطل بالموت و لا تفسد حتّى إذا أحيا الله الأبدان أرجع النفوس إليها فكان الإنسان هو الإنسان الدنيويّ بعينه و شخصه ثمّ يجزيه بما يقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شرّ.

و يؤيّد ذلك كثير من الآيات الدالّة على حفظ الأشياء كقوله تعالى:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة: 11، و قوله:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى‏ عَلَيْهَا الْمَوْتَ ) الزمر: 42.

و لا ينافي هذا الوجه ظاهر آية الانفطار السابقة من أنّ حفظ الملائكة هو الكتابة فإنّ حفظ نفس الإنسان أيضاً من الكتابة على ما يستفاد من قوله:( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية: 29 و قد تقدّمت الإشارة إليه.

٣٨٠