الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 199983
تحميل: 4973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199983 / تحميل: 4973
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فالإنسان بخصوصيّة إنشائه و كونه بحيث يسمع و يبصر يمتاز من الجماد و النبات - و الاقتصار بالسمع و البصر من سائر الحواسّ كاللمس و الذوق و الشمّ لكونهما العمدة و لا يبعد أن يكون المراد بالسمع و البصر مطلق الحواسّ الظاهرة من باب إطلاق الجزء و إرادة الكلّ - و بالفؤاد و هو النفس المتفكّرة يمتاز من سائر الحيوان.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ) أي تشكرون قليلاً على هذه النعمة - أو النعم - العظمى فما زائدة و قليلاً مفعول مطلق تقديره تشكرون شكراً قليلاً، و قيل: ما مصدريّة و المعنى: قليلا شكركم.

قوله تعالى: ( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) الذرء الخلق و المراد بذرئهم في الأرض خلقهم متعلّقين بالأرض فلا يتمّ لهم كمالهم إلّا بأعمال متعلّقة بالمادّة الأرضيّة بما زيّنها الله تعالى بما تنجذب إليه النفس الإنسانيّة في حياتها المعجّلة ليمتاز به الصالح من الطالح قال تعالى:( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً ) الكهف: 8.

و قوله:( وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) إشارة إلى البعث و الجزاء و وعد جازم.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) المراد بهذا الوعد الحشر الموعود، و هو استعجال منهم استهزاء.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) جواب عن قولهم:( مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ ) إلخ، و محصّله أنّ العلم به عندالله لا يعلم به إلّا هو كما قال:( لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ) الأعراف: 187، و ليس لي إلّا أنّي نذير مبين اُمرت أن اُخبركم أنّكم إليه تحشرون و أمّا أنّه متى هو فليس لي بذلك علم.

هذا على ما يفيده وقوع الآية في سياق الجواب عن السؤال عن وقت الحشر، و على هذا تكون اللام في العلم للعهد، و المراد العلم بوقت الحشر، و أمّا لو كانت للجنس على ما تفيده جملة( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ ) في نفسها فالمعنى: إنّما حقيقة العلم عندالله و لا يحاط بشي‏ء منه إلّا بإذنه كما قال:( وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما

٢١

شاءَ ) البقرة: 255، و لم يشأ أن أعلم من ذلك إلّا أنّه سيقع و اُنذركم به و أمّا أنّه متى يقع فلا علم لي به.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إلخ، الزلفة القرب و المراد به القريب أو هو من باب زيد عدل، و ضمير( رَأَوْهُ ) للوعد و قيل للعذاب و المعنى: فلمّا رأوا الوعد المذكور قريباً قد أشرف عليهم ساء ذلك وجوه الّذين كفروا به فظهر في سيماهم أثر الخيبة و الخسران.

و قوله:( وَ قِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) قيل تدعون و تدّعون بمعنى واحد كتدخرون و تدّخرون و المعنى: و قيل لهم: هذا هو الوعد الّذي كنتم تسألونه و تستعجلون به بقولكم: متى هذا الوعد، و ظاهر السياق أنّ القائل هم الملائكة بأمر من الله، و قيل القائل من الكفّار يقوله بعضهم لبعض.

قوله تعالى: ( قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَ مَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) ( إِنْ ) شرطيّة شرطها قوله:( أَهْلَكَنِيَ اللهُ ) و جزاؤها قوله:( فَمَنْ يُجِيرُ ) إلخ، و المعنى: قل لهم أخبروني إن أهلكني الله و من معي من المؤمنين أو رحمنا فلم يهلكنا فمن الّذي يجير و يعيد الكافرين - و هم أنتم كفرتم بالله فاستحققتم أليم العذاب - من عذاب أليم يهدّدهم تهديداً قاطعاً أي إنّ هلاكي و من معي و بقاؤنا برحمة ربّي لا ينفعكم شيئاً في العذاب الّذي سيصيبكم قطعاً بكفركم بالله.

قيل: إنّ كفّار مكّة كانوا يدعون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و على المؤمنين بالهلاك فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لهم إن أهلكنا الله تعالى أو أبقانا فأمرنا إلى الله و نرجو الخير من رحمته و أمّا أنتم فما تصنعون؟ من يجيركم من أليم العذاب على كفركم بالله.؟

قوله تعالى: ( قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الضمير للّذي يدعو إلى توحيده و هم يدعونه عليه، و المعنى: قل الّذي أدعوكم إلى توحيده و تدعونه عليّ و على من معي هو الرحمن الّذي عمّت نعمته كلّ شي‏ء آمنّا به و عليه توكّلنا من غير أن نميل و نعتمد على شي‏ء دونه فستعلمون أيّها الكفّار من هو في ضلال مبين؟ نحن أم أنتم.؟

٢٢

قال في الكشّاف: فإن قيل: لم اُخّر مفعول( آمَنَّا ) و قدّم مفعول( تَوَكَّلْنا ) ؟ قلت: لوقوع آمنّا تعريضاً بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم كأنّه قيل: آمنّا و لم نكفر كما كفرتم، ثمّ قال: و عليه توكّلنا خصوصاً لم نتّكل على ما أنتم متّكلون عليه من رجالكم و أموالكم.

قوله تعالى: ( قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) الغور ذهاب الماء و نضوبه في الأرض و المراد به الغائر، و المعين الظاهر الجاري من الماء، و المعنى: أخبروني إن صار ماؤكم غائراً ناضباً في الأرض فمن يأتيكم بماء ظاهر جار.

و هناك روايات تطبّق الآيات على ولاية عليّعليه‌السلام و محادّته، و هي من الجري و ليست بمفسّرة.

٢٣

( سورة القلم مكّيّة و هي اثنتان و خمسون آية)

( سورة القلم الآيات 1 - 33)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( 1 ) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ( 2 ) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ( 3 ) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 ) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ( 5 ) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ ( 6 ) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( 7 ) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ( 8 ) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ( 9 ) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ( 10 ) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ( 11 ) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ( 12 ) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ( 13 ) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ( 14 ) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( 15 ) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ( 16 ) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ( 17 ) وَلَا يَسْتَثْنُونَ ( 18 ) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ( 19 ) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ( 20 ) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ( 21 ) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ( 22 ) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ( 23 ) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ( 24 ) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ ( 25 ) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ( 26 ) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ( 27 ) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ( 28 ) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ( 29 ) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ

٢٤

يَتَلَاوَمُونَ ( 30 ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ( 31 ) عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ ( 32 ) كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ( 33 )

( بيان‏)

السورة تعزّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إثر ما رماه المشركون بالجنون و تطيّب نفسه بالوعد الجميل و الشكر على خلقه العظيم و تنهاه نهياً بالغاً عن طاعتهم و مداهنتهم، و تأمره أمراً أكيداً بالصبر لحكم ربّه.

و سياق آياتها على الجملة سياق مكّيّ، و نقل عن ابن عباس و قتادة أنّ صدرها إلى قوله:( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) - ستّة عشرة آية - مكّيّ، و ما بعده إلى قوله:( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) - سبع عشرة آية - مدنيّ، و ما بعده إلى قوله:( يَكْتُبُونَ ) - خمس عشرة آية - مكّيّ، و ما بعده إلى آخر السورة - أربع آيات - مدنيّ.

و لا يخلو من وجه بالنسبة إلى الآيات السبع عشرة( إِنَّا بَلَوْناهُمْ - إلى قوله -لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) فإنّها أشبه بالمدنيّة منها بالمكّيّة.

قوله تعالى: ( ن ) تقدّم الكلام في الحروف المقطّعة الّتي في أوائل السور في تفسير سورة الشورى.

قوله تعالى: ( وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) القلم معروف، و السطر بالفتح فالسكون و ربّما يستعمل بفتحتين - كما في المفردات - الصفّ من الكتابة، و من الشجر المغروس و من القوم الوقوف و سطر فلان كذا كتب سطراً سطراً.

أقسم سبحانه بالقلم و ما يسطرون به و ظاهر السياق أنّ المراد بذلك مطلق القلم و مطلق ما يسطرون به و هو المكتوب فإنّ القلم و ما يسطر به من الكتابة من أعظم النعم الإلهيّة الّتي اهتدى إليها الإنسان يتلو الكلام في ضبط الحوادث الغائبة عن الأنظار

٢٥

و المعاني المستكنّة في الضمائر، و به يتيسّر للإنسان أن يستحضر كلّ ما ضرب مرور الزمان أو بعد المكان دونه حجاباً.

و قد امتنّ الله سبحانه على الإنسان بهدايته إليهما و تعليمهما له فقال في الكلام( خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) الرحمن: 4 و قال في القلم:( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) العلق: 5.

فإقسامه تعالى بالقلم و ما يسطرون إقسام بالنعمة، و قد أقسم تعالى في كلامه بكثير من خلقه بما أنّه رحمة و نعمة كالسماء و الأرض و الشمس و القمر و الليل و النهار إلى غير ذلك حتّى التين و الزيتون.

و قيل:( ما ) في قوله:( وَ ما يَسْطُرُونَ ) مصدريّة و المراد به الكتابة.

و قيل: المراد بالقلم القلم الأعلى الّذي في الحديث أنّه أوّل ما خلق الله و بما يسطرون ما يسطره الحفظة و الكرام الكاتبون و احتمل أيضاً أن يكون الجمع في( يَسْطُرُونَ ) للتعظيم لا للتكثير و هو كما ترى، و احتمل أن يكون المراد ما يسطرون فيه و هو اللوح المحفوظ و احتمل أن يكون المراد بالقلم و ما يسطرون أصحاب القلم و مسطوراتهم و هي احتمالات واهية.

قوله تعالى: ( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) مقسم عليه و الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الباء في( بِنِعْمَةِ ) للسببية أو المصاحبة أي ما أنت بمجنون بسبب النعمة - أو مع النعمة - الّتي أنعمها عليك ربّك.

و السياق يؤيّد أنّ المراد بهذه النعمة النبوّة فإنّ دليل النبوّة يدفع عن النبيّ كلّ اختلال عقليّ حتّى تستقيم الهداية الإلهيّة اللّازمة في نظام الحياة الإنسانيّة، و الآية تردّ ما رموه به من الجنون كما يحكي عنهم في آخر السورة( وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) .

و قيل: المراد بالنعمة فصاحتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عقله الكامل و سيرته المرضيّة و براءته من كلّ عيب و اتّصافه بكلّ مكرمة فظهور هذه الصفات فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينافي حصول الجنون فيه و ما قدّمناه أقطع حجّة و الآية و ما يتلوها كما ترى تعزية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تطييب

٢٦

لنفسه الشريفة و تأييد له كما أنّ فيها تكذيباً لقولهم.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ) الممنون من المنّ بمعنى القطع يقال: منّه لسير منّاً إذا قطعه و أضعفه لا من المنّة بمعنى تثقيل النعمة قولاً.

و المراد بالأجر أجر الرسالة عندالله سبحانه، و فيه تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنّ له على تحمّل رسالة الله أجراً غير مقطوع و ليس يذهب سدىً.

و ربّما اُخذ المنّ بمعنى ذكر المنعم إنعامه على المنعم عليه بحيث يثقل عليه و يكدّر عيشه بتقريب أنّ ما يعطيه الله أجر في مقابل عمله فهو يستحقّه عليه تعالى فلا منّه عليه و هو غير سديد فإنّ كلّ عامل مملوك لله سبحانه بحقيقة معنى الملك بذاته و صفاته و أعماله فما يعطيّه العبد من ذلك فهو موهبة و عطيّة و ما يملكه العبد من ذلك فإنّما يملكه بتمليك الله و هو المالك لما ملّكه من قبل و من بعد فهو تفضّل منه تعالى و لئن سمّى ما يعطيه بإزاء العمل أجراً و سمّى ما بينه و بين عبده من مبادلة العمل و الأجر معاملة فذلك تفضّل آخر فللّه سبحانه المنّة على جميع خلقه و الرسول و من دونه فيه سواء.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) الخلق هو الملكة النفسانيّة الّتي تصدر عنها الأفعال بسهولة و ينقسم إلى الفضيلة و هي الممدوحة كالعفّة و الشجاعة، و الرذيلة و هي المذمومة كالشره و الجبن لكنه إذا اُطلق فهم منه الخلق الحسن.

قال الراغب: و الخلق - بفتح الخاء - و الخلق - بضمّ الخاء - في الأصل واحد كالشَرب و الشُرب و الصرم و الصُرم لكن خصّ الخلق - بالفتح - بالهيئات و الأشكال و الصور المدركة بالبصر، و خصّ الخلق - بالضمّ - بالقوى و السجايا المدركة بالبصيرة قال تعالى:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) انتهى.

و الآية و إن كانت في نفسها تمدح حسن خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تعظّمه غير أنّها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعيّة المتعلّقة بالمعاشرة كالثبات على الحقّ و الصبر على أذى الناس و جفاء أجلافهم و العفو و الإغماض و سعة البذل و الرفق و المداراة و التواضع و غير ذلك، و قد أوردنا في آخر الجزء السادس من الكتاب

٢٧

ما روي في جوامع أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و ممّا تقدّم يظهر أنّ ما قيل: إنّ المراد بالخلق الدين و هو الإسلام غير مستقيم إلّا بالرجوع إلى ما تقدّم.

قوله تعالى: ( فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) تقريع على محصّل ما تقدّم أي فإذا لم تكن مجنوناً بل متلبّساً بالنبوّة و متخلّقاً بالخلق و لك عظيم الأجر من ربّك فسيظهر أمر دعوتك و ينكشف على الأبصار و البصائر من المفتون بالجنون؟ أنت أو المكذّبون الرامون لك بالجنون.

و قيل: المراد ظهور عاقبة أمر الدعوة له و لهم في الدنيا أو في الآخرة؟ الآية تقبل الحمل على كلّ منها. و لكلّ قائل، و لا مانع من الجمع فإنّ الله تعالى أظهر نبيّه عليهم و دينه على دينهم، و رفع ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و محا أثرهم في الدنيا و سيذوقون وبال أمرهم غداً و يعلمون(1) أنّ الله هو الحقّ المبين يوم هم(2) على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الّذي كنتم به تستعجلون.

و قوله:( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) الباء زائدة للصلة، و المفتون اسم مفعول من الفتنة بمعنى الابتلاء يريد به المبتلى بالجنون و فقدان العقل، و المعنى: فستبصر و يبصرون أيّكم المفتون المبتلى بالجنون؟ أنت أم هم.؟

و قيل: المفتون مصدر على زنة مفعول كمعقول و ميسور و معسور في قولهم: ليس له معقول، و خذ ميسوره، و دع معسوره، و الباء في( بِأَيِّكُمُ ) بمعنى في و المعنى: فستبصر و يبصرون في أي الفريقين الفتنة.

قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) لمّا اُفيد بما تقدّم من القول أنّ هناك ضلالاً و اهتداء، و اُشير إلى أنّ الرامين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون هم المفتونون الضالّون و سيظهر أمرهم و أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(1) النور: 35.

(2) الذاريات: 14

٢٨

مهتد و كان ذلك ببيان من الله سبحانه أكّد ذلك بأنّ الله أعلم بمن ضلّ عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين لأنّ السبيل سبيله و هو أعلم بمن هو في سبيله و من ليس فيه و إليه أمر الهداية.

قوله تعالى: ( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ) تفريع على المحصّل من معنى الآيات السابقة و في المكذّبين معنى العهد و المراد بالطاعة مطلق الموافقة عملاً أو قولاً، و المعنى: فإذا كان هؤلاء المكذّبون لك مفتونين ضالّين فلا تطعهم.

قوله تعالى: ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) الإدهان من الدهن يراد به التليين أي ودّ و أحبّ هؤلاء المكذّبون أن تليّنهم بالاقتراب منهم في دينك فيليّنوك بالاقتراب منك في دينهم، و محصّله أنّهم ودّوا أن تصالحهم و يصالحوك على أن يتسامح كلّ منكم بعض المسامحة في دين الآخر كما قيل: إنّهم عرضوا عليه أن يكفّ عن ذكر آلهتهم فيكفّوا عنه و عن ربّه.

و بما تقدّم ظهر أنّ متعلّق مودّتهم مجموع( لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) و أنّ الفاء في( فَيُدْهِنُونَ ) للتفريع لا للسببيّة.

قوله تعالى: ( وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ - إلى قوله -زَنِيمٍ ) الحلّاف كثير الحلف، و لازم كثرة الحلف و الإقسام في كلّ يسير و خطير و حقّ و باطل أن لا يحترم الحالف شيئاً ممّا يقسم به، و إذا كان حلفه بالله فهو لا يستشعر عظمة الله عزّ اسمه و كفى به رذيلة.

و المهين من المهانة بمعنى الحقارة و المراد به حقارة الرأي، و قيل: هو المكثار في الشرّ، و قيل: هو الكذّاب.

و الهمّاز مبالغة من الهمز و المراد به العيّاب و الطعّان، و قيل: الطعّان بالعين و الإشارة و قيل: كثير الاغتياب.

و المشّاء بنميم النميم: السعاية و الإفساد، و المشّاء به هو نقّال الحديث من قوم إلى قوم على وجه الإفساد بينهم.

و المنّاع للخير كثير المنع لفعل الخير أو للخير الّذي ينال أهله.

٢٩

و المعتدي من الاعتداء و هو المجاوزة للحدّ ظلماً.

و الأثيم هو الّذي كثر إثمه حتّى استقرّ فيه من غير زوال و الإثم هو العمل السيّئ الّذي يبطئ الخير.

و العتلّ بضمّتين هو الفظّ الغليظ الطبع، و فسّر بالفاحش السيّئ الخلق، و بالجافي الشديد الخصومة بالباطل، و بالأكول المنوع للغير، و بالّذي يعتلّ الناس و يجرّهم إلى حبس أو عذاب.

و الزنيم هو الّذي لا أصل له، و قيل: هو الدعيّ الملحق بقوم و ليس منهم، و قيل: هو المعروف باللؤم، و قيل: هو الّذي له علامة في الشرّ يعرف بها و إذا ذكر الشرّ سبق هو إلى الذهن، و المعاني متقاربة.

فهذه صفات تسع رذيلة وصف الله بها بعض أعداء الدين ممّن كان يدعو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الطاعة و المداهنة، و هي جماع الرذائل.

و قوله:( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) معناه أنّه بعد ما ذكر من مثالبه و رذائله عتلّ زنيم قيل: و فيه دلالة على أنّ هاتين الرذيلتين أشدّ معايبه.

و الظاهر أنّ فيه إشارة إلى أنّ له خبائث من الصفات لا ينبغي معها أن يطاع في أمر الحقّ و لو اُغمض عن تلك الصفات فإنّه فظّ خشن الطبع لا أصل له لا ينبغي أن يعبأ بمثله في مجتمع بشريّ فليطرد و لا يطع في قول و لا يتّبع في فعل.

قوله تعالى: ( أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ ) الظاهر أنّه بتقدير لام التعليل و هو متعلّق بفعل محصّل من مجموع الصفات الرذيلة المذكورة أي هو يفعل كذا و كذا لأن كان ذا مال و بنين فبطر بذلك و كفر بنعمة الله و تلبّس بكلّ رذيلة خبيثة بدل أن يشكر الله على نعمته و يصلح نفسه، فالآية في إفادة الذمّ و التهكّم تجري مجرى قوله:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) .

و قيل: إنّه متعلّق بقوله السابق( لا تُطِعْ ) ، و المعنى: لا تطعه لكونه ذا مال و بنين أي لا يحملك كونه ذا مال و بنين على طاعته، و المعنى المتقدّم أقرب و أوسع.

قيل: و لا يجوز تعلّقه بقوله:( قالَ ) في الشرطيّة التالية لأنّ ما بعد الشرط

٣٠

لا يعمل فيما قبله عند النحاة.

قوله تعالى: ( إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) الأساطير جمع اُسطورة و هي القصّة الخرافيّة، و الآية تجري مجرى التعليل لقوله السابق:( لا تُطِعْ ) .

قوله تعالى: ( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) الوسم و السمة وضع العلامة، و الخرطوم الأنف، و قيل: إنّ في إطلاق الخرطوم على أنفه و إنّما يطلق في الفيل و الخنزير تهكّماً، و في الآية وعيد على عداوته الشديدة لله و رسوله و ما نزّله على رسوله.

و الظاهر أنّ الوسم على الأنف اُريد به نهاية إذلاله بذلّة ظاهرة يعرفه بها كلّ من رآه فإنّ الأنف ممّا يظهر فيه العزّة و الذلّة كما يقال: شمخ فلان بأنفه و حمي فلان أنفه و أرغمت أنفه و جدع أنفه.

و الظاهر أنّ الوسم على الخرطوم ممّا سيقع يوم القيامة لا في الدنيا و إن تكلّف بعضهم في توجيه حمله على فضاحته في الدنيا.

قوله تعالى: ( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ - إلى قوله -كَالصَّرِيمِ ) البلاء الاختبار و إصابة المصيبة، و الصرم قطع الثمار من الأشجار، و الاستثناء عزل البعض من حكم الكلّ و أيضاً الاستثناء قول إن شاء الله عند القطع بقول و ذلك أنّ الأصل فيه الاستثناء فالأصل في قولك: أخرج غداً إن شاء الله هو أخرج غداً إلّا أن يشاء الله أن لا أخرج، و الطائف العذاب الّذي يأتي بالليل، و الصريم الشجر المقطوع ثمره، و قيل: الليل الأسود، و قيل: الرمل المقطوع من سائر الرمل و هو لا ينبت شيئاً و لا يفيد فائدة.

الآيات أعني قوله:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) إلى تمام سبع عشرة آية وعيد لمكذّبي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرامين له بالجنون، و في التشبيه و التنظير دلالة على أنّ هؤلاء المكذّبين معذّبون لا محالة و العذاب الواقع عليهم قائم على ساقه، غير أنّهم غافلون و سيعلمون، فهم مولعون اليوم بجمع المال و تكثير البنين

٣١

مستكبرون بها معتمدون عليها و على سائر الأسباب الظاهريّة الّتي توافقهم و تشايع أهواءهم من غير أن يشكروا ربّهم على هذه النعم و يسلكوا سبيل الحقّ و يعبدوا ربّهم حتّى يأتيهم الأجل و يفاجئهم عذاب الآخرة أو عذاب دنيويّ من عنده كما فاجأهم يوم بدر فيروا انقطاع الأسباب عنهم و أنّ المال و البنين سدىً لا ينفعهم شيئاً كما شاهد نظير ذلك أصحاب الجنّة من جنّتهم و سيندمون على صنيعهم و يرغبون إلى ربّهم و لا يرد ذلك عذاب الله كما ندم أصحاب الجنّة و تلاوموا و رغبوا إلى ربّهم فلم ينفعهم ذلك شيئاً كذلك العذاب و لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، هذا على تقدير اتّصال الآيات بما قبلها و نزولها معها.

و أمّا على ما رووا أنّ الآيات نزلت في القحط و السنة الّذي أصاب أهل مكّة و قريشاً إثر دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بقوله: اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فالمراد بالبلاء إصابتهم بالقحط و تناظر قصّتهم قصّة أصحاب الجنّة غير أنّ في انطباق ما في آخر قصّتهم من قوله:( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ) إلخ، على قصّة أهل مكّة خفاء.

و كيف كان فالمعنى:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ ) أصبناهم بالبليّة( كَما بَلَوْنا ) و أصبنا بالبليّة( أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) و كانوا قوماً من اليمن و جنّتهم فيها و سيأتي إن شاء الله قصّتهم في البحث الروائيّ الآتي( إِذْ ) ظرف لبلونا( أَقْسَمُوا ) و حلفوا( لَيَصْرِمُنَّها ) أي ليقطعنّ و يقطفنّ ثمار جنّتهم( مُصْبِحِينَ ) داخلين في الصباح و كأنّهم ائتمروا و تشاوروا ليلاً فعزموا على الصرم صبيحة ليلتهم( وَ لا يَسْتَثْنُونَ ) لم يقولوا إلّا أن يشاء الله اعتماداً على أنفسهم و اتّكاء على ظاهر الأسباب. أو المعنى: قالوا و هم لا يعزلون نصيباً من ثمارهم للفقراء و المساكين.

( فَطافَ عَلَيْها ) على الجنّة( طائِفٌ ) أي بلاء يطوف عليها و يحيط بها ليلاً( مِنْ ) ناحية( رَبِّكَ، فَأَصْبَحَتْ ) و صارت الجنّة( كَالصَّرِيمِ ) و هو الشجر المقطوع ثمره أو المعنى: فصارت الجنّة كالليل الأسود لمّا اسودّت بإحراق النار الّتي أرسلها الله إليها أو المعنى: فصارت الجنّة كالقطعة من الرمل لا نبات بها و لا فائدة.

٣٢

قوله تعالى: ( فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ - إلى قوله -قادِرِينَ ) التنادي نداء بعض القوم بعضاً، و الإصباح الدخول في الصباح، و صارمين من الصرم بمعنى قطع الثمار من الشجرة، و المراد به في الآية القاصدون لقطع الثمار، و الحرث الزرع و الشجر، و الخفت الإخفاء و الكتمان، و الحرد المنع و قادرين من القدر بمعنى التقدير.

و المعنى:( فَتَنادَوْا ) أي فنادى بعض القوم بعضاً( مُصْبِحِينَ ) أي و الحال أنّهم داخلون في الصباح( أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ ) تفسير للتنادي أي بكّروا مقبلين على جنّتكم - فاغدوا أمر بمعنى بكّروا مضمّن معنى أقبلوا و لذا عدّي بعلى و لو كان غير مضمّن عدّي بإلى كما في الكشّاف -( إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ ) أي قاصدين عازمين على الصرم و القطع.

( فانطلقوا ) و ذهبوا إلى جنّتهم( وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ ) أي و الحال أنّهم يأتمرون فيما بينهم بطريق المخافتة و المكاتمة( أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا ) أي الجنّة( الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ) أي أخفوا ورودكم الجنّة للصرم من المساكين حتّى لا يدخلوا عليكم فيحملكم ذلك على عزل نصيب من الثمر المصروم لهم( وَ غَدَوْا ) و بكّروا إلى الجنّة( عَلى‏ حَرْدٍ ) أي على منع للمساكين( قادِرِينَ ) مقدّرين في أنفسهم أنّهم سيصرمونها و لا يساهمون المساكين بشي‏ء منها.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) أي فلمّا رأوا الجنّة و شاهدوها و قد أصبحت كالصريم بطواف طائف من عندالله قالوا: إنّا لضالّون عن الصواب في غدوّنا إليها بقصد الصرم و منع المساكين.

و قيل: المراد إنّا لضالّون طريق جنّتنا و ما هي بها.

و قوله:( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) إضراب عن سابقه أي ليس مجرّد الضلال عن الصواب بل حرمنا الزرع.

قوله تعالى: ( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ - إلى قوله -راغِبُونَ ) أي( قالَ أَوْسَطُهُمْ ) أي أعدلهم طريقاً و ذلك أنّه ذكّرهم بالحقّ و إن تبعهم في العمل

٣٣

و قيل: المراد أوسطهم سنّا و ليس بشي‏ء( أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ ) و قد كان قال لهم ذلك و إنّما لم يذكر قبل في القصّة إيجازاً بالتعويل على ذكره ههنا.

( لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) المراد بتسبيحهم له تعالى تنزيههم له من الشركاء حيث اعتمدوا على أنفسهم و على سائر الأسباب الظاهريّة فأقسموا ليصرمنّها مصبحين و لم يستثنوا لله مشيّة فعزلوه تعالى عن السببيّة و التأثير و نسبوا التأثير إلى أنفسهم و سائر الأسباب الظاهريّة، و هو إثبات للشريك، و لو قالوا: لنصرمنّها مصبحين إلّا أن يشاء الله كان معنى ذلك نفي الشركاء و أنّهم إن لم يصرموا كان لمشيّة من الله و إن صرموا كان ذلك بإذن من الله فللّه الأمر وحده لا شريك له.

و قيل: المراد بتسبيحهم لله ذكر الله تعالى و توبتهم إليه حيث نووا أن يصرموها و يحرموا المساكين منها، و له وجه على تقدير أن يراد بالاستثناء عزل نصيب من الثمار للمساكين.

قوله تعالى: ( قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) تسبيح منهم لله سبحانه إثر توبيخ أوسطهم لهم، أي ننزّه الله تنزيهاً من الشركاء الّذين أثبتناهم فيما حلفنا عليه فهو ربّنا الّذي يدبّر بمشيّته اُمورنا لأنّا كنّا ظالمين في إثباتنا الشركاء فهو تسبيح و اعتراف بظلمهم على أنفسهم في إثبات الشركاء.

و على القول الآخر توبة و اعتراف بظلمهم على أنفسهم و على المساكين.

قوله تعالى: ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ) أي يلوم بعضهم بعضاً على ما ارتكبوه من الظلم.

قوله تعالى: ( قالُوا يا وَيْلَنا - إلى قوله -راغِبُونَ ) الطغيان تجاوز الحدّ و ضمير( مِنْها ) للجنّة باعتبار ثمارها و المعنى: قالوا يا ويلنا إنّا كنّا متجاوزين حدّ العبوديّة إذ أثبتنا شركاء لربّنا و لم نوحّده، و نرجو من ربّنا أن يبدلنا خيراً من هذه الجنّة الّتي طاف عليها طائف منه لأنّا راغبون إليه معرضون عن غيره.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ الْعَذابُ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) العذاب مبتدأ مؤخّر، و كذلك خبر مقدّم أي إنّما يكون العذاب على ما وصفناه في قصّة

٣٤

أصحاب الجنّة و هو أنّ الإنسان يمتحن بالمال و البنين فيطغى مغترّاً بذلك فيستغني بنفسه و ينسى ربّه و يشرك بالأسباب الظاهريّة و بنفسه و يجترئ على المعصية و هو غافل عمّا يحيط به من وبال عمله و يهيّؤ له من العذاب كذلك حتّى إذا فاجأه العذاب و برز له بأهول وجوهه و أمرّها انتبه من نومة الغفلة و تذكّر ما جاءه من النصح قبلاً و ندم على ما فرّط بالطغيان و الظلم و سأل الله أن يعيد عليه النعمة فيشكر كما انتهى إليه أمر أصحاب الجنّة، ففي ذلك إعطاء الضابط بالمثال.

و قوله:( وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) لأنّه ناش عن قهر إلهي لا يقوم له شي‏ء لا رجاء للتخلّص منه و لو بالموت و الفناء كما في شدائد الدنيا، محيط بالإنسان من جميع أقطار وجوده لا كعذاب الدنيا دائم لا انتهاء لأمده كما في الابتلاءات الدنيويّة.

( بحث روائي)

في المعاني، بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوريّ عن الصادقعليه‌السلام في تفسير الحروف المقطّعة في القرآن قال: و أمّا ن فهو نهر في الجنّة قال الله عزّوجلّ: اجمد فجمد فصار مداداً ثمّ قال للقلم: اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة فالمداد مداد من نور و القلم قلم من نور و اللوح لوح من نور.

قال سفيان: فقلت له: يا بن رسول الله بيّن أمر اللوح و القلم و المداد فضل بيان و علّمني ممّا علّمك الله فقال: يا ابن سعيد لو لا أنّك أهل للجواب ما أجبتك فنون ملك يؤدّي إلى القلم و هو ملك، و القلم يؤدّي إلى اللّوح و هو ملك، و اللّوح يؤدّي إلى إسرافيل و إسرافيل يؤدّي إلى ميكائيل و ميكائيل يؤدّي إلى جبرائيل و جبرائيل يؤدّي إلى الأنبياء و الرسل. قال: ثمّ قال: قم يا سفيان فلا آمن عليك.

و فيه، بإسناده عن إبراهيم الكرخيّ قال: سألت جعفر بن محمّدعليه‌السلام عن اللّوح و القلم قال: هما ملكان.

٣٥

و فيه، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام :( ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) القلم قلم من نور و كتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقرّبون و كفى بالله شهيداً.

أقول: و في المعاني المتقدّمة روايات اُخرى عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، و قد تقدّم في ذيل قوله تعالى:( هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ) الجاثية: 29، حديث القمّيّ عن عبدالرحيم القصير عن الصادقعليه‌السلام في اللّوح و القلم و فيه: ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ذلك و لا ينطق أبداً و هو الكتاب المكنون الّذي منه النسخ كلّها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن معاوية بن قرّة عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) قال: لوح من نور و قلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة.

أقول: و في معناه روايات اُخر، و قوله: يجري بما هو كائن إلخ، أي منطبق على متن الكائنات من دون أن يتخلّف شي‏ء منها عمّا كتب هناك و نظيره ما في رواية أبي هريرة: ثمّ ختم علي في القلم فلم ينطق و لا ينطق إلى يوم القيامة.

و في المعاني، بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال: هو الإسلام.

و في تفسير القمّيّ، عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال: على دين عظيم.

أقول: يريد اشتمال الدين و الإسلام على كمال الخُلق و استنانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به، و في الرواية المعروفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق.

و في المجمع، بإسناده عن الحاكم بإسناده عن الضحّاك قال: لمّا رأت قريش تقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً و إعظامه له نالوا من علي و قالوا: قد افتتن به محمّد فأنزل الله تعالى:( ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) قسم أقسم الله به( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ (يعني القرآن) - إلى قوله -

٣٦

بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) وهم النفر الّذين قالوا ما قالوا( وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) يعني عليّ بن أبي طالب.

أقول: و رواه في تفسير البرهان، عن محمّد بن العبّاس بإسناده إلى الضحّاك و ساق نحواً ممّا مرّ و في آخره: و سبيله عليّ بن أبي طالب.

و فيه في قوله تعالى:( وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ ) إلخ، قيل: يعني الوليد بن المغيرة عرض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المال ليرجع عن دينه، و قيل: يعني الأخنس بن شريق عن عطاء، و قيل: يعني الأسود بن عبد يغوث: عن مجاهد.

أقول: و في ذلك روايات في الدرّ المنثور و غيره تركنا إيرادها من أرادها فليراجع جوامع الروايات.

و فيه، عن شدّاد بن أوس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يدخل الجنّة جوّاظ و لا جعظريّ و لا عتلّ زنيم. قلت: فما الجوّاظ؟ قال: كلّ جمّاع منّاع. قلت: فما الجعظريّ؟ قال: الفظّ الغليظ. قلت: فما العتلّ الزنيم؟ قال: كلّ رحيب الجوف سيّي‏ء الخلق أكول شروب غشوم ظلوم زنيم.

و فيه، في معنى الزنيم: قيل: هو الّذي لا أصل له.

و فيه، في تفسير القمّيّ في قوله:( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) قال: العتلّ العظيم الكفر الزنيم الدعيّ.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) إنّ أهل مكّة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنّة و هي كانت في الدنيا و كانت باليمن يقال له الرضوان على تسعة أميال من صنعاء.

و فيه، بإسناده إلى ابن عبّاس: أنّه قيل له إنّ قوماً من هذه الاُمّة يزعمون أنّ العبد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عبّاس: فو الله الّذي لا إله إلّا هو هذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة ن و القلم.

إنّه كان شيخ و كان له جنّة و كان لا يدخل إلى بيته ثمرة منها و لا إلى منزله حتّى يعطي كلّ ذي حقّ حقّه فلمّا قبض الشيخ ورثه بنوه و كان له خمس من البنين

٣٧

فحملت جنّتهم في تلك السنة الّتي هلك فيها أبوهم حملاً لم يكن حملته قبل ذلك فراحوا الفتية إلى جنّتهم بعد صلاة العصر فأشرفوا على ثمرة و رزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم.

فلمّا نظروا إلى الفضل طغوا و بغوا و قال بعضهم لبعض: إنّ أبانا كان شيخاً كبيراً قد ذهب عقله و خرف فهلمّوا نتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحداً من فقراء المسلمين في عامنا شيئاً حتّى نستغني و يكثر أموالنا ثمّ نستأنف الصنيعة فيما استقبل من السنين المقبلة فرضي بذلك منهم أربعة و سخط الخامس و هو الّذي قال الله:( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) .

فقال الرجل: يا ابن عبّاس كان أوسطهم في السنّ؟ فقال: لا بل كان أصغرهم سنّاً و أكبرهم عقلاً و أوسط القوم خير القوم، و الدليل عليه في القرآن قوله: إنكم يا اُمّة محمّد أصغر الاُمم و خير الاُمم قوله عزّوجلّ:( وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) .

قال لهم أوسطهم: اتّقوا و كونوا على منهاج أبيكم تسلموا و تغنموا فبطشوا به و ضربوه ضرباً مبرحاً فلمّا أيقن الأخ منهم أنّهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارهاً لأمرهم غير طائع.

فراحوا إلى منازلهم ثمّ حلفوا بالله ليصرمنّ إذا أصبحوا و لم يقولوا إن شاء الله فابتلاهم الله بذلك الذنب و حال بينهم و بين ذلك الرزق الّذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب فقال:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) قال: كالمحترق.

فقال الرجل: يا ابن عبّاس ما الصريم؟ قال: الليل المظلم، ثمّ قال: لا ضوء له و لا نور.

فلمّا أصبح القوم( فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ ) قال:( فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ ) قال الرجل: و ما التخافت يا ابن عبّاس؟ قال: يتشاورون

٣٨

فيشاور بعضهم بعضاً لكيلاً يسمع أحد غيرهم فقالوا:( لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَ غَدَوْا عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ ) في أنفسهم أن يصرموها و لا يعلمون ما قد حلّ بهم من سطوات الله و نقمته.

( فَلَمَّا رَأَوْها ) و ما قد حلّ بهم( قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم و لم يظلمهم شيئاً.

( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ) قال: يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه( قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى‏ رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ ) فقال الله:( كَذلِكَ الْعَذابُ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) .

أقول: و قد ورد ما يقرب من مضمون هذا الحديث و الّذي قبله في روايات اُخر و في بعض الروايات أنّ الجنّة كانت لرجل من بني إسرائيل ثمّ مات و ورثه بنوه فكان من أمرهم ما كان.

٣٩

( سورة القلم الآيات 34 - 52)

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 34 ) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( 35 ) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 36 ) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( 37 ) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ( 38 ) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ( 39 ) سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ( 40 ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ( 41 ) يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ( 42 ) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ( 43 ) فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ( 44 ) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ( 45 ) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ( 46 ) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( 47 ) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ( 48 ) لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ( 49 ) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 50 ) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ( 51 ) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ( 52 )

٤٠