الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 199973
تحميل: 4972


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199973 / تحميل: 4972
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خلقه من الملائكة و الجنّ و الإنس فدفعه الله بقوله:( رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) الناصّ على أنّ الربوبيّة و الخلق له وحده.

و قوله:( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ) المراد جنس الإنسان المتناسل و العلق الدم المنجمد و المراد به ما يستحيل إليه النطفة في الرحم.

ففي الآية إشارة إلى التدبير الإلهيّ الوارد على الإنسان من حين كان علقة إلى حين يصير إنساناً تامّاً كاملاً له من أعاجيب الصفات و الأفعال ما تتحيّر فيه العقول فلم يتمّ الإنسان إنساناً و لم يكمل إلّا بتدبير متعاقب منه تعالى و هو بعينه خلق بعد خلق فهو تعالى ربّ مدبّر لأمر الإنسان بعين أنّه خالق له فليس للإنسان إلّا أن يتّخذه وحده ربّاً ففي الكلام احتجاج على توحيد الربوبيّة.

قوله تعالى: ( اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) أمر بالقراءة ثانياً تأكيداً للأمر الأوّل على ما هو ظاهر سياق الإطلاق.

و قيل: المراد به الأمر بالقراءة على الناس و هو التبليغ بخلاف الأمر الأوّل فالمراد به الأمر بالقراءة لنفسه، كما قيل: إنّ المراد بالأمرين جميعاً الأمر بالقراءة على الناس، و الوجهان غير ظاهرين.

و قوله:( وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) أي الّذي يفوق عطاؤه عطاء ما سواه فهو تعالى يعطي لا عن استحقاق و ما من نعمة إلّا و ينتهي إيتاؤها إليه تعالى.

و قوله:( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) الباء للسببيّة أي علّم القراءة أو الكتابة و القراءة بواسطة القلم و الجملة حاليّة أو استئنافيّة، و الكلام مسوق لتقوية نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إزالة القلق و الاضطراب عنها حيث اُمر بالقراءة و هو اُمّيّ لا يكتب و لا يقرأ كأنّه قيل: اقرأ كتاب ربّك الّذي يوحيه إليك و لا تخف و الحال أنّ ربّك الأكرم الّذي علم الإنسان القراءة بواسطة القلم الّذي يخطّ به فهو قادر على أن يعلّمك قراءة كتابه و أنت اُمّيّ و قد أمرك بالقراءة و لو لم يقدرك عليها لم يأمرك بها.

ثمّ عمّم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للإنسان ما لم يعلم فقال:( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) و فيه مزيد تقوية لقلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تطييب لنفسه.

٤٦١

و المراد بالإنسان الجنس كما هو ظاهر السياق و قيل: المراد به آدمعليه‌السلام ، و قيل: إدريسعليه‌السلام لأنّه أوّل من خطّ بالقلم، و قيل: كلّ نبيّ كان يكتب و هي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ردع عمّا يستفاد من الآيات السابقة أنّه تعالى أنعم على الإنسان بعظائم نعم مثل التعليم بالقلم و سائر ما علم و التعليم من طريق الوحي فعلى الإنسان أن يشكره على ذلك لكنّه يكفر بنعمته تعالى و يطغى.

و قوله:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ ) أن يتعدّى طوره، و هو إخبار بما في طبع الإنسان ذلك كقوله:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم: 34.

و قوله:( أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏ ) من الرأي دون الرؤية البصريّة، و فاعل( رَآهُ ) و مفعوله الإنسان. و جملة( أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏ ) في مقام التعليل أي ليطغى لأنّه يعتقد نفسه مستغنياً عن ربّه المنعم عليه فيكفر به، و ذلك أنّه يشتغل بنفسه و الأسباب الظاهريّة الّتي يتوصّل بها إلى مقاصده فيغفل عن ربّه من غير أن يرى حاجة منه إليه تبعثه إلى ذكره و شكره على نعمه فينساه و يطغى.

قوله تعالى: ( إِنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الرُّجْعى‏ ) الرجعى هو الرجوع و الظاهر من سياق الوعيد الآتي أنّه وعيد و تهديد بالموت و البعث، و الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قيل: الخطاب للإنسان بطريق الالتفات للتشديد، و الأوّل أظهر.

قوله تعالى: ( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى‏ عَبْداً إِذا صَلَّى أَ رَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى‏ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى‏ أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) بمنزلة ذكر بعض المصاديق للإنسان الطاغي و هو كالتوطئة لوعيده بتصريح العقاب و النهي عن طاعته و الأمر بعبادته تعالى، و المراد بالعبد الّذي كان يصلّي هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يستفاد من آخر الآيات حيث ينهاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طاعة ذلك الناهي و يأمره بالسجود و الاقتراب.

و سياق الآيات - على تقدير كون السورة أوّل ما نزل من القرآن و نزولها دفعة واحدة - يدلّ على صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل نزول القرآن و فيه دلالة على نبوّته

٤٦٢

قبل رسالته بالقرآن.

و أمّا ما ذكره بعضهم أنّه لم يكن الصلاة مفروضة في أوّل البعثة و إنّما شرّعت ليلة المعراج على ما في الأخبار و هو قوله تعالى:( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) إسراء: 78.

ففيه أنّ المسلّم من دلالتها أنّ الصلوات الخمس اليوميّة إنّما فرضت بهيئتها الخاصّة ركعتين ركعتين ليلة المعراج و لا دلالة فيها على عدم تشريعها قبل و قد ورد في كثير من السور المكّيّة و منها النازلة قبل سورة الإسراء كالمدّثّر و المزّمّل و غيرهما ذكر الصلاة بتعبيرات مختلفة و إن لم يظهر فيها من كيفيّتها إلّا أنّها كانت مشتملة على تلاوة شي‏ء من القرآن و السجود.

و قد ورد في بعض الروايات صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع خديجة و عليّ في أوائل البعثة و إن لم يذكر كيفيّة صلاتهم.

و بالجملة قوله:( أَ رَأَيْتَ) بمعنى أخبرني، و الاستفهام للتعجيب، و المفعول الأوّل لقوله:( أَ رَأَيْتَ ) الأوّل قوله:( الَّذِي يَنْهى‏ ) و لأرأيت الثالث ضمير عائد إلى الموصول، و لأرأيت الثاني ضمير عائد إلى قوله:( عَبْداً ) و المفعول الثاني لأرأيت في المواضع الثلاث قوله:( أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) .

و محصّل معنى الآيات أخبرني عن الّذي ينهى عبداً إذا صلّى و عبدالله الناهي يعلم أنّ الله يرى ما يفعله كيف يكون حاله. أخبرني عن هذا الناهي إن كان ذاك العبد المصلّي على الهدى أو أمر بالتقوى كيف يكون حال هذا الناهي و هو يعلم أنّ الله يرى. أخبرني عن هذا الناهي أن تلبّس بالتكذيب للحقّ و التولّي عن الإيمان به و نهي العبد المصلّي عن الصلاة و هو يعلم أنّ الله يرى؟ هل يستحقّ إلّا العذاب؟

و قيل: المفعول الأوّل لأرأيت في جميع المواضع الثلاث هو الموصول أو الضمير العائد إليه تحرّزاً عن التفكيك بين الضمائر.

و الأولى على هذا أن يجعل معنى قوله:( أَ رَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى‏ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى‏ ) أخبرني عن هذا الناهي إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى و هو يعلم أنّ

٤٦٣

الله يرى ما ذا كان يجب عليه أن يفعله و يأمر به؟ و كيف يكون حاله و قد نهى عن عبادة الله سبحانه؟

و هو مع ذلك معنى بعيد و لا بأس بالتفكيك بين الضمائر مع مساعدة السياق و إعانة القرائن.

و قوله:( أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى‏ ) المراد به العلم على طريق الاستلزام فإنّ لازم الاعتقاد بأنّ الله خالق كلّ شي‏ء هو الاعتقاد بأنّ له علماً بكلّ شي‏ء و إن غفل عنه و قد كان الناهي وثنيّاً مشركاً و الوثنيّة معترفون بأنّ الله هو خالق كلّ شي‏ء و ينزّهونه عن صفات النقص فيرون أنّه تعالى لا يجهل شيئاً و لا يعجز عن شي‏ء و هكذا.

قوله تعالى: ( كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ) قال في المجمع: و السفع الجذب الشديد يقال: سفعت بالشي‏ء إذا قبضت عليه و جذبته جذباً شديداً. انتهى، و في توصيف الناصية بالكذب و الخطإ و هما وصفا صاحب الناصية مجاز.

و في الكلام ردع و تهديد شديد، و المعنى ليس الأمر كما يقول و يريد أو ليس له ذلك. اُقسم لئن لم يكفّ عن نهيه و لم ينصرف لنأخذنّ بناصيته أخذ الذليل المهان و نجذبنّه إلى العذاب تلك الناصية الّتي صاحبها كاذب فيما يقول خاطئ فيما يفعل، و قيل: المعنى لنسمنّ ناصيته بالنار و نسوّدنّها.

قوله تعالى: ( فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ ) النادي المجلس و كأنّ المراد به أهل المجلس أي الجمع الّذين يجتمع بهم، و قيل: الجليس، و الزبانية الملائكة الموكّلون بالنار، و قيل: الزبانية في كلامهم الشرط، و الأمر تعجيزيّ اُشير به إلى شدّة الأخذ و المعنى فليدع هذا الناهي جمعه لينجّوه منّا سندع الزبانية الغلاظ الشداد الّذين لا ينفع معهم نصر ناصر.

قوله تعالى: ( كَلَّا لا تُطِعْهُ وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ ) تكرار الردع للتأكيد، و قوله:( لا تُطِعْهُ ) أي لا تطعه في النهي عن الصلاة و هي القرينة على أنّ المراد بالسجود الصلاة، و لعلّ الصلاة الّتي كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي بها يومئذ كانت تسبيحه تعالى و السجود له

٤٦٤

و قيل: المراد به السجود لقراءة هذه السورة الّتي هي إحدى العزائم الأربع في القرآن.

و الاقتراب التقرّب إلى الله، و قيل: الاقتراب من ثواب الله تعالى.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج عبد الرزّاق و أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و ابن جرير و ابن الأنباريّ في المصاحف و ابن مردويه و البيهقيّ من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنّها قالت: أوّل ما بدئ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح.

ثمّ حبّب إليه الخلاء و كان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه و هو التعبّد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله و يتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتّى جاءه الحقّ و هو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: قلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطّني الثانية حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني الثالثة حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني فقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) الآية.

فرجع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زمّلوني زمّلوني فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع فقال لخديجة و أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة: كلّا ما يخزيك الله أبداً إنّك لتصل الرحم و تحمل الكلّ و تكسب(1) المعدوم و تقري الضيف و تعين على نوائب الحق(2) .

____________________

(1) تكسي ط.

(2) الخلق ط.

٤٦٥

فانطلقت به خديجة حتّى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة و كان امرأ قد تنصّر في الجاهليّة، و كان يكتب الكتاب العبرانيّ فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، و كان شيخاً كبيراً قد عمي فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة: يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي أنزل الله على موسى! يا ليتني أكون فيها جذعاً يا ليتني أكون فيها حيّاً إذ يخرجك قومك فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ و مخرجيّ هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، و إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ثمّ لم ينشب ورقة أن توفي و فتر الوحي.

قال ابن شهاب: و أخبرني أبوسلمة بن عبد الرحمن أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري قال و هو يحدّث عن فترة الوحي فقال في حديثه: بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السماء و الأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زمّلوني زمّلوني فأنزل الله:( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) فحمي الوحي و تتابع.

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير و أبو نعيم في الدلائل عن عبدالله بن شدّاد قال: أتى جبريل محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمّد اقرأ. قال: و ما أقرأ فضمّه ثمّ قال: يا محمّد اقرأ. قال: و ما أقرأ. قال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) . حتّى بلغ( ما لَمْ يَعْلَمْ ) .

فجاء إلى خديجة فقال: يا خديجة ما أراه إلّا قد عرض لي قالت: كلّا و الله ما كان ربّك يفعل ذلك بك و ما أتيت فاحشة قطّ فأتت خديجة ورقة فأخبرته الخبر قال: لئن كنت صادقة إنّ زوجك لنبيّ و ليلقينّ من اُمّته شدّة و لئن أدركته لاُؤمننّ به.

قال: ثمّ أبطأ عليه جبريل فقالت خديجة: ما أرى ربّك إلّا قد قلاك فأنزل الله( وَ الضُّحى‏ وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى) .

٤٦٦

أقول: و في رواية: أنّ الّذي ألقاه جبريل سورة الحمد.

و القصّة لا تخلو من شي‏ء و أهون ما فيها من الإشكال شكّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كون ما شاهده وحياً إلهيّاً من ملك سماويّ ألقى إليه كلام الله و تردّده بل ظنّه أنّه من مسّ الشياطين بالجنون، و أشكل منه سكون نفسه في كونه نبوّة إلى قول رجل نصرانيّ مترهّب و قد قال تعالى:( قُلْ إِنِّي عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ) الأنعام: 57 و أي حجّة بيّنة في قول ورقة؟ و قال تعالى:( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي ) فهل بصيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي سكون نفسه إلى قول ورقة؟ و بصيرة من اتّبعه سكون أنفسهم إلى سكون نفسه إلى ما لا حجّة فيه قاطعة؟ و قال تعالى:( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) النساء: 163 فهل كان اعتمادهم في نبوّتهم على مثل ما تقصّه هذه القصّة؟

و الحقّ أنّ وحي النبوّة و الرسالة يلازم اليقين من النبيّ و الرسول بكونه من الله تعالى على ما ورد عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و في المجمع: في قوله:( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى‏ ) الآية إنّ أبا جهل قال: هل يعفر محمّد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فبالّذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ رقبته فقيل له: ها هو ذلك يصلّي فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلّا و هو ينكص على عقبيه و يتّقي بيديه فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: إنّ بيني و بينه خندقاً من نار و هؤلاء أجنحة، و قال نبيّ الله: و الّذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضواً عضواً فأنزل الله( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى‏ ) إلى آخر السورة. رواه مسلم في الصحيح.

و في تفسير القمّيّ: في الآية: كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة و أن يطاع الله و رسوله فقال الله:( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى‏ عَبْداً إِذا صَلَّى ) .

أقول: مفاده لا يلائم ظهور سياق الآيات في كون المصلّي هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في المجمع، في الحديث عن عبدالله بن مسعود أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجداً.

٤٦٧

و في الكافي، بإسناده إلى الوشّاء قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: أقرب ما يكون العبد من الله و هو ساجد و ذلك قوله:( وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ ) .

و في المجمع، روى عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: العزائم الم التنزيل و حم السجدة و النجم إذا هوى و اقرأ باسم ربّك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون و ليس بمفروض.

٤٦٨

( سورة القدر مكّيّة و هي خمس آيات)

( سورة القدر الآيات 1 - 5)

بِّسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( 1 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ( 2 ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ( 3 ) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ( 4 ) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ( 5 )

( بيان‏)

تذكر السورة إنزال القرآن في ليلة القدر و تعظّم الليلة بتفضيلها على ألف شهر و تنزّل الملائكة و الروح فيها، و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة و لا يخلو بعض(1) ما روي في سبب نزولها عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و غيرهم من تأييد لكونها مدنيّة.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ضمير( أَنْزَلْناهُ ) للقرآن و ظاهره جملة الكتاب العزيز لا بعض آياته و يؤيّده التعبير بالإنزال الظاهر في اعتبار الدفعة دون التنزيل الظاهر في التدريج.

و في معنى الآية قوله تعالى:( وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) الدخان: 3 و ظاهره الإقسام بجملة الكتاب المبين ثمّ الإخبار عن إنزال ما اُقسم به جملة.

فمدلول الآيات أنّ للقرآن نزولاً جملياً على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير نزوله التدريجيّ الّذي تمّ في مدّة ثلاث و عشرين سنة كما يشير إليه قوله:( وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ

____________________

(1) و هو ما دلّ على أنّ السورة بعد رؤيا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ بني اُميّة يصعدون منبره فاغتم فسلاه الله بها.

٤٦٩

عَلَى النَّاسِ عَلى‏ مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا ) إسراء: 106 و قوله:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا ) الفرقان: 32.

فلا يعبأ بما قيل: إنّ معنى قوله:( أَنْزَلْناهُ ) ابتدأنا بإنزاله و المراد إنزال بعض القرآن.

و ليس في كلامه تعالى ما يبيّن أنّ الليلة أيّة ليلة هي غير ما في قوله تعالى:( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) البقرة: 185 فإنّ الآية بانضمامها إلى آية القدر تدلّ على أنّ الليلة من ليالي شهر رمضان. و أمّا تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الأخبار و سيجي‏ء بعض ما يتعلّق به في البحث الروائيّ التالي إن شاء الله.

و قد سمّاها الله تعالى ليلة القدر، و الظاهر أنّ المراد بالقدر التقدير فهي ليلة التقدير يقدّر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة و موت و رزق و سعادة و شقاء و غير ذلك كما يدلّ عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلة:( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) الدخان: 6 فليس فرق الأمر الحكيم إلّا أحكام الحادثة الواقعة بخصوصياتها بالتقدير.

و يستفاد من ذلك أنّ الليلة متكرّرة بتكرّر السنين ففي شهر رمضان من كلّ سنة قمريّة ليلة تقدّر فيها اُمور السنة من الليلة إلى مثلها من قابل إذ لا معنى لفرض ليلة واحدة بعينها أو ليال معدودة في طول الزمان تقدّر فيها الحوادث الواقعة الّتي قبلها و الّتي بعدها و إن صحّ فرض واحدة من ليالي القدر المتكرّرة ينزل فيها القرآن جملة واحدة.

على أنّ قوله:( يُفْرَقُ ) - و هو فعل مضارع - ظاهر في الاستمرار، و قوله:( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) و( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ ) إلخ يؤيّد ذلك.

فلا وجه لما قيل: إنّها كانت ليلة واحدة بعينها نزل فيها القرآن من غير أن يتكرّر، و كذا ما قيل: إنّها كانت تتكرّر بتكرّر السنين في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رفعها الله، و كذا ما قيل: إنّها واحدة بعينها في جميع السنة و كذا ما قيل: إنّها في

٤٧٠

جميع السنة غير أنّها تتبدّل بتكرّر السنين فسنة في شهر رمضان و سنة في شعبان و سنة في غيرهما.

و قيل: القدر بمعنى المنزلة و إنّما سمّيت ليلة القدر للاهتمام بمنزلتها أو منزلة المتعبّدين فيها، و قيل: القدر بمعنى الضيق و سمّيت ليلة القدر لضيق الأرض فيها بنزول الملائكة. و الوجهان كما ترى.

فمحصّل الآيات - كما ترى - أنّها ليلة بعينها من شهر رمضان من كلّ سنة فيها أحكام الاُمور بحسب التقدير، و لا ينافي ذلك وقوع التغيّر فيها بحسب التحقّق في ظرف السنة فإنّ التغيّر في كيفيّة تحقّق المقدّر أمر و التغيّر في التقدير أمر آخر كما أنّ إمكان التغيّر في الحوادث الكونيّة بحسب المشيّة الإلهيّة لا ينافي تعيّنها في اللوح المحفوظ قال تعالى:( وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) الرعد: 39.

على أنّ لاستحكام الاُمور بحسب تحقّقها مراتب من حيث حضور أسبابها و شرائطها تامّة و ناقصة و من المحتمل أن تقع في ليلة القدر بعض مراتب الإحكام و يتأخّر تمام الإحكام إلى وقت آخر لكنّ الروايات كما ستأتي لا تلائم هذا الوجه.

قوله تعالى: ( وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) كناية عن جلالة قدر الليلة و عظم منزلتها و يؤكّد ذلك إظهار الاسم مرّة بعد مرّة حيث قيل:( ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ ) و لم يقل: و ما أدراك ما هي هي خير.

قوله تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) بيان إجماليّ لما اُشير إليه بقوله:( وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) من فخامة أمر الليلة.

و المراد بكونها خيراً من ألف شهر خيريّتها منها من حيث فضيلة العبادة على ما فسّره المفسّرون و هو المناسب لغرض القرآن و عنايته بتقريب الناس إلى الله فإحياؤها بالعبادة خير من عبادة ألف شهر، و يمكن أن يستفاد ذلك من المباركة المذكورة في سورة الدخان في قوله:( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) و هناك معنى آخر سيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) تنزّل

٤٧١

أصله تتنزّل، و الظاهر من الروح هو الروح الّذي من الأمر قال تعالى:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85 و الإذن في الشي‏ء الرخصة فيه و هو إعلام عدم المانع منه.

و( مِنْ ) في قوله:( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) قيل: بمعنى الباء و قيل: لابتداء الغاية و تفيد السببيّة أي بسبب كلّ أمر إلهي، و قيل: للتعليل بالغاية أي لأجل تدبير كلّ أمر من الاُمور و الحقّ أنّ المراد بالأمر إن كان هو الأمر الإلهيّ المفسّر بقوله( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ) يس: 82 فمن للابتلاء و تفيد السببيّة و المعنى تتنزّل الملائكة و الروح في ليلة القدر بإذن ربّهم مبتدأ تنزّلهم و صادراً من كلّ أمر إلهيّ.

و إن كان هو الأمر من الاُمور الكونيّة و الحوادث الواقعة فمن بمعنى اللّام التعليليّة و المعنى تتنزّل الملائكة و الروح في الليلة بإذن ربّهم لأجل تدبير كلّ أمر من الاُمور الكونيّة.

قوله تعالى: ( سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) قال في المفردات: السلام و السلامة التعرّي من الآفات الظاهرة و الباطنة انتهى فيكون قوله:( سَلامٌ هِيَ ) إشارة إلى العناية الإلهيّة بشمول الرحمة لعباده المقبلين إليه و سدّ باب نقمة جديدة تختصّ بالليلة و يلزمه بالطبع وهن كيد الشياطين كما اُشير إليه في بعض الروايات.

و قيل: المراد به أنّ الملائكة يسلّمون على من مرّوا به من المؤمنين المتعبّدين و مرجعه إلى ما تقدّم.

و الآيتان أعني قوله:( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ ) إلى آخر السورة في معنى التفسير لقوله:( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

٤٧٢

( بحث روائي‏)

في تفسير البرهان، عن الشيخ الطوسيّ عن أبي ذرّ قال: قلت يا رسول الله ليلة القدر شي‏ء يكون على عهد الأنبياء ينزل عليهم فيها الأمر فإذا مضوا رفعت؟ قال: لا بل هي إلى يوم القيامة.

أقول: و في معناه غير واحد من الروايات من طرق أهل السنّة.

و في المجمع، و عن حمّاد بن عثمان عن حسّان بن أبي عليّ قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن ليلة القدر قال: اطلبها في تسع عشرة و إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين.

أقول: و في معناه غيرها، و في بعض الأخبار الترديد بين ليلتين الإحدى و العشرين و الثلاث و العشرين كرواية العيّاشيّ عن عبد الواحد عن الباقرعليه‌السلام و يستفاد من روايات أنّها ليلة ثلاث و عشرين و إنّما لم يعيّن تعظيماً لأمرها أن لا يستهان بها بارتكاب المعاصي.

و فيه، أيضاً في رواية عبدالله بن بكير عن زرارة عن أحدهماعليهما‌السلام قال: ليلة ثلاث و عشرين هي ليلة الجهنيّ، و حديثه أنّه قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إنّ منزلي نائي عن المدينة فمرني بليلة أدخل فيها فأمره بليلة ثلاث و عشرين.

أقول: و حديث الجهنيّ و اسمه عبدالله بن أنيس الأنصاريّ مرويّ من طرق أهل السنّة أيضاً أورده في الدرّ المنثور، عن مالك و البيهقيّ.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : التقدير في تسع عشرة، و الإبرام في ليلة إحدى و عشرين، و الإمضاء في ليلة ثلاث و عشرين.

أقول: و في معناها روايات اُخر.

فقد اتّفقت أخبار أهل البيتعليهم‌السلام أنّها باقية متكرّرة كلّ سنة، و أنّها ليلة من ليالي شهر رمضان و أنّها إحدى الليالي الثلاث.

و أمّا من طرق أهل السنّة فقد اختلفت الروايات اختلافاً عجيباً يكاد لا يضبط

٤٧٣

و المعروف عندهم أنّها ليلة سبع و عشرون فيها نزل القرآن، و من أراد الحصول عليها فليراجع الدرّ المنثور و سائر الجوامع.

و في الدرّ المنثور، أخرج الخطيب عن ابن المسيّب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُريت بني اُميّة يصعدون منبري فشقّ ذلك عليّ فأنزل الله إنّا أنزلناه في ليلة القدر.

أقول: و روي أيضاً مثله عن الخطيب في تاريخه، عن ابن عبّاس‏، و أيضاً ما في معناه عن الترمذيّ و ابن جرير و الطبرانيّ و ابن مردويه و البيهقيّ عن الحسن بن عليّ و هناك روايات كثيرة في هذا المعنى من طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و فيها أنّ الله تعالى سلّى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعطاء ليلة القدر و جعلها خيراً من ألف شهر و هي مدّة ملك بني اُميّة.

و في الكافي، بإسناده عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال له بعض أصحابنا و لا أعلمه إلّا سعيد السمّان: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.

و فيه، بإسناده عن الفضيل و زرارة و محمّد بن مسلم عن حمران أنّه سأل أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) قال: نعم ليلة القدر و هي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر قال الله عزّوجلّ:( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) .

قال: يقدّر في ليلة القدر كلّ شي‏ء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل: خير و شرّ طاعة و معصية و مولود و أجل أو رزق فما قدّر في تلك الليلة و قضي فهو المحتوم و لله عزّوجلّ فيه المشيّة.

قال: قلت:( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) أيّ شي‏ء عنى بذلك؟ فقال: و العمل الصالح فيها من الصلاة و الزكاة و أنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، و لو لا ما يضاعف الله تبارك و تعالى للمؤمنين ما بلغوا و لكنّ الله يضاعف لهم الحسنات.

أقول: و قوله: و لله فيه المشيّة يريد به إطلاق قدرته تعالى فله أن يشاء ما يشاء

٤٧٤

و إن حتم فإنّ إيجابه الأمر لا يقيّد القدرة المطلقة فله أن ينقض القضاء المحتوم و إن كان لا يشاء ذلك أبداً.

و في المجمع، روى ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: إذا كان ليلة القدر تنزّل الملائكة الّذين هم سكّان سدرة المنتهى و منهم جبرائيل فينزل جبرائيل و معه ألوية ينصب لواء منها على قبري و لواء على بيت المقدس و لواء في المسجد الحرام و لواء على طور سيناء و لا يدع فيها مؤمناً و لا مؤمنة إلّا سلّم عليه إلّا مدمن خمر و آكل لحم الخنزير(1) و المتضمّخ بالزعفران.

و في تفسير البرهان، عن سعد بن عبدالله بإسناده عن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبداللهعليه‌السلام فذكر شيئاً من أمر الإمام إذا ولد فقال: استوجب زيادة الروح في ليلة القدر فقلت: جعلت فداك أ ليس الروح هو جبرئيل؟ فقال: جبرئيل من الملائكة و الروح أعظم من الملائكة أ ليس أنّ الله عزّوجلّ يقول:( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ ) .

أقول: و الروايات في ليلة القدر و فضلها كثيرة جدّاً، و قد ذكرت في بعضها لها علامات ليست بدائمة و لا أكثريّة كطلوع الشمس صبيحتها و لا شعاع لها و اعتدال الهواء فيها أغمضنا عنها.

____________________

(1) تضمّخ بالطيب تلطخ به.

٤٧٥

( سورة البيّنة مدنيّة و هي ثمان آيات)

( سورة البيّنة الآيات 1 - 8)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ( 1 ) رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ( 2 ) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ( 3 ) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ( 4 ) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( 5 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ( 6 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ( 7 ) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ( 8 )

( بيان‏)

تسجّل السورة رسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعامّة أهل الكتاب و المشركين و بعبارة اُخرى للملّيّين و غيرهم و هم عامّة البشر فتفيد عموم الرسالة و أنّها ممّا كانت تقتضيه السنّة الإلهيّة - سنّة الهداية - الّتي تشير إليها أمثال قوله تعالى:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الإنسان: 3، و قوله:( وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ )

٤٧٦

فاطر: 24، و تحتجّ على عموم دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّها لا تتضمّن إلّا ما يصلح المجتمع الإنسانيّ من الاعتقاد و العمل على ما سيتّضح إن شاء الله.

و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة و إن كان سياقها بالمدنيّة أشبه.

قوله تعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) ظاهر الآيات - و هي في سياق يشير إلى قيام الحجّة على الّذين كفروا بالدعوة الإسلاميّة من أهل الكتاب و المشركين و على الّذين اُوتوا الكتاب حينما بدا فيهم الاختلاف - أنّ المراد هو الإشارة إلى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مصاديق الحجّة البيّنة القائمة على الناس الّتي تقتضي قيامها السنّة الإلهيّة الجارية في عباده فقد كانت توجب مجي‏ء البيّنة إليهم كما أوجبته من قبل ما تفرّقوا في دينهم.

و على هذا فالمراد بالّذين كفروا في الآية هم الكافرون بالدعوة النبويّة الإسلاميّة من أهل الكتاب و المشركين، و( مِنْ ) في قوله:( مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) للتبعيض لا للتبيين، و قوله: و( الْمُشْرِكِينَ ) عطف على( أَهْلِ الْكِتابِ ) و المراد بهم غير أهل الكتاب من عبدة الأصنام و غيرهم.

و قوله:( مُنْفَكِّينَ ) من الانفكاك و هو الانفصال عن شدّة اتّصال، و المراد به - على ما يستفاد من قوله:( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) - انفكاكهم عمّا تقتضي سنّة الهداية و البيان كأنّ السنّة الإلهيّة كانت قد أخذتهم و لم تكن تتركهم حتّى تأتيهم البيّنة و لما أتتهم البيّنة تركتهم و شأنهم كما قال تعالى:( وَ ما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) التوبة: 115.

و قوله:( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) على ظاهره من الاستقبال و البيّنة هي الحجّة الظاهرة و المعنى لم يكن الّذين كفروا برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بدعوته أو بالقرآن لينفكّوا حتّى تأتيهم البيّنة و البيّنة هي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و للقوم اختلاف عجيب في تفسير الآية و معاني مفرداتها حتّى قال بعضهم - على ما نقل -: إنّ الآية من أصعب الآيات القرآنيّة نظماً و تفسيراً. انتهى، و الّذي أوردناه من المعنى هو الّذي يلائمه سياقها من غير تناقض بين الآيات و تدافع بين

٤٧٧

الجمل و المفردات، و من أراد الاطّلاع على تفصيل ما قيل و يقال فعليه أن يراجع المطوّلات.

قوله تعالى: ( رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) بيان للبيّنة و المراد به محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعاً على ما يعطيه السياق.

و الصحف جمع صحيفة و هي ما يكتب فيها، و المراد بها أجزاء القرآن النازلة و قد تكرّر في كلامه تعالى إطلاق الصحف على أجزاء الكتب السماويّة و منها القرآن الكريم قال تعالى:( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ ) عبس: 16.

و المراد بكون الصحف مطهّرة تقدّسها من قذارة الباطل بمسّ الشياطين، و قد تكرّر منه تعالى أنّه حقّ مصون من مداخلة الشياطين و قال:( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة: 79.

و قوله:( فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) الكتب جمع كتاب و معناه المكتوب و يطلق على اللوح و القرطاس و نحوهما المنقوشة فيها الألفاظ و على نفس الألفاظ الّتي تحكي عنها النقوش، و ربّما يطلق على المعاني بما أنّها محكيّة بالألفاظ، و يطلق أيضاً على الحكم و القضاء يقال كتب عليه كذا أي قضى أن يفعل كذا قال تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) البقرة: 183 و قال:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ ) البقرة: 216.

و الظاهر أنّ المراد بالكتب الّتي في الصحف الأحكام و القضايا الإلهيّة المتعلّقة بالاعتقاد و العمل، و من الدليل عليه توصيفها بالقيّمة فإنّها من القيام بالشي‏ء بمعنى حفظه و مراعاة مصلحته و ضمان سعادته قال تعالى:( أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) يوسف: 40، و معلوم أنّ الصحف السماويّة إنّما تقوم بأمر المجتمع الإنسانيّ و تحفظ مصلحته بما فيها من الأحكام و القضايا المتعلّقة بالاعتقاد و العمل.

فمعنى الآيتين: الحجّة البيّنة الّتي أتتهم رسول من الله يقرأ صحائف سماويّة مطهّرة من دنس الباطل في تلك الصحائف أحكام و قضايا قائمة بأمر المجتمع الإنسانيّ حافظة لمصالحه.

٤٧٨

قوله تعالى: ( وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) كانت الآية الاُولى( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) إلخ تشير إلى كفرهم بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و كتابه المتضمّن للدعوة الحقّة و هذه الآية تشير إلى اختلافهم السابق على الدعوة الإسلاميّة و قد اُشير إلى ذلك في مواضع من القرآن الكريم كما قال تعالى:( وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) آل عمران: 19 إلى غير ذلك من الآيات.

و مجي‏ء البيّنة لهم هو البيان النبويّ الّذي تبيّن لهم في كتابهم أو أوضحه لهم أنبياؤهم قال تعالى:( وَ لَمَّا جاءَ عِيسى‏ بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَ أَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ) الزخرف: 65.

فإن قلت: ما باله تعرّض لاختلاف أهل الكتاب و تفرّقهم في مذاهبهم و لم يتعرّض لتفرّق المشركين و إعراضهم عن دين التوحيد و إنكارهم الرسالة.

قلت: لا يبعد أن يكون قوله:( وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) إلخ شاملاً للمشركين كما هو شامل لأهل الكتاب فقد بدّل أهل الكتاب - و هم في عرف القرآن اليهود و النصارى و الصابئون و المجوس أو اليهود و النصارى - من الّذين اُوتوا الكتاب، و التعبيران متغايران، و قد صرّح تعالى بأنّه أنزل الكتاب - و هو الشريعة المفروضة عليهم الحاكمة في اختلافاتهم في اُمور الحياة - أوّل ما بدا الاختلافات الحيويّة بينهم ثمّ اختلفوا في الدين بعد تبيّن الحقّ لهم و قيام الحجّة عليهم فعامّة البشر آتاهم الله كتاباً ثمّ اختلفوا فيه فمنهم من نسي ما اُوتيه، و منهم من أخذ به محرّفاً و منهم من حفظه و آمن به، قال تعالى:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) البقرة: 213 و قد مرّ تفسير الآية.

و في هذا المعنى قوله تعالى:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ - إلى أن

٤٧٩

قال -وَ لَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) البقرة: 253.

و بالجملة فالّذين اُوتوا الكتاب أعمّ من أهل الكتاب فقوله:( وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) إلخ يشمل المشركين كما يشمل أهل الكتاب.

قوله تعالى: ( وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ) إلخ ضمير( أُمِرُوا ) للّذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين أي لم يتضمّن رسالة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الكتب القيّمة الّتي في صحف الوحي إلّا أمرهم بعبادة الله تعالى بقيد الإخلاص في الدين فلا يشركوا به شيئاً.

و قوله:( حُنَفاءَ ) حال من ضمير الجمع و هو جمع حنيف من الحنف و هو الميل عن جانبي الإفراط و التفريط إلى حاقّ وسط الاعتدال و قد سمّى الله تعالى الإسلام ديناً حنيفاً لأنّه يأمر في جميع الاُمور بلزوم الاعتدال و التحرّز عن الإفراط و تفريط.

و قوله:( وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ) من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ أو الجزء بعد الكلّ اهتماماً بأمره فالصلاة و الزكاة على أركان الإسلام و هما التوجّه العبوديّ الخاصّ إلى الله و إنفاق المال في الله.

و قوله:( وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) أي دين الكتب القيّمة على ما فسّروا، و المراد بالكتب القيّمة إن كان جميع الكتب السماويّة أعني كتاب نوح و من دونه من الأنبياءعليهم‌السلام فالمعنى أنّ هذا الّذي اُمروا به و دعوا إليه في الدعوة المحمّديّة هو الدين الّذي كلّفوا به في كتبهم القيّمة و ليس بأمر بدع فدين الله واحد و عليهم أن يدينوا به لأنّه القيّم.

و إن كان المراد به ما كان يتلوه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتب القيّمة الّتي في الصحف المطهّرة فالمعنى أنّهم لم يؤمروا في الدعوة الإسلاميّة إلّا بأحكام و قضايا هي القيّمة الحافظة لمصالح المجتمع الإنسانيّ فلا يسعهم إلّا أن يؤمنوا بها و يتديّنوا.

فالآية على أيّ حال تشير إلى كون دين التوحيد الّذي يتضمّنه القرآن

٤٨٠