الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 199950
تحميل: 4972


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199950 / تحميل: 4972
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( سورة العصر مكّيّة و هي ثلاث آيات)

( سورة العصر الآيات 1 - 3)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ ( 1 ) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ( 2 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ( 3 )

( بيان‏)

تلخّص السورة جميع المعارف القرآنيّة و تجمع شتات مقاصد القرآن في أوجز بيان، و هي تحتمل المكّيّة و المدنيّة لكنّها أشبه بالمكّيّة.

قوله تعالى: ( وَ الْعَصْرِ ) إقسام بالعصر و الأنسب لما تتضمّنه الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنسانيّ إلّا لمن اتّبع الحقّ و صبر عليه و هم المؤمنون الصالحون عملاً، أن يكون المراد بالعصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو عصر طلوع الإسلام على المجتمع البشريّ و ظهور الحقّ على الباطل.

و قيل: المراد به وقت العصر و هو الطرف الأخير من النهار لما فيه من الدلالة على التدبير الربوبيّ بإدبار النهار و إقبال الليل و ذهاب سلطان الشمس، و قيل: المراد به صلاة العصر و هي الصلاة الوسطى الّتي هي أفضل الفرائض اليوميّة، و قيل الليل و النهار و يطلق عليهما العصران، و قيل الدهر لما فيه من عجائب الحوادث الدالّة على القدرة الربوبيّة و غير ذلك.

و قد ورد في بعض الروايات أنّه عصر ظهور المهديّعليه‌السلام لما فيه من تمام ظهور الحقّ على الباطل.

قوله تعالى: ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) المراد بالإنسان جنسه، و الخسر و الخسران و الخسار و الخسارة نقص رأس المال قال الراغب: و ينسب ذلك إلى الإنسان

٥٠١

فيقال: خسر فلان و إلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، انتهى. و التنكير في( خُسْرٍ ) للتعظيم و يحتمل التنويع أي في نوع من الخسر غير الخسارات الماليّة و الجاهيّة قال تعالى:( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) الزمر: 15.

قوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) استثناء من جنس الإنسان الواقع في الخسر، و المستثنون هم الأفراد المتلبّسون بالإيمان و الأعمال الصالحة فهم آمنون من الخسر.

و ذلك أنّ كتاب الله يبيّن أنّ للإنسان حياة خالدة مؤبّدة لا تنقطع بالموت و إنّما الموت انتقال من دار إلى دار كما تقدّم في تفسير قوله تعالى:( عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ ) الواقعة: 61، و يبيّن أنّ شطراً من هذه الحياة و هي الحياة الدنيا حياة امتحانيّة تتعيّن بها صفة الشطر الأخير الّذي هو الحياة الآخرة المؤبّدة من سعادة و شقاء قال تعالى:( وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ ) الرعد: 26، و قال:( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) الأنبياء: 35.

و يبيّن أنّ مقدّميّة هذه الحياة لتلك الحياة إنّما هي بمظاهرها من الاعتقاد و العمل فالاعتقاد الحقّ و العمل الصالح ملاك السعادة الاُخرويّة و الكفر و الفسوق ملاك الشقاء فيها قال تعالى:( وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏ ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى‏ ) ، و قال:( مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ) الروم: 44، و قال:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ) حم السجدة: 46، و قد سمّى الله تعالى ما سيلقاه الإنسان في الآخرة جزاء و أجراً في آيات كثيرة.

و يتبيّن بذلك كلّه أنّ الحياة رأس مال للإنسان يكسب به ما يعيش به في حياته الآخرة فإن اتّبع الحقّ في العقد و العمل فقد ربحت تجارته و بورك في مكسبه و أمن الشرّ في مستقبله، و إن اتّبع الباطل و أعرض عن الإيمان و العمل الصالح فقد خسرت تجارته و حرم الخير في عقباه و هو قوله تعالى:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ

٥٠٢

آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) .

و المراد بالإيمان الإيمان بالله و من الإيمان بالله الإيمان بجميع رسله و الإيمان باليوم الآخر فقد نصّ تعالى فيمن لم يؤمن ببعض رسله(1) أو باليوم الآخر أنّه غير مؤمن بالله.

و ظاهر قوله:( وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) التلبّس بجميع الأعمال الصالحة فلا يشمل الاستثناء الفسّاق بترك بعض الصالحات من المؤمنين و لازمه أن يكون الخسر أعمّ من الخسر في جميع جهات حياته كما في الكافر المعاند للحقّ المخلّد في العذاب، و الخسر في بعض جهات حياته كالمؤمن الفاسق الّذي لا يخلّد في النار و ينقطع عنه العذاب بشفاعة و نحوها.

قوله تعالى: ( وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) التواصي بالحقّ هو أن يوصي بعضهم بعضاً بالحقّ أي باتّباعه و الدوام عليه فليس دين الحقّ إلّا اتّباع الحقّ اعتقاداً و عملاً و التواصي بالحقّ أوسع من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لشموله الاعتقاديات و مطلق الترغيب و الحثّ على العمل الصالح.

ثمّ التواصي بالحقّ من العمل الصالح فذكره بعد العمل الصالح من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامً اهتماماً بأمره كما أنّ التواصي بالصبر من التواصي بالحقّ و ذكره بعده من ذكر الخاصّ بعد العامّ اهتماماً بأمره، و يؤكّد تكرار ذكر التواصي حيث قال:( وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) و لم يقل: و تواصوا بالحقّ و الصبر.

و على الجملة ذكر تواصيهم بالحقّ و بالصبر بعد ذكر تلبّسهم بالإيمان و العمل الصالح للإشارة إلى حياة قلوبهم و انشراح صدورهم للإسلام لله فلهم اهتمام خاصّ و اعتناء تامّ بظهور سلطان الحقّ و انبساطه على الناس حتّى يتّبع و يدوم اتّباعه قال تعالى:( أَ فَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى‏ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الزمر: 22.

____________________

(1) النساء: 150 - 151.

٥٠٣

و قد اُطلق الصبر فالمراد به أعمّ من الصبر على طاعة الله، و الصبر عن معصيته، و الصبر عند النوائب الّتي تصيبه بقضاء من الله و قدر.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ، بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قوله تعالى:( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلخ، فقال: استثنى أهل صفوته من خلقه.

أقول: و طبق في ذيل الرواية الإيمان على الإيمان بولاية عليّعليه‌السلام ، و التواصي بالحقّ على توصيتهم ذرّيّاتهم و أخلافهم بها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله:( وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) يعني أباجهل بن هشام( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) ذكر عليّاً و سلمان.

٥٠٤

( سورة الهمزة مكّيّة و هي تسع آيات)

( سورة الهمزة الآيات 1 - 9)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ( 1 ) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ( 2 ) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ( 3 ) كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ( 4 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ( 5 ) نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ ( 6 ) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ( 7 ) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ( 8 ) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ( 9 )

( بيان‏)

وعيد شديد للمغرمين بجمع المال المستعلين به على الناس المستكبرين عليهم فيزرون بهم و يعيبونهم بما ليس بعيب، و السورة مكّيّة.

قوله تعالى: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال في المجمع: الهمزة الكثير الطعن على غيره بغير حقّ العائب له بما ليس بعيب، و أصل الهمز الكسر. قال: و اللمز العيب أيضاً و الهمزة و اللمزة بمعنى، و قد قيل: بينهما فرق فإنّ الهمزة الّذي يعيبك بظهر الغيب، و اللمزة الّذي يعيبك في وجهك. عن الليث.

و قيل: الهمزة الّذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، و اللمزة الّذي يكسر عينه على جليسه و يشير برأسه و يومئ بعينه. قال: و فعله بناء المبالغة في صفة من يكثر منه الفعل و يصير عادة له تقول: رجل نكحة كثير النكاح و ضحكة كثير الضحك و كذا همزة و لمزة انتهى.

فالمعنى ويل لكلّ عيّاب مغتاب، و فسّر بمعان اُخر على حسب اختلافهم في تفسير الهمزة و اللمزة.

قوله تعالى: ( الَّذِي جَمَعَ مالًا وَ عَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ) بيان لهمزة لمزة

٥٠٥

و تنكير( مالًا ) للتحقير فإنّ المال و إن كثر ما كثر لا يغني عن صاحبه شيئاً غير أنّ له منه ما يصرفه في حوائج نفسه الطبيعيّة من أكلة تشبعه و شربة ماء ترويه و نحو ذلك و( عَدَّدَهُ ) من العدّ بمعنى الإحصاء أي إنّه لحبّه المال و شغفه بجمعه يجمع المال و يعدّه عدّاً بعد عدّ التذاذاً بتكثّره. و قيل: المعنى جعله عدّة و ذخراً لنوائب الدهر.

و قوله:( يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ) أي يخلده في الدنيا و يدفع عنه الموت و الفناء فالماضي اُريد به المستقبل بقرينة قوله:( يَحْسَبُ ) .

فهذا الإنسان لإخلاده إلى الأرض و انغماره في طول الأمل لا يقنع من المال بما يرتفع به حوائج حياته القصيرة و ضروريّات أيّامه المعدودة بل كلّما زاد مالاً زاد حرصاً إلى ما لا نهاية له فظاهر حاله أنّه يرى أنّ المال يخلده، و لحبّه الغريزيّ للبقاء يهتمّ بجمعه و تعديده، و دغاه ما جمعه و عدّده من المال و ما شاهده من الاستغناء إلى الطغيان و الاستعلاء على غيره من الناس كما قال تعالى:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) العلق 7، و يورثه هذا الاستكبار و التعدّي الهمز و اللمز.

و من هنا يظهر أنّ قوله:( يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ) بمنزلة التعليل لقوله:( الَّذِي جَمَعَ مالًا وَ عَدَّدَهُ ) ، و قوله:( الَّذِي جَمَعَ ) إلخ بمنزلة التعليل لقوله:( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) .

قوله تعالى: ( كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ) ردع عن حسبانه الخلود بالمال، و اللّام في( لَيُنْبَذَنََّ ) للقسم، و النبذ القذف و الطرح، و الحطمة مبالغة من الحطم و هو الكسر و جاء بمعنى الأكل، و هي من أسماء جهنّم على ما يفسّرها قوله الآتي:( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ ) .

و المعنى ليس مخلّداً بالمال كما يحسب اُقسم ليموتنّ و يقذفنّ في الحطمة.

قوله تعالى: ( وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ ) تفخيم و تهويل.

قوله تعالى: ( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) إيقاد النار إشعالها و الاطّلاع و الطلوع على الشي‏ء الإشراف و الظهور، و الأفئدة جمع فؤاد و هو القلب، و المراد به في القرآن مبدأ الشعور و الفكر من الإنسان و هو النفس الإنسانيّة.

٥٠٦

و كأنّ المراد من اطّلاعها على الأفئدة أنّها تحرق باطن الإنسان كما تحرق ظاهره بخلاف النار الدنيويّة الّتي إنّما تحرق الظاهر فقط قال تعالى:( وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ ) البقرة 24.

قوله تعالى: ( إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) أي مطبقة لا مخرج لهم منها و لا منجا.

قوله تعالى: ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) العمد بفتحتين جمع عمود و التمديد مبالغة في المدّ قيل: هي أوتاد الأطباق الّتي تطبق على أهل النار، و قيل: عمد ممدّدة يوثقون فيها مثل المقاطر و هي خشب أو جذوع كبار فيها خروق توضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص و غيرهم، و قيل غير ذلك.

( بحث روائي‏)

في روح المعاني في قوله تعالى:( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) نزل ذلك على ما أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن عثمان بن عمر في اُبيّ بن خلف، و على ما أخرج عن السدي في اُبيّ بن عمر و الثقفيّ الشهير بالأخنس بن شريق فإنّه كان مغتاباً كثير الوقيعة.

و على ما قال ابن إسحاق في اُميّة بن خلف الجمحي و كان يهمز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و على ما أخرج ابن جرير و غيره عن مجاهد في جميل بن عامر و على ما قيل في الوليد بن المغيرة و اغتيابه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و غضّه منه، و على قول في العاص بن وائل.

أقول: ثمّ قال: و يجوز أن يكون نازلاً في جمع من ذكر. انتهى و لا يبعد أن يكون من تطبيق الرواة و هو كثير في أسباب النزول.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) قال: الّذي يغمز الناس و يستحقر الفقراء، و قوله:( لُمَزَةٍ ) يلوي عنقه و رأسه و يغضب إذا رأى فقيراً أو سائلاً( الَّذِي جَمَعَ مالًا وَ عَدَّدَهُ ) قال: أعدّه و وضعه.

و فيه قوله تعالى:( الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) قال: تلتهب على الفؤاد قال

٥٠٧

أبو ذرّ رضي الله عنه: بشّر المتكبّرين بكيّ في الصدور و سحب على الظهور. قوله( إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) قال: مطبقة( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) قال: إذا مدّت العمد عليهم أكلت و الله الجلود.

و في المجمع، روى العيّاشيّ بإسناده عن محمّد بن النعمان الأحول عن حمران بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الكفّار و المشركين يعيّرون أهل التوحيد في النار و يقولون: ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئاً و ما نحن و أنتم إلّا سواء قال: فيأنف لهم الربّ تعالى فيقول للملائكة: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثمّ يقول للنبيّين: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثمّ يقول للمؤمنين: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله و يقول الله: أنا أرحم الراحمين اخرجوا برحمتي فيخرجون كما يخرج الفراش.

قال: ثمّ قال أبوجعفرعليه‌السلام : ثمّ مدّت العمد و اُوصدت عليهم و كان و الله الخلود.

٥٠٨

( سورة الفيل مكّيّة و هي خمس آيات)

( سورة الفيل الآيات 1 - 5)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ( 1 ) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ( 2 ) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ( 3 ) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ( 4 ) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ( 5 )

( بيان‏)

فيها إشارة إلى قصّة أصحاب الفيل إذ قصدوا مكّة لتخريب الكعبة المعظّمة فأهلكهم الله بإرسال طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجّيل فجعلهم كعصف مأكول، و هي من آيات الله الجليّة الّتي لا سترة عليها، و قد أرّخوا بها و ذكرها الجاهليّون في أشعارهم، و السورة مكّيّة.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ) المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحسّ، و الاستفهام إنكاريّ، و المعنى أ لم تعلم كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل، و قد كانت الواقعة عام ولد فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ) المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكّة و إرادتهم تخريب البيت الحرام، و التضليل و الإضلال واحد، و جعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالّاً لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة و انتهى بهم إلى هلاك أنفسهم.

قوله تعالى: ( وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ ) الأبابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، و المعنى و أرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرّقة من الطير و الآية و الّتي تتلوها عطف تفسير على قوله:( أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ) .

٥٠٩

قوله تعالى: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجّيل، و قد تقدّم معنى السجّيل في تفسير قصص قوم لوط.

قوله تعالى: ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) العصف ورق الزرع و العصف المأكول ورق الزرع الّذي اُكل حبّه أو قشر الحبّ الّذي اُكل لبّه و المراد أنّهم عادوا بعد وقوع السجّيل عليهم أجساداً بلا أرواح أو أنّ الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، و قيل: المراد ورق الزرع الّذي وقع فيها الأكال و هو أن يأكله الدود فيفسده و فسّرت الآية ببعض وجوه اُخر لا يناسب الأدب القرآنيّ.

( بحث روائي‏)

في المجمع: أجمعت الرواة على أنّ ملك اليمن الّذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح الأشرم و قيل: إنّ كنيته أبو يكسوم و نقل عن الواقديّ أنّه جدّ النجاشي الّذي كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ ساق الكلام في قصّة استيلائه على ملك اليمن إلى أن قال: ثمّ إنّه بنى كعبة باليمن و جعل فيها قباباً من ذهب فأمر أهل مملكته بالحجّ إليها يضاهي بذلك البيت الحرام، و إنّ رجلاً من بني كنانة خرج حتّى قدم اليمن فنظر إليها ثمّ قعد فيها يعني لحاجة الإنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال: من اجترأ عليّ بهذا؟ و نصرانيّتي لأهدمنّ ذلك البيت حتّى لا يحجّه حاج أبداً و دعا بالفيل و أذّن قومه بالخروج و من اتّبعه من أهل اليمن، و كان أكثر من اتّبعه منهم عكّ و الأشعرون و خثعم.

قال: ثمّ خرج يسير حتّى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلاً من بني سليم ليدعو الناس إلى حجّ بيته الّذي بناه فتلقاه أيضاً رجل من الحمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقاً و حثّ السير و الانطلاق.

و طلب من أهل الطائف دليلاً فبعثوا معه رجلاً من هذيل يقال له نفيل فخرج

٥١٠

بهم يهديهم حتّى إذا كانوا بالمغمس نزلوه و هو من مكّة على ستّة أميال فبعثوا مقدّماتهم إلى مكّة فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال و قالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء و لم يبق بمكّة غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته و غير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطّلب يأخذ بعضادتي الباب ثمّ يقول:

لا همّ أنّ المرء يمنع رحله فامنع جلالك

لا يغلبوا بصليبهم و محالهم عدواً محالك

لا يدخلوا البلد الحرام إذاً فأمر ما بدا لك

ثمّ إنّ مقدّمات أبرهة أصابت نعماً لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلمّا بلغه ذلك خرج حتّى أتى القوم، و كان حاجب أبرهة رجلاً من الأشعرين و كان له بعبد المطّلب معرفة فاستأذن له على الملك و قال له: أيّها الملك جاءك سيّد قريش الّذي يطعم إنسها في الحيّ و وحشها في الجبل فقال له: ائذن له.

و كان عبد المطّلب رجلاً جسيماً جميلاً فلمّا رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته و كره أن يجلسه معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض و أجلس عبد المطّلب معه ثمّ قال: ما حاجتك؟ قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدّمتك فقال أبو يكسوم: و الله لقد رأيتك فأعجبتني ثمّ تكلّمت فزهدت فيك فقال: و لم أيّها الملك؟ قال: لأنّي جئت إلى بيت عزّكم و منعتكم من العرب و فضلكم في الناس و شرفكم عليهم و دينكم الّذي تعبدون فجئت لأكسره و اُصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلّمتني في إبلك و لم تطلب إليّ في بيتكم.

فقال له عبد المطّلب: أيّها الملك أنا اُكلّمك في مالي و لهذا البيت ربّ هو يمنعه لست أنا منه في شي‏ء فراع ذلك أبو يكسوم و أمر بردّ إبل عبد المطّلب عليه ثمّ رجع و أمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها كأنّها تكلّمهم كلاماً لاقترابها منهم فأحسّت نفوسهم بالعذاب.

٥١١

إلى أن قال: حتّى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم، و كلّ طائر في منقاره حجر و في رجليه حجران و إذا رمت بذلك مضت و طلعت اُخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلّا خرقه و لا عظم إلّا أوهاه و ثقبه، و ثاب أبو يكسوم راجعاً قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلّما قدم أرضاً انقطع له فيها إرب حتّى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شي‏ء إلّا باده فلمّا قدمها تصدّع صدره و انشقّ بطنه فهلك و لم يصب من الأشعرين و خثعم أحد، الحديث.

أقول: و في الروايات اختلاف شديد في خصوصيّات القصّة من أراد الوقوف عليها فعليه بمطوّلات السير و التواريخ.

٥١٢

( سورة قريش مكّيّة و هي أربع آيات)

( سورة قريش الآيات 1 - 4)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ( 1 ) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ( 2 ) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ( 3 ) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ( 4 )

( بيان‏)

تتضمّن السورة امتناناً على قريش بإيلافهم الرحلتين و تعقّبه بدعوتهم إلى التوحيد و عبادة ربّ البيت، و السورة مكّيّة.

و لمضمون السورة نوع تعلّق بمضمون سورة الفيل و لذا ذهب قوم من أهل السنّة إلى كون الفيل و لإيلاف سورة واحدة كما قيل بمثله في الضحى و أ لم نشرح لما بينهما من الارتباط كما نسب ذلك إلى المشهور بين الشيعة و الحقّ أنّ شيئاً ممّا استندوا إليه لا يفيد ذلك.

أمّا القائلون بذلك من أهل السنّة فإنّهم استندوا فيه إلى ما روي أنّ أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة، و بما روي عن عمرو بن ميمون الأزديّ قال: صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطّاب فقرأ في الركعة الاُولى و التين و في الثانية أ لم تر و لإيلاف قريش من غير أن يفصل بالبسملة.

و اُجيب عن الرواية الاُولى بمعارضتها بما روي أنّه أثبت البسملة بينهما في مصحفه، و عن الثانية بأنّ من المحتمل على تقدير صحّتها أن يكون الراوي لم يسمع قراءتها أو يكون قرأها سرّاً. على أنّها معارض بما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الله فضّل قريشاً بسبع خصال و فيها( و نزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد

٥١٣

غيرهم: لإيلاف قريش) . الحديث على أنّ الفصل متواتر.

و أمّا القائلون بذلك من الشيعة فاستندوا فيه‏ إلى ما في المجمع، عن أبي العبّاس عن أحدهماعليهما‌السلام قال: أ لم تر كيف فعل ربّك و لإيلاف قريش سورة واحدة، و ما في التهذيب، بإسناده عن العلاء عن زيد الشحّام قال: صلّى بنا أبوعبداللهعليه‌السلام الفجر فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة، و ما في المجمع، عن العيّاشيّ عن المفضّل بن صالح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و أ لم نشرح و أ لم تر كيف و لإيلاف قريش: و رواه المحقّق في المعتبر، نقلاً من كتاب الجامع لأحمد بن محمّد بن أبي نصر عن المفضّل: مثله.

أمّا رواية أبي العبّاس فضعيف لما فيها من الرفع.

و أمّا رواية الشحّام فقد رويت عنه أيضاً بطريقين آخرين: أحدهما ما في التهذيب، بإسناده عن ابن مسكان عن زيد الشحّام قال: صلّى بنا أبوعبداللهعليه‌السلام فقرأ بنا بالضحى و أ لم نشرح‏، و ثانيهما عنه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زيد الشحّام قال: صلّى بنا أبوعبداللهعليه‌السلام فقرأ في الاُولى الضحى و في الثانية أ لم نشرح لك صدرك.

و هذه أعني صحيحة ابن أبي عمير صريحة في قراءة السورتين في ركعتين و لا يبقى معها لرواية العلاء ظهور في الجمع بينهما، و أمّا رواية ابن مسكان فلا ظهور لها في الجمع و لا صراحة، و أمّا حمل ابن أبي عمير على النافلة فيدفعه قوله فيها:( صلّى بنا) فإنّه صريح في الجماعة و لا جماعة في نفل.

و أمّا رواية المفضّل فهي أدلّ على كونهما سورتين منها على كونهما سورة واحدة حيث قيل: لا تجمع بين سورتين ثمّ استثنى من السورتين الضحى و أ لم نشرح و كذا الفيل و لإيلاف.

فالحقّ أنّ الروايات إن دلّت فإنّما تدلّ على جواز القرآن بين سورتي الضحى و أ لم نشرح و سورتي الفيل و لإيلاف في ركعة واحدة من الفرائض و هو ممنوع في غيرها، و يؤيّده‏ رواية الراونديّ في الخرائج، عن داود الرقّيّ عن أبي

٥١٤

عبداللهعليه‌السلام في حديث قال: فلمّا طلع الفجر قام فأذّن و أقام و أقامني عن يمينه و قرأ في أوّل ركعة الحمد و الضحى و في الثانية بالحمد و قل هو الله أحد ثمّ قنت ثمّ سلّم ثمّ جلس.

قوله تعالى: ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ ) الإلف بكسر الهمزة اجتماع مع التئام كما قاله الراغب و منه الاُلفة، و قال في الصحاح: و فلان قد ألف هذا الموضع بالكسر يألفه ألفاً و آلفه إيّاه غيره، و يقال أيضاً: آلفت الموضع اُولفه إيلافاً، انتهى.

و قريش عشيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هم ولد النضر بن كنانة المسمّى قريشاً، و الرحلة حال السير على الراحلة و هي الناقة القويّة على السير كما في المجمع، و المراد بالرحلة خروج قريش من مكّة للتجارة و ذلك أنّ الحرم واد جديب لا زرع فيه و لا ضرع فكانت قريش تعيش فيه بالتجارة، و كانت لهم في كلّ سنة رحلتان للتجارة رحلة في الشتاء إلى اليمن و رحلة بالصيف إلى الشام، و كانوا يعيشون بذلك و كان الناس يحترمونهم لمكان البيت الحرام فلا يتعرضون لهم بقطع طريقهم أو الإغارة على بلدهم الأمن.

و قوله:( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) اللّام فيه للتعليل، و فاعل الإيلاف هو الله سبحانه و قريش مفعوله الأوّل و مفعوله الثاني محذوف يدلّ عليه ما بعده، و قوله:( إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ ) بدل من إيلاف قريش، و فاعل إيلافهم هو الله و مفعوله الأوّل ضمير الجمع و مفعوله الثاني رحلة إلخ، و التقدير لإيلاف الله قريشاً رحلة الشتاء و الصيف.

قوله تعالى: ( يَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ‏ ) الفاء في( يَعْبُدُوا ) لتوهّم معنى الشرط أي أيّ شي‏ء كان فليعبدوا ربّ هذا البيت لإيلافه أيّام الرحلتين أو لتوهّم التفصيل أي مهما يكن من شي‏ء فليعبدوا ربّ هذا البيت إلخ، فهو كقوله تعالى:( وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) المدّثّر: 7.

٥١٥

و محصّل معنى الآيات الثلاث ليعبد قريش ربّ هذا البيت لأجل إيلافه إيّاهم رحلة الشتاء و الصيف و هم عائشون بذلك في أمن.

هذا بالنظر إلى كون السورة منفصلة عمّا قبلها ذات سياق مستقلّ في نفسها، و أمّا على تقدير كونها جزء من سورة الفيل متمّمة لها فذكروا أنّ اللّام في( لِإِيلافِ ) تعليلية متعلّقة بمقدّر يدلّ عليه المقام و المعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منّا على قريش مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء و الصيف فكأنّه قال: نعمة إلى نعمة و لذا قيل: إنّ اللّام مؤدّية معنى إلى و هو قول الفرّاء.

و قيل: المعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل لتألف قريش بمكّة و يمكنهم المقام بها أو لنؤلف قريشاً فإنّهم هابوا من أبرهة لمّا قصدها و هربوا منه فأهلكناهم لترجع قريش إلى مكّة و يألفوا بها و يولد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيبعث إلى الناس بشيراً و نذيراً هذا، و الكلام في استفادة هذه المعاني من السياق.

قوله تعالى: ( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) إشارة إلى ما في إيلافهم الرحلتين من منّه الواضح و نعمته الظاهرة عليهم و هو الإطعام و الأمن فيعيشون في أرض لا خصب فيها و لا أمن لغيرهم فليعبدوا ربّاً يدبّر أمرهم أحسن التدبير و هو ربّ البيت.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ ) قال: نزلت في قريش لأنّه كان معاشهم من الرحلتين رحلة في الشتاء إلى اليمن، و رحلة في الصيف إلى الشام، و كانوا يحملون من مكّة الأدم و اللّب و ما يقع من ناحية البحر من الفلفل و غيره فيشترون بالشام الثياب و الدرمك و الحبوب، و كانوا يتألّفون في طريقهم و يثبتون في الخروج في كلّ خرجة رئيساً من رؤساء قريش و كان معاشهم من ذلك.

٥١٦

فلمّا بعث الله نبيّه استغنوا عن ذلك لأنّ الناس وفدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و حجّوا إلى البيت فقال الله:( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) لا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشام( وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) يعني خوف الطريق.

أقول: قوله: فلمّا بعث الله إلخ خفيّ الانطباق على سياق آيات السورة، و لعلّه من كلام القمّيّ أخذه من بعض ما روي عن ابن عبّاس.

٥١٧

( سورة الماعون مدنيّة أو مكّيّة و هي سبع آيات)

( سورة الماعون الآيات 1 - 7)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ( 1 ) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ( 2 ) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( 3 ) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ( 5 ) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ( 6 ) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ( 7 )

( بيان‏)

وعيد لمن كان من المنتحلين بالدين متخلّقاً بأخلاق المنافقين كالسهو عن الصلاة و الرياء في الأعمال و منع الماعون ممّا لا يلائم التصديق بالجزاء.

و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة، و قيل: نصفها مكّيّ و نصفها مدنيّ.

قوله تعالى: ( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) الرؤية تحتمل الرؤية البصريّة و تحتمل أن تكون بمعنى المعرفة، و الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنّه سامع فيتوجّه إلى كلّ سامع، و المراد بالدين الجزاء يوم الجزاء فالمكذّب بالدين منكر المعاد و قيل المراد به الدين بمعنى الملّة.

قوله تعالى: ( فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) الدعّ هو الردّ بعنف و جفاء، و الفاء في( فَذلِكَ ) لتوهّم معنى الشرط و التقدير أ رأيت الّذي يكذّب بالجزاء فعرفته بصفاته اللازمة لتكذيبه فإن لم تعرفه فذلك الّذي يردّ اليتيم بعنف و يجفوه و لا يخاف عاقبة عمله السيّئ و لو لم يكذّب به لخافها و لو خافها لرحمه.

قوله تعالى: ( وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) الحضّ الترغيب، و الكلام على تقدير مضاف أي لا يرغّب الناس على إطعام طعام المسكين قيل: إنّ التعبير بالطعام دون

٥١٨

الإطعام للإشعار بأنّ المسكين كأنّه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى:( وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ ) الذاريات: 19 و قيل: الطعام في الآية بمعنى الإطعام.

و التعبير بالحضّ دون الإطعام لأنّ الحضّ أعمّ من الحضّ العمليّ الّذي يتحقّق بالإطعام.

قوله تعالى: ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) أي غافلون لا يهتمّون بها و لا يبالون أن تفوتهم بالكلّيّة أو في بعض الأوقات أو تتأخّر عن وقت فضيلتها و هكذا.

و في الآية تطبيق من يكذّب بالدين على هؤلاء المصلّين لمكان فاء التفريع و دلالة على أنّهم لا يخلون من نفاق لأنّهم يكذّبون بالدين عملاً و هم يتظاهرون بالإيمان.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ) أي يأتون بالعبادات لمراءاة الناس فهم يعملون للناس لا لله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) الماعون كلّ ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه و المعروف تصنعه و متاع البيت تعيره و إلى هذا يرجع متفرّقات ما فسّر به في كلماتهم.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) قال: نزلت في أبي جهل و كفّار قريش، و في قوله:( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) قال: عنى به تاركون لأنّ كلّ إنسان يسهو في الصلاة قال أبوعبداللهعليه‌السلام : تأخير الصلاة عن أوّل وقتها لغير عذر.

و في الخصال، عن عليّعليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال: ليس عمل أحبّ إلى الله عزّوجلّ من الصلاة فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شي‏ء من اُمور الدنيا فإنّ الله عزّوجلّ

٥١٩

ذمّ أقواماً فقال:( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) يعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها.

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن الفضيل قال: سألت عبداً صالحاًعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) قال هو التضييع.

أقول: و في هذه المضامين روايات اُخر.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ) قال: يراؤن بصلاتهم.

و فيه، أخرج أبونعيم و الديلميّ و ابن عساكر عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله:( وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) قال: ما تعاون الناس بينهم الفأس و القدر و الدلو و أشباهه.

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث قال: و قوله عزّوجلّ:( وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) هو القرض تقرضه و المعروف تصنعه و متاع البيت تعيره و منه الزكاة.

أقول: و تفسير الماعون بالزكاة مرويّ من طرق أهل السنّة أيضاً عن عليّعليه‌السلام كما في الدرّ المنثور، و لفظه: الماعون الزكاة المفروضة يراؤن بصلاتهم و يمنعون زكاتهم.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن قانع عن عليّ بن أبي طالب قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: المسلم أخو المسلم إذا لقيه حيّاه بالسلام و يردّ عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحجر و الحديد و الماء و أشباه ذلك.

أقول: و قد فسّرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية اُخرى الحديد بقدور النحاس و حديد الفأس و الحجر بقدور الحجارة.

٥٢٠