الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 199916
تحميل: 4971


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199916 / تحميل: 4971
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جيدها حبل من مسد.

قال في مجمع البيان: و إذا قيل: هل كان يلزم أبالهب الإيمان بعد هذه السورة و هل كان يقدر على الإيمان و لو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنّه سيصلى ناراً ذات لهب.

فالجواب أنّ الإيمان يلزمه لأنّ تكليف الإيمان ثابت عليه و إنّما توعّده الله بشرط أن لا يؤمن انتهى موضع الحاجة.

أقول: مبني الإشكال على الغفلة من أنّ تعلّق القضاء الحتميّ منه تعالى بفعل الإنسان الاختياريّ لا يستوجب بطلان الاختيار و اضطرار الإنسان على الفعل فإنّ الإرادة الإلهيّة - و كذا فعله تعالى - إنّما يتعلّق بفعله الاختياريّ على ما هو عليه أي أن يفعل الإنسان باختياره كذا و كذا فلو لم يقع الفعل اختياريّاً تخلّف مراده تعالى عن إرادته و هو محال و إذا كان الفعل المتعلّق للقضاء الموجب اختياريّاً كان تركه أيضاً اختياريّاً و إن كان لا يقع فافهم و قد تقدّم هذا البحث في غير موضع من المباحث السابقة.

فقد ظهر بذلك أنّ أبالهب كان في اختياره أن يؤمن و ينجو بذلك عن النار الّتي كان من المقضيّ المحتوم أن يدخلها بكفره.

و من هذا الباب الآيات النازلة في كفّار قريش أنّهم لا يؤمنون كقوله:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) البقرة: 6، و قوله:( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى‏ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) يس: 7، و من هذا الباب أيضاً آيات الطبع على القلوب.

( بحث روائي‏)

في المجمع في قوله تعالى:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصفا فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ فقال: أ رأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم و ممسيكم ما كنتم

٥٤١

تصدّقونني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبولهب: تبّاً لك أ لهذا دعوتنا جميعاً؟ فأنزل الله عزّوجلّ:( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) .

أقول: و رواه أيضاً في تفسير السورة عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس و لم يذكر فيه كون الدعوة عند نزول آية( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ ) الآية.

و فيه، أيضاً عن طارق المحاربيّ قال: بينما أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشابّ يقول أيّها الناس قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا، و إذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه و عرقوبيه و يقول: يا أيّها الناس إنّه كذّاب فلا تصدّقوه فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو محمّد يزعم أنّه نبيّ و هذا عمّه أبولهب يزعم أنّه كذّاب.

و في قرب الإسناد، بإسناده إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام في حديث طويل يذكر فيه آيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من ذلك أنّ اُمّ جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبّت و مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبوبكر بن أبي قحافة فقال: يا رسول الله هذه اُمّ جميل محفظة أي مغضبة تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّها لا تراني فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟ قال: حيث شاء الله قالت: جئته و لو أراه لرميته فإنّه هجاني و اللّات و العزّى إنّي لشاعرة فقال أبوبكر: يا رسول الله لم ترك؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا. ضرب الله بيني و بينها حجابا.

أقول: و روي ما يقرب منه بغير واحد من طرق أهل السنّة.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) قال: كانت اُمّ جميل بنت صخر و كانت تنمّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تنقل أحاديثه إلى الكفّار.

٥٤٢

( سورة الإخلاص مكّيّة و هي أربع آيات)

( سورة الإخلاص الآيات 1 - 4)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ( 1 ) اللهُ الصَّمَدُ ( 2 ) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ( 3 ) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( 4 )

( بيان‏)

السورة تصفه تعالى بأحدية الذات و رجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجوديّة من دون أن يشاركه شي‏ء لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله، و هو التوحيد القرآني الّذي يختصّ به القرآن الكريم و يبني عليه جميع المعارف الإسلاميّة.

و قد تكاثرت الأخبار في فضل السورة حتّى ورد من طرق الفريقين أنّها تعدل ثلث القرآن كما سيجي‏ء إن شاء الله.

و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة، و الظاهر من بعض ما ورد في سبب نزولها أنّها مكّيّة.

قوله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) هو ضمير الشأن و القصّة يفيد الاهتمام بمضمون الجملة التالية له، و الحقّ أنّ لفظ الجلالة علم بالغلبة له تعالى بالعربيّة كما أنّ له في غيرها من اللغات اسماً خاصّاً به، و قد تقدّم بعض الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة.

و أحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أنّ الأحد إنّما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجاً و لا ذهناً و لذلك لا يقبل العدّ و لا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإنّ كلّ واحد له ثانياً و ثالثاً إمّا خارجاً و إمّا ذهناً بتوهّم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيراً، و أمّا الأحد فكلّ ما فرض له ثانياً كان هو هو لم يزد عليه شي‏ء.

و اعتبر ذلك في قولك: ما جاءني من القوم أحد فإنّك تنفي به مجي‏ء اثنين منهم و أكثر كما تنفي مجي‏ء واحد منهم بخلاف ما لو قلت: ما جاءني واحد منهم فإنّك إنّما تنفي به مجي‏ء واحد منهم بالعدد و لا ينافيه مجي‏ء اثنين منهم أو أكثر، و لإفادته هذا

٥٤٣

المعنى لا يستعمل في الإيجاب مطلقاً إلّا فيه تعالى و من لطيف البيان في هذا الباب قول عليّ عليه أفضل السلام في بعض خطبه في توحيده تعالى: كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل، و قد أوردنا طرفاً من كلامهعليه‌السلام في التوحيد في ذيل البحث عن توحيد القرآن في الجزء السادس من الكتاب.

قوله تعالى: ( اللهُ الصَّمَدُ ) الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد يقال: صمده يصمده صمداً من باب نصر أي قصده أو قصده معتمداً عليه، و قد فسّروا الصمد - و هو صفة - بمعاني متعدّدة مرجع أكثرها إلى أنّه السيّد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج، و إذا اُطلق في الآية و لم يقيّد بقيد فهو المقصود في الحوائج على الإطلاق.

و إذا كان الله تعالى هو الموجد لكلّ ذي وجود ممّا سواه يحتاج إليه فيقصده كلّ ما صدق عليه أنّه شي‏ء غيره، في ذاته و صفاته و آثاره قال تعالى:( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ) الأعراف: 54 و قال و أطلق:( وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ ) النجم: 42 فهو الصمد في كلّ حاجة في الوجود لا يقصد شيئاً إلّا و هو الّذي ينتهي إليه قصده و ينجح به طلبته و يقضي به حاجته.

و من هنا يظهر وجه دخول اللّام في الصمد و أنّه لإفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الإطلاق، و هذا بخلاف أحد في قوله:( اللهُ أَحَدٌ ) فإنّ أحداً بما يفيده من معنى الوحدة الخاصّة لا يطلق في الإثبات على غيره تعالى فلا حاجة فيه إلى عهد أو حصر.

و أمّا إظهار اسم الجلالة ثانياً حيث قيل:( اللهُ الصَّمَدُ ) و لم يقل: هو الصمد، و لم يقل: الله أحد صمد فالظاهر أنّ ذلك للإشارة إلى كون كلّ من الجملتين وحدها كافية في تعريفه تعالى حيث إنّ المقام مقام تعريفه تعالى بصفة تختصّ به فقيل: الله أحد الله الصمد إشارة إلى أنّ المعرفة به حاصلة سواء قيل كذا أو قيل كذا.

و الآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات و صفة الفعل جميعاً فقوله:( اللهُ أَحَدٌ ) يصفه بالأحديّة الّتي هي عين الذات، و قوله:( اللهُ الصَّمَدُ ) يصفه بانتهاء كلّ شي‏ء إليه

٥٤٤

و هو من صفات الفعل.

و قيل: الصمد بمعنى المصمت الّذي ليس بأجوف فلا يأكل و لا يشرب و لا ينام و لا يلد و لا يولد و على هذا يكون قوله:( لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ) تفسيراً للصمد.

قوله تعالى: ( لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) الآيتان الكريمتان تنفيان عنه تعالى أن يلد شيئاً بتجزّيه في نفسه فينفصل عنه شي‏ء سنخه بأيّ معنى اُريد من الانفصال و الاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيحعليه‌السلام إنّه ابن الله و كما يقول الوثنيّة في بعض آلهتهم أنّهم أبناء الله سبحانه.

و تنفيان عنه أن يكون متولّداً من شي‏ء آخر و مشتقّاً منه بأيّ معنى اُريد من الاشتقاق كما يقول الوثنيّة ففي آلهتهم من هو إله أبو إله و من هو آلهة اُمّ إله و من هو إله ابن إله.

و تنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله(1) و هو الإيجاد و التدبير و لم يقل أحد من الملّيّين و غيرهم بالكفؤ الذاتيّ بأن يقول بتعدّد واجب الوجود عزّ اسمه، و أمّا الكفؤ في فعله و هو التدبير فقد قيل به كآلهة الوثنيّة من البشر كفرعون و نمرود من المدّعين للاُلوهيّة و ملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون اُلوهيّته في تدبير ما فوّض إليه تدبيره كما أنّه تعالى مستقلّ في تدبير من يدبّره و هم الأرباب و الآلهة و هو ربّ الأرباب و إله الآلهة.

و في معنى كفاءة هذا النوع من الإله ما يفرض من استقلال الفعل في شي‏ء من الممكنات فإنه كفاءة مرجعها استغناؤه عنه تعالى و هو محتاج من كلّ جهة و الآية تنفيها.

و هذه الصفات الثلاث المنفيّة و إن أمكن تفريع نفيها على صفة أحديّته تعالى بوجه لكنّ الأسبق إلى الذهن تفرّعها على صفة صمديّته.

أمّا كونه لم يلد فإنّ الولادة الّتي هي نوع من التجّزي و التبعّض بأيّ معنى

____________________

(1) لم نذكر الصفة لأنّها إمّا صفة الذات فهي عين الذات و إمّا صفة الفعل منتزعة عن الفعل، منه.

٥٤٥

فسّرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد، و حاجة المركّب إلى أجزائه ضروريّة و الله سبحانه صمد ينتهي إليه كلّ محتاج في حاجته و لا حاجة له، و أمّا كونه لم يولد فإنّ تولّد شي‏ء من شي‏ء لا يتمّ إلّا مع حاجة من المتولّد إلى ما ولد منه في وجوده و هو سبحانه صمد لا حاجة له، و أمّا أنّه لا كفؤ له فلأنّ الكفؤ سواء فرض كفواً له في ذاته أو في فعله لا تتحقّق كفاءته إلّا مع استقلاله و استغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة و الله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كلّ من سواه من كلّ جهة مفروضة.

فقد تبيّن أنّ ما في الآيتين من النفي متفرّع على صمديّته تعالى و مآل ما ذكر من صمديّته تعالى و ما يتفرّع عليه إلى إثبات توحّده تعالى في ذاته و صفاته و أفعاله بمعنى أنّه واحد لا يناظره شي‏ء و لا يشبهه فذاته تعالى بذاته و لذاته من غير استناد إلى غيره و احتياج إلى من سواه و كذا صفاته و أفعاله، و ذوات من سواه و صفاتهم و أفعالهم بإفاضة منه على ما يليق بساحة كبريائه و عظمته فمحصّل السورة وصفه تعالى بأنّه أحد واحد.

و ممّا قيل في الآية أنّ المراد بالكفؤ الزوجة فإنّ زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله:( تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً ) و هو كما ترى.

( بحث روائي‏)

في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ اليهود سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: انسب لنا ربّك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثمّ نزلت:( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) إلى آخرها.

أقول: و في الاحتجاج، عن العسكريعليه‌السلام : أنّ السائل عبدالله بن صوريا اليهوديّ، و في بعض روايات أهل السنّة: أنّ السائل عبدالله بن سلام سألهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك بمكّة ثمّ آمن و كتم إيمانه، و في بعضها أنّ اُناساً من اليهود سألوه ذلك، و في غير

٥٤٦

واحد من رواياتهم: أنّ مشركي مكّة سألوه ذلك‏، و كيف كان فالمراد بالنسبة النعت و الوصف.

و في المعاني، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن عليّعليه‌السلام في حديث: نسبة الله عزّوجلّ قل هو الله.

و في العلل، بإسناده عن الصادقعليه‌السلام في حديث المعراج: أنّ الله قال له أي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقرأ قل هو الله أحد كما أنزلت فإنّها نسبتي و نعتي.

أقول: و روي أيضاً بإسناده إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام ما في معناه.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبوعبيد في فضائله عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال قل هو الله أحد ثلث القرآن.

أقول: و قد تكاثرت الروايات من طرقهم في هذا المعنى رووه عن عدّة من الصحابة كابن عبّاس و قد مرّ و أبي الدرداء و ابن عمر و جابر و ابن مسعود و أبي سعيد الخدريّ و معاذ بن أنس و أبي أيّوب و أبي أمامة و غيرهم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ورد أيضاً في عدّة من الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، و قد وجّهوا كون السورة تعدل ثلث القرآن بوجوه مختلفة أعدلها أنّ ما في القرآن من المعارف تنحلّ إلى الاُصول الثلاثة: التوحيد و النبوّة و المعاد و السورة تتضمّن واحداً من الثلاثة و هو التوحيد.

و في التوحيد، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام : رأيت الخضرعليه‌السلام في المنام قبل بدر بليلة فقلت له: علّمني شيئاً أنصر به على الأعداء فقال: قل: يا هو يا من لا هو إلّا هو فلمّا أصبحت قصصتها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي: يا عليّ علّمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر.

و إنّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام قرأ قل هو الله أحد فلمّا فرغ قال: يا هو يا من لا هو إلّا هو اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين.

و في نهج البلاغة: الأحد لا بتأويل عدد.

أقول: و رواه في التوحيد، عن الرضاعليه‌السلام و لفظه: أحد لا بتأويل عدد.

و في اُصول الكافي، بإسناده عن داود بن القاسم الجعفريّ قال: قلت لأبي

٥٤٧

جعفر الثانيعليه‌السلام : ما الصمد؟ قالعليه‌السلام : السيّد المصمود إليه في القليل و الكثير.

أقول: و في تفسير الصمد معان اُخر مروية عنهمعليهم‌السلام فعن الباقرعليه‌السلام : الصمد السيّد المطاع الّذي ليس فوقه آمر و ناه‏، و عن الحسينعليه‌السلام : الصمد الّذي لا جوف له و الصمد الّذي لا ينام، و الصمد الّذي لم يزل و لا يزال‏، و عن السجّادعليه‌السلام : الصمد الّذي إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، و الصمد الّذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً و أشكالاً و أزواجاً و تفرّد بالوحدة بلا ضدّ و لا شكل و لا مثل و لا ندّ.

و الأصل في معنى الصمد هو الّذي رويناه عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام لما في مادّته لغة في معنى القصد فالمعاني المختلفة المنقولة عنهمعليهم‌السلام من التفسير يلازم المعنى فإنّ المعاني المذكورة لوازم كونه تعالى مقصوداً يرجع إليه كلّ شي‏ء في كلّ حاجة فإليه ينتهي الكلّ من دون أن تتحقّق فيه حاجة.

و في التوحيد، عن وهب بن وهب القرشيّ عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام أنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّعليهما‌السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار، و إنّ الله سبحانه فسّر الصمد فقال: الله أحد الله الصمد ثمّ فسّره فقال: لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد.

و فيه، بإسناده إلى ابن أبي عمير عن موسى بن جعفرعليه‌السلام أنّه قال: و اعلم أنّ الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث و لم يولد فيشارك.

و فيه، في خطبة اُخرى لعليّعليه‌السلام : الّذي لم يولد فيكون في العزّ مشاركاً و لم يلد فيكون موروثاً هالكاً.

و فيه، في خطبة لهعليه‌السلام : تعالى أن يكون له كفؤ فيشبه به.

أقول: و في المعاني المتقدّمة روايات اُخرى.

٥٤٨

( سورة الفلق مكية و هي خمس آيات)

( سورة الفلق الآيات 1 - 5)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ( 1 ) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ( 4 ) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )

( بيان‏)

أمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعوذ بالله من كلّ شرّ و من بعضه خاصّة و السورة مدنيّة على ما يظهر ممّا ورد في سبب نزولها.

قوله تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) العوذ هو الاعتصام و التحرّز من الشرّ بالالتجاء إلى من يدفعه، و الفلق بالفتح فالسكون الشقّ و الفرق، و الفلق بفتحتين صفة مشبهة بمعنى المفعول كالقصص بمعنى المقصوص، و الغالب إطلاقه على الصبح لأنّه المشقوق من الظلام، و عليه فالمعنى أعوذ بربّ الصبح الّذي يفلقه و يشقّه و مناسبة هذا التعبير للعوذ من الشرّ الّذي يستر الخير و يحجب دونه ظاهر.

و قيل: المراد بالفلق كلّ ما يفطر و يفلق عنه بالخلق و الإيجاد فإنّ في الخلق و الإيجاد شقاً للعدم و إخراجاً للموجود إلى الوجود فيكون مساويّاً للمخلوق، و قيل هو جبّ في جهنّم و يؤيّده بعض الروايات.

قوله تعالى: ( مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) أي من شرّ من يحمل شرّاً من الإنس و الجنّ و الحيوانات و سائر ما له شرّ من الخلق فإنّ اشتمال مطلق ما خلق على الشرّ لا يستلزم الاستغراق.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ ) في الصحاح: الغسق أوّل ظلمة اللّيل

٥٤٩

و قد غسق اللّيل يغسق إذا أظلم و الغاسق اللّيل إذا غاب الشفق. انتهى، و الوقوب الدخول فالمعنى و من شرّ اللّيل إذا دخل بظلمته. و نسبة الشرّ إلى اللّيل إنّما هي لكونه بظلمته يعين الشرير في شرّه لستره عليه فيقع فيه الشرّ أكثر ممّا يقع منه بالنهار، و الإنسان فيه أضعف منه في النهار تجاه هاجم الشرّ، و قيل: المراد بالغاسق كلّ هاجم يهجم بشرّه كائناً ما كان.

و ذكر شرّ اللّيل إذا دخل بعد ذكر شرّ ما خلق من ذكر الخاصّ بعد العامّ لزيادة الاهتمام و قد اهتمّ في السورة بثلاثة من أنواع الشرّ خاصّة هي شرّ اللّيل إذا دخل و شرّ سحر السحرة و شرّ الحاسد إذا حسد لغلبة الغفلة فيهنّ.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ) أي النساء الساحرات اللّاتي يسحرن بالعقد على المسحور و ينفثن في العقد. و خصّت النساء بالذكر لأنّ السحر كان فيهنّ و منهم أكثر من الرجال، و في الآية تصديق لتأثير السحر في الجملة، و نظيرها قوله تعالى: في قصّة هاروت و ماروت:( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) البقرة: 102 و نظيره ما في قصّة سحرة فرعون.

و قيل: المراد بالنفّاثات في العقد النساء اللّاتي يملن آراء أزواجهنّ إلى ما يرينه و يردنه فالعقد هو الرأي و النفث في العقد كناية عن حلّه، و هو بعيد.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) أي إذا تلبّس بالحسد و عمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه.

و قيل: الآية تشمل العائن فعين العائن نوع حسد نفسانيّ يتحقّق منه إذا عاين ما يستكثره و يتعجّب منه.

٥٥٠

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال: سحر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوّذتين و قال: إنّ رجلاً من اليهود سحرك و السحر في بئر فلان فأرسل عليّاً فجاء به فأمره أن يحلّ العقد و يقرأ آية فجعل يقرأ و يحلّ حتّى قام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّما نشط من عقال.

أقول: و عن كتاب طبّ الأئمّة، بإسناده إلى محمّد بن سنان عن المفضّل عن الصادقعليه‌السلام : مثله‏ و في هذا المعنى روايات كثيرة من طرق أهل السنّة باختلاف يسيرة، و في غير واحد منها أنّه أرسل مع عليّعليه‌السلام زبيراً و عمّاراً و فيه روايات اُخرى أيضاً من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و ما استشكل به بعضهم في مضمون الروايات أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مصوناً من تأثير السحر كيف؟ و قد قال الله تعالى:( وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) الفرقان: 9.

يدفعه أنّ مرادهم بالمسحور و المجنون بفساد العقل بالسحر و أمّا تأثّره عن السحر بمرض يصيبه في بدنه و نحوه فلا دليل على مصونيّته منه.

و في المجمع، و روي: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كثيراً ما يعوّذ الحسن و الحسينعليهما‌السلام بهاتين السورتين.

و فيه، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُنزلت عليّ آيات لم ينزل مثلهنّ المعوّذتان، أورده في الصحيح.

أقول: و أسندها في الدرّ المنثور، إلى الترمذيّ و النسائيّ و غيرهما أيضاً، و روي ما في معناه أيضاً عن الطبرانيّ في الأوسط عن ابن مسعود، و لعلّ المراد من عدم نزول مثلهنّ أنّهما في العوذة فقط و لا يشاركهما في ذلك غيرهما من السور.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و البزّار و الطبرانيّ و ابن مردويه من طرق صحيحة

٥٥١

عن ابن عبّاس و ابن مسعود أنّه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف و يقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنّهما ليستا من كتاب الله إنّما اُمر النبيّ أن يتعوّذ بهما، و كان ابن مسعود لا يقرأ بهما.

أقول: ثمّ قال السيوطيّ قال البزّار: و لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة و قد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قرأ بهما في الصلاة و قد اُثبتنا في المصحف انتهى.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن أبي بكر الحضرميّ قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إنّ ابن مسعود كان يمحو المعوّذتين من المصحف. فقال: كان أبي يقول: إنّما فعل ذلك ابن مسعود برأيه و هو [ هما ظ ] من القرآن.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة من طرق الفريقين على أنّ هناك تواتراً قطعيّاً من عامّة المنتحلين بالإسلام على كونهما من القرآن، و قد استشكل بعض المنكرين لإعجاز القرآن أنّه لو كان معجزاً في بلاغته لم يختلف في كون السورتين من القرآن مثل ابن مسعود، و اُجيب بأنّ التواتر القطعيّ كاف في ذلك على أنّه لم ينقل عنه أحد أنّه قال بعدم نزولهما على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قال بعدم كونهما معجزتين في بلاغتهما بل قال بعدم كونهما جزء من القرآن و هو محجوج بالتواتر.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الفلق جبّ في جهنّم مغطّى.

أقول: و في معناه غير واحد من الروايات‏ في بعضها: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : باب في النار إذ فتح سعّرت جهنّم: رواه عقبة بن عامر، و في بعضها: بئر في جهنّم إذا سعّرت جهنّم فمنه تسعّر، رواه عمرو بن عنبسة إلى غير ذلك.

و في المجمع، و قيل: الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ أهل جهنّم من شدّة حرّه: عن السدّيّ و رواه أبو حمزة الثماليّ و عليّ بن إبراهيم في تفسيرهما.

و في تفسير القمّيّ، عن أبيه عن النوفليّ عن السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام

٥٥٢

قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كاد الفقر أن يكون كفراً و كاد الحسد أن يغلب القدر.

أقول: الرواية مرويّة بلفظها عن أنس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في العيون، بإسناده عن السلطيّ عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كاد الحسد أن يسبق القدر.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الحسد ليأكل الحسنات كما يأكل النار الحطب.

٥٥٣

( سورة الناس مدنيّة و هي ستّ آيات)

( سورة الناس الآيات 1 - 6)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ( 1 ) مَلِكِ النَّاسِ ( 2 ) إِلَهِ النَّاسِ ( 3 ) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ( 4 ) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ( 5 ) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( 6 )

( بيان‏)

أمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعوذ بالله من شرّ الوسواس الخنّاس و السورة مدنيّة كسابقتها على ما يستفاد ممّا ورد في سبب نزولها بل المستفاد من الروايات أنّ السورتين نزلتا معاً.

قوله تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ ) من طبع الإنسان إذا أقبل عليه شرّ يحذره و يخافه على نفسه و أحسّ من نفسه الضعف أن يلتجئ بمن يقوى على دفعه و يكفيه وقوعه و الّذي يراه صالحاً للعوذ و الاعتصام به أحد ثلاثة إمّا ربّ يلي أمره و يدبّره و يربّيه يرجع إليه في حوائجه عامّة، و ممّا يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدّده من الشرّ، و هذا سبب تامّ في نفسه، و إمّا ذو قوّة و سلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشرّ بسلطته كملك من الملوك، و هذا أيضاً سبب تامّ مستقلّ في نفسه.

و هناك سبب ثالث و هو الإله المعبود فإنّ لازم معبوديّة الإله و خاصّة إذا كان واحداً لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلّا إيّاه و لا يرجع في شي‏ء من حوائجه إلّا إليه فلا يريد إلّا ما أراده و لا يعمل إلّا ما يشاؤه.

و الله سبحانه ربّ الناس و ملك الناس و إله الناس كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله:( ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) الزمر: 6 و أشار

٥٥٤

تعالى إلى سببيّة ربوبيّته و اُلوهيّته بقوله:( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) المزمل: 9، و إلى سببيّة ملكه بقوله:( لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) الحديد: 5 فإن عاذ الإنسان من شرّ يهدّده إلى ربّ فالله سبحانه هو الربّ لا ربّ سواه و إن أراد بعوذه ملكاً فالله سبحانه هو الملك الحقّ له الملك و له الحكم(1) و إن أراد لذلك إلهاً فهو الإله لا إله غيره.

فقوله تعالى:( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) إلخ أمر لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعوذ به لأنّه من الناس و هو تعالى ربّ الناس ملك الناس إله الناس.

و ممّا تقدّم ظهر أوّلاً وجه تخصيص الصفات الثلاث: الربّ و الملك و الإله من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر و كذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الربّ أوّلاً لأنّه أقرب من الإنسان و أخصّ ولاية ثمّ الملك لأنّه أبعد منالاً و أعمّ ولاية يقصده من لا وليّ له يخصّه و يكفيه ثمّ الإله لأنّه وليّ يقصده الإنسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادّي.

و ثانياً وجه عدم وصل قوله:( مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ ) بالعطف و ذلك للإشارة إلى كون كلّ من الصفات سبباً مستقلّاً في دفع الشرّ فهو تعالى سبب مستقلّ لكونه ربّاً لكونه ملكاً لكونه إلهاً فله السببيّة بأيّ معنى اُريد السبب و قد مرّ نظير الوجه في قوله:( اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ ) .

و بذلك يظهر أيضاً وجه تكرار لفظ الناس من غير أن يقال: ربّهم و إلههم فقد اُشير به إلى أنّ كلّاً من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلّق بها العوذ وحدها من غير ذكر الاُخريين لاستقلالها و لله الأسماء الحسنى جميعاً، و للقوم في توجيه اختصاص هذه الصفات‏ و سائر ما مرّ من الخصوصيّات وجوه لا تغني شيئاً.

قوله تعالى: ( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ) قال في المجمع: الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفيّ انتهى فهو مصدر كالوسوسة كما ذكره و ذكروا أنّه سماعيّ و القياس فيه كسر الواو كسائر المصادر من الرباعيّ المجرّد و كيف كان فالظاهر

____________________

(1) التغابن: 1.

٥٥٥

كما استظهر أنّ المراد به المعنى الوصفيّ مبالغة، و عن بعضهم أنّه صفة لا مصدر.

و الخنّاس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل: سمّي الشيطان خنّاساً لأنّه يوسوس للإنسان فإذا ذكر الله تعالى رجع و تأخّر ثمّ إذا غفل عاد إلى وسوسته.

قوله تعالى: ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) صفة للوسواس الخنّاس، و المراد بالصدور هي النفوس لأنّ متعلّق الوسوسة هو مبدأ الإدراك من الإنسان و هو نفسه و إنّما اُخذت الصدور مكاناً للوسواس لما أنّ الإدراك ينسب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب و القلب في الصدر كما قال تعالى:( وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحجّ: 46.

قوله تعالى: ( مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ) بيان للوسواس الخنّاس و فيه إشارة إلى أنّ من الناس من هو ملحق بالشياطين و في زمرتهم كما قال تعالى:( شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ ) الأنعام: 112.

وأمّا قيل: إنّ الناس يطلق علي جماعة الجنّ كما يطلق علي الإنس، و قوله:( مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ) بيان للناس بهذا المعني الأعمّ فتحكّم لا يصغي إليه.

وكذا ما قيل: إنّ قوله:( وَ النَّاسِ ) معطوف علي( الْوَسْواسِ ) والمعني من شرّ الوسواس الخنّاس من الجنّة و من شرّ الناس بعيد عن الفهم كما لا يخفي.

( بحث روائي‏)

في المجمع: أبوخديجة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: جاء جبرئيل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو شاك فرقاه بالمعوّذتين و قل هو الله أحد و قال: بسم الله أرقيك و الله يشفيك من كلّ داء يؤذيك خذها فلتهنيك فقال: بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ بربّ الناس إلى آخر السورة.

أقول: و تقدّم بعض الروايات الواردة في سبب نزول السورة.

٥٥٦

و فيه، روي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس و إذا نسي التقم فذلك الوسواس الخنّاس.

و فيه، روى العيّاشيّ بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن إلّا و لقلبه في صدره اُذنان اُذن ينفث فيها الملك و اُذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس فيؤيّد الله المؤمن بالملك، و هو قوله سبحانه:( وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) .

و في أمالي الصدوق، بإسناده إلى الصادقعليه‌السلام قال: لمّا نزلت هذه الآية:( وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) صعد إبليس جبلاً بمكّة يقال له ثوير فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيّدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا. قال: لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها.

فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها. قال: بما ذا؟ قال: أعدهم و اُمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال: أنت لها فوكّله بها إلى يوم القيامة.

أقول: تقدّم بعض الكلام في الشيطان في أوائل الجزء الثامن من الكتاب.

* * *

تمّ الكتاب و الحمد لله و اتّفق الفراغ من تأليفه في ليلة القدر المباركة الثالثة و العشرين من ليالي شهر رمضان من شهور سنة اثنتين و تسعين و ثلاثمائة بعد الألف من الهجرة و الحمد لله على الدوام، و الصلاة على سيّدنا محمّد و آله و السلام.

٥٥٧

الفهرس

( سورة الملك مكّيّة و هي ثلاثون آية ). 2

( سورة الملك الآيات 1 - 14 ). 2

( بيان‏ ). 3

( بحث روائي )‏. 11

( سورة الملك الآيات 15 - 22 ). 13

( بيان‏ ). 13

( بحث روائي )‏. 18

( سورة الملك الآيات 23 - 30 ). 19

( بيان‏ ). 19

( سورة القلم مكّيّة و هي اثنتان و خمسون آية )   24

( سورة القلم الآيات 1 - 33 ). 24

( بيان‏ ). 25

( بحث روائي )‏. 35

( سورة القلم الآيات 34 - 52 ). 40

( بيان‏ ). 41

( بحث روائي )‏. 50

( سورة الحاقّة مكّيّة و هي اثنتان و خمسون آية )   53

( سورة الحاقّة الآيات 1 - 12 ). 53

( بيان‏ ). 53

( بحث روائي )‏. 58

( سورة الحاقّة الآيات 13 - 37 ). 60

( بيان‏ ). 61

( بحث روائي )‏. 66

( سورة الحاقّة الآيات 38 - 52 ). 68

( بيان‏ ). 68

٥٥٨

( سورة المعارج مكّيّة و هي أربع و أربعون آية )   72

( سورة المعارج الآيات 1 - 18 ). 72

( بيان‏ ). 72

( بحث روائي‏ ). 79

( سورة المعارج الآيات 19 - 35 ). 81

( بيان‏ ). 81

( بحث روائي‏ ). 87

( سورة المعارج الآيات 36 - 44 ). 89

( بيان‏ ). 89

( بحث روائي‏ ). 95

( سورة نوح مكّيّة و هي ثمان و عشرون آية )   96

( سورة نوح الآيات 1 - 24 ). 96

( بيان‏ ). 97

( بحث روائي‏ ). 106

( سورة نوح الآيات 25 - 28 ). 109

( بيان‏ ). 109

( سورة الجنّ مكّيّة و هي ثمان و عشرون آية )   111

( سورة الجنّ الآيات 1 - 17 ). 111

( بيان‏ ). 112

( كلام في الجنّ‏ ). 112

( بحث روائي‏ ). 121

( سورة الجنّ الآيات 18 - 28 ). 124

( بيان‏ ). 124

( بحث روائي‏ ). 135

٥٥٩

( سورة المزّمّل مكّيّة و هي عشرون آية ). 136

( سورة المزّمّل الآيات 1 - 19 ). 136

( بيان‏ ). 137

( بحث روائي‏ ). 148

( سورة المزّمّل آية 20 ). 152

( بيان‏ ). 152

( بحث روائي‏ ). 156

( سورة المدّثّر مكّيّة و هي ستّ و خمسون آية )   158

( سورة المدّثّر الآيات 1 - 7 ). 158

( بيان‏ ). 158

( بحث روائي‏ ). 163

( سورة المدّثّر الآيات 8 - 31 ). 165

( بيان‏ ). 166

( ذنابة لما تقدّم من الكلام في النفاق‏ ). 172

( بحث روائي‏ ). 174

( سورة المدّثّر الآيات 32 - 48 ). 177

( بيان‏ ). 177

( سورة المدّثّر الآيات 49 - 56 ). 182

( بيان‏ ). 182

( بحث روائي‏ ). 185

٥٦٠