زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز0%

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 171

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف: الصفحات: 171
المشاهدات: 61026
تحميل: 4622

توضيحات:

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 171 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61026 / تحميل: 4622
الحجم الحجم الحجم
زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأنت تعلم بأنّ ما جاء في كيفية الصلاة على الجنائز كانت رواية عامية، وقد ذكرها فقهاء الإمامية في كتبهم استشهاداً لا استدلالاً، فلا يمكنهم أن يلزمونا بولادة زيد وموته مع أُمّه في يوم واحد طبق محكي الخلاف، وكذا لا يمكن على ضوئه إثبات كون زيد هو ابن لأم كلثوم بنت فاطمة.

أمّا رواية القدّاح، فهي الأخرى متروكة عند أعلامنا ; لجهالة جعفر بن محمّد القمي، ومخالفتها لبعض أصول المذهب.

وقد تكون جملة (بنت عليّ) أو (بنت فاطمة) في هذه الأخبار هي من توضيحات الراوي ذكرها تبرّعاً من عند نفسه، وقد يكون الراوي قد تأثّر بالإشاعات والمؤثّرات الخارجية فأضاف هذه الزيادة، ولو علم بأنّ كلّ ذلك تحريف وتزوير لما فعل ذلك.

بعد كلّ هذا نقول: هذه الأقوال تشكّكنا في صحّة الأخبار المنقولة عن حادثة زيد بن عمر، وموته هو وأُمّه في يوم واحد، وكذا ما نقل من مسألة التوريث بينهما.

١٢١

(٤) عدة المتوفّى عنها زوجها:

(روى الكليني عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن عبدالله بن سنان، ومعاوية بن عمّار بن أبي عبدالله، قال: سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها، أتعتدُّ في بيتها، أو حيث شاءت؟ قال: بل حيث شاءت، إنّ عليّاً لمّا توفّي عمر أتى أمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته )(١) .

وفي آخر:

(فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته)(٢) .

فهذه الرواية هي الأُخرى لا تدلّ على الإنجاب.

فإن قيل: إنّها تدلّ على التزويج، وهو كاف لإثبات المراد.

قلنا: بأن تفسير الخبر جاء معه بقوله في الخبر الآخر: (ذلك فرج غُصبناه)(٣) أو (غُصبنا عليه)(٤) ، وأقصى ما يمكن في الدلالة هو وقوع التزويج عن إكراه، لا عن طيب خاطر.

وهذا لا يفيد شيئاً، بل يشير إلى المنافرة بين عليّ وعمر لا الأخّوة بينهما كما يريدون القول به.

____________________

(١) الكافي ٦: ١١٥ ح ١، وأنظر تهذيب الأحكام ٨: ١٦١، والاستيعاب ٣: ٢٥٢ كذلك، وفي السنن الكبرى للبيهقي ٧: ٤٣٦ وكنز العمّال ٩: ٦٩٤ عن الشعبي قال: نقل عليّ رضي الله عنه أُمّ كلثوم بعد قتل عمر رضي الله عنه بسبع ليال، ورواه الثوري في جامعه وقال: لأنها كانت في دار الإمارة.

(٢) الكافي ٦: ١١٥ ح ٢، وفي النوادر للراوندي: ١٨٦، عن جعفر الصادق عن أبيهعليه‌السلام : نقل عليّ بن أبي طالب ابنته أُمّ كلثوم في عدّتها حين مات زوجها عمر بن الخطّاب، لأنها كانت في دار الإمارة.

(٣) الكافي ٥: ٣٤٦ ح ٢، وسائل الشيعة ٢: ٥٦١ ح ٢٦٣٤٩ بحار الأنوار ٤٢: ١٠٦.

(٤) الاستغاثة ١: ٧٨ و ٨١، شرح الأخبار ٢: ٥٠٧، رسائل المرتضى المجوعة الثالثة: ١٤٩ و ١٥٠، الصراط المستقيم ٣: ١٣٠.

١٢٢

بل الشيخ المجلسي ذهب إلى أكثر من ذلك، وقال: إنّ هذين الخبرين [ أي خبر زرارة(١) وهشام(٢) ] لا يدلان على وقوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر، لمنافاتهما لما جاء فيالخرائج والجرائح عن الصفار...(٣) .

واحتمل آخر: بأنّ جملة: (ذلك فرج غُصبناه) جاءت على سبيل المجاراة مع من يدعي ذلك، وليس لها دلالة على وقوع التزويج.

واحتمل ثالث: أنّ الجملة: (ذلك فرج غُصبناه) استفهام استنكاري من الإمامعليه‌السلام ، وهي الأخرى لا دلالة لها على وقوع الزواج من أُمّ كلثوم.

وقرأ رابع الجملة هكذا: (ذلك فرجٌ عَصَبْنَاهُ) و(ذلك فرج عَصَبْنَا عليه).

وبنظرنا: إنّ كثيراً من هذه الأقوال هي خلاف الظهور، بل في كلام الإمام ما يشير إلى الإكراه والجبر، وهو لا يدلّ على أكثر من وقوع العقد، إذ المتوفى عنها زوجها تجب عليها العدّة وإن لم يدخل بها.

على أنّه ليس في تلك الأخبار دلالة على أنّ أُمّ كلثوم هي ابنة فاطمة، فقد تكون ابنته من غير فاطمة.

وهذا القول هو الآخر بعيد ; لأنّ علياً لم يتزوّج في زمن فاطمة بامرأة أُخرى، فلا يعقل أن تكون له بنت مؤهلة للزواج من عمر، إلاّ أن نقول بأنّها ربيبته من امرأة أخرى، والربيبة تعد في الشرع من حيث

____________________

(١) الكافي ٥: ٣٤٦ ح ١ بسنده عن زرارة، عن الصادقعليه‌السلام وفيه: (إن ذلك فرجٌ غُصبناه).

(٢) الكافي ٥: ٣٤٦ ح ٢ بسنده عن هشام بن سالم، عن الصادقعليه‌السلام ، وفيه: أنّ عمر هدَّد باتهام عليّ بالسرقة وقطع يده إن لم يزوّجه ابنته أمّ كلثوم.

(٣) أنظر: الخرائج والجرائح ٢: ٨٢(٥) ٨٢٦ ومرآة العقول ٢٠: ٤٢.

١٢٣

محرميتها بمنزلة البنت، وعند العرب بمنزلة البنت مطلقاً حتى في الإرث وغيره.

وعليه، فلا دلالة لهذا الخبر على الدخول والإنجاب كذلك، وخصوصاً لو قلنا بتنافيه مع ما رواه القطب الراوندي عن الصّفار بإسناده إلى عمر بن أذينة.

وأنّ فقهاءنا حينما قالوا بجواز اعتداد المرأة في غير بيت زوجها قالوا بذلك طبقاً لروايات كثيرة في الباب عندهم، لا لما جاء في خبر تزويج أُمّ كلثوم فقط.

١٢٤

(٥) الوكالة في التزويج:

مرّت عليك نصوص العامّة في إيكال الإمام عليّ بن أبي طالب أمر زواج أُمّ كلثوم لابنيه الحسن والحسين(١) ، لكنّ روايات أهل البيت تشير إلى أنّ الإمام قد وكّل أمرها لعمّه العبّاس اتقاءً للحرج(٢) .

وهنا سؤال يطرح نفسه، وهو: لماذا يوكّل الإمام في أمر زواج أُمّ كلثوم ابنيه، وفي آخر عمه العبّاس ولا يزوّجها هو بنفسه، وعلى أي شيء يدلّ هذا ؟ ألم يكن الأنسب - إن صحّ الخبر - أن تكون الوكالة لعمه العبّاس من ابنيه الحسن والحسين ؟ وهل تعقل بأنّ الحسن والحسين قد أغضبا والدهما عليّاً كما جاء في روايات العامّة بل كيف بعلي يغضب من قول الحق وابناه سيّدا شباب أهل الجنة يقولان ذلك، ورسول الله قال عن عليّ: إنّه مع الحقّ والحقّ معه(١) أمّا لو قلنا بأنّ كلامهما كان باطلاً (والعياذ بالله) فكيف يقولان الباطل؟!

وهل تريد هذه الرواية أن تنفي عصمة علي والحسن والحسين ، حيث إنّها تدعي أنّ عليّاًعليه‌السلام قال إنّها صغيرة تصغر عن الزواج ، في حين قال الحسن والحسين إنّها امرأة من النساء بالغة عاقلة رشيدة تختار لنفسها فما

____________________

(١) مجمع الزوائد ٤: ٢٧٤، الأوسط ٦: ٣٥٧، حياة الصحابة ٢: ٥٢٧، السنن الكبرى للبيهقي ٧: ١٣٩.

(٢) الكافي ٥: ٣٤٦، الاستغاثة: ٩١، بحار الأنوار ٤٢: ٩٣، المجموعة الثالثة من رسائل المرتضى: ١٤٩، مرآة العقول ٢٠: ٤٤.

(٣) أنظر الاحتجاج للطبرسي ١: ١٩١.

١٢٥

هو الواقع : هل إنّها صغيرة كما يقول الإمام عليعليه‌السلام ؟ أم أنّها امرأة تختار لنفسها كما يقول الحسنانعليهما‌السلام ؟ فإمّا أن يكون أحد الطرفين مخالفاً للواقع (والعياذ بالله) أو أن يكون الواضع هو الكذّاب ؟!

ولماذا توضع هذه الرواية على لسان أحد أولاد الإمام الحسنعليه‌السلام ؟ ألا تذهب معي إلى أنّ تلك النصوص وضعت للتعريض بعلي والحسن والحسين؟!

إنّ مسألة التوكيل إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عدم رضا الإمام بهذا الزواج، لكنّ العسر والحرج هما العاملان اللذان ألجئاهعليه‌السلام إلى ذلك. ولو راجعت مجمل حياة عمر بن الخطّاب لوقفت على غلظته في الأمور، وضربه ونفيه وحبسه للصحابة، وهو الذي يتّفق مع ما جاء في روايات مدرسة أهل البيت من أنّ عمر قد هدد عليّاً بقطع يده بدعوى السرقة، أو رجمه بدعوى الزنى، وأنّه لبّس ذلك على عامة النّاس بدعوى القربى إلى رسول الله.

إنها مسألة تحتاج إلى تدبّر وتفكّر، فعُد معي أخي القارئ إلى ما روته الشيعة لتقف على ما ورائيات الحديث:

عن أبن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين قال له: إنّها صبية، فأتى العباس فقال مالي؟ أبي بأس؟

قال له: وما ذاك؟ قال: خطبتُ إلى ابن أخيك فردّني أما والله لأعوِّرنَّ زمزم ولا أدع

١٢٦

لكم مكرمة إلاّ هدمتها(١) ، ولأقيمن عليه شاهدين أنّه سرق ولأقطعن يمينه. فأتاه العبّاس فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه فجعله إليه(٢) .

وروى الكوفي فيالاستغاثة قال: حدثنا جماعة من مشايخنا الثقات، منهم جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن أحمد بن المفضل، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبدالله بن سنان، قال: سألت جعفر بن محمّد عن تزويج عمر من أُمّ كلثوم، فقال: ذلك فرج غصبنا عليه.

وهذا الخبر مشاكل لما رواه مشايخنا أن عمر بعث العبّاس إلى عليّ (صلوات الله عليه) فسأله أن يزوّجه أمّ كلثوم، فامتنع عليّ من ذلك، فلما رجع العبّاس إلى عمر يخبره بامتناع عليّعليه‌السلام وأعلمه بذلك، قال: يا عبّاس ، أيأنف من تزويجي ؟! [ والله لئن لم يزوجني ] لأقتلنه.

فرجع العبّاس إلى عليّعليه‌السلام فأعلمه بذلك، فأقام عليعليه‌السلام على الامتناع، فأخبر العبّاسُ عمرَ، فقال له: يا عبّاس ، احضر يوم الجمعة في المسجد وكن قريباً مني لتعلم أنّي قادر على قتله.

فحضر العبّاس المسجد، فلمّا فرغ عمر من الخطبة، قال: أيها النّاس إنّ ها هنا رجلاً من عليّة أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد زنى وهو محصن، وقد اطّلع عليه أمير المؤمنين وحده، فما أنتم قائلون؟

فقال النّاس من كلّ جانب: إذا كان أمير المؤمنين قد اطّلع عليه فما

____________________

(١) لاحظ محاولة عمر من قبل ذلك قلع ميزاب العبّاس بن عبد المطلب عن الكعبة، راجع سير أعلام النّبلاء ٢: ٩٦.

(٢) النوادر لأحمد بن عيسى الأشعري: ١٣٠ ح ٣٣٢، الكافي ٥: ٣٥٦ ح ٢.

١٢٧

حاجته أن يطلع عليه غيره.

فلمّا انصرف عمر قال للعبّاس: امضِ إليه فأعلمه ما قد سمعت، فوالله لئن لم يفعل لأفعلن.

فصار العبّاس إلى عليّعليه‌السلام فعرّفه ذلك.

فقال عليّعليه‌السلام : أنا أعلم أنّ ذلك ممّا يهون عليه، وما كنتُ بالذي أفعل ما تلتمسه أبداً.

فقال العبّاس: إن لم تفعل أنتَ فأنا أفعل، وأقسمتُ عليك ألا تخالف قولي وفعلي.

فمضى العبّاس إلى عمر فأعلمه أن يفعل ما يريد من ذلك.

فجمع عمر النّاس فقال: إنّ هذا العبّاس عمّ عليّ، وقد جعل إليه أمر ابنته أُمّ كلثوم، وقد أمره أن يزوّجني منها، فزوّجه العبّاس، وبعث بعد مدة يسيرة فحولها إليه(١) .

كانت هذه بعض النصوص الدالة على توكيل العبّاس في أمر التزويج، وهي قد تتفق مع الأحداث آنذاك.

أما نصوص أهل السُنّة في توكيل الحسن والحسين فهي بعيدة عن الواقع بُعد الأرض عن السماء، وخصوصاً ما جاء من قولهما لعليعليه‌السلام : يا أبتاه، مَن بعد عمر!! صحب رسول الله وتوفّي وهو عنه راض، ثم ولي الخلافة بعده، فقال له أبوه: صدقت(٢) ...

وفي آخر: إنّ الحسن والحسين قالا لعلي - حيث أمرهما بتزويجه

____________________

(١) الاستغاثة: ٧(٨) ٧٩، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة ١٤: ٤٤(٣) ٤٤٤.

(٢) ذخائر العقبى: ١٧٠.

١٢٨

بقوله: زوِّجا عمّكما -: هي امرأة من النساء تختار لنفسها فقام عليّ مغضباً، فأمسك الحسن بثوبه، وقال: لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه، قال: فزوّجاه(١) .

إنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام لا يخفى عليهما قول أبيهما:

أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى... حتى إذا مضى الأوّل لسبيله أدلى بها إلى فلان بعده... حتى إذا مضى إلى سبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم(٢)

كما لا يخفى عليهما ظلم عمر لأبيهما وأمّهما وهجومه على دارهم(٣) وإسقاطهم لمحسناً(٤) .

إن سيرة عليّ والحسنين تأبى أشدّ الإباء هذه الفرية، خصوصاً إذا رأيت بعين الاعتبار قول الحسينعليه‌السلام وهو صبي صغير لأبي بكر: انزل عن منبر أبي(٥) .

خصوصاً وأنّ الخُلق العلوي الحسني الحسيني أرفع من أن تصدر منه مثل هذه المشادّات التي كانت تصدر من غيرهم.

وقد كانت لبني هاشم وأهل البيت مناكحات ومزاوجات كثيرة مع بعض الصحابة وأولادهم لم نعهد في واحدة منها مثل هذا الهرج والمرج

____________________

(١) المعجم الأوسط ٦: ٣٥٧، السنن الكبرى للبيهقي ٧: ١١٤.

(٢) نهج البلاغة ١: ٣١، الخطبة الشقشقية الرقم ٣.

(٣) الإمامة والسياسة ١: ١٩.

(٤) البدء والتاريخ ٥: ٢٠، الفصل: ١٧.

(٥) تاريخ دمشق ٣٠: ٣٠٧، شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ٦: ٤٢.

١٢٩

الذي صوّروه في قضية أمّ كلثوم، وهذا كلّه يدلّ على ما صنعته السياسة القرشية الأموية في التاريخ والشريعة.

وعلى فرض وقوع هذا الزواج المفترض، فإنّ علماء الشيعة خرجوا من هذه المشكلة بأنّ الزواج يأتي على ظاهر الإسلام، فمن شهد الشهادتين يزوَّج إلاّ الناصبي، والأخير لا يُزوّج إلا عند العسر والحرج، إذ دلّت نصوص على ذلك.

وقد روي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنه قال في جواب من قال له: قد أتيت ذنباً لا يغفر الله لك قال: وما هو؟ قال: زوَّجتَ ابنتك رجلاً من بني أُميّة. فقال أبو عبدالله: أسوتي في ذلك رسول الله قد زوج ابنته زينب ، أبا العاص بن ربيعة، وزوّج عثمان بن عفان أُمّ كلثوم فتوفيت، فزوّجه رقية بناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخطب عمر إلى عليّ ابنته أُمّ كلثوم، فردّه، فأمّا العبّاس فشكا عليه وتوعد بني عبد المطلب، فأتى العبّاس عليّاً فقال: يا بن أخي! قد ترى ما نحن فيه، وقد توعدك عمر لردّك إيّاه وتوعّدنا. ولم يزل به حتّى جعل أمرها إليه، فزوجها العبّاس منه. فالأفضل والأعلى تزويج أهل الموافقة ومَن لا ينصب العداوة لآل رسول الله، ونكاح المؤمن أفضل من نكاح غيره، ولا باس عند الضرورة بنكاح أهل الخلاف من المسلمين، وكذلك النكاح فيهم، وليس ذلك بمحرّم

١٣٠

١٣١

١٣٢

البحث العقائدي

١٣٣

١٣٤

سؤالان

هنا سؤالان يطرحان نفسيهما، وقد تطرَّف السمعاني في طرح الثاني منهما:

الأول: هل أنّ الإمام عليّاً زوّج أُمّ كلثوم عن طيب خاطر، أم أنّ تزويجه إياها كان عن إكراه وتقية؟

الثاني: لو كان عمر كافراً، فكيف بالإمام - أو وكيله - يزوّجان الكافر، أَلا يكون الإمام معرّضاً ابنته للزنا؟

جواب السؤال الأول:

ادّعى الجاحظ بأنّ الزواج كان عن طيب خاطر، فقال في كتابهالعثمانية :

ثّم الذي كان من تزويجه أمّ كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله من عمر بن الخطّاب طائعاً راغباً. وعمر يقول: إنّي سمعت رسول الله يقول: إنّه ليس سبب ونسب إلاّ [ وهو ] منقطع إلاّ نسبي. قال عليّ: إنها والله ما بلغت يا أمير المؤمنين.

١٣٥

قال: إنّي والله ما أريدها لذاك(١) . فأرسلها إليه، فنظر إليها قبل أن يتزوّجها، ثمّ زوّجها إيّاه، فولدت له زيد بن عمر، وهو قتيل سودان مروان(٢) .

ويُردّ على الجاحظ بأمور:

الأول : أنّ رسول الله لم يزوّج ابنته فاطمة من أبي بكر وعمر وهو مختار، فكيف بعلي يزوج أمّ كلثوم من عمر مختاراً وعن طيب نفس؟ وهو يقف على فارق السن والكفاءة بينهما، فلو زوّجها مختاراً كان قد خالف بذلك ما رجّحه رسول الله من عدم تزويجهم.

الثاني : أنّ عمر نفسه كان يأبى تزوّج الشيخ الكبير بالشابة، كما ستأتي قضيته في ذلك، مضافاً إلى أنّ من البعيد جدّاً أن يُزوّج عليٌّ بنته مختاراً من شخص لا يتكافأ معها من جميع الجهات، خصوصاً مع وجود شباب من بني هاشم - أبناء أخيه جعفر أو من غيرهم - يرغبون في الزواج من ابنة عليّ، فكان على عليّ - إن كان مختاراً - أن يزوجها منهم لا من عمر. بل ليس لعمر أن يقدم على أمّ كلثوم أو يصرّ على الزواج منها، وعليّ يقول له: حبستهن لأولاد أخي جعفر(٣) . فقد يكون في كلام الإمام إشارة

____________________

(١) حسب النصوص التي مَرّت عليك يتضح خلاف هذه الدعوى، فإنه ضمّها وقبّلها وكان طامعاً بها.

(٢) العثمانية: ٢٣٦ و ٢٣٧.

(٣) الطبقات لابن سعد ٨: ٤٦٣، وفيه: حبست بناتي على بني جعفر... وهو أيضاً في تاريخ دمشق ١٩: ٤٨٦، والإصابة ٨: ١٤٦٥.

١٣٦

إلى هذا الخبر: أنّ النّبي نظر إلى أولاد عليّ وجعفر فقال: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا(١) .

وهذا ليشير إلى أن الإمام كان قد أُمر بحبسهن لأولاد أخيه جعفر، فكيف بعمر يصرّ بالزواج من إحداهن، وهو الذي كان قد يلزم الآخرين بأن ينكح الرجل لمته من النساء، وأن تنكح المرأة لمتها من الرجال، وأُمّ كلثوم ليست من لمة عمر يقيناً، وخصوصاً من جهة الحسب.

فعن المجاشع الأسدي أنّه قال أتي عمر بن الخطّاب بامرأة شابّة زوّجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال: أيّها النّاس! اتّقوا الله، ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، يعني شبهها(٢) .

فكيف خالف عمر هذه القاعدة؟! أكان مصداقاً للآية الكريمة( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) (٣) إنّه تساؤل فقط؟!

الثالث: إنّ هناك روايات صدرت عن أهل البيت تُصرّح بأنّ علي بن أبي طالب زوّجها مُكرهاً، وقد مرّ عليك قسمٌ من تلك الروايات، وفي نصوص أهل السُنّة - المارّة سابقاً - ما يؤكد ذلك، إذ أنّ قول عمر: " قد علمنا ما بك "(٤) ، أو " لا والله، ما ذاك بك، ولكن أردت منعي "(٥) ، أو قوله للعبّاس كما في روايات الشيعة: " ما لي؟ أبِيَ بأس؟... أما والله لأعورن زمزم، ولا

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣: ٣٩٣ باب الأكفاء ح ٤٣٨٤.

(٢) تاريخ مدينة ٢: ٧٦٩، كنز العمال ١٥: ٧١٦ ح ٤٢٨٥٧.

(٣) البقرة: ٤٤.

(٤) الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٤.

(٥) الكافي ٥: ٣٤٦، رسائل المرتضى - المجموعة الثالثة: ١٤٩.

١٣٧

أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها، ولأقيمن عليه شاهدين بأنّه سرق "(١) أو قوله " لأفعلنّ وأفعلنّ.. ".

كلّ هذه النصوص والسير التاريخي ينقض كلام الجاحظ، ويثبت بأنّه لو كان قد زوّجها فقد زوّجها مُكرهاً لا عن طيب خاطر.

أمّا جواب السؤال الثاني:

فقد قال السمعاني فيالأنساب : لو كان أبو بكر وعمر كافرين لكان عليّ بتزويجه أُمّ كلثوم من عمر كافراً أو فاسقاً، معرّضاً ابنته للزنا ; لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض(٢) .

ونحن قبل الخوض في الإجابة عن كلام السمعاني نقول: ليس الهدف فيما نقوله هنا هو المساس بشخصية عمر بقدر ما يكون بيان وجهة نظر علماء الشيعة في جواب هذا الإشكال، وأنّ ما فرضه السمعاني لا يستلزم كفر عمر ولا وقوع الزنا، بالتقريب الآتي:

أولاً: أنّ القول بالكفر عام ولا يختص بعدم الاعتقاد بالله أو الارتداد عن الدين، فقد يشمل ما قاله الإمام عليّ حينما سئل عن الذين قاتلهم من أهل القبلة، أكافرون هم؟ قال: كفروا بالأحكام، وكفروا بالنعم، كفراً ليس ككفر المشركين الذين دفعوا النبوة ولم يقروا بالإسلام، ولو كانوا كذلك ما حلّت لنا مناكحتهم ولا

____________________

(١) الذرية الطاهرة: ١١٤، ذخائر العقبى: ١٦٧.

(٢) الأنساب للسمعاني ١: ٢٠٧.

١٣٨

ذبائحهم ولا مواريثهم(١) .

ثانياً : أنّ الشرك وما يماثله لا يستبعد وقوعهما عقلاً في الأنبياء والرسل - مع كونهم معصومين من قبل رب العالمين - فكيف بالصحابة ، لقوله تعالى:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٢) ، وقوله تعالى لا يدل على الوقوع الفعلي من قبل الرسل ، بل هو من قبيل قوله تعالى:( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلّا اللّهُ لَفَسَدَتَا ) (٣)

وقد روى الكليني بسنده عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر [الباقر] إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضاً لله (جلَّ ذكره) وما كان الله ليفتن أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده ؟ قال أبو جعفر : أو ما يقرؤون كتاب الله ، أو ليس الله يقول:( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ ) (٤) قال [الراوي] فقلت له : إنّهم يفسرون ذلك على وجه آخر فقال : أو ليس قد أخبر الله (عزّ وجلّ) عن الذين من قبلهم من الأمم أنّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حيث قال :( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَن آمَنَ وَمِنْهُم مَن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا

____________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٣٨٨، وعنه في مستدرك الوسائل ١١: ٦٦ / الحديث ١٢٤٤٠.

(٢) الزمر : ٦٥

(٣) الأنبياء : ٢٢

(٤) آل عمران : ١٤٤

١٣٩

اقْتَتَلُوا وَلكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) (١) .

وفي هذا ما يستدل به على أنّ أصحاب محمّد قد اختلفوا من بعده ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر(٢)

ثالثاً : من المعلوم أنّ الأحكام الشرعية تجري على الظواهر لا البواطن، فإن كان في نفسِ شخص كفرٌ أو نفاق أو ما شابه ذلك، فليس على المكلّف أن يرتّب على ذلك الآثار الشرعية، وإنّما تجري الأحكام على ظاهر الإسلام.

وهناك الكثير من المنافقين تركهم الرسول الأكرم وهو يعلم ما في أنفسهم من غلٍّ للإسلام والمسلمين، وقد علم بتظاهر المرأتين عليه(٣) ، وتآمر أصحاب العقبة على رميه من أعلى عقبة هرشي(٤) ، و... فلم يقتل أحداً منهم، بل كان يتألّفهم على الإسلام ويترضّاهم، ويعطيهم من حطام الدنيا من الإبل والشاة والأغنام دون المؤمنين، كلّ ذلك لأنّه مأمور بالتعامل مع النّاس بظواهر الأُمور لا ببواطنها، فحاله حال بقيّة الأنبياء، إذ أنّ نبي الله نوح ونبي الله لوط كانا يتعاملان مع المرأتين اللتين كانتا تحتهما بالظواهر، لا بالبواطن.

وجاء عن رسول الله: إنّما أقضي بينكم بالبينات والأَيْمان، فأيّما رجل

____________________

(١) البقرة : ٢٥٣

(٢) دعائم الإسلام ١: ٣٨٨، وعنه في مستدرك الوسائل ١١: ٦٦ / الحديث ١٢٤٤٠.

(٣) صحيح البخاري ٦: ٦٩، ٧٠،٧: ٤٦، صحيح مسلم ٤: ١٩٢، مسند أحمد ١: ٤٨، سُنن النسائي ٧: ١٣،و ٧١، الدر المنثور ٦: ٢٤٢،و ٢٣٩، كنز العمال ٢: ٥٣٠،و ٥٣٣.

(٤) مسند أحمد ٥: ٤٥٣، المعجم الأوسط ٤: ١٤٦، وعنه في مجمع الزوائد ١: ١١٠، ٦: ١٩٥، تفسير ابن كثير ٢: ٣٨٧.

١٤٠