زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز0%

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 171

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف: الصفحات: 171
المشاهدات: 61027
تحميل: 4622

توضيحات:

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 171 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61027 / تحميل: 4622
الحجم الحجم الحجم
زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حتّى كان رجلاً ثمّ مات(١) .

قول الزرندي

وروى الزرندي الحنفي فينظم درر السمطين (٢) وابن الجوزي فيالمنتظم (٣) والنص للأول:

إن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه خطب إلى عليّرضي‌الله‌عنه ابنته أُمّ كلثوم ، وهي من فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وقال عليّ: إنّها صغيرة.

فقال عمر: زوّجنيها يا أبا الحسن، فإنّي أرغب في ذلك، سمعت رسول الله يقول: كلّ نسب وصهر ينقطع إلا ما كان من نسبي وصهري.

فقال عليّ: إنّي مرسلها إليك تنظر إليها، فأرسلها إليه، وقال لها: اذهبي إلى عمر، فقولي له: يقول لك عليّ: رضيتَ الحلة؟

فأتته، فقالت له ذلك، فقال: نعم، رضي الله عنك، فزوّجه إياها في سنة سبع عشرة من الهجرة، وأصدقها - على ما نقل - أربعين ألف درهم، فلمّا عقد بها جاء إلى مجلس فيه المهاجرين والأنصار وقال: ألا تزفّوني؟! وفي رواية: ألا تهنئوني؟!.

قالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟

قال: تزوجت أُمّ كلثوم بنت عليّ، لقد سمعت رسول الله يقول: كلّ نسب وسبب منقطع إلاّ نسبي وسببي وصهري، وكان بهصلى‌الله‌عليه‌وآله السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر، فزفّوه ودخل بها في ذي القعدة من

____________________

(١) تاريخ بغداد ٦: ١٨٠.

(٢) نظم درر السمطين: ٢٣٥.

(٣) المنتظم ٤: ٢٣٨.

(٤) لم يكن في النصوص السابقة أنّها من فاطمة بنت رسول الله، فتأمل.

٤١

تلك السنة(١) .

قول اليعقوبي

وْقالاليعقوبي في تاريخه: وفي هذه السنة (أي سنة سبع عشرة) خطب عمر إلى عليّ بن أبي طالب أُمّ كلثوم بنت عليّ، وأمها فاطمة بنت رسول الله.

فقال عليّ: إنها صغيرة.

فقال: إني لم أرد حيث ذهبت، ولكني سمعتُ رسول الله يقول: كلّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله(٢) .

____________________

(١) انظر الاستيعاب ٤: ١٩٥(٤) ١٩٥٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٤٩.

٤٢

البحث التاريخي

٤٣

٤٤

مقدمتان

قبل الدخول في صلب البحث لابُدّ من الوقوف على مقدّمتين:

أولاهما : الوقوف على نظرة العامّة إلى الخليفة والخلافة، وهل أنّ الخليفة عندهم منصوص عليه من قبل الله ورسوله أم لا؟

ثانيهما : ما هي تصوّراتهم عن الخليفة، هل أنّه معصوم أم أنّه إنسان عادي يصيب ويخطئُ؟

أمّاالمقدمة الأوّلى :

من الثابت المشهور عن العامّة أنّهم لا يعتقدون بلزوم كون الخليفة منصوصاً عليه من قبل الله ورسوله، بل إنّ أمر الخلافة عندهم راجعٌ إلى الأمة، فتحصل تارة ببيعة أهل الحلّ والعقد أو ببيعة اثنين، أو واحد، وأُخرى بالشورى، وثالثة بالإجماع، و... فمن أنُتخب صار أماماً للمسلمين وخليفة لرسول الله!!

أمّاالمقدمة الثانية :

فهم لا يقولون بعصمة الخلفاء، بل نراهم يحدّدون ويحصرون عصمة الرسول فيما يبلّغه عن الباري جل شأنه فقط، ومعنى كلامهم: أنّهم يذهبون إلى تخطئة الرسول الأكرم في الموضوعات الخارجية وحتّى في الأحكام الشرعية التي لم ينزل فيها وحي من الله تعالى، لكونه مجتهداً،

٤٥

والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب.

هذا بصرف النظر عن واقع الخليفة، فالسير التاريخي والوقائع والنصوص أكدّت لنا خطأ الخلفاء وجهلهم في كثير من الأحكام والمواقف، لكنّنا لا نرتضي جرّ هذا القول - وبالمعكوس - على ساحة الرسول الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله والقول بأنّه كان يخطئُ أو يجتهد في الأحكام الشرعية، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان متصلاً بالوحي، يأخذ تعاليمه ومواقفه منه، فلا حاجة به للاجتهاد والإفتاء طبق الظن والتخمين.

نعم، إنهم قالوا بهذا القول كي يرفعوا بضبع بعض الصحابة من خلال الهبوط بمنزلة ومستوى الرسول الأمين، فتراهم يذهبون إلى أن الله تعالى عاتب رسوله على أخذ الفداء من أسرى بدر، وأنَّ العذاب قرب نزوله، ولو نزل لما نجا منه إلاّ عمر.

بهذه النصوص والأقوال أنزلوا الرسول المصطفى إلى منزلة رجل عادي يخطئ ويصيب، ويسبّ ويلعن، ثمّ يطلب الرحمة لمن سبّهم.

ونحن قد أجبنا عن هذه الافتراءات وأمثالها - شارحين كيفية نشوء فكرة اجتهاد النبي، ومن ثمّ تأطُّر مدرسة الاجتهاد والرأي عند العامّة، والأسباب والدواعي الكامنة وراء تناقل مثل هذه الأقوال - في كتابنا (منع تدوين الحديث ) فمن أحب فليرجع إليه.

إذاً يمكن للباحث - وبمطالعة سريعة لتاريخ صدر الإسلام - الوقوف

____________________

(١) انظر التفسير الكبير للرازي ١٥ : ١٩٨ ، المبسوط للسرخسي ١٠ : ١٣٩ ، الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٢٤٩

(٢) انظر صحيح البخاري ٥ : ٢٣٣٩ / باب هل يُصلَّى على غير النبي / ح ٦٠٠٠ ، ٤ : ٢٠٠ - ٢٠٠٩ / باب من لعنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله / ح ٢٦٠٠ ، وح ٢٦٠١ ، و ٢٦٠٢

٤٦

على أمور كثيرة صدرت من قبل الشيخين، ومن تبعهم من الخلفاء، كعثمان ومعاوية و... بُنيت على المصلحة الوهمية والرأي الشخصي، وغالبها منافية للأُصول الإسلامية ; ك-: رفع الخليفة الأوّل الرجم عن خالد بن الوليد مع ثبوت دخوله بزوجة مالك بن نويرة وهي في العدّة(١) .

وتعطيل عمر بن الخطّاب لسهم المؤلفة قلوبهم(٢) مع أنّ الله قد فرضه لهم في كتابه العزيز بقوله( ... لِلْفُقَراءِ وَالمَساكِينِ وَالعامِلِينَ عَلَيْها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (٣) .

وتشريعه للطلاق ثلاثاً(٤) مع أنّ الباري جل شأنه قال:( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (٥) .

وابتداعه لصلاة التراويح مع اعتقاده بأنّها بدعة وقوله عنها: نعمت البدعة هي(٦) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٥٠٣، البداية والنهاية ٦: ٣٥٥، أسد الغابة ١: ٥٨٨، الكامل في التاريخ ٢: ٣٥٨.

(٢) فتح القدير للشوكاني ٢: ٣٧٣.

(٣) التوبة: ٦٠.

(٤) صحيح مسلم ٤: ١٨٣، المستدرك على الصحيحين ٢: ١٩٦، مسند احمد ١: ٣١٤.

(٥) البقرة: ٢٢٩.

(٦) صحيح البخاري ٢: ٧٠٧ / باب فضل من قام رمضان ح ١٩٠٦، موطأ مالك ١: ١١٤ / باب ما جاء في رمضان ح ٢٥٠، تاريخ المدينة ٢: ٧١٣، الطبقات الكبرى ٥: ٥٩، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٤٠.

٤٧

وحرق عثمان للمصاحف مع ثبوت نهي الرسول عن حرق التوراة(١) فكيف بالقرآن العزيز؟

كلُّ هذه الأفعال والمواقف وأضعافها من هؤلاء الخلفاء اعتبرت بأنّها شرعية تحت غطاء شرعية المصلحة والاجتهاد!! وعُلِّلَ الأمر بأنّ هؤلاء الخلفاء والصحابة يعرفون مصالح الأحكام وروح التشريع أحسن من غيرهم.

فهل كانوا كذلك؟ وإذا كانوا كذلك فكيف يمكن رفع التعارض بين مواقفهم إذاً؟ ومن هو المحق:

هل أنّ عمر هو المحقّ في تهديده لخالد وقوله له: أرئاءً؟! قتلت امرئ مسلماً ثمّ ن-زوت على امرأته ! والله لأرجمنّك بأحج-ارك، ولا يكلّ-مه خال-د بن الوليد ولا يظنّ إلاّ أن رأي أبي بكر على مثل رأي عم-ر فيه حتى دخل على أبي بكر، فلمّا...(٢) .

أم أن أبا بكر هو المحقّ في قوله: يا عمر! (تأول فأخطأ)(٣) فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيفاً سلّه الله على الكافرين(٤) .

ولماذا يصرّ أبو قتادة الأنصاري على موقفه من خالد.

____________________

(١) كما في حديث عائشة، انظر: الكامل في الضعفاء ١: ٧٧.

(٢) تاريخ الطبري ٢: ٢٧٣، الإصابة ٢: ٥٥، سير أعلام النبلاء ١: ٣٧٨.

(٣) الإصابة ٥: ٧٥٥.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٢٤١، البداية والنهاية ٦: ٢٤١، أسد الغابة ١: ٥٨٨ وغيرها.

٤٨

ومن هو المحق أبو قتادة، أم أبو بكر في نهيه له؟(١)

وماذا يعني منطق الخليفة الأوّل (تأوّل)؟ وكون أعدائه (المسلمين) من الكافرين؟ هل جاء هذا الموقف لاحتياجه إلى خالد في مواقفه الأُخرى، أم لشيء آخر؟

وكيف ساغ لأبي بكر أن ينهى أبا قتادة عن التعرّض لخالد مع أنّ اعتراض أبي قتادة كان نابعاً من القرآن الكريم والسُنّة المطهرة؟

وماذا يمكننا أن نقول في المؤلفة قلوبهم؟

ومن هو المحق في القرار: هل هو أبو بكر أم عمر؟ فقد جاء في كتب التاريخ: إن أبا بكر كتب إلى عمر بأنّ يعطي المؤلفة قلوبهم حقَّهم، فلما أتوه مزق الكتاب وقال: إنا لا نعطي على الإسلام شيئاً، فمن شاء فليؤُمن ومن شاء فليكفر، ولا حاجه لنا بكم.

فرجعوا إلى أبي بكر وقالوا: هل أنت الخليفة أم عمر؟ قال: هو إن شاء الله(٢) .

وبعد هذا، كيف يمكن لغيرنا أن يصحّح المنسوب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر(٣) مع ما يراه من الاختلاف بين مواقفهم.

ولو صحّ هذا الخبر، فلماذا نرى تخلف كثير من الصحابة عما شرعه الشيخان؟ وتخطئتهم لهما في ما اجتهدا فيه في بعض الأحيان؟!

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٢: ٣٥٨.

(٢) انظر الدر المنثور ٤: ٢٢٤ في تفسير الآية ٦٠ من سورة التوبة، وتفسير المنار ١٠: ٩٦.

(٣) مسند احمد ٥: ٣٨٢، سُنن الترمذي ٥: ٢٧١.

٤٩

وما يعني ذلك؟

ألم تكن مواقفهم المخطِّئة للشيخين، وتصريحات الشيخين بأنّهما عاجزان غير عالمين في كثير من الأحايين بما جاء في الذكر الحكيم والسُنّة المطهرة، دالّة على كذب هذه المقولة؟

بل كيف بالخليفة يسأل عن الأحكام لو كان هو الإمام المقتدى المأمور بطاعته والاقتداء به؟

كلّ هذه النصوص تؤكّد على أن المصالح التي صوّرها الإعلام في مدرسة الخلفاء لم تكن شرعية وحقيقية بالمعنى الصحيح للكلمة، بل هي مصالح وهمية تصورها الخلفاء وأنصارهم ومنها وعليها سرى وجرى التشريع الحكومي لاحقاً.

بعد أن اتّضح لك جواب السؤالين السابقين وعُرف أن الخليفة ليس بمعصوم وأن الله لم ينصبه، وقد أخطأ بالفعل في كثير من الأمور، وأنّ المصالح التي تصوّرها لم تكن حقيقية عامة للجميع، بل كثير منها وهمية، أو هي مصالح خاصة فئوية.

فلابد الآن من دراسة مدّعى عمر بن الخطّاب في هذا الأمر، وهل حقاً أنه كان يريد التقرب إلى رسول الله إذ سمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (كلّ سبب أو نسب منقطع إلا سببي ونسبي)(١) أم أنه جعلها وسيلة لأمر آخر.

وهل أنّ اقتراح الزواج يرتبط بأمر سياسي، أم اجتماعي، أم عاطفي، أم غير ذلك؟

____________________

(١) السنن الكبرى ٧: ٦٤، المعجم الكبير للطبراني ٣: ١٤٥، ١١: ١٩٤، الأوسط للطبراني ٦: ٣٥٧، ورواه أيضاً التيمي في مجمع الزوائد ٤: ٢٧١.

٥٠

عمر ودعوى القرابة:

نحن لو درسنا سيرة عمر بن الخطّاب قبل وبعد الإسلام لوقفنا على حقيقة أُخرى غير ما يصوره أصحاب السير والتراجم، ولرأيناها تنافي المدّعى كمال المنافاة، لأنّه كان يصرّ في معركة بدر على لزوم قتل كلّ قريب قريبَهُ، وقد طلب بالفعل من رسول الله أن يقتل عمَّه العباس، ومن عليّ أن يقتل أخاه عقيل و.. مع أنّ رسول الله كان يؤكد له بأنّهما جاءا مكرهين للمعركة(١) . وهذه صورة واحدة عن موقفه مع قرابة رسول الله ومفهوم القرب والقرابة عنده في أوائل الإسلام، وعدم وجود ميزة للقرابة عنده.

ولا يخفى عليك بأنّ هذه الرؤية كانت هي السائدة على القرشين ومنهم عمر، فقد ورد في بعض الأخبار: إنّ صفية بنت عبد المطلب مرت على ملأ من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون الجاهلية، فقالت: منا رسول الله.

فقالوا: إنّ الشجرة لتنبت في الكبا - أي المزبلة -.

فجاءت إلى النّبي فأخبرته فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هجّر يا بلال بالصلاة، فحمد الله وأثنا عليه ثم قال على المنّبر بغضب: أيّها النّاس أنسبوني.

فقالوا: أنت رسول الله ومحمّد بن عبد الله.

فقال: أجل، أنا محمّد بن عبد الله وأنا رسول الله، فما بال أقوام

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٧ : ٣٦٣ / باب غزوة / ح ٣٦٧١٧ ، فتح الباري ٧: ٣٢٣ / ح ٣٧٩٣ ، سيرة ابن هشام ٢ : ٤٥٨ تاريخ الطبري ٢ : ٣٤ تفسير ابن كثير ٢ : ٣٢٧ / في تفسير سورة الأنفال

٥١

ينقصون أهلي؟ فوالله لأنا أفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً(١) .

وإليك الآن صورة أُخرى تنبئك عن مدى اعتقاد عمر بمنزلة القربى واحترامه للقرابة، تلك الصورة التي وجدناها في خبر تعامله مع صفّيه عمّة رسول الله في المدينة المنوّرة وبعد أن قطع الإسلام شوطاً كبيراً واستحكم، واستقرت مفاهيمه العامّة استقرار كبيراً، ومنها وجوب مودة ذي قُرباه، ومع ذلك لم يأبه عمر:

فقد أخرج الهيثمي عن ابن عبّاس قال:

توفّى ابنٌ لصفّية عمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها: يا عمّة ما يبكيك؟

قالت: توفّي ابني.

قال: يا عمّة، من تُوفيِّ له ولد في الإسلام فصبر، بنى الله له بيتاً في الجنّة، فسكتت.

ثمّ خرجت من عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستقبلها عمر بن الخطّاب فقال: يا صفية، قد سمعت صراخك، إنّ قرابتك من رسول الله لا تغني عنك من الله ش-يئاً، فبك-ت، فس-معها النبيّ وكان يكرمها ويح-بها، فقال:

يا عمّة، أتبكين وقد قلتُ لكِ ما قلتُ!!

قالت: ليس ذلك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطّاب فقال:

إنّ قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً.

قال: فغضب النبيّ، وقال: يا بلال، هجّر بالصلاة.

____________________

(١) مجمع الزوائد ٨ : ٢١٧ / باب في كرامة أصله ، إحياء علوم الدين ، للغزالي ٤: ١٠٥/ باب بيان حقيقة النعمة وأقسامها ، ينابيع المودة ٢: ٣٤٨ / الباب ٥٧

٥٢

فهجّر بلال بالصلاة، فصعد النبيُّ المنبرَ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:

ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع، كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة(١) .

ومرة أُخرى اعترض على أُمّ هاني بنت أبي طالب بقوله: اعلمي أنّ محمّداً لا يغني عنك شيئاً، فجاءت إلى النّبي، فأخبرته فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بال أقوام يزعمون أنّ شفاعتي لا تنال أهل بيتي وأنّ شفاعتي تنال " حا " و" حكم "(٢) .

فنحن لو قسنا مدّعى عمر اليوم في الزواج مع ما قاله في نأنأة الإسلام وفي عزّته لحصلنا على نتائج لا ترضي محبّيه وأنصاره، بل تشكّك الجميع في صحّة دعواه.

أمّا لو أحسنّا الظن بمدّعاه وقلنا إنّه حقاً كان يريد القرابة، لأنه عرف منزلتهم لمّا غضب النبي وهجّر بلال بالصلاة...

فلنتساءل: لو كان عمر آمن بقول رسول الله وعرف أنّ قرابته تنفع في الآخرة، مضافاً لما لها من منزلة في الدنيا! فكيف به يحتجّ بالصحبة وقربه إلى رسول الله على الأنصار - كي يبعدهم عن الخلافة - ولا يرتضي أن يسلم الخلافة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب وهو أقرب المقرّبين إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أن الإمام عليّاً ألزمه بما استدلّ به على الأنصار بقوله:

____________________

(١) مجمع الزوائد ٨: ٢١٦، وينابيع المودة ٢: ١٩٠. ورسول الله بمقولته تلك (ما بال أقوام) أراد الإشارة إلى القبائل المناهضة للرسالة وأنّ هذا الفكر هو فكرٌ لمجموعة منهم ولا يختّص بعمر بن الخطّاب لوحده، والحديث يُدل على القرابة الدينية في إطار الشفاعة وهذا ما سنوضحه لاحقاً.

(٢) سبل الهدى والرشاد ١: ٢٥٤ و ١١: ٤ و"حا" و"حكم" قبيلتان من اليمن.

٥٣

وَا عَجَبَاهُ أَتَكُونُ الْخِلاَفَةَ بِالصَّحَابَة ولا تكون بِالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ؟!

فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورَى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ

فَكَيْفَ بِهذَا وَالْمُشِيرُونَ غُيَّبُ

وَإِنْ كنْتَ بِالْقُرْبَى حَجَجْتَ خَصِيمَهُمْ

فَغَيْرُكَ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ وأَقْرَبُ(١)

بل كيف نقبل دعوى اهتمامه بالقرابة، وهو لا يولّي أحداً منهم السرايا والبلدان أيام حكومته.

بل بمَ يمكن تصحيح مدعاه وأنّه يريد بزواجه من أُمّ كلثوم التقرّب إلى رسول الله عن طريق بنته فاطمة الزهراء، في حين نراه يقول لمن اعترض عليه عند هجومه على دار فاطمة الزهراء: إن فيها فاطمة، قال: وإن(٢) .

أنسي وقوف الرسول الأعظم كلَّ يوم على بابها لمدّة ستّة أشهر بعد نزول آية التطهير يناديها وينادي أهل بيت النبوة : الصلاة الصلاة إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً(٣) ؟!

فما يعني هذا الفعل من رسول الله ، وهل أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ذلك لغواً وعن عاطفة (والعياذ بالله) أم للتأكيد على مكانة أهل البيت ؟ بل ماذا يعني وقوف الرسول على بابها لستّة أشهر وهو يكرّر قول الله سبحانه:( إِنَّمَا يُرِيدُ

____________________

(١) انظر نهج البلاغة ٤ : ٤٤ / باب المختار أمير المؤمنينعليه‌السلام ومواعظه / ١٩٠

(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٩

(٣) مسند أحمد ٣ :: ٢٥٩ ، ٢٨٥ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٥١ ح ٣٢٠٥ كتاب تفسير القران باب (ومن سورة الأحزاب) المستدرك للحاكم ٣: ١٥٨، مصنف ابن أبي شيبة ٦: ٣٩١ ح ٣٢٢٦٢ كتاب الفضائل باب في فضل فاطمة

٥٤

اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ؟

وهل هناك ارتباط بين هذه الفترة وبين الفترة التي توفّيت فيها فاطمة بعد رسول الله ، وهي ستة أشهر ، بل ما تعني وصيّتها لبعلها بأن لا يشهد جنازتها أبو بكر وعمر ، وأن يدفنها في الليل ويخفي قبرها(٢) ، وهل أنّه يرتبط بمسألة زواج عمر من أُمّ كلثوم وأنّ إصرار عمر جاء لإبعاد نفسه عمّا كان منه من قبل ؟

بل هل يمكن الجمع بين هذه المواقف وبين ما يدّعيه عن القرابة والقربى اليوم؟

ولو كان حقّاً يعرف منزلة القرابة والقربى ، فلماذا نراه يتخوّف من تولية بني هاشم ، ويحرمهم من خُمس الغنيمة(٣) ؟

بل إذا كانت القرابة لها هذه السمة المعنويّة في الدنيا والآخرة حسب اعتراف عمر ؟ فكيف به لا يحترم ابنة رسول الله ، التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها(٤) ؟ ويقول مستنقصاً مكانتها : وإن !!

إنّ عدم تفهّمهم لتلك الخصائص الإلهية - أو عدم ترتيبهم الآثار عليها -

____________________

(١) المصدر السابق

(٢) مستدرك الوسائل ، للنوري ٢ : ٣٠٤ / باب كراهة أن تتبع الجنازة بالنار والمجمرة / ح ٢٠٤٢ ، عن الجعفريات : ٢٠٥ ، مناقب بن شهرآشوب ٣: ١٣٧ / باب مناقب فاطمةعليها‌السلام ، عن الواقدي

(٣) سُنن أبي داود ٣: ١٤٧ ح ٢٩٨٤، السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٣٤٥، سُنن النسائي ٧: ١٢٩.

(٤) انظر تهذيب الكمال ٣٥: ٢٥٠ عن البخاري ٦: ١٥(٨) باب ذب الرجال عن ابنته - وفيه: فإنّما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها، صحيح مسلم ٧: ١٤١، أبي داود ١: ٤٦٠، الترمذي ٥: ٣٥٩.

٥٥

إنّما يكمن وراءه موروث قديم، وهو: احترام الرئيس ما دام حيّاً، ولا يعار للبنت أهمية، إلاّ بمقدار كونها امرأة لا توازي الرجل ولا تساويه، بل ليس لها أن تطالب بشيء من حقوقها الشرعية، وقد يكون وراء هذا الأمر مصالح وأهداف سياسية أُخرى لا يريدون الكشف عنها.

وقد رأيتَ أنّ بعض النصوص تدّعي أنّ عمر كان يريد " النسب والسبب " رغم افتراض أنّه من قريش، وله نسب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبذلك احتجّ في السقيفة، كما أنّ له سبباً من جهة ابنته حفصة، فلا يبقى لمدّعاه مجال من المصداقية.

نعم، في نصوص أُخرى التصريح بأنّه أراد المصاهرة ; وإذا صحّ هذا المدّعى من عمر لكان الأوّلى به أن يسعى إلى تلك المصاهرة مع بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة من خلال إحدى بناته ; لا من خلال بنت بنته.

فكما كان عثمان ذا نورين كان يمكن لعمر أن يكون ذا نور واحد، لكنّ التاريخ لم يحدّثنا أنه حاول تلك المصاهرة من إحدى بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير فاطمة!!

نعم، أقدم عمر على خطبة فاطمة الزهراء ربّما منافسة لعلي فرّده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتهى كلّ شيء(١) .

____________________

(١) روى النسائي بإسناده عن بريدة بن الخصيب قال: خطب أبو بكر وعمررضي‌الله‌عنه فاطمة، فقال رسول الله: إنها صغيرة، فخطبها عليّ فزوجها منه. وقد صحح الألباني هذا الخبر في صحيح النسائي ٢: ٦٧٨.

وعلق السندي على الخبر بقوله:... ففيه أن الموافقة في السنّ أو المقاربة مرعية، لكونها أقرب إلى المؤالفة نعم ، قد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشةرضي‌الله‌عنه .

لكن الأمر لم يكن كما قاله السندي، بل أغلب النصوص تصرح بأن رسول الله كان ينتظر بها القضاء وأمر الله تعالى إلى من يزوجه انظر الطبقات ٨: ١٩، مجمع الزوائد ٩: ٢٠(٤) ٢١٢، المعجم الكبير ٣: ٣٤.

٥٦

على أنّنا لا نستبعد أنّ عمر كان على علم يقين من أنّ الإمامة والأئمة من ولد فاطمةعليها‌السلام بنصّ الرسول ، فأراد ذلك لنفسه ، ولمّا ردّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاول في أيّام خلافته محاولة ثانية رام من خلالها التزوّج من إحدى بنات فاطمةعليها‌السلام ليكون له منها خَلَف يدّعي من بعد أنّهم أهل الخلافة والإمامة الذين عناهم رسول الله

وربّما يؤيد ذلك خطبة أبي بكر لفاطمة أيضاً وردّ الرسول إيّاه ، وكأنّ الإمام الصادقعليه‌السلام أشار إلى ذلك بقوله : لا يَرجع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبداً ، وذلك أنّهم نبذوا القرآن وأبطلوا السنن وعطّلوا الأحكام(١)

هذا كلّه بغض النظر عن أنّ القوم وعمر لم يفهموا كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على وجهه الصحيح، أو فهموه وحرّفوه، لأنّ مراد رسول الله هو: إن نسبه في إطار المفهوم الديني هو الباقي. وذلك من خلال عليّ والحسنين وولد الحسين ; وهم الأئمّة الإثنا عشر، الذين لا يزال الدين عزيزاً بهم(٢) ، تسعة منهم من ولد الحسين الذي هو من رسول الله ورسول الله منه(٣) .

والمراد بسببه هو: سبب الله الممدود والموصول بين السماء والأرض،

____________________

(١) الكافي ٢ : ٦٠٠ / ح ٨ وانظر تفسير العيّاشي ١: ٥ / ح ٧

(٢) صحيح مسلم ٦: ٣، مسند أحمد ٥: ٩٣، ٩٠، سُنن أبي داود ٢: ٣٠٩.

(٣) مسند أحمد ٤: ١٧٢، سُنن ابن ماجة ١: ٥١، سُنن الترمذي ٥: ٣٢٤، مصنّف ابن أبي شيبة ٧: ٥١٥، الأدب المفرد: ٨٥.

٥٧

بنص " إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي "(١) .

على أننا اليوم بالضرورة والوجدان لا نرى أولاداً نسبيّين لرسول الله إلاّ أولاد فاطمة الزهراء من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وهذه من نبوءات رسول الله ودلائل نبوته.

وعليه فإن هذه النصوص وغيرها تشكّكنا في مدّعى عمر بن الخطّاب، بل توصلنا إلى أن الأمر لم يكن كما يصوّره أتباع مدرسة الخلفاء، لأنّ العلل والأسباب التي ذكرها عمر - أو ذكروها له - في التزويج لا تتفق مع ما يهدف إليه عمر من هذا الزواج.

____________________

(١) مسند أحمد ٣: ١٨، ٢٧، ٥٩، مصنف ابن أبي شيبة ٧: ١٧٦، المعجم الكبير للطبراني ٣: ٦٦ وعنه السيوطي في الدر المنثور ٢ ٦٠.

٥٨

عمر وتزوجه من النساء:

إنّ شدّة وغلظة عمر بن الخطّاب لا يمكن لأحد أن ينكرها(١) ، حتّى إن النساء كن يكرهن التزويج منه لنظرته الخاصة والخاطئة إليهن، فجاء فيأنساب الأشراف : أن عمر نهر امرأة لأنّها تكلمت في شيء بقوله: ما أنت وهذا؟! إنما أنتنّ لعُب، فأقبلي على مغزلك، ولا تعرضي فيما ليس من شأنك(٢) ، وقد أقدم عمر على أكثر من امرأة فردَّته.

ففيتاريخ الطبري : قال المدائني: خطب - أي عمر - أُمّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة، وأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليك.

فقالت أُمّ كلثوم: لا حاجة لي فيه.

فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين.

قالت: نعم، إنه خشن العيش، شديد على النساء، فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته.

فقال: أنا أكفيك.

فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! بلغني خبرٌ، أعيذك بالله منه.

قال: وما هو؟

____________________

(١) بل أصبحت مثلاً يقاس به، فمن خطبة لعثمان بن عفان، وبعد أن كثر اعتراض الأمة عليه، قال: "... ألا فقد والله عبتم عليَّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطأكم برجله، وضربكم بيده، وقمعَكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم..." انظر تاريخ الطبري ٣: ٣٧٧.

واللطيف في الأمر أن طه حسين يصف عائشة: كانت شديدة كعمر، انظر مجموعته الكاملة ٤: ٤٥٤.

(٢) أنساب الأشراف: ١٨٩ كما في (دراسة نقدية لمرويات عمر بن الخطّاب) ط الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ١: ٢٤١.

٥٩

قال: خطبتَ أُمّ كلثوم بنت أبي بكر؟

قال: نعم.

قال: أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عني؟

قال: لا واحدة، ولكنها حدثة، نشأت تحت كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك وما نقدر أن نردّك عن خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟! كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليك.

قال: فكيف بعائشة وقد كلّمتها؟!

قال: أنا لك بها وأدلك على خير منها أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، تعلق منها بنسب من رسول الله(١)

وفي نّص آخر: أن رجلاً من قريش قال لعمر بن الخطّاب: ألا تتزوج أُمّ كلثوم بنت أبي بكر، فتحفظه بعد وفاته، وتخلفه في أهله؟

فقال عمر: بلى، إني لأحبّ ذلك، فاذهب إلى عائشة، فاذكر لها ذلك، وعد إليّ بجوابها.

فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر، فأجابته إلى ذلك وقالت له: حبّاً وكرامة.

ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة، فقال لها: ما لك يا أُمّ المؤمنين؟! فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إنّ هذه جارية حدثة، وأردت لها ألين عيشاً من عمر، فقال لها: عليَّ أن أكفيك.

وخرج من عندها، فدخل على عمر، فقال: بالرفاء والبنين، فقد بلغني

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٢٧٥ ، شرح النهج ١٢: ٢٢٢

٦٠