بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194198 / تحميل: 7311
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بإسحاق نبيا من الصالحين و باركنا عليه و على إسحاق ١ و الآية تصريح في كون الذبيح إسماعيل ، و ان اختلفت روايات العامة و الخاصة في كونه إسماعيل أو إسحاق و المعول على الآية كما انّه تعالى أجزل عطاء إسماعيل بجعل نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و المعصومين من عترته و هم أشرف الأولين و الآخرين من ذريته .

« أ لا ترون ان اللّه سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات اللّه عليه » و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام لمّا أفاض آدم من منى تلقته الملائكة و قالوا له : إنّا حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام .

« إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ و لا تنفع » لكونها جمادات .

« و لا تسمع و لا تبصر » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و لا تبصر و لا تسمع ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و بشهادة القرينة .

روى توحيد الصدوق ، ان ابن أبي العوجاء قدم مكة انكارا على من يحج ، و كان العلماء يكرهون مجالسته لخبث لسانه و فساد ضميره فجاء إلى أبي عبد اللّهعليه‌السلام في جماعة من نظرائه و قال له : ( إلى كم تدوسون بهذا البيدر ،

و تلوذون بهذا الحجر ، و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب و المدر ،

و تهرولون هرولة البعير إذا نفر ، ان من فكّر في هذا الأمر و قدر ، علم ان هذا أسسه غير ذي نظر ، فقل فانك رأس هذا الأمر و سنامه ، و أبوك أسه و نظامه .

فقالعليه‌السلام : ان من أضلّه اللّه و أعمى قلبه ، استوخم الحق فلم يعذبه ،

و صار الشيطان وليّه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره ، و هذا بيت استعبد اللّه به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه ، فحثّهم على تعظيمه و زيارته ، و جعله محلّ أنبيائه ، و قبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه ، و طريق يؤدي إلى غفرانه ،

____________________

( ١ ) الصافات : ١١١ ١١٣ .

١٢١

منصوب على استواء الكمال ، و مجتمع العظمة و الجلال ، خلقه اللّه بألفي عام قبل دحو الأرض ، و أحق من أطيع فيما أمر و زجر اللّه المنشى‏ء للأرواح و الصور فقال : ذكرت فأحلت على غائب فقالعليه‌السلام : ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ، و إليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم و يرى اشخاصهم ،

و يعلم أسرارهم ، و انما يغيب المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان ، و خلا من مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه فقال ابن أبي العوجاء لأصحابه من القاني في بحر هذا سألتكم أن تلتمسوا لي خمره فألقيتموني على جمرة قالوا ما كنت في مجلسه إلاّ حقيرا ، قال انّه ابن من حلق رؤوس من ترون .

« فجعلها » أي : تلك الأحجار التي في ذاك الموضع .

« بيته الحرام جعله للناس قياما » واضح ان الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى :جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس . .١ .

اما كونه حراما ففي ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في فتح مكة ان اللّه حرّم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و هي حرام إلى أن تقوم الساعة لم يحلّ لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و لم تحل لي إلاّ ساعة من نهار .

و اما كونه قياما للناس ، ففي ( تفسير القمي ) : قالوا ما دامت الكعبة قائمة و يحجّوا الناس إليها لم يهلكوا فإذا هدمت و تركوا الحجّ هلكوا .

« ثم جعله باوعر » أي : أغلظ .

« بقاع الأرض حجرا و أقل نتائق » جمع نتيقة و في النهاية النتق الرمي ، يقال للمرأة الكثيرة الولد ناتق لأنّها ترمي بالأولاد رميا و النتق الرفع و منه حديث عليعليه‌السلام « البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها » أي هو مظلّ عليها في

____________________

( ١ ) المائدة : ٩٧ .

١٢٢

السماء ، و منه حديثه الآخر في صفة مكة « و الكعبة أقلّ نتائق الدنيا مدرا » و الأصل فيه ان يقلع الشي‏ء من مكانه فترفعه لترمى به ، و أراد بها ههنا البلاد لرفع بنائها و شهرتها في موضعها .

« الأرض » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( الدنيا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و كما عرفته من النهاية و لأنّه ذكرت ( الأرض ) قبله و البلاغة لا يجوز تكرارها .

« مدرأ » أي : الطين المتماسك لا يخرج منه الماء .

« و أضيق بطون الأودية » جمع الوادي النهر .

« قطرا » أي : ناحية و جانبا و في رواية ( الكافي ) ( و أضيق بطون الأودية معاشا و أغلظ محال المسلمين مياها ) و كيف كان هو ناظر إلى قوله تعالى حكاية عن إبراهيمعليه‌السلام ربنا اني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عِنْدَ بيتك المحرم . .١ .

« بين جبال خشنة و رمال دمثه » أي : ليّنة يغور الماشي فيها .

« و عيون وشلة » أي : قليلة الماء و في المثل ( وهل بالرمل أوشال ) .

« و قرى منقطعة » بينها فواصل كثيرة .

« لا يزكو » أي : لا يتنعم .

« بها خف » أي : الابل .

« و لا حافر » أي : الخيل .

« و لا ظلف » أي : البقرة و الشاة و الظبي .

« ثم أمر آدم و ولده أن يثنوا » أي : يعطفوا .

« اعطافهم » أي : جوانبهم .

____________________

( ١ ) ابراهيم : ٣٧ .

١٢٣

« نحوه » في ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام صلّى في مسجد الخيف سبعمائة نبي و ان بين الركن و المقام لمشحون من قبور الأنبياء و ان آدم لفي حرم اللّه عزّ و جلّ .

و عن أبي الحسنعليه‌السلام ان سفينة نوح كانت مأمورة طافت بالبيت حيث غرقت الأرض ثم أتت منى في أيامها ثم رجعت السفينة و كانت مأمورة فطافت بالبيت طواف النساء .

و عن أبي جعفرعليه‌السلام حجّ موسىعليه‌السلام و معه سبعون نبيّا من بني إسرائيل ، و خطم ابلهم من ليف يلبون و يجيبهم الجبال و على موسى عباءتان قطوانيتان يقول لبيك عبدك ابن عبدك .

و عنهعليه‌السلام ان سليمان حجّ البيت في الجن و الانس و الطير و الرياح و كسا البيت القباطي و عن الصادقعليه‌السلام ان حيال الميزاب مصلّى شبّر و شبير إبني هارون .

و قال تعالى : .و عهدنا إلى إبراهيم و إسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود ١ .

« فصار مثابة » أي : مرجعا و يقال للمنزل مثابة لأن أهله يتصرفون في أمورهم ثم يرجعون إليه قال تعالى :و إذ جعلنا البيت مثابة للناس و أمنا ٢ .

« لمنتجع » في الصحاح النجعة طلب الكلا ، و المنتجع المنزل في طلب الكلا .

« أسفارهم و غاية » أي : نهاية .

« لملقى » أي : لمحل القاء .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ١٢٥ .

١٢٤

« رحالهم » قال تعالى لإبراهيم :و اذن في الناس بالحجّ يأتوك رجالا و على كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فج عميق ليشهدوا منافع لهم .١ و في الصحاح الرحل مسكن الرجل و ما يستصحبه من الأثاث و رحل البعير أصغر من القتب ، و قالوا في القذف : ( يا ابن ملقى ارحل الركبان ) .

« تهوى إليه ثمار الأفئدة » الأصل فيه قوله تعالى حكاية عن إبراهيمعليه‌السلام في الدعاء لذريّته : .فاَجْعَلْ أفئدة من الناس تهوى إليهم .٢ .

و المراد بثمار الأفئدة موداتهم قال الكميت :

خلائق انزلتك بقاع مجد

و أعطتك الثمار بها القلوب

و قال ابن مقبل :

لفتاة جعفى ليالي تجتني

ثمر القلوب بجيد آدم خاذل

و في حديث المبايعة ( فأعطاه صفقة يده و ثمرة قلبه ) و في خبر موت الولد يقول تعالى لملائكته قبضتم ثمرة فؤاده .

« من مفاوز » جمع المفاوزة الصحراء الموحش و اختلف ابن الأعرابي و الأصمعي في وجه التسمية قال الأول : المفازة من ( فوز ) أي هلك و قال الثاني من ( الفوز ) تفؤلا بالسلامة .

« قفار » جمع القفر ما لا نبات فيه و لا ماء .

« سحيقة » أي : بعيدة .

« و مهاوي » جمع المهوى و المهواة ما بين الجبلين .

« فجاج » جمع الفج الطريق الواسع بين الجبلين .

« عميقة » واضح ان الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى : .يأتين من كلّ

____________________

( ١ ) الحج : ٢٧ ٢٨ .

( ٢ ) ابراهيم : ٣٧ .

١٢٥

فج عميق ١ .

« و جزائر بحار منقطعة » قال الجوهري : الجزيرة واحدة جزائر البحر سميّت بذلك لانقطاعها عن معظم الأرض .

« حتى يهزوا مناكبهم ذللا » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام إذا مررت بوادي محسر واد عظيم بين جمع و منى و إلى منى أقرب فاسع فيه حتى تجاوزه فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّك ناقته و قال : اللّهم سلم لي عهدي و اقبل توبتي و أجب دعوتي و اخلفني في من تركت بعدي و روي عن عمر بن يزيد قال : الرمل في وادي محسر قدر مائة ذراع .

و روي عن سماعة ، قال : سألته عن السعي بين الصفا و المروة ، قال : إذا انتهيت إلى الدار التي على يمينك عند أوّل الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أوّل زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ، فإذا انتهيت إليه فكفّ عن السعي و امش مشيا ، و إذا جئت من عند المروة فأبدأ من عند الزقاق الذي و صفت لك ، فاذا انتهيت إلى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي و امش مشيا و ليس على النساء سعي .

و روى ( الصدوق ) ، ان من سها عن السعي يرجع القهقري إلى المكان الذي يجب فيه السعي و انّه ليس على النساء هرولة و روى الشيخ ان الراكب ليس عليه سعي و لكن ليسرع شيئا .

« يهللون » هكذا في ( المصرية ) و كذا ( ابن أبي الحديد ) و قال : و في رواية ( يهلون ) ( و ابن ميثم ) اقتصر على ( يهلون ) و نسخته بخط المصنف ، فلا بد أن النهج كان كذلك و هو الأصح فهلل أي قال : « لا إله إلاّ اللّه » و انما ههنا ( يهلّون ) بالضم من ( أهلّ المحرم ) إذا رفع صوته أي بالتلبية ، قال ابن أحمر :

____________________

( ١ ) الحج : ٢٧ .

١٢٦

يهلّ بالفرقد ركبانها

كما يهلّ الراكب المعتمر

و قال تعالى : .و ما أهل به لغير اللّه .١ .

« للّه حوله » و المراد في اهلال الحج .

« و يرملون » بالفتح .

« على أقدامهم » و المراد الهرولة بين الصفا و المروة على ما مر .

« شعثا » أي : منتشري الشعر و متغيريه لبعد تعهده و لا يجوز للمحرم حلق شعره .

« غبرا » في ألبستهم و أبدانهم و يقال للشي‏ء المندرس أغبر لوقوع الغبار عليه قال :

فأنزلهم دار الضياع فأصبحوا

على مقعد من موطن العزّ أغبر

و ( شعث ) و ( غبر ) جمع ( أشعث ) و ( أغبر ) .

« له » أي : للّه تعالى .

« قد نبذوا » أي : طرحوا .

« السرابيل » أي : الألبسة .

« وراء ظهورهم » لأن المحرم لا يجوز له لبس المخيط و يقتصر على ازار و رداء .

هذا ، و كانت سيرة الجاهلية ان من طاف منهم في ثيابه ، كان واجبا عليه التصدّق به فكان بعضهم يستعير ثوبا للطواف لئلا يجب عليه التصدّق به و إذا لم يجد عارية و كرى و كان ثوبه منحصرا يطوف عريانا ، فجاءت امرأة جميلة فطلبت عارية و كرى فلم تجده و لم يكن لها لباس غير ما عليها فطافت عريانة و أشرف لها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها و الأخرى على دبرها

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٣ .

١٢٧

و قالت :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

فما بدا منه فلا أحله

فلمّا فرغت خطبها جماعة ، فقالت ان لي زوجا .

« و شوّهوا » أي : قبحوا .

« باعفاء » أي : اكثار .

« الشعور محاسن خلقهم » و في الخبر اعف شعرك للحجّ إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا .

« ابتلاء » هو و الثلاثة المعطوفة عليها مفاعيل لها لقوله ( ثم أمر آدم و ولده ) .

« عظيما و امتحانا شديدا و اختبارا مبينا و تمحيصا » من ( محصت الذهب بالنار ) إذا خلصته ممّا يشوبه .

« بليغا » أي : بالغ الكمال .

« جعله اللّه سببا لرحمته و وصلة إلى جنته » في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحجّ ثوابه الجنّة و العمرة كفّارة لكلّ ذنب .

و عن الصادقعليه‌السلام الحاجّ و المعتمر و فد اللّه ان سألوه أعطاهم ، و ان دعوه أجابهم ، و ان شفعوا شفعهم ، و ان سكتوا ابتدأهم ، و يعوضون بالدرهم ألف درهم .

« و لو أراد سبحانه » و في ( ابن ميثم ) ( و لو أراد اللّه سبحانه ) .

« ان يجعل بيته الحرام و مشاعره العظام » في الصحاح المشاعر مواضع المناسك و المشعر الحرام أحد المشاعر .

« بين جنات و أنهار و سهل » نقيض الحزن و الجبل .

« و قرار » أي : المستقر من الأرض .

١٢٨

« جمّ » أي : كثير .

« الأشجار داني الثمار » لكثرتها .

« ملتف البنا » هكذا في النهج ، و لكن في ( الكافي ) ( ملتف النبات ) و هو أصحّ فيكون في معنى قوله :و جنات الفافا ١ .

« متصل القوى » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( القرى ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و حينئذ فمتصل القرى هنا في قبال قوله قبل ( و قرى منقطعة ) .

« بين برة » بالضم القمح و هو الحنطة .

« سمراء » لون الحنطة .

« و روضة خضراء » قال الجوهري : الروضة من البقل و العشب .

« و أرياف » أي : اراض فيها خصب .

« محدقة » أي : محيطة لا ذات حدائق كما قال الخوئي فلا يشتق من الحديقة و انما زادت رواية ( الكافي ) بعد ( و طرق عامرة ) ( و حدائق كثيرة ) .

« و عراص » جمع العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شي‏ء من بناء .

« مغدقة » أي : كثيرة الماء و الندى و النبت .

« و رياض » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و زروع ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ، و كما في الكافي .

« ناضرة » ذات رونق .

« و طرق عامرة » أي : معمورة مثل ( ماء دافق ) و ( عيشة راضية ) قال الجوهري : ( عمرت الخراب فهو عامر و معمور ) .

____________________

( ١ ) النبأ : ١٦ .

١٢٩

« لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء » و في ( الكافي ) ( قد صغر الجزاء ) بدون ( قدر ) .

و صدقعليه‌السلام فان الجزاء يختلف بحسب كمية العمل و كيفيته و بحسب أهميته ، و لذا كانت ضربتهعليه‌السلام يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين كما ان بيعتهم يوم السقيفة أعظم و زرا من أوزار الثقلين .

« و لو كان » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و لو كانت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) و كذا ( الكافي ) .

« الأساس » اما بالكسر جمع الاس ، مثل عس و عساس و اما بالمد جمع الأسس مثل سبب و أسباب ، و ليس بالفتح فيكون مفردا بشهادة ( كانت ) و ( عليها ) و لعطف ( الأحجار ) عليها .

« المحمول عليها و الأحجار المرفوع بها » قال ابن أبي الحديد يجوز أن يكون نائب الفاعل في ( المحمول ) و ( المرفوع ) ضمير البيت و يجوز أن يكون النائب ( عليها ) و ( بها ) قلت بل يتعيّن أن يكون النائب الضمير لأن المعنى حمل البيت على الأساس و رفع البيت بالأحجار و ليس مثل ( زيد ممرور به ) في كون ( به ) نائبا لأنّه لا يقال ( ممرور زيد ) .

« بين زمردة خضراء و ياقوته حمراء و نور و ضياء » في ( المعجم ) ( كوكبان ) جبل قرب صنعاء و إليه ينسب ( قصر كوكبان ) قيل سمّى ( كوكبان ) لأن قصره كان مبنيا بالفضة و الحجارة ، و داخله بالياقوت و الجوهر و كان ذلك الدّر و الجوهر يلمع بالليل كما يلمع الكوكب .

« لخفف ذلك مسارعة » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( مصارعة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و في ( الكافي ) و لكن قال ابن أبي الحديد و روى ( مضارعة ) و معناه مقارنة الشك و دنوه من النفس و أصله من ( مضارعة

١٣٠

القدر ) إذا حان إدراكها ، و من مضارعة الشمس إذا دنت للمغيب و قال الراوندي : أي مماثلة الشك و مشابهته ، و هذا بعيد لأنّه لا معنى للمماثلة و المشابهة هنا و الرواية الصحيحة بالمهملة .

قلت : و كما لا معنى للمشابهة هنا كما قاله الراوندي لا صحّة لمّا قاله ابن أبي الحديد نفسه من كونه من ( مضارعة القدر ) و من ( مضارعة الشمس ) فلم يستعمل ما قاله و انما يقال ( تضريع القدر ) و ( تضريع الشمس ) قال الجوهري :

( و تضريع الشمس دنوها للغروب ، و يقال أيضا ( ضرعت القدر ) أي حان ان تدرك و المضارعة المشابهة ) و حينئذ فالصواب ان يقال بسقوط تلك الرواية لعدم معنى له و منه يظهر خطأ الخوئي في قوله و في بعض الروايات مضارعة بالمعجمة أي المقاربة .

« الشك في الصدور و لوضع مجاهدة إبليس » الذي يوسوس في الصدور .

« عن القلوب ، و لنفي معتلج » من ( اعتلجت الأمواج ) التطمت .

« الريب » أي : الشك .

« من الناس » .

في ( طبقات كاتب الواقدي ) و ( تاريخ الطبري ) في قصة أصحاب الفيل ان ابرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحجّ إلى بيت اللّه ، فسأل أين يذهب الناس ؟ فقالوا : إلى بيت اللّه بمكة ، قال ممّا هو ؟ قالوا : من حجارة قال :

و ما كسوته ؟ قالوا : ما يأتي من ههنا الوصائل ، قال : و المسيح لأبنينّ لكم خيرا منه فبنى لهم بيتا عمله بالرخام الأبيض و الأحمر و الأصفر و الأسود و حلاّه بالذهب و الفضة ، و حفّه بالجوهر و جعل له أبوابا عليها صفائح الذهب ،

و مسامير الذهب ، و فصل بينهما بالجوهر ، و جعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة ،

و جعل له حجابا ، و كان يوقد فيه بالمندني و يلطخ جدرانه بالمسك فيسود

١٣١

حتى يغيب الجوهر و أمر الناس فحجّوه فحجّه كثير من قبائل العرب سنين و مكث فيه رجال يتعبدون و يتألهون و نسكوا له .

و كان نفيل الخثعمي يورض له ما يكره فأمهل ، فلمّا كان ليلة من الليالي لم ير أحدا يتحرّك فقام فجاء بعذرة فلطّخ بها قبلته ، و جمع جيفا فألقاها فيه فأخبر ابرهة بذلك فغضب غضبا شديدا ، و قال انما فعلت العرب هذا غضبا لبيتهم لأنقضنه حجرا حجرا الخ .

« و لكن اللّه يختبر » أي : يمتحن .

« عباده بأنواع الشدائد » اختبر تعالى مسلمي مكة بالصلاة إلى بيت المقدس و اختبر عز و جل مسلمي المدينة بالصلاة إلى الكعبة على خلاف هواهم .

« و يتعبدهم بأنواع المجاهد » تعبد تعالى عباده بعد حجّ بيته بزيارة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله و زيارة المعصومين من عترته تكملة للحجّ ليميّز بين المتعبّد و المتمرد و في ( كامل المبرد ) ، و ممّا كفرت الفقهاء به الحجاج قوله و الناس يطوفون بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انما يطوفون بأعواد و رمة .

« و يبتليهم بضروب » أي : اقسام .

« المكاره » قال تعالى :و إذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم .١ فلمّا فصل طالوت بالجنود قال ان اللّه مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني و من لم يطعمه فانّه مني إلاّ من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلاّ قليلا منهم .٢ .

____________________

( ١ ) البقرة : ٥٤ .

( ٢ ) البقرة : ٢٤٩ .

١٣٢

« اخراجا للتكبّر من قلوبهم » و هو دليل على كون التكبر في نهاية المنفورية عند الشارع .

« و اسكانا للتذلل » أي : التواضع .

« في نفوسهم » و هو دليل على كون التواضع في غاية المحبوبية عنده .

« و ليجعل » عطف على ( اخراجا ) و عطف الفعل على شبهه و بالعكس كثير .

« ذلك » أي : الاختبار ، بأنواع الشدائد و ما عطف عليه .

« أبوابا فتحا إلى فضله » و في ( الكافي ) ( أبوابا إلى فضله ) .

« و أسبابا ذللا لعفوه » زاد في ( الكافي ) ( و فتنه كما قال تعالى :آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين ١ .

« فاللّه اللّه في عاجل البغي » روى ( عقاب الأعمال ) عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في كتاب عليعليه‌السلام : ثلاث خصال لا يموت صاحبها أبدا حتى يرى و بالهن :

البغي ، و قطيعة الرحم ، و اليمين الكاذبة يبادر اللّه بها .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان أعجل الشرّ عقوبة البغي و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أيها الناس ان البغي يقود أصحابه إلى النار و ان أوّل من بغى على اللّه تعالى عناق بنت آدم ، و أول قتيل قتله اللّه عناق و كان مجلسها جريب في جريب و كان لها عشرون اصبعا في كلّ اصبع ظفران مثل المنجلين فسلط اللّه عليها أسدا كالفيل و ذئبا كالبعير و نسرا مثل البغل فقتلتها ، و قد قتل اللّه تعالى الجبابرة على أفضل أحوالهم و آمن ما كانوا .

و عنهعليه‌السلام يقول إبليس لجنوده : القوا بينهم الحسد و البغي ، فانما

____________________

( ١ ) العنكبوت : ١ ٣ .

١٣٣

يعدلان عند اللَّه تعالى الشرك و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يتعوّذ كلّ يوم من ست خصال : من الشك و الشرك ، و الحمية ، و الغضب ، و البغي و الحسد .

« و آجل وخامة الظلم »فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا .١ فقطع دابر القوم الذين ظلموا .٢ . و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

« و سوء عاقبة الكبر » في ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام قال الحواريون لعيسىعليه‌السلام يا معلم الخير أعلمنا أي الأشياء أشدّ ؟ فقال : غضب اللَّه تعالى قالوا بم نتقيه ؟ قال : بأن لا تغضبوا قالوا و ما بدء الغضب ؟ قال : الكبر و التجبر و محقرة الناس .

و عنهعليه‌السلام أصول الكفر ثلاثة : الحرص و الاستكبار و الحسد اما الاستكبار فابليس أمر بالسجود فأبى الخبر .

« فانها مصيدة إبليس العظمى و مكيدته الكبرى » في ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام قال ابليس لجنوده : إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم ابال ما عمل فانّه غير مقبول منه إذا استكثر عمله و نسى ذنبه ، و دخله العجب .

هذا ، و في ( كامل ) المبرد قال الأصمعي : سمعت اعرابيا يقول لآخر :

أترى هذه العجم تنكح نسائنا في الجنّة ، قال : أرى ذلك و اللَّه بالأعمال الصالحة ،

قال توطأ و اللَّه رقابنا قبل ذلك و يروى ان ناسكا من الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول : اللّهم اغفر للعرب خاصة و للموالي عامة و أما العجم فهم عبيدك و الأمر إليك و كان نافع بن عيسى من بني نوفل بن عبد مناف إذا مرّت عليه جنازة فان قيل قرشي قال و اقوماه و ان قيل عربي قال و امادتاه ، و ان قيل مولى أو عجم قال اللّهم عبادك تأخذ من شئت و تدع من شئت .

____________________

( ١ ) النمل : ٥٢ .

( ٢ ) الانعام : ٤٥ .

١٣٤

« التي تساور » أي : تغالب و تواثب .

« قلوب الرجال مساورة السموم القاتلة » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام النظر سهم من سهام إبليس مسموم و كم من نظرة أورثت حسرة طويلة .

« فما تكدى » من ( أكدى الحافر ) إذا بلغ الكدية أي الأرض الصلبة التي لا تحفر و الظاهر كون الفاعل ضمير المصيدة و المكيدة .

« ابدا و لا تشوى » من ( رماه فأشواه ) إذا لم يصب المقتل .

« أحدا لا عالما لعلمه » و عنهعليه‌السلام رب عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه ) .

و في ( الخصال ) عنهعليه‌السلام ان اللَّه تعالى يعذب ستة بستة : العرب بالعصبية ، و الدهاقنة بالكبر ، و الامراء بالجور ، و الفقهاء بالحسد ، و التجار بالخيانة ، و أهل الرستاق بالجهل .

« و لا مقلا في طمره » أي : ثوبه الخلق .

« و عن ذلك ما حرس اللَّه عباده المؤمنين بالصلوات و الزكوات و مجاهدة الصيام في الأيام المفروضات » فقال تعالى في أمر الصلاة : .و أقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر اللَّه أكبر .١ و في الزكاة :خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها و تزكيهم .٢ و في الصيام : .كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون أياما معدودات ٣ .

« تسكينا لأطرافهم » أول ( العلل ) لايجاب الصلوات .

و في ( الكافي ) عن حمّاد بن عيسى قال لي أبو عبد اللَّهعليه‌السلام يوما أتحسن ان تصلّي قلت : أحفظ كتاب حريز في الصلاة فقال : لا عليك قم فصلّ ، فقمت

____________________

( ١ ) التوبة : ١٠٣ .

( ٢ ) التوبة : ١٠٣ .

( ٣ ) البقرة : ١٨٣ ١٨٤ .

١٣٥

بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت و ركعت و سجدت فقال لا تحسن أن تصلّي ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون فما يقيم صلاة واحدة بحدودها فأصابني الذلّ في نفسي فقلت فعلّمني فقامعليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضمّ أصابعه و قرّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات و استقبل بأصابع رجليه لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة الخبر .

« و تخشيعا لأبصارهم » في ( الفقيه ) عن الصادقعليه‌السلام في خبر و اخشع ببصرك و لا ترفعه إلى السماء و ليكن نظرك إلى موضع سجودك الخبر .

« و تذليلا لنفوسهم » في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام ان علّة الصلاة انها اقرار بالربوبية للَّه تعالى و خلع الأنداد و قيام بين يدي الجبار جلّ جلاله بالذلّ و المسكنة و الخضوع و الاعتراف .

« و تخفيضا لقلوبهم » عن الارتفاع .

« و إذهابا للخيلاء » أي : الكبر .

« عنهم لما في ذلك » أي : اداء الصلاة .

« من تعفير » من ( عفره في التراب ) مرغه .

« عتاق » أي : كرائم .

« الوجوه بالتراب تواضعا » له تعالى .

« و التصاق كرائم الجوارح » و هي الكفّان و الركبتان و الابهامان .

« بالأرض تصاغرا » في نفوسهم ، و في خبر ( العلل ) المتقدّم بعد ما مر و الطلب للإقالة من سالف الذنوب و وضع الوجه على الأرض كلّ يوم خمس مرات اعظاما للَّه تعالى و ان يكون ذاكرا غير ناس و لا بطرا و يكون خاشعا متذللا طالبا للزيادة في الدين و الدنيا مع ما فيه من الانزجار و المداومة على

١٣٦

ذكر اللَّه تعالى بالليل و النهار لئلا ينسى العبد سيّده و مدبره و خالقه فيبطر و يطغى و يكون في ذكره لربه و قيامه بين يديه زاجرا له عن المعاصي و مانعا له عن أنواع الفساد .

« و لحوق » أي : لصوق .

« البطون بالمتون » أي : الظهور .

« من الصيام » أي : من جوعه .

« تذللا » و في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام علّة الصوم لعرفان مس الجوع و العطش ليكون العبد ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات و اعظا له في العاجل ، دليلا على العاجل ليعلم مبلغ ذلك من أهل الفقر و المسكنة في الدنيا و الآخرة .

« مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الأرض » الغلات الأربع وجوبا و باقي الحبوبات استحبابا .

« و غير ذلك » من الأنعام الثلاثة و النقدين .

« إلى أهل المسكنة و الفقر » في ( العلل ) عن الصادقعليه‌السلام ان اللَّه تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس لهم ان يصرفوها إلى غير شركائهم .

و عنهعليه‌السلام ان اللَّه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به .

و لو علم ان الذي فرض لهم لم يكفهم لزادهم ، فانما يؤتي الفقراء في ما أوتوا من منع من منعهم لا من الفريضة .

« انظروا إلى ما في هذه الأفعال » الصلاة و الصيام و الزكاة .

« من قمع » أي : قلع .

« نواجم » من ( نجم النبت ) ظهر و طلع الفخر .

١٣٧

« و قدع » من ( قدعت فرسي ) أي : كففته عن جريه الكثير .

« طوالع الكبر » .

و في ( العلل ) سئل الباقرعليه‌السلام عن علّة النهي عن الصلاة و هو متوشح فوق القميص فقالعليه‌السلام : لعلّة التكبر في موضع الاستكانة و الذل .

٤ الحكمة ( ١٣٦ )

اَلصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ وَ اَلْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ وَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ زَكَاةٌ وَ زَكَاةُ اَلْبَدَنِ اَلصِّيَامُ وَ جِهَادُ اَلْمَرْأَةِ حُسْنُ اَلتَّبَعُّلِ أقول : هو مأخوذ من أربعمائة باب للدين و الدنيا ، المروي عنهعليه‌السلام ذكره ابن أبي شعبة الحلبي في تحفه .

« الصلاة قربان كلّ تقي » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام سئل عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربهم ؟ فقالعليه‌السلام : ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات ألا ترى ان العبد الصالح عيسىعليه‌السلام قال : .و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا ١ .

و عنهعليه‌السلام أحب الأعمال إلى اللَّه تعالى الصلاة و هي : آخر وصايا الأنبياء فما أحسن من الرجل أن يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنيس فيشرف عليه و هو راكع أو ساجد ان العبد إذا سجد فأطال الصلاة نادى إبليس ياويله أطاع و عصيت و سجد و أبيت .

و عنهعليه‌السلام إذا قام العبد إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض و حفّت به الملائكة و ناداه ملك لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل .

____________________

( ١ ) مريم : ٣١ .

١٣٨

« و الحج جهاد كلّ ضعيف » في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحجّ أحد الجهادين و هو جهاد الضعفاء و نحن الضعفاء اما انّه ليس أفضل من الحجّ إلاّ الصلاة ،

و في الحج ههنا صلاة و ليس في الصلاة حج ، لا تدع الحجّ و أنت تقدر عليه أما ترى انّه يشعث فيه رأسك و يقشف فيه جلدك و تمتنع فيه من النظر إلى النساء و انا نحن ههنا قريب و لنا مائة قرى متصلة ما نبلغ الحجّ حتى يشق علينا فكيف أنتم في بعد البلاد و ما من ملك و لا سوقة يصل إلى الحج إلاّ بمشقة في تغيير مطعم أو مشرب أو ريح أو شمس لا يستطيع ردها و ذلك قوله تعالى :

و تحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس ان ربكم لرؤوف رحيم ١ .

و عن الثمالي ، قال رجل لعلي بن الحسينعليه‌السلام تركت الجهاد و خشونته و لزمت الحج و لينه ، فقالعليه‌السلام له : ويحك أما بلغك ما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع لمّا وقف بعرفة ان ربكم تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم و شفع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفورا لكم .

و روى ( الفقيه ) ان الرجل قال لهعليه‌السلام آثرت الحج و قد قال تعالى :ان اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة .٢ فقالعليه‌السلام : فاقرأ ما بعدها التائبون العابدون . إلى آخر الآية فإذا رأيت هؤلاء فالجهاد معهم يومئذ أفضل .

و عن الرضاعليه‌السلام قيل له : بلغنا انّه قيل لبعض آبائك في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين و عدوّ يقال له الديلم فهل من جهاد أو رباط ؟ فقال عليكم بهذا البيت فحجّوه ، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ينفق على عياله ينتظر

____________________

( ١ ) النحل : ٧ .

( ٢ ) التوبة : ١١١ .

١٣٩

أمرنا فان أدركه كان كمن شهد بدرا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و ان لم يدركه كان كمن قام مع قائمنا في فسطاطه هكذا و هكذا و جمع بين سبابتيه فقالعليه‌السلام هو على ما ذكر .

« و لكلّ شي‏ء زكاة » حتى ان زكاة الجاه قضاء حوائج الناس .

« و زكاة البدن الصيام » في ( العلل ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا أوجب اللَّه له سبع خصال أوّلها يذوب الحرام من جسده .

« و جهاد المرأة حسن التبعل » في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام كتب اللَّه الجهاد على الرجال و النساء فجهاد الرجل بذل ماله و نفسه حتى يقتل في سبيل اللَّه ، و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها و غيرته و في الاستيعاب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ان حسن تبعل احداكن لزوجها و طلبها لمرضاته و اتباعها لموافقته يعدل كلّ ما ذكرت للرجال أي ما فضلوا به من الجمعات و شهود الجنائز و الجهاد فانصرفت و هي تهلل و تكبر استبشارا بما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لها .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد أوصت إمرأة بنتها ليلة هدائها فقالت لها : لو تركت الوصية لأحد لحسن أدب و كرم لتركتها لك لكنها تذكرة للغافل انّك قد خلفت العش الذي فيه درجت ، و الوكر الذي منه خرجت إلى منزل لم تعرفيه ،

و قرين لم تألفيه فكوني له أمة يكن لك عبدا و احفظي عني خصالا عشرا أما الأولى و الثانية ، فحسن الصحابة بالقناعة ، و جميل المعاشرة بالسمع و الطاعة ، ففي حسن الصحابة راحة القلب ، و في جميل المعاشرة رضى الربّ .

و الثالثة و الرابعة ، التفقد لمواقع عينه و التعهد لمواضع أنفه ، فلا يقع عينه منك على قبيح ، و لا يجد أنفه منك خبيث ريح ، و اعلمي ان الكحل أحسن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617