بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194199 / تحميل: 7311
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الحسن المفقود ، و ان الماء أطيب الطيب الموجود .

و الخامسة و السادسة ، الحفظ لماله و الارعاع على حشمه و عياله ،

و اعلمي ان أصل الاحتفاظ بالمال حسن التقدير ، و أصل الارعاع على الحشم و العيال حسن التدبير .

و التاسعة و العاشرة ، لا تفشين له سرّا ، و لا تعصين له أمرا ، فانّك ان أفشيت سره لم تأمني غدره ، و ان عصيت أمره أو غرت صدره .

و قال : و انكح ضرار بن عمرو الضبي ابنته من معبد بن زراة فلمّا أخرجها إليه قال : يا بنية امسكي عليك الفضلين : فضل الغلمة ، و فضل الكلام و ضرار هو الذي رفع عقيرته بعكاظ و قال ألا ان شرّ حائل أم فزوجوا الأمهات و ذلك انّه صرع بين الرماح فاشبل عليه اخوته لامه حتى استنقذوه .

و قال : و من قبيح التبعل ما أوصت اعرابية ابنتها عند هدائها فقالت لها :

اقلعي زج رمحه فان أقر فاقلعي سنانه ، فان أقر فاكسري العظام بسيفه ، فان أقرّ فاقطعي اللحم على ترسه ، فان أقر فضعي الاكاف على ظهره ، فانما هو حمار .

٥ الحكمة ( ٧ )

اَلصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ وَ أَعْمَالُ اَلْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجِلِهِمْ أقول : و جعله ابن ميثم و الخطّية جزء العنوان الثاني و لا يأباه ابن أبي الحديد .

« الصدقة دواء منجح » قال ابن أبي الحديد هو مثل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله داووا مرضاكم بالصدقة .

١٤١

« و أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم » قال :هو من قوله تعالى يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء . .١ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره ٢ و من كلام بعضهم انما تقدّم على ما قدمت ، و لست تقدم على ما تركت فاثر ما تلقاه غدا على ما لا تراه أبدا .

٦ من غريب كلامه ( ٦ ) و في حديثهعليه‌السلام :

إِنَّ اَلرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ اَلدَّيْنُ اَلظَّنُونُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى إِذَا قَبَضَهُ فالظنون الذي لا يعلم صاحبه أ يقضيه من الذي هو عليه أم لا فكأنه الذي يظن به فمرة يرجوه و مرة لا يرجوه و هذا من أفصح الكلام و كذلك كل أمر تطلبه و لا تدري على أي شي‏ء أنت منه فهو ظنون و على ذلك قول ؟ الأعشى ؟

من يجعل الجد الظنون الذي

جنب صوب اللجب الماطر

مثل الفراتي إذا ما طما

يقذف بالبوصي و الماهر

و الجد البئر العادية في الصحراء و الظنون التي لا يعلم فيها ماء أم لا « ان الرجل إذا كان له الدين الظنون يجب عليه أن يزكيه لما مضى إذا قبضه » الأصل في نسبته إليهعليه‌السلام أبو عبيدة على نقل ابن أبي الحديد فقال : العمل

____________________

( ١ ) آل عمران : ٣٠ .

( ٢ ) الزلزلة : ٧ ٨ .

١٤٢

عندنا على قول عليعليه‌السلام من كون الزكاة بعد القبض على الدائن و ان كان لا يرجوه ، لا على المديون كما روي عن إبراهيم » إلاّ انّه غير معلوم ، فقال الجزري في نهايته ، في حديث عمر : ( لا زكاة في الدين الظنون ) أي الذي لا يدري صاحبه يصل إليه أم لا ، و منه حديث علي و قيل عثمان ( في الدين الظنون يزكيه إذا قبضه لمّا مضى )١ و لا أثر لنا في الظنون إذا كان بالمعنى الذي ذكره المصنف بل قال السيد و الشيخان : ( لا زكاة في الدين إلاّ إذا كان تأخيره من جهة مالكه ) و حينئذ فيمكن حمل ( الظنون ) على ما إذا ظن انّه إذا أراد الداين أخذه أمكنه ، و هكذا نقل ابن ميثم تفسيره عن بعض و ظاهر العماني و الاسكافي وجوب الزكاة على المديون مطلقا و به قال الحلي٢ .

هذا و نقل ابن ميثم في الشقشقية عن الكيدري عن بعض الكتب القديمة في تفسير الكتاب المذكور فيها الذي ناولهعليه‌السلام سوادي ان في ذاك الكتاب كان عشر مسائل و خامستها ( رجل عليه من الدين ألف درهم و له في كيسه ألف درهم فضمّنه ضامن بألف درهم فحال عليهما الحول فالزكاة على أي المالين يجب ؟ فقال : ان ضمن الضامن باجازة من عليه الدين فلا يكون عليه و ان ضمنه من غير اذنه فالزكاة مفروضة في ماله ) .

قول المصنف .

« فالظنون الذي » و في ( ابن ميثم ) ( هو الذي ) .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٦٤ ، مادة ( ظن ) منشورات اسماعيليان قم .

( ٢ ) يقول العلاّمة : و اما الدين : فإن كان معسرا أو جاحدا أو مما طلا ، أو كان مؤجلا ، لم تجب فيه الزكاة نهاية الأحكام ٢ : ٣٠٣ ، مؤسسة اسماعيليان ، قم ، و يقول المحقق الحلّي في « المعتبر » : للاصحاب في زكاة الدين قولان : أحدهما لا زكاة فيه حتى يحصل إلى صاحبه ، و يحول عليه الحول . و الآخر فيه الزكاة إذا كان تأخيره من جهة صاحبه ، بأن يكون على ملي باذل و هو مذهب الشيخين في النهاية و المبسوط ، و مذهب الشافعي و أبي حنيفة ، و مالك و أحمد :

راجع « المعتبر في شرح المختصر » لنجم الدين المحقق الحلي ٢ : ٤٩ ، مؤسسة سيد الشهداء ، قم .

١٤٣

« لا يعلم صاحبه أ يقضيه » هكذا في المصرية ، و الصواب : « ايقبضه » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية .

« من الذي هو عليه أم لا » إلى فمرة يرجوه و مرة لا يرجوه » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد و الخطّية ) و لكن في ( ابن ميثم ) ( تارة يرجوه و تارة لا يرجوه ) .

« و هذا من أفصح الكلام » حيث عبّر عن معنى كثير بلفظ يسير .

« و كذلك كلّ امر تطلبه و لا تدري على أي شي‏ء أنت منه » و في ( الجمهرة ) ( و الظنون الذي لا يوثق بما عنده ، و كذلك في الركى أي لا يوثق بمائها ) .

« و على ذلك قول الأعشى » في تفضيل عامر على علقمة ( ما ) هكذا في ( المصرية ) و نسخة من ابن ميثم و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطّية ) ( من ) .

« يجعل الجد » بالضم .

« الظنون الذي جنب » أي : تجنب .

« صوب » أي : جانب .

« اللجب » وصف للسحاب المقدر ، و اللجب بالكسر الصوت .

« الماطر » .

« مثل الفراتي » أي : الفرات و الياء للتوكيد كقوله : « و الدهر بالانسان دواري » .

« إذا ما طما » من ( طما الماء ) إذا ارتفع .

« يقذف » أي : يرمي .

« بالبوصي » في ( الجمهرة ) البوصي السفينة و كانت بالفارسية بالزاي ،

فقلبتها العرب صادا .

« و الماهر » أي : السابح .

١٤٤

« و الجد البئر » اقتصر عليه ابن ميثم و زاد ابن أبي الحديد ( العادية في الصحراء ) و قال المعروف ان الجد بئر في موضع كثير الكلأ لا في الموات .

و مثل قول الأعشى قول الأخطل في يزيد :

يقلن إذا ما استقبل الصيف و قدة

وجر على الجد الظنون فانفدا

٧ الحكمة ( ١٤٥ ) و قالعليه‌السلام :

كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ اَلظَّمَأُ وَ كَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ اَلسَّهَرُ وَ اَلْعَنَاءُ حَبَّذَا نَوْمُ اَلْأَكْيَاسِ وَ إِفْطَارُهُمْ « كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الظمأ » هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

( إلاّ الجوع و الظمأ ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك و عدّد أشياء غير هذا و قال : لا يكن يوم صومك كيوم فطرك .

و عنهعليه‌السلام ان الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم و غضّوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا و سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة تسب جارية لها و هي صائمة ، فدعا بطعام فقال لها : كلي ،

فقالت اني صائمة فقال كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك ، ان الصوم ليس من الطعام و الشراب .

« و كم من قائم ليس له من قيامه إلاّ السهر » أي : عدم النوم في الليل .

« و العناء » أي : المشقة .

فالخوارج كانوا أهل سهر و عناء في قيام الليل و تلاوة القرآن و كذلك

١٤٥

كثير من الفرق الباطلة عاملة ناصبة و في الخبر الناصب لأهل البيت سواء صلّى أم زنا .

« حبذا نوم الأكياس و افطارهم » لأن نومهم و افطارهم أيضا عبادة لكونهما منهم لاستجمام قوى النفس حتى يقدروا على اداء الفرائض و النوافل و لذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا لا أصوم جميع الأيام ، و لا أقوم جميع الليل ، و نهى من فعل ذلك .

٨ الحكمة ( ١٤٦ ) و قالعليه‌السلام :

سُوسُوا إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَ حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَ اِدْفَعُوا أَمْوَاجَ اَلْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ أقول : هو ممّا رواه ( تحف ) ابن أبي شعبة ممّا قالهعليه‌السلام من الأربعمائة في آداب الدين و الدنيا .

« سوسوا » أي : دبروا .

« ايمانكم بالصدقة »فامّا من أعطى و اتّقى و صدق بالحسنى فسنيسّره لليسرى ١ .

« و حصنوا » أي : احفظوا .

« أموالكم بالزكاة » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ما ضاع مال في بر و لا بحر إلاّ بتضييع الزكاة و لا يصاد من الطير إلاّ ما ضيع تسبيحه .

و عنهعليه‌السلام ما من رجل يمنع درهما في حقه إلاّ أنفق اثنين في غير حقه .

و عنهعليه‌السلام ما أدّى أحد الزكاة فنقصت من ماله و لا منعها أحد فزادت

____________________

( ١ ) الليل : ٥ ٧ .

١٤٦

في ماله .

« و ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ان الدعاء يرد القضاء ينقضه كما ينقض السلك و قد أبرم ابراما .

و عنهعليه‌السلام ان اللَّه ليدفع بالدعاء الأمر الذي علم أن يدعى له فيستجيب ،

و لو لا ما وفق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجتثه من جديد الأرض .

و عن أبي الحسنعليه‌السلام الدعاء يرد ما قدر قدر و ما لم يقدر ؟ قيل : كيف ما لم يقدّر ؟ قال : حتى لا يكون .

هذا و لعل الأصل في قولهعليه‌السلام ( سوسوا ايمانكم بالصدقة ) ما رواه ( الجعفريات ) عنهعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام ان أمير المؤمنينعليه‌السلام مر بالسوق فنادى بأعلى صوته : ان أسواقكم هذه يحضرها ايمان فشوبوا ايمانكم بالصدقة فان اللَّه لا يقدّس من حلف باسمه كاذبا١ .

٩ الحكمة ( ١٣٧ ) و قالعليه‌السلام :

اِسْتَنْزِلُوا اَلرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ أقول : هو أيضا من حديث الاربعمائة ، في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال لابنه محمد كم فضل معك من تلك النفقة ؟ قال : أربعون دينارا ، قال : أخرج و تصدّق بها ، قال : انّه لم يبق معي غيرها ، قال تصدّق بها فان اللَّه تعالى يخلفها أما علمت انّ لكلّ شي‏ء مفتاحا و مفتاح الرزق الصدقة فتصدّق بها ، ففعل فما لبثعليه‌السلام عشرة أيام حتى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار ، فقال : يا بني أعطينا اللَّه أربعين دينارا فأعطانا أربعة آلاف .

____________________

( ١ ) الجعفريات ( الاشعثيات ) لمحمد الأشعث : ٢٣٦ طبع حجري ، ايران ، ١٣٧٠ ه ق .

١٤٧

و عنهعليه‌السلام ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلاّ أحسن اللَّه الخلافة على ولده من بعده و حسن الصدقة يقضي الدين و يخلف على البركة .

و نظير كلامهعليه‌السلام هذا كلام آخر لهعليه‌السلام ( في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق ) « إذا ابطأت عليك الأرزاق استغفر اللَّه يوسّع عليك » .

١٠ الحكمة ( ٢٥٨ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اَللَّهَ بِالصَّدَقَةِ أي افتقرتم قال تعالى : .و لا تقتلوا أولادكم من املاق .١ .

« فتاجروا اللَّه بالصدقة » قال ابن أبي الحديد جاء في الأثر ان عليّاعليه‌السلام عمل ليهودي في سقي نخل له في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فخبزه قرصا فلمّا هم أن يفطر عليه أتاه سائل يستطعم فدفعه إليه و بات طاويا فتاجر اللَّه بتلك الصدقة فعد الناس هذه الصدقة من أعظم السخاء و أعظم العبادة ، و قال بعض شعراء الشيعة فيه و يذكر إعادة الشمس عليه ، و أحسن في ما قال :

جاد بالقرص و انطوى ملأ جنبيه

وعاء في الطعام و هو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه القرص

و المقرض الكرام كسوب

قلت : و نظير اجادة هذا الشاعر في وصفهعليه‌السلام في الجمع بين قرص الخبز و قرص الشمس .

قول الجامي في وصفهعليه‌السلام مشيرا إلى ايثاره ذاك و وصف شجاعته بالفارسية :

ملك دنيا به سنان گرفت

و ملك عقبى به سه نان

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥١ .

١٤٨

١١ الحكمة ( ١٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ أقول : في ( ابن ميثم و الخطّية ) جزء سابقه ، ثم هو أيضا من حديث الأربعمائة و روي معناه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و في ( الكافي ) عن أبي الحسنعليه‌السلام من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة و المعنى من أيقن بالخلف في الدنيا الذي و عد تعالى في قوله : .و ما أنفقتم من شي‏ء فهو يخلفه و هو خير الرازقين ١ و بالخلف في الآخرة و ذخرها كما أخبر تعالى :ما عندكم ينفد و ما عند اللَّه باق .٢ سهل عليه الجود بعطاه البتة ، و من لم يسهل عليه بعد ذلك فانما هو من ضعف يقينه بوعده تعالى .

و في ( تاريخ بغداد ) ، قال الفضل بن سهل : رأيت جملة البخل سوء الظن باللَّه تعالى ، و جملة السخاء حسن الظن باللَّه تعالى ، قال عز و جل :الشيطان يعدكم الفقر .٣ و قال عز و جل : .و ما أنفقتم من شي‏ء فهو يخلفه و هو خير الرازقين ٤ .

و في ( الكافي ) عن البزنطي كتب الرضاعليه‌السلام إلى الجوادعليه‌السلام بلغني ان الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير و انما ذلك من بخل منهم لئلا ينال منك أحد خيرا ، أسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك و مخرجك إلاّ من الباب

____________________

( ١ ) سبأ : ٣٩ .

( ٢ ) النحل : ٩٦ .

( ٣ ) البقرة : ٢٦٨ .

( ٤ ) سبأ : ٣٩ .

١٤٩

الكبير فإذا ركبت فليكن معك ذهب و فضة ثم لا يسألك أحد شيئا إلاّ أعطيته ،

و من سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقل من خمسين دينارا و الكثير إليك ، و من سألك من عماتك فلا تعطها أقلّ من خمسة و عشرين دينارا و الكثير إليك ، اني انما أريد بذلك أن يرفعك اللَّه فانفق و لا تخش من ذي العرش اقتارا .

و عن أبي جعفرعليه‌السلام ان الشمس لتطلع و معها أربعة أملاك : ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ و أبشر ، و ملك ينادي يا صاحب الشرّ انزع و اقصر ، و ملك ينادي أعط منفقا خلفا و آت ممسكا تلفا ، و ملك ينضحها بالماء ، و لو لا ذلك اشتعلت الأرض .

و عنهعليه‌السلام من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنّة انفق و لا تخف فقرا و انصف الناس من نفسك ، و افش السّلام في العالم ، و اترك المراء و ان كنت محقا .

و عن صفوان دخل علي الرضاعليه‌السلام مولى له فقال له : هل أنفقت اليوم شيئا ؟ فقال : لا فقالعليه‌السلام فمن أين يخلف اللَّه علينا انفق و لو درهما واحدا .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من يبسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف اللَّه له ما أنفق في دنياه و يضاعف في آخرته .

و في ( المجمع ) عن الكلبي ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تصدّق بصدقة فله مثلاها في الجنّة ، فقال أبو الدحداح الأنصاري : ان لي حديقتين فان تصدقت باحديهما فان لي مثليها في الجنّة ؟ قال نعم ، قال : و ام الدحداح معي ؟ قال نعم قال و الصبية معي ؟ قال نعم فتصدّق بأفضل حديقتيه و دفعها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فنزل :من ذا الذي يقرض اللَّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة .١

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٤٥ .

١٥٠

فضاعف اللَّه صدقته ألفي ألف و ذلك قوله تعالى : .أضعافا كثيرة .١ فرجع أبو الدحداح فوجد ام الدحداح و الصبية في الحديقة التي جعلها صدقة فقام على الباب و تحرج أن يدخل فنادى و قال اني جعلت حديقتي هذه صدقة و اشتريت مثليها في الجنة و ام الدحداح معي و الصبية معي قالت : بارك اللَّه لك في ما شريت و في ما اشتريت فخرجوا و اسلموا الحديقة إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله كم من نخل متدل عذوقها في الجنّة لأبي الدحداح٢ .

١٢ الحكمة ( ٣٠٤ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْمِسْكِينَ رَسُولُ اَللَّهِ فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اَللَّهَ وَ مَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَى اَللَّهَ في ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام ان اللَّه تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير هؤلاء الذين أعطاهم اللَّه فمنعوا حق اللَّه في أموالهم .

١٣ الحكمة ( ٣٢٨ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ اَلْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ اَلْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَ اَللَّهُ تَعَالَى جَدُّهُ سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٤٥ .

( ٢ ) مجمع البيان للطبري ١ : ٣٤٩ دار احياء التراث العربي ، بيروت .

١٥١

هكذا في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و زادت ( المصرية ) ( منه ) قبل ( غني ) و نقصت ( جده ) بعد ( تعالى ) .

في ( الكافي ) عن أبي جعفر الأحول قال سألني رجل من الزنادقة فقال كيف صارت الزكاة من كلّ ألف خمسة و عشرين درهما ؟ فقلت له : انما ذلك مثل الصلاة ثلاث و ثنتان و تربع فقبل مني ثم لقيت بعد ذلك أبا عبد اللَّهعليه‌السلام فسألته عن ذلك ، فقال ان اللَّه تعالى حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كلّ ألف خمسة و عشرين و لو لم يكفهم لزادهم فرجعت إليه فأخبرته فقال جائت هذه المسألة على الابل من الحجاز ثم قال لو اني اعطيت أحدا طاعة لأعطيت صاحب هذا الكلام .

و عن قثم قلت لأبي عبد اللَّهعليه‌السلام جعلت فداك اخبرني كيف صارت من كلّ ألف خمسة و عشرين لم يكن أقلّ أو أكثر ما وجهها ؟ فقال : ان اللَّه عز و جل خلق الخلق كلّهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كلّ ألف انسان خمسة و عشرين مسكينا ، و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم لأنّه خالقهم و هو أعلم بهم .

١٤ الحكمة ( ٢٩٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَا أَهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمْهِلْتُ بَعْدَهُ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أقول و زاد ابن أبي الحديد « و اسأل اللَّه العافية » في ( الفقيه ) عن الصادقعليه‌السلام إيّاكم و الكسل فان ربكم رحيم يشكر القليل ان الرجل يصلّي الركعتين يريد بهما وجه اللَّه تعالى فيدخله اللَّه الجنّة و انّه ليصوم يوما تطوعا يريد به وجه اللَّه تعالى فيدخله اللَّه به الجنّة .

١٥٢

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى : . ان الحسنات يذهبن السيئات .١ أي صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب في النهار و عنهعليه‌السلام من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف و ليس بينه و بين اللَّه ذنب .

و في ( ثواب الأعمال ) عن الصادقعليه‌السلام يؤتى يوم القيامة بشيخ فيدفع إليه كتابه ظاهره ممّا يلي الناس لا يرى إلاّ مساوى‏ء فيطول ذلك عليه فيقول يا رب : أ تامر بي إلى النار ؟ فيقول جل جلاله : يا شيخ انا استحيي أن أعذبك و قد كنت تصلّي لي في دار الدنيا اذهبوا بعبدي إلى الجنّة .

١٥ الخطبة ( ١٩٤ ) و من كلام لهعليه‌السلام كان يوصى به أصحابه :

تَعَاهَدُوا أَمْرَ اَلصَّلاَةِ وَ حَافِظُوا عَلَيْهَا وَ اِسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَ تَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ١٨ ٢٢ ٤ : ١٠٣أَ لاَ تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ اَلنَّارِ حِينَ سُئِلُوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ اَلْمُصَلِّينَ ١ ٩ ٧٤ : ٤٢ ٤٣ وَ إِنَّهَا لَتَحُتُّ اَلذُّنُوبَ حَتَّ اَلْوَرَقِ وَ تُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ اَلرِّبَقِ وَ شَبَّهَهَا ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ اَلرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي اَلْيَوْمِ وَ اَللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ اَلدَّرَنِ وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ وَ لاَ قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَ لاَ مَالٍ يَقُولُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُرِجالٌ لا

____________________

( ١ ) هود : ١١٤ .

١٥٣

تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللَّهِ وَ إِقامِ اَلصَّلاةِ وَ إِيتاءِ اَلزَّكاةِ ١ ١٦ ٢٤ : ٣٧١ وَ كَانَ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ نَصِباً بِالصَّلاَةِ بَعْدَ اَلتَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ لِقَوْلِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُوَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اِصْطَبِرْ عَلَيْها ١ ٧ ٢٠ : ١٣٢٢ فَكَانَ يَأْمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَ يُصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ ثُمَّ إِنَّ اَلزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ اَلصَّلاَةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ اَلنَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَ مِنَ اَلنَّارِ حِجَازاً وَ وِقَايَةً فَلاَ يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَ لاَ يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ اَلنَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ اَلْأَجْرِ ضَالُّ اَلْعَمَلِ طَوِيلُ اَلنَّدَمِ ثُمَّ أَدَاءَ اَلْأَمَانَةِ فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى اَلسَّمَاوَاتِ اَلْمَبْنِيَّةِ وَ اَلْأَرَضِينَ اَلْمَدْحُوَّةِ وَ اَلْجِبَالِ ذَاتِ اَلطُّولِ اَلْمَنْصُوبَةِ فَلاَ أَطْوَلَ وَ لاَ أَعْرَضَ وَ لاَ أَعْلَى وَ لاَ أَعْظَمَ مِنْهَا وَ لَوِ اِمْتَنَعَ شَيْ‏ءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ وَ لَكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ اَلْعُقُوبَةِ وَ عَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ وَ هُوَ اَلْإِنْسَانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ١٩ ٢٢ ٣٣ : ٧٢ أقول : الأصل فيه ما رواه ( الكافي ) ( في الباب الثالث عشر من جهاده ) عن عقيل الخزاعي ان أمير المؤمنينعليه‌السلام كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات ، يقول : تعاهدوا الصلاة و حافظوا عليها ، و استكثروا منها و تقرّبوا بها ،

فانها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، و قد علم ذلك الكفار حين سئلوا ما سلككم في سقر ؟ قالوا لم نك من المصلّين ، و قد عرف حقّها من طرقها و اكرم

____________________

( ١ ) النور : ٣٧ .

( ٢ ) طه : ١٣٢ .

١٥٤

بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زين متاع و لا قرّة عين من مال و لا ولد ،

يقول اللَّه عز و جل :رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه و اقام الصلاة .١ و كان رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله منصبا لنفسه بالبشرى له بالجنة من ربه ، فقال عز و جل :و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها .٢ و كان يأمر بها أهله و يصبر عليها نفسه ، ثم ان الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الاسلام على أهل الاسلام ، و من لم يعطها طيب النفس بها ، يرجو بها من الثمن ما هو أفضل منها فانّه جاهل بالسنّة ، مغبون الأجر ضال العمر ، طويل الندم بترك امر اللَّه تعالى و الرغبة عمّا عليه صالحوا عباد اللَّه ، يقول اللَّه تعالى :

و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى .٣ فقد خسر من ليس من أهلها و ضلّ عمله ، عرضت على السماوات المبنية ، و الأرض المهاد و الجبال المنصوبة ، فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم ، لو امتنعن من طول أو عرض أو عظم أو قوّة أو عزّة امتنعن ، و لكن اشفقن من العقوبة الخبر .

قول المصنف :

و من كلام لهعليه‌السلام كان يوصي به أصحابه » قد عرفت من خبر ( الكافي ) انّهعليه‌السلام كان يوصي بذلك عند القتال ، و انما كانعليه‌السلام يفعل ذلك كيلا يتهاونوا بها وقت الحرب بعذر الحرب و لها شرع تعالى صلاة الخوف فقال :و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك الآية .٤ .

قولهعليه‌السلام :

« تعاهدوا » في معنى تعهدوا قال ابن دريد : قد يجيي تفعل و تفاعل بمعنى

____________________

( ١ ) النور : ٣٧ .

( ٢ ) طه : ١٣٢ .

( ٣ ) النساء : ١١٥ .

( ٤ ) النساء : ١٠٢ .

١٥٥

كتعهد و تعاهد و تضحك و تضاحك و تلعب و تلاعب ، و قد يفترقان مثل تكبر من الكبر و ( تكابر ) من السن .

« أمر الصلاة » في ( الكافي ) عن أبان بن تغلب : صلّيت خلف أبي عبد اللَّهعليه‌السلام بالمزدلفة فلمّا انصرف التفت اليّ فقال : الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهن و حافظ على مواقيتهن لقى اللَّه يوم القيامة و له عنده عهد يدخله به الجنّة ، و من لم يقم حدودهن و لم يحافظ على مواقيتهن لقى اللَّه و لا عهد له ان شاء عذّبه و ان شاء غفر له .

« و حافظوا عليها »ان الانسان خلق هلوعا إذا مسّه الشرّ جزوعا و إذا مسّه الخير منوعا إلاّ المصلّين الذين هم على صلوتهم دائمون و الذين في أموالهم حق معلوم للسائل و المحروم و الذين يصدقون بيوم الدين و الذين هم من عذاب ربهم مشفقون ان عذاب ربهم غير مأمون و الذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى و راء ذلك فأولئك هم العادون و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم بشهاداتهم قائمون و الذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون ١ .

فسّر قوله تعالى في أول الآية : .على صلوتهم دائمون ٢ بالنافلة و في آخر الآية .على صلوتهم يحافظون ٣ بالفريضة ، روى ذلك ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام و قال تعالى :حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى .٤ .

____________________

( ١ ) المعارج : ١٩ ٣٥ .

( ٢ ) المعارج : ٢٣ .

( ٣ ) المعارج : ٣٤ .

( ٤ ) البقرة : ٢٣٨ .

١٥٦

و في ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام كلّ سهو في الصلاة يطرح منها غير ان اللَّه يتمّ بالنوافل ان أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها ان الصلاة إذا ارتفعت في أوّل وقتها رجعت إلى صاحبها و هي بيضاء مشرقة ،

تقول : حفظتني حفظك اللَّه ، و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها و هي سوداء مظلمة تقول : ضيعتني ضيّعك اللَّه .

و عنهعليه‌السلام ايما مؤمن حافظ على الصلوات المفروضة فصلاّها لوقتها فليس هذا من الغافلين و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يزال الشيطان زعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس ، فاذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم .

« و استكثروا منها » قال عيسىعليه‌السلام في المهد :اني عبد اللَّه آتاني الكتاب و جعلني نبيا و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا ١ .

« و تقربوا بها » في ( الكافي ) عن الرضاعليه‌السلام الصلاة قربان كلّ تقي .

و عنهعليه‌السلام أقرب ما يكون العبد من اللَّه عز و جل و هو ساجد و ذلك قوله تعالىو اسجد و اقترب ٢ .

« فانها .كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ٣ » و إذا خرج وقتها يجب قضاؤها .

« أ لا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين » فالآية تدل على كون الكفار معاقبين بالفروع كالاصول و اما سقوط القضاء عن الكافر إذا أسلم فتفضل و لا تضاد ، فالعقد يوجب المهر كلّه ،

____________________

( ١ ) مريم : ٣٠ ٣١ .

( ٢ ) العلق : ١٩ .

( ٣ ) النساء : ١٠٣ .

١٥٧

و الطلاق قبل المس يسقط نصفه .

« و انها لتحت » أي : تناثر .

« الذنوب حت الورق » من الشجر قال الخوئي عن مجالس ابن الشيخ قال سلمان كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ظلّ شجرة ، فأخذ غصنا منها فنفضه فتساقط ورقه ،

فقال : ألا تسألوني عمّا صنعت قالوا : اخبرنا ، فقال ، ان العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاطت خطاياه كما تحاطت ورق هذه الشجرة .

« و تطلقها اطلاق الربق » قال الجوهري الربق بالكسر حبل فيه عدّة عرى يشدّ به البهم ، و الواحدة من العروة ربقة ، و الربيقة البهيمة المربوطة في الربق .

في ( الفقيه ) عن الصادقعليه‌السلام لمّا هبط آدم من الجنّة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه فطال بكاؤه عليه فأتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال له ما يبكيك ؟ قال : من هذه الشامة قال : قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الأولى فقام فصلّى فانحطت إلى عنقه فجاءه في الصلاة الثانية فقال قم فصلّ فصلّى إلى سرته فجاءه في الصلاة الثالثة فقال : قم فصل فصلّى فانحطت إلى ركبتيه فجاءه في الرابعة فقال قم فصل فصلّى فانحطت إلى قدميه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال قم فصلّ فقام فصلّى فخرج منها فحمد اللَّه فقال له جبرئيل مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك من هذه الشامة ، من صلّى من ولدك في كلّ يوم و ليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة .

هذا ، و قال الخوئي ( و تطلقها اطلاق الربق ) على القلب ، و المراد انها تطلق اعناق النفوس من أغلال الذنوب اطلاق أعناق البهائم من الارباق مع انّه لا قلب و انما هو توهم كون الربق فاعل الاطلاق مع انّه مفعولها كما في حت الورق فكما ان المعنى في الأول ان الصلاة تحت الذنوب كحثّك للورق كذلك

١٥٨

المعنى في الثاني ان الصلاة تطلق الذنوب اطلاقك الربق عن البهائم .

هذا ، و كما شبهت الصلاة مع الذنوب في كلامهعليه‌السلام بحت الورق و اطلاق الربق كذلك شبّهت معها في كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بماء يطفى‏ء النار ففي الفقيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي الناس قوموا إلى نيرانكم التي أو قد تموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم .

« و شبهها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحمة » في ( الصحاح ) الحمة العين الحارة يستشفى بها الأعلاء و في الحديث ( العالم كالحمة ) .

« فهو يغتسل منها في اليوم و الليلة خمس مرات فما عسى ان يبقى عليه من الدرن » أي : الوسخ .

و درن المعاصي باطني و سئل الامام ، هل يعلم الملكان إذا هم بالحسنة أو السيئة ؟ فقالعليه‌السلام : هل يستوي ريح الطيب و ريح الكنيف فإذا همّ بالحسنة يخرج نفسه متطيبا ، و إذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتنا و ورد في الكذب انّه يخرج من قلبه تعفّن يبلغ العرش فيلعنه من في السماء .

« و قد عرف حقّها رجال من المؤمنين الذين لا يشغلهم زينة متاع ، و لا قرّة عين من مال و لا ولد » ناظرة إلى قوله تعالىالمال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا ١ .

«يقول اللَّه سبحانه رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة .٢ » و بعده .يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار ٣ و قال تعالى :الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة . .٤ .

____________________

( ١ ) الكهف : ٤٦ .

( ٢ ) النور : ٣٧ .

( ٣ ) النور : ٣٧ .

( ٤ ) الحج : ٤١ .

١٥٩

« و كان رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصبا » أي : تعبا .

« بالصلاة بعد التبشير له بالجنة » هكذا في النسخ ، و الظاهر ان كون قوله ( بعد التبشير له بالجنّة ) مصحف « بعد الأمر له بالصلاة » كما يشهد له قوله بعد .

«يقول اللَّه سبحانه و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها .١ » أي : احمل نفسك على الصبر عليها .

« فكان يأمر أهله » خصوصا كما يأمر باقي الناس عموما .

في ذيل الطبري مسندا عن أبي الحمراء ، قال : رابطت المدينة ستة أشهر على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيته إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي و فاطمةعليهما‌السلام فقال :

الصلاة انما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا٢ و رواه الثعلبي في ( تفسيره ) عن أبي الحمراء٣ و رواه ( أماليا ) الشيخين أيضا٤ .

و روى الأندلسي في ( جمعه للصحاح الستة ) عن ( سنن أبي داود ) ،

و ( موطأ مالك ) عن أنس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر حين نزلت هذه الآية ، فيقول الصلاة انما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا٥ .

و روى اخطب الخطباء في اسناد له عن أبي سعيد الخدري ، ان

____________________

( ١ ) طه : ١٣٢ .

( ٢ ) الطبري : ذيل المذيل ( تاريخ الطبري ) : ٨٣ منشورات الأعلمي ، بيروت .

( ٣ ) ذكره ابن طاووس في الطرائف : ١٢٨ نقلا عن الثعلبي .

( ٤ ) الطوسي ، الأمالي ٥ : ٤٣ المجلس ( ٢١ ) رقم ( ١١٧٤ ) .

( ٥ ) ذكره ابن طاووس في الطرائف : ١٢٨ و نقله المجلسي بحار الأنوار ٣٥ : ٢٢٣ رواية ( ٣٠ ) و الأندلسي هو نفسه الحميدي صاحب كتاب الجمع بين الصحيحين .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617