بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194202 / تحميل: 7312
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء إلى باب فاطمةعليها‌السلام أربعين صباحا بعد ما دخل علي بفاطمة يقول : السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته الصلاة يرحمكم اللَّه ، انما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا١ .

و في اسناد آخر عنه ، قال : لمّا نزل قوله تعالى :و أمر أهلك بالصلاة .٢ كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب علي و فاطمة تسعة أشهر كلّ صلاة فيقول الصلاة يرحمكم اللَّه انما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا٣ .

و روى ( عيون ابن بابويه ) عن الريان بن الصلت ان الرضاعليه‌السلام حضر مجلس المأمون و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان فقال له المأمون هل فضّل اللَّه العترة على ساير الناس ؟ فقالعليه‌السلام :

ان اللَّه تعالى فضّلهم على ساير الناس في محكم كتابه إلى أن قال بعد ذكر إحدى عشرة آية في تفضيلهم و أما الثانية عشرة فقوله عز و جل :و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها .٤ فخصصنا اللَّه بهذه الآية ، إذ أمرنا اللَّه مع الامة بإقامة الصلوات ثم خصصنا من دون الامة فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يجي‏ء إلى باب علي و فاطمة صلوات اللَّه عليهما بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرات فيقول : الصلاة رحمكم اللَّه و ما أكرم اللَّه أحدا من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها الخبر .

و هذه الأخبار الواردة من العامة و الخاصة متفقة على ان آية .. انما

____________________

( ١ ) الخطيب الخوارزمي ، مناقب أمير المؤمنين : ٣٥ الباب الخامس ، طبع حجري في كربلاء .

( ٢ ) طه : ١٣٢ .

( ٣ ) المصدر السابق : ٣٥ .

( ٤ ) طه : ١٣٢ .

١٦١

يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ في سورة الأحزاب كانت بعد آيةو أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها . .٢ في سورة طه ، و ادرجوا الاولى في آية نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اطفاء لنور اللَّه و يأبى اللَّه ذلك حيث جرى الحق على لسانهم في أخبارهم و بالجملة فالآيتان أعظم حجّة على مخالفي أهل البيتعليهم‌السلام .

« و يصبر » أي : يحبس قال تعالى :و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه .٣ .

« عليها نفسه » و قد صبرصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه عليها حتى و رمت قدماه فأنزل تعالى :و ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ٤ .

« ثم ان الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا » أي سبب تقرّب إليه تعالى .

« لأهل الاسلام » قال تعالى :فان تابوا أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فاخوانكم في الدين .٥ .

و في ( الكافي ) عن أبي بصير كنّا عند أبي عبد اللَّهعليه‌السلام و معنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقالعليه‌السلام : ان الزكاة ليس يحمد بها صاحبها و انما هو شي‏ء ظاهر انما حقن بها دمه و سمّى بها مسلما و من لم يؤدها لم تقبل له صلاة ، و ان عليكم في أموالكم غير الزكاة و عد حقوقا .

و عن أبي جعفرعليه‌السلام بيّنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان حتى عد خمسة نفر فقال أخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه

____________________

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) طه : ١٣٢ .

( ٣ ) الكهف : ٢٨ .

( ٤ ) طه : ٢ .

( ٥ ) التوبة : ١١ .

١٦٢

و أنتم لا تزكّون .

و عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام دمان في الاسلام حلال من اللَّه لا يقضي فيها أحد حتى يبعث اللَّه قائمنا فإذا بعث حكم فيهما بحكم اللَّه لا يريد عليهما بيّنة ، الزاني المحصن يرجمه ، و مانع الزكاة يضرب عنقه .

و عنهعليه‌السلام من منع قيراطا من الزكاة فليمت ان شاء يهوديا أو نصرانيا ،

و ليس بمؤمن و لا مسلم و هو قوله تعالى : .رب ارجعون لعلي أعمل صالحا في ما تركت .١ .

و عن أبي جعفرعليه‌السلام ان اللَّه تعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال :و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة .٢ فمن أقام الصلاة و لم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة .

و عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام صلاة مكتوبة خير من عشرين حجّة ، و حجّة خير من بيت مملوءا ذهبا ينفقه في برّ حتى ينفد ، ثم قال : و لا أفلح من ضيّع عشرين بيتا من ذهب بخمسة و عشرين درهما قيل : و ما معناه ؟ قال : من منع الزكاة ،

وقفت صلوته حتى يزكي .

« فمن أعطاها طيب النفس بها فانها تجعل له كفارة و من النار حجازا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( حجابا ) كما في ( ابن أبي الحديد ) و غيره .

« و وقاية » في الخبر أرض القيامة نار ما خلا موضع المؤمن فان صدقته تظلّه .

« فلا يتبعها أحد نفسه و لا يكثرن عليها لهفه » قال ابن أبي الحديد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعض نسائه ان تقسّم شاة على الفقراء ، فقالت لم يبق منها غير عنقها فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بقي كلّها غير عنقها قال ابن أبي الحديد أخذ شاعر هذا

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٩٩ ١٠٠ .

( ٢ ) البقرة : ٤٣ .

١٦٣

المعنى فقال :

يبكي على الذاهب من ماله

و انما يبقى الذي يذهب

قلت الأصل في كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله تعالى :ما عندكم ينفد و ما عند اللَّه باق .١ .

« فان من أعطاها غير طيب النفس بها ، يرجوبها و هو أفضل منها فهو جاهل بالسنة مغبون الأجر ، ضال العمل ، طويل الندم » قال تعالى :و ما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاّ انّهم كفروا باللَّه و برسوله و لا يأتون الصلاة إلاّ و هم كسالى و لا ينفقون إلاّ و هم كارهون ٢ .

« ثم اداء الأمانة ، فقد خاب من ليس من أهلها » فقد عد اللَّه تعالى في صفات أهل الايمان رعاية الأمانات و قال نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعثت باداء الأمانة إلى البر و الفاجر .

و عن الصادقعليه‌السلام لو أن قاتل أمير المؤمنينعليه‌السلام إئتمنني على أمانة لأديتها إليه و عن السجادعليه‌السلام : لو أن قاتل أبي أئتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه .

و عن الصادقعليه‌السلام : من اؤتمن على أمانة فأداها فقد حلّ ألف عقدة من عنقه من عقد النار فبادروا باداء الأمانة فان من اؤتمن على أمانة و كّل به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلّوه .

و قال تعالى :ان اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .٣ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللَّه و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون ٤

____________________

( ١ ) النحل : ٩٦ .

( ٢ ) التوبة : ٥٤ .

( ٣ ) النساء : ٥٨ .

( ٤ ) الانفال : ٢٧ .

١٦٤

فان امن بعضكم بعضنا فليؤد الذي أؤتمن و ليتق اللَّه ربه .١ .

و الحربي الذي ماله و دمه حلال لا يجوز الخيانة في أمانته و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حافتا الصراط يوم القيامة الرحم و الأمانة ، فاذا مر الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنّة ، و إذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه معه عمل فتكفا به الصراط في النار .

« انها عرضت على السماوات المبنية »و بنينا فوقكم سبعا شدادا ٢ .

« و الأرضين المدحوّة » قال الجوهري : ( مر الفرس يدحو دحوا ) إذا رمى بيديه رميا لا يرفع سنبكه عن الأرض كثيرا و يقال للاّعب بالجوز ( ابعد المدى و ادحه ) أي ارمه .

قال تعالى : . .أم السماء بناها رفع سمكها فسواها و اغطش ليلها و أخرج ضحيها و الأرض بعد ذلك دحاها ٣ .

« و الجبال ذات الطول المنصوبة »و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم .٤ .

« فلا أطول » اشارة إلى الجبال .

« و لا أعرض » اشارة إلى الأرضين .

« و لا أعلى و لا أعظم » اشارة إلى السماوات .

« منها » أي : من السماوات و الأرضين و الجبال ، و جعل ابن ميثم و الخوئي أطول و أعرض و أعظم كلّها راجعة إلى الجبال كضمير ( منها ) في غير محلّه .

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٨٣ .

( ٢ ) النبأ : ١٢ .

( ٣ ) النازعات : ٢٧ ٣٠ .

( ٤ ) النحل : ١٥ .

١٦٥

« و لو امتنع شي‏ء بطول أو عرض أو قوّة أو عزّ لا متنعن » أي : لو صار شي‏ء منيعا بها لصارت منيعة بها حتى تجسر على حمل الأمانة .

هذا ، و في القاموس الممتنع الأسد القوي العزيز في نفسه ، و في ( الصحاح ) المتمنعان البكرة و العناق تمنعان على السنة بفتاءهما و لأنهما يشبعان قبل الجلة و هما المقاتلتان الزمان عن أنفسهما .

« و لكن أشفقن » أي : حذرن .

« من العقوبة و عقلن » أي : فهمن ما جهل من هو أضعف منهن .

« و هو الانسان انّه كان ظلوما جهولا » واضح انّهعليه‌السلام أشار إلى قوله تعالى :

إنّا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان انّه كان ظلوما جهولا ١ .

و اختلف في المراد من الأمانة فقال ابن أبي الحديد أصحّ ما قيل في تفسير الآية : ان الأمانة ثقيلة المحمل ، لأن حاملها معرّض لخطر عظيم ، فهي بالغة من الثقل و صعوبة الحمل ما لو انها عرضت على السماوات و الأرض و الجبال لامتنعت من حملها و ليس المراد لو عرضت عليها و هي جمادات بل المراد تعظيم شأن الأمانة كما تقول هذا الكلام لا يحمله الجبال و قوله : ( امتلأ الحوض و قال قطني ) و قوله تعالى : .قالتا أتينا طائعين ٢ و مذهب العرب و توسعها و مجازاتها مشهور شائع .

و في تفسير القمي ، المراد بالأمانة الولاية و بالإنسان الظلوم الجهول الأول و نقل البرهان روايه الصفار٣ ، و الصدوق٤ ، و عمر بن إبراهيم الأوسي

____________________

( ١ ) الاحزاب : ٧٢ .

( ٢ ) فصلت : ١١ .

( ٣ ) البحراني ، تفسير البرهان ٣ : ٣٤٢ ، دار الكتب العلمية قم .

( ٤ ) المصدر السابق : ٣٤٠ .

١٦٦

له في كتبهم و كذلك رواية الكليني١ و محمد بن العباس بن ماهيار له٢ و كلامهعليه‌السلام هنا كالآية محتمل للعموم و الخصوص .

١٦ الكتاب ( ٥٢ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى امراء البلاد في معنى الصلاة :

أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ اَلظُّهْرَ حَتَّى تَفِي‏ءَ اَلشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ اَلْعَنْزِ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْعَصْرَ وَ اَلشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ اَلنَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ اَلصَّائِمُ وَ يَدْفَعُ اَلْحَاجُّ إِلَى ؟ مِنًى ؟ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى اَلشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اَللَّيْلِ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْغَدَاةَ وَ اَلرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ وَ صَلُّوا بِهِمْ صَلاَةَ أَضْعَفِهِمْ وَ لاَ تَكُونُوا فَتَّانِينَ قول المصنّف :

« و من كتاب لهعليه‌السلام إلى » كذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ( و من كتاب لهعليه‌السلام كتبه إلى ) .

« أمراء البلاد » لا أمير مخصوص ، لأن تعليمات الدين عامة .

« في معنى » يجوز بلفظ المكان و المفعول .

« الصلاة » أي : ما يتعلّق بها .

قولهعليه‌السلام :

« أما بعد فصلّوا بالناس الظهر » من حيث الدلوك .

« حتى تفي‏ء » أي : ترجع قال الجوهري : قال ابن السكيت : الظلّ ما نسخته

____________________

( ١ ) البحراني ، تفسير البرهان ٣ : ٣٤٠ .

( ٢ ) المصدر السابق ٣ : ٣٤٢ .

١٦٧

الشمس و الفي‏ء ما نسخ الشمس ، و قال روبه كلّما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في‏ء و ظلّ و ما لم يكن عليه الشمس فهو ظلّ .

« الشمس » و المراد ظلّها .

« من » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( مثل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« مربض العنز » قال الجوهري : ( المرابض للغنم كالمعاطن للابل ) .

« و صلّوا بهم العصر و الشمس بيضاء حية حين يسار فيها فرسخان » في باب وقت الظهر و العصر من ( الكافي ) ، عن يزيد بن خليفة ، قلت لأبي عبد اللَّهعليه‌السلام :

ذكر عمر بن حنظلة أن أوّل صلاة افترضها اللَّه على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر و هو قوله تعالى :أقم الصلاة لدلوك الشمس . .١ فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك ثم لا تزال في وقت إلى ان يصير الظلّ قامة و هو آخر الوقت فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظلّ قامتين و ذلك المساء فقال : صدق .

و عنهعليه‌السلام إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ ان بين يديها سبحة و ذلك إليك ان شئت طوّلت و ان شئت قصّرت .

و في ( الفقيه ) عن الفضيل و زرارة ، و بكير و محمد بن مسلم ، و بريد العجلي ، عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، و وقت العصر بعد ذلك قدمان و قال أبو جعفرعليه‌السلام : ان حايط مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر .

ثم قال : أتدري لم جعل الذراع و الذراعان ، لمكان النافلة لك أن تتنفّل من

____________________

( ١ ) الاسراء : ٧٨ .

١٦٨

زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة .

و فيه ، قال أبو جعفرعليه‌السلام لأبي بصير : ما خدعوك فلا يخدعونك من العصر صلّها و الشمس بيضاء نقية فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الموتور أهله و ماله من ضيّع صلاة العصر ، قيل ما الموتور اهله و ماله ؟ قال : لا يكون له أهل و لا مال في الجنّة قيل : و ما تضييع العصر ؟ قال : يدعها حتى تصفر الشمس أو تغيب .

« و صلّوا بهم المغرب حين يفطر الصائم » في باب وقت افطار ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ان تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق ،

فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار و سقط القرص .

و عن الصادقعليه‌السلام إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس في شرق الأرض و غربها .

« و يدفع الحاجّ » يعني من عرفات إلى المشعر .

في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قيل له : متى الافاضة من عرفات ؟ قال : إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي .

و عنهعليه‌السلام ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأفاض بعد غروبها .

و عنهعليه‌السلام وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق و تدري كيف ذاك ان المشرق مطلّ على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره فاذا غابت ههنا ذهبت الحمرة ، من ههنا .

و عنهعليه‌السلام اتى جبرئيلعليه‌السلام لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحد و روي ان لها وقتين و آخر وقتها سقوط الشفق قال الكليني :

١٦٩

و ليس هذا ممّا يخالف الحديث الأول ان لها وقتا واحدا لأن الشفق هو الحمرة و ليس بين غيبوبة الشمس و غيبوبة الشفق إلاّ شي‏ء يسير و ذلك ان علامة غيبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة ، و ليس بينه و بين غيبوبة الشفق الاّ قدر ما يصلّي الإنسان صلاة المغرب و نوافلها إذا صلاّها على تؤدة و سكون ،

و تفقدت ذلك غير مرّة و لذلك صار وقت المغرب ضيّقا .

« و صلّوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام تجب العتمة إذا غاب الشفق أي الحمرة و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا ان أشقّ على امتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل .

« و صلّوا بهم الغداة و الرجل يعرف وجه صاحبه » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام .

هذا ، و قد ذكر تعالى مواقيت الخمس في قوله عز و جل :أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ١ و في قوله عز اسمه :و أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكر للذاكرين ٢ روي ان زرارة سأل الباقرعليه‌السلام هل سمّى اللَّه الصلوات الخمس في كتابه فقال : نعم قال : « أقم الصلاة لدلوك الشمس الآية و دلوك الشمس زوالها و غسق الليل انتصافه و في ما بينهما أربع صلوات و قرآن الفجر الخامسة و قال تعالى : « و أقم الصلاة إلى و زلفا من الليل و هي صلاة العشاء الآخرة » .

و في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام ان قيل لم جعلت الصلوات في هذه الأوقات

____________________

( ١ ) الاسراء : ٧٨ .

( ٢ ) هود : ١١٤ .

١٧٠

قيل لأنّها مشهورة معلومة يعرفها الجاهل و العالم غروب الشمس مشهور معرفتها فوجب عنده المغرب و سقوط الشفق مشهور فوجوب عنده عشاء الاخرة ، و طلوع الفجر مشهور فوجب عنده صلاة الصبح ، و زوال الشمس مشهور فوجب عنده الظهر ، و لم يكن للعصر وقت مشهور مثل الأربعة فجعل وقتها الفراغ من الظهر إلى أن يصير الظلّ من كلّ شي‏ء أربعة أضعافه .

« و صلّوا بهم صلاة أضعفهم و لا تكونوا فتانين » و عنهعليه‌السلام آخر ما فارقت عليه حبيبي ان قال : إذا صلّيت فصل صلاة أضعف من خلفك .

و في ( الاسد ) ، مر حزم بن أبي كعب الأنصاري بمعاذ بن جبل ، و هو يؤم قومه في صلاة المغرب فقرأ بالبقرة فانصرف حزم فلمّا أتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

معاذ ابدع حزم ، قال حزم : افتتح سورة البقرة فصلّيت ثم انصرفت فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معاذ لا تكن فتانا فان خلفك الضعيف و الكبير و ذا الحاجة .

و رواه ( الفقيه ) ، و فيه ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ : إيّاك أن تكون فتانا عليك ( بالشمس و ضحيها ) و ذواتها .

هذا ، و في ( بديع ابن المعتز ) قال عباس الخياط في امام بطي‏ء القراءة ( ان قرأ العاديات في رجب لم يقرأ آياتها إلى رجب أي أخر بل هو لا يستطيع في سنة أن يختم تبت يدا أبي لهب ) ١ .

١٧ الحكمة ( ٢٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

فَرَضَ اَللَّهُ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ اَلشِّرْكِ وَ اَلصَّلاَةَ تَنْزِيهاً عَنِ اَلْكِبْرِ وَ اَلزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ وَ اَلصِّيَامَ اِبْتِلاَءً لِإِخْلاَصِ اَلْخَلْقِ وَ اَلْحَجَّ تَقْوِيَةً

____________________

( ١ ) ابن المعتز ، البديع : ٦٨ مكتب المثنى ، بغداد .

١٧١

لِلدِّينِ وَ اَلْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلاَمِ وَ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ وَ صِلَةَ اَلرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَ اَلْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَ إِقَامَةَ اَلْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَ تَرْكَ شُرْبِ اَلْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ وَ مُجَانَبَةَ اَلسَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ وَ تَرْكَ اَلزِّنَا تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ وَ تَرْكَ اَللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ وَ اَلشَّهَادَاتِ اِسْتِظْهَاراً عَلَى اَلْمُجَاحَدَاتِ وَ تَرْكَ اَلْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ وَ اَلسَّلاَمَ أَمَاناً مِنَ اَلْمَخَاوِفِ وَ اَلْأَمَانَةَ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ وَ اَلطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلْإِمَامَةِ أقول : روى أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغات نسائه )١ ،

و الصدوق في ( علله ) نظيره عن سيّدة النساء صلوات اللَّه عليها في خطبتها في فدك و لفظ الأول : « زعمتم حقّا لكم أ للَّه فيكم عهد قدمه إليكم و نحن بقيته استخلفنا عليكم ، و معنا كتاب اللَّه بيّنة بصائره إلى أن قالت ففرض اللَّه الايمان تطهيرا لكم من الشرك ، و الصلاة تنزيها عن الكبر ، و الصيام تثبيتا للاخلاص ، و الزكاة تزييدا في الرزق ، و الحج تثنية للدين ، و العدل مشكاة للقلوب ، و طاعتنا نظاما و إمامتنا أمنا من الفرقة ، و حبنا عزّا للاسلام ، و الصبر منجاة ، و القصاص حقنا للدماء ، و الوفاء بالنذر تعرّضا للمغفرة .

و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخسة ، و النهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس ، و قذف المحصنات اجتنابا للعنة ، و ترك السرق ايجابا للعفة ، و حرم الشرك اخلاصا له بالربوبية ،اتقوا اللَّه حق تقاته و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون ٢ الخبر .

« فرض اللَّه الايمان تطهيرا من الشرك » أي : من رجسه ، قال تعالى : . .

____________________

( ١ ) راجع بلاغات النساء لابن أبي طاهر : ١٦ طبع النجف الأشرف .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٢ .

١٧٢

فاجتنبوا الرجس من الأوثان .١ و في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام فان قيل لم أمر الخلق بالاقرار باللَّه و برسوله و حجّته ، و بما جاء من عنده قيل : لعلل كثيرة ،

منها ان من لم يقرّ باللَّه لم يتجنب معاصيه و لم ينته عن ارتكاب الكبائر و لم يراقب أحدا في ما يشتهي و يستلذ من الفساد و الظلم ، و إذا فعل الناس هذه الأشياء و ارتكب كلّ انسان ما يشتهي و يهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين و وثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج و الأموال و أبا حوا الدماء و السبي ، و قتل بعضهم بعضا من غير حق و لا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا و هلاك الخلق ، و فساد الحرث و النسل .

و منها ان اللَّه عز و جل يكون حكيما و لا يوصف بالحكمة إلاّ الذي يحظر الفساد و يأمر بالصلاح و يزجر عن الظلم ، و ينهى عن الفحشاء ، و لا يكون حظر الفساد و الأمر بالصلاح ، و النهي عن الفواحش إلاّ بعد الإقرار باللَّه و بمعرفة الآمر و الناهي ، فلو ترك الناس بغير إقرار باللَّه و لا معرفة لم يثبت أمر بصلاح ،

و لا نهي عن فساد إذ لا آمر و لا ناهي و منها إنّا قد وجدنا الخلق يفسدون بأمور باطنة مستورة عن الخلق ، فلو لا الإقرار باللَّه و خشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته و إرادته يراقب أحدا في ترك معصية ، و انتهاك حرمة و ارتكاب كبيرة ، إذا فعل ذلك مستورا عن الخلق غير مراقب لأحد فكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين ، فلم يكن قوام الأمر و صلاحهم إلاّ بالاقرار منهم بعليم خبير يعلم السرّ و أخفى ، آمر بالصلاح ناه عن الفساد ليكون في ذلك انزجار عمّا يخلون به من أنواع الفساد .

« و الصلاة تنزيها عن الكبر » لأن في الصلاة يجعل وجهه و هو أشرف أعضائه على التراب فيزول الكبر عنه قهرا .

____________________

( ١ ) الحج : ٣٠ .

١٧٣

و في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام علّة الصلاة انّها إقرار للَّه بالربوبية ، و خلع الانداد و قيام بين يدي الجبّار بالذلّ و المسكنة و الخضوع و اعتراف و الطلب للإقالة من سالف الذنوب ، و وضع الوجه على الأرض كلّ يوم خمس مرات اعظاما للَّه تعالى ، و ان يكون ذاكرا غير ناس و لا بطرا و يكون خاشعا متذللا راغبا طالبا للزيادة في الدين و الدنيا مع ما فيه من الانزجار ، و المداومة على ذكر اللَّه تعالى بالليل و النهار لئلا ينسى العبد سيّده و مدبره و خالقه فيبطر و يطغى فيكون في ذكره لربه و قيامه بين يديه زاجرا له عن المعاصي و مانعا من أنواع الفساد .

« و الزكاة تسبيبا للرزق » أي : رزق المساكين و لئلا يحملهم الاضرار على نهب أموال الأغنياء .

و في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام : ان علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء لأن اللَّه تعالى كلّف أهل الصحّة القيام بشأن أهل الزمانة من البلوى كما قال تعالى :لتبلون في أموالكم و أنفسكم .١ في أموالكم اخراج الزكاة ، و في أنفسكم توطين النفس على الصبر مع ما في ذلك من اداء شكر نعمه تعالى ، و الطمع في الزيادة و هم عظة لأهل الغنى و عبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم ، و ما لهم في ذلك من الحث على الشكر و الخوف ان يصيروا مثلهم .

« و الصيام ابتلاء لاخلاص الخلق » لاشتماله على ترك اللذائذ من المطاعم و المشارب و المناكح و تركها في غاية الصعوبة ، فيكون دليلا على كمال الاخلاص .

و أيضا هو أمر عدمي لا يعلمه إلاّ اللَّه ان لم يخبر صاحبه به ، و لذا ورد في

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٨٦ .

١٧٤

الحديث القدسي : « الصوم لي و أنا أجزي به » و في تاريخ بغداد صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله و كان خرّازا فكان يحمل غذائه معه و يتصدّق به في الطريق و يرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون انّه صائم .

و في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام علّة الصوم لعرفان مسّ الجوع و العطش ليكون العبد ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا ، فيكون ذلك دليلا على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات واعظا له في العاجل ،

دليلا على الاجل ليعلم مبلغ ذلك من أهل المسكنة في الدنيا و الآخرة١ .

« و الحج تقوية للدين » في ( العلل ) عن الصادقعليه‌السلام : لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة .

« و الجهاد عزّا للاسلام » و في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى فرض الجهاد و عظّمه ، و جعله نصره و ناصره و اللَّه ما صلحت دنيا و لا دين إلاّ به .

و عن الصادقعليه‌السلام ان اللَّه تعالى بعث رسول بالاسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا ان يقبلوا أمره إلاّ بالقتال و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الخير كلّه في السيف و تحت ظلّ السيف و لا يقيم الناس إلاّ السيف و السيوف مقاليد الجنّة و النار .

« و الأمر بالمعروف مصلحة للعوام » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كان إذا مر بجماعة يختصمون لا يجوزهم حتى يقول ثلاثا : « اتقوا اللَّه » يرفع بها صوته .

« و النهي عن المنكر ردعا » أي : كفا .

« للسفهاء » عن الشنائع .

و في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة و عنهعليه‌السلام انما هلك من كان قبلكم حيث ما عملوا من المعاصي ، و لم

____________________

( ١ ) الصدوق ، علل الشرائع ٢ : ٣٧٨ .

١٧٥

ينههم الربانيون و الأحبار عن ذلك .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان اللَّه تعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له قيل و ما المؤمن الذي لا دين له ؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر .

و عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلمّا انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو اللَّه و يتضرّع فقال أحد الملكين لصاحبه أما ترى هذا الداعي ؟ فقال قد رأيته و لكن أمضي لمّا أمر به ربي ، فقال لا و لكن حتى أراجع ربي فراجع فقال تعالى : امض لمّا أمرتك فان ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط .

« و صلة الرحم منماة » من النمو .

« للعدد » في ( الكافي ) عن سليمان بن هلال ، قلت لأبي عبد اللَّهعليه‌السلام ان آل فلان يبر بعضهم بعضا و يتواصلون فقال : اذن تنمى أموالهم و ينمون فلا يزالون في ذلك حتى يتقاطعوا فإذا فعلوا ذلك انقشع عنهم .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان القوم ليكونون فجرة و لا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم و تطول أعمارهم فكيف إذا كانوا أبرارا بررة .

و عن الصادقعليه‌السلام : ان صلة الرحم تزكي الأعمال و تنمي الأموال و تيسّر الحساب و تدفع البلوى التي تزيد في الحساب .

« و القصاص حقنا » أي : حفظا .

« للدماء »و لكم في القصاص حياة .١ .

« و إقامة الحدود إعظاما للمحارم » في الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام : حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة و أيامها .

« و ترك شرب الخمر تحصينا » أي : حفظا .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٩ .

١٧٦

« للعقل » في ( المعجم ) كان السيرافي على مذهب أبي حنيفة فجرى حديث تحليل النبيذ عنده فقال له بعض الخراسانيين دعنا من حديث أبي حنيفة و الشافعي ما ترى أنت في شرب النبيذ ؟ فقال : اما المذهب فمعروف لا عدول عنه ، و اما الذي يقتضيه العقل فتركه ، و اعلم انّه لو كان المسكر حلالا في كتاب اللَّه أو سنّة رسوله لكان يجب على العاقل تركه بحجّة العقل و الاستحسان فان شاربه محمول على كلّ معصية مدفوع إلى كلّ بلية ، مذموم عند كلّ ذي عقل و مروة يحيله عن مراتب العقلاء و الفضلاء و الادباء ، و يجعله من جملة السفهاء ، و مع ذلك فيضرّ بالدماغ و العقل و الكبد و الذهن و يولّد القروح في الجوف ، و يسلب شاربه ثوب الصلاح و المروة و المهابة ، حتى يصير بمنزلة المخبط المخريق و المثبج يقول بغير فهم ، و يأمر بغير علم ،

و يضحك من غير عجب ، و يبكي من غير سبب ، و يخضع لعدوّه ، و يصول على وليّه ، و يعطي من لا يستحق العطية ، و يمنع من يستوجب الصلة ، و يبذر في الموضع الذي يحتاج فيه أن يمسك و يمسك في الموضع الذي يحتاج فيه أن يبذر ، يصير حامده ذاما ، و أفعاله ملاما ، عبده لا يوقره ، و أهله لا تقربه ، و ولده يهرب منه ، و أخوه يفزع عنه ، يتمرّغ في قيئه ، و يتقلّب في سلحه ، و يبول في ثيابه ، و ربما قتل قريبه ، و شتم نسيبه ، و طلّق امرأته ، و كسّر آلة البيت ، و لفظ بالخنى ، و قال كلّ غليظ و فحش ، يدعو عليه جاره و يزري به أصحابه ، عند اللَّه ملوم ، و عند الناس مذموم ، و ربما يستولي عليه في حال سكره مخائل الهموم فيبكي دما و يشقّ جيبه حزنا و ينسى القريب ، و يتذكّر البعيد ، و الصبيان يضحكون منه ، و النسوان يفتعلن النوادر عليه ، و مع ذلك فبعيد من اللَّه ، قريب من الشيطان ، قد خالف الرحمن في طاعة الشيطان ، و تمكّن من ناصيته و زيّن في عينه اتيان الكبائر ، و ركوب الفواحش ، و استحلال الحرام ، و إضاعة

١٧٧

الصلوات ، و الحنث في الايمان ، سوى ما حل به عند الافاقة من الندامة ،

و يستوجب من عذاب اللَّه يوم القيامة١ .

و في الجهشياري : حكي انّه ثقل على كتّاب المنصور تفقده الأعمال و مراعاته لها فقالوا المتطببة لو زينت له شرب النبيذ حتى يتشاغل عنّا لأعظمت المنة علينا فوعدهم بذلك و لم يزل يقول له في الوقت بعد الوقت لو سخنت معدتك لأصلح جسمك و نفذ طعامك فيقول بماذا ؟ فيقول بشراب العسل فلمّا ألح عليه بذلك استدعى شيئا منه فشربه في اليوم الأول فاستطابه فعاد إليه في اليوم الثاني و ازداد منه فخدره ثم عاد إليه في اليوم الثالث فأبطأ عن صلاة الظهر و العصر و العشاء فلمّا كان من غد دعا بما عنده من الشراب فأراقه ، ثم قال : لا ينبغي لمثلي أن يشرب شيئا يشغله .

و في ( الاستيعاب ) : كان قيس بن عاصم قد حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية ، و كان سبب ذلك انّه غمز عكنة ابنته و هو سكران و سبّ أبويها و رأى القمر فتكلّم و أعطى الخمّار كثيرا من ماله فلمّا أفاق أخبر بذلك فحرّمها على نفسه و قال :

رأيت الخمر صالحة و فيها

خصال تفسد الرجل الحليما

فلا و اللَّه أشربها صحيحا

و لا أشقى بها أبدا سقيما

و لا أعطي بها ثمنا حياتي

و لا أدعو لها أبدا لها نديما

فان الخمر تفضح شاربيها

و تجنيهم بها الأمر العظيما

و هو الذي قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه لمّا رآه : « هذا سيد أهل الوبر و كان مشهورا بالحلم قيل للأحنف بن قيس ممّن تعلم الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم الخبر .

____________________

( ١ ) الحموي ، معجم الادباء ٨ : ١٦٧ ١٦٨ دار الفكر لبنان .

١٧٨

و في ( الحلية ) عن يزيد بن الأصم ان رجلا في الجاهلية شرب فسكر فجعل يتناول القمر فحلف لا يدعه حتى ينزله فكان يثب و يخر و يكدح وجهه فلم يزل يفعل ذلك حتى خر فنام فلمّا أصبح قال لأهله : و يحكم ما شأني ؟ قالوا كنت تحلف لتنزلن القمر فتثب فتخر فلقيت منه ما لقيت ، فقال إن شرابا حملني على أن أنزل القمر لا أعود إليه أبدا .

و في ( القاموس ) خضف أي ضرط ، و المخضفة الخمر لأنها تزيل العقل ،

فيضرط شاربها .

و في ( الفقيه ) عن أبي جعفرعليه‌السلام قال تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال فدعاه فأخبره ، فقال : لو لا ان اللَّه تعالى أخبرك ما أخبرت ما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة ، و ما زنيت قط لأني خفت إذا علمت عمل بي ، و ما عبدت صنما قط لأني علمت انّه لا يضر و لا ينفع ،

و ما شربت خمرا لأني علمت اني ان شربتها زال عقلي فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على عاتقه ، و قال حق على اللَّه أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنّة .

و كلّف بعض الخلفاء نصيب الشاعر الشرب فقال : اني أسود اللون منتن الريح و انما يقربني الملوك لعقلي فكيف ازيل عقلي ذكر أبو الفرج في ( أغانيه ) في مطيع بن اياس قصّة ما حاصلها : انه كان له نديمان حمّاد عجرد و يحيى بن زياد الحارثي و كانوا من الزنادقة فمر بهم معامل من تجّار الكوفة في مجلسهم فدعاه مطيع إلى لذاتهم و قال له أنت الشريك لنا على شريطة أن تشتم الملائكة فنفر و قال قبّح اللَّه عشرتكم فقال له حمّاد أساء مطيع لا ذنب للملائكة أنت شريك على أن تشتم الأنبياء فانهم تعبدونا بكلّ أمر متعب فقال له و أنت أيضا قبّحك اللَّه لا أدخل فدعاه يحيى فقال قبّحهم اللَّه لقد كلفاك شططا

١٧٩

انزل و لا تصل اليوم فشتمه و قال : و لا هذا فقال انزل كيف شئت فنزل فقدم يحيى الطعام فأكلوا ثم شربوا فلمّا دبت الكأس في التاجر قال له مطيع ايما أحب إليك تشتم الملائكة أو تنصرف عنّا فشتمهم ثم قال له حمّاد أيهما أحب إليك تشتم الأنبياء أو تنصرف عنّا فشتمهم فقال له يحيى تترك صلاتك اليوم أو تنصرف عنّا قال بل اتركها يا بني الزانية و لا أنصرف فعمل بسبب شرب الخمر كلّ ما أرادوه منه .

و قال ابن أبي الحديد في الحديث المرفوع ان ملكا ظالما خيّر انسانا بين ان يجامع أمه ، أو يقتل نفسا مؤمنة أو يشرب الخمر حتى يسكر فرأى ان الخمر أدونها فشرب حتى سكر فلمّا غلب عليه السكر قام إلى امه فوطئها و قام إلى تلك النفس المؤمنة فقتلها و قال : الخمر جماع الاثم و أم المعاصي .

« و مجانبة السرقة ايجابا للعفة » حتى جعل فيه حدا و سوّى فيه بين الرجل و المرأة فقال :السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللَّه . .١ بل ورد فيه تأديب غير البالغ ، ففي ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام أتى عليعليه‌السلام بغلام قد سرق فطرف أصابعه ، ثم قال : أما لئن عدت لأقطعنها ثم قال : اما انّه ما عمله إلاّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنا .

« و ترك الزنا تحصينا للنسب » في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام حرّم الزنا لمّا فيه من الفساد ، من قتل الأنفس و ذهاب الأنساب و ترك التربية للأطفال و فساد المواريث و ما أشبهه من وجوه الفساد .

« و ترك اللواط تكثيرا للنسل » و لذا قال لوط لقومه :ءانكم لتأتون الرجال و تقطعون السبيل و تأتون في ناديكم المنكر .٢ و قال تعالى :نساؤكم

____________________

( ١ ) المائدة : ٣٨ .

( ٢ ) العنكبوت : ٢٩ .

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وكلُ نعيم لا محالة زائلُ

قال عثمان : كذبت ، نعيمُ الجنة لا يزول فاستثقل « لبيد » تكذيب عثمان وتحدّيه له في ذلك الجمع فقال : يا معشر قريش واللّه ما كان يؤذى جليسُكم ، فمتى حدث هذا فيكم؟؟

فقال رجلٌ مِن القوم : إنَّ هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدنَ في نفسكَ من قوله.

فردّ عليه « عثمان » حتّى تفاقم الأمر بينهما فقام إليه ذلك الرجلُ فلطم عينه فخضّرها ( واصابها ) ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال : أما واللّه يا ابن أخي إن كانت عينُك عَمّا أصابها لغنيّة لقد كنت في ذمة منيعة ( وهو يريد أنك لو بقيت في ذمتي وجواري لما اصابك ما أصابك ).

فقال عثمان رادّاً عليه : بل واللّه إن عيني الصحيحة لفقيرةٌ إلى مِثل ما أصابَ اُختَها في اللّه ، واني لفي جوار من هو أعزُّ منكَ ، واقدرُ يا أبا عبد شمس.

فقال له الوليد : هلمّ يا ابنَ أخي إن شئت فعُد إلى جوارك ، فقال ابنُ مظعون : لا(١) .

وكانت هذه صورةٌ رائعةٌ من صور كثيرة لصمود المسلمين ، وتفانيهمْ في سبيل العقيدة ، وإصرارهم على النهج الّذي اختاروه ، ومواساة بعضهم لبعض في أشدّ فترة من فترات التاريخ الإسلامي.

وفدٌ مسيحيُّ لتقصّي الحقائق يدخل مكة :

قدمَ على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكة عشرون رجلا من النصارى حين بلغهم خبرُه من الحبشة ، مبعوثين من قِبَل أساقفتها لتقصّي الحقائق بمكة ، والتعرف على الإسلام. فوجدوا رسول اللّه في المسجد ، فجلسوا إليه ، وكلّموه وسألوه عن مسائل ، ورجالٌ من قريش فيهم « أبو جهل » في أنديتهم حول الكعبة.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٧٠ و ٣٧١.

٤٦١

فلما فرغوا من مسألة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما أرادوا دعاهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اللّه عز وجلّ وتلا عليهم آيات من القرآن الكريم ، فكان لها من التأثير البالغ في نفوسهم بحيث عندما سمعوها فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا له وامنوا به وصدّقوه ، بعد ما عرفوا منه ما كان يوصَف في كتابهم ( الانجيل ) من أمره.

فلما قامُوا عنه ، ورأت قريش ما نتج عنه ذلك اللقاء استثقله « ابو جهل » فقال للنصارى الذين اسلموا معترضاً وموبّخاً : خيَّبكُمُ اللّه مِن ركب بعَثكُم مَن وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئنّ مجالسُكم عنده حتّى فارقتُم دينكُم وصدَّقتموهُ بما قال ، ما نعلمُ ركباً أحمقَ مِنكُم.

فأجابه اولئك بقولهم : سلامٌ عليكم لا نُجاهِلكم ، لنا ما نحنُ عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيراً(١) .

وبذلك الكلام الرفيق الجميل ردّوا على فرعون مكة الّذي كان يبغي ـ كسحابة داكنة ـ حجب أشعة الشمس المشرقة ، وحالوا دون وقوع صدام.

قريش توفد إلى يهود يثرب للتحقيق :

لقد ايقظ وفدُ نصارى الحبشة إلى مكة وما نجم عن لقائهم برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشاً ودفعهم إلى تكوين وَفد يتألف من « النضر بن الحارث » و « عُقبة بن ابي معيط » وغيرهما وإرسالهم إلى أحبار يهود المدينة ليسألونهم عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه.

فقال أحبارُ اليهود لمبعوثي قريش : سَلوا محمَّداً عن ثلاث نأمركم بهنَّ ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسَل ، وان لم يفعل فالرجلُ متقوّلٌ ، فروا فيه رأيكم ، سلوه :

١ ـ عن فتية ذَهبوا في الدهر الأول ( يعنون بهم أصحاب الكهف ) ما كان

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٩٠ و ٣٩٣ وقد نزلت في هذا الشأن الآيات ٥٢ إلى ٥٥ من سورة القصص.

٤٦٢

من امرهم ، فانه قد كان لهم حديثٌ عجيبٌ.

٢ ـ وعن رجل طوّاف ( يعنون به ذا القرنين ) قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وخبرُه؟

٢ ـ وعن الروح ما هي؟

فاذا أخبركم بذلك فاتبعوهُ ، فانه نَبيّ ، وان لم يفعل ، فهو رَجُلٌ متقوِّلٌ فاصنَعوا في أمره ما بدا لكم.

فعادَ وفد قريش إلى « مكة » ولما قدموها قالوا لقريش ما سمعوه من أحبار اليهود.

فجاؤوا إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطرحوا عليه الاسئلة الثلاثة السالفة. فقال رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتظر في ذلك وحياً.(١)

ثم نزل الوحيُ يحملُ إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأجوبة المطلوبة على تلك الاسئلة.

وقد ورَدَ الجواب عن السؤال عن الروح في الآية ٨٥ من سورة الإسراء.

واُجيبَ على السؤالين الآخرين عن أصحاب « الكهف » وذي القرنين بتفصيل في سورة « الكهف » ضمن الآيات ٩ ـ ٢٨ والآيات ٧٣ ـ ٩٣.

وقدوردت تفصيلاتُ هذه الإجابات الّتي أجابَ بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أسئلتهم في كتب التفسير.

ولابدَّ هنا من أن نُذكِّر القارئ الكريم بنقطة مفيدة وهي أنّ المراد من « الرّوح » في سؤال القوم ليس هو الرُّوح الإنسانية بل كان المراد هو جبرئيل الأمين ، ( بقرينة أنَّ المقترحين الاصليين لهذه الأسئلة : هم اليهود وكانوا يكرهون الروح الامين ، ويعادونه ) ، وهو أمرٌ مبحوثٌ في محلِّه من كتب التفسير.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٠٠ ـ ٣٠٢.

٤٦٣

٤٦٤

١٨

الأسلحةُ الصَديئة

والاساليب الفاشلة

نظّمْ أسياد قريش صفوفهم لمكافحة عقيدة التوحيد ، بعد أن أدركوا عقم المواقف المبعثرة من هذا الدّين وأهله.

فقد حاولوا في بداية الأمر أن يُثنُوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المضيّ في مواصلة دعوته ، وذلك بتطميعه بالمال والجاه وماشابه ذلك ، ولكن لم يحصلوا من ذلك على شيء ، فقد خيّب ذلك الرجلُ المجاهدُ ظنونهم فيه ، وبدّد آمالهم في اثنائه عن هدفه بكلمته الخالدة المدوّية : « واللّه لو وَضعوا الشمس في يميني ، والقَمر في يساري على أن أترك هذا الأمر لما فعلتُ » وهو يعني ان تمليكه العالم كلَه لا يثنيه عن هدفه ولا يصرفه عن تحقيق ما نُدِبَ إليه وارسل به.

فعمدوا إلى سلاح آخر هو التهديد والأذى ، والتنكيل به وباصحابه وانصاره ، ولكنهم واجهوا صمودَه وصمود أنصاره واصحابه ، وثباتهم الّذي ادى إلى انتصار المؤمنين في هذا الميدان ، وخيبة المشركين وهزيمتهم.

وقد بَلَغ من ثبات المسلمين على الطريق أنهم أقدموا على مغادرة الوطن ، وترك الأهل والعيال ، والهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم إلى اللّه ، وسعياً وراء نشره وبثه في غير الجزيرة من الآفاق.

ولكن رغم إخفاق أسياد قريش المشركين في جميع هذه الجهات والميادين

٤٦٥

وعجزهم عن استئصال شجرة التوحيد الفتية ، وفشل جميع الأسلحة الّتي استخدموها للقضاء على الدين الجديد وأهله ، لم تنته محاولاتهم الإجهاضيّة بل عمدوا هذه المرّة إلى استخدام سلاح جديد حسبوه أمضى من سوابقه.

وهذا السلاح هو سلاحُ الدعاية ضدّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانه صحيحٌ أن ايذاء وتعذيب جماعة المؤمنين في « مكة » تمنع غيرهم من سُكان « مكّة » من الإنضواء إلى الإسلام إلاّ ان الحجيج الذين كانوا يسافرون إلى مكة في الأشهر الحرُم وكانوا يلتقون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جوّ من الأمن والطمأنينة خلال تلك المواسم كانوا يتأثَّرون بدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتزعزعُ اعتقادهم بالأوثان على الأقل ، ان لم يؤمنوا بدينه ، ولم يستجيبوا لدعوته ، ثم إنهم كانوا ينقلون رسالة الإسلام وانباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مواطنهم ، ومناطِقهم وكان ينتشر بذلك اسم رسول اللّه ، وأنباء دينه في شتّى مناطق الجزيرة العربية ، وكان هذا هو بنفسه ضربة قوية توجَّه إلى صرح الوثنية في مكة ، وعاملا قوياً في انتشار عقيدة التوحيد ، وسطوع أمره.

من هنا اتخذ سادةُ قريش اُسلوباً آخر ، قاصدين بذلك الحيلولة دون انتشار الإسلام ، واتساع رقعته ، وقطع علاقة المجتمع العربي به.

واليك فيما يأتي بيان تفاصيل هذا الاسلوب ، وهذه الخطة :

١ ـ الاتّهاماتُ الباطلة :

يمكن التعرف على شخصية أي واحد وتقييمها من خلال ما يرميه به اعداؤه من شتائم وسباب ، وما يكيلون له من اتهامات ونسب ، فَإن العدو يسعى دائماً إلى أن يتهم خصمَه بنوع من أنواع التهم ليُضِلَّ الناس ، ويصرفهم عنه ، وليتمكن بما يحوكُه حوله من أراجيف وأباطيل الحط من شأنه في المجتمع واسقاطه من الانظار والأعين.

ان العدوّ الذكيّ يسعى دائماً إلى أن ينسب إلى منافسه ما يُصدِّقه ولو فئة خاصة من الناس على الاقل ، ويوجبُ شكَّهم في صدقه ، ويتجنب تلك النِسَب

٤٦٦

التي لا تصدَّق في شأنه ، ولا تناسبُ اخلاقه وافعاله المعروفة عنه ، ولا تمسه بشكل من الأشكال ، لأنه سوف لا يَجني في هذه الحالة إلا عكسَ ما يقصد ، وخلاف ما يريد.

ومن هنا يستطيع المؤرخُ المحققُ أن يتعرف على الشخصية الواقعية لمن يدرسه ، وعلى مكانته الإجتماعية ، وأخلاقه وسجاياه ولو من خلال ما ينسبُه الأعداء إليه ، وما يكيلون له من أكاذيب وإفتراءات ، ونسب باطلة واتهامات ، لأنّ العدوّ الّذي لا يخاف أحداً لا يقصّرُ في كيل كلِّ تهمة تنفعُهُ وتخدمُ غرضَه إلى الطرف الآخر ، ويستخدم هذا السلاح ( أي سلاح الدعاية ) ما استطاع ، وما ساعدته معرفُته بالظروف ، ودرايته بالفَرص.

فاذا لم ينسَب إليه أيُّ شيء من تلك النسب الباطلة فان ذلك إنما هو لأجل طهارة جيبه ، ونقاء صفحته ، وتنزُّه شخصيته عن تلك النسب ، ولأنّ المجتمع لم يكن ليعبأ بها ولم يصدّقها في شأنه.

ولو أننا تصفّحنا اوراق التاريخ الإسلامي لرأينا أن قريشاً مع ما كانت تكنُّ من عداء ، وتحِملُ من حِقد على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت تسعى بكل جهدها أن تهدم صرح الإسلام الجديد الظهور ، وأن تحطّ من شأن مؤسسه وبانيه لم تستطع مع ذلك أن تستفيد من هذا السلاح ، وتستخدمه كاملا.

فقد كانت تفكّر في نفسها : ماذا تقول في حق رسول اللّه؟ وماذا ترى تنسب إليه؟؟

هل تتهمه بالخيانة المالية وها هم جماعة منهم قد ائتمنوه على أموالهم؟!(١) كما أن حياته الشريفة طوال الاربعين سنة الماضية جسدت امانته امام الجميع ، فهو الامين بلا منازع؟

هل تتهمه بالجري والانسياق وراء الشهوة واللّذة؟ وكيف تقول في حقه مثل هذا الكلام مع أنه بدأ حياته الشبابية بالتزويج بزوجة كبيرة السنّ إلى درجة

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٦٢.

٤٦٧

مّا ، وبقي معها حتّى لحظة انعقاد هذه الشورى في « دار الندوة » بهدف الدعاية ضدَه ، ولم يُعهَد منه زلّة قدم في هذا السبيل قط؟!

وبالتالي بماذا تتهم محمَّداً الصادق الأمين ، الطاهر العفيف ، وأية تهمة ترى يمكن أن تُصدَّق في حقه ، أو يحتمل الناس صدقها في شأنه ولو بنسبة واحد في المائة؟

لقد تحيَّر سادة « دار الندوة » وأقطابها في كيفية استخدام هذا السلاح ، سلاح الدعاية ضدّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرَّروا في نهاية الأمر أن يطرحوا هذا الأمر على صنديد من صناديد قريش ويطلبوا رأيه فيه ، وهو « الوليد بن المُغيرة » وكان ذا سنّ فيهم ، ومكانة ، فقال لهم :

يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدَم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فاجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيكذّبُ بعضكم بعضاً ، ويردُ قولُكم بعضُه بعضاً.

قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به.

قال : بل أنتم قولوا أسمَع.

قالوا : نقول كاهن.

قال : لا واللّه ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكُهّانَ فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه.

قالوا : فنقول : مجنون.

قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته.

قالوا : فنقول : ساحر.

فقال : ما هو بساحر لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم.

وهكذا تحيَّروا في ما ينسبون إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأخيراً اتفقوا على أن يقولوا : أنه ساحر جاء بقول هو سِحرٌ يفرق به بين المرء وابيه وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته.

ويدلُّ عليه ما أوجده من الخلاف والإنشقاق والتفرُّق بين أهل مكة الَّذين

٤٦٨

كان يضرب بهم المثل في الوحدة والاتفاق(١) .

وقد ذكر المفسِّرون في تفسير سورة « المدثر » هذه القصة بنحو آخر فقالوا : لمّا اُنزل على رسول اللّه « حم تنزيلُ الْكِتاب ) قام إلى المسجد و « الوليد بن المغيرة » قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبيُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستماعه لقراءته ، أعاد قراءة الآية ، فتركت الآية في نفس الوليد تأثيراً شديداً فانطلق إلى منزله ، ولم يخرج منه أيّاماً ، فسخرت منه قريشٌ وقالت : صبأ ـ واللّه ـ الوليدُ ثم مشى رجال من قريش إليه وسألوه رأيه في قرآن محمَّد ، واقترح كل واحد منهم أمراً ، ولكنه رد عليها بالنفي جميعاً فقالت قريش إذن ما هو؟ فتفكر « الوليد » في نفسه ثم قال : ما هو إلاّ ساحرٌ أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله ، ووُلده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر(٢) .

ويرى المفسرون أن الآيات التالية في شأنه إذ يقول اللّه تعالى : «ذَرْني وَمَنْ خَلقْتُ وَحيداً. وَجَعلْتُ لَهُ مالا مَمدُوداً. وَبَنينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تمهيداً. ثُمّ يَطْمَعُ أنْ أزيدَ. كَلا انّه كانَ لآياتِنا عَنيداً. سارْهقُهُ صَعُوداً. إنّه فكَّرَ وَقدّر. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ. ثُمَّ نَظرَ. ثُمَّ عَبسَ وَبَسرَ. ثُمَّ أَدْبَر وَاْستَكْبَرَ. فَقالَ إنْ هذا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَر ... ( إلى قوله : )فَما لَهُمْ عِنَ التَذكِرَة مُعْرضيْن. كأَنَّهُمْ حُمُرٌ مستنفِرة فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَة »(٣) .

* * *

الإصرار في نسبة الجنون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يعتبر إتصاف النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتهاره بين الناس بالصدق والامانة وغيرها من مكارم الأخلاق منذ شبابه من مسلَّمات التاريخ.

وهو بالتالي أمرٌ اعترف به حتّى أعداؤه الالدّاء ، فقد دانوا بفضله ، وأقرُّوا

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٧٠.

٢ ـ مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٨٦ و ٣٨٧.

٣ ـ المدثر : من ١١ ـ ٥١.

٤٦٩

بأخلاقه الكريمة وسجاياه النبيلة ، دون تلكؤ ، ولا إبطاء.

وقد كانَ من أوصافه الحسنة البارزة ان جميع الناس كانوا يدعونه « الصادق » « الامين » وكانوا يثقون بأمانته ثقة كبرى(١) حتّى أن المشركين كانوا يودعون ما غلى من أموالهم عنده ، واستمر هذا الأمر حتّى عشرة أعوام بعد دعوته العلنيّة.

وحيث أن دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ثقلت على المعاندين فاجتهدوا في أن يصرفوا عنه الناس بما ينسبون إليه من بعض النسب الّتي توجب سوء الظنّ به ، ومن ثم إفشال دعوته ، وحيث أنهم كانوا يعلمون أن النِسَبَ الاُخرى ممّا لا يقيم لها المشركون وزناً ، لأنها امور بسيطة في نظرهم ، من هنا رأوا بأن يتهمونه بالجنون ، والزعم بان ما يقوله ويقرؤه ما هو إلاّ من نسج الخيال ، ومن أثر الجنون الّذي لا يتنافى مع الزهد ، والأمانة ، وذلك تكذيباً لدعوته.

ثم عملت قريش على إشاعة هذه النسبة ، واتخذت وسائل عديدة وما كرة لترويجها وبثّها بين الناس.

ومن شدّة مكرهم ومراءاتهم أنّهم كانوا يتخذون موقف المتسائل المحايد فيطرحون هذه التهمة في قالب الشك ، والترديد إذ يقولون : «أفترى على اللّه كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ »(٢) .

وهذه هي بعينها الحيلةُ الشيطانية الّتي يتوسَّل بها ويتستر وراءها أعداء الحقيقة دائماً عند ما يريدون تكذيب المصلحين العظام ، واسقاط خطواتهم وافكارهم من الاعتبار ، والحطّ من شأنها وأهميتها.

ويشير القرآنُ أيضاً إلى انّ هذا الاسلوب الماكر الذميم لم يكن مختصاً بالمعارضين في عهد الرسالة المحمَّدية ، بل كان المعارضون في الأعصر الغابرة أيضاً يتوسلون بهذا السلاح لتكذيب الرسل ، والانبياء إذ يقول عنهم :

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٦٢ عن عبيداللّه بن ابي رافع : كانت قريش تدعو محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهلية الامين وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك كلُ من كان يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والامر كذلك.

٢ ـ سبأ : ٨.

٤٧٠

«كَذلكَ مَا أتى الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُول إلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتواصَوْا بِه بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ »(١) .

وتحدّث الاناجيلُ الحاضرة هي الاُخرى عن ان المسيحعليه‌السلام عندما وعظ اليهود قالوا : إنّ فيه شيطاناً ، فهو يهذي فلماذا تسمعون إليه؟!(٢) .

ومن المسلّم والبديهي أنَّ قريشاً لو كان في مقدورها أن تتهم رسولَ اللّه الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير هذا الاتهام وتنسب إليه غير هذه النسبة لما تأخرت عن ذلك ، ولكن حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشرقة خلال الاربعين سنة الماضية ، وسوابقه اللامعة في المجتمع المكيّ وغير المكي كانت تحول دون أن ينسبوا إليه شيئاً من تلك النسب القبيحة ، الذميمة.

لقد كانت « قريش » مستعدة لأن تستخدم أي شيء ـ مهما صغر ـ ضد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمثلا عند ما وجده أعداء الرسالة يجلس إلى غلام مسيحيّ يدعى « جبر » عند المروة ، انطلقوا يستخدمون هذا الأمر ضدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوراً فقالوا : واللّه ما يُعلِّمُ محمَّداً كثيراً ممّا يأتي به الا « جبر » النصراني.

فردّ عليهم القرآن الكريمُ بقوله : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعلِّمُه بَشَرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَميّ وَهذا لِسانٌ عَربيّ مُبِيْنٌ »(٣) .

«وَقَدْ جاءهُم رَسولٌ مُبينٌ ثُمَّ تَولُوا عَنهُ وَقالُوا معلَّمٌ مَجنُونٌ »(٤) .

القرآن يرد على جميع الاتهامات :

وربما نسبوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكهانة ، والكاهن هو من يتصل بعناصر من الجن(٥) أو الشياطين ويتلقى منهم اخباراً حول الماضي والمستقبل ،

__________________

١ ـ الذاريات : ٥٢ و ٥٣.

٢ ـ انجيل يوحنا : الفصل ١٠ ، الفقرة : ٢٠ ، والفصل ٧ ، الفقرة ٤٨ و ٥٢.

٣ ـ النحل : ١٠٣.

٤ ـ الدخان : ١٣ و ١٤.

٥ ـ الجن كائن من الكائنات ومخلوق من مخلوقات اللّه تعالى وقد اخبر به القرآن الكريم في مواضع عديدة كما سميت احدى السور باسم الجن.

٤٧١

وكان هذا موجوداً قبل الإسلام كما ترويه كتب السير والتواريخ(١) .

وقد رد القرآن الكريم على هذه المقالة وهذا الزعم إذ قال تعالى : «وَلا بِقَولْ كاهِن قَليلا ما تَذكَّرُونَ »(٢) كما ردّ ايضاً تهمة السحر ، والكذب والافتراء والشعر إذ قال تعالى وهو يصف المتهمين تارة بالكفر واُخرى بالظلم : «وَعَجِبُوا أَنْ جاءهُمْ مُنْذرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرونَ هذا سَاحِرٌ كَذّابٌ »(٣) .

وقال تعالى : «وَقالَ الظالِمُونَ إنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلا مَسْحُوراً »(٤) .

وقال سبحانه متعجباً مِنهم : «قالُوا إنَّما أنتَ مِنَ المُسحَّرينَ »(٥) .

وقال تعالى : «وَقالُوا يا أيُّها الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ إنَّكَ لَمجْنُونٌ »(٦) .

وقال سبحانه : «وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُون »(٧) .

وقال عزّ وجلّ : «فَذكِّر فَما أَنْتَ بِنعْمةِ رَبّكَ بِكاهِن وَلا مَجْنُون »(٨) .

وقال تعالى : «قالُوا إنّما أنْتَ مُفْتَر بل أكثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ »(٩) .

وقال تعالى : «أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْر سُوَر مِثلِه »(١٠) .

وقال سبحانه : «وَقالَ الّذينَ كَفَرُوا إنْ هذا إلاّ إفكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَليْهِ قَومٌ آخرونَ فَقدْ جاءوا ظُلماً وَزُوراً »(١١) .

وقال سبحانه : «أفتَرى عَلى اللّه كَذِباً أمْ بِهِ جِنَّةٌ »(١٢) .

وقال تعالى : «أَم يَقُولُونَ شاعِرٌ نَترَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُون »(١٣) .

وقال تعالى : «وَما عَلَّمْناهُ الشَّعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقران مُبِيْن »(١٤) .

وربما وصفوا القرآن بانه اضغاث احلام فردهم سبحانه بقوله.

«بَلْ قالُوا أضغاثُ أحْلام بلِ افْتراهُ بَلْ هُوَ شاعرٌ »(١٥) .

__________________

١ ـ راجع : بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب : ج ٣ ، ص ٢٦٩ باب علم الكهانة والعرافة.

٢ ـ الحاقة : ٤٢.

٣ ـ ص : ٤.

٤ ـ الفرقان : ٨.

٥ ـ الشعراء : ١٥٣.

٦ ـ الحجر : ٦.

٧ ـ التكوير : ٢٢.

٨ ـ الطور : ٢٩.

٩ ـ النحل : ١٠١.

١٠ ـ هود : ١٣.

١١ ـ الفرقان : ٤.

١٢ ـ سبأ : ٨.

١٣ ـ الطور : ٣٠.

١٤ ـ يس : ٦٩.

١٥ ـ الانبياء : ٥.

٤٧٢

وهكذا نجدهم ذهبوا في استخدام سلاح الاتهام والتشويش على الشخصية المحمَّدية والرسالة الإسلامية كل مذهب ، فمرة وصفوه بانه كاهن واُخرى بانه ساحر وثالثة بانه مسحور ، ورابعة بانه مجنون وخامسة بانه معلّم وسادسة بانه كذاب وسابعة بانه مفتري وثامنة بانه مفترى أو مجنون على سبيل الترديد وتاسعة بانه شاعر وعاشرة بان ما يقوله ما هو الاّ اضغاث احلام.

٢ ـ فكرةُ معارضة القرآن :

لم يُجدِ استخدام سلاح الإتهام ضد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفعاً ، ولم يأت بالثمار الّتي كان يتوخاها المشركون منه ، لأن الناس كانوا يُدركون بفطنتهم وفراستهم أن للقرآن جاذبيّة غريبة ، وأنهم لم يسمعوا كلاماً حلواً ، وحديثاً عذباً مثله.

ان لكلماته من العمق والعذوبة بحيث يتقبّلها كلُ قلب ، وتسكن اليها كل نفس.

من هنا لم ينفع اتهام قريش لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون وبأنَّ ما يقوله إن هو الاّ من نسج الخيال ، ونتائج الجنون ، شيئاً ، فقررت أن تخطّط لتدبير آخر ظناً منهم بأنّ تنفيذه سيصرف الناس عنه ، وعن الاستماع إلى كتابه ، ألا وهو : معارضة القرآن الكريم.

فعمدت إلى « النضر بن الحارث » وكان من شياطين قريش ، وممّن كان يؤذي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قضى شطراً من حياته في الحيرة بالعراق وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس واحاديث « رُستم » و « إسفنديار » وقصصهم ، وحكاياتهم ، وأساطيرهم ، وطلبوا منه أن يجمع الناسَ ويقص عليهم من تلكم الأساطير والحكايات يلهي بها الناس عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويصرفهم عن الإصغاء إلى القرآن الكريم!!

فكان إذا جلس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجلساً فذكَّر الناس فيه باللّه ، وحذر قومه ما أصاب مَن قبلَهم من الاُمم من نقمة اللّه ، خَلفه « النضرُ » في مجلسه

٤٧٣

إذا قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : أنا واللّه يا معشر قريش أحسنُ حديثاً منه فهلمَّ إليّ ، فأنا اُحدِّثكم أحسنَ من حديثه.

ثم يحدّثهم عن ملوك الفرس و « رستم » و « اسفنديار » ثم يقول :

بماذا محمَّد أحسن حديثاً مني وما حديثه إلاّ أساطير الأَولين اكتتبهاكما اكتتبتُها؟(١) .

وقد كانت هذه الخُطة حمقاء جداً إلى درجة أنها لم تدم إلاّ عدة ايام لا اكثر حتّى أن قريشاً سأمت من أحاديث « النضر » وسرعان ما تفرّقت عنه.

وقدنزل في هذا الشأن آيات هي : «وَقالُوا أساطيرُ الأَوَّليْنَ اكتتبها فهي تمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأصِيْلا * قُلْ أَنْزلَهُ الَّذيْ يعْلَمُ السِّرّ في السَماواتِ وَالأَرْضِ إنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحيماً »(٢) .

* * *

تحججات صبيانيّة وجاهليّة :

وربما جسَّدوا معارضتهم للدعوة المحمَّدية في صورة تحججات ومجادلات جاهليّة ومآخذ سخيفة اخذوها على رسول اللّه ورسالته ، تنم عن تكبر وجهل ، وعناد ولجاج طبعوا عليه.

وها نحن نذكر ابرزها :

أ ـ لماذا لم ينزل القرآن على ثريّ من اثرياء مكة أو الطائف؟!

قال تعالى حاكيا قولهم : «لَولا نُزِّلَ هذا الْقُرانُ عَلى رَجُل مِنَ الْقَريَتَيْنِ عَظِيْم »(٣) .

ب ـ لماذا لم يرسل اليهم ملائكة ولماذا هو بشر؟!

قال تعالى عنهم : «وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أن يُؤْمِنُوا إذْ جاءهُمْ الهُدى إلاّ أَنْ قالُوا أبعَثَ اللّه بَشَراً

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٠٠ و ٣٥٨.

٢ ـ الفُرقان : ٥ و ٦.

٣ ـ الزخرف : ٣١.

٤٧٤

رَسُولا »(١) .

وقال تعالى حاكياً عنهم أيضاً : «وَقالُوا ما لِهذا الرَّسُول يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشي فِي الأَسْواقِ »(٢) .

ج ـ انَّه يدعو إلى خلاف ما كان عليه الآباء ، من الدين والعقيدة والسلوك؟

يقول عنهم سبحانه : «وَإذا قِيْلَ لَهُمْ تَعالَوْا إلى ما أَنْزَلَ الله وَإلى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْه آباءنا أو لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ »(٣) .

د ـ تبديل الآلهة بإلهٍ واحد.

قال اللّه عنهم : «وَعَجِبُوا أَنْ جاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ * أَجعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحِداً إنْ هذا لِشَيء عُجابٌ »(٤) .

هـ ـ القول بحشر الاجساد وتجدد الحياة في يوم القيامة.

قال تعالى عنهم : «وَقالُوا ءإذا ضَلَلْنا فِي الاْرْضِ ءإنّا لِفِي خَلْق جَدِيد »(٥) .

و ـ لماذا ليس عنده مثل ماكان لدى موسى من المعجزات كالثعبان المنقلب من العصا ، وقد توصل المشركون إلى هذا النمط من الاعتراض بسبب اتصالهم بأحبار اليهود.

يقول اللّه عنهم : «فَلَمّا جاءهُمْ الْحقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا اُوتِيَ مِثْلُ ما اُوْتيَ مُوسى »(٦) .

ز ـ لماذا ليس معه ملك يُرى ويشاهَد ويحضر معه في كل مقام ومشهد.

قال تعالى : «وَقالُوا لَولا اُنْزلَ عَلَيْهِ مَلَكْ »(٧) .

__________________

١ ـ الاسراء : ٩٤.

٢ ـ الفرقان : ٧.

٣ ـ المائدة : ١٠٤.

٤ ـ ص : ٤ و ٥.

٥ ـ السجدة : ١٠.

٦ ـ القصص : ٤٨.

٧ ـ الانعام : ٨.

٤٧٥

مقترحات عجيبة ومطاليب غريبة :

وكان المشركون إذا نفذت تحججاتهم واعتراضاتهم الواهية ، وقوبلوا بردود قوية وقاطعة عليها عمدوا إلى طرح مقترحات سخيفة على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سياق معارضتهم لدعوته ونورد هنا ابرز تلك الاقتراحات ليعرف القارئ الكريم مدى معاناة النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قومه :

لقد اقترحوا عليه :

١ ـ ان يعبد اصنامهم سنة ويعبدوا إلهه سنة اُخرى وجعلوا ذلك شرطا لايمانهم بدعوته!!

فأنزل اللّه تعالى في ردّهم بسورة « الكافرون » : «بِسْم اللّه الرَّحْمن الرَّحيم. قُلْ يا أَيُّها الْكافِرُونَ * لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ. وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ. لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِيَ دِيْنِ ».

٢ ـ تبديل القرآن ، فقد دفع نقدُ القرآن الكريم للوثنية ، والازاء على الاصنام ، دفعهم إلى ان يطلبوا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يأتي لهم بقرآن آخر لا يحتوي على شجب عبادة الاوثان والازدراء بالاصنام ، وابطالها.

قال اللّه تعالى عن فعلهم هذا : «وَإذا تُتْلى عَلَيْهِم آياتُنا بيِّنات قالَ الَّذيْنَ لا يَرْجُونَ لِقاءنا ائتِ بِقُرآن غَيْر هذا أوْ بَدّلهُ »(١) .

فردّ اللّه عليهم بقوله : «قُلْ ما يَكُونُ لِيْ أَنْ اُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاء نَفْسِيْ إنْ اتّبعُ إلا ما يُوْحى إلَيَّ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْم عَظيْم »(٢) .

٣ ـ مطاليب مادية عجيبة!!

__________________

١ و ٢ ـ يونس : ١٥.

٤٧٦

وقد عمدوا ـ بسبب عنادهم وعتوهم ـ إلى المطالبة باُمور لا ترتبط بهداية الناس ، مثل مطالبته بان يفجر لهم ينابيع ، أو يُسقط السماء على رؤوسهم قطعاً ، أو يصعد إلى السماء ، أو يأتي باللّه سبحانه وتعالى ، أو غير ذلك من الاقتراحات والمطاليب الّتي كانت إما مستحيلة في نفسها أوتناقض غرض الدعوة!!

قال اللّه حاكياً عنهم ذلك : «وَقالُوا لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يُنْبُوعاً. أوْ تَكُون لَكَ جَنّةٌ مِنْ نَخيْل وَعنَب فَتُفَجِّر الاْنهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أوْ تَأتِيَ بِاللّه وَالْمَلائكةِ قَبِيلا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْت مِنْ زُخْرُف أوْ تَرْقى في السَّماء »(١) .

صبر النبيّ واستقامته وثباته :

ولقد قابل رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل هذه التحججات الايذائية وما طرح مِنَ الاقتراحات المستحيلة بصبر عظيم وثبات هائل ، ايماناً منه بدعوته ، وحرصاً على ابلاغ رسالته ، وبفعل التأييد الالهي من جانب.

يقول اللّه تعالى في هذا الصدد :

١ ـ «فَاْصْبِرْ كَما صَبَرَ اُوْلوا العْزْم مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ »(٢) .

٢ ـ «وَاتّبِعْ ما يُوحْى إلَيْكَ وَاِصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّه وَهُوَ خَيْرُ الحاكِميْن »(٣) .

٣ ـ «وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إلاّ بِاللّه وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ »(٤) .

٤ ـ «وَاصْبِرْ نَفْسكَ مَعَ الَّذيْنَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداوَة وَالعَشِيِّ »(٥) .

٥ ـ «فَاصْبِرْ لِحُكْم رَبّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوْت »(٦) .

٦ ـ «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلا »(٧) .

__________________

١ ـ الاسراء : ٩٠ ـ ٩٣.

٢ ـ الاحقاف : ٣٥.

٣ ـ يونس : ١٠٩.

٤ ـ النحل : ١٢٧.

٥ ـ الكهف : ٢٨.

٦ ـ القلم : ٤٨.

٧ ـ المزمل : ١٠.

٤٧٧

معاجز النبيّ لم تنحصر في القرآن :

وبالمناسبة لابد أن نذكر أن المشركين ومن حذى حذوهم من الكفار والمعارضين للرسالة الإسلامية كانوا يطالبون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعاجز وديات لا بدافع الرغبة في الايمان بدعوته بل بدافع اللجاج والعناد ، وإلا فان معاجز النبيّ لم تنحصر في الكتاب العزيز ، فقد اتى رسول اللّه بآيات ومعاجز كثيرة اُخرى غير القرآن ، كان كل واحد منها يكفي للاقتناع برسالته ، والايمان بصحة دعواه.

فالقرآن نفسه يشير إلى أبرز هذه المعاجز وهي :

١ ـ شقّ القمر

فقد طلب المشركون من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يشق لهم القمر نصفين حتّى يؤمنوا به ، فلمّا على ذلك لهم باذن اللّه كفروا به وقالوا انه سحر!!

يقول اللّه تعالى : «إقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ. وَإنْ يَروْا آيَة يُعْرضُوْا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتمِرّ »(١) .

٢ ـ المعراج

ان العروج برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والّذي سيأتي مفصلا هو الآخر معجزة من معاجزه القوية ، وقد نطق بها القرآن بقوله : «سُبْحانَ الَّذي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرام إلى الْمَسْجِدَ الأَقْصى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُريَهُ مِنْ آياتِنا إنَّه هُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيرُ »(٢) .

____________

١ ـ القمر : ١ و ٢.

٢ ـ الاسراء : ١.

٤٧٨

٣ ـ مباهلة أهل الباطل

ان تقدم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مَن خرج بهم إلى المباهلة ، واحجام النصارى عن مباهلته ، معجزة اُخرى من معاجزهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه القضية إذ قال : «فَمَنْ حاجَّكَ فِيْهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءكَ مِنَ العلم فَقُل تَعالوا نَدْعُ أَبْناءنا وَأَبْناءكُمْ وَنِساءنا وَنِساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعلْ لَعْنَةَ اللّه عَلىَ الْكافِرينَ »(١) .

وستأتي قصَّة المباهلة على نحو التفصيل في حوادث السنة العاشرة من الهجرة.

٤ ـ الاخبار بالمغيبات

فقد كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عن اُمور غائبة كما يقول اللّه سبحانه حاكيا عنه : «وَاُنبِّئكُمْ بِما تأكلون وما تَدَّخِرُونَ فِيْ بُيُوتكُمْ »(٢) .

هذا وقد أخبرت الاخبار والاحاديث عن معاجز كثيرة لرسول اللّه غير القرآن الكريم.

__________________

١ ـ آل عمران : ٦١.

٢ ـ آل عمران : ٤٩ ، وقد اشار القرآن الكريم إلى موارد اُخرى من هذه القبيل.

فقد اخبر عن غلبة الروم بعد سنين : قال تعالى :

«الم غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَييغْلِبُونَ. في بِضْعِ سِنْينَ * للّه الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعدُ وَيَومئذ يَفْرحُ الْمؤمنون » ( الروم : ١ ـ ٤ ).

واخبر عن هلاك ابي لهب قال تعالى :

«تَبَّت يَدا أبي لَهَب وَتَبّ ... الخ ».

وأخبر عن هزيمة المشركين في بدر قال سبحانه :

«سيهزم الجمع ويولون الدبر » ( القمر : ٤٥ ).

٤٧٩

ومن هذه المعاجز ما ذكره الامام اميرالمؤمنين علّي بن أبي طالب ـ كما في نهج البلاغة ـ حول سؤال المشركين من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلع شجرة بعروقها وجذورها ولما فعل ذلك وقال : « يا أيّتها الشجرة ان كنت تؤمنين باللّه واليوم الآخر ، وتعلمين أني رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ باذن اللّه ».

فانقلعت بعروقها ولها دوّي عجيب ووقفت بين يدي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنهم كذّبوا وقالوا ساحر كذاب ، علواً واستكباراً.

وقد صرح الامام في كلامه هذا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرهم بانهم لا يؤمنون وان ظهرت لهم المعجزة الّتي طلبوها ، وان فيهم من يطرح في القليب ( في معركة بدر ) وان منهم من يحزّب الأحزاب ( لمعركة الخندق )(١) .

اصرار النبيّ على هداية قريش :

بل كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرص على هدايتهم وارشادهم وايقاظهم. فقد كان زعيم المسلمين وقائدهم يعلم جيداً بأن اعتقاد أغلبية الناس بالأوثان ما هو الاّ أمر نابع من تقليد الآباء ، والجدود ، أو اتباع أسياد القبيلة وكبرائها ، وهو بالتالي لا يستند إلى جذور في أعماق الناس واُسس في عقولهم ونفوسهم.

من هنا فانَّ أيَّ انقلاب يحصل ويحدث في اوساط السادة والكبراء بان يؤمن أحدهم مثلا كان كفيلا بأن يحلّ الكثير من المشاكل.

من هنا كان ثمة إصرار كبير على جرّ « الوليد بن المغيرة » الّذي أصبح ابنه « خالد » في ما بعد من قادة الجيش الاسلاميّ والمشاركين في الفتوح الإسلامية إلى صف المؤمنين بالرسالة المحمَّدية ، لأنّه كان أسنَّ مَن في قريش واكثرهم نفوذاً ، وأعلاهُم مكانة ، وأقواهم شخصية ، وكان يُدعى حكيم العرب ، وكانت العرب تحترم رأيه إذا اختلفت في أمر.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : قسم الخطب الرقم ١٩٢.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617