بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194194 / تحميل: 7310
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

شرائطها التي منها الاعتماد على الحسّ دون الحدس. وهو شرط اتّفق عليه العلماء ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشَّرط ، لعدم تعاصر المعدِّل ( بالكسر ) والمعدَّل ( بالفتح ) غالباً.

والجواب أنَّه يشترط في الشهادة ، أن يكون المشهود به أمراً حسّياً أو تكون مبادئه قريبة من الحسّ وإن لم يكن بنفسه حسّياً ، وذلك مثل العدالة والشّجاعة فإنَّهما من الأُمور غير الحسيّة ، لكن مبادئها حسّية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل ، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة ، وقرع الأبطال في ميادين الحرب ، والاقدام على الأُمور الخطيرة بلا تريُّث واكتراث في الشجاعة.

وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة ، اوبقيام القرائن والشَّواهد على عدالته ، أو شهرته وشياعه بين الناس ، على نحو يفيد الاطمئنان ، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والأمارات والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر ، المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان.

ولا شكَّ أنَّ الكشّي والنجاشي والشيخ ، بما أنَّهم كانوا يمارسون المحدِّثين والعلماء ـ بطبع الحال ـ كانوا واقفين على أحوال الرواة وخصوصيّاتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط ، فلأجل تلك القرائن الواصلة اليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، شهدوا بوثاقة هؤلاء.

وهناك جواب آخر ؛ وهو أنَّ من المحتمل قويّاً أن تكون شهاداتهم في حق الرواة ، مستندة إلى السَّماع من شيوخهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطّبقة النهائيَّة معاشرة لهم ومخالطة إيّاهم.

وعلى ذلك ، لم يكن التَّعديل أو الجرح أمراً ارتجاليّاً ، بل كان مستنداً ، إمّا إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو

٤١

ضعفه ، أو إلى السَّماع من شيخ إلى شيخ آخر.

وهناك وجه ثالث ؛ وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدّمة عليهم ، التي كان أصحابها معاصرين للرواة ومعاشرين لهم ، فإنَّ قسماً مهمّاً من مضامين الأصول الخمسة الرجاليّة ، وليدة تلك الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة.

فتبيَّن أنَّ الأعلام المتقدّمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم بوثاقة الرَّجل ، على الحسّ دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة :

1 ـ الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلّفيها بالطّرق الصحيحة.

2 ـ السَّماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

3 ـ الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطّرق وأمتنها ، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر ، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاصّ.

ويدلّ على ذلك ( أي استنادهم إلى الحسّ في التوثيق ) مانقلناه سالفاً عن الشيخ ، من أنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة ، فوثّقت الثّقات وضعَّفت الضعفاء ، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ـ إلى آخر ما ذكره.(1)

ولاجل أن يقف القارئ على أنَّ أكثر ما في الأُصول الخمسة الرجالية ـ لا جميعها ـ مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة ،

__________________

1 ـ لاحظ عدة الأُصول : 1 / 366.

٤٢

نذكر في المقام أسامي ثلّة من القدماء ، قد ألَّفوا في هذا المضمار ، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجاليَّة المؤلَّفة قبل الأُصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير.

1 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( المتوفّى 381 هـ ) ، ترجمه النجاشي ( الرقم 1049 ) وعدَّ من تصانيفه كتاب « المصابيح » في من روى عن النبي والأئمةعليهم‌السلام وله ايضاكتاب « المشيخة » ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ ، طبع في آخر « من لايحضره الفقيه »(1) .

2 ـ الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بـ « ابن عبدون » ( بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة ) ، كما في رجال النجاشي ( الرقم 211 ) وبـ « ابن الحاشر » كما في رجال الشيخ(2) ، والمتوفّى سنة 423 هـ وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب « الفهرس ». أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي(3) .

3 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بـ « ابن عقدة » ( بضم العين المهملة وسكون القاف ، المولود سنة 249 هـ والمتوفّى سنة 333 هـ ) له كتاب « الرجال » وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار جمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الإمام الصّادق من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .(4)

__________________

1 ـ ترجمة الشيخ في الرجال ، في الصفحة 495 ، الرقم 25 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 156 ، تحت الرقم 695 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 184 ، تحت الرقم 709.

2 ـ رجال الشيخ : 450 ، ترجمه الشيخ بـ « أحمد بن حمدون ».

3 ـ الفهرس : 4 ـ 6 ، « الطبعة الأولى » ، تحت الرقم 7 و « الطبعة الثانية » : 27 ـ 29.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 44 ، الرقم 30 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » ص 28 ،

٤٣

4 ـ أحمد بن علي العلويّ العقيقيّ ( المتوفى عام 280 هـ ) له كتاب « تاريخ الرجال » وهو يروي عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم القمي.(1)

5 ـ أحمد بن محمّد الجوهري البغدادي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 207 ) والشيخ الطوسي(2) وتوفّي سنة 401 هـ ، ومن تصانيفه « الاشتمال في معرفة الرجال ».

6 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمّد بن نوح ، ساكن البصرة له كتاب « الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام »(3) .

7 ـ أحمد بن محمَّد القمي ( المتوفى سنة 350 هـ ) ترجمه النجاشي ( الرقم 223 ) ، له كتاب « الطبقات ».

8 ـ أحمد بن محمَّد الكوفي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 236 ) وعدَّ من كتبه كتاب « الممدوحين والمذمومين »(4) .

9 ـ الحسن بن محبوب السرّاد ( بفتح السين المهملة وتشديد الراء ) أو الزرّاد ( المولود عام 149 هـ ، والمتوفّى عام 224 هـ ) روى عن ستّين رجلاً من

__________________

تحت الرقم 76 ، وفي « الطبعة الثانية » ص 52 ، تحت الرقم 86 ، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم 233.

1 ـ ترجمه النجاشي في رجاله ، تحت الرقم 196 ، والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 24 ، تحت الرقم 63 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 48 ، تحت الرقم 73 ، وفي الرجال في الصفحة 453 ، الرقم 90.

2 ـ رجال الشيخ : 449 ، الرقم 64 ، والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 33 ، تحت الرقم 89 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 57 ، تحت الرقم 99.

3 ـ ترجمه الشيخ في رجاله : 456 ، الرقم 108 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 37 ، تحت الرقم 107 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 61 ، تحت الرقم 117.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 454 ، وقال في الفهرس « الطبعة الأولى » بعد ترجمته في الصفحة 29 ، تحت الرقم 78 : « توفي سنة 346 هـ » ويكون في « الطبعة الثانية » من الفهرس في الصفحة 53 ، تحت الرقم 88.

٤٤

اصحاب الصادقعليه‌السلام وله كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار »(1) .

10 ـ الفضل بن شاذان ، الّذي يُعدُّ من أئمّة علم الرجال وقد توفّي بعد سنة 254 هـ ، وقيل 260 هـ ، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام وتوفّي في أيام العسكريعليه‌السلام (2) ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة في القسم الّثاني في ترجمة « محمد بن سنان » ـ بعد قوله : والوجه عندي التوقّف فيما يرويه ـ « فإنَّ الفضل بن شاذان ـ رحمهما الله ـ قال في بعض كتبه : إنَّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان »(3) .

إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرِّجال وقد جمع أسماءها وما يرجع اليها من الخصوصيّات ، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب أسماه « مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال »(4) .

والحاصل ، أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين ، يشرف الإنسان على الاذعان واليقين بأنَّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة وغيرها ، يستند إمّا إلى الوجدان في الكتاب الثّابتة نسبته إلى مؤلّفه ، أو إلى النّقل والسّماع ، أو إلى الاستفاضة والاشتهار ، أو إلى طريق يقرب منها.

__________________

1 ـ راجع رجال الشيخ الطوسي : 347 ، الرقم 9 والصفحة 372 ، الرقم 11 والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 46 ، تحت الرقم 151 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 72 ، تحت الرقم 162.

2 ـ ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم 840 والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 124 ، تحت الرقم 552 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 150 ، تحت الرقم 564 ، وفي الرجال في الصفحة 420 ، الرقم 1 ، والصفحة 434 ، الرقم 2.

3 ـ الخلاصة : 251 ، طبع النجف.

4 ـ طبع الكتاب عام 1378.

٤٥

السابع : التوثيق الإجمالي

إنَّ الغاية المُتوخّاة من علم الرجال ، هو تمييز الثِّقة عن غيره ، فلو كانت هذه هي الغاية منه ، فقد قام مؤلّف الكتب الأربعة بهذا العمل ، فوثَّقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التَّفصيل ، فلو كان التَّوثيق التفصيلي من نظراء النَّجاشي والشَّيخ وأضرابهما حجَّة ، فالتَّوثيق الاجمالي من الكليني والصَّدوق والشيخ أيضاً حجَّة ، فهؤلاء الأقطاب الثَّلاثة ، صحَّحوا رجال أحاديث كتبهم وصرَّحوا في ديباجتها بصحّة رواياتها.

يقول المحقّق الكاشاني في المقدّمة الثانية من مقدّمات كتابه « الوافي » في هذا الصَّدد ، ما هذا خلاصته(1) : « إنَّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا على صحَّة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أوَّل كتابه في جواب من التمس منه التَّصنيف : « وقلت : إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه مَنْ يُريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنّة نبيّه إلى أن قالقدس‌سره : وقد يسَّر الله له الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخَّيت ». وقال الصَّدوق في ديباجة « الفقيه » : « إنّي لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربي ـ تقدَّس ذكره ـ ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المُعوَّل وإليها المرجع ». وذكر الشيخ في « العدّة » أنَّ جميع ما أورده في كتابيه ( التهذيب والاستبصار ) ، إنَّما أخذه من الأُصول المعتمد عليها.

والجواب : أنَّ هذه التَّصريحات أجنبيَّة عمّا نحن بصدده ، أعني وثاقة

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ، المقدمة الثانية.

٤٦

رواة الكتب الأربعة.

أَمّا أوّلاً : فلأن المشايخ شهدوا بصحَّة روايات كتبهم ، لا بوثاقة رجال رواياتهم ، وبين الأمرين بون بعيد ، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستنداً إلى إحراز وثاقة رواتها ، يمكن أن يكون مستنداً إلى القرائن المنفصلة التي صرّح بها المحقّق البهائي في « مشرق الشمسين » والفيض الكاشاني في « الوافي » ومع هذا كيف يمكن القول بأنَّ المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم؟ والظّاهر كما هو صريح كلام العَلَمين ، أنَّهم استندوا في التَّصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة ، ويدلّ على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات ، قالقدس‌سره بعد بيان اصطلاح المتأخّرين في تنويع الحديث المعتبر : « وسلك هذا المسلك العلاّمة الحلّيرحمه‌الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلِّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به ، والركون إليه (1) كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمةعليهم‌السلام (2) وكتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة ـ وأسانيد عديدة معتبرة (3) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمَّد بن مسلم والفضيل بن يسار (4) ، أو على تصحيح مايصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي (5) ، أو العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ونظرائه (6) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد الله الحلبي الّذي عرض على الصّادقعليه‌السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام (7) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع

٤٧

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة ، ككتاب الصَّلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري إلى أن قال : فحكموا بصحَّة حديث بعض الرواة من غير الإماميّة كعليّ بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم ، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الَّذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم إلى أن قال : فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحَّة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال : نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترَّجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعَّديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اُشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهمعليهم‌السلام « فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما واصدقهما في الحديث » وهو أحد وجوه التّراجيح المنصوص عليها ، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب »(1) .

وثانياً : سلَّمنا أنَّ منشأ حكمهم بصحَّتها هو الحكم بوثاقة رواتها ، لكن من أين نعلم أنَّهم استندوا في توثيقهم إلى الحسِّ ، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحسّ ، بل من المحتمل قويّاً ، أنَّهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها ، ومثله يكون حجَّة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن.

وثالثاً : نفترض كونهم مستندين في توثيق الرُّواة إلى الحسِّ ، ولكنَّ الأخذ بقولهم إنَّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم ، فإنَّ كثرتها تسقط قول

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ـ 12 ، المقدمة الثانية.

٤٨

المخبر عن الحجّية في الإخبار عن حسٍّ أيضاً ، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلاً إنَّ كثيراً من رواة الكافي ضعّفهم النجاشي والشيخ ، فمع هذه المعارضة الكثيرة يسقط قوله عن الحجّية. نعم ، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإنَّ الشيخ قد ضعَّف كثيراً من رجال « التهذيب والاستبصار » في رجاله وفهرسه ، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التَّصحيح.

فظهر أنَّه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات ، وأنَّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب.

الثامن : شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحَّة روايات كتبهم ، وأنَّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليه المحقّق الفيض ، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا؟

الجواب : أنَّ خبر العدل وشهادته إنَّما يكون حجَّة إذا أخبر عن الشَّيء عن حسٍّ لا عن حدس ، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجَّة إلا على نفس المخبر ، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة ، كالمفتي بالنّسبة إلى المستفتي. وإخبار هؤلاء عن الصُّدور إخبار عن حدس لا عن حسٍّ.

توضيح ذلك ؛ أنَّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين :

الأوّل : التعمُّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني : احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلائي المسلَّم بينهم من أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، لكن ذاك الأصل عند العقلاء مختصٌّ بما إذا أخبر بالشيء عن حسٍّ ، كما إذا أبصر وسمع ، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس ، واحتمال الخطأ في الإبصار والسَّمع مرتفع بالأصل المسلَّم بين العقلاء ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدّمة إلى النتيجة ،

٤٩

فليس هنا أصل يرفعه ، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجَّة الا لنفسه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنَّ المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم ، وتنطّق أئمّتهم بها ، وإنَّما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرَّتهم إلى الاطمئنان بالصّدور ، وهو إخبار عن الشيء بالحدس ، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولايكون حجَّة في حق الغير.

وإن شئت قلت : ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحَّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع أو الأغلب من النّاس ، بل هو أمر تختلف فيه الأنظار بكثير ، فرُبَّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً في مقابل إنسان آخر ، لا تفيده إلا الظنَّ الضعيف بالصحَّة والصدور ، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب النّاس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث ، وليس الإخبار عن صحَّتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته ، فإنَّ لهما مبادئ خاصَّة معلومة ، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم ، فيكون قول المخبر عنهما حجَّة وإن كان الإخبار عن حدس ، لأنَّه ينتهي إلى مبادئ محسوسة ، وهي ملموسة لكلّ من أراد أن يتفحَّص عن أحوال الإنسان. ولا يلحق به الإخبار عن صحِّة تلك الروايات ، مستنداً إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحَّة إلى حدٍّ ربَّما لا تفيد لبعض الناس إلا الظّنَّ الضَّعيف. وليس كلُّ القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الإمام ونظيره ، حتّى يقال إنَّها من القرائن الحسيّة ، بل أكثرها قرائن حدسية.

فان قلت : فلو كان إخبارهم عن صحَّة كتبهم حجَّة لأنفسهم دون غيرهم ، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت : إنَّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها ، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد ، لعلَّه يقف

٥٠

أيضاً على مثل ما وقف عليه المؤلِّف وهو جزء علَّة لتحصيل الرُّكون لا تمامها.

ويشهد بذلك أنَّهم مع ذاك التَّصديق ، نقلوا الروايات بإسنادها حتّى يتدبَّر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صحَّ لديهم ، ولو كانت شهادتهم على الصحَّة حجَّة على الكلّ ، لما كان وجه لتحمّل ذاك العبء الثقيل ، أعني نقل الروايات بإسنادها. كلّ ذلك يعرب عن أنَّ المرمى الوحيد في نقل تلك التصحيحات ، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتّى يقوم بنفس ما قام به المؤلّفون ولعلَّه يحصِّل ما حصَّلوه.

٥١
٥٢

الفصل الثالث

المصادر الاولية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الثمانية.

2 ـ رجال ابن الغضائري.

٥٣
٥٤

الاصول الرجالية الثمانية

* رجال الكشي.

* فهرس النجاشي.

* رجال الشيخ وفهرسه.

* رجال البرقي.

* رسالة أبي غالب الزراري.

* مشيخة الصدوق.

* مشيخة الشيخ الطوسي.

٥٥
٥٦

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين الى يومنا هذا بعلم الرجال ، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم ، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب « عبيد الله بن أبي رافع » كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان ، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.

وألف عبدالله بن جبلة الكناني ( المتوفى عام 219 هـ ) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني الى أوائل القرن الثالث ، كتباً في هذا المضمار ، واستمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.

ومن المأسوف عليه ، أنه لم تصل هذه الكتب الينا ، وانما الموجود عندنا ـ وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية(1) ـ ما دوّن في القرنين الرابع والخامس ، واليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال ، واليك اسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.

__________________

1 ـ المعروف أن الاصول الرجالية اربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي ، لكن عدها ثمانية بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء ، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة ، فلاحظ.

٥٧

1 ـ رجال الكشّي

هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ، والكشّ ـ بالفتح والتشديد ـ بلد معروف على مراحل من سمرقند ، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا ، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف ، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف « مساحة الارض والبلدان والاقاليم » بفتح الكاف وتشديد الشين ، وقال : « بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ».

وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي : « محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال ، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة »(1) .

وقال الشيخ في الفهرست : « ثقة بصير بالاخبار والرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال »(2) .

وقال في رجاله : « ثقة بصير بالرجال والأخبار ، مستقيم المذهب »(3) .

وأما اُستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي ، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة قال لنا أبو جعفر الزاهد : أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1018.

2 ـ فهرس الشيخ « الطبعة الاولى » الصفحة 141 ، الرقم 604 ، و : « الطبعة الثانية » ، الصفحة 167 الرقم 615.

3 ـ رجال الشيخ : 497.

٥٨

مقابل أو قارئ أو معلِّق ، مملوءة من الناس(1) وله كتب تتجاوز على مائتين.

قد أسمى الكشّي كتابه الرجال بـ « معرفة الرجال » كما يظهر من الشّيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري(2) .

وربَّما يقال بأنه أسماه بـ « معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين » أو « معرفة الناقلين » فقط ، وقد كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد ابن طاووس ، لأنه تصدّى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمِّه الى كتب أُخرى من الكتب الرجاليَّة وأسماه بـ « حلّ الاشكال في معرفة الرجال » وكان موجوداً عند الشهيد الثاني ، ولكن الموجود من كتاب الكشّي في هذه الاعصار ، هو الذي اختصره الشيخ مسقطاً منه الزوائد ، واسماه بـ « اختيار الرجال » ، وقد عدَّه الشيخ من جملة كتبه ، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره ، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيراً المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقاً رائعاً وفهرس له فهارس قيّمة ـ شكر الله مساعيه ـ.

كيفية تهذيب رجال الكشي

قال القهبائي : « إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ ، الخاصة »(3) .

والّظاهر عدم تماميّته ، لأنه ذكر فيه جمعاً من العامة رووا عن ائمّتنا

__________________

1 ـ راجع رجال النجاشي : الرقم 944.

2 ـ ذكره في « ترتيب رجال الكشي » الذي رتب فيه « اختيار معرفة الرجال » للشيخ على حروف التهجي ، والكتاب غير مطبوع بعد ، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله.

3 ـ راجع فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 34 ، الرقم 90 ، و : « الطبعة الثانية » الصفحة 58 ، الرقم 100.

٥٩

كمحمد بن اسحاق ، ومحمد بن المنكدر ، وعمرو بن خالد ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن قيس ، وحفص بن غياث ، والحسين بن علوان ، وعبد الملك بن جريج ، وقيس بن الربيع ، ومسعدة بن صدقة ، وعباد بن صهيب ، وأبي المقدام ، وكثير النوا ، ويوسف بن الحرث ، وعبد الله البرقي(1) .

والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه.

ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءاً بأصحاب الرسول والوصي الى أن يصل الى أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ثم الى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة.

2 ـ رجال النجاشي

هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس(2) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، الشهير بالنجاسي ، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال : « أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي ، الذي ولي الاهواز وكتب الى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله وكتب اليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة(3) ولم ير لأبي عبداللهعليه‌السلام مصنَّف غيره.

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 17.

2 ـ يكنى بـ « أبي العباس » تارة وبـ « أبي الحسين » اخرى.

3 ـ هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة ، لاحظ : الجزء 12 ، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

١٩في الخطبة ( ١٥١ )

 وَ إِنَّ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ إِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَ لاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ أقول : انّه عين ما في سابقه و انما زيد في هذا ( لخلقان من خلق اللَّه سبحانه ) .

و كيف كان فقد قال تعالى :ان اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان اللَّه نعما يعظكم به . .١ ان اللَّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكرون ٢ .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام انما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم و أما صاحب سوط أو سيف فلا و من تعرّض لسلطان جائر فأصابته بلية لم يؤجر عليها و لم يرزق الصبر عليها .

و عنهعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طلب برضاء الناس ما يسخط اللَّه كان حامده ذاما و من آثر طاعة اللَّه تعالى بما يغضب الناس كفاه اللَّه عداوة كلّ عدوّ و بغي كلّ باغ و كان اللَّه له ناصرا و ظهيرا .

٢٠ الحكمة ( ١١٠ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ وَ لاَ يُضَارِعُ

____________________

( ١ ) النساء : ٥٨ .

( ٢ ) النحل : ٩٠ .

٢٠١

وَ لاَ يَتَّبِعُ اَلْمَطَامِعَ في ( تاريخ ) بغداد عن شعيب بن حرب بينا أنا في طريق مكة إذ رأيت الرشيد فقلت لنفسي وجب عليك الأمر و النهي فقالت لي لا تفعل فان هذا رجل جبّار يضرب عنقك فقلت لنفسي لا بد من ذلك .

فلمّا دنا مني صحت يا هارون قد أتعبت الأمة و اتعبت البهائم فقال خذوه فأدخلت عليه و هو على كرسي و بيده عمود يلعب به فقال ممّن الرجل قلت من افناء الناس فقال ممّن ؟ ثكلتك امك قلت من الأبناء أي أبناء خراسان قال فما حملك على أن تدعوني باسمي فقلت أنا أدعو اللَّه باسمه فأقول يا اللَّه يا رحمان و لا أدعوك باسمك و قد رأيت اللَّه سمى في كتابه أحبّ الخلق إليه محمّد و كنى أبغض الخلق إليه أبا لهب فقال أخرجوه فأخرجت .

و في ( الحلية ) عن ابن ( طاووس ) اليماني قال كنت لا أزال أقول لأبي انّه ينبغي أن نخرج على هذا السلطان فخرجنا حجاجا فنزلنا في بعض القرى و فيها عامل يقال له ابن نجيح و كان من أخبث العمّال فشهدنا صلاة الصبح في المسجد فاذا ابن نجيح قد اخبر بطاووس فجاء فقعد بين يديه فسلم عليه فلم يجبه فكلّمه فأعرض عنه ثم عدل إلى الشق الأيسر فأعرض عنه و هكذا فلمّا رأيت ما به قمت إليه فمددت بيده و جعلت أسأله و قلت له ان أبا عبد الرحمان لم يعرفك قال بلى معرفتي به فعل بي ما رأيت فمضى و هو ساكت لا يقول لي شيئا فلمّا دخلت المنزل التفت الي و قال يا لكع بينما أنت زعمت أن تخرج عليهم بسيفك لم تستطع أن تحبس عنهم لسانك .

و في ( كامل ) المبرد روى ان معاوية لمّا نصب يزيد لولاية العهد أقعده فيى قبّة حمراء فجعل الناس يسلمون على معاوية ثم يميلون الى يزيد حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال اعلم انك لو لم تول هذا أمور

٢٠٢

المسلمين لأضعتها و الأحنف جالس فقال له معاوية ما بالك لا تقول يا أبا بحر فقال أخاف اللَّه ان كذبت و أخافكم ان صدقت فلمّا خرج الأحنف لقيه الرجل بالباب فقال له اني لأعلم ان من شرّ خلق اللَّه هذا و ابنه و لكنهم قد استوثقوا من هذه الأمال بالأبواب و الأفقال فلسنا نطمع في استخراجها إلاّ بما سمعت فقال له الأحنف يا هذا امسك فان ذا الوجهين خليق ألا يكون عند اللَّه وجيها و روي ان يزيد قال لمعاوية في يوم بويع له فجعل الناس يمدحونه و اللَّه ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا فقال له معاوية كلّ من أردت خدعه فتخادع لك حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته .

و في ( الحلية ) عن أبي سعيد الخدري لمّا نزلإذا جاء نصر اللَّه و الفتح ١ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( أنا و أصحابي خير و الناس خير لا هجرة بعد الفتح ) فحدثت بهذا الحديث مروان و كان أميرا على المدينة فقال كذبت و كان عنده زيد بن ثابت و رافع بن خديج و هما معه على السرير فقلت اما ان هذين لو شائا لحدثاك و لكن هذا يعني رافعا يخشى على عرافة قومه و هذا يعني زيدا يخشى أن تنزعه عن الصدقة .

٢١ الحكمة ( ١٧٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَحَدَّ سِنَانَ اَلْغَضَبِ لِلَّهِ قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ اَلْبَاطِلِ أقول قريب منه قوله :

إذا كان هادي الفتى في البلاد صدر القناة ما أطاع الأمير في ( تاريخ بغداد ) كانت الخيزران أم الرشيد قد وجهت رجلا نصرانيا على الطراز

____________________

( ١ ) النصر : ١ .

٢٠٣

بالكوفة و كتب إلى موسى بن عيسى ألا يعصي له أمرا فكان مطاعا بالكوفة فخرج يوما معه جماعة من أصحابه عليه جبّة خز و طيلسان على برذون فاره و إذا رجل بين يديه مكتوف و هو يقول « وا غوثاه باللَّه ثم بالقاضي » و إذا آثار سياط في ظهره فسلّم على شريك و جلس إلى جانبه فقال المضروب لشريك أنا رجل أعمل الوشي كراء مثلي مائة في الشهر أخذني هذا مذ أربعة أشهر فاحتبسني في طراز يجري على القوت ولي عيال قد ضاعوا فأفلت اليوم منه فلحقني ففعل بظهري ما ترى .

فقال قم يا نصراني فاجلس مع خصمك فقال يا هذا أنا من خدم السيدة مر به إلى الحبس قال قم ويلك فاجلس معه كما يقال لك فجلس معه فقال له شريك ما هذه الآثار التي بظهر هذا الرجل من أثرها به قال أنا ضربته بيدي أسواطا و هو يستحق أكثر ، مر به إلى الحبس ، فألقى شريك كسائه و دخل داره فأخرج سوطا ربذيا ثم ضرب بيده إلى مجامع ثوب النصراني و قال للرجل انطلق إلى أهلك .

ثم رفع السوط فجعل يضرب به النصراني و يقول له لا تضرب و اللَّه المسلم بعدها أبدا فهمّ أعوانه أن يخلصوه فقال شريك من ههنا من فتيان الحي خذوا هؤلاء فاذهبوا بهم إلى الحبس فهرب القوم جميعا و افردوا النصراني فضربه أسواطا فجعل النصراني يعصر عينيه و يبكي و يقول له ستعلم فألقى شريك السوط في الدهليز و قام النصراني إلى البرذون ليركبه فاستعصى عليه و لم يكن له من يأخذ بركابه فجعل يضرب البرذون .

فقال له شريك و يلك ارفق به فانه أطوع للَّه منك فمضى النصراني فقيل لشريك يكون لفعلك هذا عاقبة مكروهة فقال « أعز أمر اللَّه يعزّك اللَّه » و ذهب النصراني إلى موسى بن عيسى فقال له من فعل هذا بك قال شريك و غضب

٢٠٤

الأعوان و صاحب الشرط ، فقال موسى لا و اللَّه ما أتعرض لشريك ، فمضى النصراني إلى بغداد فما رجع .

و فيه تقدم إلى شريك القاضي وكيل لمؤنسه مع خصم له فجعل يستطيل على خصمه ادلالا بموضعه من مؤنسه فقال له شريك كفّ لا أبا لك قال اتقول لي هذا و أنا وكيل مؤنسه ، فأمر به شريك فصفع عشر صفعات فانصرف و دخل على مؤنسه و شكا فكتب مؤنسه إلى المهدي فعزل شريكا و كان قبل هذا قد دخل شريك على المهدي فقال له ما ينبغي أن تقلد الحكم بين المسلمين قال و لم قال لخلافك على الجماعة و قولك بالامامة .

قال أما قولك بخلافي على الجماعة فعن الجماعة أخذت ديني فكيف أخالفهم و هم أصلي في ديني و أما قولك ( و قولي بالامامة ) فما أعرف إلاّ كتاب اللَّه و سنّة رسوله .

و أما قولك مثلك ما يقلد الحكم بين المسلمين فهذا شي‏ء أنتم فعلتموه فان كان خطأ فاستغفروا اللَّه منه و ان كان صوابا فامسكوا عليه فقال له المهدي ما تقول في علي بن أبي طالب ؟

قال أقول فيه ما قاله فيه جداك العباس و عبد اللَّه قال و ما قالا فيه ؟ قال فاما العباس فمات و علي عنده أفضل الصحابة و قد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عمّا ينزل بهم من النوازل و ما احتاج هو إلى أحد حتى لحق باللَّه و أما عبد اللَّه فانّه كان يضرب بين يديه بسيفين و كان في حروبه رأسا متبعا و قائدا مطاعا فلو كانت إمامته على جور كان أوّل من يقعد عنها أبوك لعلمه بدين اللَّه و فقهه في أحكام اللَّه فسكت المهدي و أطرق و لم يمض بعد هذا المجلس إلاّ قيل حتى عزل شريكا .

و فيه أيضا أتت شريكا يوما امرأة من ولد جرير البجلي الصحابي و هو

٢٠٥

في مجلس الحكم فقالت أنا باللَّه ثم بالقاضي امرأة من ولد جرير صاحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورددت فقال لها أيها عنك الآن من ظلمك قالت الأمير موسى بن عيسى كان لي بستان على شاطئ الفرات لي فيه نخل ورثته عن آبائي و قاسمت اخوتي و بنيت بيني و بينهم حايطا و جعلت فيه فارسيا يحفظ النخل و يقوم ببستاني فاشترى الأمير من أخوتي جميعا و ساومني و أرغبني فلم أبعه فلمّا كان في هذه الليلة بعث بخمسمائة فاعل فاقتلعوا الحائط فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئا و اختلط بنخل اخوتي فقال يا غلام طينه فختم .

ثم قال لها أمضي إلى بابه حتى يحضر معك فجاءت المرأة بالطينة فأخذها الحاجب و دخل على موسى فقال أعدي شريك عليك قال ادع لي صاحب الشرط فدعا به فقال امضي إلى شريك فقل يا سبحان اللَّه ما رأيت أعجب من أمرك امرأة ادّعت دعوى لم تصح أعديتها عليّ فقال له صاحب الشرطة ان رأى الأمير أن يعفيني فليفعل .

فقال امض و يلك فخرج و أمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش و غيره من آلة الحبس فلمّا جاء فوقف بين يدي شريك فأدّى الرسالة قال خذيا غلام بيده فضعه في الحبس قال قد و اللَّه يا أبا عبد اللَّه عرفت انّك تفعل بي هذا فقدمت ما يصلحني إلى الحبس و بلغ موسى بن عيسى الخبر .

فوجّه الحاجب إليه فقال هذا من ذاك رسول أي شي‏ء عليه فلمّا وقف بين يديه و أدّى الرسالة قال الحقه بصاحبه فحبس فلمّا صلّى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن صباح الأشعثي و جماعة من وجوه أهل الكوفة من أصدقاء شريك فقال امضوا إليه و ابلغوه السّلام و اعلموه انّه قد استخف بي و اني لست كالعامة فمضوا و هو جالس في مسجده بعد العصر فدخلوا فأبلغوه الرسالة فلمّا انقضى كلامهم قال لهم مالي لا أراكم جئتم في غيره من

٢٠٦

الناس كلمتموني من ههنا من فتيان الحي فيأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل فيذهب به إلى الحبس لا ينم و اللَّه إلاّ فيه قالوا أجاد أنت قال حقّا حتى لا تعودوا برسالة ظالم فحبسهم و ركب موسى بن عيسى في الليل إلى باب الحبس ففتح الباب و أخرجهم جميعا .

فلمّا كان الغد و جلس شريك للقضاء جاء السجّان فأخبره فدعا بالقمطر فختمها و وجه بها إلى منزله و قال لغلامه الحقني بثقلي إلى بغداد و اللَّه ما طلبنا هذا الأمر منهم و لكن أكرهونا عليه و لقد ضمنوا لنا الاعزاز فيه إذ تقلدناه لهم و مضى نحو قنطرة الكوفة إلى بغداد و بلغ موسى بن عيسى الخبر .

فركب في موكبه فلحقه و جعل يناشده اللَّه و يقول يا أبا عبد اللَّه تثبت أنظر اخوانك تحبسهم دع أعواني قال نعم لأنّهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه و لست ببارح حتى يردوا جميعا إلى الحبس و إلاّ مضيت إلى الخليفة فاستعفيته ممّا قلدني فأمر بردهم جميعا إلى الحبس و هو واقف مكانه حتى جاءه السجّان فقال قد رجعوا .

فقال لأعوانه خذا بلجامه و قودوه بين يدي جمعا إلى مجلس الحكم فمروا به بين يديه حتى أدخل معه مجلس القضاء فقال أين الجويرية المتظلمة منه فجاءت فقال هذا خصمك قد حضر و هو جالس معها بين يديه .

فقال موسى أولئك يخرجون من الحبس قبل كلّ شي‏ء قال شريك أما الآن فنعم أخرجوهم ثم قال له ما تقول في ما تدّعيه قال صدقت قال ترد جميع ما أخذ منها و تبني حائطا سريعا كما هدم قال أفعل هل بقي شي‏ء تدّعيه قال تقول المرأة بيت الفارسي و متاعه قال و يرد ذلك بقي شي‏ء تدّعينه قالت لا و جزاك اللَّه خيرا قال قومي و زبرها ثم و ثب من مجلسه فأخذ بيد موسى بن عيسى فأجلسه في مجلسه ثم قال السّلام عليك أيها الأمير تأمر

٢٠٧

بشي‏ء قال أي شي‏ء وضحك .

٢٢ الحكمة ( ٢٤٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ في ( الأمالي ) عن الباقرعليه‌السلام كان عليعليه‌السلام ليأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد و ان كان ليشتري القميصين السنبلايين فيخيّر غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فان جاز أصابعه قطعه و ان جاز كعبه حذفه و لقد ولّى خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة و لا لبنة على لبنة و لا أقطع قطيعا و لا أورث بيضاء و لا حمراء و انّه كان ليطعم الناس خبز البر و اللحم و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل .

و ما ورد عليه أمران كلاهما للَّه رضى إلاّ أخذ بأشدهما على بدنه و لقد اعتق الف مملوك من كدي يده تربت فيه يداه و عرق فيه وجهه و ما أطاق عمله أحد من الناس و انّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، و كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسينعليه‌السلام ما أطاق عمله أحد من الناس بعده .

و روي فوق كلّ عقوق عقوق حتى يقتل والديه و فوق كلّ بر بر حتى يقتل في سبيل اللَّه .

٢٣ الحكمة ( ٣٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ اَلثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ وَ اَلْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ذِيَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ وَ حِيَاشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ

٢٠٨

أقول في ( العلل ) عن الرضاعليه‌السلام فان قيل لم أمر اللَّه تعالى العباد و نهاهم قيل لأنّه لا يكون بقاؤهم و صلاحهم إلاّ بالأمر و النهي و المنع من الفساد و التغاصب فان قيل فلم يجب أن يعبدوه قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره و لا تاركين لأدبه و لا لاهين عن أمره و نهيه إذ كان فيه صلاحهم و قوامهم فلو تركوا بغير تعبّد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ، هذا و ( ذيادة ) من ( ذدته عن كذا ) دفعته عنه و ( حياشة ) من ( حشت الصيد أحوشه إلى الخبالة ) إذا جئته من حواليه لتصرفه إليها .

٢٤ الحكمة ( ٢٧٨ ) و قالعليه‌السلام :

قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْهِ أَرْجَى مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ و الحكمة ( ٤٤٤ ) و قالعليه‌السلام :

قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ أقول هو تكرار اعتذر في الديباجة عنه بقوله « و ربما بعد العهد بما اختير أولا فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا لا قصدا و اعتمادا » .

و في ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام ما من شي‏ء أحبّ إلى اللَّه تعالى من عمل يداوم عليه و ان قل و عن الصادقعليه‌السلام إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة ثم يعدل عنه ان شاء و ذلك ان ليلة القدر يكون فيها في عامه ذلك ما شاء اللَّه أن يكون .

و عنهعليه‌السلام مر بي أبي و أنا بالطواف و أنا حدث و قد اجتهدت فرآني و أنا اتصاب عرقا فقال يا بني ان اللَّه إذا أحب عبدا أدخله الجنّة و رضى عنه باليسير .

٢٠٩

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق و لا تكرهوا عبادة اللَّه إلى عباده و في خبر و لا تبغض إلى نفسك عبادة ربك .

و عن الصادقعليه‌السلام ان من المسلمين من له سهم و من له سهمان و من له ثلاثة و من له أربعة إلى أن قال فليس ينبغي أن تحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين و لا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة إلى أن قال و سأضرب لك مثلا كان له جار نصراني فدعاه إلى الاسلام و زيّنه له فأجابه فأتاه سحرا فقرع عليه الباب و قال له توضأ للصلاة فتوضأ و خرج معه فصليا ما شاء اللَّه ثم صليا الفجر ثم مكثا حتى أصبحا فقام الجار لمنزله فقال له الرجل أين تذهب النهار قصير و الذي بينك و بين الظهر قليل فجلس معه إلى الظهر ثم قال له و ما بين الظهر و العصر قليل فحبسه حتى صلّى العصر ثم قام و أراد أن ينصرف فقال له ان هذا آخر النهار و أقلّ من أوّله فاحتبسه حتى صلّى المغرب ثم أراد أن ينصرف فقال له انما بقي صلاة واحدة فمكث حتى صلّى العشاء الاخرة ثم تفرّقا فلمّا كان سحرا غدا عليه فضرب عليه الباب و قال له أخرج قال اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني و أنا انسان مسكين و لي عيال فأدخله في شي‏ء أخرجه منه هذا و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

اني كثرت عليه في زيارته

فملّ و الشي‏ء مملول إذا كثر

٢٥ الحكمة ( ٣١٢ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالاً وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى اَلنَّوَافِلِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى اَلْفَرَائِضِ

٢١٠

أقول و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قريبا منه ففي ( الكافي ) عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان للقلوب إقبالا و إدبارا فاذا أقبلت فتنفلوا و إذا أدبرت فعليكم بالفريضة و روي ان أبا الحسن الأولعليه‌السلام كان إذا اهتم ترك النافلة .

٢٦ الحكمة ( ٣٩ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ و الحكمة ( ٢٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا أَضَرَّتِ اَلنَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا أي اتركوها في ( المقنع ) لا يجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شي‏ء من الفرائض كذلك وجدته في كلّ الأحاديث١ .

و روى الشيخ عن زرارة سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن ركعتي الفجر قال قبل الفجر إلى أن قال أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع ، إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة٢ .

و عن معاوية بن عمار عن الصادقعليه‌السلام في امرأة أوصت بثلثها يتصدّق به عنها و يعتق عنها و يحجّ عنها فلم يسع المال ذلك فقال ابدأ بالحج فان الحج فريضة و ما بقي فضعه في النوافل أي العتق و الصدقة .

و في ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام جعل الذراع و الذراعان لمكان الفريضة فاذا بلغ الفي‏ء ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة عنهعليه‌السلام قال لي رجل من

____________________

( ١ ) الصدوق ، المقنع و الهداية : ٦٤ ( باب الرجل يتطوّع بالصيام ) ، مطبوعات دار العلم ، قم .

( ٢ ) الصدوق ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ رواية ( ٥ ) .

٢١١

أهل المدينة مالي لا أراك تتطوع بين الاذان و الإقامة كالناس قلت انا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع .

هذا و قالعليه‌السلام أيضا في ذلك غير ما نقله المصنف ما رواه الحلبي في ( تحفه ) فقال : قالعليه‌السلام لا تقضوا النافلة في وقت الفريضة و لكن ابدأوا بالفريضة ثم صلّوا ما بدا لكم و لا يصل الرجل نافلة في وقت فريضة و لا يتركها إلاّ من عذر و ليقض بعد ذلك إذا أمكنه القضاء فانّه عز و جل يقولالذين هم على صلوتهم دائمون ١ و هم الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار و من النهار بالليل .

هذا ، و في خبر ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فقضى أولا النافلة ثم الفريضة لفوت الوقتين و على صحّة الخبر فهو استثناء من العنوان ( لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض ) و كذا العنوان الآخر لكون قضاء الفريضة فورا .

٢٧ الحكمة ( ٣٢ ) و قالعليه‌السلام :

فَاعِلُ اَلْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ وَ فَاعِلُ اَلشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ أقول و ورد ( نية المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله ) و وجه الكلامين كلامهعليه‌السلام و كلام الخبر أن الخير و الشر الخارجيين جزئيان منقطعان و فاعلهما كنيتي المؤمن و الكافر موجبان لصدور الخير و الشر دائما .

هذا ، و في ( الخصال ) عنهعليه‌السلام جمع الخير كلّه في ثلاث خصال : النظر

____________________

( ١ ) المعارج : ٢٣ .

٢١٢

و السكوت و الكلام فكلّ نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو و كلّ سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة و كلّ كلام ليس فيه ذكر فهو لغو فطوبى بمن كان نظره عبرا و سكوته فكرا و كلامه ذكرا و بكى على خطيئته و أمن الناس شرّه .

٢٨ الحكمة ( ٩٤ ) وَ سُئِلَ ع عَنِ اَلْخَيْرِ مَا هُوَ فَقَالَ :

لَيْسَ اَلْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَ وَلَدُكَ وَ لَكِنَّ اَلْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَ أَنْ تُبَاهِيَ اَلنَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اَللَّهَ وَ إِنْ أَسَأْتَ اِسْتَغْفَرْتَ اَللَّهَ وَ لاَ خَيْرَ فِي اَلدُّنْيَا إِلاَّ لِرَجُلَيْنِ رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ وَ رَجُلٍ يُسَارِعُ فِي اَلْخَيْرَاتِ أقول : رواه تذكرة سبط ابن الجوزي عن ( حلية أبي نعيم ) مسندا عن عبد خير قال قال عليعليه‌السلام لي « ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك و لكن الخير أن يكثر علمك و يعظم حلمك و لا خير في الدنيا إلاّ لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذلك بتوبة و رجل يسارع في الخيرات و لا يقلّ عمل في تقوى فكيف يقل ما يتقبّل » و رواه الحلية في ابن خفيف١ .

قول المصنف « و سئلعليه‌السلام عن الخير » قد عرفت من رواية الحلية انّهعليه‌السلام قال لعبد خير و في ( الأمالي ) عنهعليه‌السلام لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فاذا استووا هلكوا٢ و روى ان رجلا قال لهعليه‌السلام أوصني فقال أوصيك ألا يكون لعمل الخير عندك غاية في الكثرة و لا لعمل الإثم عندك غاية في القلّة٣

____________________

( ١ ) أبو نعيم الاصفهاني ، حلية الأولياء ١٠ : ٣٨٨ ، و ذكره سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٣١ طبع المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف بتاريخ ١٩٦٤ م .

( ٢ ) الصدوق ، الأمالي : ٢٦٧ و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٧١ : ٣٨٣ رواية ١ باب ١٥ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في بحار الأنوار ٧٨ : ٤٩ رواية ٧٠ باب ١٦ .

٢١٣

و عنهمعليهم‌السلام أبواب الخير ثلاثة : الصوم و الصدقة و صلاة الليل و عنهمعليهم‌السلام جعل الخير كلّه في بيت و جعل مفتاحه الزهد في الدنيا .

قولهعليه‌السلام « ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك »ا يحسبون انما نمدّهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ١ « و لكن الخير أن يكثر علمك و يعظم حلمك و ان تباهي الناس بعبادة ربك فان أحسنت حمدت اللَّه و ان أسأت استغفرت اللَّه »ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون و الذين هم بآيات ربهم يؤمنون و الذين هم بربهم لا يشركون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون ٢ .

و قيل لهعليه‌السلام كما في ( المروج ) من خيار العباد قال الذين إذا أحسنوا استبشروا و إذا أساؤوا استغفروا و إذا ابتلوا صبروا و إذا غضبوا غفروا و في ( الأسد ) كتب سلمان إلى أبي الدرداء كتبت اليّ ان اللَّه رزقك مالا و ولدا ، فاعلم ان الخير ليس بكثرة المال و الولد بل ان يكثر حلمك و ان ينفعك علمك و كتبت الى انك نزلت الأرض المقدسة ان الأرض لا تعمل لأحد اعمل كأنّك ترى و أعدد نفسك من الموتى :

« و لا خير في الدنيا إلاّ لرجلين رجل أذنب ذنبا فهو يتداركها بالتوبة و رجل يسارع في الخيرات »يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللَّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ٣ .

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

( ٣ ) المنافقون : ٩ .

٢١٤

٢٩ الحكمة ( ٣٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ اَلنَّارُ وَ مَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ اَلْجَنَّةُ وَ كُلُّ نَعِيمٍ دُونَ اَلْجَنَّةِ مَحْقُورٌ وَ كُلُّ بَلاَءٍ دُونَ اَلنَّارِ عَافِيَةٌ ( أقول ) : هو جزء خطبتهعليه‌السلام الوسيلة التي خطب بها بعد سبعة أيام من وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين فرغ من جمع القرآن و تدوينه كما رواه ( روضة الكافي ) مسندا عن جابر الجعفي عن الباقرعليه‌السلام عنهعليه‌السلام .

« ما خير بخير بعده النار و ما شرّ بشرّ بعده الجنّة » في الدعاء ( اللّهم اني أسألك خير الخير رضوانك و الجنّة و أعوذ بك من شرّ الشرّ سخطك و النار ) .

و عن الباقرعليه‌السلام كان عليعليه‌السلام بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا و معه الدرة على عاتقه و كان لها طرفان و كانت تسمى السبية فيقف على سوق فينادي يا معشر التجار قدموا الاستخارة و تبركوا بالسهولة و اقتربوا من المبتاعين و تزينوا بالحلم و تناهوا عن اليمين و جانبوا الكذب و تجافوا عن الظلم و انصفوا المظلومين و لا تقربوا الربا و أوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين ثم ينشد هذه الأبيات :

تفنى اللذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام و يبقى الاثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبّتها

لا خير في لذّة ما بعدها النار

و عنهعليه‌السلام ما من رجل يغدو و يروح إلى سوقه فيقول حين يضع رجله في السوق اللّهم اني أسألك خيرها و خير أهلها و أعوذ بك من شرّها و شرّ أهلها إلاّ و كلّ اللَّه تعالى به من يحفظه و يحفظ عليه حتى يرجع إلى منزله

٢١٥

و يقول له قد اجرتك من شرّها و شرّ أهلها يومك هذا .

هذا و عدوا في الرجال حجر الخير و حجر الشرّ و سلمة الخير و سلمة الشر .

« و كلّ نعيم دون الجنة فهو » هكذا في ( المصرية ) و كلمة ( فهو ) زائدة لعدم وجودها في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية .

« محقور و كلّ بلاء دون النار عافية » في الطبري لمّا زحف عمر بن سعد يوم الطف قال له الحر بن يزيد أمقاتل أنت هذا الرجل قال أي و اللَّه إلى أن قال فأخذ الحر يدنو من الحسينعليه‌السلام قليلا قليلا فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس ما تريد أ تريد أن تحمل ؟ فسكت و أخذه مثل العرواء فقال للحر و اللَّه ان أمرك لمريب و اللَّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شي‏ء أراه الآن و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك قال اني و اللَّه أخيّر نفسي بين الجنّة و النار و و اللَّه لا اختار على الجنّة شيئا و لو قطعت و حرقت ثم ضرب فرسه فالحق بالحسينعليه‌السلام .

٣٠ الحكمة ( ٤٢٢ ) و قالعليه‌السلام :

اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ وَ لاَ تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَ قَلِيلَهُ كَثِيرٌ وَ لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ اَلْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَ اَللَّهِ كَذَلِكَ إِنَّ لِلْخَيْرِ وَ اَلشَّرِّ أَهْلاً فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ « افعلوا الخير » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي املأ قلبك غنى و لا آكلك إلى طلبك و عليّ أن أسد فاقتك و أملأ قلبك خوفا مني و ألا تفرغ لعبادتي املأ قلبك شغلا بالدنيا ثم لا اسد فاقتك

٢١٦

و اكلك إلى طلبك .

« و لا تحقروا منه شيئا فان صغيره كبير و قليله كثير » فيه عنهعليه‌السلام أيضا إذا همّ أحدكم بعمل فلا يؤخره فان العبد ربما صلّى الصلاة أو صام الصيام فيقال له اعمل ما شئت بعدها فقد غفر لك و في خبر آخر و لا يستقل ما يتقرّب به إلى اللَّه تعالى و لو بشقّ تمرة .

و عنهعليه‌السلام إذا هممت بشي‏ء فلا تؤخره فانه تعالى ربما اطّلع و هو على شي‏ء من الطاعة فيقول و عزتي و جلالي لا أعذبك بعدها أبدا و إذا هممت بسيئة فلا تعملها فانّه ربما اطلع تعالى على العبد و هو على شي‏ء من المعصية فيقول و عزتي و جلالي لا أغفر لك بعدها أبدا .

« و لا يقولن أحدكم ان أحدا أولى بفعل الخير مني فيكون و اللَّه كذلك » فيه عنهعليه‌السلام إذا هم أحدكم بخير أو صلة فان عن يمينه و شماله شيطانين فليبادر لا يكفاه عن ذلك .

« ان للخير و الشر أهلا فمهما تركتموه منهما كفاكموه أهله » فيه عن أبي جعفرعليه‌السلام ان اللَّه ثقل الخير على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة و ان اللَّه تعالى خفف الشر على أهل الدنيا كخفته في موازينهم يوم القيامة .

هذا ، و حيث ان الخير و الشر من الامور النسبية فقد يترك بعض أهل الشر شرّا فظيعا لأشرّ منه كما ترك المغيرة قتل حجر بن عدي لزياد بن أبيه ففي الطبري أقام المغيرة على الكوفة عاملا لمعاوية سبع سنين و أشهرا و هو أحسن شي‏ء سيرة غير انّه لا يدع ذمّ عليعليه‌السلام و الوقوع فيه و العيب لقتلة عثمان و اللعن لهم و الدعاء لعثمان بالرحمة و التزكية لأصحابه فكان حجر إذا سمع ذلك قال بل إياكم ذمم اللَّه و لعن ثم قام فقال ان اللَّه تعالى يقول .كونوا

٢١٧

قوامين بالقسط شهداء للَّه .١ و أنا أشهد ان من تذمون و تعيرون لأحق بالفضل و ان من تزكون و تطرون أولى بالذم فيقول له المغيرة يا حجر لقد رمى بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك ويحك اتق السلطان و اتق غضبه و سطوته فان غضبة السلطان أحيانا ممّا يهلك أمثالك كثيرا ثم يكفّ عنه و يصفح فلم يزل حتى كان في آخر امارته قام المغيرة فقال في علي و عثمان كما كان يقول و كانت مقالته اللّهم ارحم عثمان و تجاوز عنه و اجزه بأحسن عمله فانّه عمل بكتابك و اتبع سنّة نبيّك و جمع كلمتنا و حقن دماءنا و قتل مظلوما اللّهم فارحم انصاره و أولياءه و محبيه و الطالبين بدمه و يدعو على قتلته فقام حجر فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كلّ من كان في المسجد و من كان خارجا منه و قال إنّك لا تدري بمن تولع من هرمك و قد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين و تقريظ المجرمين فنزل المغيرة فدخل و استأذن عليه قومه فاذن لهم فقالوا على م تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة و يجتري عليك في سلطانك هذه الجرأة فقال لهم المغيرة اني قد قتلته انه سيأتي بعدي أمير فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي فيأخذه عند أوّل و هلة فيقتله شرّ قتلة انّه قد اقترب أجلي و لا أحبّ ان ابتدى‏ء أهل هذا المصر بقتل خيارهم فيسعدوا بذلك و أشقى و يعز في الدنيا معاوية و يذلّ يوم القيامة المغيرة .

هذا و عن ( دعوات القطب ) الراوندي عن الصادقعليه‌السلام مرض أمير المؤمنينعليه‌السلام فعاده قوم فقالوا كيف أصبحت قال بشرّ فقالوا سبحان اللَّه هذا كلام مثلك فقال يقول تعالى .و نبلوكم بالشرّ و الخير فتنة و إلينا

____________________

( ١ ) النساء : ١٣٥ .

٢١٨

ترجعون ١ فالخير الصحة و الغنى ، و الشرّ المرض و الفقر ابتلاء و اختبارا٢ .

هذا ، و لنا حجران حجر الخير و هو حجر بن عدي من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام و حجر الشرّ من أصحاب معاوية و في اللسان و في بني قشير سلمتان سلمة بن قشير ابن القشيرية و هو سلمة الخير و سلمة بن قشير ابن لبيني بنت كعب بن كلاب و هو سلمة الشر .

 ٣١ الحكمة ( ٤٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَنِ اِتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْهٍ فَقَدِ اِرْتَطَمَ فِي اَلرِّبَا أي ارتبك فيه من ( ارتطم في الوحل ) و رواه ( الكافي ) عنهعليه‌السلام هكذا « من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم .

و روي عنهعليه‌السلام لا تقعدون في السوق إلاّ من يعقل الشراء و البيع يا معشر التجار الفقه ثم المتجر و اللَّه للربا في هذه الامة أخفى من دبيب النمل على الصفا شوبوا ايمانكم بالصدق ، التاجر فاجر و الفاجر في النار إلاّ من أخذ الحق و أعطى الحق .

هذا ، و في نزول أسباب الواحدي مسندا عن ابن عباس بلغنا ان آية الربا نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف و في بني المغيرة من بني مخزوم و كان بنو المغيرة يربون لثقيف فلما أظهر اللَّه تعالى رسوله على مكة

____________________

( ١ ) الانبياء : ٣٥ .

( ٢ ) الدعوات لقطب الدين الراوندي : ١٦٨ حديث ٤٦٩ ، مدرسة الامام المهدي ، قم ، و نقله عنه « البحار » ٨١ : ٢٠٩ « و المستدرك » ١ : ٩٥ .

٢١٩

وضع يومئذ الربا كلّه فأتى بنو عمرو و بنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد و هو على مكة فقال بنو المغيرة ما جعلنا أشقى الناس بالربا .

وضع عن الناس غيرنا و قال بنو عمرو صولحنا على ان لنا ربانا فكتب عتاب في ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلتيا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و ذروا ما بقي من الربوا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من اللَّه و رسوله . .١ فعرف بنو عمر و ان لايدان لهم بحرب يقول تعالى .و أن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون فتأخذون أكثر و لا تظلمون ٢ فتبخسون منه .

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٧٨ .

( ٢ ) البقرة : ٢٧٩ .

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617