بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194090 / تحميل: 7306
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

القيامة . . ١ و منع الزكاة المفروضة يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم . . ٢ و شهادة الزور و من يكتمها فانه آثم قلبه . . ٣ و شرب الخمر لانه تعالى عدل به عباده الاوثان و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا ممّا فرض اللّه تعالى لان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من ترك الصلاة متعمدا من غير علة فقد بري‏ء من ذمة اللّه و ذمة رسوله و نقض العهد و قطيعة الرحم لانه تعالى يقول : . أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار فخرج عمرو بن عبيد و له صرخة من بكائه ، و هو يقول : هلك و اللّه من قال برايه و نازعكم في الفضل و العلم .

« أو صغير ارصد له غفرانه »ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما ٤ .

« و بين مقبول في ادناه موسع في اقصاه » كالصلوات الخمس تقبل في ادناها بالاقتصار على واجباتها ، و موسع في اقصاها بالاتيان بها بآدابها و نوافلها ، و قد ذكر ( المقنع ) و ( المقنعة ) و ( النهاية ) آداب الصّلوات الواحدة و الخمسين ركعة .

٢ في الخطبة ( ١٢٩ ) ( و منها ) :

وَ كِتَابُ اَللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ وَ بَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَ عِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٦١ .

( ٢ ) التوبة : ٣٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٨٣ .

( ٤ ) النساء : ٣١ .

٢١

« و كتاب اللّه بين أظهركم » قال الجزري : ( اقاموا بين أظهرهم ) أي : اقاموا بينهم على سبيل الاظهار و الاستظهار و الاستناد إليهم١ ، ثم كثر حتى استعمل في الاقامة بين القوم مطلقا .

« ناطق لا يعيا » أي : لا يعجز .

« لسانه » بخلاف باقي الناطقين فيعيا لسانهم و في ( السير ) : سمع الوليد بن المغيرة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله تعالى :ان اللّه يامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر . . ٢ فقال : و اللّه ان له لحلاوة ، و ان عليه لطلاوة ، و ان اعلاه لمثمر ، و ان اسفله لمغدق ، و ما يقول هذا بشر .

« و بيت لا تهدم اركانه » بخلاف باقي البيوت روى ابن بابويه ان رجلا سأل الصادقعليه‌السلام ما بال القرآن لا يزداد عند النشر و الدرس الاغضاضة ؟

فقال : ان اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، و لا لناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة .

« و عز » بالفتح أي : عزيز كما يفهم من المصباح .

« لا تهزم اعوانه » بخلاف باقي الاعزة و عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى :

و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لا تفرقوا . . ٣ عن أبي سعيد الخدري ، قال :

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ايها الناس قد تركت فيكم الثقلين خليفتين ، ان اخذتم بهما لن تضلوا بعدي احدهما اكبر من الاخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الارض ، و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض٤ .

و عن عليّعليه‌السلام : اعلموا ان القرآن هدى الليل و النهار ، و نور الليل المظلم

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٦٦ ، مادة ( ظهر ) : اسماعيليان : قم .

( ٢ ) النحل : ٩٠ .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) الطوائف لابن طاووس : ١٢٨ ، و نقله المجلسي في « بحار الأنوار » ٢٣ : ١١٧ ح ٣٣ .

٢٢

على ما كان من جهد فإذا حضرت بلية فاجعلوا اموالكم دون انفسكم ، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا انفسكم دون دينكم ، و اعلموا ان الهالك من هلك دينه و الحريب من حرب دينه ، الا و انه لا فقر بعد الجنة ، و انه لا غنى بعد النار ، لا يفك اسرها و لا يبرأ جريرها .

هذا ، و في ( القاموس ) : العزيز الملك لغلبته على أهل مملكته و لقب من ملك مصر مع الإسكندرية .

هذا ، و في ( الأغاني ) عن بصري قال : نزلنا في ظل حصن من حصون الروم فإذا بقائل من فوق الحصن ينشد ابياتا بالعربية ، و يبكي فناديته ايها المنشد فاشرف فقلت من أنت ؟ قال : من العرب نزلت مكانك هذا فأشرفت على جارية فعشقتها فقالت ان دخلت في ديني فغلب على الشيطان فقبلت ، فقلت اكنت تقرأ القرآن ؟ قال : أي و اللّه لقد حفظته قلت فما تحفظ اليوم منه ؟ قال : لا شي‏ء الا قوله تعالى :ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ١ قلت : فهل لك ان تعطيهم فداء و تخرج ؟ ففكر ساعة ثم قال انطلق صحبك اللّه .

٣ الخطبة ( ١٢٩ ) أيضا ( و منها ) :

وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ وَ يَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ وَ يَمَلُّهُ إِلاَّ اَلْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ لَهُ فِي اَلْمَوْتِ رَاحَةً وَ إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اَلْحِكْمَةِ اَلَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ اَلْمَيِّتِ وَ بَصَرٌ لِلْعَيْنِ اَلْعَمْيَاءِ وَ سَمْعٌ لِلْأُذُنِ اَلصَّمَّاءِ وَ رِيٌّ لِلظَّمْآنِ وَ فِيهَا اَلْغِنَى كُلُّهُ وَ اَلسَّلاَمَةُ كِتَابُ اَللَّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ وَ تَنْطِقُونَ بِهِ وَ تَسْمَعُونَ بِهِ وَ يَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَ يَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى

____________________

( ١ ) الحجر : ٢ .

٢٣

بَعْضٍ وَ لاَ يَخْتَلِفُ فِي اَللَّهِ وَ لاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اَللَّهِ قَدِ اِصْطَلَحْتُمْ عَلَى اَلْغِلِّ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ نَبَتَ اَلْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ وَ تَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ اَلْآمَالِ وَ تَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ اَلْأَمْوَالِ لَقَدِ اِسْتَهَامَ بِكُمُ اَلْخَبِيثُ وَ تَاهَ بِكُمُ اَلْغُرُورُ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا الفصل من فصول اربعة : الاولى من اوله إلى قوله ( راحة ) الثاني إلى قوله ( و السلامة ) و الثالث من قوله ( كتاب اللّه ) إلى ( عن اللّه ) و الرابع من ( قد اصطلحتم ) الخ التقطها الرضي على عادته في التقاط ما يستفصحه من كلامهعليه‌السلام .

قلت : قد عرفت في اول الكتاب ما في رايه في التقاط الرضي رضى اللّه عنه و قلنا ببطلان رايه و ممّا يوضع بطلان نظره هذا العنوان فلو كان يلتقط و لا يتقيد بان يرتبط لم قال في هذا العنوان أي ١٢٩ أربع مرات ( منها ) ( منها ) منها هذا العنوان و منها سابقه ، و كيف يصح ما قال و لا يحصل فصاحة و لا بلاغة الا بربط المعنى ، و اما عدم ربط مواضع الفصل الاربعة فقد قال المصنف ( و منها ) و لم ينقل سابق العنوان حتى نفسهم الربط و لعله في النسخة تصحيف او كانت نسخة ما نقل عن المصنف مصحفة و بعضهم تكلف للربط .

« و اعلموا ان ليس من شي‏ء الا و يكاد صاحبه ان يشبع منه و يمله الا الحياة » و هو امر وجداني لا يحتاج إلى برهان ، و قد قال تعالىقل ان الموت الذي تفرّون منه فانه ملاقيكم . . ١ .

و حتى ان الانبياء كانوا محبين الحياة ، فروى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ان آدم لمّا عرض عليه ولده نظر إلى داود فاعجبه فزاده خمسين سنة من عمره فنزل عليه جبرئيل و ميكائيل فكتب عليه ملك الموت صكا بالخمسين

____________________

( ١ ) الجمعة : ٨ .

٢٤

سنة فلمّا حضرته الوفاة نزل عليه ملك الموت فقال آدم : قد بقي من عمري خمسون سنة ، فقال فاين الخمسون الّتي جعلتها لابنك داود فاما ان يكون نسيها او انكرها فنزل عليه جبرئيل و ميكائيل و شهدا عليه فقبضه ملك الموت قالعليه‌السلام كان اول صك كتب في الدنيا .

و روى ( الاكمال ) و ( الأمالي ) عنهعليه‌السلام ان ملك الموت لمّا جاء إلى موسىعليه‌السلام لقبض روحه قال من اين تقبض روحي ؟ قال : من فمك ، قال :

كيف ؟ و قد كلّمت ربّي جلّ جلاله ، قال : فمن يديك ، قال : كيف ؟ و قد حملت بهما التوراة قال : فمن رجليك ، قال : كيف ؟ و قد و طات بهما إلى طور سيناء قال : فمن عينيك قال : كيف ؟ و لم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة قال فمن اذنيك قال :

كيف ؟ و قد سمعت بهما كلام ربي جلّ و عزّ فاوحى تعالى إليه لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ، فخرج و مكث موسى ما شاء اللّه ان يمكث و دعا يوشعا فاوصى إليه و امره بكتمان امره و بان يوصي بعده إلى من يقوم بالامر و غاب عن قومه فمر برجل و هو يحفر قبرا فقال له : ألا اعينك ؟ فقال :

بلى فاعانه حتى حفر و سوّى اللحد ثم اضطجع فيه موسى لينظر كيف هو فكشف له عن الغطا فرأي مكانه من الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض و سوى عليه التراب و كان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي و كان ذلك في التيه ( فصاح صائح من السماء مات موسى كليم اللّه فاى نفس لا تموت ) بل ورد ان المؤمن أيضا لا يكره على قبض روحه و لكن يرى درجته حتى يرغب هو .

و اما قول لبيد و كان بلغ مائة و اربعين سنة .

و لقد سئمت من الحياة و طولها

و سؤال هذا الناس كيف لبيد

و قول اكثم بن صيفي و قالوا عاش مائة و تسعين سنة .

٢٥

و ان امرأ قد عاش تسعين حجة

إلى مائة لم يسام العيش جاهل١

كما في ( الاكمال ) و قول المستوغر و كان بقي بقاء طويلا .

و لقد سئمت من الحياة و طولها

و عمرت من عدد السنين مانيا

مائة اتت من بعدها مائتان لي

و ازددت من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي الا كما قد فاتنا

يوم يكرّ و ليلة تحدونا٢

و قول زهير بن جناب حين مضت له مأتان من عمره .

لقد عمرت حتى لا أبالي

احتفى في صباحي أم مسائي

و حق لمن اتت مأتان عاما

عليه ان يمل من الثواء٣

كما في ( الغرر ) فمرادهم السئامة من شدائد الشيخوخة لا اصل الحياة قال النابغة الجعدي و كان عمر .

لبست اناسا فافنيتهم

و افنيت بعد اناس اناسا٤

و قال هو كما في ( الغرر ) لأبي العتاهية كما قال ابن أبي الحديد .

المرء يهوى ان يعيش و طول عيش ما يضرّه

تفنى بشاشته و يبقى بعد حلو العين مرة

و تتابع الأيام حتى ما يرى شيئا يسرّه

كم شامت لي أن هلكت و قائل للّه دره

و سمع زهير بن جناب بعض نسائه تتكلم بما لا ينبغي لامراة ان تتكلم عند زوجها فنهاها فقالت له : اسكت عني ، و الا ضربتك بهذا العمود فو اللّه ما كنت اراك تسمع شيئا او تعقله فقال :

____________________

( ١ ) كمال الدين و تمام النعمة للصدوق : ٥٦٥ .

( ٢ ) غرر الفوائد ( الأمالي ) للشريف المرتضى ١ : ٢٣٤ ، تحقيق محمد أبو الفضل ، طبع القاهرة .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٢٤١ .

( ٤ ) المصدر نفسه ١ : ٢٦٤ .

٢٦

فللموت خير من حداج موطا

مع الظعن لا يأتي المحلّ لحين

« فانه لا يجد له في الموت راحة » في ( شعراء ابن قتيبة ) ، قال الحطيئة حين موته : احملوني على حمار لعلى انجو ، فانه لم يمت عليه كريم ثم قال :

لكل جديد لذة غير أنّني

وجدت جديد ف الموت غير لذيد

له خبطة في الحلق ليس بسكرّ

و لا طعم راح يشتهى و نبيذ١

و مات مكانه .

« و انما ذلك بمنزلة الحكمة » في ( المجمع ) : الحكمة ، هي العلم الذي يعمل عليه في ما يجتبى او يجتنب من امور الدين و الدنيا٢ .

« التي هي حياة للقلب الميت » قال تعالى :استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم لمّا يحييكم . . ٣ هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة . . ٤ .

« و بصر للعين العمياء » فيجعلها ذات قيمة .

« و سمع للاذن الصماء » فيجعلها مفيدة « و رى للظمآن » فيبقى به حياته .

« و فيها الغني كله و السلامة » من بلاء الدنيا و الاخرة .

في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى :و لقد آتينا لقمان الحكمة . . ٥ .و من يؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيرا ٦ .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٨١ ، طبع ليدن ( ١٩٠٢ م ) .

( ٢ ) ذكر الطبرسي في « مجمع البيان » : الحكمة العلم الذي يمكن به ، الأفعال المستقيمة ١ : ٢٣٣ ، و ذكر البحراني في « مجمع البحرين » الحكمة : العلم الذي يرفع الإنسان عن فصل القبيح ٦ : ١٤٥ ، المكتبة المرتضوية .

( ٣ ) الانفال : ٢٤ .

( ٤ ) الجمعة : ٢ .

( ٥ ) لقمان : ١٢ .

( ٦ ) البقرة : ٢٦٩ .

٢٧

عن الصادقعليه‌السلام كان لقمان رجلا قويا في امر اللّه ، متورعا في اللّه ساكتا سكيتا عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، و لم يره احد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدة تستره ،

و لم يضحك من شي‏ء مخافة الاثم ، و لم يغضب قط ، و لم يمزح قط ، و لم يفرح بشي‏ء من الدنيا ، و لا حزن منها على شي‏ء ، و قدم اكثر اولاده فرطا ، فما بكى على موت احد ، و لم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان الا اصلح بينهما ،

و لم يسمع من احد قولا استحسنه الا سأله عن تفسيره و عمن اخذه ، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء ، و كان يغشى القضاة و الملوك ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، و يرحم للملوك لغرتهم باللّه ، و يتعلم ما يغلب به نفسه و يجاهد هواه ، و يحترز به من الشيطان ، و كان لا يظعن الا في ما يعنيه ، فبذلك اوتي الحكمة ، و منح العصمة ، فان اللّه تعالى امر طوائف الملائكة حين انتصف النهار ، و هدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم ، فقالوا هل لك ان يجعلك اللّه خليفة في الأرض تحكم بين الناس ؟ فقال : ان امرني ربي بذلك فالسمع و الطاعة و ان فعل بي ذلك اعانني عليه و علمني ، و ان هو خيرني قبلت العافية ، فقالت الملائكة : لم ؟ قال لان الحكم بين الناس باشد المنازل من الدين و اكثر فتنا و بلاء يخذل و يغشاه الظلمة من كل مكان و صاحبه فيه بين امرين ان اصاب فيه الحق فبالحرى ان يسلم و ان اخطأ طريق الجنة فتعجبت الملائكة من حكمته فلمّا اخذ مضجعه من الليل انزل اللّه عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم فغطاه بالحكمة فاستيقظ و هو احكم الناس في زمانه فلمّا أوتي الحكمة و لم يقبل الخلافة امر اللّه الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها و لم يشترط فيها كشرط لقمان فاعطاه اللّه الخلافة في الأرض و ابتلي فيها غير مرة و كان داود يقول له : طوبى لك يا لقمان ، أوتيت الحكمة

٢٨

و صرفت عنك البلية و ما أوتي لقمان الحكمة بحسب و مال و لا بسط جسم و لا جمال .

« كتاب اللّه تبصرون به » ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين » .

في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال خطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال : ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّه فانا قلته ، ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم اقله ان على كل حق حقيقة ، و على كل صواب نورا فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، و ما خالف كتاب اللّه ، فدعوه و قالعليه‌السلام ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف .

« و تنطقون به »هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين ١ و في ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام قال إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني أين هو من كتاب اللّه ، ثم قال في بعض حديثه : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القيل و القال ،

و فساد المال و كثرة السؤال فقيل له اين هذا من كتاب اللّه ؟ قال تعالىلا خير في كثير من نجواهم الامن أمر بصدقةٍ او معروفٍ او اصلاحٍ بين الناس . . ٢ و قال تعالى .. و لا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه لكم قياما . . ٣ و قال تعالى :. . لا تسألوا عن اشياء ان تبدلكم تسؤكم . . ٤ .

« و تسمعون به » .كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير . . ٥ .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : انزل تعالى في القرآن تبيان كل شي‏ء ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد الا و قد انزله فيه حتى لا يستطيع عبد يقول لو

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٣٨ .

( ٢ ) النساء : ١١٤ .

( ٣ ) النساء : ٥ .

( ٤ ) المائدة : ١٠١ .

( ٥ ) هود : ١ .

٢٩

كان هذا انزل في القرآن و ما خلق اللّه حلالا و لا حراما ما إلا و له حد كحد الدار ،

فما كان من الطريق فهو من الطريق و ما كان من الدار فهو من الدار حتى ارش الخدش فما سواه و الجلدة أو نصف الجلدة .

هذا ، و فيه عن الاصبغ عن امير المؤمنينعليه‌السلام و الذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق و اكرم أهل بيته ما من شي‏ء يطلبونه من حرق او غرق او سرق او فلاة دابة من صاحبها او ضالة او آبق الا هو في القرآن فمن اراد ان يسألني عنه فقام إليه رجل فقال : اخبرني عما يؤمن من الحرق و الغرق فقال إقرأ :. . اللّه الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين ١ و ما قدروا اللّه حق قدره . .

سبحانه و تعالى عما يشركون ٢ فمن قرأها امن من الحرق و الغرق فقرأها رجل و اضطربت النار في بيوت جيرانه و بيته و سطحها فلم يصبه شي‏ء ثم قام رجل آخر و قال : استصعبت على دابتي و انا منها على وجل فقال : إقرأ في اذنها اليمني : .و له اسلم من في السماوات و الارض طوعاً و كرهاً و إليه ترجعون ٣ فقرأها فذلت له دابته و قام إليه آخر ، فقال : ان ارضي ارض مسبعة و ان السباع تغشى منزلي و لا تجوز حتى تأخذ فريستها فقال إقرألقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فان تولوا فقل حسبي اللّه لا اله هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ٤ فقرأها فاحتشمه السباع ثم قام آخر فقال : ان في بطني ماء اصفر فهل من شفاء بلا درهم و لا دينار ؟ فقال : نعم اكتب على بطنك آية الكرسي و تغسلها و تشربها و تجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ باذن اللّه تعالى ،

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٩٦ .

( ٢ ) الانعام : ٩١ .

( ٣ ) آل عمران : ٨٣ .

( ٤ ) التوبة : ١٢٨ ١٢٩ .

٣٠

ففعل الرجل فبرى‏ء ، ثم قام آخر فقال اخبرني عن الضالة قال : إقرأ ( يس ) في الركعتين و قل ( يا هادي الضالة رد علي ضالتي ) ففعل فردها اللّه عليه ثم قام آخر فقال : أخبرني عن الابق فقال أقرأ او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج .و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور ١ فقالها الرجل فرجع إليه الا بق ، ثم قام آخر فقالاخبرني عن السرق فانه لا يزال يسرق لي الشي‏ء بعد الشي‏ء ليلا فقال له : اقرأ إذا آويت إلى فراشك قل ادعوا اللّه اَوِ ادعوا الرحمن . و كبِّره تكبيرا ٢ .

ثم قالعليه‌السلام من بات بارض قفر فقرأ ان ربكم اللّه الذي خلق السماوات و الارض في ستة ايام ثم استوى على العرش .تبارك اللّه رب العالمين ٣ حرسته الملائكة و تباعدت عنه الشياطين ، فمضى الرجل فإذا بقرية خراب فبات فيها و لم يذكر هذه الآية فتغشاه الشيطان فإذا هو آخذ بلحيته فقال له صاحبه انظره فاستيقظ الرجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه ارغم اللّه انفك احرسه الان حتى يصبح ، فلمّا اصبح الرجل رجع إليهعليه‌السلام فاخبره و قال :

رايت في كلامك الشفاء و الصدق ، و مضي بعد طلوع الشمس فإذا هو باثر شعر الشيطان مجتمعا في الأرض .

« و ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض »افلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ٤ و هو المعيار لسليم الاخبار من سقيمها فما خالفة زخرف يضرب به الجدار كما مر في خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى .

____________________

( ١ ) النور : ٤٠ .

( ٢ ) الاسراء : ١١٠ ١١١ .

( ٣ ) يونس : ٣ ١٠ .

( ٤ ) النساء : ٨٢ .

٣١

« و لا يختلف في اللّه و لا يخالف بصاحبه عن اللّه »و انه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين ١ و ما تنزلت به الشياطين و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون انهم عن السمع لمعزولون ٢ و ما كان هذا القرآن ان يفترى من دون اللّه و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ام يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين ٣ .ما كان حديثاً يفترى و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شي‏ء و هدى و رحمة لقوم يؤمنون ٤ .

« قد اصطلحتم على الغل » أي : الغش .

« في ما بينكم » قد عرفت ان ابن أبي الحديد حكم بان هذا الكلام فصل عما قبله لكن يمكن وصله بان المراد صلحهم على الغش بينهم في ترك القرآن و اكبابهم على ما افتعلوا من الاحاديث وصولا إلى اغراضهم و ترويجا لمكاسدهم ، روى الكشي عن الباقرعليه‌السلام ان سلمان كان يقول للناس هربتم من القرآن إلى الاحاديث وجدتم كتابا دقيقا حوسبتم فيه على النقير و القطمير و الفتيل و حبة خردل فضاق عليكم ذلك و هربتم إلى الاحاديث التي اتسعت عليكم٥ .

« و نبت المرعي على دمنكم » قال المصنّف في ( مجازاته ) بعد قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « اياكم و خضراء الدمن » في تأويله قولان الاول نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عن نكاح

____________________

( ١ ) الشعراء : ١٩٢ ١٩٤ .

( ٢ ) الشعراء : ٢١٠ ٢١٢ .

( ٣ ) يونس : ٣٧ ٣٨ .

( ٤ ) يوسف : ١١١ .

( ٥ ) رجال الكشي للطوسي : ١٨ ، حديث قم ٤٢ .

٣٢

المرأة على ظاهر الحسن في المنبت السوء و البيت السوء ، شبه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، و شبه منبتها السوء بالدمنة لقباحة باطنها و الدمنة هي الابعار المجتمعة تركبها السوابي فإذا اصابها المطر انبتت نباتا خضرا يروق منظره و يسوء مخبره و الثاني ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى ان يتلقى اخاه بالظاهر الجميل و ينطوى على الباطن الذميم قال الشاعر :

و قد ينبت المرعى على دمن الثرى

و تبقى حزازات النفوس كماهيا

كأن الشاعر أراد إنّا و ان لقيناكم بظاهر الطلاقة و البشر فانا نضمر لكم على باطن الغش و الغمر .

قلت : بل يتعين في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التأويل الاول فان المعاني رواه و زاد قيل : يا رسول اللّه ما خضراء الدمن ؟ قال : ( المرأة الحسناء في منبت السوء ) و انما كلامهعليه‌السلام هنا كبيت الشاعر بقرينة قبله و بعده .

« و تصافيتم على حب الامال و تعاديتم في كسب الاموال » كما هو حال أهل الدنيا من اتفاقهم على حب آمال الدنيا حتى يبغضون من كان لا يراها و يختلفون و يتعاركون في تحصيل اموالها و لذا كان الناس في جميع الادوار من بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله مع اختلاف مشاربها متفقين على عداوة أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

« لقد استهام بكم » أي : جعلكم هائمين ذاهبين في الارض .

« الخبيث » صفة الشيطان .

« و تاء بكم » أي : جعلكم تائهين متحيرين .

« الغرور » بفتح الغين و هو أيضا وصف الشيطان ، قال تعالى : .و لا يغرنكم باللّه الغرور ١ .

« و اللّه المستعان على نفسي و انفسكم » حتى يعيننا و الاصل فيه قوله

____________________

( ١ ) لقمان : ٣٣ .

٣٣

تعالى : .و اللّه المستعان على ما تصفون ١ .

٤ في الخطبة ( ١٤٨ )

إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلاَمِ وَ اِسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اِسْمُ سَلاَمَةٍ وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ اِصْطَفَى اَللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَيَّنَ حُجَجَهُ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُكْمٍ لاَ تَفْنَى غَرَائِبُهُ وَ لاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ فِيهِ مَرَابِيعُ اَلنِّعَمِ وَ مَصَابِيحُ اَلظُّلَمِ لاَ تُفْتَحُ اَلْخَيْرَاتُ إِلاَّ بِمَفَاتِيحِهِ وَ لاَ تُكْشَفُ اَلظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِمَصَابِيحِهِ قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ فِيهِ شِفَاءُ اَلْمُسْتَشْفِي وَ كِفَايَةُ اَلْمُكْتَفِي « ان اللّه تعالى خصكم بالاسلام و استخلصكم له » .اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . ٢ .

« و ذلك لانه اسم سلامه »يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين ٣ .

« و جماع » بالكسر .

« كرامة » تاوى إليه .

« اصطفى اللّه » أي : اختار .

« منهجه » أي : طريقه الواضح .

« و بين حججه » أي : براهينه و المراد بكتاب انزله و كانه سقط من النسخة و كيف كان قال تعالى :لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي . . ٤

____________________

( ١ ) يوسف : ١٨ .

( ٢ ) المائدة : ٣ .

( ٣ ) البقرة : ٢٠٨ .

( ٤ ) البقرة : ٢٥٦ .

٣٤

« من ظاهر علم » الظاهر ان المراد علم انباء غيب القرآن الظاهر لكل احد كونها علما .

« و باطن حكم » اسرار ما تضمنه القرآن من الاحكام و من المصالح و المفاسد في ما بين من الحلال و الحرام .

« لا تفنى غرائبه و لا تنقضى عجائبه » في الخبر قيل لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس الاغضاضة ؟ فقال : لان اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، و لا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد ، و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة .

« فيه مرابيع النعم » أي : النعم الدائمة المقيمة من ( مربع القوم ) محل اقامتهم او من ( الارض المربوعة ) أي : مطرت في الربيع .

« و مصابيح الظلم » أي : سرجها ، قال تعالى : .كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ١ .

« لا تفتح الخيرات الا بمفاتيحه »لقد مَنَّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليه آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٢ .

« و لا تكشف الظلمات الا بمصابيحه »فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ٣ قل لئن اجتمعت الانس و الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً ٤ .

« قد احمى حماه » من ( مكان حمى ) محظور لا يقرب و المراد انه بين في

____________________

( ١ ) ابراهيم : ١ .

( ٢ ) آل عمران : ١٦٤ .

( ٣ ) الطور : ٣٤ .

( ٤ ) الاسراء : ٨٨ .

٣٥

القرآن ما اريد ترك الناس لها من المحرمات كقوله تعالى :و لا تقربوا الزنى انه كان فاحشة و ساء سبيلا ١ و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن . . ٢ .و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن . . ٣ . . و لا تقربوا الصلاة و انتم سكارى . . ٤ .

« و ارعى مرعاه » ( الظاهر انه كناية عن بيان المحللات التي ابيح للناس التمتع بها ، في قبال احماء الحمى كناية عن المحرمات ) قال تعالى :قل من حرَّم زينة اللّه التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق . . ٥ قل لا اجد في ما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فانه رجس أو فسقاً أهل لغير اللّه به . . ٦ .

« فيه شفاء المشتفي »و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين . . ٧ .

« و كفاية المكتفي »و هذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه و اتقوا لعلكم ترحمون ٨ ان هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجراً كبيراً ٩ ماكثين فيه ابداً ١٠ ان هذا

____________________

( ١ ) الاسراء : ٣٢ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٤ .

( ٣ ) الانعام : ١٥١ .

( ٤ ) النساء : ٤٣ .

( ٥ ) الاعراف : ٣٢ .

( ٦ ) الانعام : ١٤٥ .

( ٧ ) الاسراء : ٨٢ .

( ٨ ) الانعام : ١٥٥ .

( ٩ ) الاسراء : ٩ .

( ١٠ ) الكهف : ٣ .

٣٦

القرآن يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون و انه لهدىً و رحمة للمؤمنين ١ .

هذا ، و في فضل حامل قرآن ( الكافي ) عن حفص بن غياث سمعت موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول لرجل اتحب البقاء في الدنيا ؟ فقال : نعم ، فقال و لم قال لقراءة ( قل هو اللّه أحد ) فسكت عنه فقال لي بعد ساعة يا حفص من مات من اوليائنا و شيعتنا و لم يحسن القرآن علم في قبره ليرفع اللّه به درجته فان درجات الجنة على عدد آيات القرآن يقال له اقرأ و ارق فيقرأ ثم يرقا إلى أن قال حفص : و كانت قراءتهعليه‌السلام حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب انسانا .

٥ في الخطبة ( ١٧١ ) وَ اِعْلَمُوا أَنَّ هَذَا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟

هُوَ اَلنَّاصِحُ اَلَّذِي لاَ يَغُشُّ وَ اَلْهَادِي اَلَّذِي لاَ يُضِلُّ وَ اَلْمُحَدِّثُ اَلَّذِي لاَ يَكْذِبُ وَ مَا جَالَسَ هَذَا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ مِنْ فَاقَةٍ وَ لاَ لِأَحَدٍ قَبْلَ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَ اِسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ اَلدَّاءِ وَ هُوَ اَلْكُفْرُ وَ اَلنِّفَاقُ وَ اَلْغَيُّ وَ اَلضَّلاَلُ فَاسْأَلُوا اَللَّهَ بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَ لاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ اَلْعِبَادُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ قَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَ مَنْ مَحَلَ بِهِ ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَ عَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ وَ اِسْتَدِلُّوهُ

____________________

( ١ ) النمل : ٧٦ ٧٧ .

٣٧

عَلَى رَبِّكُمْ وَ اِسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اِتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَ اِسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ « و اعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش » بخلاف باقي الناصحين فقد يغشون ، قال الشاعر : « و مؤتمن بالغيب غير امين » .

و في ( المروج ) استشار مروان بن محمد ، إسماعيل بن عبد اللّه القشيري لمّا انهزم من المسودة بحران أن يلحق بالروم مكاتبا لصاحبها معاهدا له حتى يحصل له استعداد و كان هو الرأي فغشه و قال له اعيذك باللّه من هذا الرأي تحكم أهل الشرك في بناتك و حرمك و لكن اقطع الفرات ثم استنفر الشام إلى أن قال بعد ذكر و ثوب أهل البلاد عليه فعلم مروان ان اسماعيل غشه في الرأي و انه فرط في مشورته إذ شاور رجلا من قحطان موترا متعصبا من قومه على اضدادهم من نزار ، و ان الرأي الذي هم بفعله من قطع الدرب و نزول بعض حصون الروم و مكاتبة ملكها إلى أن يرتأى في أمره كان اولى الخ قال تعالى في كتابه :انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين ١ .

« و الهادي الذي لا يضل »ان هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ٢ .و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا حسنا ماكثين فيه ابداً ٣ .

« و المحدث الذي لا يكذب »لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ٤ و في ( الاسد ) عن أبي وداعة الحميدي قال : كنت

____________________

( ١ ) الواقعة : ٧٧ ٨٠ .

( ٢ ) الاسراء : ٩ .

( ٣ ) الكهف : ٢ ٣ .

( ٤ ) فصلت : ٤٢ .

٣٨

إلى جنب مالك بن عبادة أبي موسى الغافقي و عقبة بن عامر يحدث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو موسى : ان صاحبكم لحافظ أو هالك ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبنا في حجة الوداع ، فقال : عليكم بالقرآن فانكم ترجعون إلى قوم يشتهون الحديث فمن عقل شيئا فليحدث به و من افترى على فليتبوّأ مقعده من النار .

و كل حديث لا يوافقه كذب فروى العياشي عن الصادقعليه‌السلام قال : ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، و ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به .

« و ما جالس هذا القرآن أحد » إذا لم يكن من أهل العناد و الطغيان .

« إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان زيادة في هدى أو نقصان من عمى » و أما من كان من أهل اللجاج فلا يزيده إلا عمى ، قال تعالى : و إذا ما انزلت سورة فمنهم من يقولايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا و هم يستبشرون و أما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم و ماتوا و هم كافرون أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون و لا هم يذكرون ١ .قل هو للذين آمنوا هدى و شفاء و الذين لا يؤمنون في آذانهم و قر و هو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ٢ و قال في المؤمنين :انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه و جلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا و على ربهم يتوكلون ٣ و قال في غيرهم :

و إذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا . . ٤ .

____________________

( ١ ) التوبة : ١٢٤ ١٢٦ .

( ٢ ) فصلت : ٤٤ .

( ٣ ) الانفال : ٢ .

( ٤ ) الجاثية : ٩ .

٣٩

« و اعلموا انه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة » .تبياناً لكل شي‏ء . . ١ و لاح حَبّةٍ في ظلماتِ الأرض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين ٢ .

« و لا لاحد قبل القرآن من غنى »هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٣ .

« فاستشفوه من ادوائكم » روى العياشي عن الصادقعليه‌السلام : عليكم بالقرآن فما وجدتم آية نجابها من كان قبلكم فاعملوا به ، و ما وجدتموه ممّا هلك من كان قبلكم فاجتنبوه .

« و استعينوا به على لأوائكم » أي : شدّتكم و في ( الكافي ) عن الزهري ، قال علي بن الحسينعليه‌السلام لو مات من بالمشرق و المغرب ما توحشت بعد ما كان القرآن معي ، و كانعليه‌السلام إذا قرأ مالك يوم الدين ٤ يكررها حتى كاد أن يموت .

« فان فيه الشفاء من أكبر الداء و هو الكفر و النفاق و الغي و الضلال »قل أوحى الي انّه استمع نفر من الجن فقالوا انّا سمعنا قرآنا عجباً يهدي الى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحداً ٥ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لمّا في الصدور و هدى و رحمة للمؤمنين ٦ .

« فاسألوا اللّه به و توجهوا إليه بحبه » في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان أهل

____________________

( ١ ) النحل : ٨٩ .

( ٢ ) الانعام : ٥٩ .

( ٣ ) الجمعة : ٢ .

( ٤ ) الفاتحة : ٢ .

( ٥ ) الجن : ١ ٢ .

( ٦ ) يونس : ٥٧ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

- ٥ -

عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي ومشاجرته أخاه

إنّ الكليم موسى بن عمران أحد الأنبياء العظام، وصفه سبحانه بأتم الأوصاف وأكملها، قال عزّ من قائل:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيمن وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (١) .

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) .

ووصف كتابه بقوله:( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (٣) .

ومع ذلك كلّه: فقد استدلّ المخالف بعدم عصمته بأمرين:

أحدهما: قتله القبطي وتوصيفه بأنّه من عمل الشيطان.

ثانيهما: مشاجرته أخاه مع عدم كونه مقصّ-راً، وإليك البحث عن كل واحد منهما.

____________________

١ - مريم: ٥١ - ٥٣.

٢ - الأنبياء: ٤٨.

٣ - الأحقاف: ١٢.

١٦١

ألف: عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي

قال عزّ من قائل:( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُليْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذا مِنْ عَدُوِّه فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي فَاغْفِر لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (١) .

ويذكر القرآن تلك القصّة في سورة الشعراء بصورة موجزة ويقول سبحانه:( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُركَ سِنينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الكَافِرينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) (٢) .

وتدلّ الآيات على أنّ موسىعليه‌السلام ورد المدينة عندما كان أهلها غافلين عنه، إمّا لأنّه ورد نصف النهار والناس قائلون، أو ورد في أوائل الليل، وإمّا لغير ذلك، فوجد فيها رجلين كان أحدهما إسرائيلياً والآخر قبطياً يقتتلان، فاستنصره الذي من شيعته على الآخر، فنصره، فضربه بجمع كفه في صدره فقتله، وبعدما فرغ من أمره ندم ووصف عمله بما يلي:

١ -( هذا من عمل الشيطان ) .

٢ -( ربّ إنّي ظلمت نفسي ) .

٣ -( فاغفر لي فغفر له ) .

٤ -( فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين ) .

____________________

١ - القصص: ١٤ - ١٧.

٢ - الشعراء: ١٨ - ٢٠.

١٦٢

وهذه الجمل الأربع تعرب عن كون القتل أمراً غير مشروع؛ ولأجل ذلك وصفه تارة بأنّه من عمل الشيطان، وأُخرى بأنّه كان ظالماً لنفسه، واعترف عند فرعون بأنّه فعل ما فعل وكان عند ذاك من الضالّين ثالثاً، وطلب المغفرة رابعاً.

أقول: قبل توضيح هذه النقاط الأربع نلفت نظر القارئ الكريم إلى بعض ما كانت الفراعنة عليه من الأعمال الإجرامية، ويكفي في ذلك قوله سبحانه:( إِنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الأرضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويَسْتَحْي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ ) (١) ، ولم يكن فرعون قائماً بهذه الأعمال إلاّ بعمالة القبطيين الذين كانوا أعضاده وأنصاره، وفي ظل هذه المناصرة ملكت الفراعنة بني إسرائيل رجالاً ونساءً، فاستعبدوهم كما يعرب عن ذلك قوله سبحانه:( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٢) ولمّا قال فرعون لموسى:( ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ) (٣) واستعلى عليه بأنّه ربّاه وليداً منذ أن ولد إلى أن كبر أجابه موسى بأنّه هل تمن عليّ بهذا وقد عبدت بني إسرائيل ؟

وعلى ذلك فقتل واحد من أنصار الطغمة الأثيمة التي ذبحت مئات بل آلاف الأطفال من بني إسرائيل واستحيوا نساءهم، لا يعد في محكمة العقل والوجدان عملاً قبيحاً غير صحيح، أضف إلى ذلك أنّ القبطي المقتول كان بصدد قتل الإسرائيلي لو لم يناصره موسى كما يحكي عنه قوله:( يقتتلان ) ، ولو قتله القبطي لم يكن لفعله أيّ ردّ فعل؛ لأنّه كان منتمياً للنظام السائد الذي لم يزل يستأصل بني إسرائيل ويريق دماءهم طوال سنين، فكان قتله في نظره من قبيل قتل الإنسان الشريف أحد عبيده لأجل تخلّفه عن أمره.

إذا وقفت على ذلك، فلنرجع إلى توضيح الجمل التي توهم المستدل بها

____________________

١ - القصص: ٤.

٢ - الشعراء: ٢٢.

٣ - الشعراء: ١٨.

١٦٣

دلالتها على عدم العصمة فنقول:

١ - إن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون لفظ ( هذا ) إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والإسرائيلي وانتهت إلى قتل الأوّل، وعلى هذا الوجه ليست فيه أيّة دلالة على شيء ممّا يتوخّاه المستدل وقد رواه ابن الجهم عن الإمام الرضاعليه‌السلام عندما سأله المأمون عن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) فقال: الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله(١) .

الثاني: إنّ لفظ ( هذا ) إشارة إلى قتله القبطي، وإنّما وصفه بأنّه من عمل الشيطان، لوجهين:

ألف: إنّ العمل كان عملاً خطأً محضاً ساقه إلى عاقبة وخيمة، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما انتشر سرّه ووقف بلاط فرعون على أنّ موسى قتل أحد أنصار الفراعنة، وأتمروا عليه ليقتلوه، ولولا أنّ مؤمن آل فرعون أوقفه على حقيقة الحال، لأخذته الجلاوزة وقضوا على حياته، كما قال سبحانه:( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (٢) ، فلم تكن لهذا العمل أيّة فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة ( مدين )، والاشتغال برعي الغنم أجيراً لشعيبعليه‌السلام .

فكما أنّ المعاصي تنسب إلى الشيطان، قال سبحانه:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣) ،

____________________

١ - البرهان: ٣/٢٢٤؛ عيون أخبار الرضا: ١/١٩٩.

٢ - القصص: ٢٠.

٣ - المائدة: ٩٠.

١٦٤

فكذلك الأعمال الخاطئة الناجمة من سوء التدبير وضلال السعي، السائقة للإنسان إلى العواقب المرّة، تنسب إليه أيضاً.

فالمعاصي والأعمال الخاطئة كلاهما تصح نسبتهما إلى الشيطان بملاك أنّه عدو مضل للإنسان، والعدو لا يرضى بصلاحه وفلاحه بل يدفعه إلى ما فيه ضرره في الآجل والعاجل، ولأجل ذلك قال بعدما قضى عليه:( هذا من عمل الشيطان أنّه عدو مضل مبين ) .

ب - إنّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة، كما قال سبحانه:( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمينَ ) (١) .

٢ - وبذلك يعلم مفاد الجملة الثانية التي هي من إحدى مستمسكات المستدل أعني قوله:( ربِّ إنّي ظلمت نفسي ) ، فإنّ الكلام ليس مساوقاً للمعصية ومخالفة المولى، بل هو كما صرّح به أئمّة اللغة وقدمنا نصوصهم عند البحث عن عصمة آدم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، وقد عرفت أنّ عمل موسى كان عملاً واقعاً في غير موقعه، وخاطئاً من جهتين: من جهة أنّه ساقه إلى عاقبة مرة، حيث اضطر إلى ترك الأهل والدار والديار، ومن جهة أُخرى أنّه كان عملاً ناشئاً من الاستعجال في إهلاك العدو بلا موجب، ولأجل تينك الجهتين كان عملاً واقعاً في غير محلّه، فصحّ أن يوصف العمل بالظلم، والعامل بالظالم، والذي يعرب عن ذلك أنّه جعله ظلماً لنفسه لا للمولى، ولو كان معصية لكان ظلماً لمولاه وتعدّياً على حقوقه، كما هو الحال في الشرك فإنّه ظلم للمولى وتعدّ

____________________

١ - القصص: ٤٠.

١٦٥

عليه، قال سبحانه:( لا تُشْرِكْ بِاللهِ إنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (١) .

٣ - وأمّا الجملة الثالثة، أعني قوله:( فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم ) ، فليس طلب المغفرة دليلاً على صدور المعصية؛ لأنّه بمعنى الستر، والمراد منه إلغاء تبعة فعله وإنجاؤه من الغم وتخليصه من شر فرعون وملئه، وقد عبّر عنه سبحانه:( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) (٢) ، وقد نجّاه سبحانه بإخبار رجل من آل فرعون عن المؤامرة عليه، فخرج من مصر خائفاً يترقّب إلى أن وصل أرض مدين، فنزل دار شعيب، وقصّ عليه القصص، وقال له شعيب:( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِمِين ) (٣) .

وبذلك غفر وستر عمله ونجّاه سبحانه من أعين الفراعنة، ومكّن له الورود إلى ماء مدين والنزول في دار أحد أنبيائهعليهم‌السلام .

أضف إلى ذلك: أنّ قتل القبطي وإن لم يكن معصية ولكن كان المترقّب من موسى تركه وعدم اقترافه، فصدور مثله من موسى يناسب طلب المغفرة، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، إذ ربّ عمل مباح لا يؤاخذ به الإنسان العادي ولكنّه يؤاخذ به الإنسان العارف، فضلاً عن شخصية إلهيّة سوف تبعث لمناضلة طاغية العصر، فكان المناسب لساحتها هو الصبر والاستقامة في حوادث الحياة، حلوها ومرّها، والفصل بين المتخاصمين بكلام ليّ-ن، وقد أمر به عندما بعث إلى فرعون فأمره سبحانه أن يقول له قولاً ليّناً(٤) ، وقد أوضحنا مفاد هذه الكلمة عند

____________________

١ - لقمان: ١٣.

٢ - طه: ٤٠.

٣ - القصص: ٢٥.

٤ - طه: ٤٤.

١٦٦

البحث عن آدم وحواء إذ:( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرينَ ) (١) .

٤ - وأمّا قوله سبحانه:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، فالمراد من الضلال هو الغفلة عمّا يترتّب على العمل من العاقبة الوخيمة، ونسيانها، وليس ذلك أمراً غريباً، فقد استعمل في هذين المعنيين في الذكر الحكيم، قال سبحانه:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى ) (٢) ، فالمراد نسيان أحد الشاهدين وغفلته عمّا شهد به، وقال سبحانه:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٣) أي إذا غبنا فيها.

قال في لسان العرب: الضلال: النسيان وفي التنزيل:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخرى ) أي يغيب عن حفظها، ومنه قوله تعالى:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) وضللت الشيء: أنسيته وأصل الضلال: الغيبوبة يقال ضلّ الماء في اللبن إذا غاب، ومنه قوله تعالى:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لفي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٤) .

وعلى الجملة: إنّ كليم الله يعترف بتلك الجملة عندما اعترض عليه فرعون بقوله:( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ويعتذر عنها بقوله:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، والمناسب لمقام الاعتذار هو تفسير الضلال بالغفلة عمّا يترتّب على العمل من النتائج ونسيانها.

____________________

١ - الأعراف: ٢٣.

٢ - البقرة: ٢٨٢.

٣ - السجدة: ١٠.

٤ - لسان العرب: ١١/٣٩٢- ٣٩٣، مادة ( ضل ).

١٦٧

وحاصله: أنّه قد استولت علىّ الغفلة حين الاقتراف، وغاب عنّي ما يترتّب عليه من ردّ فعل ومر العاقبة، ففعلت ما فعلت.

ومن اللحن الواضح تفسير الضلالة بضد الهداية، كيف وإنّ الله سبحانه يصفه قبل أن يقترف القتل بقوله:( آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، كما أنّ نفس موسى بعد ما طلب المغفرة واستشعر إجابة دعائه قال:( رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (٢) ، أفيصح بعد هذا تفسير الضلالة بالغواية ضد الهداية ؟! كلا و لا.

هذا كلّه حول المستمسك الأوّل، أعني: قتل القبطي، فهلمّ معي ندرس المستمسك الثاني للخصم من اتهام كليم الله الأعظم - عليه وعلى جميع رسل الله آلاف الثناء والتحيّة - بعدم العصمة.

ب - مشاجرته أخاه هارونعليه‌السلام

إنّ الله سبحانه واعد موسى - بعد أن أغرق فرعون - بأن يأتي جانب الطور الأيمن فيوفيه التوراة التي فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاج إليه، وكانت المواعدة على أن يوافي الميعاد مع جماعة من وجوه قومه، فتعجّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربّه وسبقهم على أن يلحقوا به، ولمّا خاطبه سبحانه بقوله:( وما أعجلك عن قومك يا موسى ) أجابه بأنّهم( على أثري ) وورائي يدركونني عن قريب، وعند ذلك أخبره سبحانه بأنّه امتحن قومه بعد فراقه( وأضلّهم السامري ) ، فرجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل حزيناً مغضباً، فرأى أنّ السامري

____________________

١ - القصص: ١٤.

٢ - القصص: ١٧.

١٦٨

( أخرج لهم عجلاً ) جسداً له صوت، وقال: إنّه إله بني إسرائيل عامة، وتبعه السفلة والعوام، واستقبل موسى هارون فألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون ويناقشه، وهذا ما يحكيه سبحانه في سورتين ويقول:( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوْا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) .

ويقول سبحانه:( فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ فَأَخَلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) (٢) .

فهاهنا يطرح سؤالان:

١- لماذا ألقى الألواح ؟

٢- لماذا ناقش أخاه وقد قام بوظيفته ؟

وإليك تحليل السؤالين بعد بيان مقدّمة وهي:

إنّ موسى قد خلف هارون عندما ذهب إلى الميقات، وقد حكاه سبحانه بقوله:( وَقَالَ مُوسَى لأخيه هَارُونَ اخُلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٣) وقام هارون بوظيفته في قومه، فعندما أضلّهم السامري ناظرهم بقوله:( يا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (٤) واكتفى في ذلك بالبيان واللوم ولم يقم في وجههم بالضرب والتأديب وقد بيّنه

____________________

١ - الأعراف: ١٥٠.

٢ - طه: ٨٦، ٩٢ - ٩٤.

٣ - الأعراف: ١٤٢.

٤ - طه: ٩٠.

١٦٩

لأخيه بقوله:( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) .

هذا ما يخصّ هارون، وأمّا ما يرجع إلى موسى، فقد أخبره سبحانه عن إضلال السامري قومه بقوله:( فَإنَّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ ) (١) ، ورجع إلى قومه غضبان أسفاً وخاطبهم بقوله:( بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجَلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكمْ ) وقال أيضاً :( أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ ) وفي هذا الظرف العصيب أظهر كليم الله غضبه بإنجاز عملين:

١- إلقاء الألواح جانباً.

٢- مناقشته أخاه بقوله:( مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) ، فعند ذلك يطرح السؤالان نفسهما :

لماذا ألقى الألواح أوّلاً ؟ ولماذا ناقش أخاه وناظره وقد قام بوظيفته ثانياً ؟ فنقول:

لا شك أنّ ما اقترفه بنو إسرائيل من عبادة العجل كان من أقبح الأعمال وأفظعها كيف ؟! وقد أهلك الله عدوهم وأورثهم أرضهم، فكان المترقّب منهم هو الثبات على طريق التوحيد ومكافحة ألوان الشرك - ومع الأسف - فإنّهم كفروا بعظيم النعمة، وتركوا عبادته سبحانه، وانخرطوا في سلك الثنوية مع الجهل بقبح عملهم وفظاعة فعلهم.

إنّ أُمّة الكليم، وإن كانت غافلة عن مدى قبح عملهم، لكنّ سيّدهم ورسولهم كان واقفاً على خطورة الموقف وتعدّي الأُمّة، فاستشعر بأنّه لو لم يكافحهم بالعنف والشدّة ولم يقم في وجههم بالاستنكار مع إبراز التأسّف

____________________

١ - طه: ٨٥.

١٧٠

والغضب، فربّما تمادى القوم في غيّهم وضلالهم وحسبوا أنّهم لم يقترفوا إلاّ ذنباً خفيفاً أو مخالفة صغيرة ولم يعلموا أنّهم حتى ولو رجعوا إلى الطريق المهيع، واتّبعوا جادة التوحيد ربّما بقيت رواسب الشرك في أغوار أذهانهم، فلأجل إيقافهم على فظاعة العمل، قام في مجال الإصلاح مثل المدير الذي يواجه الفساد فجأة في مديريته ولا يعلم من أين تسرّب إليها.

فأوّل ما يبادر إليه هو مواجهة القائم مقامه الذي خلفه في مكانه، وأدلى إليه مفاتيح الأُمور، فإذا ثبتت براءته ونزاهته وأنّه قام بوظيفته خير قيام حسب تشخيصه ومدى طاقته، تركه حتى يقف على جذور الأمر والأسباب الواقعية التي أدّت إلى الفساد والانهيار.

وهكذا قام الكليم بمعالجة القضية، وعالج الواقعة المدهشة التي لو بقيت على حالها، لانتهت إلى تسرّب الشرك إلى عامّة بني إسرائيل وذهب جهده طوال السنين سدى، فأوّل رد فعل أبداه، أنّه واجه أخاه القائم مقامه في غيبته، بالشدّة والعنف حتى يقف الباقون على خطورة الموقف، فأخذ بلحيته ورأسه مهيمناً عليه متسائلاً بأنّه لماذا تسرّب الشرك إلى قومه مع كونه فيهم ؟! ولمّا تبيّنت براءته وأنّه أدّى وظيفته كما يحكيه عنه سبحانه بقوله:( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بيَ الأعداءَ وَلا تجعلني مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) اندفع إليه بعطف وحنان ودعا له فقال:( رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأخي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) إنّ طلب المغفرة لنفسه وأخيه لا يدل على صدور أيّ خلاف منهما، فإنّ الأنبياء والأولياء لاستشعارهم بخطورة الموقف وعظمة المسؤولية، ما زالوا يطلبون غفران الله ورحمته لعلوّ درجاتهم، كما هو واضح لمَن تتبّع أحوالهم، وسيوافيك بيانه عند البحث عن عصمة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ - الأعراف: ١٥١.

١٧١

وبعدما تبيّن أنّ السبب الواقعي لتسرّب الشرك إلى قومه هو السامري وتبعه السفلة والعوام، أخذ بتنبيههم بقوارع الخطاب وعواصف الكلام بما هو مذكور في سورتي الأعراف وطه، نكتفي ببعضها حيث خاطب عَبَدَة العجل بقوله:

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) (١) .

ولمّا واجه السامري خاطبه بقوله:( فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرىُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الْرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فِإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفَاً * إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلْماً ) (٢) .

وبما ذكرنا يعلم أنّه لماذا ألقى الألواح وتركها جانباً ؟ فلم يكن ذاك العمل إلاّ كردّ فعلٍ على عملهم القبيح وفعلهم الفظيع إلى حد استولى الغضب على موسى فألقى الألواح، التي ظل أربعين يوماً في الميقات لتلقّيها، حتى يحاسب القوم حسابهم ويقفوا على أنّهم أتوا بأعظم الجرائم وأكبر المعاصي.

____________________

١ - الأعراف: ١٥٢.

٢ - طه: ٩٥ - ٩٨.

١٧٢

- ٦ -

عصمة داودعليه‌السلام وقضاؤه في النعجة

قد وصف سبحانه داود النبيعليه‌السلام بأسمى ما توصف به الشخصية المثالية، قال سبحانه:( واذكر عَبدنا داود ذا الأيدِ إنّه أوّاب ) .

وقد ذكر ملكه وسلطنته على الجبال والطيور على وجه يمثّل أقوى طاقة نالها البشر طيلة استخلافه على الأرض.

قال سبحانه:( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيّ وَ الإشراقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (١) .

فقد أخبر في الآية الأخيرة بأنّه أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، الذي يعد القضاء الصحيح بين المتخاصمين من فروعه وجزئياته.

ثمّ إنّه سبحانه ينقل بعده قضاءه في ( نبأ الخصم ) ويقول:

( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوْا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ

____________________

١ - ص: ١٨ - ٢٠.

١٧٣

نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَليلٌ مَا هُمْ وَظَّنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيَفَةً فِي الأرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيِلِ اللهِ ) (١) .

لقد تمسكت المخطّئة لعصمة الاَنبياء بقوله تعالى:( فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ ) حيث إنّ الاستغفار وغفرانه سبحانه له، آية صدور الذنب.

والإجابة عن هذا الاستدلال تحتاج إلى بيان مفردات الآية وإيضاح القصة فنقول:

إنّ تفسير الآية يتم ببيان عدّة أُمور:

١- توضيح مفرداتها.

٢- إيضاح القصة.

٣- هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

٤- لماذا استغفر داود، وهل كان استغفاره للذنب أو لأجل ترك الأولى ؟

وإليك بيان هذه الأمور:

١- توضيح المفردات

( الخصم ): مصدر ( الخصومة )، أُريد به الشخصان.

____________________

١ - ص: ٢١ - ٢٦.

١٧٤

( التسوّر ): الارتقاء إلى أعلى السور، وهو ما كان حائطاً، ( كالتسنّم ) بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير، و ( التذرّي ) بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبال، والمراد من المحراب في الآية الغرفة.

( الفزع ): انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع.

( الشطط ): الجور.

( النعجة ): الأُنثى من الضأن.

والمراد من قوله: ( اكفلنيها ): اجعلها في كفالتى وتحت سلطتى، ومن قوله ( عزّني في الخطاب): أنّه غلبنى فيه.

هذا كله راجع إلى توضيح مفردات الآية.

٢- إيضاح القصّة

كان داودعليه‌السلام جالساً في غرفته إذ دخل عليه شخصان بغير إذنه، وكانا أخوين يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة ويملك الآخر نعجة واحدة، وطلب الأوّل من أخيه أن يعطيه النعجة التي تحت يده، مدّعياً كونه محقّاً فيما يقترحه على أخيه، وقد ألقى صاحب النعجة الواحدة كلامه على وجهٍ هيّج رحمة النبي داود وعطفه.

فقضىعليه‌السلام طبقاً لكلام المدّعي من دون الاستماع إلى كلام المدّعى عليه، وقال:( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) .

ولما تنبّه أنّ ما صدر منه كان غير لائق بساحته، وأنّ رفع الشكوى إليه كان فتنة وامتحاناً منه سبحانه بالنسبة إليه( فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) .

١٧٥

٣ - هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

إنّ القرائن الحافّة بالآية تشعر بأنّ الخصمين لم يكونا من جنس البشر، وهذه القرائن عبارة عن:

١ - تسوّرهم المحراب ودخولهم عليه دخولاً غير عادي، مع أنّ طبع الحال يقتضي أن يكون محرابه محفوفاً بالحرس، ولا أقل بمَن يطلعه على الأمر، فلو كان الدخول بإذنهم كان داودعليه‌السلام مطّلعاً عليه ولم يكن هناك أيّ فزع.

٢- خطاب الخصمين لداودعليه‌السلام بقولهم:( لا تخف ) مع أنّ هذا الخطاب لا يصح أن تخاطب به الرعية الراعي، وطبيعة الحال تقتضي أن يخاطب به الراعي الرعيّة.

٣ - إنّ خطابهما لداود بما جاء في الآية، أشبه بخطاب ضيف إبراهيم لهعليه‌السلام ، يقول سبحانه:( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (١) ، ويقول سبحانه:( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (٢) .

٤ - تنبّههعليه‌السلام بأنّه كان فتنة من الله له وامتحاناً منه، وهي تشعر بأنّ الواقعة لم تكن عادية، وهذا يناسب كون الدعوى مطروحة من جانبه سبحانه عن طريق الملائكة.

٥ - إنّ الهدف من طرح تلك الواقعة كان لغاية تسديده في خلافته وحكمه بين الناس؛ حتى يمارس القضاء بالنحو اللائق بساحته، ولا يغفل عن التثبت

____________________

١ - الحجر: ٥١ - ٥٣.

٢ - الذاريات: ٢٨.

١٧٦

ولأجل ذلك خاطبه سبحانه بعد قضائه في ذلك المورد بقوله:( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرضِ فاحكم بين الناس بالحق ) كل ذلك يؤيّد كون الخصمين من الملائكة تمثّلوا له بصورة رجلين من الإنس.

نعم كانت القصّة وطرح الشكوى عنده أمراً حقيقياً كقصّة ضيف إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) لا بصورة الرؤيا وما أشبهها.

٤ - كون الاستغفار لأجل ترك الأولى

استدلت المخطّئة باستغفاره وإنابته إلى الله، على صدور ذنب منه ولكنّه لا يدل على ذلك:

أمّا أوّلاً : إنّ قضاءه لم يكن قضاء باتّاً خاتماً للشكوى، بل كان قضاءً على فرض السؤال، وإنّ مَن يملك تسعاً وتسعين نعجة ولا يقتنع بها ويريد ضمّ نعجة أخيه إليها، ظالم لأخيه، وكان المجال بعد ذلك بالنسبة إلى المعترض مفتوحاً وإن كان الأولى والأليق بساحته هو أنّه إذا سمع الدعوى من أحد الخصمين، أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ولا يتسرّع في القضاء ولو بالنحو التقديري.

وإنّما بادر إليه لأنّهعليه‌السلام فوجئ بالقضية ودخل عليه المتخاصمان بصورة غير عادية فلم يظهر منه التثبّت اللائق به.

ولمّا تنبّه إلى ذلك وعرف أنّ ما وقع، كان فتنة وامتحاناً من الله بالنسبة إليه( استغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) تداركاً لما صدر منه ممّا كان الأولى تركه أوّلاً، وشكراً وتعظيماً لنعمة التنبّه الذي نال به فوراً بعد الزلّة ثانياً.

وثانياً : إنّ من الممكن أن يكون قضاؤه قبل سماع كلام المدّعى عليه؛ لأجل انكشاف الواقع له بطريق من الطرق وأنّ الحق مع المدّعي، فقضى بلا استماع

١٧٧

لكلام المدّعى عليه، نعم الأولى له حتى في هذه الصورة ترك التسرّع في إصدار الحكم، والقضاء بعد الاستماع، ولمّا ترك ما هو الأولى بحاله استغفر لذلك، وقد تكرّر منّا، أنّ ترك الأولى من الأنبياء ذنب نسبي وإن لم يكن ذنباً على وجه الإطلاق.

وثالثاً: لمّا كانت الشكوى مرفوعة إليه من قبل الملائكة، ولم يكن ذلك الظرف ظرف التكليف، كانت خطيئة داود في ظرف لا تكليف هناك، كما أنّ خطيئة آدمعليه‌السلام كانت في الجنّة ولم تكن الجنّة دار تكليف، ومع ذلك كلّه لمّا كان التسرّع في القضاء بهذا الوجه أمراً مرغوباً عنه استغفر داود وأناب إلى الله استشعاراً بخطر المسؤولية بحيث يعد ترك الأولى منه ذنباً يحتاج إلى الاستغفار.

نعم قد وردت في التفاسير أحاديث في تفسير الآية - لا يشك ذو مسكة من العقل - أنّها إسرائيليات تسرّبت إلى الأُمّة الإسلامية عن طريق أحبار اليهود ورهبان المسيحية، فالأولى الضرب عنها صفحاً، وسياق الآيات يكشف عن أنّ زلّته لم تكن إلاّ في أمر القضاء فقط لا ما تدّعيه جهلة الأحبار من ابتلائه بما يخجل القلم عن ذكره؛ ولأجله يقول الإمام عليعليه‌السلام في حق مَن وضع هذه الترّهات أو نسبها إلى النبي داودعليه‌السلام : ( لا أُوتى برجل يزعم أنّ داود تزوج امرأة ( أُوريا ) إلاّ جلدته حدّين: حدّاً للنبوّة وحدّاً للإسلام )(١) .

____________________

١ - مجمع البيان: ٤/٤٧٢ ط المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

١٧٨

- ٧ -

عصمة سليمانعليه‌السلام

ومسألة عرض الصافنات الجياد وطلب الملك

إنّ سليمان النبيعليه‌السلام أحد الأنبياء وقد ملك من القدرة أروعها ومن السيطرة والسطوة أطولها، وآتاه الله الحكم والحلم والعلم، قال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ) (١) ، وقال عز من قائل:( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمَاً وَعِلْمَاً ) (٢) ، وعلّمه منطق الطير قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٣) ، ووصف الله قدرته بقوله:( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والإنسِ وَالطَّيْرِ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في توصيف قدرته وسعة علمه وعلوّ درجاته.

روى أصحاب السِيَر: كان سليمان صلّى الصلاة الأُولى، وقعد على كرسيّه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس فقال:( آثرت حبَّ الخيل على ذكر ربّي، وأنّ هذه الخيل شغلتني عن صلاة العصر ) فأمر بردّ الخيل فأخذ يضرب سوقها وأعناقها؛ لأنّها كانت سبب فوت صلاته(٥) .

____________________

١ - النمل: ١٥.

٢ - الأنبياء: ٧٩.

٣ - النمل: ١٦.

٤ - النمل: ١٧.

٥ - تفسير الطبري: ٢٣/٩٩ - ١٠٠؛ الدر المنثور: ٥/٣٠٩.

١٧٩

وفي بعض التفاسير أنّ المراد من ( ردّوها ) هو طلب ردّ الشمس عليه، فردّت فصلّى العصر(١) .

ويدّعي بعض هؤلاء أنّ ما ساقوه من القصّة تدل عليه الآيات التالية، أعني قوله سبحانه:( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيّ فَطَفِقَ مَسْحَاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) (٢) .

فهل لما ذكروه مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، أو أنّ الآيات تهدف إلى أمرٍ آخر خفيٍّ على هؤلاء، وأنّهم أخذوا ما ذكروه من علماء أهل الكتاب، كما سيوافيك بيانه ؟

ونقد هذه القصّة المزعومة يتوقّف على توضيح مفاد الآيات حتى يقف القارئ على أنّ-ها من قبيل التفسير بالرأي، الممنوع، ومن تلفيقات علماء أهل الكتاب التي حمّلت على القرآن وهو بريء منها.

أقول:

١ -( الصافنات ) : جمع ( الصافنة )، وهي الخيل الواقفة على ثلاث قوائم، الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض حتى يكون على طرف الحافر.

٢ -( الجياد ) : جمع ( الجواد ) ،وهي السراع من الخيل، كأنّها تجود بالركض.

٣ -( الخير ) : ضد ( الشر )، وقد يُطلق على المال كما في قوله سبحانه:( إنْ تَرَكَ خَيراً ) (٣) ، والمراد منه هنا هي ( الخيل )، والعرب تسمّي الخيل خيراً، وسمّى

____________________

١ - مجمع البيان ناسباً إلى ( القيل ) : ٤/٤٧٥.

٢ - ص: ٣٠ - ٣٣.

٣ - البقرة: ١٨٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617